تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه

تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

المؤلف:

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

فلما علم بمخرج التجريدة وأنها واصلة لا محالة إلى الهند تحقق أن الافرنج يقبضونه ويقتلونه أو يأسرونه ، ولا عاد يحصل له مخلص منهم أبدا ، فدبّر الحيلة في المخرج من الدّيو على أي حالى فوشر (١) مركبا كبيرا على أنه يبغاه (٢) يسافر إلى تحت الريح ، فأخذ سفرات من تجار الإفرنج بعد ما أكمل المركب ، وطلّع ما يحتاج إليه من آلات السّفر ، وكان له بيت قريب السّاحل وله باب صغير إلى السّاحل بأمر الإفرنج يدخل ويخرج منه إلى البحر إذا بدت له حاجة محبة منهم ، إذا كان أبواب البلاد كلها مغلقة بالليل ، فكان السّنابيق تختلف إلى المركب للتّطليع على العادة ، فلما كان ليلة سفر المركب ، وكان قد جعل فيه غراب صغير كالخفية ، فتح الباب الصغير من داره الذي إلى البحر ، وطلع حريمه وعياله في سنبوق صغير وتزّيا بزي النساء معهم وفيه عبيده وبحرته ، فطلع في الغراب هو وعياله وحريمه ، وما له وعبيده ، وقال لأهل المركب : أصروا إلى بندر يكون من بنادر المسلمين ، وخذوا خبرنا واعزموا إلى جدة المحروس ، وأنا مسافر في غرابي هذا إلى بندر سورة منير إلى السّلطان محمود ، وكان من عادة الخواجا صفر ما يخرج من بيته ويبرز للناس إلى وقت الضحى العال ، فلما لم يبرز على العادة ، وعلموا الإفرنج أنه فات وهرب أرسلوا وراءه غرابين وفيها جرارين أن ظفروا بالمركب أو ظفروا بالغراب فطردوا فلم يجدوا لا حسّا ولا أثرا ولحق صفر السلطان محمود ابن أخو بهادر شاه ، وكان إذ ذاك صغير السّن عمره ثلاثة عشرة سنة والأمر والنّهي لوزرائه ، فلما وصل إليهم صفر قاموا بواجبه وقال له : أسعدوني بعسكر وعدد آخذ لكم الديو بلادكم ، فقالوا له : هيهات كيف تأخذ الدّيو واستخفوا به ، وكان بين السّلطان محمود ووزرائه خلاف ، وقد تغلّب على بلاد نجدية الديو ، بعد قتل بهادر شاه ، فأصلح بينهم صفر ، وسار معه على حرب الإفرنج إلى الديو في عسكر ، وأخذ صفر جماعة من العرب والحبوش وغيرهم من

__________________

(١) من مصطلحات أهل البحر في مدينة الشحر (وهي هنا بمعنى صنع مركبا).

(٢) يبغاه : من كلامهم بمعنى (يبغيه).

٢٦١

الهنود ، فلما وصلوا جوجلة بجنب الديو هجموا الديّو في الليل وقتلوا خمس عشر من الإفرنج وهربوا الباقين إلى كوت جوجله وحاصروهم المسلمون ، فكانوا يخرجون في سنابيق من الكوت المذكور إلى جزيرة الديو عند أصحابهم ، وهذا كان في أيام البرشكال (١) وقوة الأمطار ، فبعد أن الخواجا صفر جعل على الكوت رتبة من المسلمين ، وتقدم بجماعة معه إلى كوت صغير آخر في طرف جزيرة الديو تشرف على البرّ إذا جزر البحر ساروا إليه بأرجلهم ، فضربوه بالمدافع وقاتلوه فأخذوه ، وهربوا الإفرنج إلى الجزيرة وعلى الجزيرة درب أكيد حصين ، وصفر كان تحت الدرب محاصرهم والأبواب مغلقة فذلوا الإفرنج ، وتشاوروا وقالوا نحن (٢) ما نمنع الجزيرة كلها وأحسن لنا نحتصر في الكوت البحري ، ونترك الجزيرة فأخذوا أربعين تاجرا من تجارها وقبضوهم واحتصروا معهم ، فأشرف بعض المسلمين على صفر من داخل الجزيرة ، وقال له : الكوت خال من الافرنج والافرنج كلهم في الكوت فظن أنها خديعة ، وبعد ذلك تحققوا ودخلوا واستولى عليها ، وكان الوزير المذكور أولا مباطن الإفرنج وجيشه بجوجله محاصرين الكوت ، فلما دخل المسلمون جزيرة الديو حاصروا كوت الافرنج ، فوصلت التجريدة وهم محاصرين الكوت فأعطاهم الباشة أربعمائة رومي لقتال الكوت ، ودارت الغربان إلى مظفر آباد ، لأن البحر استقوى ، فما قدروا يخرجون المدافع ، فلما وصلوا مظفر أباد خرّجوا ثلاثة مدافع كبار وجاؤا بها إلى الكوت البركوت (٣) جوجله وضربوه بها وفيه نحو مائة افرنجي ، فقاتلوهم وبعد ذلك أرسلوا الإفرنج أصحاب الكوت إلى صفر : إنا نخلي لكم الكوت ونخرج إلى أصحابنا في الكوت البحري كوت الجزيرة ، فقال لهم صفر : أنا مالي كلام الكلام للباشة ، فطلع الرسول

__________________

(١) تحقق هذه اللفظة. وهي هنا كأنها من الكلام الهندي بمعنى فصل الخريف والله أعلم.

(٢) في الأصل : نحنا.

(٣) كذا في الأصل.

٢٦٢

للباشة فأعلمه ، فقال أما يخرجون إلى أصحابهم فلا ، ولكن نعطيكم الأمان وانزلوا الينا وإلا مكانكم ، فلما وصل إليهم الرّسول أبو وقالوا : أحسن لنا في كوتنا ولا نخرج إليه فجلسوا يومين يقاتلونهم بالمدافع فقتل منهم نحو عشرة ، فطلبوا الأمان على أنفسهم وينزلون عند صفر في الجزيرة فأمنهم الباشة ، ونزلوا عند صفر وهم تسعين رجلا فجلسوا يومين عند صفر ، فطلبهم الباشة عنده وخلع على كبيرهم ، ولما خف موج البحر رجعوا بخشبهم إلى بندر الديو ، وقاتلوا كوت البحر وصفر وأصحابه العرب والحبوش والهنود والأربعمائة الرومي يقاتلون الكوت من الجزيرة ، ولما أقبلت الخشب ضربهم الكوت ، ولم يقدروا على القرب منه فرجعت عنه ، وكان للإفرنج كوت صغير وسط الرثقة ما بين الجزيرة وجوجله تمّر الخشب تحته ، فصابوا خشب الأروام فضاربوا الأروام فطلب منهم الأمان على أنهم لا يضروه ولا يضرهم ، ويخلي بينهم وبين الكوت البحري ، فما بقي مع الإفرنج إلا الكوت البحري ، وفيه من الرجال نحو أربعمائة إفرنجي والأربعين التّاجر الذين قبضوهم من تجار البلاد المذكورين ، ثم إن المسلمين من أصحاب الجزيرة حفروا تحت الأرض إلى قريب الكوت وقاربوه ، واستولوا على بيوتهم التي هي قريب الكوت ، وصاروا يقاتلونهم ، منها وضيّقوا عليهم ضيقا شديدا ، وكان الإفرنج يرمون عليهم بالباوقات (١) من الكوت ، فاحترق من الأروام نحو عشرين رومي في بعض الأيام ويخرجون إلى قدام الكوت ، ويقاتلونهم ويهربون إلى الكوت ، ولما استولى المسلمون على الجزيرة والأكوات والكوت البحري قريب يستأخذ (٢) كأنه في أيديهم لا محالة جاءت أوراق من سافل إلى الباشة ان تجهيزا من الإفرنج واصل إليكم فارتاب الباشة ريبة عظيمة وأدخل الله الرعب في قلبه ، وكانت غربان صغار من غربان الإفرنج تدخل إلى الكوت مجاهرة ، فقالوا للباشة عسى نقطعهم من الدخول إلى الكوت حتى

__________________

(١) كذا في الأصل. ولعل اللفظة أصلها هكذا الباروت والله أعلم.

(٢) يؤخذ.

٢٦٣

لا يتصلون بأحد من أصحابهم ، فقال : اتركوهم ولا تتعرضوا لهم ، فكان صفر وأصحابه المذكورون يقاتلون الكوت والباشة في خشبة ساكت لا يبدي ولا يعيد ، وعنده من الخوف ما لا مزيد عليه ، فبعد أرسل إلى الخواجا صفر بأن يعطيه معالمه يدلونه الطريق إلى بندر دابول يلاقي تجهيز الإفرنج فإنهم ذكروا إنه مائة وخمسين قطعة فوصله ، فتوهّم الخواجا صفر أنه صادق وأنه ملاقي التجهيز فأعطاه معالمه وقبل لا (١) يطّلع المعالمة رأى خمسة عشر غرابا صغارا صارية في البحر فتحقّقوا أنها أول التجهيز ، فطلع معالمة صفر وظن صفر وأهل الديو ، والعسكر انه ملاقيهم لا محالة وطلع معه الأربعمائة الرّومي الذين كانوا عنده ، فلما كان اللّيل نزل المعالمة إلى البلاد ، وأرسل إلى جميع الأمراء الذين معه في الخشب ، وقال لهم : إنا عزمنا على الرجوع على بركة الله إلى برّ العرب ، ورأيت المصلحة في ذلك ، فقال له بعض الأمراء : هذا ما يجمل بنا وبك عند السلطان سليمان ، فقال هذا مرسوم عندي بأن الأمر أمري أنظر بعين المصلحة ، وعندي المصلحة في الرجوع فصرا وصروا الخشب الجميع إلى بر عرب ، وكان أرسل الأمير فرحات شوباصي المذكور أولا إلى السّلطان محمود صاحب كجرات بهدية فالسلطان في جمع هدية له قبيل هديته يريد يرسلها إليه ، فعزم وترك فرحات عند السلطان محمود ، وقد قال له الخواجا صفر : قفوا عشرة أيام فإن الكوت مستأخذ ، فما أجابوه إلا أنهم ملاقين التجهيز أو خيول ، وأمروه بأخذ المدافع الذي خرجوها من مظفر آباد فكانت مدة إقامتهم بالهند نحو شهرين ، ورجعوا خائبين وأصل التّجريدة كلها ثلاثة وستين منها خمس برش كبار والبواقي غربان وتشحن غرابين منها في بندر الشحر والبواقي سالمات وباقي الكلام قد تقدم ، وحج الباشة وسار من طريق البر وسفر الغربان إلى جدة وإلى السويس ، ودخل جدة ومكة وأخذ جملة أموال من اتجارها (٢) وأمر

__________________

(١) لا : هنا زائدة وهي من الصيغ العامية في الكلام عندهم تقابلها في الفصحى الجملة الآتية «وقبل أن يطلع المعالمة» الخ.

(٢) كذا لعل صوابه : تجارها.

٢٦٤

بالاتجار الذي بمكة شرّفها الله أن يسكنوا جدة فمن برطل (١) ما يرضيه سكن مكانه في مكة ، واجتمع بالشّريف محمد بن بركات بالحرم ليلا بمقام إبراهيم عليه‌السلام ، وعزم قبل مسير الحاج المصري ، وذلك ليلة سبع عشرة في ذي الحجة ، وعزم صحبته الشّريف عرار والشريف أحمد بن السيد أبو نمي والقاضي تاج الدين المالكي والقاضي أحمد بن إبراهيم بن ظهيرة الشافعي وجماعة من أهل مكة ، فأما الشريف عرار فتوفي هناك بالرّوم ، ورجع أحمد بن أبو نمي إلى جدة من غير قضاء حاجة والباقين رجعوا بالسلامة وحصل لهم مرادهم ، قيل أنه ـ يعني الباشه سليمان ـ لما وصل إلى السّلطان سليمان باصطنبول أتاه بمساطير من أهل مكة وكتابات من عدن وزبيد والشحر وغيرها بأنّه أخذ الهند ، وقتل الإفرنج وملك بنادرهم ولم تبق منهم إلّا شرذمة ضعيفة مطرودة وعدّد له جملة بنادر ، وأنه وصل بخراجاتها ، وأظهر له مال عظيم وتحفه ، فسكن روع السلطان ولم يعقب كلامه إلّا وصول الإفرنج إلى السويس وروعة أهل مصر ، فقال له السلطان : أين كلامك الذي ذكرت إنهم هلكوا والآن قد هم بمصر ، وصلوا فقيل أنه لما تحقّق من السلطان الهلاك هرب وقيل قتل.

قلت : ومدخل الإفرنج السّويس ياتي في سنة سبع ، وإن كان حصل الكلام هنا وقتله في سنة سبع في روعة أهل مصر من أجل هذا التجهيز ، لأنه دخل السّويس يريد يحرق العمارة السلطانية كما سيأتي والله أعلم.

وكان في هذه السنة باليمن الإمام شرف الدين وولايته من صعدة إلى صنعاء إلى ذمار إلى رداع إلى تعز حدّه. وولاية الأروام عدن وزبيد ونواحيها ، وكان الإمام يظهر الطاعة للأروام وأميره المقّدم على جميع الأمر الفقيه النصيري في تعز بنى سورها بناء عظيما وخندقها ومنعها.

وفيها : أخذ الخواجا صفر الرومي الديّو من الإفرنج وأخربها وجعلها قاعا صفصفا ، وكان أخذه لها قبل وصول تجريدة الباشة ، وكان خرابها بعد

__________________

(١) برطل : أعطاه رشوة.

٢٦٥

مسيره وباقي الكلام سنة ثلاث وخمسين.

وفيها (١) لإحدى عشر ذي الحجة ليلة الأربعاء ثاني يوم عيد الأضحى : توفي السّيد الشريف الولي السخي الوصول المتصدق العالم العلامة الفقيه المحقق شهاب الدين أحمد البيض بن عبد الله (٢) بن الحسين بن علي بن محمد بن أحمد بن الفقيه بن محمد بن علي فإنه كان فقيها متبصرا مشاركا في علوم جمة عارفا أيضا بعلم الفلك قرأ على فقهاء زبيد وغيرها ، وكان من أجلهم الفقيه عمر بن جعمان الزّبيدي ، والفقيه العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بلحاج بافضل وولده الفقيه أحمد ، وقرأ الشاطبية على الفقيه الصّالح عبد الله باوعيل ، وكان السيد أحمد رحمه‌الله نبيها عاقلا كاملا سخيا وصولا للرحم ولسائر الناس ، وله الحشمة عند السّلاطين والأمراء رحمه‌الله انتهى ملخصا من غرر البهاء.

وفيها : عمّ القحط اليمن وحضرموت ودوعن والشحر ، حتى أكلوا أهل حضرموت الجلود.

__________________

(١) غرر البهاء الضوى : ٢٥٦. والنفحات المسكية ٢ : ١٤٠.

(٢) في الغرر (المطبوعة) : أحمد بن عبد الرحمن وهو الصواب يؤيده ما في (شمس الظهيرة) : ٤٠٣ قلت : وهذا المذكور ينتسب إليه جميع آل البيض المعروفون.

٢٦٦

سنة ست وأربعين

يوم الأحد سابع شهر محرم : اجتمع الأجناد من الأروام بعدن ووصلوا إلى دار الأمير بسبب عدم الطّعام في البلد ، وصاحوا يطلبون الطّعام وقد كانوا حاطين خواطرهم على الشريف أبو بكر الأحدب والكاتب عثمان المصري ، وآخر الأمر أنهم كبكبوا (١) إلى دار المذكورين ونهبوا ما وجدوا فيها ظاهرا من كساء وقماش وغيره وآل الأمر إلى أن الأمير خرج هو والدّزدارى ، (٢) ووصلوا إلى دار الشريف وإلى غيره من المواضع التي ذكر لهم أن فيها طعاما ، وسّمروا عليها ورصدوا الطّعام على أنهم يريدون أن يخرجونه شيئا فشيئا إلى السّوق للبيع ليتّصل به الجند وغيرهم وثمنه لملاكه ، وبعد ذلك بنحو أسبوع نهض الأمير والدزدار على بعض الذين نهبوا واستردّوا الذي وجدوه معهم وضربوا بعضهم ، فرجع البعض وضاع البعض.

وفي هذا الأسبوع : عزم تجهيزهم إلى زيلع وهو أربعة غربان.

وفي يوم الاثنين ثاني وعشرين الشهر : خرج الأمين بهرام إلى البر بجماعة من العسكر.

وفي هذه الأيام (٣) : وصل خبر أن الإمام شرف الدين افتتح حصن

__________________

(١) كبكبوا : هنا بمعنى اجتمعوا وحشروا.

(٢) في (س) النرزدارى : والدّزدار من اللفظ الفارسي هو حاكم الحصن (دهمان : ٧٥).

(٣) روح الروح : ٥٨ في حوادث سنة ٩٤٤.

٢٦٧

مسار المشهور وخرج منه الدّاعي (١) بذمّة عليه وعلى ما معه ، وقصد زبيد عند الأروام ، فلم يلبث بعد وصوله إلى زبيد إلّا يوما أو يومين ومات ، وأخذ الأروام جميع ما معه ، والناس يبالغون فيما عنده مبالغة عظيمة ، ووجدوا معه من كتب السّمعلة (٢) شيء كثير ، فأتلفت (٣) بالماء وغالب الظن أنه سمّ ، وبزواله زالت دعوة السّمعلة الكفرية من تلك الجهات بحمد الله بعد أن تخلدت مائتين من السنين (٤) والحمد لله على ذلك وعلى سائر نعمه.

وفي أواخر يوم الأربعاء ثامن صفر : سافر الأمير بهرام بالعسكر من نواحي لحج إلى خنفر (٥) وأبين واستصحب الكاشف (٦).

وفي أول نهار يوم الاثنين ثالث عشر : وصل الأمير بهرام بالعسكر راجعا من خنفر ودخل الحمراء (٧) والكاشف دخل الرّعارع (٨) وذلك بعد أن قتل منهم جماعة ، والنّاس يقولون أنه قتل منهم نحو مائة وثمانين وأما المائة فغالب الظّن إنها محققة ، وبعد رجوع الأمير من خنفر على هذه الصفة استمرت الأذيّة من البدو في الصاده (٩).

وفي ليلة الأربعاء ثاني وعشرين الشهر : وصل منهم جماعة إلى

__________________

(١) يعني داعي الإسماعيلية من الباطنية.

(٢) السمعلة : نسبة إلى الإسماعيلية الطائفة المعروفة.

(٣) في (س) فالتفت.

(٤) قلت : هذا الكلام يحتاج إلى تحقيق وفيه خبط تاريخي ليس هنا موضع تصحيحه.

(٥) خنفر : بفتح الخاء المعجمة وسكون النون وفتح الفاء وسكون الراء قرية خربة وسط أبين شرقي عدن قامت على انقاضها مدينة «زنجبار» وهي مدينة لها شهرة تاريخية (معجم : ٢١٩).

(٦) الكاشف : اسم فاعل ، وأهل مصر يسمون رئيس المقاطعه بالكاشف (محيط).

(٧) الحمراء بلدة عامرة إلى الآن من قرى لحج (هدية الزمن : ١٢).

(٨) الرعارع : بالمهملات من بلدان لحج كانت عاصمة لمخلاف لحج ثم اختفت واقفرت ، وهي اليوم أطلال وخرائب (معجم : ٢٦٩).

(٩) لم أجدها بعد البحث والتنقيب.

٢٦٨

رباك (١) ونهبوا منها ، ورجعوا صبح يوم الأربعاء إلى الصاده ، فصادف فارس من الأروام فرمى بنفسه عليهم فقتلوه ونهبوا من الصاده جمالا وغيرها.

وفي يوم الأربعاء سابع شهر ربيع الأول : وصل إلى عدن غراب فيه قاصد من باب السلطان سليمان ، ومعه مراسيم إلى الأمير بهرام وإلى القاضي عبد الرحمن بامخرمة بالتقرير على الولاية ، وإلى الإمام صاحب صنعاء خلعة ومرسوم بتقرير الأحوال وإخراج القوافل إلى عدن والأمان والإطمئنان وغير ذلك.

وفي هذه الأيام : وصل الخبر أن السلطان بدر ردّ آل شحبل (٢) إلى بلدانهم ، وكذلك آل عبد الله ردّهم إلى الأحروم وعّدل عليهم الحصن.

وفي يوم الاثنين ثاني عشر الشهر : حصل مطر بعدن قوي لكنه لم يمكث إلّا نحو ساعة أو قريبا من ذلك.

وفي أواخر شهر ربيع الأول : سار القاصد المذكور إلى صنعاء.

وفي يوم السبت ثاني شهر ربيع الثاني : عزل الكاشف الذي بلحج ، وولي غيره بدله.

وفيها بربيع الثّاني : توّصل الشريف الأمير ناصر بن أحمد بن محمد بن الحسين البهّال صاحب الجوف وصعدة إلى هينن لنصرة السلطان بدر فاجتمعا بهينن ، وسعى الأمير ناصر بالصّلح بين آل كثير وآل عامر ، فلم يشف (٣) بينهم سداد أياما ، ثم أن الأمير ناصر بن أحمد غار في خلق كثير أصحابه الأشراف خيل ورجل نحو خمسين خيالا واثني عشر بندقا ، ومائة رجل من بادية آل كثير والمهرة ، فغاروا على بادية نهد ، فأدركوا

__________________

(١) بلدة خاربة على ساحل عدن كانت عامرة «معجم : ٢٦١».

(٢) آل شحبل والشحابلة قبيلة من بني ظنه تفرع منها : آل غانم وآل قصير وآل مظفر وآل خرشان (أدوار التاريخ الحضرمي : ٣٥٤).

(٣) العدة ١ : ١٨٧ «يتفق».

٢٦٩

ثلثمائة راحلة فيها ثمانية من البادية فقتلوا منهم اثنين وستة هربوا ، فأخذوا الرّكاب (١) الجميع فقسّموها غنيمة بحضرموت ، انتهى.

ومن خط باسنجلة :

وفي ربيع الثّاني : توفي الشيخ العارف بالله الولي الصالح الشيخ عمر بن الشيخ عبد الرحيم باوزير بالغيل (٢) ، ودفن وحده في القارة التي هي شرقي الحضرة على طريق البحر.

وفي يوم الاثنين مستهل شهر جمادى الأولى : أخرجت السكة الجديدة بعدن كل محلّقين (٣) منها عن باشة (٤) وحصل بها أذيّة على المتسببين لأنه وقع في كيفية صرفها أمور لم تنضبط.

وفي اليوم الثاني عشر من جمادى الأولى أو الثالث عشر : أرسل الأمير بهرام قصّادا إلى باب السلطان سليمان مطالعات بأحوال البلد وضعفها وضنكها وتعب الجند ، وأرسل معهم بخبز السوق بعد أن وزنه وضرب عليه شيئا.

وفي النّصف من جمادى الأولى : وصل الخوان (٥) القاصد الذي كان طلع إلى صنعاء ، وقد نزل إلى المخا ، وفي يوم الاثنين سلخ شهر جمادى الأولى توفي الشيخ المقري عفيف الدين عبد الله بن أبي بكر باوعيل بتعز رحمه‌الله.

__________________

(١) الركاب : الإبل (محيط).

(٢) يعنى غيل باوزير البلدة المعروفة بحضرموت.

(٣) مثنى محلق وهو الدرهم والدينار (في إصطلاح العامة) أنظر (المحيط) وفي كتاب ليلى الصباغ : من اعلام الفكر العربي : ٢٢٩ المحلق نقد فضى كان يستخدم في الحجاز واليمن وقد أشار إليه الورثلاني في رحلته : ٥١ وذكر أنه يعني «القيراط المسكوك» ويقولون له في مصر «فضة» و «مؤيدي».

(٤) لعله نوع من النقد معروف في عدن في ذلك الوقت ينسب إلى أحد الباشوات. لم أجده.

(٥) كذا في الأصل ولم أجد معنى هذه اللفظة.

٢٧٠

وفي شهر جمادى الثاني وأوائل رجب : عزم السّلطان محمد من حضرموت ليلا من غير علم أخيه السلطان بدر وما ظهر خبره إلا من غيل بن يمين ، ثم عزم منها إلى المشقاص ووقف فيها ، وفي أواخر رجب أعطى السلطان بدر للأمير ناصر بن أحمد هينن والمخينيق والعجلانية وما في هينن من المال والعدة وأعطاه خمسة عشر عبدا وثلثمائة أوقيه ذهب ونحو خمسين خرقه حرير ومن الدراهم مبلغا كبيرا ومن الخيل التي معه محاسنها ، ثم وصل السلطان بدر إلى الشحر ثاني عشر رمضان وأرسل لناصر إلى هينن بستة آلاف أشرفي على أنه يرسلها إلى القبلة يجمع بها عسكر من خولان وغيرهم ويستدعي بهم إلى حضرموت ، وذكروا أنه اتفق بينه وبين ناصر أنه إذا وصل العسكر المذكور أن السلطان يعطيه تريم مثل هينن ، ويستقل ناصر بولاية هذه البلدان ويقوم بحرب آل عامر وآل المسفلة ، وهذا من العجائب.

وفي يوم الخميس رابع وعشر من شوال (١) : خرج الأمير بهرام بنحو مائتين من الأروام من طريق البر إلى حيس لأجل ملاقاة صاحب زبيد واستدعى بهم ليطلع هو وهم إلى تعز لأنه ورد عليهم أمر من سليمان باشة بذلك.

وفي يوم الجمعة خامس وعشرين الشهر : عزمنا (٢) للحج إلى بيت الله الحرام وتحيّرنا في البندر لقوة الأزيب وعسر الخروج من البندر مع قوة الأزيب ، ولم يتفق السّفر من البندر إلّا يوم الأحد سابع وعشرين الشهر ووصلنا بندر المخا يوم الخميس ثاني ذي القعدة ، ولم يتفق لنا نزول إلى البلد إلّا صبيحة الجمعة ثالث الشّهر ، وسرنا منها طريق البر ليلة الثلاثاء وقت العشاء سابع الشهر ، ووصلنا حيس آخر الليل من ليلة الأربعاء من الشهر ، وسرنا من حيس قريب وقت العصر من يوم السبت حادي عشر

__________________

(١) روح الروح : ٥٩.

(٢) الضمير في قوله «عزمنا» يعود إلى الفقيه عبد الله بن عمر بامخرمة.

٢٧١

الشهر ، ووصلنا زبيد ضحى يوم الأحد ثاني وعشرين ، وعزمنا منها بعد العصر ووصلنا البقعة هجيرة يوم الاثنين ثالث عشر وصرينا من البقعة صبح يوم الثلاثاء رابع عشر.

وفي ليلة الأحد أو يوم الأحد حادي عشر ذي القعدة ، سار صاحب زبيد والأمير بهرام وما معهم من العسكر إلى تعز بقصد أخذها.

وفي يوم الاثنين العشرين في الشهر : وصلنا بندر جازان فوجدنا فيها الخبر أن عامر عزيز من الأشراف بني دريب استولى عليها ، وذلك أنه كان عند الإمام فلما حصل من الأروام هذه الفتنة أمدّه الإمام بعسكر وأمره بأخذ جازان لأنها كانت في الأصل بلدهم.

وفي ليلة الاثنين سابع وعشرين الشهر : لحقنا زعيمه (١) وأخبرنا أهل الزّعيمة : أن أصحاب الإمام الذين تولّوا جازان مع عامر عزيز قتلوه واستبدوا بولاية البلد ولم يتبيّن لنا السّبب الحامل لهم على قتله (٢).

وفي يوم السّبت ثالث عشر ربيع الأول : وصل نائب جدة خشكاري (٣) من مصر إلى جدة بعسكر على أنه يوصلهم إلى اليمن ووصل قبله بنحو عشرة أيام السيد أحمد بن أبي نمي من الروم إلى الحجاز بمراسيم فيها أنه نائب الحجاز ، وذلك بمراسم برضّى من والده ، وكان هو هذا الذي طلب ذلك وسعى فيه ، وكان سافر معه إلى الروم جماعة من قضاة مكة المعزولين منهم القاضي عبد اللّطيف أبو كثير (٤) ، والقاضي تاج الدين بن يعقوب المالكي ، وبعض بني ظهيرة ممن كان قد ولي قضاء القضاة بعد القاضي محب الدين وجماعة من أرباب الوظائف بمكة ، فمات منهم بالرّوم جماعة ، منهم القاضي عبد اللطيف وولده وابن أخيه ، والرئيس

__________________

(١) زعيمة : سفينة صغيرة.

(٢) أنظر في ذلك المخلاف السليماني ١ : ٢٧٧.

(٣) لم أقف على هذه اللفظة ولعله خشكلدي كما سيأتي.

(٤) هو عبد اللطيف بن أحمد باكثير أنظر ترجمته في البنان المشير : ٤١.

٢٧٢

أبو عبد الله المؤذن بزمزم ، ورجع باقي القضاة بغير قضاء حاجة بعد أن أظهر لهم الوزير من الكلام الخشن ما أوجعهم به ، ومما ذكر في المراسيم أن فرضة (١) الشّريف بجدة تعطل ولا يكون إلّا فرضة السلطان للهندي واليمني وغيرهما ، ولما أن وصل الأمير خشكلدي عطل فرضة الشرّيف واقتصر على فرضة السلطان ، وفي مراسيم خشكلدي أنه نائب مستقّل لجدة وينبع والقنفذة ، وأنه يقبض نصف للسّلطان من هذه النواحي ، ووصل في جملة هذه العسكر أمير لعدن بدل بهرام يسمى مصطفى ، ثم عزم مصطفى المذكور من بندر جدة بجماعة من العسكر رابع وعشرين الشهر انتهى.

قال الفقيه عفيف الدين عبد الله باسنجلة : وفي آخر شهر رمضان توفي السّلطان محمد بن بدر بن محمد في القيد في حصن مريمة (٢) وكان مسجونا بها هو ومحمد بن عبد الله بن محمد الكثيري ، وكان مسجونا ست عشرة سنة وأشهرا ، ولبث عبد الله ثمانية عشر سنة يعجز شهرين ، وأطلق سنة ثمان ، فعزم إلى الحج سنة تسع ودخل صنعاء هو وولده بدر.

وفي أولها : خرج أمير عدن بهرام في خمسمائة رومي إلى خنفر يطلب علي بن سليمان التولقي فهرب منهم إلى الجبل لما سمع بوصولهم ، وأحرق بلده بنفسه ، فلما وصلوا خنفر غارت الخيل من الأروام إلى تحت الجبل ، فخرج عليهم علي بن سليمان وهم نحو خمسين رومي.

وفيها في شهر صفر : اشتد الحرب بين السلطان بدر وأهل المسفله وعبد الله بن يمين ، واختلف هو وآل عامر فأرسل للمحلف فوصلوه من ميفعة (٣) إلى هينن ثم سدوا هم وإياه ثم سقطوا على ولد علي بن فارس في

__________________

(١) الفرضة : محّط السفن وهنا مال الفرضة المستخرج من الجبايات على السفن ونحوها ، أنظر تعاليق لوفجرين على تاريخ ثغر عدن : ٥٠».

(٢) مريمة قرية من حضرموت بالقرب من سيؤن.

(٣) ميفعة : بلدة بين ميفع وأحور إلا أنها ليست على الساحل بل بينهما مرحلة (الشامل : ٧٤).

٢٧٣

السور ، فلما أيس منهم السّلطان انحدر في شهر صفر المذكور إلى تريم.

وفيها : اصطلح السلطان وآل عامر ، على أن حريضة لهم ويتركون أهل المسفلة فتركوهم ، فلما انحدر اصطلح هو وأهل المسفلة سنة ثم أربعة أشهر ، وولد يمين في صلح المسفلة ، ثم رجع السلطان إلى الغرفة والسلطان محمد إلى القارة بلده ، ورجعوا أشراف الجوف في جمادى الأولى إلّا ناصر فإنه بقي عند السلطان ، وحصل له منه مال عظيم ودروع.

قلت : هذا هو الذي تقدم أولا من كلام الفقيه عبد الله (١) من إعطائه حصن هينن وغيره.

وفيها : أعطى السلطان بدر تريم كلها لعبد الله بن على الرهينة (٢) فلبث فيها أياما ثم أعطاها آل دويس.

وفيها : خرج السلطان محمد وولده علي الى المشقاص خوفا من السلطان بدر لما رأى ميله إلى الشريف ناصر الجوفي وأصحابه.

وفيها (٣) : غلت الأسعار وقد كان أولا من سنة خمس كما سبق غلاء لم يسمع بمثله بعدن والشحر ونواحيها ، وفيها خرجت النّاس من عدن من الجور والغلاء نسأل الله العافيه.

وفي تاسع المحرم : توفي السيد الشريف عالي الهمة جليل القدر السيد وجيه الدين عبد الرحمن بن محمد بن علوي شنبل باعلوي بمكة المشرفة رحمه‌الله تعالى.

وفيها : رد الشريف ناصر هينن إلى السلطان بدر.

وفيها : في شهر رمضان طلع السلطان بدر إلى الشحر والشريف ناصر بحضرموت فأرسل إليه بجملة مال على يد خادمه.

__________________

(١) يعني باسنجلة.

(٢) في (س) الوصية.

(٣) النفحات المسكية ٢ : ١٢٢.

٢٧٤

قال باسنجلة : وفيها بشوال سافر كثير بن مسعود وخادم الشريف ناصر إلى هينن بحمول بز بياض وسواد نحو خمسة عشر حمل بز فاخر ومال ومشموم ، وللخادم مائة أشرفي ، فلما وصل إليه الخادم أخذ الشريف جميع ما قد جمعه من مال ودروع والآلات ، وأعطاه السّلطان متقدم (١) درع كان لعبد الله بن جعفر وصدرة كانت لآل شحبل ، وجملة مال ، وشلّ (٢) جميع ما في حصن هينن وعزم القبلة كثير بن مسعود النزاري فلما وصل إليه عزم الشّريف ناصر إلى القبلة في شهر شوال.

وفيها : بشهر شوّال : اعتصبوا أهل صعدة (٣) وآل عبد العزيز بن دريب مولى (٤) جازان على أن يأخذوها من الأروام ، فأخذوا جازان ، وغدروا بعامر العزيز وقتلوه وملكوها ، فلما كان بعد أيام رجع عز الدين بن الإمام إلى صعدة ، وجعل في جازان رتبة (٥) فدخلوها الأروام وقتلوا الرتبة وملكوها ، وبقيت معهم إلى سنة سبع وأربعين وتسعمائة ، فرجع الشّريف وأخذها منهم ونهبها برّا وبحرا ، ثم تركوها ، ودخلوا الأروام أيضا وبقيت معهم إلى الآن ، وقد تقدم الكلام في هذه السنة.

وفيها : توفي السيد الشريف النبيه الفقيه العابد الناسك السالك الولي الصالح أحمد شهاب الدين بن عبد الرحمن بلحاج ، والفقيه السيد محمد بن عبد الرحمن الأصقع وكان له كرامات خوارق نفع الله به ، ومن كلامه قال : من نظر إلى المشايخ بعين العصمة حرم بركتهم ومن نظرهم بعين التعظيم رزق بركتهم ، ولحق بهم وإن لم يعمل بعملهم.

وفيها : ضرب الأمير بهرام أمير عدن عن عدن وجعل أمرها لصاحب

__________________

(١) كذا ولعله مقدّم.

(٢) شل : من العامي بمعنى أخذ.

(٣) في (س) المسفلة. وأصلحه في (ح) بالهامش.

(٤) مولى : صاحب.

(٥) الرتبة : جماعة من العسكر.

٢٧٥

زبيد.

قال باسنجلة :

وفيها : ليلة الأحد الثاني من شهر رمضان من هذه السنة أضيفت ولاية عدن للباشة مصطفى صاحب زبيد واليمن ، فجعل بهرام أميرا على حاله من تحته ، جائته بذلك مراسيم سلطانيه ، وكان الباشة المذكور صاحب زبيد عادلا يحب الخبر والصّدقات وشفيق على الرّعية والناس شاكرينه (١) ، وسيرته مع أهل زبيد حسنة ، فجمع العساكر من زبيد ونواحيها ، وأرسل للأمير بهرام ان يخرج هو وعسكره ويلاقيه إلى تعز ، فلاقاهم بهرام إلى تعز فلبثوا أياما تحتها ولا حصلوا فيها شيئا فرجعوا ، وذلك في شهر شوال منها انتهى.

وفيها (٢) : توفي الفقيه العلامة محمد بن علي بن حاتم رحمه‌الله تعالى.

__________________

(١) كذا صوابه : شاكرون له.

(٢) النفحات المسكية ٢ : ١٢٢.

٢٧٦

سنة سبع وأربعين

فيها (١) سادس شهر المحرم : توفي الفقيه العالم العلامة القاضي الطّيب بن الفقيه عبد الله بن أحمد بامخرمة بعدن ، ودفن في قبر جده لأمه القاضي العلامة محمد بن مسعود أبي شكيل بوصيّة منه ، وذلك في قبة الشيخ جوهر بن عبد الله الحبشي رحم الله الجمبع برحمته ورضوانه ، وكثر الحزن والتّأسف عليه من الخاص والعام ، وكان من محاسن الدهر ، جمع الله له من محاسن الصّفات من التواضع وحسن الخلق والبشاشة ولين الجانب وكرم النفس ، ولد بعدن ليلة ثاني عشر ربيع الثاني سنة سبعين وثمانمائه وأخذ عن والده وعن الفقيه محمد بن أحمد بافضل ، وانتفع به كثيرا ولازمه ، وكذلك عن غيرهما كالقاضي العلامة محمد بن حسين القماط والقاضي العلامة أحمد بن عمر المزجد ، وذلك في وقت قضائهما بعدن وتفنن في العلوم وبرع وتصدّر للفتوى والاشتغال ، وكان من أصح النّاس ذهنا وأذكاهم قريحة وأقربهم فهما ، ومن أحسن الفقهاء تدريسا ، حتى أن الجماعة من الطلبة وغيرهم يذكرون أنهم لم يروا مثله في حسن التدريس وحلّ المشكلات في الفقه ، وصار في آخر عمره عمدة الفتوى بعدن ، وبالجملة فإنه مشارك في كثير من العلوم منه الفقه والتفسير والحديث والنحو واللغة وغيرها.

روي عن تلميذه العلامة الفقيه أحمد بن عمر الحكيم أنه كان يقول :

__________________

(١) النور السافر : ٢٠٤ والسناء الباهر : ٤٦١. والنفحات المسكية ٢ : ١٢٢.

٢٧٧

شيخنا يقول إني أقرأ في أربعة عشر علما ، والله أعلم ، وله تصانيف مفيدة حسنة ، منها شرح مسلم غالب استمداده من شرح الإمام النووي مع زيادات وتحقيقات ، وأسماء رجال مسلم ، وتاريخ مطوّل مرتّب على الطبقات والسنين وابتدأه من أول الهجرة ، وكتاب النسبة إلى البلدان (١) وهو مفيد في بابه جدا من تاريخ السيد عبد القادر ملخصا.

قال الفقيه عبد الله بامخرمة (٢) وفيها : في شهر صفر وصل الخبر إلينا ونحن بجدة أن غرابا من الإفرنج مرّ ببندر عدن وضرب إليها مدافع ، ثم تجاوزها إلى باب المندب ومرّ إلى سواكن ودهلك وصادف جملة خشب وقتل جماعات من المسلمين في الخشب التي أخذها ، حتى أخبرني بعض الواصلين من دهلك أن جملة من قبض من المسلمين ثلثمائة مسلم على مازاد ونهب أموالا جمّة ، ولم يصّده صاد ولا أزعجه مزعج ، هذا مع أن عدن وزبيد ملآنتان عساكر من الأروام وعدد وغيرها ، وهذا شيء عجيب تضرب به الأمثال ويؤرخ في التواريخ ، ولا حول ولا قوة إلا لله.

وفي يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة : وصل شاووش ومعه مصطفى قنبطان من زبيد فقبضوا الكاتب عثمان المصري وعزموا به إلى زبيد بعد صلاة الجمعة ثاني عشر الشهر بعد أن سمّروا على دياره ، وذكروا أن الباشة قد قبض جماعة من تجار زبيد ومباشرينها (٣) واتهمهم بمكاتبة الإمام ومباطنته ، ومنهم أبو القسم بن أبي السعادات بن الأحمر.

وفيها آخر شهر ذي القعدة : عدت ديار عدن ودكاكينها ومساجدها وكان المتولّي لذلك رجل من الأروام وصل من زبيد ، ومعه مراسيم بأن يشرف على الأوقاف وديار الديوان ويبيعها ويعمل المصلحة ، فتجاوز إلى

__________________

(١) نقوم الآن بتحقيقه.

(٢) هو المؤرخ الفقيه عبد الله (الطيب) بن عمر بن عبد الله بامخرمه المتوفى سنة ٩٧٢.

وهو ابن أخي المترجم له قبل قليل.

(٣) كذا في الأصل صوابه : ومباشريها.

٢٧٨

ديار أهل عدن جميعها فعدها فجاءت ألف دار ونحو من مائة دار ، فيها نحو مائة دار للدّيوان ودكاكينها نحو ألف ومائتي دكان ومساجدها مائة وبضعة عشر مسجدا وأمر الناس أن يثبتوا أملاكهم.

وفي سلخ ذي القعدة : وصلت مكاتبة من زبيد إلى عدن أن النّواب في عدن يدخلون إلى ديار القاضي عثمان الكاتب ويرصدونه وكذلك يبحثون عن الأوقاف العدنية واللحجية والأموال السّلطانيه ويرصدونها ويرجع القاضي القماط بخبر ذلك إلى زبيد.

وفيها : خرّج المخذول الإفرنجي نحو سبعين خشبة صغيرا وكبيرا من جوه إلى جهة السّويس يريدون حرق العمارة ، فسمعوا أن عندها عسكر فرجعوا إلى دهلك وتوّهوا الجميع بها.

قلت : رأيت بخط باسنجلة أنه لما دخل الافرنجي سواكن صالح أهلها وأما دهلك فنهبها وأسر منها جماعة لأنهم قتلوا منه جماعة ، وطلع إلى البر جماعة نحو المائة نصرة للحطي (١) ملك الحبشة ، فجرد لهم القراد (٢) أحمد المجاهد تجريده ، فقتلهم عن آخرهم ، فلما علموا قتل أصحابهم قتلوا جماعة من أهل مصوع ونهب فيها جملة مال ونهب صغارهم ذكورا وإناثا ، ودخل القصر ونهب في الطور دارا فيها مال للأمير بهرام الرومي الذي كان أميرا في عدن لما دخل مصطفى إلى الهند ، ولم ينهب في الطور غير مال بهرام ، وأحرق منه ما كان ثقيلا ، وأسلم أهلها لأن أكثرهم نصارى من الشام ساكنين بها ، ومن العجائب أن الأمير بهرام المذكور لما خرج من عدن ، وكان قد كسب منها مالا عظيما فخرج بماله إلى مكة فلما طلع الجبل للوقوف حصل المال جميعه في بيت بمكة وفيه عبيده ، فقدر الله سبحانه وتعالى أن عبيده أسرجوا في البيت فاشتعل البيت

__________________

(١) الحطي : لقب ملك الحبشة وهو حاكم الإقليم الأكبر في الحبشة وهو إقليم أمحرا وصاحبه يحكم على أكثر الحبشة (دهمان : ٦٣).

(٢) كذا في الأصل يرد تارة القراء وتارة القراد. وقد سبق تحقيق ذلك.

٢٧٩

نارا فاحترق جميع ما في البيت من قماش ومال وغيره ، ولم يحترق سوى بيت الأمير بهرام فقط ، فلما دخل تجهيز الإفرنج الطور وقف بها نحو خمسة أيام ثم صرا يبغي السّويس فمع صرايته من الطور (١) أقبل أمير رومي من مصر يبغي السويس يريد يظهر على العمارة ، ويريد تجريدة إلى اليمن ، فقيل له : هذه خشب الإفرنج صارية فارتاع وطلع إلى مصر وأعمالها ، وقال لهم اذكوا العمارة فاذكوها قبل وصول الإفرنج إليها ، فلما وصلوا السويس يعني الإفرنج طلع ثمانية غربان تنظر البندر بالّليل فوجدوا البندر حازما والعساكر كثير فرجعوا إلى أصحابهم ، وساروا وكانوا قد غرقوا جملة جلاب شيء بالقصير (٢) وشيء بالطور ورجع المخذول إلى دهلك (٣) فجلس أياما قليلة ، ثم سافر في تغليق البحر.

وفيها : غلت الأسعار بالشحر غلاء عظيم لم يعهد مثله.

وفيها (٤) : أخذت عمد (٥) وقتل فيها صاحبها فارس بن عبد الله بن علي العامري ببندق وقتلوا جماعة غير فارس.

وفيها : غلت الأسعار بحضرموت حتى بلغ الطّعام الذرة بشبام مصرى (٦) ببقشتين والتمر رطل وثلث ببقشة ولا يوجد طعام ولا تمر.

وفيها : بلغ الرز (٧) ستة أقراص بأشرفي ، وهذا لم يعهد منذ ظهرت

__________________

(١) الطور : جبل بمصر القبلية (ياقوت ٤ : ٤٧).

(٢) في الأصول العصير بالعين المهملة صوابه بالقاف ، قلت : القصير ميناء مصري على البحر الأحمر (المنجد في الاعلام).

(٣) دهلك : سبق ذكرها ، وهي أرخبيل من ١٢٢ جزيرة في جنوب البحر الأحمر ، يتبع أريتريا أهم جزره ودهلك الكبير تجاه مصوع (المنجد في الأداب : ١١).

(٤) النفحات المسكية ٢ : ١٢٣.

(٥) عمد : واد تنسب إليه المدينه المعروفة بينه وبين وادي جردان مسير ثلاثة أيام.

(٦) مصرى : بضم الميم وإسكان الصاد مكيال معروف بحضرموت يقدر بالنفر عند أها صنعاء. ولعله أكبر منه بقليل.

(٧) في (س) : السنكر.

٢٨٠