شرح زيارة عاشوراء

الشيخ أبي المعالي الكلباسي

شرح زيارة عاشوراء

المؤلف:

الشيخ أبي المعالي الكلباسي


المحقق: الشيخ يوسف أحمد الأحسائي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-8438-50-5
الصفحات: ٢٩٦

١
٢

٣
٤

٥
٦

السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ ،

السَّلَامُ عَلَى الْحُسَيْنِ

وَعَلىٰ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ،

وَعَلىٰ أَوْلادِ الْحُسَيْنِ ،

وَعَلىٰ أَصْحابِ الْحُسَيْنِ ،

٧
٨

مقدّمة

موسوعة شروح زيارة عاشوراء

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين

واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

منذ أن بزغ نور هذا الدين وهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحسين عليه السلام ، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وآله يشيد به عليه السلام في كثير من المواقف منذ أن كان الحسين عليه السلام وليداً إلى يوم رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله عن هذه الدنيا ، فتراه يرثيه باكياً في يوم ولادته أمام جمع من المسلمين ، ويرثيه في يوم رحيله وهو على فراش المرض.

وما بين هاتين المرحلتين الكثير من المواقف التي صدرت منه صلى الله عليه وآله في شأن الحسين عليه السلام ، والتي لسنا بصدد تتبعها في هذه المقدمة ، وكان من أهمها مقولة رسول الله صلى الله عليه وآله المشهورة «حُسَينٌ مِنِّي وَأَنَا مِن حُسَينٍ ، أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيناً» هذه المقولة التي تكشف بجلاء ما للحسين عليه السلام من مقام شامخ مرتبط بهذا الدين كما هو مقام رسول الله صلى الله عليه وآله.

فكيف لنا في هذه العجالة أن نحيط بمقامات الحسين عليه السلام الذي هو من رسول الله ورسول الله منه؟ كيف لنا أن نحيط بأسرار الحسين وأبعاده وهو بهذه المنزلة العظيمة الشامخة؟

٩

إلّا أنّه هناك بُعد ومقام خاصّ يربطنا بالحسين عليه السلام ألا وهو بعد الزيارة ، هذا البعد الذي أكّدت عليه النصوص الكثيرة الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام ، بل قد لا تجد أحداً من المعصومين تمّ التأكيد على زيارته كما حصل لزيارة الحسين عليه السلام ، فدونك ما دون في شأن زيارته عليه السلام في كتب الأدعية والزيارات وفي الكتب المطولات ، فإنّه ممّا لا يحصى كثرة ولا يسع المجال تتبعاً ، ولا نظن أن يخفى هذا البعد على طالب صغير فضلاً عن غيره.

فلا تكاد ترى مناسبة مهمة إلّا وتجد لزيارته عليه السلام موقعاً أساسياً في أعمال تلك المناسبة ، فها هي مناسبة ليالي القدر وليالي العيدين وقد احتلت زيارته عليه السلام فيها الموقع المهم ، ومثلها زيارته عليه السلام في يوم عرفة ، وكذلك زيارته عليه السلام في النصف من شهر شعبان ، وزيارته عليه السلام في النصف من شهر رجب ، وكذلك زيارته عليه السلام في يوم الأربعين ، وغيرها الكثير فضلاً عن الزيارات المطلقة.

والأهم من بين هذه الزيارات زيارته في يوم شهادته عليه السلام ، يوم قارع الظلم وفدى هذا الدين بأغلى ما يملك وهو نفسه الزكيّة الطاهرة ، حيث جاد بنفسه وأهل بيته وأصحابه قتلاً ونسائه وعائلته سبياً وتشريداً يُطافُ بهنّ من بلد إلى بلد وهن حرائر بيت الوحي وذرية رسول الله صلى الله عليه وآله ، كل ذلك كان بعين الله ومشيئته سبحانه تقدّست آلاؤه ، وقد أفصح عليه السلام عن ذلك عندما سئل عن السبب في أخذه لعائلته ونسائه فقال : «شاء الله أن يراني قتيلاً ، وأن يرى النساء سباياً» ، هذا اليوم الذي تجسدت فيه روح الفداء لهذا الدين بأسمى معانيها وفي المقابل تجسدت فيه روح الظلم والعدوان بأبشع صورها ، فكان حق الحسين عليه السلام أن يزار في هذا اليوم بزيارة تتناسب مع هذه المعاني المتجسدة في ذلك اليوم ، وهذا عينه ما حصل من أئمّة الهدى عليهم السلام ، حيث رويت زيارته عليه السلام في يوم عاشوراء بطرق متعدّدة عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ، هذه الزيارة التي جسّدت الولاء الحقيقي للحسين عليه السلام ، والذي هو بدوره جسّد روح الولاء والتضحية لهذا الدين ، كما أكّدت هذه الزيارة على البراءة

١٠

الحقيقيّة من أعدائه وأعداء أهل البيت عليهم السلام ، أعداؤهم الذين جسّدوا روح العداء والظلم بأبشع الصور وأشنعها.

هذه الزيارة التي ما فتئ علماؤنا رضوان الله عليهم من الترنّم بها وجعلها ورداً خاصاً يلتزمون به في أيام حياتهم ، ولم يكن ذلك الالتزام منهم إلّا تمسّكاً بكلام الأئمّة عليهم السلام ، فإنّ هذا عينه ما نصّ عليه الإمام عليه السلام لعلقمة بن محمّد ، حيث قال له : «وإن استطعت أن تزوره في كلّ يوم بهذه الزيارة في دارك فافعل ، فلك ثواب ذلك ...».

كما أنه قلّما تجد كتاباً مدوّناً لجمع الأدعية والزيارات إلّا وتجد هذه الزيارة في صدارة زياراته عليه السلام ، فدونك ما سطّره أعلام الطائفة من القرن الثالث والرابع الهجري إلى يومنا هذا ، حيث إنّ أوّل مصدر لهذه الزيارة من بين الكتب الواصلة إلينا هو كتاب (كامل الزيارة) للشيخ جعفر بن محمّد ابن قولويه قدس سره (ت ٣٦٨ هـ ق) وكتاب (مصباح المتهجد وسلاح المتعبد) لشيخ الطائفة الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي قدس سره (ت ٤٦٠ هـ. ق) ، فإن ظاهر من جاء بعدهما أخذ رواية الزيارة منهما.

إلّا أنه ولما تشتمل عليه هذه الزيارة المباركة من إظهار للبراءة تصريحاً وتلويحاً ممن تجب البراءة منه مرت بظروف قاسية ، كان من أبرزها اختلاف النسخ وبرز ذلك بالخصوص في مصدرها الثاني أعني (مصباح المتهجد وسلاح المتعبد) فتجد بعض نسخه مشتملة على بعض الفقرات وبعضها الآخر غير مشتمل! ومن لاحظ وتتبّع الظروف التي مرّ بها الشيعة وبالخصوص شيخ الطائفة قدس سره وما لاقاه من الويلات وفتن ظهرت في زمانه وفي بغداد بالخصوص يدرك ما حصل في كتبه قدس سره من اختلاف النسخ وبالخصوص فيما يرتبط بزيارة عاشوراء ، ولا نريد أن نخوض هنا بحثاً تأريخياً حول تلك الظروف المشوبة بالخوف والحذر والتقية ، فهي بدرجة من الوضوح لمن له أدنى تتبع للتأريخ.

ولكن مع ذلك كلّه إذا رجعنا إلى نسخ الكتاب (مصباح المتهجد وسلاح المتعبد)

١١

يتضح لنا جلياً أنّ هذه الزيارة المباركة حصل فيها حذف أو طمس لبعض مقاطعها في بعض النسخ وهي الأقل وذلك للظرف الخاص الذي عاشه الشيعة في تلك الأزمنة أعني ظرف التقية والخوف حيث إن كثيراً من نسخ الكتاب ممّا وقع في حوزتنا مشتمل على فقرات لم تكن موجودة في بعض النسخ أو هي مطموسة ، فإذا لاحظنا الظرف المتقدم ذكره ولاحظنا الفقرات التي وقع لها الحذف أو الطمس ولاحظنا النسخ المشتملة على تلك الفقرات يتضح جلياً أن ذلك وقع لظرف خاص ، وهو مما لا يكاد يخفى على من له أدنى تتبع وتدقيق.

أما ما يرتبط بنسخ كتاب (مصباح المتهجد وسلاح المتعبد) فهناك عدد كبير من النسخ لهذا الكتاب المبارك منتشرة في المكتبات العامة والخاصة ، والذي يميز بعض هذه النسخ وجود مقابلة لها مع نسخ متقدّمة عليها ، بل قد تصل المقابلة في بعض النسخ إلى نسخة المصنف ، وهذا في حد ذاته يعطي النسخة التي تمّت مقابلتها قيمة تراثية كبيرة ، ويتعامل معها كما لو كانت بخط المصنف ، وخصوصاً إذا كان المقابل لها أحد علمائنا المعروفين.

ولا يخفى أن الكلام عن نسخ «المصباح» يرتبط بالمصباح الكبير و «المصباح» الصغير وهو (مختصر «المصباح») وكلاهما من تأليف شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي قدس سره ، لفرض أن الشيخ ذكر الزيارة في كلا الكتابين واختلاف النسخ وقع في كليهما ، ويوجد عندنا نسخ لكلا الكتابين ، فعندنا عشر نسخ للمصباح الكبير وخمس نسخ للمصباح الصغير ، وتم التعرض باختصار لبحث اختلاف نسخ «المصباح» في الكتاب الذي صدر تحت إشراف مكتب آية الله العظمى الميرزا التبريزي حفظه الله تعالى (زيارة عاشوراء فوق الشبهات).

١٢

عود على بدء

هذه الزيارة المباركة واجهت مزايدات كبيرة ممن ينتسبون لهذا المذهب الحق وحصل في الآونة الأخيرة هجوم عنيف من البعض على هذه الزيارة المباركة ، وكل ذلك كان بسبب اشتمالها على أمور مرتبطة بالعقيدة الحقة وفي خصوص مسألة الولاية والبراءة لمن وممن تجب الولاية له والبراءة منه ، حيث إن هذا الأمر يثير حفائظ الطرف الآخر ولا ينسجم مع التقارب المطروح والذي يروج له نفرٌ حتى لو كان على حساب عقائدنا الثابتة ، وهذا مما يؤسف له كثيراً ...

وهذا ما دفعنا للبحث والمتابعة لهذه الزيارة المباركة دفاعاً وتوضيحاً لعقائدنا وثوابتنا التي لا نقبل المزايدة عليها بأي وجه من الوجوه. فبدأنا بعون الله وتوفيقه في البحث عن نسخ مصباح المتهجد وكتب أخرى ترتبط بالزيارة المباركة فحصلنا في هذه الصدد على عدد كبير من النسخ ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك فلا نعيد.

وفي الضمن وقع في حوزتنا شرح للزيارة المباركة بطبعة قديمة حجرية (١) ليس فيها أي تصحيح ولا تحقيق وهو هذا الشرح المبارك (رسالة في بيان كيفية زيارة عاشوراء ، لعلّامة عصره وأوانه المحقّق والمدقّق الكبير أبي المعالي الكلباسي قدس سره) وهو أوّل شرح للزيارة المباركة وقع في حوزتنا ، لذلك به بدأنا موسوعتنا هذا ، وهذا ما ألفت نظرنا إلى المتابعة للشروح لهذه الزيارة وبدأنا فعلاً البحث في فهارس المكتبات العامة والخاصة وبتوفيق من الله تقدست آلاؤه حصلنا على شروح كثيرة للزيارة المباركة كتبت من قبل أعلام هذه الطائفة الحقة وفيها ما هو مبسوط المقال وفيها ما هو مختصره ، وما ألفت نظرنا أن جلَّ هذه الشروح مخطوطات محفوظة في

____________________

(١) نشكر الشيخ إسماعيل اري على تزويدنا بصورة من هذه النسخة المحفوظة في مكتبته الخاصّة.

١٣

مكتبات عامة أو خاصة لم يطلع عليها الكثير من القراء ، وهذا ما زاد من عزمنا وتصميمنا على الشروع في هذه الموسوعة المباركة لإخراج شروح هذه الزيارة المباركة وإيصالها إلى القراء ، ليتبين للمنصفين أن هذه الزيارة كانت محط أنظار كبار علماء الطائفة ومحققيهم ، وسوف نبدأ بعون من الله وتوفيق في إخراج للشروح المبسوطة بشكل واسع واحداً تلو الآخر ثم بعد ذلك نجمع الشروح المختصرة في قسم واحد ، ثم بعد الانتهاء من ذلك كله عزمنا بعون الله وتسديده على إخراج الموسوعة في ثوب واحد وإصدار يجمع الجميع بعنوان (موسوعة زيارة عاشوراء).

وفي الختام نتقدم بالشكر الجزيل لكل من مدَّ يد العون وساهم في إنجاح هذا المشروع ، ونخصّ بالذكر مكتب آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي (دام ظلّه الوارف) على ما قدّمه ويقدّمه لإنجاح هذا المشروع.

وكذلك الإخوة الذين بذلوا جهوداً تحقيقية في إخراج وتحقيق هذا الشرح ، ونخص بالذكر من بينهم الأخ العزيز سماحة الشيخ إسماعيل ااري البحراني والشيخ أحمد العبيدان حفظهما الله تعالى.

نسأل الله سبحانه وتعالى بحقِّ الحُسينِ عليه السلام أن يعيننا ويسدّد خطانا لإكمال هذا المشروع الحسيني المبارك ، وأن يجعل نيّاتنا خالصة لوجهه الكريم.

إنّه خير ناصر ومعين

كتبه : يوسف أحمد الأحسائي

النصف من شعبان سنة ١٤٢٧

١٤

نبذه مختصرة

في حياة المصنّف(١)

اسمه ونسبه

العالم الرباني ، والمحقّق المتبحر ، والمتتبع الدقيق ، أسوة الورع والتقوى ، الملازم لشدة الاحتياط ، الشيخ أبو المعالي محمّد ابن محمّد إبراهيم بن محمّد حسن بن محمّد قاسم الكلباسي (الكرباسي). وينتهي نسبه الشريف إلى مالك الأشتر النخعي صاحب أمير المؤمنين عليه السلام. والكلباسي أصلها الكرباسي نسبة إلى «حوض كرباس» هرات موطن جده الحاج محمّد حسن ، وتبديل حرف الراء في الفارسية إلى اللام شائع. ولذا اختلف التعبير عن لقبه في كتب التراجم ، فمرة يسمى «الكرباسي» ومرة يسمى «الكلباسي» ، والكلّ صحيح على ما بّيّنا ، والأصحّ «الكلباسي».

مولده

ولد في مدينة أصفهان قبل طلوع الفجر بساعة ، ليلة الأربعا سابع شهر شعبان المعظم من سنة ١٢٧٤. هـ. ق ، على ما كتبه بخطه الشريف على ظهر كتاب الكشاف.

____________________

(١) سوف يأتي في خاتمة الكتاب نبذة مختصرة عن حياة المصنّف ومصنّفاته بقلمه المبارك.

١٥

نشوؤه ومعاناته

رباه العالم الرباني السيّد الممجّد الشهشهاني قدس سره ، وهو من تلاميذ والده الشيخ محمّد إبراهيم الكلباسي ، وكان عنده حتى بلغ إلى حد الإشتغال ، وتمكن من تحصيل الكمال ، فاشتغل بتعليمه حتى توفي والده العلّامة ولم يكمل له خمس عشرة سنة ، ورأى حينئذ شدائد الأمور ، ومن جملتها الإبتلاء بضيق المعيشة ، واشتغل حينها عند السيّد الجليل السيّد حسن المدرس وكان يَصِفُ حسن أخلاقه ورشاقة مذاقه من كثرة التأمل ، وأنه كان يأمر بكثرة الفكر في المسائل والتدقيق ، وأنه سمع نصيحته في ذلك فابتلى بضعف القلب ووحشة في البال على وجه لا يوصف بالمقال.

قال في خاتمة البشارات يصف تلك الحال : «ولو وصفت لك انقطاع أسباب التحصيل عني واختلال أمري في أزمنة التحصيل ، وبلغت في الوصف ما بلغت ، لكان الموصوف به أزيد وأشد بمراتب شتى ، وقد أغمضت العين عما انتقل [إلي] من الوالد الماجد من جهة الاشتغال بالتحصيل إلى أن دَرَجَ دَرْجَ الرياح ، لكن الله سبحانه قد تفضل وتصدق علي من فضله وكرمه بعد ذلك سعة في المعيشة بأسباب خارقة للعادة»(١).

كثرة تفكره واهتمامه

كان أبو المعالي دائباً مفكراً في المطالب العلمية حتى عند الإشتغال بالأكل أو حتى في الحمام ، وكثيراً ما كان يأمر ولده بكتابة عبارة من موضع مطالعته ، سواء من عبارات نفسه أو سائر العلماء ويستصبحها في الحمام ، ويظل يفكر فيها (٢).

____________________

(١) و (٢) وقد ذكر رحمه الله في خاتمة هذا الكتاب كلاماً مفصّلاً في ذلك.

١٦

عبادته

نقل بعض الثقات على ما في البدر التمام فقال : «كنت ليلة في منزله في خارج البلد ، فسمعت في نصف الليل صوتا غريبا تحيرت فيه ، فلما تفحصت عن حقيقة الحال وجدته صوت ولي الله غريقا في التضرع والإبتهال ، حتى إنه كرر لفظ كذلك ثلاث مرات لأدائه صحيحاً».

زهده

كان قدس سره معرضاً عن الملاذ الدنيوية بأسرها من أكلها وشربها وعزها وجاهها ، بل كان يشمئز من الجلوس في غير المواضع الدانية فضلاً عن العالية ، وكان يحب الجلوس على الأرض ، وكان يكثر الجلوس عليها خصوصاً في أيام مرضه الذي توفي فيه ، حتى كان يعوده الأعيان وهو نائم على التراب لا يرضى بالتحول عنه ، ويذكر هذا الشعر

من لم يطأ وجه التراب برجله

وطئ التراب بصفحة الخد

وكان جلوسه في حال دعائه ليالي الجمعة وغيرها على الأرض ، قال في بعض تحقيقاته : «المتعارف بين أفراد الإنسان الجلوس على الفرش عند التضرع إلى الله الملك المنان ، مع أن المناسب لمقام التضرع إلى رب الأرباب طريق التواضع بالجلوس على التراب».

وكان يباشر بنفسه في ليلة العاشوراء ويومها وليلة الثماني والعشرين من شهر صفر ويومها الخدمة في مجالس العزاء بنفسه.

شدة احتياطه

ينقل أنه قد وقعت أمور اضطر فيها إلى التصرف في حمام موقوف من قبل جده

١٧

العالم المؤتمن الحاج محمّد حسن ، وهو قد قرر أن يصرف وجه الإجارة في دهن السراج لطلاب بعض المدارس المخصوصة ، ولما تداول في ذلك الزمان الاستضاءة بالنفط ، فاستدعى غير واحد من الطلاب تغيير المقرر بالنفط مصراً عليه ، فما أذن بالتغيير وما رضي بالتبديل خوفا من أن يقع تغيير فيما قرره الواقف. وكذا فقد استدعى بعض أبناء السلاطين إذن التصرف في بعض الأملاك منه ، وأهدى له المبلغ الخطير ، فما أذن له في التصرف في القرى ، ولا قبل منه الهدية الكبرى ؛ نظراً إلى ما جرى من الإشكال في ثبوت الولاية العامة ، وقال : «لو أرسل إلي جميع ما في العالم لما خالفت الله سبحانه». وعلى هذا استقرت طريقته حتى انقضت مدته. وكان كثير التحرز عن الأموال المشتبهة ، ومتجنباً كل الإجتناب عن استعمال شيء من أموال أرباب الديوان في أكله وشربه ، فضلاً عما يتعلق بصلاته ووضوئه ، كما اتفق أنه أخذ لقمة يوماً ووضعها في فيه ، فظهر له أنها من تلك الأموال ، فأخرجها من فمه وألقاها وقال : «ما دخل في حلقي شيء من الأموال المشتبهة إلى الآن».

وفاته ومدفنه

توفى قدس سره في أصفهان في السابع والعشرين من صفر ١٣١٥ هـ. ق ، ودفن في بقعة مخصوصة في «تخت فولاد» وقال ولده أبو الهدى في وفاته : «وكان مرضه بلسان أهل الطب ذو سنطار الكبدي وبلسان المتعارف اسهال الدموي ، ولم يكن من زمان حدوثه إلى انتهاء مدته إلّا خمسة أيام ، ولم يظهر له في تلك الأيام القليلة أثر الموت مطلقا ، بل كان مشتغلا بالمطالعة والتصنيف في ثلاثة من تلك الأيام ، كما أنه يذكر المطالب العلمية والعملية على سبيل التفصيل مع الطبيب وغيره في يوم الآخر. ولكن ظهر في هذا اليوم من أول الصبح برودة في يديه وزاد حتى اشتد قبيل المغرب وبعده ، واجتمع عنده الأطباء في هذه الساعة ، وانقلبت حالته الشريفة من هذه الساعة ومتدرجاً ما بعدها إلى طلوع الفجر. فلمّا رأيته اشتداد الأمر ذهبت للأمر

١٨

باحضار الطبيب ، فلمّا رجعت أخبرت بما أخبرت ، واشتعل النيران في القلب بما سمعت ... وكان وقت وقوع هذه الداهية بعد طلوع الفجر بدقائق من يوم الأربعاء السابع والعشرين من شهر صفر المظفر سنة خمسة عشر وثلاثمائة بعد الألف».

أسرته

أبوه : هو الشيخ الجليل والعالم النبيل الحاج محمّد إبراهيم الكلباسي الأصفهاني ١٢٦١ ـ ١١٨٠ هـ. ق من أعاظم علماء عصره المشاهير ، ولد في شهر ربيع الآخر عام ١١٨٠ هـ. ق في أصفهان ، وهاجر إلى العراق فأدرك الوحيد البهبهاني ، والسيّد مهدي بحر العلوم ، والشيخ كاشف الغطاء ، والسيّد على الطباطبائي صاحب الرياض ، والمقدّس الكاظمي فاشتغل عندهم ، وحضر عليهم مدة طويلة.

ثم رجع إلى إيران فحل في بلدة قم ، واشتغل بها على المحقّق الميرزا القمّي صاحب القوانين.

ثمّ سافر إلى كاشان فحضر على عالمها الشهير المولى محمّد مهدي النراقي صاحب جامع السعادات ، ثمّ عاد إلى إصفهان ، فحفّت به طبقاتها ، وألقت إليه الرئاسة أزمتها ، فإذا به مرجعها الجليل ، وزعيمها الروحي ، ورئيسها المطاع ، وقائدها الديني ، وقد نهض بأعباء العلم مع شدة الاحتياط والورع ، والتقى والصلاح ، وشغل منصة التدريس طيلة حياته وكان يؤم الناس في مسجد الحكيم ، ويرقى المنبر بعد الصلاة ، ويعظ الحضور. وكان في غاية التواضع وحسن الخلق وسلامة النفس. وكانت بينه وبين الحجة الكبير ـ معاصره ـ السيّد محمّد باقر حجة الإسلام صلة وثيقة لم تخل بها زعامة كل منهما ومرجعيته. وتوفي في اليوم الثامن من جمادى الأولى عام ١٢٦١ هـ ، وقبره بمقبرة «تخت فولاد» مزار معروف. وله تصانيف نافعة هامة في الفقه والأصول ، منها الإيقاضات أولاً ، والإشارات ثانياً ، وله أيضا رسالة الصحيح والأعم ، ورسالة تقليد الميت ، وشوارع الهداية إلى شرح

١٩

الكفاية للسبزواري ، ومنهاج الهداية ، وإرشاد المسترشدين ، والإرشاد ، والنخبة في العبادات انتخبها من الإرشاد باللغة الفارسية ، ومناسك الحج باللغة الفارسية ، ورسالة في تفطير شرب التتن كتبها لبعض أبناء السلطان فتح علي شاه القاجاري ، وقد سأله عن حكم استعمال الصائم للدخان ، وذكر فيها من أخذ عنهم العلم وعد من ذكرناهم وغيرهم. وقد تخرج على يده الكثير من العلماء والمجتهدين منهم.

أولاده : المصنف ، وولده الأكبر المجاز منه في الإجتهاد الشيخ محمّد مهدي صهر السيّد حجة الإسلام ، والآخر الشيخ جعفر. وكذا غيرهم كالميرزا الشيرازي ، والميرزا محمّد التنكابني صاحب قصص العلماء ، وصاحب الروضات ، والسيّد حسن المدرّس ، والسيّد محمّد الشهشهاني وغيرهم.

وترجم له تلميذاه في الروضات وقصص العلماء ، والسيّد حسن الصدر في التكملة ، وولده الشيخ جعفر في رسالة مستقلّة في أحوال والده ، وألّف حفيده الشيخ أبو الهدى بن أبي المعالي ابن المترجم كتابه «البدر التمام في ترجمة الوالد القمقام والجد العلام» ، وترجم له أيضا الطهراني في «الكرام البررة» ، والسيّد محسن الأمين في «أعيان الشيعة».

جدّه : وهو العالم الزاهد الحاج محمّد حسن بن محمّد قاسم الكاخكي الخراساني ، ولد في خراسان ، ومسكنه في محلة منه تعرف بحوض كرباس ، وينتهي نسبه الشريف إلى مالك الأشتر النخعي. وكان من الزاهدين في الدنيا ، والراغبين في الآخرة ، وأقام مدة في «كاخك» الذي هو من توابع «باد» ، وبنى فيها مدرسة ؛ وانتقل منها إلى مشهد المقدس عمَّرَ فيها المدرسة المخروبة التي في الخيابان ، وبنى خاناً في جنب المقبرة المدعوة «ه» ، ووقفها لصرف منافعها في المدرسة المذكورة.

وسافر منه إلى بلدة يزد ، وبنى المسجد المعروف فيها بمسجد «ريكي شبستانا».

٢٠