تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه

تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

المؤلف:

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

المكان ألذي هو غير مسكون ، فلقتهم العساكر الذي تقدمت إلى ذلك المكان ، فاتصل (١) الجمعان ، وقبض على اليهودي الملعون ومن معه من أولاده وقرابته وسائر آلاته ، وقبض بنو عبد ولزم قاتل ابن مخارش وأسر اليهودي ، ثم توجه الشيخ إلى بلد بني شريف وأخذ حصونها ، وأدوا الطاعة ثم عاد إلى رداع.

وفيها : توفي الشيخ الولي الصالح جمال الدين محمد بن أبي شراحيل رحمه‌الله تعالى.

ومن تاريخ سيدنا السيد عبد القادر العيدروس (٢) :

وفيها : ظهرت (٣) على الشمس هالة عظيمة من ضحوة النهار إلى ما بين الظهر والعصر ، ثم اضمحلت.

وفيها (٤) : طلع نجم من مشرق ، [نجد](٥) نجم ذو ذؤابة وكان طلوعه من برج الحمل وذؤابته (*) في اليمن وسيره في الشام ، فسبحان القادر على ما يشاء.

ومنه (٦) فيها : أنقض نجم عظيم من المشرق في المغرب ، وأضاءت له الدنيا ، ووقف ساعة ثم أضاءت السّماء فأضاء المكان الذي أصابه منها إضاءة عظيمة ، ثم سقط في جهة المغرب ، وبقي ساعة ظاهرا في الموضع الذي أصابه ساعة طويلة ثم اضمحل ، والله الفعال لما يريد.

ومنه (٧) ، وفيها : دفع وادي [زبيد](٨) بسيل عظيم لم يعهد مثله ،

__________________

(١) قلائد النحر : انضم.

(٢) النور السافر : ٣٩ الفضل المزيد : ١٣٢.

(٣) في (س) : طوت.

(٤) النور السافر : ٤٠ الفضل المزيد : ١٣٥.

(٥) زيادة من النور السافر. (*) الفضل المزيد : شعاعه.

(٦) النور السافر : ٤٠ الفضل المزيد : ١٣٦.

(٧) النور السافر : ٤٠ الفضل المزيد : ١٤٠.

(٨) ساقط من الأصول.

٤١

وسال بخلق ودواب وأخرب قرية مزارع (١) وجاء بشيء من هدم البيوت لا يعلم من أين هو ، فسبحان العليم الحكيم ، ومنه ، وفيها (٢) : وقع مطر بمدينة زبيد وما [حواليها] (٣) وكان جمع من الرعاة في البادية خارج باب الشبارق فلما وقع عليهم المطر الكبير لجأوا إلى العقد (٤) الذي هو غربي دار الطويلع قبالة بستان حائط لبيق واكتّنوا عندهم جماعة من الناس الذين كانوا بالحائط وغيرهم فبينما هم كذلك ، إذ رأوا الغنم تجول بعضها في بعض وتتساقط ميتة حتى سقط منها نحو ستة رؤوس ، ثم سكنت بعد ذلك ، ونظروا فإذا ثعبان عظيم تحت أرجلها ميتا وقد وطأته إحداهن بظلفها في رأسه فقتلته ودفع الله شره.

ومنه (٥) وفيها ضحى يوم الاثنين الثالث عشر من شهر شوال : توفي الشيخ الصالح جمال الدين محمد المعروف بن إسمعيل [الجبرتي] (٦) الصّوفي وصلّى عليه بعد صلاة العصر بمسجد الأشاعرة ، ودفن في قبر والده داخل قبة الشيخ الكبير إسمعيل بن إبراهيم الجبرتي ، وكان له مشهد عظيم لم تر العيون مثله ، وكثر الأسف عليه ، رحمه‌الله تعالى ونفع به آمين.

٤٢

سنة ست وتسعمائة

فيها (١) : ليلة الاثنين الثامن والعشرون من المحرم ، توفي قاضي الشريعة بزبيد الإمام العلامة جمال الدين محمد بن عبد السلام الناشري رحمه‌الله تعالى وصلّي عليه بعد صلاة الصبح بجامع زبيد ، وكان له مشهد عظيم لم تر العيون مثله وكان المذكور من عباد الله الصالحين والعلماء العاملين ، وهو خاتمة القضاة الناشريين بزبيد رحمه‌الله تعالى.

وفيها (٢) يوم الخميس خامس عشر جمادى الأولى : توفي شيخ الإسلام كمال الدين محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن مسعود بن رضوان بن أبي شريف المرى بالمهملة القدسي الشافعي ، وكان مولده في يوم السبت خامس ذي الحجة سنة [اثنتين](٣) وعشرين وثمانمائة ، أخذ العلم عن جماعة منهم شيخ الإسلام ابن حجر ، والعلّامة ابن الهائم ومن في طبقتهم ، ومن محفوظاته الشاطبية ، والمنهاج الفرعي ، وألفية الحديث ، ومختصر ابن الحاجب في النحو ، وعرض هذه الكتب على الشيخ ابن حجر فأجازه ، وجّود القرآن العظيم بعد حفظه ، وأخذ عن بعضهم علم الحديث والأصول والعروض والقافية والمنطق وغيرها من العلوم ، وتفقه بابن

__________________

(١) النور السافر : ٤١. الفضل المزيد : ١٤١.

(٢) النور السافر : ٤١. وانظر ترجمته في شذرات الذهب ٨ : ٢٩ والأعلام ٧ : ٥٣.

(٣) ساقط من الأصول وأضفناه من أصله : النور السافر.

٤٣

شرف (١) ترجم له البقاعي ، ووصفه بالذهن الثّاقب والحافظة الضابطة والقريحة الوقادة والفكر القويم والنظر المستقيم ، وسرعة الفهم وكمال المروءة مع عقل وافر وأدب ظاهر ، قال السّخاوي (٢) : ودرس وأفتى وحدث ونظم ، وذكر من تصانيفه حاشية على شرح جمع الجوامع للمحلي ، وأخرى على تفسير البيضاوي ، وشرحا على الإرشاد لابن المقري وفصول ابن الهائم ، ومختصر الشفاء ، وغير ذلك ، وبالجملة فهو علامة متين التّحقيق حسن التفكير في التأمل ، وكتابه أمتن من تقريره ورويّته أحسن من بديهته ، مع صيانة وديانة وقلة كلام وعدم ذكر للّناس ، وعاش بعد السخاوي أربع سنين ، ذكره مؤرخ دمشق ، وذكر بعض أوصافه الحسنة باختصار ، وقال : إنه خلف دنيا طائلة رحمه‌الله.

وفيها (٣) في أول المحرم منها : دخل الظّافر مدينة عدن وهي آخر دخلة دخلها ولم يدخلها بعد ذلك فيما أظن ، وأرسل طوائف من جنده مقدمهم الشريف [عبد الله](٤) بن علي بن سفيان إلى أهل دثينة ، فأسر منهم نحو مائة فيهم كبيرهم جواس وقتل سبعة ، وضيق على أهل دثينة وأدوا الطاعة ، وأرسل بالأسرى والقتلى إلى السلطان بعدن ، وقدم التجار والنواخيد (٥) إلى السلطان الهدايا النفيسة على عادة البلد فأثابهم عليه وأجازهم الجوائز السنية وجهز الموسم ، وتصّدق بصدقة جليلة عمت أهل البلد ، ثم خرج إلى الحج فأقام أياما فبلغه وهو بالحج خبر موت قاضي زبيد محمد بن عبد السّلام الناشري ، فاستدعى الشيخ الإمام العلامة أحمد بن عمر المزجد من عدن ، وولاه قضاء زبيد واستدعى القاضي عبد

__________________

(١) الأصل ابن أبي شريف خطا.

(٢) السخاوي : الضوء اللامع ٩ : ٦٤.

(٣) قلائد النحر ٣ : لوحة ١٨٩.

(٤) ساقط من الأصل وأضفنا من قلائد النحر.

(٥) النواخيذ : جمع ناخوذاه وهو مالك السفينة أو المسؤول عنها واللفظة من الفارسية «الشهداء السبعة : ١٢٤».

٤٤

العليم بن محمد القماط من تعز وجعله قاضيا بعدن ، وفصل القاضي حسين بن العلامة أحمد بن عمر المزجد من قضاء لحج ، وجعله قاضيا بتعز ، وولى قضاء لحج الفقيه شهاب الدين أحمد بن عبد الله باحسين الدوعني ، ثم عزم إلى بلدة المقرانة فدخلها أول صفر (١).

وفيها (٢) بشهر رجب منها : وقع بزبيد مرض عام ومات منه خلائق لا يحصون واشتد ذلك في شعبان ورمضان ، وكان يموت بزبيد كل يوم نحو ستين وأكثر.

وفي (٣) نصف شعبان : أخذ الظافر حصن دثينة وسائر ما هنالك قهرا بعد أن حطّ عليهم بنفسه ثلاثة أشهر ورماهم بالمنجنيقات وضيق عليهم أشد الضّيق وطلبوا الذمة وبذلوا ما يريد ، فقبل منهم وارتفع إلى بلدة المقرانة وانحسم بذلك مادة الخلاف.

وفيها (٤) : قدم قاصد صاحب مصر السلطان جنبلاط (٥) بهدية عظيمة إلى السّلطان عامر بن عبد الوهاب ، من جملتها فانوس بلور قدر قامة الإنسان وصندوقان من بلور وسيوف عظيمة وأشياء نفيسة ، ويقال : أنه رأى في [منامه](٦) منامات صالحة للسلطان المذكور فكتب إليه بذلك.

وفيها (٧) بسحر ليلة الثلاثاء من رمضان توفي الشيخ أبو بكر [بن عبد

__________________

(١) قلائد النحر : آخر صفر.

(٢) قلائد النحر لوحة : ١٨٩.

(٣) قلائد النحر لوحة : ١٨٩.

(٤) النور السافر : ٤٢ الفضل المزيد ١٤٦.

(٥) هو الملك الأشرف جنبلاط يشبك الأشرفي ، أبو النصر من ملوك الجراكسة المماليك ، تولى الحكم سنة ٩٠٥ ثم خلع سنة ٩٠٦ (شذور الذهب ٨ : ٣٨ والكواكب السائرة ١ : ١٧١ والأعلام للزركلي ٢ : ٩٥).

(٦) ساقط من الأصل.

(٧) النور السافر : ٤٢ الفضل المزيد : ١٤٦.

٤٥

الله](١) : المزجاجي ودفن ضحى يومها رحمه‌الله.

وفيها (٢) ضحى يوم الخميس : توفي الشيخ الصالح وجيه الدين عبد الرحمن بن محيي الدين (٣) الجبرتي ، ودفن بعد عصر ذلك اليوم رحمه‌الله تعالى.

وفيها (٤) بشوال عيد الفطر : ولي السلطنة الملك الأشرف قانصوه الغوري صاحب مصر والشام بعد موت محمد بن قايتباي ، وهو مملوكهم.

وذلك لما توفي قايتباي (٥) ملك محمد ولده بعده أياما يسيرة ثم مات ، ثم تولّى بعده مملوكه قانصوه الغوري ، فجهز لحرب الأفرنج تجريدة عظيمة أميرها حسين كردي ، ودخل الهند وقف بالديو (٦) ومتوليها السّلطان محمود ، وبالديو من جهته مملوكه الطواشي المسمى ملك الياس رومي اشتراه من بعض التّجار ، وكان فيه نجابة عظيمة ، والتّجهيز كان في سنة ثلاث عشرة ، وتقابل مع الافرنج واهتزم ورجع إلى بر العرب ، قلت : هذا عند أول ظهور الافرنج لعنهم الله تعالى في البحر يتخطفون ، قال المؤرخ : أوّل ما ظهر الأفرنج بجزيرة كلوة بكسر الكاف وسكون الّلام وفتح الواو وسكون الهاء جزيرة كبيرة من أرض السواحل على سبيل التجارة ، ثم رجعوا إلى أرضهم ، وأتوا مرة ثانية بهدايا ومساطير غريبة وكلام منتظم إلى صاحب كلوة ، ثم خرج منها إلى السّاحل ، ثم إلى بلاد الهند ، وأول ظهوره بأرض الهند بقالي قوط (٧) ومنيبارات وجوه على رأس التسعمائة وهو أول

__________________

(١) ساقط من الأصل والنور السافر. وأضفناه من الفضل المزيد : ١٤٧.

(٢) النور السافر : ٤٢ والفضل المزيد : ١٤٨.

(٣) في الأصل : محمد وأصلحناه من أصوله.

(٤) قلائد النحر ٣ : ١٨٩ «أول الخبر». وانظر ابن إياس : بدائع الزهور ٤ : ١.

(٥) في الأصل قساي.

(٦) يرد ذكره هذه البلدة بالدير بالراء المهملة. والإصلاح من عندنا ، وهي جزيرة هندية في بحر عمان جنوبي شبه جزيرة كاتياواز (المنجد في الإعلام : ٢٩٦).

(٧) قلت : هي المعروفة بكلكوتة قال في معجم الأمكنة لمعين الدين الندوي : هي قصبة

٤٦

القرن العاشر ، وكذلك أول ظهوره بجهة بر العرب خذله الله تعالى أنه توه (١) بحصن غراب قريبا من الشحر أو سنة ثمان أو تسع في القرن العاشر انتهى.

وفيها (٢) نصف من شعبان (٣) : كانت وقعة الشّريف هزاع مع أخيه بركات ابن محمد بالحجاز انكسر فيها بركات ، وهزم هزيمة شنيعة ، وذلك أن الشريف هزاع بن محمد بن بركات بن حسن بن عجلان ، كان مظهر التعب من أبيه بسبب تقدمة أخيه بركات عليه ، وظهر منه في حياة أبيه سوء ، فلما توفي والده وأسند الأمر إلى بركات ، وجعل لهزاع إقطاعات معلومة قبلها في الظاهر وهو غير راض في الباطن ، منتهزا للفرصة ملازما لأخيه بركات في الظاهر ، فلما تولى الملك العادل طرنباي مصر بعد الملك الأشرف ، طرد أمير الأمراء يقال له قانصوه المحمدي ، ويعرف أيضا بالبرج ونفاه إلى الحجاز مهانا ذليلا ، فلما وصل مكة لم يلتفت له أحد من أكابرها لا بركات ولا القاضي أبو السعود بن ظهيرة مراعاة للسلطان طرنباي ، وكان هزاع يواصله ويهاديه ويكثر التردد إليه ، فلما فقد (٤) طرنباي من مصر ، وولي بعده الأشرف قانصوه الغوري ليلة الفطر كما سبق ، كتب لقانصوه البرج إلى مكة ، وجعله نائبه بها ، فلما وصلت الكتب بذلك جاءه الشّريف بركات والقاضي أبو السعود للسّلام عليه والتهنئة فلم يأذن لهما لما في قلبه منهما في عدم الاحتفال به قبل ذلك ، ووعد هزاع أن يجعل له ولاية مكة ويخلع أخاه بركات منها ، فأمره بالخروج إلى (ينبع) ، وأرسل لأمير الحاج المصري أن يواجه هزاع ، ويطلق المراسيم السلطانية عليه ويلبسه الخلعة السلطانية ففعل ذلك ، فألبس هزاع الخلعة التي جيء بها لبركات ، وألبس

__________________

مدبرية مليبار في ولاية مدراس.

(١) توه : ذهب بعيدا عن بلده وهي من عبارات البحارة «انظر الشهداء السبعة : ١٢٤».

(٢) قلائد النحر ٣ : ١٨٩. والفضل المزيد : ١٤٩. وانظر خلاصة الكلام : ٤٩.

(٣) قلائد النحر : آخر ذي القعدة.

(٤) الأصل «بعد» وأثبتناه من قلائد النحر.

٤٧

أخاه الجازاني الخلعة التي كان يلبسها قيتباي أخو بركات ، وتوجه هزاع مع الركب المصري إلى مكة من ينبع ، ومعه الأشراف بنو إبراهيم في نحو مائة فارس ، ومعه زبيد أخوال الجازاني ، فلما علم بركات بذلك خرج في عسكره إلى وادي مر ، والتقى الجمعان هناك الشريفان بمن معهما ، وكف الركب المصري نفسه وعسكره عن مساعدة أحدهما ، فانكسر هزاع مرات ، وقتل من أصحابه نحو الثلاثين ، فعبث أصحاب بركات بالركب المصري ، ونهبوا أطرافه ، فحمل الرّكب مع هزاع حملة رجل واحد ، وهزم بركات وقتل ولده إبراهيم أبو القاسم في جماعة من العسكر ، واستولوا على محطة بركات بما فيها من الأموال والنّساء وانتهبت حرمه ، وعزم بركات إلى جدة فنهبها ، ودخل هزاع مكة متولّيا صحبة الركب المصري واضطربت أحوال الناس ، وكثر الخوف والنّهب في الطرقات ، ورجع حجاج البحر من الطريق ، وكان فيهم من قد أحرم ، فرجع قبل التّحلل وارتكبوا محظورات الإحرام جهلا فلا حول ولا قوة إلّا بالله ، وكان الحج ضعيفا ولم يحج هّزاع ، وحج بركات ، فلما انقضى الحج عرف هزاع أن لا طاقة له بمقاومة أخيه بركات ، وتخوف منه الهجوم بمكة عليه ، فخرج صحبة الرّكب الشامي إلى ينبع ، وتبعه بركات فحماه الركب الشامي منه ، فرجع بركات إلى مكة واستقر بها وأمنت الناس والطرقات ، وفي جمادى الأولى جمع هزاع جيشا غالبهم من بني إبراهيم أشراف عسكره فالتقيا بموضع يقال له طرف البرقا ، فانكسر الشريف بركات كسرة شنيعة وقتل أخوه أبو وهيج (١) ومن الأشراف بنو نمي نحو سبعة نفر وانهزم بركات حتى بلغ سبخة الغراب من ناحية اليمن ، ووصل هزاع إلى ظاهر جدة ، ونادى بالأمان للناس ، وقرر أحوالهم ، وأرسل أخاه الجازاني إلى مكة ليقرر أحوال أهلها ، ثم خشي بادرته فتبعه إلى مكة في عساكره ، وكان العرب والأشراف الذين مع هزاع شرطوا عليه نهب مكة ان ظفروا بها ثلاثة أيام ، فلما ظفر بها لم يسهل عليه

__________________

(١) قلائد النحر : دعلج.

٤٨

نهبها ، فصالحهم عن النهب على مال جزيل نحو سبعة آلاف أشرفي (١) فرضوا بذلك ، فأخذ ذلك من تجار مكة بطيبة خواطرهم ليسلموا من النّهب ودفعها إلى من معه ، ووصلت المراسيم والخلع من مصر ، وكان الشريف هزاع رجلا حازما سهلا له تدبير ورأي وشفقة تامة على الرعية ، وهيبة في صدور الجند ، وهم الذين أقاموه وآزروه ، ومع ذلك فلم يكن لأحد منهم كلمة ، وكان في نفسه من القاضي أبي السعود وتجامله في الظاهر ، ومع ذلك فلم يأمن منه القاضي حتى استجار منه بأخيه الجازاني فأجاره.

__________________

(١) الأشرفي : عمله ذهبية تسمى أيضا شربفي ، وكان الأوربيون يسمونه «السلطاني» وكان وزنه ٥٣ حبة (أي درهم وقيراط) (انظر ليلى الصباغ : من أعلام الفكر العربي : ٢            س ٢٦). و (الشهداء السبعة : ١٢٤)

٤٩

سنة سبع وتسعمائة

فيها (١) : توفي الشريف هزاع بن محمد بن بركات ولم تطل ولايته لأنه دخل مكة وهو مريض ولم يزل المرض مستمرا به إلى خامس عشر رجب من السنة المذكورة وتوفي رحمه‌الله بمكة ، وتولى بعده أخوه الجازاني بمساعدة القاضي أبو السعود وتدبيره ، وكان ذلك سبب تدميره.

وفيها : توفي الولي الصالح الفقيه عمر بن ربيعة رحمه‌الله ، وقيل في السنة التي بعدها والله أعلم.

وفيها : بشهر جمادى الآخرة بعد العشاء عاشر الشهر ولد الفقيه عبد الله بن عمر بامخرمة نقلت ذلك من خطه.

وفيها (٢) : كانت حكاية القاضي أبو السعود قاضي مكة وابن قاضيها إبراهيم بن ظهيرة الشافعي رحمه‌الله تعالى وسبب تغريقه في البحر ، وذلك انه ولي القضاء بعد أبيه وكانت له حرمة وجاه عند الشّريف محمد بن بركات ثم مع ولده بركات بن محمد بحيث إن أوامره بالحجاز أنفذ من أوامرهما رغبة منهما في ذلك واختيارا لا عن كراهة واجبار ، فلما وقعت الفتنة بين بركات وأخيه هزاع بوادي (٣) مر وانكسر فيها بركات كما سبق في

__________________

(١) قلائد النحر ٣ لوحة ١٨٩.

(٢) قلائد النحر ٣ لوحة : ١٨٤.

(٣) وادي مر : هو مر الظهران موضع على مرحلة من مكة (ياقوت ٥ : ١٠٤).

٥٠

السّنة التي قبلها ، خيّل للقاضي إن أيام بركات انقضت واندرست ، وقد إلتجأ إلى الجازاني كما سبق ، فخفره من هزاع وحماه منه ، فلما أمن من غائلة هزاع أرسل الشريف بركات إلى القاضي يريد منه المساعدة فاعتذر عليه القاضي ، فوقع في نفس الشريف بركات منه ، فلما توفي هزاع شمر القاضي أبو السعود همته في تولية الجازاني على مكة وأعمالها وكتب بذلك إلى المصريين ، ورجح لهم أنه أصلح للحجاز من بركات : وأن بركات ما هو إلا راعي معزا (١) ، فتمّ للقاضي ما أراد ووصلت المراسيم والخلع من مصر للجازاني ، فجمع الشريف بركات جندا عظيما من اليمن والشرق وغير ذلك ، وقصد أخاه الجازاني إلى مكة ، وعلم الجازاني أنه لا طاقة له به فخرج من مكة إلى ينبع ودخلها الشريف بركات بعساكره ، وكان يجامل القاضي في الظّاهر كثيرا ويحترز منه ويراعيه ويستشيره ، وكان يحذر من هجوم أخيه الجازاني وبني إبراهيم عليه ، ولم يزل يحتفظ بالعسكر بمكة ، فيقال أن القاضي أشار عليه بأنك أمنت من خصمك ولا حاجة إلى جمع الجند فقد تأذى أهل مكة من انبساطهم وفسادهم ، وهذا شهر رمضان مقبل لا يحتمل ذلك فالمصلحة انك تفسح لكل ينصرف الى اهله وبلده فأصغى الشريف بركات إلى مشورته وفرق الجند ، ولم يبق معه إلّا خاصته ومن يلوذ به ، فيقال : إن القاضي كتب إلى الجازاني : أن بركات قد فّرق جنده ، ولم يبق أحد عنده فلا يكون أسرع من وصولك إلى مكة على غرة وغفلة لتقبض عليه ، وأرسل مكتبا بالورقة ، فشاع بمكة إن القاضي أرسل قاصدا إلى ينبع ، فأرصد الشريف بركات الطرق لقاصد القاضي فظفروا به وفتّشوه فوجدوا معه الورقة ، فأتوا به وبالورقة إلى الشريف بركات فلما وقف على خط القاضي تحقّق أن القاضي ساع في هلاكه ، ولم يعلم القاضي بذلك ، ويقال إن الورقة مكيدة زورت على خط القاضي توصلا إلى هلاكه والله أعلم بحقيقة الأمر ، فلما فرغ القاضي من التدريس بالحرم الشريف بعد

__________________

(١) كذا في الأصل وفي قلائد النحر : ما هو إلا مغزى.

٥١

طلوع الشمس ، وطاف بالبيت أسبوعا (١) على جاري عادته ، أتاه رسول الشريف بركات مستدعيه ، فخرج من الحرم إلى دار الشريف قبل أن يصل بيته فدخل وأراد النهوض ، فرمى إليه الشريف بالورقة ، وقال : كنا نسمع ولم نصدق حتى شاهدنا خطك فيقال : أنه أنكر أن يكون ذلك خطه ، وأراد أن يقطعها فأجتذبها الشريف منه ، ولطمه الشريف قايتباي لطمة فاحشة حتى أسقط عمامته من رأسه ، وأراد هسفه (٢) وضربه فمنعه الشريف بركات من ذلك ، ثم أمر به فنقل إلى مجلس آخر وجعل عليه الرّسم ، وأرسل في الحال من أحتاط على بيوته فأخرج أولاد القاضي وحرمه من البيت مجّردين ليس معهم سوى ثياب أبدانهم وسمّروا على بيوت القاضي وأملاكه وحواصله جميعها ، ثم جمع الفقهاء وأعيان البلاد وأوقفهم على الورقة فقرروا إنها خط القاضي ، فكتب محضرا بما اتفق من القاضي ، وأخذ عليه خطوط الحاضرين من القضاة والفقهاء والأعيان ثم أخذ في مصادرة القاضي وتعذيبه ورسم على كبار عياله كالقاضي صلاح الدين وغيره ، ثم سعي بين الشريف والقاضي على أن يبذل القاضي مبلغا جزيلا من المال ، وعلى أن يخرج ولده صلاح الدين يبيع أملاكه وكتبه ، ويحصل المبلغ المشروط ، فأطلق القاضي صلاح الدين ، فباع كتب والده وملابسه وذخائره ومصاغه وآلالاته حتى سلّم المبلغ ، وبعد ذلك أرسل الشريف بالقاضي إلى جده ثم من جدة إلى جزيرة القنفذة ، ثم أتبعه بعياله إلى الجزيرة ، فتم بها فلما قرب المركب المصري من وصول مكة ، وعلم الشريف أنهم ساعين في خلاص القاضي ، أرسل بريدا إلى حاكم القنفذة بأنه يغرق القاضي حال أن يصله الكتاب فأركبه في سنبوق ويوهمه (٣) أنه سيردّه إلى جدة ، فلما توسط به في البحر غرقه فيه ، وذلك من أوائل شهر الحجة في السّنة

__________________

(١) كذا لعل صوابه سبعا.

(٢) الهسف : التعنيف الشديد وهي من كلام أهل اليمن في ذلك الوقت ولا تزال إلى الآن.

(٣) قلائد النحر : وموهما لأنه سائر به.

٥٢

المذكورة ، ومنذ لزم القاضي إلى أن غرق أعرض عن كل شغل ، واشتغل بتلاوة كتاب الله عزوجل لا يفترّ عنها ليلا ولا نهارا ، هكذا بلغني ، فختم الله له بالشّهادة من وجوه : فإنه مات غريبا غريقا مظلوما ، وكان رحمه‌الله كثير المواصلة ، والمراعات للواردين بمكة من الفضلاء والعلماء الأبرار (١) والأمراء ، وغيرهم من ذوي الأقدار رحمه‌الله وتجاوز عنا وعنه آمين.

__________________

(١) ساقط من القلائد.

٥٣

سنة ثمان وتسعمائة

فيها لأربع خلت من شهر ربيع الثاني : توفي الشيخ الإمام العلامة الورع الولي الزاهد بقية السلف عمدة الخلف القاضي الفقيه عفيف الدين عبد الله بن محمد بن حسن بن أحمد بن عبسين (١) الشافعي بالشحر ودفن بتربة الشيخ فضل بن عبد الله بافضل ، وحزن الناس لفقده وتأسّفوا عليه كثيرا ، نشأ من صغره في العبادة والطاعة ، وظهرت عليه من حينئذ لوائح السعادة ، واشتغل بالعلم فبرع وسلك طريق التدقيق فيه ، فلحق من قبله وفات من بعده ، وتصدر في الشحر للفتوى والتّدريس وتخرج به الطلبة وانتفعوا به كثيرا ، وكان سيدا شريف النفس كريما سخيا مفضالا وصولا للطّلبة كثير الإحسان إليهم ، وكان يجتهد في جمعهم وترغيبهم للّطلب ويسعى لهم في الرزق باذلا لهم حسن التعليم لين الجانب في غاية التّواضع ، وكان متقشفا في ملبسه طارحا للتكلف آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ، ينكر على الملوك والأمراء فمن دونهم ، ساعيا في قضاء حوائج المسلمين ، ولا يتأخر بردّ من رده ، ولا يكون ذلك منفرا له من العود إلى الشفاعة مرة أخرى ، ومن فضائله المشهورة ومناقبه المذكورة ، سعيه في إخراج وقف الجامع الذي على التّدريس والدّرسة وغيرهم من يد الدّولة بعد أن استولوا عليه مدة ، وكاد أن ينطمس ويندرس ، ومن ذلك إنه كان

__________________

(١) النور السافر : ٤٣ في حوادث سنة ٩٠٧ والسناء الباهر : ٦٢ والنفحات المسكية : ٥٩ (خ).

٥٤

السّبب في وصول الفقيه العلامة عفيف الدين عبد الله بن الحاج فضل إلى الشحر وترتيبه مدرّسا في الجامع الذي على التّدريس ، وانتفع الناس به ، وكان ينسخ المصاحف بخط ظاهر مبين ، ويجتهد في ضبطها وتصحيح رسمها ، وكتب نحو خمسين مصحفا وحكى إنه كان لا يأكل إلا من كسب يده ، وكان حسن الخط ، وأهل الجهة مثل الشحر وحضرموت يضربون بخطه المثل ، وكان مع هذا كله متولّيا القضاء بالشحر ، وكان من قضاة العدل المشكورين وأئمة الفضل المشهورين ، واشتهر بذلك ذكره ، وطاب اسمه وضرب به الأمثال ، ولم يكن يأخذ لنفسه من معلوم القضاء شيئا ، بل كان يخص بعض المحتاجين من الفقهاء والدّرسة ، ولم يزل في جميع مدة ولايته للقضاء مستمرا على جميع ما ذكرناه من التعليم ونسخ المصاحف والسعي في حوائج المسلمين والشفاعات لهم إلى الملوك فمن دونهم والقيام بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وعدم المداهنة والمراعاة في الأحكام والإغلاظ للظلمة ، وعدم الاحتفال بأهل الدنيا وأرباب الجاهات والمناصب ، وقضيته مع السلطان عبد الله بن جعفر الكثيري صاحب الشحر مشهورة ، وذلك أن السلطان المذكور اشترى حصانا من بعض الناس ثم بعد ذلك أراد رده وادعى فيه عيبا وامتنع عن تسليم الثمن للبائع ، فاشتكى به إلى القاضي المذكور [فكتب إليه](١) : أن احضر إلى الشرع الشريف ، ولم يراع السلطان ولا تساهل لأجله ولا حاباه بفرد كلمة ، واختلف هو والفقيه جمال الدين محمد بن عمر بحرق في مسألة في الفقه ، وطال النزاع بينهما حتى اشتهر بين الناس ، فجاء إلى الفقيه بحرق ومعه كتاب «الروضة» للنووي فأوقفه على المسألة فرجع إلى قوله ، ثم إن الفقيه محمد بحرق صعد المنبر وخطب : إن المسألة ألتي اختلفت فيها أنا والقاضي ابن عبسين وجدت الحق فيها معه ، ولا يخفي ما في هذه الحكاية من المنقبة العظيمة له التي تشهد بغزارة علمه وكثرة إطلاعه ، وفيها ما يدل على

__________________

(١) ساقط من الأصول وأثبتناه من النور السافر.

٥٥

تواضع الفقيه محمد بحرق وإنصافه من نفسه واعترافه بالحق ورجوعه إليه رحمه‌الله ، وبالجملة ففضائله ومناقبه أكثر من أن تحصر ، رحمه‌الله تعالى ، ونفع به آمين :

هيهات أن يأتي الزمان بمثله

إن الزمان بمثله لا يسمح

وفيها : توفي الحافظ العلّامة عثمان بن محمد بن ناصر الفخر أبو عمر الديمي (١) بالمهملة المكسورة ثم تحتية مفتوحة بعدها ، وهي بلدة والده القاهري الأزهري الشافعي ، ولد في المحرم سنة إحدى وعشرين وثمانمائة وحفظ القرآن العظيم ثم حفظ العمدة وألفية الحديث وألفية في النحو ، ومنهاج الفقه والأصل ، وجوّد القرآن على بعضهم ، وأخذ الفقه عن جماعة ، وكذا في العربية عند بعضهم ولزم الشهاب الهيتمي وأكثر معه من مطالعة شرح مسلم للنووي فعلق بذهنه الكثير منه ، وكان يستغير منه ما كان عنده من الإكمال لإبن ماكولا فيدرس فيه بحيث يأتي على الورقة منه سردا وقرأ أيضا البخاري على الشمس محمد بن عمر الدمجيني الأزهري خادم المؤيديّة وقال : إنه انتفع بصحبتهما وقرأ على الشيّخ ابن حجر العسقلاني في مسند الشهاب وغالب النشائي الصغير ، وسمع عليه أشياء ، وحج في سنة ثلاث وخمسين وزار ، ورجع إلى القاهرة وأقام بها على عادته ، وكان قد اشتهر بين النّاس بحفظ الرجال فانتشر صيته بحفظ الرجال ، فصار يجتمع عنده [جماعة من الأمراء](٢) قال الشيخ جار الله أبن فهد المكي : أقول وبعد المؤلف ازدحم عليه ، الطّلبة وصار له ذكر عند الخاصة والعامة مع عدم معرفته بتخريج الإسناد ، لكن النّاس انتفعوا بتقريره ، واستمر كذلك إلى أن لقي الله رحمه‌الله تعالى.

__________________

(١) النور السافر : ٤٦. وانظر ترجمته في الضوء اللامع ٥ : ١٤٠ والكواكب السائرة ١ : ٢٥٩ والإعلام ٤ : ٢١٤.

(٢) ساقط من (س).

٥٦

وفيها (١) : في ليلة الخميس ثامن عشر جمادى الثاني ، توفي أبو الطيب الشهاب أحمد بن محمود بن أحمد بن حسن الأقصرائي الأصل القاهري الحنفي الشافعي المواهبي نسبة لأبي المواهب بن رعدان ، ودفن في صبح يوم الجمعة بزاويته بالقاهرة ، قرأ طرفا من العلم على شيوخ عصره كالسّخاوي وغيره ، ثم فتح الله عليه ، «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» ، قال الشيخ جار الله بن فهد رحمه‌الله : وقد جاور صاحب الترجمة بمكة سنة أربع وتسعمائة وأقام بها ثلاث سنين وألف بها على شرح الحكم لابن عطاء (٢) الله سماه أحكام الحكم بشرح الحكم ، وشرح رسالته المسماة أصول مقدّمات الوصول ، وشرح كلمات علي بن محمد وفا المعروف : يا مولانا يا واحد [سماه «شرح التمويل في بيان مشاهد يا مولانا يا واحد يا أحد](٣) وشرح الرسالة السنوسية في أصول الدين ، وله ديوان نظم وعدة رسائل وغير ذلك ، وأخذ الناس عنه في التصوف رحمه‌الله تعالى.

وفيها : قصد الشريف محمد بن بركات صاحب مكة الأمير الكبير الشريف أحمد بن دريب صاحب جازان إلى بلدة جازان ، وأخرجه منها ونهب ما يملكه ثم رجع وسالمه إلى أن توفي سنة إحدى عشرة.

وفيها (٤) : في شعبان كانت وقعة الشريف بركات وأخيه جازاني [بن محمد](٥) بالمنحنى شرقي مكة وانكسر فيها الشريف بركات كسرة شنيعة ، وقتل أعيان أمرائه وأبان عن نجدة وشهامة وقّوة نفس حتى قال بعض بني إبراهيم الذين كانوا يقاتلونه في تلك الوقعة لو في عسكره إثنان مثله ما قربنا مكة والفضل ما شهدت به الأعداء ، وفي أثناء المعركة انقطع حزام فرس الشريف بركات فنزل يشد حزام فرسه فحملت عليه الفرسان من كل

__________________

(١) النور السافر : ٤٧. وانظر شذرات الذهب ٨ : ٣٦. والضوء اللامع ٢ : ٢٢٣.

(٢) الأصل : عبد الله وأصلحناه من النور السافر.

(٣) ساقط من الأصول وأثبتناه من النور السافر.

(٤) قلائد النحر ٣ لوحة ١٩٠. والفضل المزيد : ١٦٨.

(٥) ساقط من الأصل.

٥٧

جهة فكان يذودهم عن نفسه بسيفه فلم يقدر أحد منهم يقرب إليه حتّى شدّ حزام فرسه وعلا على ظهره فانقطع تجمعهم عنه ونجا بنفسه في جمع قليل.

وفيها (١) : في ذي القعدة هجم الشريف الجازاني مكة على أخيه بركات فخرج إليه بركات ، ومعه أهل مكة والترك الذين بها فقاتلوا الجازاني ، ويذل أهل مكة جهدهم مع بركات ، فقتل من أهل مكة جمع عظيم ، وجرح غالبهم ، ونهب مكة نهبا ذريعا وفرّ (٢) بركات طريق اليمن حتى استقر بمكانه الأول.

وفي (٣) الشّهر المذكور : قدم أمير الرّكب المصري بالحاج في جند عظيم فتغيّب عنه الجازاني ، وواجهه الشريف بركات ، فخلع عليه وعلى أخيه شرف الدين قيتباي (٤) وابن عمه (٥) واسمه العنقاء (٦) بن حسن ، فلما دخلوا مكة استدعاهم إلى مدرسة السلطان قايتباي فأمسكهم وقّيدهم ، وساروا معه إلى عرفات على تلك الحال ، ثم توجّه بهم بعد الحج إلى مصر.

وفيها (٧) : توفي (٨) الشريف جازاني بن محمد بن بركات ، ولد سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة وهي سنة دخل والده جازان ونهبها وسبا حريمها من الأشراف وغيرهم ، فلذلك سمي جازاني ، وأمه بنت مالك بن رومي شيخ زبيد الحجاز ، وربي في حجر والده ، ولما حصلت الفتنة بين هزاع

__________________

(١) قلائد النحر ٣ لوحة : ١٩٠. والفضل المزيد : ١٧٠.

(٢) الأصل : مرّ.

(٣) قلائد النحر ٣ : لوحة ١٩٠. والفضل المزيد : ١٧١.

(٤) قلائد النحر : قايتباي.

(٥) كذا في الأصل وفي القلائد ابن عم أبيه.

(٦) في الأصل : العنفان وأصلحناه من القلائد.

(٧) قلائد النحر ٣ لوحة : ١٩٠. والفضل المزيد : ١٧٤.

(٨) القلائد : قتل.

٥٨

وبركات ابني محمد بن بركات كان الجازاني مع أخيه هزاع ، وكان هزاع يراعيه ولا يخالف كلامه لأجل أخواله زبيد ، فلما توفي هزاع في السنة التي قبلها كما سبق ولما لزم المصريّون الشريف بركات وأخاه قايتباي وحملا مقيدين إلى مصر كما سبق ، استقل الجازاني بأمر مكة فعسف فيها وظلم ، وصادر التجار ومن لم يعطه ما يريد عذّبه بأنواع العذاب من الضّرب وغيره ، وكان قد قتل جماعة من الترك وأهل مكة بسبب نصرهم لبركات.

وفي رجب من هذه السنة : دخل المطاف وشرع في الطّواف فتقدم إليه تركي كأنه طائف فلما قرب منه طعنه في جنبه فسقط ، وكان جماعة من الترك في المسجد بالقرب من المطاف فلما سقط الجازاني تواثبوا عليه بالطعن حتى قتلوه ، ولم تنطح فيه عنزان ، وبقي في الطواف إلى آخر النهار ثم حمل إلى المعلاة وقبر بمقبرة والده ، وولّى الترك أخاه حميضة مكانه.

وفيها (١) : ظهرت مراكب الافرنج في البحر بطريق الهند وهرموز وتلك النّواحي وأخذوا نحو سبعة مراكب وقتلوا أهلها وأسروا بعضهم ، وهذا أول فعل لهم لعنهم الله تعالى.

وفيها (٢) في شهر شعبان : توفي الشريف محمد بن الناصر صاحب صنعاء الملقب صلاح الدين ، كان عالما في مذهبه حسن السّياسة في ملكه ناظرا في حال الرعية ، وكان بينه وبين الشيخ عامر مواصلة ومهاداة والحال بينهما سديد في الظّاهر ، ولما توجّه الشيخ عامر لحصار صنعاء وهو الحصار الأول أخبر الشريف ناصر بذلك فقال : لا يمكن أن يفعل هذا الشيخ لأنه ما بيننا وبينه ما يوجب ذلك ، فلم يصدق حتى وصلت المحطة تحت صنعاء ووصل إلى قصره شيء من المدافع التي رمى بها إلى صنعاء ، ولا جرم لحسن نيته وصدق سريرته لم يظفر بها الشيخ عامر مع كثرة جنوده وقوته.

__________________

(١) قلائد النحر ٣ لوحة : ١٩٠.

(٢) قلائد النحر ٣ لوحة : ١٩٠. والنور السافر : ٤٩.

٥٩

وفيها (١) : أوائل شهر رجب منها توفي القاضي عفيف الدين عبد الله بن أبي الفضل ظهيرة بمكة المشرفة رحمه‌الله تعالى.

وفيها : ليلة الاثنين توفي العلّامة جمال الدين أبو المكارم ابن الرّافعي ابن ظهيرة (٢) بمكة المشرفة رحمه‌الله تعالى.

وفي (٣) ليلة الثلاثاء الثالث والعشرون منه : توفّي الفقيه المقري الصّالح المعمر جمال الدين محمد بن أبي بكر بن بدير (٤) عن تسعين سنة ممّتعا بسمعه وبصره وعقله ، وكانت إليه النهاية في علم القراءآت السبع رحمه‌الله تعالى.

وفي (٥) ليلة الأربعاء الثّامن عشر من شهر شوال : توفي الفقيه العلّامة جمال الدين محمد بن [علي](٦) المطيّب إمام مقام الحنفية بجامع زبيد وصلّي عليه بالجامع المذكور بعد صلاة الصبح ، ودفن إلى جنب أبيه وأخيه ، بمقبرة باب سهام.

وفي آخر (٧) يوم الخميس التاسع عشر من الشهر المذكور : توفي الفقيه العالم أبو بكر بن عبد الله قعيش (٨) الشافعي ، وصلّي عليه بالجامع بزبيد بعد صلاة الصبح ، ودفن بتربة الشيّخ أحمد المزجاجي رحمه‌الله تعالى ونفع به.

__________________

(١) النور السافر : ٤٥ والفضل المزيد : ١٥٧.

(٢) الفضل المزيد : ١٥٧ في حوادث سنة ٩٠٧ والنور السافر : ٤٧ ط بغداد.

(٣) الفضل المزيد : ١٥٧ والنور السافر : ٤٧.

(٤) في الأصول : نذير.

(٥) الفضل المزيد : ١٥٧ النور السافر : ٤٧.

(٦) ساقط من الأصل.

(٧) الفضل المزيد : ١٦٠ النور السافر : ٤٧.

(٨) الأصل قعيس بالسين المهملة ، وأصلحناه من الفضل المزيد ط الدراسات. وفي ط صالحية : ١٦٠ «نفيس» خطا.

٦٠