تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه

تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

المؤلف:

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

وفيها (١) : عزم من حضرموت يريد مكة سيدنا السيد الشريف الولي الوفي عفيف الدّين عبد الله بلفقيه باعلوي هو وأهله فأدركه يوم عرفة باللّحية.

وفيها آخر جمادى الآخرة : وقعة عتاب (٣) بين الأمير كثير وبين بيت زياد ورئيسهم سعد بن عيسى بن عفرار المهري ، هجموهم المهرة ، وقاتل فيها محمد بن مطران ، وقتل فيها أحمد بن سعدان وسعد بن شعبان وابن مقعوش (٤) خفره سعد بن عيسى واصطاب (٥) الأمير كثير بطعنة ، واحتصر هو وجماعة من العسكر في دار طواف بن سلمان حتى أخذوا الأمان من سعد بن عيسى وانهزم باقي العسكر إلى حيرج.

وفيها يوم الاثنين وعشرين شهر ربيع الأول : توصلن غرابان كبار من الأروام أميرهن بيرى وجلس يومين في البندر وصرى (٦) ليلة الأربعاء.

__________________

(١) النور السافر : ٢٢٦.

(٢) عتاب : مدينة ساحلية من بلاد المهرة سكنها عدة قبائل من آل حامد وغيرهم أنظر «بلاد المهرة لسالم ياسر : ٥١».

(٢) عتاب : مدينة ساحلية من بلاد المهرة سكنها عدة قبائل من آل حامد وغيرهم أنظر «بلاد المهرة لسالم ياسر : ٥١».

(٣) العدة : مفغور وقد سبق بابن منقوش ولعله غيره.

(٤) اصطاب : وقع به صوب : جرح أو أصيب.

(٥) في (س) : وصوا.

٣٤١

سنة ستين وتسعمائة

فيها (١) : ليلة السادس أو السّابع من شهر رمضان توفي السيد الشريف العلامة الفاضل الكامل العالم جمال الدين محمد بن علي بن علوي المعلم خرد باعلوي رحمه‌الله تعالى ونفعنا به وكان من أكابر العلماء الصالحين الراسخين في العلم ، وهو مصنف «غرر البهاء الضّوي ودرر الجمان البهي في مناقب آل باعلوي» وذكر بعض كرامات جماعة من السّادات العلوية وفقهائهم ونقلت في هذا التاريخ من وجدته من الفقهاء منهم من أهل هذا القرن وذكر تاريخ موته نفع الله بهم وتغشاهم برحمته ورضوانه.

وفيها (٢) توفي القاضي تاج الدين المالكي المكي بمكة المكرمة رحمه‌الله تعالى ، وقال الشيخ محّب الدين بن فلاح مؤرّخا عام وفاته :

لتاج الدين أصبح كل حر

حزين القلب باكي الطرف أوّاه

أقام بسوح بيت الله حتى

دعاه إليه أقبل ثم لبّاه

فتاريخ اللقا لما أتاه

جنان الخلد منزله ومأواه

وفيها (٣) : وقع عمارة ميزاب الرحمة للبيت الشريف ، ومن غريب

__________________

(١) النور السافر : ٢٢٦ والسناء الباهر : ٥٦٥. والمشرع الروي ١ : ١٩٦.

(٢) سقط هذا الخبر من مطبوعة النور السافر.

(٣) النور السافر : ٢٢٦.

٣٤٢

الاتفاق أن جاء تاريخ ذلك رحمة من ربك ، جعل هذا التاريخ الشيخ أبو بكر اليتيم باكثير المكي ونظمه في هذين البيتين فقال :

يا أيّها الملك الجليل ومن له

المجد الأثيل الفائق المريخا

ميزاب بيت الله جدد فاقتبس

نا رحمة من ربك التاريخا

وفيها : في شهر صفر توفي السيد الشريف الصالح علوي بن أحمد مرزق باعلوي رحمه‌الله.

٣٤٣

سنة إحدى وستين

فيها (١) ليلة ثلاثة عشر من ربيع الأول : قتل السّلطان محمود شاه بن لطيف شاه ، صاحب كجرات شهيدا ، وسببه أن رجلا من خدمه من أهل الهند اسمه ملك حسن برهان حي ، وهو من خواص السلطان وذلك في البلد المسماة محمود أباد ، وكان ممن يلبس السلطان ثيابه وأقرب الناس إليه دخل على السلطان وهو نائم فقتله ، وقتل معه ثلاثه من وزرائه أحدهما الوزير الصّالح آصف خان الآتي ذكره وذكر فضائله ، وأخوه خدا وندخان ، وأفضل خان مع جماعة قتلهم أيضا ، والفعلة كانت على ثلاثة أزوام (٢) من اللّيل وفك مخرخان من القيد ومخرجان عند الخواجا صفر الرّومي اسمه ياقوت ، وطلب الوزراء وعزم على قتلهم ، وكان معه جماعة في مكان قدام بيت السلطان محمود ، وقال لهم : كل من دخل عليكم اقتلوه ، وكان من عادته ما يطلب الوزراء للسلطان إلّا هو ، فأتى إليهم وقال لهم : السلطان يطلبكم بعد ما قتل السّلطان ، وليس عندهم علما بذلك ، وبعد أن الوزراء الباقين حذروا لسلامتهم ، وبعد ذلك طلب العرب الجميع وقال لهم : أنا السلطان ولاني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما سمعوا بذلك عبيد السلطان والعرب والحبوش والترك قتلوه ، وبقيت النّاس تموج أربعة أيام بلا سلطان فاتفق رأي الوزراء وولوا سلطانا أمه من قرابة السّلطان محمود ، وكان عمره

__________________

(١) النور السافر : ٢٢٦.

(٢) أزوام : جمع زام بالزاي بمعنى فترات.

٣٤٤

اثنتي عشرة (١) سنة والله أعلم.

وفي تلك الليّلة : قتل آصف خان الوزير الأعظم كما تقدم ، وكان وصل من مكة المشرفة إلى الهند بعد إقامته بمكّة أكثر من عشر سنين ، وكان رجلا صالحا جوادا ممدحا شريف النّفس عالي الهمة ذا تهجّد وأوراد ، واشتغل بالعلم حتى مهر في كثير من الفنون وزر للسلطان بهادر شاه ، ولما جاء السّلطان همايون إلى كجرات خشي السّلطان على حريمه ونفائس خزائنه ، فوكل على خزائنه وحريمه آصف خان المذكور ، وأرسله بها إلى مكة ، فمكث المدة المذكورة بمكة مشتغلا مع العلم بالعبادات وأنواع الطّاعات حتى حكي أنه في تلك المدة لا يعرف أنه ترك صلاة الجماعة مع الإمام بالمسجد الحرام فرضا واحدا من غير مرض ونحوه وكان محبّا لأهل العلم محسنا إليهم مؤلفا لأهل الفضل ، قال بعض العلماء : قد ذكرنا آصف خان ما يحكى عن الخلفاء المتقدمين والبرامكة ، وابان حقيقة ذلك وما ذكروه في التواريخ عنهم حتى قيل أنه أنفق بمكة في نحو سنة مائة وخمسين صندوقا ذهبا حتى ألبس أهل مكة نساءهم وخدمهم حلي الذهب الذي لم يعهدوا مثله وتوسّعوا في الملابس والمعايش بما لم يعرفوه قبل ذلك ، فجزاه الله خير الجزاء وأكمله وأتمه وأشمله وأفضله بمنّه وكرمه ، فلما بلغ أهل مكة خبر مصابه حزنوا عليه جدّا لما ينالهم من الإحسان بسببه ، ورثاه الشيخ العلامة عبد العزيز الزّمزمي المكي بقصيدة عظيمة يقول فيها :

أي القلوب لهذا الحادث الجلل

أطواده الشم لم تنسف ولم تزل

وإن نازلة في الهند قد نزلت

بلفحها كل حبر في الحجاز صلى

أعظم بنازلة في الكون طار بها

برا وبحرا مسير السفن والإبل

أخبارها طرقت سمعي فحملني

طروقها عبىء رزء غير محتمل

__________________

(١) في الأصل : اثني عشر.

٣٤٥

أهدت لأهل الحجاز الياس بعد رجا

واليأس بعد الرجا كالطعن بالأسل

وأصبح الناس في رهج وفي فكر

كثيرة ومزاج غير معتدل

أصم أذني به الناعي وأسمعني

أمرا به صرت مثل الشارب الثّمل

ومنها :

هل آصف خان وجدي لا يفارقني

أو تبلغ الروح مني منتهى الأجل

لهفي ولهف رجال العلم قاطبة

على إمام بتحقيق العلوم ملي

على الجواد الذي فاضت مكارمه

للآملين بما أربى من الأمل

مضى شهيدا إلى دار البقا ليرى

ما قدمت يده من صالح العمل

لقد أعد له عند النزول به

ربّ غفور رحيم أكرم النّزل

بكت عليه السما والأرض إذ فقدت

تهجدا عنه طول الليل لم يحل

وورد صوم ظماه عنه أدخله

جنات عدن من الديان في عجل

وكم طواف ببيت الله كان له

وكم وقوف بباب الله في وجل

سلوا مشاعر جمع كيف ليلتها

كانت تضيء ببدر منه مكتمل

وكان شمسا بها لما يحل منى

أيام تشريقها إشراقهن جلي

سقيا ورعيا لأيام سلفن بها

ونحن في مجلس سام لديه علي

إذ الزمان عزيز وجهه خضل

بغرة من محيّا وجهه الخضل

والعيش غض بما يوليه من نعم

لدن الحواشي بأنس منه منقبل

والدهر يلحظنا شزرا ويوهمنا

خديعة أنه عنا لفي شغل

فحين رد إلينا طرفه ارتجعت

يداه منا الذي أولاه من نحل

حتى رمانا فأصمتنا رمايته

عمدا بأسهم هذا الحادث الجلل

يا آصف خان لا يحصى تأسفنا

عليك ضبط بتفصيل ولا جمل

لقد فقدناك فقدان الربيع ولم

نجد بديلك (١) بعد الفقد من بدل

تفديك منا ألوف لو فديت بها

من خيرنا لا من الدّهماء والسّفل

__________________

(١) في الأصل عنك وأصلحناه من عندنا ليستقيم الوزن.

٣٤٦

إني لأبكيك للجود الذي فضحت

أنواؤه كل وسمي وكل ولي

أبكيت للعلم والعقل اللذين هما

عماد دنيا ودين الحازم الرجل

وللحجاز وأهليه إذا فقدوا

مألوف برّ إليهم منك متصل

وللصيام واحياء الظلام إلى

حين الممات بلا وهن ولا ملل

مسافرا ومقيما ما كسلت ولا

عجزت حوشيت من عجز ولا كسل

قد كنت بحر علوم زاخرا وندى

من فيضه كل بحر كان في خجل

ففاض ما فاض من أمواجه وطفا

منها وروّي الورى علّا على نهل

بموته مات ذكر الجود واندرست

منه الربوع ورسم المكرمات بلى

عذلت في قتله دهري فقال أما

أحطت علما بسبق السيف للعذل

لبىّ نداء المنايا عندما هتفت

به وسار لها يمشي على مهل

لاقته وهي كمين فاستكان ولو

بدت له لم تجده كان ذا فشل

فإنه كان ثبتا حازما حذرا

ولم يكن رأيه يوتى من الزلل

اباد أحمد آباد هول مصرعه

وباء بعد الإبا من فيه بالوجل

قدم محمود أباد الناس حين بدا

منها عنا ما به للناس من قبل

وريح نكبة كم باتت عواصفها

نكباء هبت خلال الدور والحلل

والنار شبت بشب النير من فتن

تموج كالبحر ملء السهل والجبل

والديوادوت بها أدواؤها وبدت

فيها أراجيف أهل الغل والنقل

فلا سلام على ميراث أن لبست

ملابس الحزن بعد الحلي والحلل

أوفى وسلطانه السّامي المقام معا

على انتهى الأجل المحتوم في الأزل

عّز القرى وأزمان المسرة قد

ولّت وكل محب بالهموم ملي

عبد العزيز عزيز ما أصيب به

على المشايخ والطّلاب والملل

عبد العزيز عزيز ما أصيب به

على شهامة أهل الملك والدول

عبد العزيز عزيز ما أصيب به

على مجالس أهل البحث والجدل

كانت تتوق لأهل الهند أنفسنا

كما نحقق أن العز في النقل

فمذ نعيت فآه والمنى وغدا

أبواب نيل الغنا مسدودة السبل

يلومني فيك أقوام ولو علموا

عذري لما أكثروا لومي ولا عذل

٣٤٧

محبب كل من يولي الجميل وقد

أوليتني جملا منها على جمل

ومنها في آخرها وفيه تاريخ السنة في قوله «أن قضى» :

شلت يمين الذي بالقتل فاجأه

عمدا وشيّن كف المجد بالشلل

يا من يسائل عن تاريخ مصرعه

عنه الجواب «أن قضى» فاكفف ولا تسل

عليه والله لا أنفك ذا أسف

أهدي إليه الدعا ما امتد بي اجلي

همت على روض قبر حله رقم

من الرضى ما همى دمع من المقل

وهي طويلة قدر ستة ثمانين بيتا فأتيت منها بهذا القدر وكلها محاسن رحم الله قائلها ومن قيلت فيه.

وفيها (١) : أخذ الإفرنج «الديو» من المسلمين.

وفيها (٢) : توفي السيد أحمد بن الشريف بن نمي بن محمد بن بركات صاحب مكة ، وهو الذي دعس بساط السّلطان سليمان بن سلطان الروم ، ولم يدعس غيره من سلاطين مكة وشوكته استقوت حياة أبيه ، وحكاياته مشهورة.

وفيها (٣) : توفي برهان نظام شاه الدكن (٤).

وفيها (٥) : قتل السلطان بايزيد بن السلطان سليمان العثماني ، قتله شاه طهمان (٦) بأمر أبيه السلطان سليمان.

وفيها (٧) : عزل الباشه أزدمر التركماني من اليمن وولي

__________________

(١) النور السافر : ٢٢٧.

(٢) النور السافر : ٢٢٧. وخلاصة الكلام : ٥٥.

(٣) النور السافر : ٢٢٧.

(٤) الأصل الركن وأصلحناه من النور السافر.

(٥) النور السافر : ٢٢٧.

(٦) النور السافر : طهماز وهو الصواب.

(٧) البرق اليماني : ١٠٥.

٣٤٨

الباشة (١) النّشار ، وكان وصول النشار من الأبواب وقد ملك الباشة أزدمر أبين وأحور ، وبنى حصن المحل وحصن في خنفر ، وكان عزله آخر السنة المذكورة عشرين ذي الحجة ، وعزم إلى الأبواب السلطانية من الصّليف في ستة عشر خشبة إلى سواكن يريد طريق البر إلى مصر.

__________________

(١) هو مصطفى النشار السابق ذكره أنظر البرق اليماني : ١٠٧.

٣٤٩

سنة اثنتين وستين

فيها : تولىّ اليمن الباشة النشار ، وكان وصوله أواخر المحرم أول شهر صفر إلى زبيد.

وفيها (١) : توفي الشيخ الإمام العالم العلامة الهمام حامد بن محمود الجبرتي (٢) رحمه‌الله تعالى نزيل مكة المشرفة ، وكان إليه النهاية في العلم والعبادة والتقشف ، ورثاه الشيخ عبد العزيز الزّمزمي رحمه‌الله تعالى :

أيها الغافل الغبي تنبّه

إن بالنوم يقظة الناس أشبه

وتأمل فإنما الناس سفر

دار دنياهم لهم دار غربه

كل يوم يحل في السوح منها

عصبة منهم وترحل عصبه

كيف يهنى الفتى بها وهو فيها

يشتكي دائما فراق الأحبه

واحد إثر واحد يتداعوا

للفنا يا لكربة بعد كربه

كل حلو بعد الأحبة مر

فحياتي من بعدهم غير عذبه

يا خليلي فرقة الخل والله

على النفس الكريمة صعبه

سيما خلك الخصيص الذي لم

يزل الجنب منك يلصق جنبه

الوفي الذي يسرك فعله (٣)

أن يسوءك الزمان يوما بنكبه

__________________

(١) النور السافر : ٢٢٧.

(٢) النور السافر : الجبروتي.

(٣) الأصل : فعلا وأصلحناه من النور.

٣٥٠

الحبيب الذي حوى كل وصف

حين يملي يملا القلوب محبّه

ذاك والله حامد خير خل

قط ما ذمّ صاحب منه صحبه

قد مضى حامد حميدا فما لي

بعده في الحياة والعيش رغبه

أي حفظ وأي إيراد لفظ

مستلذ ينسى أخا الكرب كربه

من جميع العلوم حاز فنونا

فتسامى بها لأرفع رتبه

نازعته إلى سمو المراقي

همّة أنزلت من الأفق نهبه (١)

بلغت غاية المطالب والأغراض

أحبابه الجميع وصحبه

لم يكن راهبا سوى الله لكن

كان فيه لله أعظم رهبه

كان يحي إلى الممات الليالي

آخذا بالنصيب من كل قربه

كم صلاة يطول وصفي فيها

قام عن فرشه لها وتنبّه

ومنها :

بكت الأرض والسماء فقد عبد

كان يعصي الهوى ويعبد ربه

وسيبكيه حين يفقد منه

رمضان إذا أتي أي أهبه

طال ما قامه وشمّر فيه

مئزرا واستحث قوما وأنبه

نم هنيئا فطالما في الليالي

سهرت مقلتاك دينا وحسبه

وسلام عليك ما حنت الورق

فأبكت على حبيب محبّه

روّح الله منك في الخلد روحا

وسقى صيّب الحيا منك تربه

ذفت أكثرها للاختصار ولو لا خشية التّطويل لأتيت بها كلها لحسنها (٢).

وفيها (٣) : كان موت السّلطان همايون بزبابر (٤) وتولى بعده ولده

__________________

(١) النور السافر : شيبه.

(٢) انظرها بنصها في النور السافر : ٢٢٧ ـ ٢٢٩.

(٣) النور السافر : ٢٢٩.

(٤) كذا في الأصل وفي النور السافر : ابن بابور قلت لعله بابر (انظر الدول الإسلامية : ٦٩٦).

٣٥١

السّلطان أكبر ، وكان سبب موته سقوطه من سقف ، فقال مؤرخ وفاته بالفارسي :

همايون بادشاه ، أزنام أفتاد.

سنة ثلاث وستين

فيها رابع شهر جمادى الآخرة : توفى الفقيه العلامة الولي الصالح جمال الدين الشيخ محمد بن عمر باجمال (١) بتشديد الميم ، وكان من الأكابر الصالحين ، وله رسائل في التّصوّف مفيدة ووصابا عديدة وهو صاحب عباده وورع وزهد رحمه‌الله تعالى ووفاته ببضة من وادي دوعن.

وفي آخرها ضرب الحيمر في الشحر ونواحيها ، ولم يزل الخراب والإضطراب بأهلها إلى سنة ثمان وستين كما سيأتي (٢).

__________________

(١) السناء الباهر : ٥٨٤ في حوادث سنة ٩٦٤.

(٢) سقطت سنة ٩٦٤ ولم ترد في الأصل.

٣٥٢

سنة خمس وستين

فيها (١) يوم السبت حادي عشر من شهر المحرم : توفي الشيخ الكبير القدوة الشّهير الولي العارف بالله تعالى الإمام العالم العلامة شهاب الدين الفقيه أحمد بن الفقيه عثمان بن محمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن عثمان بن عمر بن محمد بن الشيخ الكبير الولي الشهير سعيد بن عيسى بن أحمد شهر بالعمودي بتعز ، وكان رحمه‌الله من كبار أهل العلم والفتيا والتّدريس مع الورع التّام والزّهد العظيم والإقبال على الطاعة وكثرة العبادة والسّلوك على نهج السلف الصالح ولزم الخمول ، وترك ما لا يعني ، والإحسان الدائم على الفقراء والمحتاجين والطلبة والملازمين وكان مع ذلك من أهل الولاية العظيمة والتّصريف النافذ في الوجود وقيل يعرف إسم الله الأعظم وكان ينفق من الغيب ، وكانت الباشوات تعظّمه وتخضع لهيبته ، وكان من محفوظاته الإرشاد في الفقه ، وكانت تجيء إليه الفتاوى من البلاد البعيدة فيجيب عنها ، وكان ولي مدرسة تعز ، وكان ينفق جميع ما يصل إليه من وقفها على الفقراء والطلبة ولا يمسك منه لنفسه شيئا ، ولم يزل على ذلك حتى مات ، وبالجملة فإنه كان أوحد عصره علما وصلاحا ولم يخلفه بعده مثله ، وكان مولده بزبيد وبنيت عليه بعد موته قبة عظيمة رحمه‌الله تعالى ، وكان والده الفقيه عثمان بن محمد من أهل العلم والصّلاح وكان انتقل من بلاده قيدون إلى زبيد وهو شاب لتحصيل العلم

__________________

(١) النور السافر : ٢٣٣.

٣٥٣

فأخذ عن جماعة حتى برع في العلم وتزّوج هناك إمرأة ، فولدت له صاحب الترجمة هذا ، وهو الذي أخذ عنه وتخرج به الفقيه الصّالح علي بن علي بايزيد التولبي الدوعني صاحب «النكت على الإرشاد» والفتاوى المشهورة ، وكانت وفاة الشيخ عثمان في هذا القرن وتاريخ موته لم أعثر عليه ولهذا لم أفرده بالذكر في هذا التاريخ وإلا فهو حقيق بذلك ، وبنو العمودي أهل صلاح وولاية إشتهر منهم جماعة بالعلوم الظاهرة ومقامات الولاية الفاخرة ويقال أن نسبتهم ترجع إلى أبي بكر الصّديق رضي‌الله‌عنه وأما خرقتهم (١) ، فهي ترجع إلى الشيخ أبي مدين المغربي رضي‌الله‌عنه فإن جدهم الشيخ الكبير والعالم الشهير تاج العارفين ومربي المريدين الشيخ سعيد بن عيسى العمودي نفع الله به أخذها عن الشيخ عبد الله الصّالح رسول رسول الشيخ أبي مدين ، فهي كخرقة قطب العارفين وإمام الأوليا المتمكنين الشيخ الكبير الفقيه محمد بن علي مقدّم التربة نفعنا الله به ، حكى : أن الشيخ أبا مدين أرسل تلميذه الشيخ عبد الرحمن المقعد من الغرب (٢) نائبا عنه وأمره بالذّهاب إلى حضرموت ، وقال له : إن لنا فيها أصحابا سر إليهم ، وخذ عنهم عقد التحكيم وأخبره انه سيموت في أثناء الطريق ، فكان كذلك فمات بمكة المشرفة ، ثم أرسل تلميذه الشيخ عبد الله الصالح كما أمره شيخه ، وقال له : إذهب إلى حضرموت تجد فيها الفقيه محمد بن علي يقرأ في الفقه على الفقيه علي بن أحمد بامروان وسلاحه على رجليه موضوع فأطلبه من عنده وحكمه ، ثم إذهب إلى قيدون تجد فيها الشيخ سعيد بن عيسى العمودي فحكمه ، فلما قدم إلى تريم وجد الفقيه بتلك الصفة التي ذكرها له شيخه ففعل ما أمره ، وذهب إلى قيدون كذلك ، وكان الشيخ سعيد أحد كبار مشايخ حضرموت مشهورا بالولاية الكاملة والكرامات العظيمة ، وكان كاملا مربّيا مسلّكا ، وبه انتفع الشيخ أبو معبد وغيره ، وله في ناحيته ذرية مباركون وأتباع وزاوية لهم مشهورة ،

__________________

(١) أي سند لبس الخرقة الصوفية.

(٢) النور : المغرب.

٣٥٤

وروي عنه أنه قال : زيارتي بعد وفاتي أفضل من زيارتي في حياتي ، وروي عنه أيضا أنه قال : من أحبني أو أحب من أحبّني أو زارني أو زار من زارني أو صافحني أو صافح من صافحني فأنا ضمينه بالجنة.

وحكي عنه : أنه عمر في القطبية ثمانية عشر يوما ، وروي عنه أيضا أنه قال : من رضي بي شيخه فليشهد الله على نفسه أنه رضي بي شيخه دنيا وأخرى ، وأنا شيخه ولا يمدّ يده إلى أحد ، وروي عنه أنه قال : من زارني ثلاث مرات يتعنى ماله حاجة إلا زيارتي فأنا ضمينه بالجنة ، وكان الشيخ سعيد رضي‌الله‌عنه أميا ويرد على الفقهاء في المسائل الفقهية وعلى القاري إذا غلط أو لحن ، وتوفي سنة إحدى وسبعين وستمائة وتربته مقصوده للزيارة والتبرك نفع الله به آمين.

وفيها : ليلة الجمعة ثمانية وعشرين مضت من ربيع الثاني : توفي السيد الشريف الولي الصالح أحمد بن علوي مقيبل باعلوي وعمره نيف ومائة سنة رحمه‌الله تعالى.

وفيها يوم الثلاثاء وقت الظهر : توفي الولي الصالح شهاب الدين المعلم أحمد بن عمر بادهمج بمكان يسمّى البرح قريب البلد المسماة عرف وحمل إلى الشحر ودفن بها ضحى يوم الأربعاء سادس وعشرين رمضان رحمه‌الله تعالى ونفعنا به.

وفيها يوم الاثنين ثاني ذي القعدة : توفي السيد الشرف شهاب الدين أحمد بن محمد شنبل باعلوي رحمه‌الله تعالى وبينه وبين المعلم بادهمج خمسة أيام.

وفيها : توفي السيد الشرف جمال الدين محمد بن عقيل بن أحمد بن عقيل باعلوي بتريم رحمه‌الله تعالى.

وفيها : انتقلوا آل علي بن بدر الكثيري إلى القبلة في شهر صفر ووصلوا عند الشريف ناصر بن أحمد الجوفي وأقاموا إلى آخر جمادى الثاني ، ورجعوا يبغون حضرموت ، فلما كانوا قريب من ريدة الصيعر

٣٥٥

إعترضهم الأمير سعيد بن عطيف من هينن هو وجماعة من نهد والحمدة بنو شبيب وغيرهم ، خيل وركاب وبنادق ، فالتقوا فقتل يماني بن عبد الله وولده والسّويبق عبد الله بن يدرين يماني ، ومعطى ولد بدر بن علي ، وأخوه عبد العزيز بن بدر بن علي ومعهم جماعة من الشاوين بني شبيب ، قتلوا منهم أربعة أيضا وأسروا الباقين نحو عشرين رجلا ودخلوا بهم هينن وقيدوهم ، وذلك بسبب قتل عامر بن رضيم الشبيبي المكنى هجلان ، آخر شهر الحجة سنة أربع وستين الذي قبل هذه السنة المذكورة ، قتله السويبق الكثيري المذكور أولا ، والله أعلم.

٣٥٦

سنة ست وستين

فيها (١) : توفي الإمام عبد القادر الشافعي رحمه‌الله تعالى ورثاه صاحبه الأديب الفاضل السيد محمد السمرقندي نزيل طيبة المشرفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام بهذه القصيدة.

مات الإمام فعيشي بعده كدر

ودمع عيني لا ينفك ينحدر

قضى ولم يقض لي من وده وطر

وأصبحت دوره بعد العلا الحفر

قد كنت أحذر هذا اليوم من عمري

لو كان ينفع في مقدوره الحذر

حتى رميت بسهم ليس يمنعني

منه صديق ولا خدن ولا وزر

مالي وما لليالي كلما جنحت

سالمتها وهي لا تبقي ولا تذر

حملت من جهلها ماليس يحمله

قلب وما عجزت عن دركه الفكر

وأنت يا رائحا عني وتاركني

ونار وجدي في الأحشاء تستعر

إن جئت دارا أعز الله جانبها

وجادها المزن لا ينفك ينهمر

بلغ سلامي إلى من بالتراب ثوى

ما كان ظني فيه ينزل القمر

بلغ تحية محزون إلى جدث

به الذي طاب منه الخبر والخبر

إمام مكة عبد القادر ابن أبي

اليمن الذي خير من قد أنجبت مضر

__________________

(١) النور السافر : ٢٣٦.

٣٥٧

من تبعة المصطفى الهادي أرومته

أكرم بفرع بذاك الأصل يفتخر

يا ابن الأئمة والقوم الذين هم

على الحقيقة فينا الأنجم الزهر

إليك قد كان يعزي الفضل منتسبا

واليوم فيك يعزّى البدو والحضر

تبدي التّواضع للإخوان منبسطا

ولو وضعت على هام لهم شكروا

كم خطبة لك عند البيت فائقة

بها تسلسل عن خير الورى الأثر

لله كم من مقام بالمقام لكم

حلت بترديده الآيات والسّور

يبكي المقام على هذا الإمام كما

يبكيه منبر بيت الله والحجر

أبكي عليه وهل يشفي البكا كبدا

كادت لموقع هذا الخطب تنفطر

قد كان يجدي التأسي عنك دمع أسى

لو كان مثلك في أم القرى بشر

سقى ضريحك صوب المزن منتحبا

حتى يضاحك أقصى تربه الزهر

تاريخه «جنة الفردوس منزله»

ثم الصلاة على من حفّه الحجر

انتهى ما لخصته من هذه القصيدة وهي أكثر من هذا فآثرت الاختصار.

وفيها (١) : قتل الوزير عماد الملك رحمه‌الله يوم سابع وعشرين في رمضان ، وقتل معه جماعة منهم مصطفى القرماني عيدال (٢) خان وغيره قتلهم رجب خداوند خان ، ولد الخواجا صفر.

__________________

(١) النور السافر : ٢٣٧.

(٢) النور : عيدل.

٣٥٨

سنة سبع وستين

يوم (١) الجمعة تاسع وعشري شهر رجب الحرام : توفي الشيخ الكبير والولي الشهير قدوة العارفين وحجة الله على السالكين وجيه الدين عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد بن عثمان بن أحمد بن محمد العمودي وهو الذي يلتقي نسبه مع ابن عمهم الشيخ أحمد بن عثمان الذي تقدّم ذكره بمكة المشرفة ، ودفن بالمعلاة ، وقد تقدم ذكر أبيه الشيخ عمر المدفون بالقنفدة ، وكان صاحب الترجمة الشيخ عبد الرحمن من الأولياء الصالحين والمشايخ العارفين كثير العبادة والإجتهاد عظيم الورع والزهد والمثابرة على الطاعة والأعمال الصالحة مع الإشتغال بالعلوم النافعة وكان مشاركا في كثير من فنونها ، وكان يحفظ «الإرشاد» في الفقه ومن مشايخه الشيخ أبو الحسن البكري والشيخ الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي ، ومن تصانيفه حاشيه على «الإرشاد» ، وكان أراد محوها فمنعه الشيخ ابن حجر من ذلك ومنها «النور المذرور» ، وكان كثير التعظيم لأهل العلم مع الخمول المفرط والتواضع الزايد والاستقامة العظيمة والانقطاع إلى الله ، فلم يتزوج لذلك مدة عمره ، مقبلا على الطّاعة مذ نشأ ، روي أنه قدم تريم لزيارة من بها من المشايخ فاجتمع بالشيخ الكبير الولي العارف بالله شهاب بن عبد الرحمن أبو الشيخ علي باعلوي ، فأخبر بأنه اجتمع بالإمام الغزالي في غرفة بداره من طريق الكشف واستجاز منه كتبه

__________________

(١) النور السافر : ٢٣٧.

٣٥٩

فأجازه بها ، فطلب منه الشيخ عبد الرحمن أن يجيزه بالإجازة المذكورة فأجازه بذلك ، وكانت له أحوال فاخرة وكرامات ظاهرة ، قال الفاكهي : ومناقبه أفردتها برسالة ، جاور بمكة المشرفة سنينا ومات بها رحمه‌الله وكان لا يقبل من أحد شيئا ، وحكي أن الشريف أبو نمي سلطان مكة أرسل إليه مائة دينار فلم يقبلها واستحى ذلك الرّجل أن يردها على الشّريف ، فبقيت عنده حتى مات الشيخ عبد الرحمن نفع الله به ، فأخبر الشريف عند ذلك فأمره أن يدفعها إلى السيد الشريف عبد الله بن الفقيه باعلوي الآتي ذكره ، قال الفاكهي : وسمعت من لفظ شيخنا صاحب الكرامات الباهرة والمجاهدات المعلومات الظّاهرة ولي الله عبد الرحمن العمودي نفع الله به ، يقول : أن شخصا من آل العمودي يخرج من مقبرة المعلاة ، وهو من السبعين الألف الشافعين (١) ولا أعلم في المعلاة من العموديين أجل منه ، وإن كان بها عمّه وآخرون منهم ، بل سمعت منه أيضا ما دلّ دلالة صريحة [أن](٢) أباه الشيخ عمر المدفون بالقنفده من السّبعين الألف الشافعية (٣) ولا يستعظم هذه المنقبه عليه وعلى أبيه إلّا جاهل بحالهما ، ولو من مخالطيه ، ومن نظمه هذه الأبيات في القهوة قوله :

أسرار قهوتنا خذها مبيّنة

تعين سالكنا في الليل ما سهرا

وتشرح القلب والأعضاء تنشطها

وتذهب الهم والأحزان والكدرا

فاشرب فديتك منها ما قدرت له

وقم نصحتك بالأسحار ما يسرا

واخلص لنا (٤) نية مهما شربت لها

وكن كسوبا (٥) بها الخيرات مدخرا

واقتد بشرابها من مضى خلفا

ذوي الصّلاح ولا تقتد بمن خسرا

واسأل الهك أن يفضل برحمته

على نبيك خير الخلق والبشرا

__________________

(١) الأصل : الشافعية.

(٢) ساقط من الأصل.

(٣) كذا في الأصل وفي النور : الشافعين وقد سبق مثله.

(٤) النور : لدى.

(٥) النور : كئيسا.

٣٦٠