تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه

تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

المؤلف:

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

فذاك مما يحير العقول ويدهش الخواطر مع كون ما يلقيه من ذلك كله في ألفاظ مخترعة بالغة في الفصاحة والبلاغة والجزالة والإيضاح إلى الغاية التي ليس وراءها غاية (١) كون أكثرها أو جميعها مسجعة مقفى معربا موضوعا في محله الذي لا أولى منه ، ولم تحفظ له هفوة في لفظ من ألفاظه من جهة إعراب أو تصريف أو تقديم أو تأخير وغير ذلك من هفوات الألسنة في تقرير العلوم ، وما من درس من دروسه إلّا وهو مفتتح بخطبة بديهة أو غير بديهة مشتملة على الإشارة إلى كل ما اشتمل عليه ذلك الدرس على طريق براعة الاستهلاك ، وهكذا كانت مجالسه في الحديث والفقه وكل علم يتصدى لتحريره لا يظن سامعه التمكن في ذلك العلم الحافظ لأصوله وفروعه أنه ترك في كل بحث كلمة لأحد من المتكلّمين فيه ، مع ما يبديه هو من إختباراته الشريفة ، وكان الشعراء من فضّل (٢) مصر المتكّنين في علوم اللغة وقواعد الشعر ومذاهب أهل الإنشاء يقصدون يوم ختمه ، فيكتبون القصائد البديعة في مدحه وبيان ما منّ الله به عليه من سائر النعم الظاهرة والباطنه فتتلى على رؤوس الأشهاد في مجلسه الشريف وفيه خلائق من الخاصة والعامة ، ويجلس هو نفعنا الله ببركاته لاستماع ما يتلى منها بين يديه ، ويجيز كل فيها ويظهر السرور بها لطفا منه بأصحابه وجبرا لخواطرهم ومقابلة لحسن ظنهم وعقائدهم نفعنا الله ببركاته ، وله جملة تصانيف منها مختصر أبي شجاع في الفقه وله رسائل وأنواع من العلوم والمعارف والآداب كرسالته في الإسم الأعظم ورسالته في الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورسالته في السّماع ورسالته في آداب الشيخ والمريد في الزيارة وغيرها من الرسائل الجامعة الدالة على كمال تمكنه في سائر العلوم الأسلامية والمعارف الربانية ، وله ديوان شعر كبير ، وكان على ما قيل يقوله وقت الوارد وربما كان بين الناس في منزله الشريف أو بين أهله أو وحده فورد عليه الوارد فاستدعى بالدواة والقرطاس وكتيه إذ ذاك ، وما من معنى

__________________

(١) في الأصل هكذا «فيها غاية ومحب كون» وأصلحناه من النور السافر.

(٢) النور السافر : فضلاء.

٤٤١

أشار إليه أئمة الطريق مما يتعلق بالذات المقدس والصفات المنزهة أو بالذات المحمدية والصفات النبوية إلّا وله فيه القول الأبلغ واللفظ الأفصح ، وسئل رضي‌الله‌عنه لم كان في أهل مكة قسوة القلب وفي أهل المدينة لينها فقال : لأن أهل مكه جاوروا الحجر وأهل المدينة جاوروا البشر ومن شعره :

قل لمن زاد في ارتكاب الذنب

دهرا وللحدود تعدّى (١)

ما جميع الذنوب في جنب عفو الله

إلا أقل من أن تعدا

وله أيضا :

ولو أفرغوا كل الدنان بباطني

ولم أبتغ سكرا لما مسّني سكر

ولو ابتغي سكرا وقالوا مدامة

رأيت فتى طابت بسكرته الخمر

ومنه أيضا :

يا قلب إن كنت قلبي إرض بالأقدار

وراقب الله في الإعلان والإسرار

واشهد بعين البصيرة بهجة الأسرار (٢)

مستهلكا لجميع الحجب والأنوار (٣)

ومنه أيضا :

يا قلب إن كنت قلبي لا تمل للغير

واصبر على حكم من تهواه تلق الخير

واسلك ولو كنت في الرفقه ضعيف السير

واصدق مع الله ترزق مثل رزق الطير

ومنه أيضا :

__________________

(١) الأصل تعددا وأصلحناه من النور السافر.

(٢) النور السافر : الأنوار.

(٣) النور السافر : الأستار.

٤٤٢

يا قلب إن كنت قلبي غب عن الأكوان

وطب بنشوه (١) ما لها أدنان

خمرة قديمة قد علت عن حيّز الحدثان

هي المدامة وساقي القوم والندمان

ووجدت بخط شهاب الدين أحمد البسكري المكي قال : أنشدنا شيخنا شيخ الإسلام محمد البكري عند نظره إلى الماء وتكسره وتجعده :

أنظر إلى الماء الذي

بيد النسيم تجعدا

قد شبهوه بمبرد

فلأجل ذا يبري الصدا

ومنه :

أود من الدنيا صديقا موافقا (٢)

وفيّا بما أرضاه يرضى وينشرح

فإن لم أجد أعرضت عن كل كابر

وقلت لقلبي قد خلا الكون فاسترح

ومنه وهو ما قاله في مرض موته وهو آخر شعر أنشده :

ولقد أقول لطالبي إحسانهم

إحسانهم يأتي اليك بلا طلب (٣)

كم فرجوا من كربة عن عبدهم

وكذاك هم أهل لتفريج الكرب

وللشيخ عبد العزيز الزمزمي فيه :

قل (٤) فيه وأسمع به وانظر إليه تجد

ما قد ملا مسمعا مع مقلة وفما

حدث عن البحر إن حدثت عنه ولا

عليك من حرج تخشى من اتهما

__________________

(١) الأصل بزيادة : قهوة.

(٢) النور : موافيا.

(٣) النور : إحسانهم يأتيك سعيا بلا طلب.

(٤) النور : قد عنه.

٤٤٣

وفيها (١) : توفي الشيخ العلامة محمد بن عبد الحق العقيلي المالكي بمكة رحمه‌الله تعالى ، وسمعت الشيخ جمال الدين محمد بن عراق أرسل إلى الشيخ العلامة أحمد بن عبد الغفار المالكي يترك شرب القهوة فيما بين الناس ويشربها في الخلوة ، وإن يترك لعب الشطرنج ، فقال الشيخ أحمد بن عبد الغفار : أما ما أمرتني به من ترك شرب القهوة فيما بين الناس وشربها في الخلوة ، فكان الأولى أن تأمرني بعكس ذلك ، وأما ما أمرتيني به من ترك لعب الشطرنج فهو حق وصدق ، غبراني ابتليت بهذا الداء فاسأل لله لي تعجيل الدواء والسلام.

وفيها في ثامن المحرم : توفي الشيخ الفاضل المحدث الفقيه رحمه‌الله بن عبد الله السندي الحنفي نزيل المدينة الشريفة ، توفي بمكة ودفن بها ، وكان من العلماء العاملين وعباد الله الصالحين رحمه‌الله تعالى ، وكان له أخ اسمه حميد ، وكان من أهل العلم والصلاح حسن الأخلاق كثير التواضع وافر العقل ظاهر الفضل جليل القدر ، وحصل له في آخر العمر جاه عظيم جاور بمكة المشرفه تسع سنين ، ومات بها سنة تسع بعد الألف وقبر عند أخيه صاحب الترجمة ، وعمره نحو تسعين سنة ، وبالجملة فإنه كان بقية السلف الصالح رحمه‌الله تعالى.

__________________

(١) النور السافر : ٣٨٦.

٤٤٤

سنة أربع وتسعين

جهز (١) السلطان أكبر عسكر إلى الدكن مددا لبرهان شاه فانكسروا ورجعوا.

سنة خمس وتسعين

أحدث (٢) السلطان مراد بن السلطان سليم على باب الصفا سبيلا للشرب.

__________________

(١) النور السافر : ٣٩٣.

(٢) النور السافر : ٣٩٣.

٤٤٥

سنة ست وتسعين

فيها (١) : توفي الشريف الفاضل محمد بن الحسين السمرقندي الحسني رحمه‌الله تعالى بالمدينة الشريفة ، وكان أهل المدينة إذا أرادوا مكاتبة أحد من الأكابر لا يكتبون ذلك المرسوم إلا بإنشائه ، وكان يعرف كثيرا من اللّغات كالعربية والفارسية والرّومية والهندية والحبشية ، ولما مات أحصيت كتبه فكانت ألفا وتسعين كتابا ، واجتمع هو والشيخ عبد الرؤف الواعظ تجاه الحرم الشريف فحصل غيث فقال الشيخ محمد السمرقندي :

لله يوم بفناء مكة

تجاه بيت الله أقصى الطلب

فقال عبد الرؤف رحمه‌الله تعالى :

مذ نزل الغيث على سطحه

وسال من ميزابه وانسكب

فقال الشيخ محمد رحمه‌الله تعالى :

سئلت أن أفصح عن كنهه

قلت لجين قد جرى من ذهب

وله شعر كثير رحمه‌الله.

وفيها (٢) ولد عبد الله وعمره سنتين.

وفي (٣) ذلك الشهر ثمان خلون منه : افتك السلطان عمر بن بدر من

__________________

(١) النور السافر : ٣٩٤.

(٢) بياض في الأصول. وكذا في العده ١ : ٢٢٣.

(٣) العدة ١ : ٢٢٣.

٤٤٦

القيد ، وخلع عبد الله بن جعفر ، وولي بعده جدّ عمر المذكور.

ورابع عشر رمضان : وصل السلطان عمر إلى الشحر وجهز بتجهيز بحرا إلى ظفار غربان ومراكب وطلّع فيها خيل ورجل ، وذلك عاشر شهر شوال وصلوا فرتك وردوا من قوة الريح ، ووصل غرابان من الترك أول يوم من شهر القعدة وحاصروا حصن الشحر ، وكانوا يضربونه بالمدافع أربعة أيام ، ويوم الخامس تؤدي الحصن للسلطان عمر ، وطلعه في عصر الخميس سادس شهر القعدة.

وفي أول شهر صفر : عزم تجهيز ثاني مرة إلى ظفار فيها غربان الأروام وسنابيق وتودت لهم ظفار.

وفيها (١) : في عصر يوم الأربعاء توفي الشيخ الإمام والحبر الهمام الرجل المحقق المعمر العلامة جمال الدين محمد بن الصديق الخاص الحنفي الزبيدي رحمه‌الله تعالى ، ودفن صبيحة الخميس بباب سهام ، وعمر نحو التسعين ، وكان من كبار علماء زمانه في زبيد وأعيان المدرسين بها وبقية المفتين على مذهب الإمام أبي حنيفة بقطر اليمن ، وبالجملة فإنه ليس له نظير في زمانه ولم يخلفه بعده مثله ، وكان الباشوات فمن دونهم يعظمونه جدا ويقبلون كلامه ولا يردون شفاعته.

وفيها (٢) : خلع مرتضى نظام شاه صاحب أحمد نكر من بلاد الدكن في يوم سادس عشر رجب ، ومات بعد ثلاثة أيام من خلعه ، وتولى ولده حسين شاه عشرة أشهر وقتل يوم سادس عشر جمادى الأولى قتله الخراسانيون ، ثم تولى بعده إسماعيل بن برهان شاه وبرهان شاه أخو المخلوع فحكم إسماعيل سنتين وشهرين ثم خلع بوصول أبيه برهان شاه من عند أكبر بعد أن أسعده بعسكر وخيل وغيرهما.

__________________

(١) النور السافر : ٣٩٥.

(٢) النور السافر : ٣٩٥.

٤٤٧

سنة سبع وتسعين

فيها (١) : توفي الشيخ الولي الصالح المتفنن في العلوم المشهور المعمر مياوجيه (٢) الدين الهندي بأحمدأباد وكان من أهل العلم والزهد ، وحصل له القبول العام العظيم بأحمدأباد مع الناس ، وانتفع به الطلبة في كثير من الفتوى واشتهر أمره جدا.

سنة ثمان وتسعين

فيها (٣) : فاض واد يسمى عدم بوادي حضرموت وقلع نخلا كثيرا وعرف ذلك السيل بسيل الثّريا ، فقال الفقيه عبد الله بن أحمد بن فلاح مؤرّخا له :

فاض بالأحقاف سيل

غادر النخل خويا

إن ترد تاريخه أحسب (٤)

«عم» طوفان الثريا

__________________

(١) لم يرد هذا الخبر في مطبوعة النور السافر في حوادث سنة ٩٩٧ ، وإنما ورد في السنة التي بعدها ص : ٤٠٦ فيحقق.

(٢) النور السافر «وجيه».

(٣) العدة ١ : ٢٢٣ النور السافر : ٤٠٨.

(٤) النور : قل.

٤٤٨

سنة تسع وتسعين

وفيها (١) : يوم الأربعاء رابع عشر شهر رجب : زالت الدولة المهدوية بأحمد نكر وقتل الوزير جمال خان وجيء برأسه إلى أحمد نكر ، وطيف به فيها ثم علق بعد ذلك أياما ، وتسلطن برهان شاه ، وقد تقدم إنه صار (٢) إليها قبل ذلك بعد موت أخيه فرجع خائبا ، وكان المذكور منذ هرب من عند أخيه نظام شاه في خدمة السلطان أكبر ، وهو الذي أعانه على ذلك كما ذكرنا آنفا ، وتوفي برهان شاه ثالث شعبان سنة ثمان بعد الألف ، ومن غرائب الإتفاق أنه كان في تلك السنة أمر بهدم أحمد نكر ، وأمر أن يجعل مكان دورها باغا وهو إسم البستان ، بالفارسية ، فقال صاحبنا الفقيه الفاضل عبد الله بن فلاح مؤرّخا :

هدم أحمد نكر (٣) غدا

فيه للناس معتبر

«باغ» تاريخه وإن

قلت «غاب» فقد حضر

فصح غاب تاريخا لهدمها ولموت برهان شاه ، ومما جرى في أيامه في سنة إحدى وألف جهزه على ربود نكر (٤) البرهي بجنب بندر شنبول

__________________

(١) النور السافر : ٤٠٩.

(٢) النور «سار».

(٣) النور السافر «أحمد أنقر».

(٤) كذا تقرأ في الأصل وفي النور السافر دنده رازبور وهذا الكلام والذي يليه ساقط من النور السافر «المطبوعة».

٤٤٩

ليأخذها من الإفرنج ، فهلكت في تلك الوقعة عوالم لا تحصى ، وأرخ ذلك بعضهم في «عدد (١) ضرا» ومما قال الفقيه عبد الله بن فلاح فيه :

برهان يهوى الخراب طبع

كأنه البوم في الطيور

لا يستريح الأنام منه

حتى يرى ساكن القبور

وكان الفقيه عبد الله بن فلاح رحمه‌الله تعالى لطيف الطبع ، وله أشعار لطيفة ونكت طريفة ، وكان حسن الأخلاق ذا صبر واحتمال ، وله مشاركة في الفقه والنحو واللغه رحمه‌الله تعالى ، فمما قاله في «الشتر» (٢) الذي يحملونه في الدكن للظلال :

من رأس في الدكن حمل

فوقه شترا للظلال

وهو لم يدر أنه

بدعة من أولى الضلال

وله رحمه‌الله في الفالكي (٣) :

الفالكي مستقبح

بالعقل والنّقل الصحيح

فاتركه والزم ماورد

في النحل منصوص صحيح

وله رحمه‌الله :

ولقد أقول لصاحب لي يشتكي

قلقا أغال الصبر عنه والجلد

لا غرو إن قلق عراك بدكن

أو ما تراها حين تقلبها نكد

وقال رحمه‌الله وقد سئل :

كلوا ما حل واجتنبوا لسبع

فيكره أكلهن بلا جحود

كلا ومرارة وخصى وفرج

واحليل مثانة والعدود

وخصوا الدم بالتحريم فافهم

لأحكام حكت در العقود

وله وقد اقترح عليه أن ينظم ذلك :

__________________

(١) النور «عد ضرا».

(٢) الشتر والشتراء المظلة بالهندية.

(٣) الفالكي محفة كالكرس يجلس عليه الرجل ويحمله الخدم والعبيد.

٤٥٠

لا رية للسمك كذا

لا مرارات للجمال

لا ولا مخ للنّعام

والفرس ماله طحال

وله رحمه‌الله في أحاجي (١) في سلما :

يا من سواطع فهمه

يبدي لنا العجب العجاب

أمثل قولك للذي

حاجه طلب شراب (٢)

وقال محاجيا في مقياس :

ياذ الذي بزكاته

إيضاح مشكلنا منوطا

ما مثل قولك للذي

حاجيته إحبب فتوطا

فأجابه صاحبنا شهاب الدين أحمد الجابري رحمهما‌الله تعالى :

مقياس هذا (٣) بين

ما في جوابي ذا شطوطا

فاقنع به يايم علم

كلنا منه شطوطا

وله يمدح شهاب الدين الجابري رحمه‌الله تعالى :

إن كنت تطلب علما

لذ بالفتى الجابري

فذاك بحر علوم

من أمه جابري

وبالجملة الفقيه عبد الله بن فلاح المذكور نادرة الدهر وواحد العصر رحمه‌الله تعالى ، ومولده بتريم وانتقل إلى الهند فأقام بها إلى أن توفي رحمه‌الله.

__________________

(١) كذا في الأصول.

(٢) كذا في الأصول.

(٣) كلمة مبهمة في الأصلين.

٤٥١

سنة تمام الألف

فيها (١) : توفي السيد الشريف الفاضل عبد الرحيم بن عمر الحساوي المكي ببلاد فلكنده (٢) وكان رحمه‌الله سيدا كريما حسن الأخلاق سمح النفس.

وفيها (٣) : توفي الفقيه الفاضل جمال الدين محمد باشراحيل الحضرمي ببلاد فلكنده (٤) رحمه‌الله.

وفيها : توفي الشريف يحيى الحواراني المكي بفلكندة (٥) أيضا ، وكان بارعا في علم الموسيقى ، إلّا أنه كان منهمكا في الشّهوات ومنتهكا للمحرمات رحمه‌الله وسامحه أمين.

__________________

(١) النور السافر : ٤١٠ في حوادث سنة ٩٩٩.

(٢) النور السافر : بكلكتده.

(٣) النور السافر : ٤١٠ في حوادث سنة ١٩٩.

(٤) كذا وفي النور السافر : بكلكتده. قلت هي كلكته البلدة المعروفه بالهند.

(٥) كسابقتها.

٤٥٢

سنة الألف أحسن الله عاقبتها

ليلة (١) الأحد سلخ المحرم : توفي الشيخ الكبير والعلم الشهير الولي الصالح العلامة سراج الدنيا والدين عمر بن عبد الله العيدروس بعدن حماها الله ببركته من الفتن ، ودفن بها في قبة جده الشيخ الكبير سيدي أبي بكر بن عبد الله العيدروس ملتصقا بتابونه الشرقي ، وكان من المشايخ العارفين والعلماء العاملين ، وكان السيد الشريف أبو بكر بن أبي القاسم القديمي الحسيني المشهور بصائم الدّهر الذي اشتهر عنه أنه قال : من زارني دخل الجنة ، يعظم سيدنا الشيخ عمر ، ويشير إلى أنه بركة ذلك القطر ، وأم السيد عمر مزنة بنت الشيخ أبي بكر بن عبد الله العيدروس ، فصار الشيخ أبي بكر بن عبد الله العيدروس جده من الطرفين ، وهو أول من وقع له ذلك فيما علمت ، ولم يكن الآن عقب لسيدي الشيخ أبي بكر إلا من أم صاحب التّرجمة ، ولذا تصدر المشار إليه بمشهد جدّه بعدن بعد أخيه السيد محمد فقام بالمقام أتم قيام ومشى في ذلك على سنن آبائه الكرام ، واشتهر بذلك شهره عظيمة وكثر اعتقاد النّاس فيه ومحبتهم له ، ولم يزل على السيرة الحميدة إلى أن توفاه الله تعالى ، وأخذ العلم عن جماعة لا يحصون من المشايخ ومقرءاته كثيرة جدا وبرع في علوم شتى ، وكان متبعا للكتاب والسنة متبعا على طريق السلف الصالح متسما

__________________

(١) النور السافر : ٤١٠.

٤٥٣

بالإستقامة التامة مع كثرة العبادة ودوام الاجتهاد ، وكان مع جلالة قدره وعظيم جاهه ، كثير التواضع بحيث ينسبونه إلى الإفراط فيه ويميل إلى الخمول الكلي ، وكان له كرامات عديدة وأحوال سديدة وأوصاف حميدة ، وبالجملة ، فإنه بقية الشيوخ الذين يقتدى بآثارهم ويهتدي بأنوارهم ولو أطنبت كل الأطناب وأسهبت غاية الأسهاب وأتيت بكل عجاب لعجزت عن وصف شأنه العظيم وقصرت عن الإحاطه بقدره الجليل ، ولله در القائل :

ما في علاه مقالة لمخالف

فمسائل الإجماع فيه تسطر

رحمه‌الله وأعاد علينا من بركاته آمين.

قلت : وأخبرني بعض الأصحاب أن ولادته كانت في سنة ست وعشرين وتسعمائة فعلى هذا يكون عمره ستا وسبعين سنة رحمه‌الله ونفعنا به آمين ، وخلف بعده في مقامه سيدنا الشيخ الكبير العالم العارف المحققّ شهاب الدنيا والدين أحمد بن عمر بن عبد الله العيدروس رحمه‌الله تعالى ، وكان قد جمله الله بعقل كامل وزينة بفضل شامل له أخلاق ألطف من نسيم السحر وأوصافا كالمسك إذا انتشر وعلم فائض زخّار ، وفضل يتدفق تدفق الأنهار ، قد زاحم في الفضل من تقدم ، وارتقى فيه إلى المحل الأقوم فصار ممن يشار إليه بالأصابع وممن يعول على رأيه في الأمر الشاسع ومقروءاته كثيرة خصوصا على والده ، وكان أعظم من والده في إيثار الخمول والتواضع.

وفيها (١) : ليلة الأحد سابع عشر ربيع الثاني ، توفي الشيخ الكبير جمال الدين محمد بن علي الحشيبري بأحمد أباد رحمه‌الله تعالى ، وكان من المشايخ المشهورين ، ورزق القبول في حركاته وسكناته ، وحصلت له شهرة عظيمة ورويت عند كرامات ولا يقدح في جلالته ذم بعض الناس له وتنقصهم إياه بحسب ما يظهر لهم من أموره من غير نظر إلى خصوصيّته ،

__________________

(١) النور السافر : ٤١٢.

٤٥٤

فقد قيل المعاصر لا يناصر ، ولا زالت الأكابر على هذا ، وفيما يقع منه من التّخريف والشطحات له أسوة بغيره من الصوفية كما أن للمنكرين أسوة بغيرهم من العلماء ، وحمل ما يصدر منه من الأحوال الغريبة على أحسن المحامل أولى ، وحسن الظن أحسن وبنو حشيبر أهل صلاح وولاية ونسبهم في بني دهل بن عامر بطن من عك بن عدنان ، وأما خرقتهم فهي تعود إلى الولي الكبير قطب اليمن وبهجة الزمن شمس الشموس أبو الغيث بن جميل نفع الله به آمين ، وذكر منهم الشرجي في الطبقات (١) جماعة نفعنا الله بعباده الصالحين أجمعين آمين.

وفيها : أخذ الأمير سنان أحور وملكها وأخرج أهلها في شهر صفر.

وفيها : توفي الفقيه العلامة وجيه الدّنيا والدين عبد الرحمن بن علي باغوث باحرمي الحضرمي رحمه‌الله تعالى بالمدينة الشريفة ، وكان من العلماء الأخيار المشهورين وله شرح مفيد جدا على أربعين الحديث النووية وجداوله في علم الفلك نافعة أفاد فيها وقرب واستنفعوا بها أهل الجهة كثيرا.

ومما وقفت عليه بخط الفقيه الأديب عبد الله بن أحمد باسنجلة رحمه‌الله من مكاتبة طويلة كتبها إلى سيدي الفقيه علي بن علي بايزيد فيها : وبعد فإنه جرى في بعض مذاكرة اتفقت في مجلس الفقيه محمد بن عبد الرحيم باجابر ذكر كتابكم المؤلف «العزيز الوجيز العالي الموسوم بعقد اللآلي والنكت العوالي فيما يتعلق بإرشاد الغاوي» ، فلعمري نعم النكت المفيدة البديعة السديدة المحتوية على الإفادة العجيبة والإجادة الغريبة الموضحة سبل الرّشاد إلى مقاصد الإرشاد والمصعدة بالإصعاد إلى درج الإسعاد ، نكت كأنها الفوائد المستخرجة من البحور والقلائد المتبلجة على النحور حلّى بها الأرسناد (٢) من «الإرشاد» عاطلا ، وأرسل غمام

__________________

(١) أنظر طبقات الخواص للشرجي : ٥٠ و ٢٣٢ و ٢٧٠ وغير ذلك.

(٢) كذا والإرشاد مؤلف مشهور في الفقه من تأليف إسماعيل بن أبي بكر المقري

٤٥٥

الإسعاد (١) هاطلا ، انفتحت لها المغالق واتضحت بها الطرائق ، وأحدقت بها الحدائق وحفت لديها الحقائق وكفى بها شاهدها لمؤلفها ومقرط عقودها ومشنفها وراء (٢) تحت علمها ومعرفها بأنه قطب العلم ومداره ، وفلك تمامه وإبداره ، وضعها في فنون مختلفة وأنواع ، واقتطفها ما شاء من أنواع وإتقان وإبداع ، فافتتنت الطلبة في فوائدها واقتطفت من أزهارها وفوائدها جزى مؤلفها عظيم المنة وأسكن فسيح الجنة ، وقال الفقيه عبد الله باسنجلة في مدحه ويذكر كتابه :

لتفتخر الشريعة كيف شاءت

بابن يزيد إذ يبري السقاما

أقام العلم تدريسا وفتوى

وأنشر من معالمه الرماما

بمدرسة به حلت زهاء

على كل المدارس أن تساما

«أعاد ببحثه» الإرشاد غضا

وهذبه إجتهادا واهتماما

وحررّه وقررّ نازحات

شوارد عاقها منه الزماما

إذا اشتد الجدال رأيت منه

لسانا يفضح العضب الحساما (٣)

له تأليفة عزت منالا

ولم يهتم بها إلا الهماما

هي النكت التي فاضت علوما

كموج البحر ينتظم النظاما

لآليها زهت في الجيد حسنا

من الإرشاد واتسق النظاما

حوت كل العلوم بلا أمتراء

وجلت من سما البحث القتاما

فدع ما قال حاسده وعرّج

بركن العلم مسحا واستلاما

فكم أجلى بها من معضلات

يرق الفكر عنها أن تراما

وأوردها ضواء (٤) واردات

يميز العلم وانتعش الأواما

جرى بالطالبين إلى سبيل

من الإرشاد قد خفي اكتتاما

__________________

المتوفى سنة ٨٣٧.

(١) الإسعاد اسم كتاب في شرح الإرشاد لابن حجر الهيتمي سبق ذكره.

(٢) كذا في الأصل.

(٣) من هنا نحرم مخطوطة (ح).

(٤) كذا في (س).

٤٥٦

بها اتضح الدليل فما «عباب» (١)

إذا ما قيس والغرر التواما

حوى الأصلين والفرعين فيها

وزاد على الذي مشى (٢) الإماما

لو اسمعيل عاش إلى زمان

لعدك يا علي مسك الختاما

بك اتسعت مباحث ناطقات

وقد كادت تضيق بنا إفتهاما

وكم أرشدت للإرشاد غاو

وكم ثقفت أعوج فاستقاما

لقد أبدعت لو تعطى انتصارا

من الإنصاف أو ترعى الذماما

وأين المنصفون فدتك نفسي

فاعذر كل ما أبدى النظاما

ليهنك نشر بالعلم إحتسابا

لوجه الله شكرا والتزاما

خلائقك التي قد فاح منها

لأهل العلم نشرا كالخزاما

وكم عمرا أفاد لديك علما

فأدرك غاية النعم الجساما

فاعذر أيها الأستاذ عذرا

فأنت أجل من أغضى وحاما

فإن الدهر أصدقه خطوب

من الأيام والنقل استهاما

عليك سلام ربك كل حين

وبلغك المنى دار السلاما

وصلى الله ما حنت ركاب

على المختار والآل الكراما

تعمهم وجمع الصحب دابا

وتابعهم بإحسان دواما

انتهت وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

والحمد لله رب العالمين.

__________________

(١) العباب عنوان كتاب للمزجد سبق.

(٢) يعني كتاب التمشية شرح ابن المقري على إرشاده (طبع).

٤٥٧

وكان الفراغ من زبر هذا التاريخ المبارك

بكرة يوم الاثنين لعام في ١٦ شهر شعبان المكرم

بقلم الحقير العبد الضعيف الذليل المعلم

عبد الله بن صالح بن عبود باعطب

عفا الله عنه وسامحه

آمين

٤٥٨

معجم الأماكن (١)

إذا كان لا بد من وضع تراجم لأعلام البلدان المذكورة في هذا التاريخ ، فإننا نكتفي بالإشارة إلى الأهم إذ الأغلب منها قرى ومحلّات صغيرة تتضح من خلال السياق ، على أننا وقفنا على صعوبة كبيرة في المراجع المستند إليها في التعريف بالبلدان الموجودة في هذا الكتاب وقد كدنا أن نضرب عن هذا العمل لو لا أننا وقفنا على كتاب في أسماء بلدان حضرموت هو كتاب «أدام القوت» للمؤرخ العلامة السيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف فمنه نستقي هذه المعلومات. وكذا صنعنا في كتاب تاريخ حضرموت للمؤرخ ابن حميد الكندي الذي قمنا بتحقيقه وتم نشره.

باغشوة : راس باغشوة جبل ممتد في البحر وحوله قرية تبعد حوالى ٣٥ ميلا إلى الشرق من مدينة الشحر.

بالحاف : هو من وراء العين (عين بامعبد) إلى جهة الشرق وهو لآل أحمد بن هاوي آل عزان يقع في الجهة الجنوبية الغربية لحضرموت.

بروم : هو مرسى حصين وهو بين الشحر وميفع على ساحل البحر وكانت بلدة قديمة من أعمال فوة يجلب إليها الصبر السقطري وكان بها قلعة تسمى عرفة. ويقع على بعد عشرين ميلا تقريبا إلى الغرب من المكلا.

__________________

(١) اقتصرنا هنا على بلدان حضرموت لعدم المعرفة بها أما غيرها من البلدان فينظر فيها ما قمنا بتحقيقه من مخطوطات تتعلق بتاريخ اليمن.

٤٥٩

بضة : من كبريات مدن دوعن.

بور : من المدن القديمة وهي من أمهات قرى السرير.

تبالة : قرية تبعد ، عن الشحر بحوالي سبعة أميال إلى الشمال على طريق الخارج إلى داخل حضرموت.

تريس : قرية تقع على طريق المار إلى سيؤن وهي من أقدم مدن حضرموت.

تريم : من أشهر مدن حضرموت توسع في ذكرها السيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف في أدام القوت.

تولبة : قرية تابعة لصبيخ من جهة دوعن.

الجبيل : بلدة صغيرة من قرى دوعن فيها جماعة من آل باقيس مشهورون بفعل الخير.

الجرادف : مصيف يقع جنوبي شعب النور من قرى الشحر فيه أموال كثيرة لأهل الشحر.

جعيمة : هي واديان فيهما قرى كثيرة يقال لأحدهما الخط وللثاني الدائرة فوادي الدائرة يذهب إلى الغرب طولا إلى جبال وادي سر وشمالا إلى نجد آل كثير والخط يذهب إلى جهة الشرق حتى ينتهي إلى الجبال التي تنتهي إلى وادي الذهب.

الحامي : بلدة تبعد عن الشحر بنحو خمس ساعات.

حريضة : بلدة أسفل وادي عمد مقابلة لعندل.

حورة : مدينة كبيرة من قرى حضرموت ذكرها الهمداني في صفة جزيرة

العرب : ٢٦٨.

حيريج : قال بامخرمة : هي أم المشقاص وبها بندر يقصده أهل الهند والصومال وغيره وقد دثرت الآن.

الخريبة : من كبريات مدن دوعن.

٤٦٠