تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه

تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

المؤلف:

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

بعضهم في الإفتاء والتدريس وعمره دون العشرين ، وبرع في علوم كثيرة كالتّفسير والحديث وعلم الكلام وأصول الفقه وفروعه والفرائض والحساب والنحو والصّرف والمعاني والبيان والمنطق والتّصوف ومن محفوظاته في الفقه «المنهاج» للنّووي ومقروءاته كثيرة لا يمكن عدها وأما إجازات المشايخ له فكثيرة جدا ، وقد استوعبها رحمه‌الله في معجم مشايخه ، وقدم إلى مكة في آخر سنة ثلاث وثلاثين فحجّ وجاور بها في السنة التي تليها ، ثم عاد إلى مصر ثم حج بعياله في آخر سنة سبع وثلاثين ، ثم حج سنة أربعين ، وجاور من ذلك الوقت بمكة المشرفة ، وأقام بها يؤلف ويفتي ويدرس إلى أن توفي ، فكانت مدة إقامته بها ثلاث وثلاثين سنة. ومن مؤلفاته شرح «المشكاة» نحو الربع ، وشرح «المنهاج» للإمام النووي في مجلدين ضخمين وشرحين على «الإرشاد» للمقري كبير وصغير : الإمداد وفتح الجواد ، وشرح همزية الأبوصيري ، وشرح الأربعين النووية و «الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والضلال والزندقه» و «كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع» و «الزواجر عن اقتراف الكبائر» و «نصيحة الملوك» وشرح مختصر الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بلحاج بافضل المسمى «المنهج القويم في مسائل التعليم» و «الأحكام في قواطع الإسلام» (١) وشرح «العباب» المسمى بالإيعاب و «شرح قطعة صالحة من ألفية ابن مالك ، وشرح مختصر أبي الحسن البكري في الفقه ، وشرح «الروض» وحاشية غير تامة على شرح «المنهاج» وحاشية على «العباب» واختصر «الإيضاح» و «الإرشاد» و «الروض» ومناقب أبي حنيفة (٢) ومؤلف في الأصلين والتصوف ، ومنظومه في أصول الدين وشرح «عين العلم» في التصوف لم يتم ، والهيتمي نسبة إلى محلة أبي الهيتم من إقليم الغربية (٣)

__________________

(١) الأصل : الأحكام وأصلحناه من النور السافر وهو مطبوع سنة ١٣١٠ ه‍ بعنوان الأعلام بقواطع الإسلام».

(٢) بعنوان الخيرات الحسان طبع سنة ١٣٢٦ ه‍.

(٣) الأصل : الفرسه.

٣٨١

بمصر ، والسعدي نسبه إلى بني سعد بإقليم الشرقية من أقاليم مصر أيضا ومسكنه الشرقية ، لكن انتقل إلى محلة أبي الهيتم بالغربية ، وأما شهرته بابن حجر فقيل أن أحد أجداده كان ملازما للصّمت لا يتكلّم إلا عن ضرورة أو حاجة فشبّهوه بحجر ملقى لا ينطق ، واشتهر بذلك ، وقد اشتهر بهذا اللّقب أيضا شيخ الإسلام العسقلاني ، وكان صاحب الترجمة يشبهه في فنه الذي اشتهر به وهو الحديث مع ما منحه الله به من الزّيادة عليه من علم الفقه الذي لم يشتهر به الحافظ العسقلاني هذا الاشتهار ، وما أحسن ما قال الشيخ عبد العزيز بن علي الزمزمي في قصيدة :

منك المعارف فاضت عذبة ولكم

عذبا زلالا فاض من حجر

ولصاحبنا الفقيه النبيه أحمد بن محمد الجابري رحمه‌الله تعالى :

قد قيل من حجر أصم تفجرت

للخلق بالنّص الجلي أنهار

وتفجرت يا معشر العلماء من

حجر العلوم فبحرها زخّار

أكرم به بحرا (١) محيطا بالعلا

ورحاؤه حقّا عليه تدار

ووقفت على مسودة في شهر ربيع الأول لرجل منشىء من أهل الهند تاريخ سنة ست وتسعين وتسعمائة : وأنا محمد بكر (٢) والرجل يسمى حاجي دبير قال : وضابط وفاة حافظ العصر شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي بمكة المشرفة رحمه‌الله تعالى جاء «شيخ مكة» بزيادة عدد واحد فأشرت إلى هذه الزيادة بطريق المعنى بقولي :

حافظ السنة لما

مات في خير المشاهد

قال في ضابط موت

شيخ مكة غير واحد

وفيها (٣) : توفي السّلطان سليمان بن سليم في شهر صفر ، وكان

__________________

(١) النور : قطبا.

(٢) كذا في الأصل ولعله محمد بن أبي بكر بافقيه. وإذا صح هذا فيكون مؤلف الكتاب هو المذكور وليس الطيب إلا أن يكون الأخير قد أكمله والله أعلم.

(٣) النور السافر : ٢٦٣.

٣٨٢

فاضلا عادلا عاقلا محسنا إلى الرعية صالحا رحمه‌الله ، وممّا أنشأه الأديب الفاضل ماميه الانقشاري تاريخ وفاته :

انتقل العادل من دنيته

جاور الرحمن والمولى الرحيم

قالت الأقطار في تاريخه

مات سليمان بن سلطان سليم

وله فيه مرثية أجاد فيها كل الإجادة منها هذه الأبيات :

لعمرك ما الأعمار إلّا مراحل

وفيها مرور الحادثات مناهل

لقد جدّد البيت الحرام جدادة

وقد وشحت طرز السواد المحامل

كأن بني العباس سنت سوادها

عليه وبالأعلام قاست دلائل

وما كان عماد الدين في كل حادث

وسلطانها بالنّصر والشرع حافل

وكان علمي قبل فقد سما (١) العلا

بأن الثرى للنيرين منازل

وجثته في الأرض أضحت دفينة

ومن شأنها تحوى الكنوز الجنادل

بسبع أقاليم بكى النّاس واحدا

على السّبع يطوي في الوغى وهو حائل

فصبر وغض العين سار وسارح

ودمعي على الخدّين هام وهامل

فكم حي قلب قد تقلب في الغضا

عليه وكم عقل غدا وهو ذاهل

وكم أنفق الأموال في الغزو قائلا

ألا في سبيل الله ما أنا فاعل

شياطين أهل الكفر ولّت لأنها

سليمان وافى وهو للشرك خاذل

غزاهم بعزم كالشهاب وقد سما

ومن حوله عد النجوم جحافل

أسود لها كهف الدروع مواطن

وغاياتها سمر القنا والقنابل (٢)

وهي طويلة ولحسنها ذكرت منها هذه الأبيات وفيها إشارة لبعض مآثره رحمه‌الله تعالى.

وحكى : أنه لما مات السلطان سليم وتولى ولده سليمان سمع قائلا يقول :

__________________

(١) الأصل : سلما.

(٢) النور : العوامل والقنابل هنا : الطائفة من الناس والخيل ما بين الخمسين فما فوق.

٣٨٣

قل لشياطين البغاة إخسأوا

وقد أوتي الملك سليمان

ولما توفي السلطان سليمان تولى بعده ولده سليم بن سليمان إلى أن توفي كما سيأتي.

قلت : وهذا الشاعر المذكور وهو ماميه الإنقشاري حجّ سنة [خمس](١) وستين وتسعمائة وحصل له قبول عظيم وطارح أدباء مكة بأشعار ، قال الشيخ عبد الرؤف بن يحي الواعظ تلميذ الشيخ بن حجر الهيتمي في وصفه : إنه ممن توحّد في عصره بصناعة الشعر وبرع في الصناعتين الغزل والتشبيب ، وكاد أن يكون ثاني الحاجري في الرقه وحسن السبك ، ومن شعره رحمه‌الله في القهوة وهو شعر حسن.

طاف يسعى بقهوة في مقام

شمس حسن سما بصبح المحيا

كأسها البدر والحباب نجوم

وهي ليل تجلى بكف الثريا

ومنه :

قد شربنا قهوة بنية

ولها شربنا غدا بالنيه

لونها قد حكى أذايب مسك

أو زباد وسط النهار الجليه

وقوله بيته المشهورة في القهوة ، وكم رأيت عليها من تخاميس :

أتتنا قهوة من قشر بن

تعين على العبادة للعباد

حكت في كف أهل اللطف صرفا

زباد ذائب وسط الزباد

وله أيضا على لسانها :

أنا المعشوقة السمرا

أجلي في الفناجين

وعود الهند لي عطر

وذكري شاع في الصين

وله ديوان شعر لطيف مشهور عند الأدبا ومن شعره على لسان أهل الإشارات :

__________________

(١) ساقط من الأصل.

٣٨٤

كل الوجود تجليات جماله

لكن بدا متحجبا بجلاله

نور ولا شيء سواه وإنهم

ظنوا السّوى لتشكلات خياله

لا تشهدن النقص لو في ذرة

فجميع ما في الكون فيض كماله

وإذ أرى الإنسان نقصا إنما

مرآته تجلى عليه بحاله

فاطلب ولو افنيت عمرك طالبا

فعساك إن تحظى بكنز وصاله

ولم أقف على تاريخ وفاته (١) رحمه‌الله.

وفيها ليلة ثالث عشر ربيع الأول : حدث في آخر الليل نجوم كثيرة تتطاير من جهة القبلة يمينا وشمالا مضيئة جدا.

وفي ليلة النصف من الشهر المذكور من السنة المذكورة : انكسف القمر بعد صلاة المغرب كسوفا متكاملا شنيعا وجلت منه القلوب والذين رأوا النجوم أعظم فزعا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون فلبث مدة ثم انجلا.

وفي ليلة النصف من شهر شعبان في السنة : خر نجم عظيم من جهة المشرق الى جهة المغرب وذلك قبل غروب الشمس.

وفيها : توفي السيد الشريف جمال الدين محمد بن (٢) الشاطري باعلوي بزيلع في شهر رمضان الحادي والعشرين منه رحمه‌الله تعالى.

وفي : ذي القعدة آخر السنة : توفي السيد الشريف الولي الصالح المنيف شيخان بن (٣) باعبود باعلوي بمكة المشرفة رحمه‌الله تعالى.

وفيها : كان وصول السلطان عبد الله بن بدر وأميره سعيد بن عطيف إلى حضرموت في شهر ذي الحجة أو أواخر القعدة.

__________________

(١) قلت وفاته سنة ٩٨٧ وهو محمد بن أحمد بن عبد الله المعروف بماميه (ريحانة الألباء ١ : ١٥٨).

(٢) بياض في الأصل. قلت ولعله محمد بن عمر الشاطري المذكور في فتوح الحبشة : ٩٣.

(٣) بياض في الأصل.

٣٨٥

سنة خمس وسبعين

فيها (١) : توفي العالم العلامة الولي الصالح العارف بالله تعالى نور الدين أوحد عباد الله الصالحين علي المتقى بن حسام الدين الهندي ثم المكي بمكة المشرفة بعد مجاورته بها مدة طويلة ، وكان من العلماء العاملين وعباد الله المقربين وكان على جانب عظيم من الورع والتقوى والزّهد والاجتهاد في العبادة ورفض الشهوات والسوى ، وله مصنفات عديدة أكثرها في التصوف وعلم القوم وأخبار حميدة من العبادة والصّلاة والصّوم ، ومن مناقبه العظيمة أنه رأى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنام ، وكانت ليلة جمعة وسبع وعشرين في رمضان فسأله عن أفضل الناس في زمانه فقال له : أنت ثم قال من فقال محمد بن طاهر بالهند ، ورأى تلميذه الشيخ عبد الوهاب أيضا في تلك الليلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسأله مثل ذلك فقال له : شيخك ثم محمد بن طاهر بالهند فجاء إلى الشيخ علي المتقي ليخبره بالرؤيا ، فقال له قبل أن يتكلم : قد رأيت مثل الذي رأيت ، وكان يبالغ في الرياضة حتى نقل عنه أنه كان يقول في آخر عمره : وددت أني لم أفعل ذلك لما وجد من الضعف في جسده عند الكبر وعاش طويلا ولم يحضرني تاريخ ولادته رحمه‌الله ونفعنا به.

وفيها (٢) : توفي العالم العلامة الشيخ الإمام شيخ الإسلام الكبير

__________________

(١) النور السافر : ٢٨٣. وانظر ترجمته في الكواكب السائرة ٢ : ٢٢١ وشذرات الذهب ٨ : ٣٧٩.

(٢) النور السافر : ٢٨٣.

٣٨٦

الشهير مفتي اليمن وخاتمة علماء الزمن وجيه الدّين عبد الرّحمن بن عبد الكريم بن زياد رحمه‌الله ، ولم أقف له على ترجمه فيها ذكر مصنفاته ومآثره (١).

وفيها يوم الأربعاء ثامن شهر جماد الآخرة : توفي الفقيه العالم العلامه الولي الصالح نور الدين وبركة الإسلام والمسلمين علي بن علي بايزيد التولبي الدوعني رحمه‌الله ، وكان مدرسا بالمدرسة البدرية بالشحر المحروسة إلى أن توفي بها ودفن نجدى البلاد وعليه بناء يزار ويتبرك بضريحه ، وله مصنفات وفتاوى مفيدة جدا ولم أقف له على ترجمة ، وممّا وقفت عليه بخط الفقيه الأديب الأريب عبد الله بن أحمد باسنجلة رحمه‌الله تعالى من مكاتبة طويله كتبها إلى الفقيه علي فيها : وبعد فإنه جرى في بعض مذاكرة اتفقت بمجلس الفقيه محمد بن عبد الرحيم باجابر ، ذكر كتابكم المؤلف «العزيز الوجيز الغالي الموسوم بعقد اللآلي والنكت الغوالي فيما يتعلق بإرشاد الغاوي» فلعمري نعم النكت المفيدة البديعة السديدة المحتوية على الإفادة العجيبة والإجادة الغريبة الموضّحة.

وفيها : توفي الشّيخ الصالح الولي جمال الدين محمد ياقوت بمكة رحمه‌الله.

وفيها : أخذ الشريف مطهر بن الإمام عدن يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرة ، وكان حصل على أهل عدن قحط عظيم مع الحصار الشديد حتى ماتوا غالب أهلها من الجوع وأكلوا الكلاب ، وكان والله أعلم من أول السنة المذكورة ، ومعظم ذلك في شهر ربيع الأول والثاني وجمادى الأولى إلى أن دخلها الشريف علي بن الشويع نائبا عن الشريف مطهر صاحب اليمن فافترجت بذلك الكروب بالتاريخ المذكور.

__________________

(١) قلت : ترجمته في النور السافر مستوفاة هنالك وفيها ذكر مؤلفاته. ولعل المؤلف وقف على مخطوطه من الكتاب تختلف عن المطبوعة. أنظر النور السافر : ٢٧٣ ـ ٢٨٣.

٣٨٧

وفيها : زالت دولة الأروام من صعدة وصنعاء وتعز واليمن وعدن ومعاقل اليمن المنيعة كحب بعدان والتعكر وصبر وغير ذلك ، ووليها الشريف مطهر بن الإمام شرف الدين.

وفيها يوم الأحد ثاني شهر رجب : توفي الخطيب المحدث الفقيه عبد الله بن الفقيه محمد بن الطيب بامخرمة رحمه‌الله تعالى.

وفيها : وصل السلطان محمد إلى الشحر وصحبته جماعة من المهرة منهم بركين بن محمد بن سعد البيحاني ، وعلي بن عبد الصمد بن حقيبة وأحمد بن زنجي باحسين ، وذلك يوم الاثنين الثالث عشر من رجب.

وفي ليلة الأحد الثالث والعشرين من شهر ذي الحجة آخر السنة المذكورة : توفي السلطان محمد بن عبد الله بن جعفر الكثيري (١) بالشحر ودفن بتربة والده رحمه‌الله تعالى.

وفيها : سافرت غربان السّلطان بدر إلى المشقاص لحرب عمر بن محمد بن طوعري وأصحابه ، وهي ثلاثة أغربة ليلة الأثنين أول ليلة من شهر رمضان تقدمها الغراب الكبير فيه مطران بن مطران والنصعي وأصحابه يافع والأوسط فيه عسكر وأولاد السلطان بدر بن عمر وعبد الله وعلي وحاشية الدولة وبعض من آل كثير منهم أولاد علي بن عمر بن جعفر بدر وعمر وأولاد المرهون محمد وعلي وبدر بن جعفر بن أحمد وأولاد عبد الله بن جعفر بن أحمد وحاشية آل كثير والأمير سعيد بن عطيف عزموا من طريق البر ، والغربان صرين ليلة الأثنين أول ليلة من شهر رمضان ، والذي عزموا من طريق البر عزموا بعد صلاة الظهر يوم الاثنين أول يوم من رمضان ، وهم عدة خمسين خيال والعسكر كثير وأهل البنادق نحو أربعمائة.

__________________

(١) أنظر ترجمته في تاريخ الدولة الكثيرية : ٣٠ ـ ٣٣.

٣٨٨

سنة ست وسبعين

فيها يوم الاثنين آخر النهار ثاني شهر صفر : توفي السيد الشريف الولي الشهير شيخ بن عبد الله بن الشيخ علي بن أبي بكر باعلوي بتريم ، ودفن يوم الثلاثاء وكان من أهل الكشف والبراهين والكرامات الباهرة والأسرار العجيبة الظّاهرة رحمه‌الله تعالى ، وحكى : أنه كان ببر سعد الدين في مجلس فكان يأتي ذلك المجلس رجل في زي سائل أو مجنون ويشتمه من بين الجماعة من غير موجب لذلك ولا سبق معرفة بينه وبينه ، وكأنه كان والله أعلم يريد اختباره وينظر صبره على المكروه واحتماله للأذى وتكرر منه ذلك ، وربما كاد الحاضرون أن يقعوا فيه فيمنعهم الشريف من ذلك ، فلما كان في بعض الأيام قال له تعالى إلى الموضع الفلاني وأصحب معك دواة وقلم وموسى نريد نذبحك بها فأعطاه إياها ، ثم طلب منه الدواة والقلم وعلمه الوفق الثلاثي وأراه وضعه أو علمه إسم الله الأعظم ، ثم ذهب ذلك الرجل ولم يعد بعد ذلك فصار الشريف إلى ما صار إليه من التصريف ، وأخبرني بعض الثقات قال : بينما أنا أسير معه بتريم إذ أخذ من ورق بعض الأشجار وأكل منه وأعطاني ، فإذا هو ورق القات المشهور باليمن وهو لا يوجد بحضرموت أصلا ومناقبه وكراماته كثيرة نفعنا الله به.

وفيها (١) : توفي العلامة المشهور بالذكر الشيخ عبد العزيز الزمزمي

__________________

(١) النور السافر : ٢٨٧. وانظر شذرات الذهب ٨ : ٣٨١ والأعلام ٤ : ٢٣.

٣٨٩

المكي رحمه‌الله تعالى ، وقد تقدّم له مراث من شعره في بعض الفضلاء ، وكان رحمه‌الله فصيحا بليغا من أعيان علماء مكة وفضلائها وكبرائها ورؤسائها وله قصيدتين عظيمتين في مدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أجاد فيها كل الإجادة عارض فيها أم القرى لكن أم القرى القصيدة التي للأبوصيري بالضم ، وهذه بالفتح وسماها «الفتح المبين في مدح سيد المرسلين» وحيث كانت أم القرى مرفوعة والقيراطية مكسورة جعل قصيدته مفتوحة ، وما ألطفه فيها في التعبير عن ذلك بقوله

فاز بالرفع مفلق لك وشى

كيف ترقى وأفحم الشعراء

وبخفض الجنان جوزي منشي

ذكر الملتقى جزاء وفاء

جئت من بعد ذا وذاك أخيرا

فلهذا نظمي على الفتح جاء

وبالجملة فإنه كان أوحد الفضلاء وبقية العلماء حسن الشعر والإنشاء.

وفيه يقول الشيخ الكبير العارف بالله محمد بن أبي الحسن البكري الصديقي من أبيات

أجل جيران بيت الله قاطبة

علما إذا وضعوا في مكة العلما

وله فيه أيضا :

أنت الذي بصفات الفضل أجمعها

في بلدة الله أولى سائر العلما

فليهن مكة بل وليهن ساكنها

وليهن أبطحها والبيت والحرما

ومن شعره الحسن أبيات الفرج التي استغاث فيها بعالي الدرج سيّد المرسلين ورسول رب العالمين :

يا رسول الله عجل بالفرج

قد تولى الكرب واشتد الحرج

يا رسول الله في جاهك بي

سعة أن ضاق بي كل نهج

قسما بالله مالاذ إمرؤ

بك في خطب رجا إلّا انبلج

كل وصف في معاليك انطوى

كل لفظ في معانيك اندرج

٣٩٠

بضيا السؤدد والفخر انتهى

عند بيت فاخر منه خرج

طيب الأعراق ما فاح له

عرق إلا هفا طيب الأرج

حسن الخلق جميل مشرق

من رأى حسن محيّاه ابتهج

أبلج أن لاح في جنح الدجى

خلت من لألائه الصبح انبلج

وسعت أخلاقه الخلق فلم

يك فحّاشا غليظ القلب فج

كرما يعفو عن الجاني الذي

سدّ عنه ذنبه كل الفرج

ورماه الغي والجهل على

ساحل البحر وفي البحر ولج

قدمته الرسل في موقفها

ليلة الإسراء فصلّى وعرج

وارتقى السبع السموات إلى

قاب قوسين وفي الأنوار زج

وجهه حجتنا البيضاء في

يوم تأتي الناس فيه بالحجج

يا وجيه الوجه طالت غربتي

كل يوم مر منها كحجج

عظم الكرب ولكن نرتجي

برسول الله يأتينا الفرج

قد توسّلنا إلى الله به

ولجا كل لمولاه ولج

شرعة آدم قدما سنها

لبنيه فانتهجنا ما انتهج

يا أعز العرب يا من بابه

قط من سائل رفدا ما ارتتج

نسأل الله يجلي ما بنا

حلّ من كرب شديد وحرج

يا الهي بالنبي المصطفى

خير من حج ومن ثج وعج

أطو بعد السير عنا سيدي

واجعل العقبى سرورا وفرج

وأنل كل امرء ما قد نوى

واطف حرابين جنبي اعتلج

واجبر المكسور بالعود إلى

بيتك المحجوج كي يحظى بحج

رب قربنا إلى أوطاننا

فلنار البعد في الأحشا وهج

ربّ واجعلنا بجاه المصطفى

في حمى بيتك لا نخشى هرج

إن ركبنا الذنب جهلا ما سوى

عفوك اللهم في النفس اختلج

فاعف عنا ما مضى واغفر لنا

نوبة شد التقى منها السّرج

واختم الأعمال بالخير فقد

ذهبت في اللهو منهن حجج

وصلاة وسلام منهما

أرج المسك على الهادي نفج

٣٩١

وعلى أصحابه والآل ما

آوب (١) الركب إليه أو دلج

وهي طويلة لخصت منها هذه الأبيات وما أحسن من طابق تاريخ وفاته في ذلك العام وهو بعض الفضلاء في عدد حروف بجنان الخلد قد أصبح فقال :

أن من أجرى الدموع على

عز دين الله قد أفلح

قد أتى تاريخه ضبطا

«بجنان الخلد قد أصبح»

وفيها : دخلوا الأروام عدن يوم الأحد ثامن وعشرين شهر القعدة ، وقتلوا الأمير قاسم بن الشويع وأسروا ولده وجماعة من أصحابه منهم عبد العمودي المهري.

وفيها (٢) : قبض السلطان بدر بن عبد الله بن جعفر ، طلع عليه ولده السّلطان عبد الله في حصن سيؤون ، وكانت الولاية له ، ولكنه استعجل على والدة بالقبض أصلح الله دولتهم وأيدها ، وكان ذلك ليلة الجمعة الثالث والعشرون من ربيع الثاني من السنة المذكورة ، وأخذ الحصون وحالف القبائل وأخاه جعفر والأمير ناصر بن مسعود وصلا إلى الشحر ثلاثة عشر جمادى الأولى.

وفي ليلة الاثنين ثاني عشرين شهر رجب : وقعة هجمة الذّراع تحت العقبة من أصحاب جعفر على السلطان وقتل من قتل ، ورجع جعفر والأمير ناصر إلى الشحر واحتصروا في القرية هم وأصحابهم ، ووصل السلطان عبد الله إلى الشحر عصر يوم الثلاثاء وخرج آخر القوم من القرية ليلة الأثنين لسبع وعشرين رجب وجعفر والأمير ناصر احتصروا في الحصن قال المؤرخ (٣) : أول ما ملك السّلطان عبد الله بن بدر حصن سيؤون ، وأخذ الهجرين يوم الاثنين وعشرين وقيل يوم الاثنين وعشرين من شهر جمادى

__________________

(١) الأصل : أرق.

(٢) أنظر تاريخ الدولة الكثيرية : ٥٤.

(٣) يعني المؤرخ عبد الله بن أحمد باسنجلة.

٣٩٢

الآخرة من السنة المذكورة بعد أن أخذ جميع حصون حضرموت ودوعن ووادي عمد رخية وبعد أربعة أيام أو أقل أخذ هينن وحورة وما بقي متغلب عليه إلّا صاحب الشحر وعوره وتولبه ، والباقي أخذه من غير قتال ولا تعب ولا نصب.

وفي رمضان منها : بنى الشيخ العمودي حصن ساقية الخريبة فضرها مضرة عظيمة ، وكان خروج جعفر والأمير ناصر من حصن الشحر وعزمهم مع المهرة بحرا في الغربان ثامن شوال إلى قشن بعد أن أخذوا الأمان فأمنهم السلطان عبد الله وتودّى الحصن للسّلطان عبد الله بن بدر ثامن عشر شوال المذكور ورجعوا إلى حيريج.

٣٩٣

سنة سبع وسبعين

فيها : كان دخول المهرة عمر بن طوعري وجعفر بن بدر وناصر بن مسعود إلى الشحر ، وذلك يوم الأحد خامس وعشرين شهر جمادى الآخرة برّا وبحرا ، ولم يحركوا على أحد شيئا لا قليل ولا كثير أمنوا الناس وصابرهم أهل القرية وقتل من أصحاب جعفر عبد هندي ببندق ، وقد كان يوم الأربعاء الحادي والعشرين من شهر جمادى الآخرة المذكور ، وصلوا أربعة أغربة من المهرة وخمسة سنابيق مهرة إلى بندر الشحر ، ووقفت في البندر إلى يوم السبت ورجعوا إلى الحامي في وعد أصحابهم أهل البر فالتقوا ضحى يوم الأحد خامس وعشرين شهر جمادى الآخرة كما سبق ولطف الله ، فلم يلبثوا في البلاد إلا بقية يومهم المذكور ، فلما كان نصف اللّيل ساروا هم وخشبهم بعد أن قتل منهم ثلاثة جماعة بالبنادق ، ولم يعلموا الناس ما سبب مسيرهم.

وفيها ليلة السّبت ثامن شهر صفر : عزم السلطان عبد الله في الخريف وجر المدفع يريد حيريج ، وطلع عمر بن طوعري وجعفر وناصر وادي بالحاف ومعهم جماعة من المهرة ، وتبع بعدهم السلطان عبد الله إلى وسط الوادي ، وحصل بينهم قتال وحصل الوهن والكسرة في أصحاب السلطان وقتل منهم خمسة وتسعين مقتول وخفروا جماعة من العسكر وغيروا المدفع وكانت الوقعة يوم الثلاثاء ثامن عشر صفر ورجع السّلطان عبد الله إلى الشحر دخلها رابع وعشرين صفر.

٣٩٤

وفيها : توفي (١) السلطان بدر بن عبد الله بن جعفر الكثيري سلطان حضرموت فصحّ بين قبضه وموته سنة وأربعة أشهر وأربعة أيام رحمه‌الله تعالى ، وكان مولده سنة اثنتين وتسعمائة ، وولي الولاية وهو شاب ، وكان حسن الأخلاق جوادا كثير الإنفاق وافر العقل ظاهر الفضل عريق الرئاسة حسن السياسة لطيف المعاشرة طريف المحاضرة ، شجاعا مقداما وهزبرا ضرغاما ، فلكم أباد أحزاب الضلال ومزقها ، وأزال فرق الفساد وفرقها ، وكان محظوظا جدا حتى كان لا يقصد بابا مغلقا إلا انفتح ، ولا يقدم على أمرمهم إلا اتضح ، ولا يتوجه إلى مطلب إلا نجح ، وهو أول من أظهر بحضرموت هيبة الملك بسعده ، وأسس قواعد السلطنة ومهدها لمن بعده ، وسمعت أنه يقال : أن ثلاثة من السلاطين كانوا في عصر واحد وكانوا متقاربين في السن والولاية رزقوا السعد والإقبال وطالت أيام ملكهم أحدهم صاحب الترجمه السلطان بدر والثاني الشريف أبو نمي محمد بن بركات والثالث السلطان سليمان صاحب الروم ، وقد مدحه العلماء مثل الفقيه الولي الصالح عمر بن عبد الله بامخرمة ، وولده الفقيه العلامة عبد الله بن عمر بامخرمة وغيرهما من الشعراء ولهم فيه القصائد العظيمة الطنانة ويجيزهم عليها الجوائز السنية وقصدته مشايخ العرب وأكابرها فأحسن نزلهم وأسنى جوائزهم وخلع عليهم الكساء الفاخر حتى كان يسمى عندهم ببدر الكرم ، وكاتبوه الملوك من جميع الجهات الحجاز واليمن وملوك الهند ووزرائهم ، وأرسلوا له الهدايا والتحف فقابلهم فيها بما هو أسنى منها من الخيل العربية وغيرها من الهدايا الفاخرة ، وكاتبه سلطان الروم سليمان العثماني وعظمه فيه وأثنى عليه وعقد له لواء المسمى صنجقا ، وجعله أميرا من قبله ، وساعده على أعدائه إذا احتاج إلى عسكر وغيره من العدد ، ولم يفعلوا لغيره من الملوك والسلاطين ما فعلوا له من الحشمة والتعظيم رحمه‌الله تعالى ، ثم تولى بعده ولده السلطان

__________________

(١) النور السافر : ٢٩٣ وتاريخ الدولة الكثيرية : ٣٤ ـ ٥٤.

٣٩٥

عبد الله (١) ، وهو الذي قبض على أبيه وحجر عليه حتى توفاه الله ، وغلب على الملك ووثب على السلطنة ، وكان قد رأى بعض الصّالحين في المنام رؤيا حاصلها : أنه رأى أربعة من الصالحين عرف منهم الولي الشهير محمد أبا وزير كل منهم قد مسك ركنا وقالوا : نريد نولي عبد الله فلم تمض بعد ذلك إلا مدة يسيرة وهجم المشار إليه على أبيه واستولى على الملك ، وذلك دليل ما رئي أنه ما يقوم سلطان في هذا العالم عالم الشهادة إلّا بعد أن ينصبه أولياء الله تعالى بإذن من عالم الغيب ، وكان حسن الاعتقاد في الصالحين محبا للفقراء والمساكين ، وتولى بعده ولده السلطان جعفر (٢) ولم تطل أيامه ومات مقتولا في سنة تسعين ، ثم تولى بعده عمه السلطان الفاضل الملك الكامل السلطان عمر (٣) بن بدر رحمه‌الله تعالى ، وكان أوحد العصر وأعجوبة الدهر ، جم الفضائل حسن الشمائل ذو سيرة مرضية في الرعيّة ، وسلوك حسن في البرية حسن السّياسة صادق الفراسة صاحب أخلاق ألطف من النّسيم وأبهج من الدّر النظيم ، قل أن ورد عليه أحد إلّا وصدر يثني عليه الثناء الجميل أو وفد إلى ساحته بعض الفضلاء إلّا وانصرف يشكر ما أسدى إليه من البر الجزيل ولله درّ بعض واصفيه فيه (٤) :

ثناء جميل عنك يثني معطر

ووفرك مبذول وعرضك سالم

وسعت الورى حلما وبشرا بهيبة

وبذلك المعروف والثغر باسم

بصدر رحيب واسع قد وسعتهم

وجودا حكاه الوابل المتراكم

دماثة أخلاق عطية خالق (٥)

وخيم كريم أصله (٦) متقادم

جمعت خصالا يا بن بدر حميدة

بواحدة يسمى الفتى ويساهم

__________________

(١) تاريخ الدولة الكثيرية : ٦٠ ـ ٦٢.

(٢) تاريخ الدولة الكثيرية : ٦٢.

(٣) تاريخ الدولة الكثيرية : ٦٣ ـ ٦٦.

(٤) أنظر هذا الشعر في النور السافر : ٢٩٥ وتاريخ الدولة الكثيرية : ٦٣.

(٥) تاريخ الدولة الكثيرية : «سماحة حاتم».

(٦) تاريخ الدولة الكثيرية : «وأصل كريم جللته المكارم».

٣٩٦

حياء ومعروفا وجودا بشاشة

وعلما وحلما جلّ من هو قاسم

توفي رحمه‌الله في سابع شهر شعبان سنة إحدى وعشرين بعد الألف وتولى بعده الملك الصالح المولى (١) الأوحد الوفي ذو الأخلاق الرضي ولده السّلطان عبد الله بن عمر (٢).

رجعنا (٣) الى حكاية السلطان عبد الله بن بدر والمهرة وما جرى له معهم في هذه السنة.

وفي ليلة الأحد السادس من ربيع الثاني : توصلن غرابان للمهرة إلى بندر الشحر أحدهما فيه الأمير ناصر بن مسعود والآخر فيه مرغوف الزبيدي القشمي ، وأخذوا مراكب لأهل مقدشوه على الريدة ودفعوا أهل الريدة تمرا وطعاما زوادا للعسكر وأخذوا ثلاث جلاب لأهل الشام فارغة ومركب لباحفان فارغ من بندر الشحر.

ولما كان ليلة الثلاثاء : توصل غراب كبير من غربان مهرة مقدمه سعد بن سليمان بن عروان وعلي بن منقوش وردّوا الجلاب ومركب باحفان إلى البندر وصروا إلى خرد وعمر بن طوعري ، وجعفر وحردان بحيريج.

وبليلة الأربعاء : وصل غراب وهو الرابع فيه حردان بن أحمد بن حردان.

__________________

(١) بياض في الأصل.

(٢) تاريخ الدولة الكثيرية : ٦٧.

(٣) العدة ١ : ٢١٧.

٣٩٧

سنة ثمان وسبعين

فيها يوم السّبت السادس والعشرين من ذي القعدة : أمر السلطان عبد الله بتكوير أربعة غربان ثم ثلاثه ـ وهو التّجهير الرّابع ـ أميره عكاس ، ثم بطل بصلح بين المهرة والسلطان ، وتم الصلح سنتين من غير عدالة بل قبلاء من جهة السلطان جيش وعون وعبد الله والمرهون ، ومحمد كعشم طلع إلى المهرة من طريق المسفلة وأخذ الصلح ورجع إلى الشّحر ، وطلع إلى السلطان عبد الله (١) بحضرموت والقبلاء من المهرة عمر وحردان وعيال سليمان بن عمرو.

وفيها : أعطى السلطان عبد الله الريدة لمحمد بن حقيبة وأخيه عبود ليلة العاشر من المحرم من السنّة المذكورة ، ووصل إليهم والدهم في المحرم سنة تسع وسبعين إلى الريدة.

وفيها أول ليلة من شهر الفطر (٢) يوم الاثنين : توفي الشيخ الصالح ذو الهمة العلية والنفس الزكية والكرم السخى جمال الدين محمد بن عبد الرحمن العمودي رحمه‌الله تعالى.

قال سيدنا السيد الشريف محي الدين عبد القادر بن شيخ بن عبد الله العيدروس رحمه‌الله (٣) : أن مولده (٤) في هذه السنة ليلة الجمعة ثالث

__________________

(١) من هنا ينتهي النقص في (ح).

(٢) يعني شوالا.

(٣) النور السافر : ٣٠٠.

(٤) الضمير «في مولده» يعود إلى العيدروس صاحب النور السافر الذي ينقل عنه

٣٩٨

وعشرين ربيع الأول قال :

وفيها (١) : فاضت بأحمد أباد بعض البرك حتى خرج عنها الماء الذي كان فيها وصارت فارغة.

وفيها : أيضا رئي الدم ببعض برك الماء بأحمد أباد انتهى.

__________________

المؤلف.

(١) النور السافر : ٣٠٨.

٣٩٩

سنة تسع وسبعين

في شهر ربيع الأول : توفي الفقيه الصوفي الجامع بين الشّريعة والحقيقة بدر الدين حسين بن الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بلحاج بافضل الشافعي الحضرمي (١) بتريم.

وفي تاريخ وفاته ذلك العام أنشد صاحبنا (٢) الفقيه عفيف الدين عبد الله بن أحمد بن فلاح الحضرمي ببيتين وهما :

شيخنا حي تجده

ضابط العام الذي فات (٣)

فيه حسين بن الفقيه أبا

فضل بلحاج ذي الكرامات

وكان رحمه‌الله تعالى من كمل المشايخ العارفين الجامعين بين علوم الشريعة وسلوك الطريقة وشهود الحقيقة ، صاحب أحوال سنية ومقامات عليه وفراسات صادقه وكرامات خارقة ، وله في التصوف رسالة سمّاها «الفصول الفتحية والنفثات الروحية فيما يوجب الجمعية وعدم البراح من جانب الحق والفنا والبقا بالكلية والجزئية» (٤) ومن كراماته : انه كان مرة في مجلس وبين يديه مريده فضل بن إبراهيم ، فكان يتكلم باشياء بطريق الكشف كعادته ، وكان في ذلك المجلس أخا السيد عبد الله فالتفت اليه

__________________

(١) النور السافر : ٣٠٨ وتاريخ الشعراء الحضرميين ١ : ١٥١.

(٢) الضمير في قوله «صاحبنا» يعود إلى مؤلف النور السافر.

(٣) النور السافر «مات».

(٤) منه مخطوطة بجامع تريم أنظر كتابنا مصادر الفكر الإسلامي : ٣٢٠.

٤٠٠