تاريخ الأندلس من الفتح حتّى السقوط

إسماعيل بن إبراهيم بن أمير المؤمنين

تاريخ الأندلس من الفتح حتّى السقوط

المؤلف:

إسماعيل بن إبراهيم بن أمير المؤمنين


المحقق: أنور محمود زناتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
الصفحات: ١٣٩

١
٢

قديم

وصف المخطوطة

تقع المخطوطة في أربع عشرة صفحة بخط شيني بقلم شخص يدعى : «صدر بن أحمد» ويبدأ المخطوط بقوله «هذا التلخيص للماجد الهمام ضيا الإسلام اسماعيل بن ابراهيم بن أمير المؤمنين حفظه الله مفتاحا لمن يريد مطالعة كتاب نفحة الطيب وهو تاريخ الأندلس للفقيه أحمد المقري رحمه الله ، وصلى (١) الله على محمد وآله وسلم».

وتبدو النسخة قديمة بالية إلى حد كبير وحملت الصفحة الأولى عنوان «تاريخ الأندلس مع رسالة في التصوف» لأنها جمعت في مجلد واحد مع مجموعة رسائل في التصوف من كتاب رياض النفوس باب كسر الشهوتين : البطن والفرج.

وتوجد المخطوطة في مكتبة الملك عبد العزيز بن سعود تحت رقم (٢٥٣٦) ، تحت عنوان «تاريخ الأندلس مع رسالة في التصوف لاسماعيل بن ابراهيم»

__________________

(١) وصلا في الأصل.

٣

مؤلف المخطوطة

يقول عنه الشوكاني في البدر الطالع (٢)

«السيد اسماعيل بن ابراهيم ابن الحسين بن الحسن بن يوسف بن الامام المهدى لدين الله محمد بن المهدى لدين الله أحمد بن الحسن بن الامام القاسم رحمهم الله ولد سنة ١١٦٥ خمس وستين ومائة والف بصنعاء المحمية بالله ونشأ بها واشتغل بالمعارف العلمية وهو ذو فكر صحيح ونظر قويم رجيح وفهم صادق وادراك تام وكمال تصور وعقل يقل وجود نظيره وحسن سمت فائق وتأدب رائق وبشاشة أخلاق وكرم أعراق أخذ عنى في الفقه والاصول والحديث فقرأ على فى شرح الأزهار وشرح الغاية وشفاء الأمير الحسين وأمالى أحمد بن عيسى والأحكام للهادى وفي البخارى والهدى وشرحى للمنتقى ومؤلفى المسمى بالدرر وشرحه المسمى بالدرارى وفى الكشاف وغير ذلك وهو الان مكب على الطلب له فيه أكمل رغبة وأتم نشاط وعظم اقبال وصار الان يكتب تفسيرى الذي سميته فتح القدير بعد أن كتب غالب مصنفاتى وسمعها على وله اشتغال بالعبادة ومحبة للاستكثار منها ومن حسن أخلاقه واحتماله أنى لم أعرفه مع طول ملازمته لى أنه قد غضب مرة واحدة مع كثرة ما يدور بين الطلبة من

__________________

(٢) انظر : الشوكاني : البدر الطالع ، ج ١ ، ص ١٣٧.

٤

المذاكرة والمناظرة المفضية في بعض الحالات إلى تكدر الأخلاق وظهور بعض القلق وهذه منقبة عزيزة الوجود وكان والده رحمه الله معدودا من علماء الفقه وأخوه العلامة العلم ستأتى له ترجمة مستقلة إن شاء الله ولصاحب الترجمة نظم حسن فمنه ما كتب إلى وقد أهدى لى طاقة زهر منثور (اليك يا عز الهدى*** نظام منثور أتى) (هدية أبرزها الر*** بيع فى فصل الشتا) (حقيرة لكنها*** طابت شذى ومنبتا) (كأصلك الزاكى الذي*** أبدى لنا خير فتى) (فاقبل وسامح ناظما*** قصر فيما نعتا) فأجبت بقولى (يابن الأولى في شأنهم*** بهل أتى المدح أتى) (ومن هم القادة إن*** أعضل خطب أو عتا) (بحلق من فضة*** بعثت يا خير فتى) (كانه الجامات فى*** فيروزج قد نعتا) (أو الثريا أو عقو*** د الدر إن مانبتا) (نظمك والمنثور وا*** فانى متى الوصل متى) وتوفي في المحرم من عام ١٢٣٧ ه‍.

وقد أقدمت على تحقيق تلك المخطوطة النادرة رغم قيام أستاذي الجليل دكتور محمد عبد الحميد عيسى بتحقيقها عام ١٩٩٠ م. وذلك للأسباب التالية :

ـ أن الدكتور عيسى (رحمه الله) لم يقم بنشرها إلا في مجلة كلية التربية وبأعداد محدودة لم تتجاوز المئة نسخة راح أغلبها ما بين إهداء وإهدار.

٥

ـ ظهور بعض المواد الجديدة والدراسات الحديثة رأيت أن إضافتها للدراسة قد تضيف جديد إلى حد بعيد.

ـ أنني وجدت الفرصة سانحة لعرض تاريخ الأندلس من الفتح إلى السقوط وذلك لأن المخطوط تناول تاريخ مسلسل للأندلس واستعنت بمئات المصادر والمراجع المتخصصة حتى نلم بتاريخ الأندلس كاملا الى حد كبير

ـ أرفقت مجموعة من الملاحق بالكتاب لا غنى لدارس التاريخ عنها

ـ أردت نشرها كي يستفيد عدد كبير منها ، وبالله التوفيق.

الغرض من المخطوط :

والمؤلف يحدد لنا غرضه من وضع هذا المخطوط فيقول رحمه الله :

لما وجدت تاريخ الأندلس تصنيف الفيقه العلامة أحمد بن محمد المقري الراسم له بنفحة الطيب تاريخا يشتمل على عجائب من أحوال الأندلس في نفسها ثم عجائب أيضا من الملوك في دولة الإسلام ممن تغلب عليها ، ثم من كان له التفات وميل إلى التطلع للأخبار ، والميل إلى عجائب الآثار ، وكان مبتديا للتطلع ربما اشتبه عليه الحال في تملك بني أمية من بعد انقراض دولتهم واستيلاء العباسيين عليهم في العراقين والشام وغيرها ، وحرصهم على قطع دابرهم قديما ويقف على ذكر شئ من أحوالهم في

٦

تاريخ من التواريخ أو نقل من النقول في صفة حال أو إضافة خبر أو سياق قضية من أخبار بني العباس فيعجب لذلك ، فجعلت هذا المخلص مبينا في كيفية استقرارهم في جزيرة الأندلس في الدولة العباسية ، وغيرهم ممن تملك في الأندلس وكيف كان ترتيب أحوال الزمان في الدول المتداولة للجزيرة المذكورة من غير ملوك بني أمية من لدن فتح الأندلس إلى هذه الغاية وهي سنة ١١٨٧ ه

ويقول في فقرة أخرى :

«المراد بها تمهيد كتاب نفحة الطيب وبالله التوفيق يوم الخميس الموافق ٢٣ ذو القعدة سنة ١١٨٧ وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وسلم

قلت فمن أراد مطالعة التاريخ أمعن في هذه الكراس ، فسهل عليه ضبطه ، وأصل التاريخ من أوله به تقديم وتأخير في القصص والروايات ، لم يكن مرتب ترتيب محمود ، وأنما يضفر بفايدته من أمعن فيه وأما على البلد كله ، فلا بد من الالتباس ، ولكن الكراسة هذه المفيدة لهذا المعني بعض إفادة».

فائدة المخطوط

يعطي المخطوط ملخص عام ودقيق (رغم قصره) لتاريخ المسلمين في الأندلس من الفتح حتى السقوط ، وتعطي فكرة واضحة عن الحياة الثقافية في الأندلس ، ناهيك عن كونها ملخصا لكتاب نفح الطيب من

٧

غصن الأندلس الرطيب للمقري بل وعالج مسألة عدم تسلسل الحداث التي يوردها المقري في النفح لأنه يناول موضوع ما ثم ينتقل الى آخر ثم يعود مرة أخرى للحديث السابق مما يجعل التباس الأحداث واضحا لدى القارئ العادي بل وربما المتخصص.

٨

٩

١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلي الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

لما وجدت تاريخ الأندلس تصنيف الفقيه العلامة أحمد بن محمد المقري (٣) الراسم له بنفح (٤) الطيب (٥) تاريخا يشتمل على عجائب (٦) من

__________________

(٣) المقري : ولد احمد بن محمد بن احمد المقرى القرشى المكى بأبى العباس والملقب بشهاب الدين سنة ٩٨٦ بمدينة تلمسان وأصل أسرتة من قرية مقرة بفتح الميم وتشديد القاف المفتوحة ؛ نشا بتلمسان وطلب العلم فيها وكانت م اهم شيوخة التلمسانين عمة الشيخ سعيد المقرى. وهو واحد من أعلام القرن السادس عشر والسابع عشر الميلاديين ، سطعت فضيلته العلمية في تلمسان وفاس بالمغرب العربي ، وذاعت في مصر والحجاز وبلاد الشام بالمشرق العربي إبان حكم العثمانيين الأتراك.

وقد شهد له معاصروه بالإمامة والفضل ، في الفقه وأصوله ، وفي الحديث وعلوم القرآن ، وفي علوم العربية ، وتدل آثاره الحسان على علم وفهم ، ورواية ودراية ، وإتقان وإحسان ، ويعتبر «كتاب الرحلة إلى المغرب والمشرق» من الآثار المفقودة لأبي العباس المقري لو لا الهدية التي قدمتها حفيدة المستشرق الفرنسي جورج ديلفان سنة ١٩٩٣ م للمكتبة الوطنية بالجزائر العاصمة ، والمتمثلة في مجموعة من المخطوطات

(٤) في الأصل : نفحة الطيب.

(٥) كان إسم الكتاب أولا : «عرف الطيب ، في التعريف ، بالوزير ابن الخطيب» فلما ألحق به أخبار الأندلس ، وأفاض فيها ، اتخذ له هذا الاسم الجديد. وهو موسوعة تاريخية مهمة في دراسة التاريخ والأدب والجغرافيا الخاصة بالأندلس. وقد صرح المقري

١١

بمقدمة كتابه أنه ألفه إجابة لطلب الإمام المولى الشاهيني أستاذ المدرسة الجقمقية في دمشق ، وقال : «وعزمت على الإجابة لما للمذكور علي من الحقوق ، وكيف أقابل بره حفظه الله بالعقوق ، فوعدته بالشروع في المطلب عند الوصول إلى القاهرة المعزية». وجعل عنوانه أولا «عرف الطيب في التعريف بالوزير ابن الخطيب» فلما رأى مادته قد اتسعت لتشمل الأندلس أدبا وتاريخا ، عمد إلى تغيير عنوانه ليصير «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب». وجعل المؤلف كتابه قسمين كبيرين : يشمل الأول رحلة المؤلف ، ووصف جزيرة الأندلس وما تحويه من المحاسن ، وفتح المسلمين لها ، ومن تعاقب عليها من الأمراء والخلفاء إلى ملوك الطوائف ، ووصف قرطبة ومحاسنها ، وتراجم من رحل من الأندلسيين إلى بلاد المشرق ، وفيهم جماعة من النساء ، وذكر مذاهب الأندلسيين وسائر أحوالهم إلى خروجها من أيدي المسلمين ، ويشتمل القسم الثاني على ترجمة مفصلة ل «لسان الدين بن الخطيب» وأقواله ، وأشعاره ، ومشايخه ، وغير ذلك. وفي كل باب من أبواب الكتاب يحشد «المقرى» مجموعة هائلة من المعلومات التاريخية والجغرافية والأدبية والاجتماعية ، منقولة من كتب مختلفة ، يعتبر أكثرها في حكم المفقود وما يجعل للكتاب قيمة لا تقدر ، ويصفه في طليعة المراجع الأولى لتاريخ أسبانيا الإسلامية ، من أيام الفتح إلى آخر أيام استردادها ، وفي تاريخ الحقبة الأخيرة هو المرجع الوحيد. ويحوى القسم الأول من الكتاب بعض الرسائل الهامة كاملة ، مثل رسالتي «ابن حزم» و «الشقندى» في فضل الأندلس. وفي الفصل الخاص بقرطبة يعقد مقارنات بينها وبين بعض بلاد الأندلس الأخرى. ويروى الطرائف عن أهلها ،

١٢

ومختارات من أشعار شعرائها ، والباب الخاص بالتراجم حافل بالمعلومات القيمة ، يرسلها من غير نظام ولكن ، بدقة وضبط حسن ، والطريقة التي اتبعها في تأليف كتابه أنه جعل المترجم له نواة يجمع حولها الأخبار الجمة ، والمعلومات المستفيضة ، ويتخذها محورا يدير حوله الموضوع ، ويؤلف بين شوراده ويضم متناثره ، ويحاول أن يفهم الرجل عن طريق فهم عصره ، واستقصاء معارف زمنه ، والإحاطة بالظروف التاريخية التي مهدت له السبيل. وعلى هذا الأسلوب جرى أيضا في كتابه «أزهار الرياض» ، وقد طبع مرات ، وصفها د. إحسان عباس في مقدمته لطبعته الصادرة في بيروت ١٩٦٨ م قال) : وخير طبعة ظهرت منه طبعة دوزي في ليدن ١٨٥٥ م ، وكان أول ما طبع في المشرق سنة ١٢٧٩ ه‍ في بولاق ، وهي طبعة تفتقر لما في الطبعة الأوربية من دقة علمية .... والكتاب ثمرة زيارة المقّري لدمشق ، حيث حدث تلاميذه فيها عن لسان الدين ابن الخطيب ، فألحوا عليه أن يجمع أخباره في كتاب ، وكان أشدهم إلحاحا المولى أحمد الشاهيني ، أستاذ المدرسة الجقمقية) وقد صرح المقري بذلك في مقدمته للكتاب ، وأنه ألفه إجابة لطلب المولى الشاهيني ، قال : (وعزمت على الإجابة لما للمذكور علي من الحقوق ، وكيف أقابل بره حفظه الله بالعقوق ، فوعدته بالشروع في المطلب عند الوصول إلى القاهرة المعزية ...) وجعل عنوانه أولا (عرف الطيب في التعريف بالوزير ابن الخطيب) فلما رأى مادته قد اتسعت لتشمل الأندلس أدبا وتاريخا ، عمد إلى تغيير عنوانه ليصير (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب) وهكذا جاء الكتاب في قسمين : قسم خاص بالأندلس في ثمانية أبواب ، منها : باب فيمن رحل من أهل الأندلس إلى المشرق ، وآخر فيمن وفد عليها من أهل المشرق ، وآخر فيما عثر

١٣

أحوال الأندلس (٧) في نفسها ثم عجائب أيضا من الملوك في دولة (٨)

__________________

عليه من مراسلات أهلها في سقوط إماراتها ، أما القسم الثاني فقد ضم المجلدات ٥ و ٦ و ٧ من طبعة ١٩٦٨ إلا أنه لم تخل الأجزاء الأولى من أخبار ابن الخطيب ، ففي الجزء الرابع طائفة من مراسلاته. وقد اعتمد المقري في تأليفه على مصادر لم يصلنا أكثرها بالصورة التي وصلته ، كالمغرب لابن سعيد ، فقد اعتمد نسخة أوفى بكثير من هذه التي بين أيدينا ، ومطمح الأنفس لابن خاقان ، ولكن اعتماده على المطمح الكبير الذي لا نعرفه حتى اليوم ، مما يجعل نقوله نسخة متفردة لهذه الكتب. وقد فرغ من الكتاب عشية يوم الأحد ٢٧ / رمضان / ١٠٣٨ ه‍ ثم ألحق به فصولا أتمها في ذي الحجة سنة ١٠٣٩ م وانظر في مجلة العرب) س ١٤ ص ٩٥٣) بحثا حول ضبط نسبة (المقري) وأنها على وزن (المهدي) نسبة إلى (مقرة) : قرية شرق سهول الحضنة. قال صاحب (تاج العروس) : وقد تشدد القاف وبه اشتهرت الآن. وانظر (المقري وكتابه نفح الطيب) محمد بن عبد الكريم : رسالة دكتوراة ، الجزائر.

(٦) في الأصل : عجايب.

(٧) أطلق المسلمون إسم الأندلس على القسم الذي فتحوه من شبه الجزيرة الأيبرية وهى تعريبا لكلمة «فانداليشيا» التى كانت تطلق على الاقليم الرومانى المعروف باسم باطقة الذى احتلته قبائل الفندال الجرمانية ما يقرب من عشرين عاما ويسميهم الحميرى بالأندليش ويرى البعض أنها مشتقة من قبائل الوندال التى أقامت بهذه المنطقة مدة من الزمن ، ويرى البعض الآخر أنها ترجع الى أندلس بن طوبال بن يافث بن نوح عليه السلام والأندلس فتحها القائد طارق بن زياد سنة ٩٢ ه‍ ـ ٧١١ م راجع (نفح الطيب للمقري : ج ١ ، ص ١٢٥ ، والبكري : جغرافية الأندلس

١٤

الإسلام ممن تغلب عليها ، ثم من كان له التفات وميل إلى التطلع للأخبار ، والميل إلى عجائب الآثار ، وكان مبتديا للتطلع ربما اشتبه عليه الحال في تملك بني أمية (٩) من بعد انقراض دولتهم واستيلاء العباسيين (١٠) عليهم في

__________________

وأوروبا من كتاب المسالك والممالك ، تحقيق عبد الرحمن علي الحجي ، بيروت ١٩٦٨ ، ص ٥٧ ، والطاهر مكي : دراسات أندلسية ، دار المعارف ، ١٩٨٠ ، ص ٥).

(٨) في الأصل : دولت.

(٩) الخلافة الأموية : (٤٠ ـ ١٣٢ ه‍ / ٦٦١ ـ ٧٥٠ م) : بعد الصراع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما واستشهاد علي تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الخلافة ، واسس الخلافة الأموية ، وكان له جملة من الإصلاحات الإدارية منها : أنه نظم البريد ، والشرطة ، وأقام ونظّم ديوان الخاتم ، وغير ذلك من الإصلاحات ، فكان أول من وضع أساس الإدارة المتقدمة للدولة الإسلامية الموحدة وتنسب إلى بني أمية وقد أقام الأمويون خلافتين سنيتين إحداهما في المشرق وعدد خلفائها ثلاثة عشر وهم : معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد وحفيده معاوية الثاني ومروان بن الحكم وابنه عبد الملك وحفيده الوليد بن عبد الملك واخوه سليمان وهمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك وأخوه هشام والوليد بن يزيد واليزيد بن عبد الملك ومروان بن محمد ، وكان قيام الخلافة سنة إحدى وأربعين للهجرة الموافق لسنة إحدى وستين وستمائة للميلاد ، إثر تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما من الخلافة وكان سقوطها على أيدي بني العباس سنة إثنتين وثلاثين ومائة للهجرة ، الموافق لسنة تسع وأربعين وسبعمائة للميلاد ، أما الخلافة الثانية فكانت في بلاد الأندلس للمزيد راجع (تاريخ الطبري ـ محمد بن جرير الطبري ـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار المعارف ،

١٥

__________________

والبلاذري أحمد بن يحيى ـ فتوح البلدان ، تحقيق صلاح الدين المنجد ، وتاريخ الدولة الأموية ـ محمد علي مغربي ط ١٤٠٩١ ه‍ ـ / ١٩٨٩ م ، مطبعة المدني بالقاهرة ، مجلدان والدولة الأموية ـ يوسف العش ، دار الفكر ، دمشق ، وتاريخ خلافة بني أمية ـ د. نبيه العاقل ـ دار الفكر ١٩٧٥ م ، وعبد الشافي محمد عبد اللطيف : العالم الإسلامي في العصر الأموي ، القاهرة ، ١٤٠٤ ه‍ ١٩٨٤ م

(١٠) الخلافة العباسية (١٣٢ ـ ٦٥٦ ه‍ / ٧٥٠ ـ ١٢٥٩ م) ـ ١٣٢) Abasid Caliph ٦٥٦ A.H. / ٠٥٧ ـ ٩٥٢١ A.D.)

يرجع أصل العباسيين إلى العباس بن عبد المطلب عم محمد بن عبد الله رسول الإسلام ، فهم بذلك من أهل البيت. بمساعدة من أنصار الدعوة العلوية إستطاع أبو العباس السفاح (٧٤٩ ـ ٧٥٤) وبطريقة دموية القضاء على الأمويين ومظاهر سلطتهم ، قام هو وأخوه أبو جعفر المنصور (٧٥٤ ـ ٧٧٥) باتخاذ تدابير صارمة لتقوية السلطة العباسية ، في عام ٧٦٢ تم إنشاء مدينة بغداد. بلغت قوة الدولة أوجها وعرفت العلوم عصر إزدهار في عهد هارون الرشيد (٧٨٦ ـ ٨٠٩) الذي تولت وزارته أسرة البرامكة (حتى سنة ٨٠٣) ثم في عهد ابنه عبد الله المأمون (٨١٣ ـ ٨٣٣) الذي جعل من بغداد مركزا للعلوم ورفع من مكانة المذهب المعتزلى حتى جعله مذهبا رسميا للدولة. ويعد العصر العباسى الأول العصر الذهبى لبنى العباس ، فقد سيطر الخلفاء العباسيون خلاله على مقاليد السلطة ، ورغم ظهور بعض الدول المستقلة وأهمها الدولة الأموية بالأندلس ودولة الأدارسة بالمغرب والدولة الرستمية في الجزائر ودولة الأغالبة في تونس ، إلا أن الدولة ظلت متماسكة حتى نهاية هذا العصر. ثم بدأت في الضعف حتى سقطت على ايدي المغول ٤ من

١٦

العراقين والشام وغيرها ، وحرصهم على قطع دابرهم (١١) ، قديما ، ويقف على ذكر شئ من أحوالهم في تاريخ من التواريخ أو نقل من النقول في صفة حال أو إضافة خبر أو سياق قضية من أخبار بني العباس فيعجب لذلك ، فجعلت هذا المخلص مبينا في كيفية استقرارهم في جزيرة الأندلس في الدولة العباسية ، وغيرهم ممن تملك في الأندلس وكيف كان ترتيب أحوال الزمان في الدول المتداولة للجزيرة المذكورة من غير ملوك بني أمية من لدن فتح الأندلس إلى هذه الغاية وهي سنة ١١٨٧ ه‍ (١٢). ثم هذه التعليقة أيضا سيكون تقريبا للتاريخ المذكور إذا عرفها المطالع لم يشتبه عليه مطالعة الكتاب ، حيث قد عرف ترتيب الدول فيها ولو فتح بغق الكتاب من أي وجه منه وطالعه على غير ترتيب لعرف له أمر الذي فتح عليه من هو أو من أي التبوبات إياه. فأقول والله أعلم : أن أول من دخل الأندلس طارق

__________________

صفر ٦٥٦ ه‍ ١٠ فبراير ١٢٥٨ م (أخبار الدولة العباسية وفيه أخبار العباس وولده لمؤلف من القرن الثالث الهجري (عن مخطوط فريد من مكتبة مدرسة أبي حنيفة ـ بغداد) تحقيق الدكتور عبد العزيز الدوري الدكتور عبد الجبار المطلبي دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت ، وعبد المنعم ماجد : العصر العباسي الأول ، ج ١ ، مكتبة الأنجلو المصرية ، ط ٢ ، ١٩٧٩ م.

(١١) أي إبادتهم.

(١٢) ١١٨٧ ه‍ ١٧٧٣ م.

١٧

بن زياد (١٣) مولى (١٤) موسي بن نصير (١٥) في خلافة عبد الملك بن مروان (١٦)

__________________

(١٣) طارق بن زياد الليثي (٥٠ ـ ١٠٢ ه‍ / ٦٧٠ ـ ٧٢٠ م) : قائد مسلم في جيش الدولة الأموية من قبائل البربر التي تعيش شمال أفريقيا ، فبعدما تم للعرب فتح المغرب ، اتجهت أنظارهم الى الأندلس ، فأرسلت حملة بقيادة (طريف) ، ثم بعد عودته واستيلائه على جزيرة صغيرة ، لا تزال تحمل اسمه (تريفاIsla de Tarifa) ، وبعدها فتح طارق بن زياد الأندلس سنة ٩٢ ه‍ / ٧١١ م. ويعتبر طارق بن زياد من أشهر القادة العسكرين في التاريخ ويحمل جبل طارق جنوب أسبانيا أسمه حتى يومنا هذا وقد توفي في سنة ٧٢٠ م. ولد طارق بن زياد فى القرن الأول من الهجرة وأسلم على يد موسى بن نصير ، وكان من أشد رجاله ، فحينما فتح موسى بن نصير طنجة ولى عليها طارقا سنة ٨٩ ه‍ ، وأقام فيها إلى أوائل سنة ٩٢ ه‍ ولما أراد موسى بن نصير غزو الأندلس جهز جيشا من ١٢ ألف مقاتل معظمهم من البربر المغربيون ، وأسند قيادة الجيش إلى طارق بن زياد وتمكن من فتح الأندلس بالتعاون مع موسي ابن نصير ، ولم يعرف بعد ذلك مصيره للمزيد راجع (ابن حبيب : استفتاح الأندلس ، تحقيق محمود مكي ، مجلة معهد الدراسات الإسلامية ، مدريد ، عدد ٥ ، ١٩٥٧ م ، ص ٢٢٢ ، وابن عذاري البيان المغرب ، ج ٢ ، ص ٢٥٦ ، والنفح ، ج ١ ، ص ٣٩٥.)

(١٤) في الأصل : مولا.

(١٥) أبو عبد الرحمن موسى بن نصير بن عبد الرحمن زيد اللخمي (٦٤٠ ـ ٧١٦ م / ١٩ ه‍ ـ ٩٧ ه‍) نشأ في دمشق وولي غزو البحر لمعاوية بن أبي سفيان ، فغزا قبرص ، وبنى بها حصونا ، وخدم بني مروان ونبه شأنه ، وولى لهم الأعمال ، فكان على خراج البصرة فى عهد الحجاج. لما تولي الوليد بن عبد الملك الخلافة قام بعزل حسان بن النعمان

١٨

__________________

واستعمل موسى بن نصير بدلا منه وكان ذلك في عام ٨٩ ه‍ وكان أن قامت ثورة للبربر في بلاد المغرب طمعا في البلاد بعد مسير حسان عنها فوجه موسى ابنه عبد الله ليخمد تلك الثورات ففتح كل بلاد المغرب واستسلم آخر خارج عن الدولة وأذعن للمسلمين. قام موسى بن نصير بإخلاء ما تبقى من قواعد للبيزنطيين على شواطئ تونس وكانت جهود موسى هذه في إخماد ثورة البربر وطرد البيزنطيين هي المرحلة الأخيرة من مراحل فتح بلاد المغرب العربي. لم يكتف موسى بذلك بل أرسل أساطيله البحرية لغزو جزر الباليار البيزنطية الثلاث مايوركا ومينورقة وإيبيزا وأدخلها تحت حكم الدولة الأموية. بعد أن عمل موسى على توطيد حكم المسلمين في بلاد المغرب العربي ، بدأ يتطلع إلى فتح الأندلس التي كانت تحت حكم القوط الغربيين. قام موسى باستئذان الخليفة الوليد بن عبد الملك في غزوها فأشار له الوليد ألا يخاطر بالمسلمين وأن يختبرها بالسرايا قبل أن يفتحها. بعد أن قام موسى بإرسال السرايا واختبار طبيعة الجزيرة الأيبيرية قام بتجهيز جيش بقيادة مولاه البربري المسلم طارق بن زياد ، وبمعاونة من يوليان حاكم سبتة دخل المسلمون الأندلس وانتصروا على القوط الغربيين انتصارا حاسما في معركة وادي لكة عام ٧١٢ م / ٩٢ ه‍ (ابن عبد الحكم : فتوح ، ص ٢٠٧ ، والنفح ج ١ ، ص ٢٧٧ ، وأخبار مجموعة ، ص ١٨.

(١٦) عبد الملك بن مروان (٦٤٦ ـ ٧٠٥) : خامس خلفاء الأمويين (٦٨٥ ـ ٧٠٥). يعد المؤسس الثاني للدولة الأموية التي خلفها أبوه مهددة بالأخطار من كل جانب. وسع الدولة شرقا وغربا. قضى على فتنة عمرو بن سعيد في دمشق وقتله عام ٦٨٩. أعاد العراق إلى حظيرة الدولة بالقضاء على مصعب بن الزبير. ندب الحجاج بن

١٩

ثم من تعد نفوذه إليها ، وتدويخ بعض مدنها تلاه مولاه الأمير موسي بن نصير ، وكان رجلا صالحا دينا وكان أبوه نصير (١٧) من قواد معاوية (١٨) بن أبي سفيان (١٩) وامتنع من الخروج معه على أمير المؤمنين (٢٠) صلوات الله

__________________

يوسف الثقفي لإخضاع عبد الله بن الزبير ، فحاصره في مكة وقتله ٦٩٢. ثم ولى الحجاج على الحجاز ثم الكوفة. أعاد حملات الصوائف والشواتي ضد البيزنطيين ، والتي كانت متوقفة منذ أيام معاوية. بدأت في عهده حركة تعريب الدواوين ، بإحلال اللغة العربية محل اللغات المحلية واستبدال الموظفين العرب بالأعاجم. كما أقيمت دور لصك العملة التي حملت كتابة عربية. توفي تاركا دولة قوية الأركان لابنه الوليد. لقب بأبي الملوك لأن أربعة من أبنائه تولوا الخلافة : الوليد وسليمان ويزيد الثاني وهشام.

(١٧) هو نصير بن عبد الرحمن بن زيد من نسل بكر بن وائل وكان من قادة حرس معاوية بن أبي سفيان ، وقد رفض الاشتراك مع معاوية في قتال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في معركة صفين ٣٧ ه‍.

(١٨) في الأصل : معوية.

(١٩) في الأصل : سفين ، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه (ت ٦٨٠) : مؤسس الدولة الأموية. أول خليفة أموي (٦٦١ ـ ٦٨٠). أحد دهاة العرب الأربعة : عمرو بن العاص ، المغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه ومعاوية. أسلم يوم فتح مكة. اشترك مع أخيه يزيد الذي كان واليا على الشام. خلفه معاوية زمن عمر بن الخطاب ، وأقره عثمان بن عفان في منصبه. أظهر كفاءة إدارية ، واستمال إليه أهل ولايته. خرج على علي بن أبي طالب ، وحاربه في موقعة صفين ٣٧ ه‍ / ٦٥٧ ، التي انتهت إلى اتفاق

٢٠