تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه

تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

المؤلف:

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

سنة ثلاث عشرة

فيها (١) : توفي الفقيه الأجل نجم الدين طلحة بن محمد ابن يحيى الجهمي صاحب المصباح ببلده من أصاب ، ودفن هناك بجوار جده الفقيه الصالح يحيى بن أحمد الجهمي وكثر الأسف عليه رحمه‌الله تعالى ونفع به (٢).

وفيها (٣) : حصر الشّحر بشر بن عبد الله شيخ آل عبد الله والمحلف آل شحبل وشيخهم أجود ، وآل دغار وسيبان ، وذلك وقت هبوط النّاس عن الخريف ، ولم يغيروا بها شيئا ، ووقع الصلح بينهم وبين الأمير مطران بن منصور ، وهو يومئذ أميرها من جهة السّلطان محمد وبدر ابني السلطان عبد الله بن جعفر ، وكان في هذا الأمير حزم وعزم ، فلم يلبثوا إلّا أياما قليلة وارتفعوا ، وفي الأمير المذكور يقول بعض شعراء عصره ويعرض بالمحلف وكونهم حصروا الشحر من أبيات كثيرة :

بشر وأجود وابن دغار يبغون دخله

يحسبون المدن يا غلمة الكسر (٤) سهله

عاد فيها الذي يحمي إذا غابوا أهله

مير بن مير شامخ قاف لا قاف مثله

__________________

(١) النور السافر : ٥٨. والفضل المزيد : ٣٠٣.

(٢) من هنا وقع اضطراب في تجليد المخطوطة (س).

(٣) العدة ١ : ١٥٩. والشهداء السبعة : ٧٩.

(٤) رواية بامطرف في الشهداء السبعة : يحسبون المدن ميسورة الكسر سهلة.

٨١

مير قد قدمه جعفر ورشّده نسله

وفيها : اتفق ليلة الجمعة ويومها ثلاثة عشر من صفر ، حدث ريح عظيم وماطر كثير بالشّحر تغيّرت بسببه جملة مراكب على المعلا وفي البندر.

وفيها (١) : استولى الافرنج خذلهم الله تعالى على جزيرة سقطرا وجزيرة هرموز وأمنوا من فيها من التجار وبنوا بها كوت (٢) وشرطوا على صاحبها شيء معلوم في كل سنة من المعشّر والمغاص ، وغير ذلك.

وفيها (٣) : وصل حسين بيك الكردي أمير صاحب مصر قانصوه الغوري من جدة في ثلاثة أغربة وثلاث برش (٤) قاصدا الهند وتوجه بخشبة نحو الديو (٥) لقتال الافرنج الذين ظهروا في البحر وقطعوا طرق المسلمين.

وفيها : توفي الفقيه الصالح العالم العلّامة وجيه الدنيا والدين عبد الرحمن بن محمد بامزروع رحمه‌الله تعالى.

وفيها : توفي الولي الصالح عبد الله بن عقبة المعروف بالحوت رحمه‌الله تعالى.

__________________

(١) قلائد النحر لوحة ١٩١.

(٢) في القلائد : حصنا ، والكوت. الحصن أو القلعة واللفظة هندية.

(٣) قلائد النحر : ١٩١. وانظر في ذلك البرق اليماني : ٣٤.

(٤) جمع برشة نوع من السفن.

(٥) في الأصل الدير والإصلاح من عندنا.

٨٢

سنة أربع عشرة وتسعمائة

فيها (١) : ليلة رابع عشر المحرم توفي الشيخ الكبير الولي الشهير الغوث الفرد ذو الكرامات الخارقة والأحوال العظيمة الصادقة وجيه الدنيا والدين عبد الرحمن بن عمر باهرمز الشبامي ، وقبر بهينن من بلاد حضرموت ، وهرمز بضم الهاء والميم وسكون الراء وآخره زاي ، ولم أقف على شيء من كراماته إلّا إنها متواترة على ألسن أهل بلده ، كرامات عجيبة ، وقفت في بعض الكتب معلقا بخط من يتعلق بالفقيه عمر بن عبد الله بامخرمة ، ما مثاله : نقلت من خط الفقيه عمر بامخرمة رحمه‌الله تعالى قال : وقفت بين يدي سيدي وشيخي عبد الرحمن بن عمر باهرمز عشية الاثنين ثاني رجب سنة ٩١٣ ثلاث عشرة وتسعمائة وتحكمت (٢) له وألبسني ومسح على صدري وقال لي : قد حكمتك وأنا شيخك فيها ، وفي علوم لم يطلع عليها ملك مقرّب ولا نبي مرسل ، فأنت نائب عني بل أنت أنا ، وسيأتي في ترجمة الفقيه بامخرمة بعض من كلامه مع الفقيه المذكور ، وهو رحمه‌الله ونفعنا به يلقب بالأخضر باهرمز رحمه‌الله آمين.

وفيها (٣) : ليلة الثلاثاء رابع عشر شوال توفي الشيخ الكبير والعلم الشهير والقطب الرباني شمس الشموس الشيخ أبو بكر بن الشيخ عبد الله بن

__________________

(١) النور السافر : ٥٩. النفحات المسكية ٢ : ١٢١ (خ).

(٢) أي سلك على يديه طريق الصوفية.

(٣) النور السافر : ٧٧. النفحات المسكية ٢ : ١٢١ (خ).

٨٣

أبي بكر العيدروس نفعنا الله به ، وجدت بخط باسنجلة : أن وفاته عام ثلاثة عشرة (١) والله أعلم ، وقد ضمن الفقيه النّبيه اللبيب ذو الفضل والصّلاح عبد الله بن أحمد بن فلاح الحضرمي ، تاريخ عام وفاة سيدنا في بيتين ، والتاريخ أول البيتين وهو (٢) :

قضى جا تراه وفيا بعام

وفاة الولي القطب صاحب عدن

أبي بكر العيدروس الذي

به الله أعلى منار السنن

مولده بتريم سنة إحدى وخمسين وثمانمائة ، ومدة إقامته بعدن نحو خمس وعشرين سنة إلى أن توفي بها ، وكان من أشهر الأولياء بل هو القطب في زمانه كما شهد به العارفون بالله تعالى شرقا وغربا ، ولم يمتر في ذلك ذو بصيرة من أهل الطريق ، وكان في الجود آية من آيات الله ، كان يذبح في سماطه كل يوم في رمضان ثلاثين كبشا ، وكذلك بلغت ديونه مائتي ألف دينار ، فقضاها عنه الأمير الموفق ناصر الدين عبد الله باحلوان في حياته قبل موته بمدة يسيرة حتى قرّت بذلك عينه ، وكان يقول : إن الله وعدني أن لا أخرج من الدنيا إلّا وقد أدي عني ديني ، ومن مشايخه في العلم عمه الشيخ علي بن أبي بكر ، والفقيه محمد بن أحمد بافضل ، والفقيه الولي العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بلحاج بافضل ، ومقرؤءاته كثيرة لا تنحصر وله إجازات متعددة من علماء الآفاق كالشيخ العلامة الحافظ السخاوي ، والشيخ العلامة المحدث يحيى العامري اليمني ، والشيخ الإمام العلامة أحمد بن عمر المزّجد الزبيدي ، وغيرهم ، وعده الشيخ جار الله بن فهد في معجمه من شيوخه في الحديث ، واجتمع على إثبات ولايته وعظم خصوصيته من كان في زمانه من الأولياء العارفين ، واعترف بعلو منزلته من عاصره من علماء الدين.

وقد ذكر الفقيه العلامة جمال الدين محمد بن عمر بحرق الحضرمي

__________________

(١) وهذا هو الذي مثبت على شاهدة قبره.

(٢) أنظرهما في النور السافر : ٧٧.

٨٤

في مناقبه في كتابة الموسوم بمواهب القدوس في مناقب إبن العيدروس ، من ذلك جملة شافية مقنعة كافية ومنها : أن عمه الشيخ علي بن أبي بكر شهد له بالقطبية ، وحكى عن بعض الثقات إنه قال : حججت سنة تسع وتسعمائة فبينما أنا أطوف إذ برجل عليه هيبة أهل الصّلاح أخذ بيدي ، وقال لي : أنت فلان بلادك كذا وأخبرني بأشياء جرت لي ولم أعرفه أنا قبل ذلك ، ثم قال : أتدري من غوث الأولياء اليوم ، قلت لا : قال : غوثهم الشريف أبو بكر بن عبد الله العيدروس الذي بعدن ، فقلت : له منذ كم هو في القطبية قال : منذ سنتين ، فهولاء العلماء والصالحين ، الذين عاصروه ، وبكل فضل وصفوه ، ولم نذكر منهم إلّا اليسير إذ هم جم غفير وجمع كثير ، وحكى من مجاهداته أنه هجر النوم ، أكثر من ثلاثين سنة ، وأمّا كراماته فكثيرة كقطر السّحاب لا تدرك بعدّ ولا حساب ، منها ما حكي إنه لما رجع من الحج دخل زيلع وكان الحاكم بها يومئذ محمد بن عتيق ، فاتفق أنها ماتت أم ولد للحاكم المذكور ، وكان مشغوفا بها فكاد عقله يذهب لموتها ، فدخل عليه سيدي لما بلغه عنه من شدة الجزع ليعزبه ويأمره بالصبر والرضا بالقدر ، وهي مسجاه بين يدي الحاكم بثوب فعزّاه وصبره فلم يفد فيه ذلك وأكبّ على قدم سيدي الشيخ يقبلها وقال : يا سيّدي إن لم يحي الله هذه مت أنا أيضا ولم تبق لي عقيدة في أحد ، فكشف سيدي عن وجهها وناداها بإسمها فأجابت لبيك ورد الله روحها وخرج الحاضرون ، ولم يخرج سيدي الشيخ حتى أكلت مع سيدها الهريسة ، وعاشت مدة طويلة ، ولسيدي من الكرمات والخوارق ما يعجز عن تعبيره اللسان ولا يحصره البيان ، ومناقبه أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر :

وليس يزيد الشّمس قدرا ورفعة

إطالة ذي وصف وإكثار مادح

وقد صنف في مناقبه العلامة جمال الدين محمد بن عمر بحرق الحضرمي كتابه المسمى بمواهب القدوس في مناقب ابن

٨٥

العيدروس (١) أجاد فيه كلّ الإجادة ولم يترك لغيره محلّا للزيادة ، وسيدنا السيد الشريف الولي الصالح السيد محمد بن علي بن علوي خرد في كتابه غرر إليها الضوى (٢) وأطنب وأسهب في مناقبه ، والشيخ الفاضل عبد اللطيف باوزير رحمه‌الله تعالى في مقدمة ديوان سيدي الشيخ أبي بكر العيدروس (٣) ، وأقواله في شعره تدلّ على عظم أحواله ، يعني سيدي الشيخ أبا بكر ، لأن أقواله عليها طلاوة ولها حلاوة ، ومن تصانيفه الجزء اللطيف في التحكيم الشريف ، وله أحزاب وسؤالات وجوابات في الحقيقة أتي فيها بالعجب العجاب ، وبالجملة فإنه كان نسيج وحده ليس له نظير في زمانه ولم يخلفه بعده مثله شعر :

له كل قلب بالولاية شاهد

وكل فؤاد من محبته ملى

فلله ما أعلى مراتب فضله

وأجزل ما أعطى واسمح ما ولى

فنعم الفتى لا شك في عظم حاله

فما شئت في الفضل الذي ناله قل

وقبره في عدن يزار ويتبرك به ، وبنى عليه الشيخ عامر بن عبد الوهاب قبة معظمة عجيبة ، وبنى الأمير مرجان الظافري المقبور في أحواز الشيخ رباطا كبيرا ودارا كبيرة لسكنى الشيخ القائم بالتربة ، وبنى الشيخ عبد الملك بن محمد ثلاثة أروقة محيطة بالقبة ، وفي مكانه من الأنوار والأنس ما يعرفه الخاص والعام والجلالة والاحترام ما يليق بذالك المقام نفعنا الله به آمين.

وفيها (٤) : توفي الشيخ العارف بالله تعالى شهاب الدين أحمد بالجفار بأحور ، وهي بلدة بين الشحر وعدن على ساحل البحر وقبره بها في محل يقال له الحوطة ويعرف بحوطة بالجفار ، وكان صاحب أحوال ومقامات

__________________

(١) طبع أخيرا ضمن المجموعة العيدروسية.

(٢) غرر البهاء الضوي : ٢٠٨ ـ ٢١٤.

(٣) انظر مقدمة ديوان الشيخ أبي بكر العيدروس ص ٢١ ـ ٤٦ ط مصر.

(٤) النور السافر : ٨٥.

٨٦

ومنازلات وكرامات رحمه‌الله تعالى ونفع به آمين ، وحكى عنه إنه قال : كان بمكة رجل يسلب من دخل عليه من الأولياء عن مقامهم فيأخذه عن ذلك المقام ، قال : فدخلت عليه بغفلة مني فسألني عن مقامي فتضرعت بباطني إلى الذي يجيب المضطر إذا دعاه فألهمني إن قلت له : الأفتقار فصاح وقال : ما أحد نال مني إلّا أنت أو كما قال.

وفيها (١) زالت العدالة (٢) بين آل كثير ومحمد بن أحمد بن سلطان من تريم في شهر رجب أو شعبان ، واحتربوا فصالوا آل كثير آخر رمضان من هذه السّنة واقتتلوا بسدة المصابن (٣) فقتل من آل كثير شيء وعشرون رجلا منهم رطاس المعتاشي باجري ، وقتل من آل تريم شيء وعشرون رجلا منهم رويس (٤) بن راصع وتسمّي هذه الوقعة عند أهل حضرموت وقعة المجف ، قال المؤرخ (٥) : نقلت ذلك من خط السيد الشريف الفقيه محمد بن عبد الرحمن الأسقع باعلوي (٦).

ثم قال : وفيها كانت وقعة بريح بالحاء المهملة ويقال لها : المجف أيضا المشهورة بالمصابن يوم تاسع وعشرين رمضان قرب تريم ، قتلوا فيها جماعة من أعيان المسفلة ومن أعيان آل كثير ، وكان المقدم فيها على آل كثير بدر بن محمد بن عبد الله ، فثبت وردّ هو وأصحابه بعدما قتلوا أصحابه وتفّرقوا ، فحصلت بردّته الهزيمة الكبرى على آل المسفلة ، ويؤيّد ذلك ما وجدته بخط الفقيه العلامة عبد الله بن عمر بامخرمة قال : وفي تاسع وعشرين رمضان كانت وقعة بريح تحت تريم بين آل كثير وآل يماني قتل فيها جماعة من القبيلتين ، والله أعلم.

__________________

(١) العدة ١ : ١٦٠.

(٢) العدالة : هنا الصلح.

(٣) العدة : المصابين.

(٤) العدة : دويس.

(٥) يعني باسنجلة.

(٦) ترجمته في المشرع الروي ١ : ١٨ وفيه وفاته سنة ٩١٧ ه‍.

٨٧

وفيها (١) : حصل ببندر عدن ريح عظيمة ليلة إلى الصباح ، وزاد البحر زيادة عظيمة وطلع ماء البحر إلى فوق درج باب المدينة وزاد الموج وغرقت في البحر سفينة مقبلة من جهة منظر (٢) الناس ينظرون إليها ، وكاد ما في البندر من السفن جميعا تغرق ، وسلّم الله تعالى ولله الحمد.

وفيها (٣) : في ربيع الثاني نزل إبراهيم الخواص في محمل على جمل في الهيجاء (٤) في جمع كثير في العبيد وبني الفخري (٥) وتقدّم إلى بيت الفقيه بن عجيل وزار قبر الفقيه أحمد بن موسى بن عجيل نفع الله به ، وقرأ عند الضريح مقدمة من القرآن ثم رجع إلى مكانه ، وتعرض [له] جماعة من الّدولة ، فقتل منهم ثلاثة وقد تقدم أول ظهوره في صفر سنة تسع.

__________________

(١) الفضل المزيد : ٣١٠.

(٢) كذا في الأصل وفي الفضل المزيد «مبط وعكيري» كذا في ط الدراسات وفي ط صالحية : ٢١٦ «مسقط وعكيري» أصلحها من عنده خطا.

(٣) قلائد النحر لوحة : ١٩١ والفضل المزيد : ٢١٤.

(٤) الفضل المزيد : الهيجة.

(٥) الفضل المزيد ط صالحية : الفخري وشلحد : القحوي.

٨٨

سنة خمس عشرة

وفيها (١) ظهر يوم الخميس ثالث عشر شوال : توفي بدر بن محمد الكثيري بشبام. ودفن قرب قبر عمه السلطان بدر بن عبد الله بن علي بجرب هيصم.

وفيها : أخذ الإفرنج جزيرة قوة (٢) من أعمال مليبار من أرض الهند من أيدي مسلمين وقتلوا بها جماعة من المسلمين في مسجد الجامع يوم الجمعة.

وفيها (٣) : السابع من شهر رجب توفي الشريف محمد بن الحسين البهال الحسني صاحب صعدة (٤).

وفي ذي (٥) القعدة : رجع حجاج اليمن من الواديين ، وذلك إنه بلغ الشريف بركات إنهم في العام الذي قبله دخلوا مكة من ناحية البر ، بمعشر (٦) كبير لم يطلع عليه نوّابه ، فمنع الناس من الوصول إلى مكة من ناحية البر فرجعوا من المكان المذكور ، ولم يكن بينهم وبين مكة إلّا أياما

__________________

(١) العدة : ١٦٠. النفحات المسكية ٢ : ١٢٢ (خ).

(٢) يقال لها أيضا : كوة بالكاف. أنظر (البرق اليماني : ٨٣).

(٣) قلائد النحر : ١٩١. والفضل المزيد : ٢٢٥ ط الكويت.

(٤) في الفضل المزيد «أمير الجوف». النفحات المسكية ٢ : ١٢٢ (خ).

(٥) قلائد النحر : ١٩١. الفضل المزيد : ٢٢٧.

(٦) قلائد النحر : بمعسكر.

٨٩

يسيرة.

وفيها (١) : وقع حريق بمدينة عدن عظيم لم يعهد قبله مثله.

وفيها ليلة الأربعاء وقت السحر وثلاث وعشرين في شهر رجب (٢) : طلع من جهة المشرق خط أبيض نير كالعمود مستطيل إلى جهة الغرب ، وكان طلوعه من ناحية الجنوب قريبا من نهاية مطلع الشمس في الجنوب.

وفيها (٣) : عشية يوم الأثنين خامس شهر ربيع الآخر توفي الفقيه العلامة المتقن المحقق المدقق الحبر الفهامة جمال الدين محمد الطيب بن إسماعيل مبارز إلى رحمه‌الله تعالى ورضوانه ، وصلي عليه بعد صلاة العصر بمسجد الأشاعرة ودفن في عصر ذلك اليوم ، وكان له مشهد عظيم نفع الله به آمين.

__________________

(١) قلائد النحر لوحة : ١٩١. والفضل المزيد : ٢١٣.

(٢) الفضل المزيد : ٣١٧ ط الدراسات.

(٣) النور السافر : ٨٧. والفضل المزيد : ٣١٦.

٩٠

سنة ست عشرة

وفيها (١) ليلة الخميس عاشر المحرم : قبض السلطان محمد بن عبد الله بن جعفر على أعيان العوابثة (٢) وهم أحمد ومحمد وأبو بكر أولاد عمر باعمر ، وبشر بن محمد باعمر ، وسّيرهم إلى ظفار إلّا محمد بن عمر استخفى في الشحر ، فوجدوه فقتل بالشحر والمذكورون قتلوا بظفار.

وفي سابع وعشرين رجب : توفي السيد الشريف الولي الصالح عفيف الدنيا والدين عبد الله بن أبي بكر باشميلة باعلوي (٣) بلحج ودفن بها.

وفي شهر رمضان (٤) : توفي السيد الشريف وجيه الدنيا والدين عبد الرحمن بن محمد بن علي باعمر باعلوي رحمه‌الله بجزيرة الديو من بلاد الهند ، وكان رجلا صالحا مشاركا في العلوم.

وفي يوم السّبت الثالث والعشرين من جمادى الآخر : ولد السيد الشريف الشيخ العارف بالله أبو بكر بن سالم بن عبد الله بن عبد الرحمن

__________________

(١) العدة المفيدة ١ : ١٦١. النفحات المسكية ٢ : ١٢٢ (خ).

(٢) قبيلة تسكن وادي العين وشحبر وهاجر قسم مستقل بنفسه بالقرب من الغيضة في بلاد المهرة وهي قبيلة قديمة ، ورد ذكرها في تاريخ حضرموت أنظر (الشاطري : أدوار التاريخ الحضرمي ٢ : ٢٧١).

(٣) المشرع الروي ٢ : ١٦٧. النفحات المسكية ٢ : ١٢٢ (خ).

(٤) الفضل المزيد : ٢٣٣ ط الكويت. النفحات المسكية ٢ : ١٢٢ (خ).

٩١

باعلوي (١) نفع الله به آمين ، وفيها (٢) توفي الشيخ الإمام القطب السيد الشريف عبد الله بن أبي بكر بن عبد الله باعلوي (٣) صاحب الحمراء (٤).

وفي آخر يوم (٥) يوم الأحد ثاني رمضان : توفي السلطان العادل المجاهد أبو الفتح محمود شاه صاحب «كجرات» بأحمد عباد (٦) ودفن بها ، ذكره السخاوي في ضوئه (٧) وقال : ولد في سنة ثمان وأربعين تقريبا ، وأسلم جد جده مظفر على يد محمد شاه صاحب دلي (٨) ، وكان عاملا له على فتّن (٩) فلما وقعت الفتن في مملكة دلي وتقسّمت البلاد ، كان الذي خص مظفر كجرات ، ثم وثب عليه ابنه وسجنه ، ولم يلبث حتى استفحل أمر الأب بحيث قتل ولده ، ثم بعد سنين انتصر أحمد لأبيه وقتل جدّه ، واستقر في كجرات ، وخلفه ابنه غياث الدين ، ثم ابنه قطب الدين ، ثم أخوه داؤد ، فلم يلبث سوى أيام وخلع ، واستقر أخوهم محمود شاه صاحب الترجمة ، وذلك في سنة ثلاث وستين حين كان إبن خمس عشر سنه دام في المملكة إلى الآن ، وأخذ من الكفار قلعة الشابانير (١٠) فابتناها مدينة وسمّاها محمود أباد ، ومن جملة ممالكه كنباية ، قال الشيخ

__________________

(١) من أشهر صوفية حضرموت سيأتي ذكره.

(٢) النفحات المسكية ٢ : ١٢٢ (خ).

(٣) هو نفس السابق ذكره قبل قليل بباشمبله ، المشرع الروي ٢ : ١٦٧ وفيه وفاته سنة ٩٢٠.

(٤) الحمراء من بلاد لحج معروفة إلى الآن.

(٥) النور السافر : ٨٧.

(٦) النور السافر : أحمد أباد. وهي مدينة معروفة عاصمة مقاطعة كجرات (المنجد : ٢٥).

(٧) الضوء اللامع ١ : ١٤٤.

(٨) هي دهلي. من بلد الهند.

(٩) فتن بلد من كجرات ، وفي معجم الأمكنة لمعين الدين الندوي : ٣٩ بلده قديمة من الهند في ولاية بزودة. وكانت تعرف قديما بنهر والة.

(١٠) الضوء اللامع : الشابانية.

٩٢

جار الله بن فهد رحمه‌الله : أقول وعمر بمكة رباطا مجاور باب المدينة عرف بالكنبايتية وقرر به جماعة ودروسا وغير ذلك ، وكان يرسل لهم مع أهل الحرمين عدة صدقات ، ثم قطعها لما بلغه استيلاء النظار عليها ، واستمر على ولايته رحمه‌الله تعالى.

وفيها (١) : حصل بمدينة عدن ولحج وأبين والسيلة (٢) وتلك النواحي مطر عظيم لم يعهد مثله.

وفيها (٣) : زلزلت مدينة زبيد زلزالا شديدا ، ثم زلزلت الثانية ، ثم زلزلت الثالثة ، وانقض في عصر ذلك اليوم كوكب عظيم من جهة المشرق آخذا في جهة الشام ، وحصل عقبه رجفة عظيمة كالرعد الشديد ، وزلزلت مدينة موزع (٤) ونواحيها زلزالا عظيما ما سمع بمثله واستمرت تردّد ليلا ونهارا زلازل صغار ، وزلازل كبار وقد أضرّ بأهل الجهة إضرارا عظيما.

وفيها (٥) : عصر يوم الثّلاثاء من ذي الحجة توفي الفقيه رضي الدين الصديق بن عبد العليم إقبال القرتبي ، ودفن في آخر ذلك اليوم.

__________________

(١) النور السافر : ٨٧. والفضل المزيد : ٢٣٢ ط الكويت.

(٢) النور السافر : المسيلة.

(٣) النور السافر : ٨٨. والفضل المزيد : ٢٣٥.

(٤) موزع : مدينة بالجنوب الغربي من تعز بمسافة ٨٠ ك. م (معجم : ٦٤٤).

(٥) النور السافر : ٨٨. والفضل المزيد : ٢٣٨.

٩٣

سنة سبع عشرة

وفيها (١) يوم الثلاثاء سابع عشر من المحرم : توفي السيد الشريف البارع في العلم والعمل والجود والكرم الفاضل الكامل العالم الشيخ الحسين بن الشيخ عبد الله العيدروس بن أبي بكر بن الشيخ عبد الرحمن السّقاف بالعلوي بتريم ، ودفن بها عند أبيه وكان مولده سنة إحدى وستين وثمانمائة ، وكان رحمه‌الله ونفع به عالما بالكتاب والسّنة حافظا لكتاب الله مواظبا على تلاوته ليلا ونهارا ، يحقق قراءة الشيخين نافع وأبي عمرو ، كثير المطالعة عظيم المتابعة ، قائما بما جرى عليه سلفه من الأوراد والأذكار ، وإكرام الوافدين والفقراء والمساكين وبذل الجاه في الشفاعات للمسلمين ولله در بعض واصفيه :

إن الحسين تواترت أخباره

في فضله عن سادة فضلاء

غيث يسيح على العفاة سحابه

سحّا إذا شحت يد الأنواء

تال لآثار النبي محمد

متمسك بالسنة البيضاء

ورث المكارم والعلى من سادة

ورثوا عن الآباء فالآباء

قال : السيد محمد بن علي بن علوي خرد في كتابه غرر البهاء (٢) :

__________________

(١) النور السافر : ٨٨. وانظر ترجمته في المشرع الروي ٢ : ٩٦. النفحات المسكية ٢ : ١٢٢.

(٢) غرر البهاء الضوي : ٢١٥.

٩٤

وكان الفقيه الولي الصالح عبد الله بن أحمد بامخرمة يعظمه ويثني عليه برجحان العقل ، ويعترف له بالفضل ، جاور بمكة المشرفة سنتين وزار قبر جده المصطفى مرتين ، وكان في تلك المدة يقرأ العلم على الشيخ الأصولي الفقيه الصالح الولي عبد الله بن أحمد باكثير ، والقاضي إبراهيم بن أحمد بامخرمة ، وعلى الفقيه محمد بن محمد بافضل بعدن ، وعلى الفقيه السيد الشريف محمد بن عبد الرحمن الأسقع كتاب «الحاوي» وأكثر «منهاج» النووي ، وقرأ على الفقيه عبد الله بن علي أبا مدرك ، وعلى الفقيه العلامة الزّاهد عبد الله بن عبد الرحمن بلحاج بافضل في النحو والفقه وعلم الفلك ، وعلى القاضي عمر الجبني (١) اليمني ، انتهى.

وحكي عن والده الشيخ عبد الله العيدروس أنه كان يقول : كنت كثير الدعاء في سجودي أن يرزقني الله ولدا عالما ، وأرجو أن يكون الحسين ، وروي عن أخيه الشيخ أبي بكر العيدروس أنه كان يقول : حسين أكرم مني فقيل له في ذلك ، فقال : ينفق عن ضيق لكونه بحضرموت ، ونحن ننفق عن سعه ، رحمهما‌الله ونفعنا بهما آمين ، وكان مشاركا في جميع العلوم المنطوق منها والمفهوم ، وله إجازات كثيرة من علماء آفاقيين (٢) ، منهم الفقيه العلامة محمد بن عبد الرحمن السّخاوي المصري وغيره ، وله الكلمة النافذة والجاه الواسع والصّيت الشاسع والكرامات الظاهرة القاهرة ، ومنها ما حكى عبد الرحمن الخطيب قال : صليت وراء سيدي حسين بن عبد الله العيدروس نفع الله به صبح يوم الجمعة ، فقرأ السّجدة فأصابتني حقنة (٣) وهممت بمفارقته فقرأ في الثانية سورة الإخلاص فأسرع ، فعجبت لذلك وظننت أن له حاجة أيضا ، فلبث في مصلّاه حتى طلعت الشّمس كعادته

__________________

(١) مطبوعة الغرر : الحبشي.

(٢) آفاقي نسبة إلى من كان من خارج البلد قال في المصباح والصواب في نسبته أن يقال أفقى.

(٣) الحقنة : هنا احتباس البول ومدافعته وأصله من حقن الرجل بوله حبسه وجمعه فهو حاقن.

٩٥

رحمه‌الله تعالى.

وفيها (١) : توفي الإمام العالم العلامة والحبر الفهامة الفاضل الكامل الشيخ علي بن محمد بن الفقيه أحمد بن القطب الفقيه محمد بن علي علوي نفع الله بهم آمين ، كان رحمه‌الله على جانب من العلم والعمل والزهد والورع والعزلة والإنفراد عن الناس ، وكان موزعا أوقاته بأفعال الطاعات وأنواع العبادات المستحسنات والمفروضات والنوافل المسنونات المشروعات ، قرأ على الفقيه الصالح الولي السيد الشريف عبد الله بن علي عرف بمولى الشبيكة باعلوي في حال مجاورته بمكة المشرفة ، جاور فيها سنتين سوى السفر إليها غير ما ذكره (٢) وقرأ على القاضي رضي (٣) الدين إبراهيم بن ظهيره القرشي المكي وغيرهما من العلماء الآفاقيين بمكة في حال إقامته ، وقرأ على الفقيه الحافظ محمد بن أبي بكر (٤) السخاوي المصري وأجازه فيما قرأه ، وأجازه مشايخه المجيزون له في جميع أنواع العلوم ، وتفقه بخاله الشيخ الإمام جمال الدين أبي عبد الله الفقيه محمد بن أحمد بافضل الحضرمي ثم العدني رحمه‌الله تعالى ، فإنه ابتدأ عنده في كتاب «التنبيه» يوم الأربعاء خامس عشر شهر رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة وختمه ، وشرع في كتاب المنهاج للنووي ، وختمه في سنة خمس وسبعين ، وقرأ في تلخيص المفتاح في علم المعاني والبيان أول صفر سنة ست وسبعين وختمه في النصف من ربيع الثاني تلك السنة ، وقرأ في تلك السنة في علم النحو المختصر والملحة والألفية بعد حفظهما ، وقرأ عليه أيضا صحيح البخاري ومسلم وتفسير البيضاوي ، وسمع عليه جملة كتب في التّفسير والحديث والفقه والرقائق ، وقرأ أيضا على الفقيه الإمام العالم العلامة الحبر الفهامة عبد الله بن أحمد بن علي بامخرمة الهجراني بعدن

__________________

(١) النور السافر : ٩٠ غرر البهاء : ٢٤٤. والمشرع الروي ٢ : ٢٣٧.

(٢) الغرر : غير ما ذكر.

(٣) الأصل : رضاء.

(٤) كذا في الأصل صوابه محمد بن عبد الرحمن.

٩٦

المحروسه سنة إحدى وثمانين وثمانمائة تفسير البيضاوي وصحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داؤد والتّرمذي ، وتنبيه أبي إسحق الشّيرازي ، وذكر جملة مقروءات حذفت ذكرها إختصارا ، وأجاز له جميع ما تجوز له روايته من جميع أجناس العلوم وأنواعها ، وقرأ على الفقيه الإمام العالم العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بلحاج بافضل رحمه‌الله قطعة من جامع المختصرات للنشائي ، وحصل عليه جملة من فنون العلم ، قال السيد محمد بن علي باعلوي خرد مؤلف كتاب الغرر «غرر البهاء» (١) ومنها نقلت هذه الترجمة : وقرأت أنا عليه صحيح البخاري ثلاث مرّات «والرياض» للنووي والحصن الحصين للجزري والشفا للقاضي عياض ، وعدّد جملة من الكتب ، وقرأ عليه الفقيه الصالح عبد الله بن محمد بن سهل بن محمد بن عبد الله بن الشيخ الإمام محمد بن الشيخ حكم أبو قشير (٢) النصف الأخير من المنهاج ، وأكثر كتاب الإرشاد في الفقه ، وألفية بن مالك في النحو ، وفي علم الفلك ، وقرأ عليه الفقيه الصّالح الولي نور الدين علي باغوث بن عبد الرحمن بن الشيخ أحمد بن أبي بكر حرمي مقدمة ابن باب شاذ والوردية في النحو ، وفي الفقه منظومة «الحاوي» وقرأ عليه السيد الشّريف الفقيه شهاب الدين القاضي أحمد شريف بن علي بن الشيخ علوي الملقب خرد باعلوي جملة من كتاب «الروضة» وغيرها ، وقرأ عليه الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن سهل أبو قشير كتاب أذكار النووي مرارا متعدّدة ومختصرات في الفقه ، وقرأ عليه ولده الشريف الفقيه عبد الرحمن في المنهاج والتّنبيه والإرشاد بعد أن حفظه ، وقرأ عليه السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ علي بن أبي بكر في الفقه والنحو وغير ذلك ، وقرأ عليه عالم كثير من أهل حضرموت وغيرهما ، وكان قليل الغضب حسن الخلق منصفا يؤثر الخمول.

__________________

(١) غرر البهاء : ٢٤٧.

(٢) مؤلف «قلائد الخرائد» المتوفى سنة ٩٥٨ وسيأتى ذكره.

٩٧

وكان ساداتنا السّلف من آل أبي علوي يؤثرون الخمول مع الزهد والورع نفعنا الله بهم آمين ، ورآه بعضهم بعد موته فسأله عن حاله فقال : في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، ومن كراماته أن بعض أخدامه سرق داره ، فقال : إذهب إلى المكان الفلاني تجد فيه ما أخذ لك ، فذهب فوجده في ذلك المكان الذي عيّنه رحمه‌الله آمين.

وفيها (١) في ضحى يوم الخميس الرابع من شهر محرم : توفي الفقيه العالم العلامة الحبر الفهامة وجيه الدين عبد الرّحمن بن القاضي صفي الدين أحمد بن عمر المزجّد رحمه‌الله تعالى وصلي عليه بمسجد الأشاعر بعد صلاة الصبح ودفن بجوار الشيخ علي المرتضى بمقبرة باب سهام وأسف عليه والده أسفا كثيرا وصبر واحتسب ، وكان له مشهد عظيم ، وكان قد نجب ودرّس وأفتى رحمه‌الله آمين.

وفيها (٢) : ولدت امرأة مولودة بقرية النّويدرة (٣) ، وطلب لها من يؤذن لها في أذنها فحين بلغ المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله سمع الطفلة تقول الله أكبر الله أكبر ثلاث مرات.

وفيها (٤) : خسف بالفيل الذي يعّد كرامة لسيدنا الشيخ أحمد بن علوان صاحب يفرس نفع الله به ، وهو فيل للسّلطان الشيخ عامر بن عبد الوهاب المسمى مرززق بقرية يقال لها : الركن (٥) من زوايا الشيخ شهاب الدّين قطب زمانه وواسطة عقد أقرانه سيدنا الشيخ أحمد بن علوان نفع الله به ، قريبا من مدينة يفرس ، وكان قد أدخله بعض فقراء الشيخ أحمد كرها ،

__________________

(١) النور السافر : ٩١. والفضل المزيد : ٢٤٠.

(٢) النور السافر : ٩١. والفضل المزيد : ٢٤١.

(٣) النويدرة : قريه مندرسه خارج مدينة زبيد من الشمال الغربي ، وتسمّى الآن بالسطور (المقحفي المعجم : ٦٦٨).

(٤) النور السافر : ٩٢ الفضل المزيد : ٢٤٩.

(٥) الفضل المزيد ط صالحية الركز بالزاي وما أثبتناه من الأصل وط الدراسات : ٢٣٥.

٩٨

وسألهم ما لا طاقة لهم بتسليمه ، فلم يشعروا حتى غاب أكثر الفيل في الأرض وكانت من الصفا (١) من قبل رجليه فصرخ صرخات ومات ، فكان عبرة لمن رآه ، ولم يقدر [أحد](٢) على إخراج شيء منه من موضع الخسف.

__________________

(١) النور السافر : القفا.

(٢) ساقط من الأصل.

٩٩

سنة ثماني عشرة وتسعمائة

فيها (١) يوم الأحد خامس شهر رمضان بعد العصر : توفي الشيخ الإمام العالم العلامة الولي الصالح الزاهد الورع الفقيه عفيف الدنيا والدين بركة الإسلام والمسلمين عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بلحاج بافضل الحضرمي ثم الشحري ، وكان له مشهد عظيم ودفن في الشحر طرف البلد من جهة الشمال ، وهو من أول من دفن هناك ودفن الناس عنده الآن حتى صارت مقبرة كبيرة ، وقبره مشهور بها يزار ويتبرك به ، وكان رحمه‌الله تعالى أوحد وقته علما وعملا وورعا ، ولد سنة خمسين وثمانمائة وارتحل لطلب العلم إلى عدن وغيرها ، وأخذ عن الإمامين محمد بن أحمد بافضل ، وعبد الله بن أحمد بامخرمة ولازم الثّاني ، وتخرج وانتفع به كثيرا ، وأخذ أيضا عن قاضي القضاة برهان الدين بن ظهيرة القرشي ، وأبو الفتح المراغي وغيرهما ، ودأب في الطّلب وأكب على الاشتغال حتى برع وتميز واشتهر ذكره ، وبعد صيته وأثنى عليه الأئمة من مشايخه وغيرهم ، وكان شيخه الفقيه العلامة عبد الله بن أحمد بامخرمة كثير الثناء عليه ، ولعمري أنه كان بذلك حقيقا ، وبكل نعت حميدا خليقا ، لأنّه كان عالما عاملا فاضلا عابدا ناسكا ورعا زاهدا شريف النفس كريما سخيا مفضالا كثير الصّدقة حسن الطريقة ليّن الجانب صبورا على تعليم العلم متواضعا حسن الخلق ، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ، وكانت له حرمة وافرة عند الملوك وغيرهم ،

__________________

(١) النور السافر : ٩٢. والنفحات المسكية : ٦١ (خ) ، والسناء الباهر : ١٤٤.

١٠٠