تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه

تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

المؤلف:

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

القهوة.

وفيها أول شهر جمادى : سار علي بن عمر بن جعفر وآل يماني إلى حضرموت وأعطوا آل يماني تريم بالعدالة.

وفي ربيع الأول وشيء من الثّاني : أخرف السلطان بدر بالجرادف (١) ولبث فيها ثلاثة وعشرون يوما ، وأخوه محمد بالمشقاص ، فلما أتاه الخبر أن أخاه طلع إلى حضرموت في ربيع الثّاني طريق قشن هم بالعزم ، وبعد إنه أفسح في تلك الأيام ، فلما وصل السلطان محمد إلى حضرموت عصّب القبائل وحالفهم ، واصطلح هو والمتروكين أهل مشطة والواسطة وهم الصّبرات وآل عمر والعبيد ، وعدل لهم غيل بن ثعلب ، وعدّلوا له مشطة وقيل الواسطة ، وحالف آل عامر ، دخلوا عليه إلى القارة وعدّلوا له صليع (٢) وعّدل لهم دروعا ، وعصب آل بور ، ومع وصوله حضرموت دقوا ناس من آل باجري مقدمهم عبد الله بن محمد بن زامل باجري في مقيبل وحصونها وبندروا (٣) فيها ، وفي حضرموت الأمير عطيف وعبد الله بن علي الرهينة من جهة السلطان بدر ، فلما اختلف السلطان محمد والقبائل المذكورين أخرج السلطان بدر علي بن عمر الكثيري من جهته ، وأخرج معه آل يماني ، وأولاد أحمد بن محمد بن سلطان ، وهم عبد الله بن محمد ، وراصع بن محمد ، وشدّاد بن محمد وعلي ، وجعل تريم لهم بالعدالة ، وكان مخرجهم هم وعلي بن عمر ليلة الاثنين وأربع في جمادى الأولى من السنة المذكورة ، ثم لما ساروا عقّب بعدهم بيومين كتاب من الأمير عطيف ومن آل عبد العزيز : إنك تصل بنفسك فخرج هو وبعض عبيده ، وبعض عسكر في اللّيل ليلة الأربعاء الثاني عشر من جمادى

__________________

(١) الجرادف : غيضة من أعمال الشحر يخترف فيها الناس ، وبها عين من الماء وآبار (معجم بلدان حضرموت للسقاف خ).

(٢) كذا في الأصول ووردت في المصادر : صيلع ، وانظر جواهر تاريخ الأحقاف ٢ : ٦٤.

(٣) كذا في الأصول وفي العدة ١ : ١٨٩ «تبددوا».

٢٨١

الأولى.

وفيها بربيع الثاني : توصّل من مصر ثمان خشب برش كبار فيهن زاد وعدّة وعسكر أروام نصرة لأهل اليمن ، وقد أوهموا النّاس أنها تجريدة للافرنج فما قدّر الله إلا أنها لخراب اليمن.

قلت : لما خرج السّلطان بدر إلى حضرموت بالتاريخ السابق ، وهو ليلة الأربعاء الثاني عشر من جمادى الأولى بنى حصن الريدة بقرن العليب يقال (١) له الصاخه (٢) على بيرمورد لأهل تلك الناحية ومنعه ، ووصلوا إليه آل دويس وهم عبد الله بن محمد بن أحمد بن سلطان وإخوته راصع وعلي وناس من آل عمر والعبيد وتحالفوا هم وإياه بأن تريم تعدل لآل دويس وعليهم التبعة للسلطان وحدد (٣) بلد تعدل لآل عمر وعليهم التّبعة ، وسار هو وإياهم إلى حضرموت ، والسلطان محمد بالقارة وانتقلوا إليه آل باجرى ، والسّلطان نزل عقبة شحوح ، ودخل سيؤون يوم الجمعة الثاني والعشرون من جمادى الأولى.

وفيها يوم الأربعاء خامس وعشرين جمادى الأولى : أخذ السّلطان بدر القارة من أخيه السلطان محمد بعد أن حصرها وضيّق على أهلها وأخذها قهرا.

وفيها ليلة الأربعاء سابع وعشرين في الشهر المذكور : توفي جمال الدين محمد بن بدر بن عبد الله الكثيري رحمه‌الله تعالى.

وفي ليلة تسع وعشرين من ذي الحجة : أخذ السلطان بدر الهجرين من آل عامر من آل علي بن فارس وأخذ جميع بلدانهم وبنى عليهم حصنا في السور.

__________________

(١) في الأصول فقال له : وأصلحاه من العدة.

(٢) العدة : الصاحة بالحاء المهملة.

(٣) كذا في الأصل (ح) وفي (س) وجدد وانظر العدة ١ : ١٩٠.

٢٨٢

وفيها لاثني عشر ليلة خلت من ذي الحجة : توفي الشيخ الصالح أحمد بن الشيخ محمد باكريت بصيحوت رحمه‌الله.

وفيها ليلة الأحد الثالث من جمادى الأولى : توصّلت جلبه من زيلع. [فيها الشريف محمد الشاطري والشريف ، باساكوته منتقلين من زيلع](١) من خرابها وجور سلطانها ، وخراب بر سعد الدين ، وذكروا الطعام فيها ما يوجد وذكروا السجد (٢) في بر سعد الدين ، بثمانية محلقة ولا يطير الطائر من الخوف من السّومال (٣) ولا عاد للقراد هيبة ، ولا له معقول أبدا الله يكون في عون المسلمين.

وفيها بربيع الثاني : دخل مركب شاحن فوة من المخا باغي (٤) الهند زادت عليهم الجمة (٥) لغيار في المركب فدخلوا حيريج فنجلوا (٦) منه بعض حمله ليصلحوه فجاءهم غرابان إفرنج أحدهما كان تواهي في دهلك والآخر قد كان بالمشقاص ، واجتمعوا بالمكلا ومرّوا على الشّحر ، ووصلوا حيريج وأخذوا المركب وفكوه في قشن بجملة دراهم ، وسافروا إلى الهند عن الإفرنج لا صحبهم الله سلامه.

وفيها (٧) توفي الشيخ الكبير العارف بالله تعالى الشهير شجاع الدين سلالة الأفاضل الأكرمين عمر بن أحمد بن محمد بن عثمان بن أحمد بن عثمان بن عمر بن محمد بن الشيخ الولي الكبير سعيد بن عيسى بن أحمد

__________________

(١) ساقط من (س).

(٢) كذا في الأصول وعلق في هامش (ح) : السمن (ظنا).

(٣) السومال. والصومال : جمهورية إسلامية بأقصى القرن الإفريقي بين خليج عدن والمحيط الهندي ، يسكنها شعب مسلم يتكلم لغة حامية هو الشعب الصومالي (الموسوعة العربية الميسرة ٢ : ١١٣٧).

(٤) باغي : يبغي. يطلب.

(٥) كذا لعل صوابه «الحملة».

(٦) نجلوا : نقلوا.

(٧) النور السافر : ٢٤٠ (حوادث سنة ٩٦٧ ترجمة ولده عبد الرحمن بن عمر).

٢٨٣

الشهير بالعمودي نفع الله به ، توفي بالقنفدة بعد قفوله من الحج بمكة المشرفة ، وكان الشيخ عمر نفع الله به من كبار أهل العلم ، وكان يدرس ببلدة قيدون ويفتي بها.

ويحكى أنه ارتفع إليه اثنان في دعوى ، وكان أحدهما على الحق والآخر على الباطل فأشار عليهما الشيخ أن يصطلحا سترا للحال ، فأبى ذلك الرجل الذي كان مبطلا وقال : لا أرضى إلا بحكم الشرع ، فغضب الشيخ عند ذلك وقال أما إذا كان هكذا فشهود الملاحف (١) لا يجوزون عندي ، وكان ذلك الشخص أعطى اثنين كل واحد ثوبا حتى يشهد له فكاشفه الشيخ بذلك ، وحكى ولده الشيخ عبد الرحمن المتوفي بمكة الآتي ذكره إن شاء الله تعالى : أنه كان في مجلس وفيه جماعة من أهل الكشف فصدر من أحدهم سوء أدب عليه فعوقب ذلك الرجل بالسّلب في الحال ، وحكى أن الشيخ عمر رضي‌الله‌عنه بلغ رتبة القطبية (٢) وكان قد ولي المشيخة ببلده قيدون بعد أبيه على طريقة سلفه ، فلما آل الأمر في ذلك إلى سفك الدماء ونحوه ورجوع تلك الرتبة إلى قوانين الملك ترك ذلك وعزل نفسه زهدا فيها ورغبة فيما عند الله من الثواب ، وكان في زمنه يسوس الخلق على قانون الشرع الشريف ولا يحابى في الحق القوي على الضعيف ، فكرهته العامة لذلك وعزموا على أنهم يقتلونه (٣) ، ويولون مكانه أخاه عثمان ، فأخبر بذلك فقال : ما يحتاج إلى هذا وتركهم وما يريدون ، وعزم إلى مكة المشرفة ، فلما قفل منها مات بالقنفدة وقبره بها مشهور وعليه بناء عظيم يزار قبره ويتبرّك به ، ولم أقف له على ترجمة ولا ذكر

__________________

(١) الملاحف : جمع ملحفة وهو رداء يوضع على الكتف. وفي القاموس : اللحاف : كل ثوب يلتحف به أي يتغطى به.

(٢) القطبية من مصطلحات الصوفية والقطب عبارة عن رجل واحد موضع نظر الله تعالى من العالم في كل زمان ، ويسمى بالغوث ، وقطب الإرشاد ، وقطب المدار. أنظر (معجم مصطلحات الصوفية : ٢١٧).

(٣) كذا في الأصل وفي النور السافر : يقتلوه.

٢٨٤

مشايخه ومقروءاته ، بل نقلت هذا من تاريخ السيد عبد القادر ذكره في ترجمة ولده عبد الرحمن لأنه ذكر أنه لم يقف على تاريخ ، قال السيد في آخر الكلام عليه : وهو غني بفضله وشهرته تغني عن الاطناب في ترجمته وفي أمره.

٢٨٥

سنة ثمان وأربعين

قال الفقيه عبد الله بامخرمة : في ليلة الأربعاء ثاني شهر محرم وصل غراب كبير من سرة (١) منير وله قصة ، وكان ذلك أنه كان قد وصل إلى الباب في شهر ذي القعدة ، وكان بالباب غرابين أو ثلاثة من الإفرنج ، وهم كانوا قد وصلوا على مرور التجهيز ، ولما أن وصلوا وقفوا فقدّر الله أن هذا الغراب المنيري وصل إلى الباب فاستولوا عليه الإفرنج وصروا به إلى جهة المشاقيص (٢) فلما حاذوا عدن وجدوا سنبوقا لرجل من أهل الشّحر محمد بن طاهر وهو فيه وابنه وصلوا من بربرة (٣) فأخذوهم الإفرنج وغرقوا سنبوقهم وطلعوهم في الغراب المنيري وصروا ، فلما وصلوا بروم ، استقوا منها ، وكان غراب من جملة الغربان لا يزال مصاحب للغراب المنيري وذلك بعد أن طلعوا فيه من جماعتهم أعني الإفرنج تسعة أنفار ، وأخذوا من التجار جماعة عندهم في غربانهم ، فقدّر الله أنهم لما حاذوا بندر المكلا ضرب عليهم طوفان فرقهم ، وبقي الغراب المنيري وحده ، فأجمع رأي المسلمين على رأي التسعة الأنفار الذين معهم فقاتلوهم وصروا إلى عدن ، فوصلوها وقت العشاء من ليلة الأربعاء والحمد لله.

وفي المحرم أول هذه السنة : أخذ (٤) السلطان بدر رخية صنا

__________________

(١) كذا.

(٢) في (س) المشقاص. والمشقاص بلد معروف سيأتي ذكره.

(٣) بربرة. أو بربرا مرفأ في الصومال على خليج عدن (المنجد : ١٢٣).

(٤) تاريخ الدولة الكثيرية : ٤٦. والنفحات المسكية ٢ : ١٢٣.

٢٨٦

وأعمالها وأخذ شبوة أيضا وآل عامر في السور إلا محمد بن علي بن فارس فإنه سار إلى القبلة وعنق محصورة من أهلها وحريضة محصورة من أهلها.

وفي يوم الاثنين والعشرين في الشّهر : وصل سنبوق إلى الشحر فيه أوراق أن السلطان أخذ الهجرين بموالاة أهلها ، وأخرج منها ثابت وأولاد أخيه محمد بن علي في خفارة ناس من آل كثير إلى السور.

وفي هذه الأيام : وصل الخبر أن أخاه محمد بن فارس وصل إلى صنعا إلى الإمام شرف الدين مستنصرا به على الكثيرى.

قلت : وفي يوم الثلاثاء حادى وعشرين الشهر : توفي الفقيه الإمام شيخ الإسلام مفتي اليمن الشيخ الشهاب الدين أبو العباس أحمد بن الطيب البكري التيمي القرشي الشهير بالطنبداوي (١) الزبيدي رحمه‌الله تعالى ، وكان أحد أعيان فقهاء زبيد والمشار إليه في زمانه وبه تفقه الفقيه وجيه الدين عبد الرحمن بن زياد وغيره وكان يقال له الباز الأشهب كتسمية الإمام العلامة أبو العباس بن شريح (٢) رحمه‌الله تعالى.

وفيها في صفر : أخذ السلطان عنق وحريضة أخذوهن (٣) أهلهن للسّلطان وهو حاصر السور.

وفي هذه الأيام : ورد الخبر أن محمد بن علي بن فارس رجع إلى بلده من عند الإمام بغير قضاء حاجة ، ودخل على السلطان إلى سيؤون فقبله ، وقد سقطوا أصحابه على السّلطان فقبلهم ، ودخلوا له في كل ما أراد على أنهم يبقون في السّور فقط وأن يبني عليهم حصن فيها ولا عادلهم

__________________

(١) النور السافر : ٢٠٦. والنفحات المسكية ٢ : ١٢٣.

(٢) وهو كذا في حياة الحيوان ١ : ١٠٩ والصواب ابن سريج بالسين المهملة والجيم قال الشيرازي في طبقات الفقهاء : ١٠٩ أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج مات ببغداد سنة ٣٠٦ وكان من عظماء الشافعيه وكان يقال له الباز الأشهب.

(٣) كذا في عبارات المؤلف على لغة أكلوني البراغيت ، وقد ورد مثلها في حديث الدجال «أنه تلده أمّه فيحملن النساء بالحطائين «أنظر اللسان ١ : ٦٧».

٢٨٧

ربع ولا لزم ولا غيره مما يعتاده القبائل أبدا.

وفي اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الثاني : توفي الفقيه العلامة الصالح عثمان بن محمد العمودي رحمه‌الله بسبيخ (١) من دوعن ودفن بها.

وفي نحو النّصف من ربيع الثاني (٢) : وصل شخص من زبيد رومي كان بعدن ، وسار منها إلى زبيد ورجع منها بمراسيم إلى عدن أن الباشة ولّاه نظر الأوقاف بعدن ولحج ، وأن يقبضها ويصرفها في مصارفها مع كلام يعرف باطنه من ظاهره فاستولى عليها.

وفيها بشهر رمضان : وصل الخبر أن آل عامر (٣) والشيخ عثمان (٤) وآل المسفله اختلفوا.

وفيها آخر رمضان : وصل الخبر أن السّلطان هجم قيدون ونهبها نهبا ذريعا وفعل فيها عسكره أفعالا قبيحة ، وخرج النساء والصبيان إلى المساجد ، فدخل منهم أعني النساء والصّبيان جماعات إلى جامع قيدون وقت الفجر وامامه القاضي الفقيه الصّالح الزاهد العابد عبد الله بن عم بابشير ، والشيخ عثمان في بضه وعنده جماعة من آل عامر ، ثم أن سيبان باهبري وأصحابه دخلوا قيدون في اللّيل وأخرجوا عبد الله بن الشيخ وأخاه محمد وأخرجوهم من الحصن ومكنوه وأشحنوه طعاما وماء ، والقاضي بابشير يريد يصلي الفجر فلما دخلوا من الباب صاح (٥) في وجهه وولوا فانزعج وشهق ومات فجأة رحمه‌الله تعالى ، في مقامه ذلك ، ثم أن السلطان وصل وأخرب كريفها (٦) وذكروا أنه يريد يخربها كلها وينقل أهلها

__________________

(١) سبيخ : يرد اسمها في بعض المصادر بصبيخ بالصاد المهملة (أنظر الحديث عنها بتوسع في الشامل : ١٧٦).

(٢) النفحات المسكية ٢ : ١٢٤.

(٣) ترد آل هنا بمعنى أهل أو (سكان) وهي صحيحة يقال آل الرجل أي أهل الرجل.

(٤) يعني العمودي.

(٥) كذا في الأصول وأصلحه في العدة : «صاحوا».

(٦) كريفها : الكريف. الحوض يجتمع فيه الماء ، وحول هذه اللفظة أنظر بحث الكرملي

٢٨٨

إلى صيف انتهى ، قال باسنجلة : وحصر حصن قيدون وفيها عبد الله بن الشيخ أحمد العمودي أخو الشيخ عثمان ، والشيخ عثمان في بضة.

قال باسنجلة : وفيها في ربيع الأول من تجهيز الافرنج إلى الشحر راجعا من الشّام ، وقد تقّدم ذكر مدخله السّويس ، فرجع خذله الله في تغليق البحر في السبعين بعد المائتين في النيروز بعد أن دخل بروم ونهبها ودخل قشن واستقى منها ، وكان بين دخوله إلى الشّام ورجوعه إلى جوه ستة أشهر ، لأن مخرجه من جوه في رمضان سنة سبع ورجوعه إلى جوه في ربيع الأول في هذه السنة.

وفيها في جمادى الآخرة (١) : رخصت الأسعار وعم الغيث والرحمة والخير بضدّ ما كان في السنة التي قبلها من الغلاء والقحط ، ولله الحمد.

وفيها بجمادى الآخرة : جهز (٢) الإمام شرف الدين جيشا عظيما وعساكر كثيرة معهم أبناه شمس الدين وعز الدّين من صنعاء إلى الجوف لحرب الشريف ناصر بن أحمد وأصحابه لأنهم مخالفين عليه في الجوف ، فهرب ناصر وأصحابه إلى جبل دهمة ، وهو جبل منيع ، وبقيت محطة الإمام بالجوف وأخرب أبراد (٣) وصالحوه الجوفان وقبلهم ، وكان الحسين بن عبد الله أخو الشويع وأصحابهم من جنود الإمام شرف الدين ، وكذلك وزيره يحي النصيري.

وفيها أواخر ذي القعدة وأوائل شوال : عزل باشة اليمن مصطفى الذي ولّاه الباشة سليمان الطواشي زبيد ، وتولىّ الباشة مصطفى نشار (٤) وصحبته عسكر أربعمائة رومي.

__________________

في بلوغ المرام : ٤٣٣.

(١) النفحات المسكية ٢ : ١٢٣.

(٢) روح الروح : ٦٠.

(٣) أبراد : واد معروف من ناحية مارب فيه قرى ومزارع لقبائل عبيدة «المعجم : ٧».

(٤) في الأصول بدون نقط وأثبناه من البرق اليماني : ٨٨.

٢٨٩

وفيها : توفي الفقيه العالم العلامة النحوي اللّغوي الولي الزاهد الشيخ وجيه الدين عبد الرحمن بن الشيخ أحمد بن الشيخ محمد العفيف الهجراني بالهجرين رحمه‌الله تعالى.

قلت : وقفت على كتاب كتبه الشيخ عبد الرحمن هذا إلى الفقيه عبد الله بن عمر بامخرمة رحمه‌الله تعالى ، وهو : رأيت في كتاب منك تذكر لي فيه الفضائل والفواضل فأشكل علي ذلك وكذا رأيتها بخط الإمام العلامة شارح «الروض» الإمام زكريا ، فلم أدر ما معنى الفضائل والفواضل ، وما الفرق بينهما ، فكتب إليه الفقيه عبد الله : سألتم عن معنى الفضائل والفواضل فقد أودع المملوك تمثيل ذلك هذين البيتين فيكم :

إن الفضائل والفواضل فيكم

سمعت فصرتم قدوة لمن اقتدى

فالعلم من إحدى الفضائل عندكم

والجود من بعض الفواضل والنّدى

وفيها وفي التي تقدم قبلها : ذكر تجريدة الإفرنجي التي وصلت السويس ، وإنهم لما دخلوا دهلك طلّعوا (١) إلى برّ الحبشة خمسمائة افرنجي معونة لملك الحبشة الحطى ، لما غلب عليه الإمام المجاهد أحمد بن إبراهيم الماخضي ، وملك جميع الحبشة ، وملك بعض أولاده ، فاستغاث بالأفرنج فخرجوا له وطلعوا الحبشة بعددهم واجتمع اليهم النّصارى أهل الحبشة واقتتلوا هم والمجاهد فكسروا المجاهد ، وظهرت شوكتهم وارتاع المجاهد والمسلمون وخشيوا (٢) الظهور عليهم وأمدتهم الحبشة ، وتعب المجاهد تعبا عظيما وحصلت الريبة عند العسكر فأرسل الإمام المجاهد الى زبيد إلى الباشة مصطفى نشار الرومي فأمده بخمسمائة رومي بعددهم ، فطلعوا من ساحل بيلول وعلم المجاهد بوصولهم فأرسل إليهم الجمال والزّاد وجميع ما يحتاجون إليه فحصل بينهم بعض مشاجرة

__________________

(١) طلّعوا وطلّع : سبق مرارا وهو هنا بمعنى أطلع من الفعل طلع (هنا بمعنى صعد) طلّع على وزن قفل وقد ورد مثله ميّز وقدّر.

(٢) كذا ترد عند المؤلف على أصلها والصواب حذف الياء خشوا.

٢٩٠

رجع منهم جماعة إلى بيلول ووقفلوا بالساحل والباقين طلعوا إلى المجاهد فقاتلوا معه الإفرنج فنصرهم الله ، والأروام يطمعون على المجاهد وانتدبوا له جماعة مفادين (١) ودخلوا عليه خيمته ، وقالوا : نبغي هذه الساعة عشرة آلاف أوقيه ذهب وإلا قتلك فأجابهم بأحسن جواب وأعلم أصحابه بذلك ثم فعلوا آخرين كذلك ، فلما عرف حالهم وقدر الله سبحانه النصر على الإفرنج حتى أبادهم إلّا نحو خمسين شردوا هم وملك الحبشة ، فجهز المجاهد الأروام بلطافة وحسن تدبير وأعطاهم ألفين أوقيه ذهب وأرسل للقرى الذين يمرون عليهم أن ينتقلوا منها لا يقع منهم شيء عليهم ، وأعطاهم الزاد والدّليل حتى خرجوا إلى ساحل بيلول وسافروا إلى زبيد ، وأما الإفرنج فأمدّوا أصحابهم الذين بالحبشة بخمسة غربان شاحنة افرنج فلما دخلوا باب المندب علموا الأروام ، وفي بند عدن تسعة غربا أروام ، وكان ذلك حال وصولهم من بندر السويس تجريده مستقلة أميرها رجل عربي ، وصيّتوا (٢) لمّا وصلوا عدن أنهم على رأي السلطان بدر وإنهم ما مورين بخراب المشقاص ، فلما علموا بالخمسة الأغربة الإفرنجي صروا إليها فتشاوفوا (٣) بباب المندب ، فدخلت غربان الإفرنج الباب ، فدخلوا بعدهم فدخل الليل على الجميع فتفرقوا ، فالأروام اجتمعوا ودخلوا المخا والإفرنج خرجوا منهم أربعة غربان ورجعوا ، وواحد غلّق (٤) إلى قريب جده فاتفق بغراب فيه أموال وخلق من الأروام وغيرهم حجاج ، وذلك في شهر ذي القعدة من السنة المذكورة ، فقتلهم (٥) عبد من عبيد السلطان سليمان ورجع إلى الهند ولم يتصلوا بأهل الحبشة بسبب الفزع من

__________________

(١) في (ح) منادين.

(٢) كذا وكأنه نادوا «صوتوا».

(٣) تشاوفوا : رأى بعضهم بعضا.

(٤) غلق بالتشديد للكثرة والبالغة : من عبارات البحارة في ذلك الوقت وهي بمعنى اللفظة العامية المستعملة بمعنى اكتمل أو انتهى وهنا كأنه وصل إلى آخر طريقه في البحر.

(٥) كذا في الأصل وسيأتي استشكال المؤلف لهذه اللفظة من عبارة المؤرخ ابن سنجلة.

٢٩١

الأروام ، فانقطعت إن شاء الله مادتهم بحمد الله من الحبشة.

قلت : ولم أعرف معنى الفقيه عبد الله باسنجلة في قوله : فقتلهم عبد من عبيد السلطان سليمان ورجع إلى الهند ، والله أعلم.

ومن خط باسنجلة في محل مسوّداته بعد أن ذكر ما تقدم قال : بل خرج أربعة غربان ، ودخلت الهند والخامس منهم وصل جدة ، وأخذ جلبة فيها مال وفيها مملوكين للسّلطان سليمان ، فلما علم صاحب زبيد مصطفى نشّار (١) أرسل مكتب إلى المهرة بأنكم تفكوا المماليك وورقة للسلطان بدر.

وفي يوم الأربعاء الثامن من ذي الحجة : وصل غراب إفرنجي إلى بندر الشحر متجسس أخبار أهل الحبشة وأخبار الرومي ، واتفق بثلاثة مراكب من الهند بالشحر إحداهن معه خط إلى الشحر واثنين خطوطهن إلى المشقاص ، فعاقب أهل المركب في واحد منهما ألفين أشرفي وأخذ طرادين (٢) من البندر ففكوهن بمائتي أشرفي وجلس على البندر يتخطف ، فوصل إلى الجزر فوجد طرادا في زيلع فيه قشر (٣) وسمن ، فدخل به الشحر فلم تفكه الدولة فسافر به إلى المشقاص.

وفيها : وصل قاصد رومي من صاحب زبيد الباشة مصطفى نشار ومعه خلعه ودراهم للشريف ناصر بن أحمد من الباشة بأول شهر شعبان ، ويطلبون منه الخلعة ، وأنه يشغل لهم الإمام شرف الدين في الجوف.

وفيها في شهر رمضان : توصل الأمير الشريف ناصر بن أحمد بن الحسين هو وأولاد له صغار وجماعة صحبته نحو خمسة وعشرين خيّالا أكثرهم من الخرفان برسالة السلطان بدر إليه بعد وصوله إلى هينن واجتمع هو والقاصد الرومي بقيدون بعد هوشها واختلف في قدر الدراهم الذي

__________________

(١) (في الأصل بشار بالباء) وأصلحناه من عندنا.

(٢) مثنى طراد نوع من السفن (أنظر السفن الإسلامية : ٨٩).

(٣) هو قشر البن (معروف).

٢٩٢

أرسلها الباشة للشريف ناصر بن أحمد ، والظّاهر أنها تكون ألف أشرفي عدنية في عشرة أكياس ، فلما وصل قيدون من هينن تلقاه السلطان بدر إلى خارج البلاد ، وخلع عليه خلعة عظيمة ودخلوا في زوف (١) عظيم وكان نقييب حصن قيدون رام يقال له سند ، وهو صديق للشريف ناصر ، وهو الذي جعله نقيبا في هينن لما أعطاها له السّلطان وهو من خولان ، فخرج من الحصن على سبيل الرد على ناصر فقام له وعظمه وأظهر له التبجيل قيل وخلع عليه الخلعة المذكورة ، فلما كان الصبح أظهر أنه قل عليهم الماء فودى حصن قيدون للسّلطان بدر فأطلع الرماة فيه وحالفهم ورجع السّلطان والشريف ناصر والقاصد الرومي إلى هينن وعيّدوا بها الفطر ، وكتبوا مراسيم جواب للقاصد ورجع القاصد إلى الشحر وعزل القاضي الفقيه أحمد بن عبد الله بالرعية ، وذلك وصوله من حضرموت يوم عاشر شوال ، وسافر القاصد في الحال إلى المخا ما وقف في البلاد إلا ثلاثة أيام ومعه جمله من هوش قيدون ، وبعد وصول الفقيه سالم (٢) بيومين أو ثلاثة عزم القاضي أحمد بالرعية إلى حضرموت إلى عند السلطان لأمور اقتضت ذلك ، وبقي السلطان بدر والشريف ناصر بهينن ومعه أولاده الصغار يبغى يختن لهم فلم يتفق لشغل السلطان بحرب العمودي ، قال باسنجلة قلت : والشيخ عثمان العمودي في بضة وعنده ثمانية عشر خيالا من آل عامر كما سبق ، وجماعة من سيبان وهي في غابة المنعة ، وكان الشيخ يزعم أن عمر بن عبد الرحمن بن جسّار حليفه أنه يقوم هو وأهل المسفلة ويدقّ في اللسّك لأنها معدلة للسّلطان ، ويكون يشغل السّلطان وينهض بآل تريم وغيرهم ، فلم يحصل شيء من ذلك ، ووصل عمر بن عبد الرحمن إلى تريم وكلّم عبد الله بن محمد وأخوانه في المقام مع الشيخ ، فما استطاعوا من قيام وما كانوا سابقين فانقطع أمل الشيخ منهم ، ومن جماعة آل عامر

__________________

(١) كذا وأظنها من قولهم زفّ الرجل أي احتفل به بالرقص والغناء.

(٢) كذا في الأصل أورده المؤلف ولعله الفقيه سالم بن محمد بامعيبد الآتي ذكره ص : ٣٠٢.

٢٩٣

ونهد البادية الذين بشبوة أيضا ، فما حار منهم أحد لما قام السّلطان عليه.

قلت : وقد سبق أن الإمام شرف الدين أخرب الزّاهر في الجوف ، وهو محلة الأشراف ناصر وأصحابه ، وقيد منهم أعني من الأشراف ناسا يقال لهم آل صالح وطلع بهم صنعاء عنده ، والإمام شرف الدين بقي في غاية التّعب من مساعدة السلطان بدر لهم وإحسانه إليهم.

وفيها : أطلق السّلطان محمد بن عبد الله بن محمد الكثيري صاحب شبام من القيد من غير واسطة ولا شفاعة وكساه ، وبقي معه ينحدر ويصعد أينما سار.

وفي آخر ذي الحجة : وصل عبد الله بن الشيخ [عمر بن سليمان](١) وجماعة من سيبان (٢) وجماعة من آل دغّار ووصلوا إلى فوة وأحدثوا كل قليل (٣) ورجعوا لعدم مساعدة عمر بن سليمان باهبري ، لأن الشيخ قصد الشحر فما طاعوه (٤).

وفيها (٥) في ظهر يوم السبت عاشر ربيع الثاني : توفي شهاب الدين أحمد بن الشمس محمد بن القطب محمد بن السراج البخاري الأصل المكي الحنفي بجدة ، وحمل منها إلى مكة ودفن في ثاني [يوم](٦) تاريخه عند أبيه بالمعلاة رحمه‌الله تعالى آمين ، وكان مولده في شهر صفر سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة بمكة ، واشتغل بالعلم قرأ على السخاوي في سنن أبي داؤد والشفاء ، ودخل القاهر مرارا وسمع الحديث فيها على جماعة

__________________

(١) ساقط من الأصول وأضفناه من العدة ١ : ١٩٢.

(٢) سيبان : تكرر ذكرها مرارا وهي من العصب الكبيرة وتتألف من أجزاء كل مستقل تفطن دوعن والمكلا ، وحجر والشحر ، ومن أقسامها المراشدة والسلاطين وآل بني حسن ، أنظر (أدوار التاريخ : ٣٥٨).

(٣) كذا : في الأصل وفي العدة «وأخذوا أمدا قليلا».

(٤) كذا صوابه : أطاعوه.

(٥) النور السافر : ٢٠٨.

(٦) ساقط من الأصل.

٢٩٤

منهم الحافظ الديمي والجلال الأسيوطي ولبس خرقة التّصوف من بعض المشايخ ، وولي المناصب الجليلة كالقضاء والإمامة والمشيخة ، وقرأ الكتب الستة وغيرها ، واستمع كثيرا في الفقه والحديث مع قوة حافظة وحسن كتابه وناطقته انتهى من تاريخ السيد عبد القادر ، النور السافر.

٢٩٥

سنة تسع وأربعين

فيها اصطلح السّلطان وآل عامر ورد لهم السّور وبنيانها عليه ورجعوا فيها ، وذلك في شهر رجب منها.

وفي شعبان : اصطلح السّلطان وأهل المسفلة وعدلوا له آل أحمد اللسك ، والصّبرات الواسطة والسلطان عدل لهم حيد (١) ودّمون ، والعبيد يأكلون تريم ، وأخرب القارة التي كان بناها لعيال يماني بن محمد بن جسار والمهرة ببيت زياد مطروحين ، وابن يمين في صلح المسفلة والعمودي له الشرط إن أراد يدخل وإن أراد يخرج ، فامتنع من الصلح ، وفيها عزم الفقيه عمر بامخرمة إلى سقطرى ، وفيها عزم إلى الحج محمد بن عبد الله بن محمد الكثيري الذي كان مقيدا بحضرموت وولده بدر ، ووصلوا إلى الشحر في شعبان ، وعزموا ليلة الاثنين وعشرين في رمضان.

وفيها : بشهر رمضان وصل السّلطان لما امتنع العمودي من الصّلح إلى سوط بالعبيد وإلى جهة ريدة بامسدوس فلم يظفر بشيء ، فرجع إلى وادي عمد ، وكاتب آل سعيد باعيسى بأنهم يأخذون قيدون وتكون حوطة ويخربون الحصن ويقدمون من أرادوا فقبلوا ذلك ، وقدموا عبد الرحمن بن الشيخ أحمد وأخربوا الحصن فنقلوا أهلها إلى صيف (٢) الفقراء بها ، ثم

__________________

(١) كذا في الأصل وتقرأ أيضا جند و (في) س : بيض لها والعدة «صيد».

(٢) العدة «ويخربون الحصن. فنقلوا تجارها إلى صيف وما بقي إلّا الفقراء ثم انتقل الفقراء منها».

٢٩٦

انتقلوا أيضا الفقراء منها فما بقي إلّا نحو ستة بيوت.

وفيها ذي القعدة عزم السّلطان إلى حرب العمودي فلم يقدر على الدّخول إلى دوعن من جهة ريدة بامسدوس وأغاروا على جملة إبل وغنم ومعه خلق كثير ، فقتل من عسكر السلطان جماعة فأوطأ على الخريبة لأن العمودي بنى حصنا وجعل فيه بنادق ، فلا يقدر أحد أن يدخل دوعن أبدا ، فلما أوطأ السلطان الخريبة في جمع كثير نحو مائة وستين خيالا والرجل (١) مالهم عدد ، فكسر ساقية بضة وبنى عليها حصنا ، ففي آخر ذي القعدة وقعت ملقاة على خراب الساقية قتلوا جماعة من عسكر السّلطان ، وقتلوا عبدا من عبيد الشيخ ، ثم وقف السّلطان وأخرب ساقية بضة وبنى عليها ثلاثة حصون ، وعيّد عيد شوال بدوعن ، ثم انتقل في آخر ذي الحجة إلى حضرموت ولم يتفق بينهما صلح.

وفيها : توصل (٢) الفقيه عمر بامخرمة من سقطرى.

وفيها : توفي سليمان بن عمر باهبري.

__________________

(١) في (س) الرجال.

(٢) كذا في عبارة المؤلف. وهذا الفعل المزيد من العاميه وصحيحه وصل ، وأما قولنا توصل فلان في سعبه إلى النتيجة الصحيحة فالفعل هنا توصل فصيح والله أعلم.

٢٩٧

سنة خمسين بعد تسعمائة

فيها : قتل القراد المجاهد الإمام أحمد بالحبشة قتله بعض أصحابه.

وفيها : ليلة الخميس السابع من محرم زوج السلطان بدر الشريف ناصر بن أحمد على ابنته ، وزوج أخاه الشريف محمد بن أحمد على بنت أخيه السلطان محمد ، وذلك في سيؤون ، وأعطاه هينن حصنها ومأكلها.

وفي شهر صفر منها : حصل بين السلطان بدر وبين الشّريف ناصر بن أحمد وحشة عظيمة وألجأه إلى طلاق ابنته وألجأ أخاه إلى طلاق بنت محمد وألجأه أن يرد هينن ويؤديها ففعل ذلك ، وقال : إنهم عقدوني وانقلب الحال بعد الصّداقة والوداد عداوة ، وصار الشّريف ناصر أعدى الأعداء فسبحان مقلب القلوب.

وفي هذه السنة : ظهر معدن بمغارب صنعاء في حوز الإمام شرف الدين يخرج منه بعد العناء الشاق من كل رطل أوقيه مصفى ومثلها رصاص ونحاس.

وفيها : حصل بين الإمام شرف الدين وبين الأروام فتنة وحصر زبيد ، وقطع الطرقات إلى عدن وزبيد.

وفيها (١) في شهر ربيع الثّاني وقت الظهر يوم الاثنين السابع والعشرين منه : توفى السيد الجليل صاحب الكرامات الخارقة والآيات

__________________

(١) النور السافر : ٢١٢.

٢٩٨

الصادقة الشيخ الكبير الشهير شيخ بن إسمعيل بن إبراهيم بن الشّيخ عبد الرحمن السقاف باعلوي بالشّحر رحمه‌الله آمين ، قلت وتاريخ سنة موته يجمعها لفظة ظنّ ، وأنشدني صاحبنا الفقيه عفيف الدين عبد الله بن فلاح في نظم هذا التاريخ بيتين وهما :

شيخ بن إسمعيل من

في بندر الشحر سكن

تاريخ عام وفاته

مضبوط في أحرف «ظن»

وكان السيد شيخ نفع الله به من المشايخ الكبار أهل الأحوال ، وكان يؤثر الخمول ، وكانت له عبارات باطنة ، وينقل عنه أنه قال مرارا في صفاه : أنا ما طريقي إلّا طريق الشيخ عبد الرحمن ، يعني جده السقاف لكن الشيخ عبد الرحمن نفع الله به كان لا يرى لنفسه مقاما ولا ينسب نفسه إلى علم ولا عمل ويكره الشهرة ، قال الفقيه ياسين بن الفقيه عبد الله بافضل بلحاج : سمعت بعض الثقات ينقل عنه : أن السيد شيخ جلس زمانا ما ينام الليل ، وكان ذلك سنة ست أو سبع وعشرين ، ورأيته (١) يخرج من أنفه دم جامد ، فقلت له : ما هذا يا سيدي لعله من برد أو حرارة أو سهر ، فقال : صاحب السكان (٢) ما ينام انتهى](٣).

وحكي عنه أنه قيل له : هاهنا رجل يحصل له حالة عظيمة عند السماع فقال : ليس الرجل الذي يحتاج إلى محرك يحرّكه ، إنما الرجل هو الذي لا يغيب عنه الشهود حتى في حالة الجماع فضلا عن غيره ، فيحتمل أنه أشار بذلك إلى نفسه ، نفع الله به.

ومن كراماته الباهرة : أن الفقيه أحمد الشهيد بن الفقيه عبد الله بلحاج بافضل المتقدم ذكره أمر بحفر قبره عند والده ، فمر سيدنا السيد شيخ وهم

__________________

(١) الأصل : ورأيت.

(٢) السّكان : ذنب السفينة لأنها به تقوم وتسكن ، ويعرف عند المولدين بالدفة أيضا (محيط).

(٣) زيادة على النور السافر.

٢٩٩

يحفرون القبر لأن الأرض صلبه ، ومقصودة يهيئه لئلا يشق بعد ذلك ويدفنه إلى أن يتوفّاه الله ، فلما مرّ سيدنا السيد شيخ قال للحفارين أتركوا الحفر فإن الذي أمركم لا له غسل ولا صلاة ، فقتل شهيدا كما مر ، نقلت ذلك من خط الفقيه ياسين بن الفقيه عبد الله رحمه‌الله تعالى ، قال : وكان يقول الفقيه أحمد المذكور : سيدنا شيخ محبوب موهوب ، شيخ عطيته وهبية ما هي بجهد ولا غيره نفع الله به.

وفيها (١) : في شهر ذي القعدة توفي السيد الشريف وجيه الدين الفاضل الكامل عبد الرحمن بن زين بن عبد الرحمن بن الفقيه محمد بن علي مولى عيديد باعلوي بتريم ، وكان من أولياء الله الصّالحين وأصفيائه المتّقين ذكر عنه كرامات رحمه‌الله ونفع به.

وفيها (٢) في شهر شوال : توفي السيد الشريف الصّالح الولي العارف بالله السيد حسين بن أحمد بن علوي صاحب قسم ، وكان من أولياء الله تعالى ، وله كرامات وأحوال عجيبة رحمه‌الله تعالى ونفع به وتوفي بقسم (٣).

وفي ثاني عشر شهر ربيع الأول : توفي السيد الشّريف الصالح شيخ بن حسن باعلوي بمكة المشرفة رحمه‌الله.

وفيها (٤) في النّصف الأخير في ليلة السبت ثاني عشر شهر صفر : توفي السيد الإمام والحبر الهمام ولي الله العلامة جمال الدين [محمد بن] عبد الرحمن بن حسن بن محمد أبو عبد الله الرّعيني الأندلسي الأصل

__________________

(١) النور السافر : ٢١٣.

(٢) النور السافر : ٢١٢.

(٣) قسم بفتح القاف والسين ثم ميم : قرية شرقي العجز وهي أرض واسعة تاتي بعد عينات (معجم البلدان للسقاف خ).

(٤) النور السافر : ٢١٣.

٣٠٠