تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه

تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

المؤلف:

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

والله ما خيبت طالب حاجة

لو أنها تقضي ببيع المنزل

وختام حالاتي الثلاث وخيرها

صوغى المدائح في الهمام أبي علي

الماجد الملك المظفر خير من

يدعى [إلى](١) الخطب المهول المعضل

رب الفصاحة والسماحة والندا

غوث البرايا في الزمان الأمحل

مولى ملوك الأرض عبد الله لا

زالت به عنا الشغائب تنجلي

رحب الفنا للنازلين ببابه

جّم الجدا للطارق المستعجل

وهّاب ما ظن الكرام به على

طلابه من غير منّ مبطل

أفديه سلطانا إذا شبّت لظى

حرب عوان كان أول مصطل

وهناك يبدوا ضاحكا متبسّما

والخيل عثرى من صعاد العسل

يا فاتحا بالسيف كل مدينة

ومذيق أهليها مرير الحنظل

نبطت بك العليا فقمت بحقها

وفتحت منها كل باب مقفل

وأتيتنا طفل بكل عجيبة

عنها يقصّر كل شيخ لو بلي

وسلكت كل طريقة (٢) مرضية

في نصرة الدّين الحنيفيّ الجلي

وبنيت بيتا في المعالي (٣) عاليا

حتى سما فوق السماك الأعزل

فانهض وكف عن لبس كل مطرف

لاه وبالدّرع الثقيل استبدل

واشهر مواضي العزم واركب للوغا (٤)

في سبق الفلك العتاق الكمل

فالملك ليس وريفة أغصانه

حتى تطا الغنا نعال الجحفل

وتقود نحو تريم كل طمرّة

تعدوا بليث بالحديد مسربل

نبغى عليها كل يوم غارة

شعوى يذوب بها صميم الجندل

يمسون أسرى بعد قتل رماتهم

ونطا على هاماتهم بالأرجل

__________________

(١) ساقط من (س).

(٢) بياض في (س).

(٣) بياض في (س).

(٤) بياض في (س).

٢١

فدهاهم شعت النواصي (١) فوقها

أولاد جعفر الكريم المفضل

فتيان حرب أيقنوا أن الغنا

تحت القنا عين الفخار الأكمل

قوم يذيقون الجياد هوانها

إن قال حي على الكريهة عبدل

كم طعّنوا بالسيف من خصم عتا

واستسلمت أرواحهم من معقل

سل عنهم «باجلحبان» ووقعة

في «باعطيس» وعج بحبان سل

واستفت سكان الخليف وخيلة (٢)

ما شاهدوا من باسهم في المدخل

وتبالة فيها أتوا بعجائب

ينبيك عنها كل خشف مطفل

وشبام يوم الخبة انظر كم بها

من غارة أو عاطب بالمنصل

ورثوا المكارم كابرا عن كابر

وأخيرهم ينبيك فعل الأول

فاخرب بها دور الأعادي جهرة

وابحث على عرق (٣) الخصوم وزوّل

واحذرو حاشاك أن تكون مصدقا

أو واثقا بمودة في مسفل

يبدو لنا ودا ويخفو ضده

عنا وظنوها علينا تنطلي

ولئن تلاقينا ووافينا الرّدى

كلنا جزاهم كيل مديون ملي

نقضيهم بالمدصاعا وافيا

تبا لغاويهم وللمتبتل

هذا وختمي بالصلاة بحقها

أزكى السلام على النبي الأفضل

والآل والأصحاب ما هبّ الصبا

أو زمزم الحادي بعيس بزّل

[وللفقيه](٤) عبد الله فيه وفي ولده بدر بن عبد الله [القصائد](٥) العظام المطولات قال المؤرخ : ذكر الإمام ابن حسان في تاريخه : [أنه في سنة](٦) ثلاث وسبعين وخمسمائة وقعت الخبة بشبام قتل فيها عبد

__________________

(١) في الديوان : تدهمهم شعث النواصى.

(٢) محلتان من تريم.

(٣) في الأصل «رق».

(٤) ساقط من (س).

(٥) ساقط من (س).

(٦) ساقط من (س).

٢٢

الباقي بن راشد ابن الدّغار وجماعة من آل شبام (١).

[وفي](٢) يوم الأحد بعد العصر الثامن والعشرين من شهر رمضان (٣) توفى الشيخ العلامة الحافظ أبو عبد الله شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي (٤) الأصل القاهري الشافعي بالمدينة حال مجاورته الأخيرة بها ، وعمره إحدى وسبعين سنة وصلّى عليه بعد صلاة الصبح يوم الاثنين ثاني تاريخه بالرّوضة الشريفة ووقف بنعشه تجاه الحجرة الشريفة ، ودفن بالبقيع بجوار مشهد الإمام مالك وكانت جنازته حافلة ولم يخلف بعده مثله في مجموع فنونه ، وكانت ولادته في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين ، وحفظ القرآن العظيم وهو صغير وجوده ثم حفظ المنهاج الأصل (٥) وألفية أبن مالك والنخبة وألفية العراقي وشرح النخبة ، وغالب الشاطبية ومقدمة الشاوي في العروض ، وكلما انتهى حفظه لكتاب عرضه على شيوخ عصره ، وبرع في الفقه والعربية والقرات وغيرها وأمّا مقرؤاته ومسموعاته فكثيرة ، وشارك في الفرائض والحساب وأصول الفقه والتفسير وغيرها ، وأخذ عن جماعة لا يحصون ، حتى بلغت عّدة من أخذ عنه زيادة على أربعمائة نفس ، وأذن له غير واحد بالإفتاء والتّدريس والإملاء ، وسمع الكثير من الحديث على شيخه إمام الأئمة الشهاب ابن حجر ، وحجّ بعد وفاة شيخه ابن حجر مع والديه ، ولقي جماعة من العلماء وأخذ منهم كأبي الفتح الأغر (٦) والبرهان الزمزمي والتّقي بن فهد وأبي السّعادات ابن ظهيرة وخلائق ، وزار المدينة الشريفة ورجع الى القاهرة ملازما للسّماع والقراءة والاستفادة من الشيوخ

__________________

(١) ساقط من (س). وانظر خبر هذه الوقعة في تاريخ شنبل : ٤٧ بتحقيقنا.

(٢) انظر تاريخ شنبل : ٤٧.

(٣) النور : شعبان.

(٤) انظر ترجمته في الضوء اللامع ٨ : ٣٢ الكوكب السائرة ١ : ٥٣ وشذرات الذهب ٨ : ١٥ والأعلام ٦ : ١٩٥.

(٥) النور : الأصلي.

(٦) كذا في الأصل والنور السافر لعل صوابه : المراغي أحد شيوخ السخاوي.

٢٣

والإقراء من غير فتور عن ذلك ، وتصانيفه إليها النهاية في الشهادة له بمزيد علوه وفخره ، ورويت تصايفه وأسانيده (١) ، وثبتت سيادته في هذا الفن النفيس ، وتقررت ، ولم يخالف أحد من العقلاء في جلالته ووفور ثقته وديانته وأمانته بل صرحوا بأجمعهم بأنه هو المرجوع إليه في التّعديل والتجريح والتحسين والتصحيح بعد شيخه شيخ مشايخ الإسلام ابن حجر حامل راية العلوم والأثر [قال](٢) بعض العلماء : لم يأت بعد الحافظ الذهبي أحد سلك مسلك هذه المسالك غيره ، ولقد مات فن الحديث من بعده ، وأسف الناس على فقده ولم يخلف بعده مثله إنتهى ، وولي تدريس. الحديث في مواضع متعّددة وعرض عليه قضاء مصر فلم يقبله رحمه‌الله تعالى ، نقلت هذه الترجمة من كتاب النور السافر (٣) ملخصا.

(وفيها) في شهر ذي القعدة توفي الفقيه الصالح جمال الدين محمد المقبول بن أبي بكر الزيلعي (٤) صاحب قرية اللحية نفع الله به

وفيها : توفي الفقيه العلامة جمال الدنيا والدين محمد الطاهر بن عبد الرحمن بن القاضي محمد بن مسعود باشكيل (٥) وكان فاضلا عالما ، ولد بعد وفاة جّده بقليل سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة آخر شهر صفر من السنة المذكورة ، ودفن في قبر جّده القاضي محمد بتربة الشيخ جوهر بعدن رحمه‌الله تعالى.

وفيها (٦) بشهر رمضان : قيد الظّافر عامر بن عبد الوهاب عالم الإسماعيلية سليمان بن حسن بتعز ، وأودعه دار الأدب لتحديثه بما لا يعنيه من المغيبات والمستقبلات ، وأمر بإحضار كتبه ثم أمر بإتلافها فأتلفت ، ولله الحمد ، ثم أطلقه في شوال وعفا عنه.

__________________

(١) بياض في الأصول.

(٢) بياض في (س).

(٣) النور السافر : ١٨ ـ ٢٣.

(٤) النور المسافر : ٢٣. والفضل المزيد : ١٠٨ ط الكويت.

(٥) قلائد النحر ٣ : لوحة ١٨٢.

(٦) النور المسافر : ٢٣ الفضل المزيد ١٠٦.

٢٤

سنة ثلاث بعد التسعمائة

يوم السبت حادي وعشرين من المحرم : توفي (١) الإمام العلامة مفتي مدينة عدن ومدرسها وخاتمة العلماء بها شيخ الإسلام وحيد عصره وفريد مصره صاحب الفتاوى المفيدة والتّصانيف العديدة أبو الطيب الفقيه عبد الله بن أحمد بن علي [بن أحمد] بن إبراهيم الشهير بأبي مخرمة الحميري السيباني بالسين المهملة الهجراني الحضرمي العدني الشافعي ، ولد ببلدة الهجرين ليلة الأربعاء الثاني عشر من شهر رجب سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة [كما](٢) وجد بخطه رحمه‌الله ، وبعد أن حفظ القرآن ببلده حج من بلده ماشيا طريق البر سنة ثلاث وخمسين وأسقط فرضه ، فلما رجع من الحج دخل عدن وتفقه على الإمامين محمد بن مسعود باشكيل ، ومحمد بن أحمد باحميش ، وأقبل عليه أبو حميش إقبالا كليا لما رأى من نجابته وذكائه وأجاز له إجازة عامة ، ودخل شبام حضرموت فأجاز له عالمها الإمام الصالح وجيه الدنيا والدين الشيخ الفاضل الكامل عبد الرحمن باهرمز إجازة عامة ، وقرأ على القاضي محمد بن مسعود باشكيل كثيرا من كتب الحديث والتفسير وغيرها فأجاز له إجازة عامة في جميع أنواع العلوم ، وزوجه القاضي أبو شكيل ابنته وولي قضاء عدن مدة يسيرة ، وكان في خلقه حدّة وخرج من عدن متخفّيا متبرما من القضا ، فقصد

__________________

(١) قلائد النحر ٣ : ١٨٢. النور السافر : ٣٠.

(٢) زيادة من قلائد النحر.

٢٥

الشحر فأكرمه واليها السلطان العادل الفاضل الكامل بدر بن عبد الله بن علي الكثيري وصحبه ، وكان بينهما ألفة أكيدة ومودة شديدة ، ثم رجع إلى عدن وقد تولّى القضاء بها القاضي عبد الرحمن بن عبد العليم القماط ، ولم يزل يتردّد بين الشحر وعدن وأكثر إقامته بعدن ، وقرأ عليه جمع كثير صاروا أئمة ، منهم شيخنا الإمام عبد الله بن عبد الرحمن فضل رحمه‌الله ، والإمام جمال الدين محمد بن عمر قضام ، والفقيه العلامة الشيخ عثمان بن محمد العمودي ، والقاضي الإمام الفقيه العلامة جمال الدين محمد بن عمر بحرق وغيرهم من الأكابر ، وكان من العلوم بحيث يقضى له في كل فن بالجميع ، وكان مهابا حتى أن العلامة الصالح عفيف الدين الفقيه عبد الله بن عبسين رحمه‌الله تعالى يقول : أني لا أخاف أحد من العلماء إلا الفقيه عبد الله بن أحمد بامخرمة ، فإني أكاد أرعد من هيبته ، وكان الملوك في زمانه يخضعون له ويخافونه ، وكان امرا بالمعروف ناهيا عن المنكر لا يراعي في الحق أحد ، ولا يخاف في الله لومة لائم ، وكان صاحبه الإمام الولي الّصالح جمال الدنيا والدين محمد بن أحمد بافضل كثير التّعظم له ، وبلغني أن الفقيه عبد الله رحمه‌الله سئل : أي أعلم أنت أم الفقيه محمد ، فقال : أنا أعلم منه وهو أورع مني ، أو قال أدين مني ، ومن مصنفاته فتاواه المجيدة الجيدة الوضع مجموعة ورتبها على أبواب الفقه ، وعمل على جامع المختصرات نكتا في مجلدة ، وكذا على ألفية النحو في كراريس مفيدة وشرح ملحة الحريري شرحا حسنا ، ولخص شرح ابن الهائم على هائميته ، إلى غير ذلك من الرسائل من الهندسة وغيرها ، قال الطيب بامخرمة في تاريخه : له النكت التي على جامع المختصرات للنشائي يذكر فيه المواضع التي ذكرها ووقعت في الكتاب على غير الصواب ، وله أيضا تأليف لطيف يذكر فيه المسائل التي ذكرها في الكتاب في غير مظنتها (١) على نمط «خبايا الزوايا» للزركشي ، وله شرح ابن ياسمين في الجبر

__________________

(١) قلائد : مظنها

٢٦

والمقابلة ، وبالجملة فإنه كان بقية العلماء العاملين ليس له نظير في زمانه ولم يخلفه بعده مثله رحمه‌الله ، وكان بعض الأولياء يقول في حقه : أنه من الأربعة الأوتاد الذين يحفظ الله بهم البلاد والعباد ويغيث بهم الحاضر والباد ، وكان رحمه‌الله يقول : عمري سبعون سنة فكان كذلك ، وكان يصحب السيد الشريف سراج الدين عمر بن عبد الرحمن باعلوي صاحب الحمراء ويصحب الشيخ الكبير العارف بالله تعالى شهاب الدين أحمد بن الشيخ محمد العمودي صاحب قيدون ، وكان له فيهما عقيدة وحسن ظن ، وعزم صحبة السيد الشريف عمر المذكور إلى تعز في سنة تسع وثمانين وثمانمائة فتوفي السيد عمر بتعز في شهر رمضان من السنة المذكورة (١) ومرض الفقيه ثم نقه من مرضه ، ولم يزل المرض مستمرا به تارة يقوى وتارة يهون إلى أن توفي ليلة الاثنين سحرا لتسع بقين من المحرم من السنة المذكورة ودفن بتربة الشيخ جوهر (٢) الجندي نفع الله به قبالة ضريح شيخه القاضي جمال الدين محمد بن مسعود أبي شكيل رحمهما‌الله انتهى كلام الطيب بامخرمة وفيها توفي الأمير الكبير جمال الدين محمد بركات (٣) صاحب مكة والحجاز ، في الليلة التي توفي فيها الفقيه أبو الطيب عبد الله بن أحمد بامخرمة ليلة الاثنين الحادي والعشرين من المحرم ، وكانت وفاته بوادي الأبيار خارج الحرم فحمل إلى مكة ودفن بالمعلاة ، وولي الحجاز أكبر أولاده الشريف بركات بن محمد.

وفيها (٤) : يوم الخميس عاشر المحرم توفي الفقيه الصالح العلامة جمال الدين محمد بن إبراهيم المكدش بفتح الميم وسكون الكاف وكسر الدال المهملة واخره شين معجمة ، فقيه اللامية ومفتيها ببلدة سامر ، وكان له بها مشهد عظيم رحمه‌الله تعالى.

__________________

(١) في الأصل : في سنة. وأصلحناه من قلائد النحر.

(٢) في الأصول. مطموسة. وأثبتناه من قلائد النحر.

(٣) قلائد النحر لوحة : ١٨٣. الفضل المزيد : ١٠٩.

(٤) النور السافر : ٣٦. الفضل المزيد : ١٠٨.

٢٧

قلت : وبنو المكدش هؤلاء أخيار صالحون شهر منهم جماعة بالولاية التامة وظهور الكرامات وتربتهم يقال : لها الأنفة وهي بفتح الهمزة بعد الألف واللام وفتح النون والفاء وآخره ها تأنيث بجهة الوادي سهام ، وهي محلة مقصودة للزيارة والتبرك ، ونسبهم في الصميين ، وهم قبيلة مشهورة من قبائل عك بن عدنان ومسكنهم في ما بين الوادي وادي سهام ووادي سردد ، ومن مشاهيرهم يوسف بن أبي بكر المكدش كان من كبار الأولياء وله كرامات خارقة ذكره الشرجي في الطبقات (١) ، وأثنى عليه وذكر شيئا من أحواله في تاريخ (٢) سيدنا عبد القادر بن شيخ العيدروس.

ومنه أيضا وفيها (٣) : توفي الفقيه العالم العارف بالله تعالى السيد الجليل الرباني جمال الدين محمد بن احمد باجرفيل قيل (٤) الدوعني رحمه‌الله تعالى بغيل أبي وزير من أعمال الشحر ، وجرفيل بجيم ثم راء ثم فاء ثم ياء ، وكان مولده يوم الاثنين ثاني عشر من ربيع الأول سنة عشرين بعد الثمانمائة ، غلب عليه التصوف فخاض غماره ، وحّقق أسراره وصار من كبار مشايخ الطريقة وأعلام أئمة الحقيقة يقتدى بآثاره ، ويهتدى بأنواره ، وحكي عنه أنه قال : لم أصحب مع كثرة من صحبته من العارفين بالله مثل الشيخ علي بن أبي بكر فلازمته أربعة أشهر على أن يقول لي : أنت منا أهل البيت ، كما قال ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه ، فلم يقل ولم يجبني إلى ذلك ، فلما ألححت عليه وتحقق صدق ودي ومحبتي لأهل البيت فقال : يا فقيه أن الدين النصيحة لا يجيبك إلى مقصودك إلّا الشيخ أبو بكر بن عبد الله العيدروس ، فإنه القطب الوارث للقطبيّة من صغره بعد موت أبيه الشيخ عبد الله بن ابي بكر ، ونحن نكتب إليه أن يجيبك إلى

__________________

(١) طبقات الخواص : ٣٦٩ ط الدار اليمنية.

(٢) النور السافر : ٣٦.

(٣) النور السافر : ٢٣.

(٤) كذا في الأصل وهذه اللفظة لا توجد في النور المسافر.

٢٨

مرادك ، قال : والشيخ أبو بكر يومئذ باليمن ، فكتب الشيخ علي إليه ، وكتبت أنا أيضا إليه ، فأتانا بحمد الله الجواب بالقصد والمراد ، قال العلامة بحرق : ولقد كنت استشكل أشياء تصدر من سيّدي الشيخ أبي بكر العيدروس قدس الله روحه تقصر عنه عقول أمثالنا القاصرة ولكني كنت بتوفيق الله أعرضها على أرباب البصائر فما منهم إلّا يأمرني بالتّسليم ويشهد عندي بعلو مقام سيدي وأنه على هدى من ربه العليم ، منها : إني عرضت على الفقيه محمد بن احمد باجرفيل تصّرفات مالية يباشر سيدي في قبضها وصرفها في ظاهر الأمر في غير مصارفها ، فقال : أنا أشهد أنه أمير المؤمنين المالك للتولية والعزل والحل والعقد والتصرفات كلها وأشهد أنه أفضل أهل الأرض ظاهرا وباطنا ، فقلت له : أمّا الباطن فبصائرنا عنه قاصرة ، وأما الظاهر فما وجهه ، فقال وجهه : أن أهل البيت أفضل من سائر النّاس وآل باعلوي اليوم أفضل من سائر أهل البيت باتباعهم السنّة وما اشتهر لهم من العبادة والزهادة والكرم وحسن الأخلاق ، والشيخ أبو بكر أفضل آل باعلوي بالاتفاق فهو أفضل أهل زمانه ، وتوفي بغيل أبي وزير ودفن بتربة المشايخ آل باوزير.

وفيها (١) يوم السبت خامس عشر شوال : توفي الفقيه المنور المتفق على جلالة قدره علما وعملا وورعا جمال الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله الشهير بابن علي بافضل السّعدي ،نسبة إلى سعد العشيرة الحضرمي ثم العدني رحمه‌الله تعالى بعدن وحزن الناس عليه وكثر تأسفهم على فقده وكان مولده في حضرموت بتريم سنة أربعين وثمانمائة ونشأ بغيل أبي وزير وحفظ القرآن واشتغل بالفقه على الفقيه محمد بن علي باعديله (٢) وقرأ الأحيا ، ثم دخل عدن قاصدا الفقيه جمال الدين محمد بن أحمد حميش ، فقرأ عليه الفقه وغيره فلما توفي شيخه باحميش أقيم مقامه في

__________________

(١) النور السافر : ٢٤. الفضل المزيد : ١١٩ ، قلائد النحر لوحة ١٨٣.

(٢) قلائد النحر «باعديل».

٢٩

التّدريس ، وتزوّج بزوجة شيخة فعمر الله به الدين وأحيا به معالمه ، وقرأ على القاضي محمد بن مسعود باشكيل ، وجدّ في الطلب ودأب حتى برع في العلوم وانتصب للتدريس والفتوى وصار من أعلام الدين والتّقوى ، وكان إماما كبيرا عالما عاملا محققا ورعا زاهدا مجتهدا عابدا مقبلا على شأنه تاركا لما لا يعنيه ، بمقامات وأحوال وكرامات ، وكان حسن التعليم لّين الجانب متواضعا صبورا مثابرا على السنة ، وكان هو وصاحبه الفقيه عبد الله بن احمد بامخرمة عمدة الفتوى بعدن ، وكان بينهما من التودّد والتناصف ما هو مشهور ، وبالجملة ففضائله ومناقبه ومحاسنه أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تذكر ، وله تواليف حسنة مفيدة مشهورة ، منها العدة والسلاح في أحكام النكاح ، لا يستغني عنه كل من تصدى لعقود الأنكحة ، وله شرح المدخل وشرح البرماوية ، وله كتاب موضوع على تراجم البخاري يذكر فيه وجه مناسبة الترجمة للحديث ، وله رسالة في الربع المجيب ، وله مختصر الأنوار المسمى نور الأبصار في الفقه وهو في غاية الحسن ، واختصر قواعد الزركشي ، وكان متفننا في جميع العلوم حسن المذاكرة موظف أوقاته على العبادة والطاعة ، لا تلقاه إلا في طاعة من تدريس أو تصنيف أو قراءة قرأن أو ذكر ، قال الفقيه الطيب بامخرمة : وغالب ظني أنه مجدّد قرنه ، وأورد له السيد عبد القادر العيدروس في تاريخه هذين البيتين في عيادة المريض :

إن العيادة يوما بين يومين

واجلس قليلا كلحظ العين بالعين

لا تبرمن مريضا في مسائلة

يكفيك من ذاك تسآل بحرفين

ودفن بالتربة المعروفة بحافة البّصال بعدن رحمه‌الله تعالى ونفعنا به.

٣٠

[سنة أربع وتسعمائة]

وفيها (١) ليلة الاثنين سلخ ذي القعدة الحرام : توفي السيد الشريف الفقيه الصوفي الأديب الحافظ المحدث البارع في أشتات العلوم بدر الدين الحسين بن الصديق بن الحسين بن عبد الرحمن الأهدل قدّس الله أرواحهم بمدينة عدن ودفن بتربة أهله بالشاذلية ، وكان مولده في ربيع الثاني سنة خمس وثمانمائة بأبيات حسين ، ونشأ بها وبنواحيها واشتغل بالفقه بها على الفقيهين أبي بكر بن قعيص (٢) وأبي القاسم بن عمر بن مطير ، وقرأ الحديث على الأمام الحافظ يحيى العامري الأمهات الست ، وانتقل إلى بلاد المراوعة واشتغل بها على الفقيه إبراهيم بن أبي القاسم جعمان وغيره ، ثم دخل زبيد في سنة ثمان وستين فاشتغل فيها بالفقه على عمر الفتى وغيره ، وفي الأدب على ابن [الزين](٣) الشرجي ، ثم حج سنة اثنتين وسبعين ، وجاور التي تليها ، وحكي أنه لما زار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقف على القبر الشريف وأنشد قصيدة يقول فيها :

إن قيل زرتم بما رجعتم

يا سيد الرسل ما نقول

فسمع الجواب من الحجرة الشريفة :

__________________

(١) النور المسافر : ٢٧. الفضل المزيد : ١٩.

(٢) كذا في الأصل والنور السافر صوابه : ابن قعيش الفضل المزيد : ٢٧٠ ط شلحد ط صالحية.

(٣) زيادة من النور السافر.

٣١

قولوا رجعنا بكل فضل

واجتمع الفرع والأصول

وسمع بالمدينة الشريفة من أبي الفرج (١) المراغي ثم أنه تصوف وحمل الزّنبيل ودار في الأسواق وبين البيوت كعادة صوفية اليمن ، فنقم عليه ذلك فلم يلتفت إلى عذل عاذل ، ثم عاد إلى بلده ، وكان يسعى بين الدّولة والعرب المفسدين بالدية والصّلح ، ثم دخل عدن وصاهر الكتاب بني إسحاق ، وكان يدرس في الحديث والفقه والنحو في جامع عدن وفي بيته ، وانتفع به جمع في دينهم ودنياهم ، وذكره العلامة الفقيه جمال الدين محمد بحرق في كتابه مواهب القدوس في مناقب ابن العيدروس ، وقال : اني قلت مرة أن أحوال سيدنا الشيخ أبي بكر أشكلت علي ، فقال : دعها تحت حجابها مستورة بسحابها فلو أشرقت مشمسة لأحرقت الوجود كله ، أما ترانا نقف على أبوابه ونكتفي بتقيبل أعتابه ، قال : وهكذا كان رحمه‌الله يقبل العتبة وينصرف ، ورأيت كأنه ورد عليه مرة حال فأخذ بيدي وهو كالذاهل ، فقال لي : تريد أن أريك القطب ، فقلت : نعم ، فمشى حتى أتينا سيدي الشيخ أبا بكر ، فقال : هذا هو القطب ، وانصرف ، ولم يلبث أن امتدح سيدي الشيخ بقصيدته التي أولها :

من الحسان الخرد قد صادني

غرير يرمي بقوس حاجب

وأنشده إياها فلما بلغ المنشد قوله :

يا عيدروس الأولياء يا حائز

الكمال القطب أنت الأكمل

كان السيد حسين ينظر إلي ثم يشير بيده إلى سيدي الشيخ ويقول : القطب أنت الأكمل يكررها ليحقق ما كان قاله لي في المنام في حالة ذهول ، وله ديوان شعر وكلامه مشهور وله قصائد مدح في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومنه الوسيلة العظيمة التي أولها :

__________________

(١) كذا في الأصل والنور السافر صوابه «أبو الفتح» قلت : هو أبو الفتح محمد بن أبي بكر المراغي المتوفى سنة ٨٥٩ ه‍ : انظر الضوء اللامع ٧ : ١٦٢.

٣٢

يا رسول الله غوثا ومدد

انتم الوالد والعبد ولد

وخمسها .... (١) أو الفيومي تخميس عظيم ورأيت للفقيه عبد الله بن عمر بامخرمة عليها تخميس أوله :

اسأل الله ولا تسأل أحد

وتوسل بشفيع لا يرد

قل إذا ما شيت تعطى وتمد

يا رسول الله غوثا ومدد

رحمه‌الله تعالى ونفعنا به.

وفيها (٢) بسحر ليلة الأربعاء سابع عشر جمادى الأولى توفى الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام قاضي قضاة الأنام أبو عبد الله جمال الدين محمد بن حسين القماط ٢٢

رحمه‌الله ، كان بحرا في العلوم لا يجارى وإماما في المنطوق والمفهوم لا يمارى أحد أعلام الزّمان المشار إليهم بالبنان ، ولد في شهر صفر سنة ثمان وعشرين وثمانمائة في دولة الملك المنصور عبد الله بن الناصر أحمد بن إسماعيل الغساني (٣) نشأ في عبادة ربه في حجر والده الفقيه الصّالح شرف الدين حسين بن محمد بن حسين القماط ، وحفظ القرآن عنده صغيرا عن علماء مدينة زبيد التي ولد بها كالفقيه جمال الدين موسى بن محمد الضّجاعي ، والعلامة جمال الدين محمد بن ابراهيم بن ناصر ، والقاضي جمال الدين محمد الطيب بن الفقيه احمد الناشري وغيرهم ، وتصدر للافتاء في مدينة زبيد في حياة شيخه شيخ الإسلام جمال الدين الطيب الناشري ، واختصر تاريخ ابن خلكان وصنف كتابا في تفسير القرآن سماه «عجائب التنزيل وغرائب التأويل» بلغ فيه إلى أثناء سورة النساء ، وانتفع به النّاس انتفاعا كليا لقرب جنابه وغزارة علمه ، وسرعة جوابه ، وحسن أخلاقه ، وطلبه الملك المجاهد نور الدين علي بن طاهر إلى محله ، وجعل إليه نظر صدقاته المتقبلة ، وانتفع به الناس كثيرا

__________________

(١) مطموس في (ح). وبيض في «س».

(٢) النور السافر : ٣٧. الفضل المزيد : ١١٤.

(٣) أحد ملوك بني رسول حكمه من سنة ٨٢٧ إلى سنة ٨٣٠ أنظر الضوء اللامع ٥ : ٥.

٣٣

ولم يزل بمدينة زبيد باذلا نفسه للتدريس والفتوى ، حتى استدعاه الملك المجاهد آخر عمره فولاه القضاء بمدينة عدن فنزل إليها ، وخرج منها يوم وفاة الملك المجاهد ، ثم لما صار الأمر بعده إلى أبن أخيه الملك المنصور تاج الدين عبد الوهاب بن داؤد بن طاهر أقرّه على ذلك مدة حياته ، ثم لما استقل (١) الملك الظافر (٢) عامر بن عبد الوهاب بالأمر بعده أقّره أيضا على ذلك إلى شهر جمادى الآخرة سنة تسع مائة ، ثم عزل عن القضا بالقاضي شهاب الدين أحمد بن عمر المزجّد ، ففرح بذلك أكثر من فرح غيره بالولاية ، ورأى ذلك من نعم الله الذي تستوجب [الشكر](٣) فوصل إلى بلده زبيد يوم الخميس الخامس والعشرين في شهر رجب الفرد الحرام أحد شهور سنة تسع وتسعين وثمانمائة ، وحمد الله على جمع شمله بأهله وعياله ، وأقام به حتى توفاه الله في السنة المذكورة ، ولم يتخلف عن تشييعه أحد من أهل مدينة زبيد ، وصلى عليه ولده الفقيه العلامة عفيف الدين مفتي المسلمين عبد العليم ، ودفن إلى جنب والده ضحى يوم الاثنين قريبا من قبر الفقيه علي الزيلعي قبلي مدينة زبيد ، وكثر الأسف عليه جدا ، ولم يخلف بعده مثله رحمه‌الله ونفع به ، نقلت هذه الترجمة من كتاب فتاويه في أولها ، وهو التغلبي نسبا والشافعي مذهبا والزبيدي بلدا رحمه‌الله تعالى.

وفيها (٤) : توفي محمد الطاهر بن عبد الرحمن بن القاضي محمد بن مسعود باشكيل ٢٣ ، ولد بعد وفاة جده بقليل في سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة ، وتوفي والده وهو ابن سنة فنصب عليه الفقيه عبد الله بن أحمد بامخرمة ، فعلّمه القرآن وأدبه وهذّبه ، ونشأ في طلب العلم وتحصيل الكتب شراء ونسخا وبخطه ، حضر درس الفقيه عبد الله بن

__________________

(١) بياض في (س).

(٢) الأصل «الظاهر» وأصلحناه من عندنا.

(٣) زيادة من عندنا.

(٤) قلائد النحر ٣ : لوحة : ١٨٢ وقد سبقت ترجمته قبل قليل.

٣٤

أحمد (١) ، وقرأ صحيح البخاري على الفقيه الطيب بن عبد الله بامخرمة وغيره ، وقرأ على الشريف حسين بن الصديق الأهدل العدة للجزري ، وأجازه الشريف المذكور إجازة عامة ، وقرأ على الفقيه يعقوب الحباني (٢) وكان له حسن ظن وعقيدة في متصوفة الوقت ، وحسن أخلاق ، وكرم نفس ، حج في سنة إحدى وتسعمائة فاستجاز من السيد الشريف السمهودي وغيره من فقهاء الحرمين الشريفين ، وصدر الى عدن في المحرم أو في صفر في سنة ٩٠٢ اثنتين وتسعمائة ، فأقام بها بعد وصوله سبعة أيّام صحيحا ، ثم حمّ ولم تزل به الحمى إلى أن توفي في أواخر شهر صفر الخير المذكور ، ودفن بتربة الشيخ جوهر في قبر جده القاضي محمد بن مسعود رحمه‌الله تعالى.

وفيها (٣) : توفي بشهر ربيع الثاني عبد الله [المعروف بالعمودي](٤) ابن عبد الله بن أحمد بامخرمة رحمه‌الله ، ولد بعدن سنة احدى وثمانين وثمانمائة ، وحفظ القرآن وله حوالى عشر سنين ، وكان فيه فهم وذكاء مفرط واشتغل على أخيه الفقيه أحمد في علم الحساب مدّة يسيرة ، وقرأ على والده وعلى أخويه أحمد والطيب ، وله معرفة باللغة والنحو ، وله ديوان شعر ، وشعره جيد جدا حج على قدم التّجريد ورجع إلى عدن وعزم إلى والده بالهجرين في طريق البر فلما وصل الى الهجرين وجد والده قد خالفه راجعا إلى عدن ، فأقام بالهجرين ، ثم رجع إلى عدن ، واجتمع بوالده ، ثم عزم إلى مكة طريق البر فدخل صنعاء وامتدح إمامها محمد بن الناصر (٥) بقصيدة فائقة ، ثم عزم إلى جازان وقد هيأ قصيدة عظيمة يمدح

__________________

(١) يعني بامخرمة السابق ذكره.

(٢) كذا في الأصل وفي قلائد النحر «الجبائي».

(٣) قلائد النحر لوحة : ١٨٣.

(٤) في الأصل : (بعودي).

(٥) هو الإمام المؤيد بالله محمد بن الناصر محمد حكمه من سنة ٨٦٧ إلى سنة ٩٠٨ (أنظر أئمة اليمن : ٣٣٤).

٣٥

بها الشّريف أحمد بن دريب صاحب جازان فمات بحرض قبل أن يصل جازان رحمه‌الله تعالى.

وفيها (١) : يوم الاثنين الثاني من شهر ربيع الآخر توفي الفقيه الصالح المعمّر جمال الدين محمد النور بن عمر الجبرتي من بقية أصحاب الشيخ اسمعيل الجبرتي عمره خمس وثمانون سنة ، ودفن ضحى يومها قريبا من ضريح شيخه رحمه‌الله تعالى.

وفيها (٢) : توفي الفقيه جمال الدين محمد بن عبد الرحمن باصهي رحمه‌الله.

وفيها (٣) بشهر جمادى الأولى : توجه السلطان الظافر عامر بن عبد الوهاب إلى بلاد يافع لذنوب كثيرة سلفت منهم ، منها إنهم أتوا إلى خاله عبد الله بن عامر بن طاهر وحرضوه على حرب الظّافر ، فسار إليهم بجنوده سابع جمادى الآخرة ، فلما التقى الجمعان إنهزموا يافع هزيمة منكرة واستولى على حصونهم جميعا في أقرب مدة ، ولم يكن منهم أمر متعب مع كثرتهم واتساع بلادهم ودعاويهم العراض ، وكان استفتاح بلادهم من أسهل الفتوح ، ودخلوا عليه وأذمهم ، وساروا جماعة منهم تحت ركابه.

وفي (٤) تاسع عشر الشهر المذكور : لزم الشيخ عبد الباقي بن محمد بن طاهر ، وقيد وأودع دار الأدب بتعز.

وفيها : ولد السلطان بدر بن عبد الله بن جعفر رحمه‌الله تعالى سنة أربع وتسعمائة.

وفيها عشية يوم الأحد الرابع عشر من شهر المحرم : توفي العلامة الشيخ الكبير المعمر شيخ الإسلام نجم الدين يوسف المقري بن يوسف

__________________

(١) النور السافر : ٣٧ الفضل المزيد : ١١١.

(٢) النور السافر : ٣٧.

(٣) الفضل المزيد : ١١٤. وقلائد النحر لوحة : ١٨٨.

(٤) الفضل المزيد : ١١٦. قلائد النحر لوحة : ١٨٨.

٣٦

الجبائي (١) : رحمه‌الله بمدينة زبيد ودفن بعد صلاة المغرب من ليلة الاثنين إلى جنب سيدي الشيخ أحمد الصياد ملاصقا له داخل المشهد من جانب اليمن بوصية منه ، وكان له مشهد عظيم لم تر العيون مثله وصلّي عليه بجامع زبيد ، وجبا (٢) ناحية مشهورة غربي تعز ، كان إماما عالما محققا مطّلعا قوي الادراك جيد الفطنة حسن الاستنباط وتفقّه بعلماء قطره ، ثم ارتحل إلى عدن وأخذ من إمامها القاضي العلامة ابن كبن وبرع وتميز وساد الأقران وصار واحد زمانه ، وولي قضاء الأقضية في قطر اليمن ، وارتحل إليه الطلبة من كل جهة من جهات اليمن وانتفعوا به كثيرا وسادوا وتميزوا ، منهم العلامة موسى ابن الزين الرداد ، والقاضي العلأمة شهاب الدين أحمد بن عمر المزجّد وغيرهما ، وكان له رحمه‌الله تعالى ثروة عظيمة واتباع ورياسة تشبه رياسة الملوك ، وكان عمدة وقته في الفتاوي ، ومن وقف على كلامه ورأى ما فيه من عظم البلاغة ، وحسن الاستنباط واقتداره على تحرير المواضع المشكلة وحلّها وتقريرها على أحسن الوجوه ، علم جلالة الرجل وعلم مقامه ، ولم يزل على الحال المرضي إلى أن توفي بزبيد رحمه‌الله تعالى.

وفيها أول السنة (٣) : تأخر المطر عن أيامه بجهة زبيد واشتد الأمر ، فأمر قاض زبيد الإمام محمد بن عبد السلام الناشري الناس بصيام ثلاثة أيام ، ثم خرج بهم في الرابع صائمين بذلة وتخضع وصلى بهم الإمام الفقيه شهاب الدين أحمد بن الطاهر جعمان (٤) قاضي حيس وخطب بهم ، وكان يوما مشهودا فحصل الفرج العظيم قبل الاستسقاء وبعده.

__________________

(١) كذا في الأصل وفي النور : ٣٨ يوسف بن يحيى الجبائي. والصواب : يوسف بن يونس بن يحيى الجبائي ، أنظر طبقات صلحاء اليمن للبريهي : ٢٤٤ والفضل المزيد : ١٢٣ والسناء الباهر : ٣٤.

(٢) في الأصل : حبان.

(٣) الفضل المزيد : ١٢١ في حوادث سنة ٩٠٤ ه‍ وقلائد النحر لوحة : ١٨٨.

(٤) في (س) جمعان خطا. وانظر الفضل المزيد : ١٢١.

٣٧

وفيها : قتل سعد بن مبارك (١) بادجانة الكندي بالسّواحل بمدينة منبسة ، هو وجماعة من المهرة من بيت محمد وغيرهم ، غدروا به فقتلوهم عن آخرهم إلا قليلا هربوا في المراكب.

وفيها : توفي الفقيه الصالح أبو بكر بن محمد بلحاج بافضل ، والولي الوفي الصالح عفيف الدين عبد الله بن عمر باهرمز فجاة بمكان يسمى يفل بمثناه من تحت مكسورة وفاء مكسورة ولام ساكنة ، من أعمال شبام حضرموت ، والولي الصالح المعلم عبد الرحمن بن أبي بكر باهرمز بشبام أيضا انتهى كلام المؤرخ (٢).

ومن تاريخ سيدي السيد الشريف عبد القادر العيدروس (٣) :

وفيها عشية يوم الأربعاء من شهر ربيع الأول : توفيت السيدة الصالحة اسماء بنت الفقيه العلّامة كمال الدين موسى الضّجاعي بمدينة زبيد ، وكانت عابدة صالحة قارئة القرآن ، تقرأ التّفسير وكتب الحديث وتسمع النساء وتعظهن وتؤدّبهن ، وكان لقولها وقع في القلوب ، وربما كتبت الشفاعات إلى السلاطين والقاضي والأمير ، فتقبل شفاعتها ولا ترد وصلى عليها بعد صلاة الصبح بمسجد الأشاعرة ، ودفنت بجوار والدها صبح الخميس ثاني موتها رحمها الله تعالى ، ولم يخلف بعدها مثلها في الدين والصلاح في بنات جنسها.

وفيها (٤) : ليلة السبت السادس والعشرين من الشهر المذكور توفي الفقيه العلّامة الخطيب كمال الدين موسى بن عبد المنعم الضجاعي بعد طول مرضه ودفن إلى جنب جده الفقيه الصالح علي بن قاسم الحكمي رحمهما‌الله تعالى.

__________________

(١) في (س) امبارك.

(٢) يعني به المؤرخ باسخلة وكتابه يعتبر في حكم المفقود.

(٣) النور السافر : ٣٨ والفضل المزيد : ١٢٤.

(٤) النور السافر : ٣٩ الفضل المزيد : ١٢٤.

٣٨

وفيها (١) : ليلة الأربعاء سلخ الشهر المذكور توفي الفقيه العلّامة كمال الدين موسى بن أحمد الذّؤالي (٢) المعروف بالمكشكش على قرب مدينة تعز ، وقد خرج منها مريضا الى مدينة زبيد فرد إلى مدينة تعر فغسل وكفن وصلي عليه بها ، ثم دفن بمقبرتها الأجيناد قريبا من قبر الفقيه نفيس الدين سليمان بن إبراهيم العلوي (٣) رحمه‌الله.

وفيها (٤) : حصل برق عظيم أصاب رجلا يحرث على ثورين له خارج مدينة زبيد قريبا من تربة الفقيه أبي بكر الحداد بمجنة باب «القرتب» فأحرق الثورين بآلتهن وسلم الرجل بعد أن أصابه منه لفح كاد أن يهلك ، فسبحان القادر على كل شيء.

__________________

(١) النور السافر : ٣٩ الفضل المزيد : ١٢٥.

(٢) في الأصول والنور السافر الدّوالي بالدال المهملة خطا.

(٣) من علماء الحديث باليمن وفاته سنة ٨٢٥ (أنظر كتابنا مصادر الفكر الإسلامي في اليمن : ٤٧).

(٤) النور السافر : ٣٩. الفضل المزيد : ١٢٩.

٣٩

سنة خمس وتسعمائة

وفيها : توفي السلطان جعفر بن عبد الله بن علي الكثيري فجأة ببلدة بور من أعمال حضرموت ، وولي بعدة ولده السلطان عبد الله بن جعفر ، وكان عادلا منصفا أحّبته الرّعية وسار فيهم بسيرة جميلة مرضية ، ووفق لمراضي الله رحمه‌الله تعالى.

وفيها (١) : أول شهر صفر أصبح ولد مخارش صاحب الجوف مقتولا في مخيم الشيخ عبد الوهاب برداع ولم يعلم قاتله ، فتعب الشيخ كثير فتفحص عن قاتله حتى بلغه أن قاتله من بني عبد ، فجهز يغزوهم فلم علموا بذلك لجأوا إلى اليهودي الناقّض العهد الذي ببيحان ، وكان مخالفا على الشيخ عامر ناف للإيمان ، يطعن في الإسلام ، ويركب الخيل بالسروج المعرقة (٢) بالذهب والفضة ، ويتطاول على المسلمين ، وتبعه خلق من اليهود خصوصا من تهّود منهم بعد إسلامه ، فجهز الشيخ إلى بيحان قوما بعد قوم موهما أن لا غرض له سوى الصيد ، فتقّدم الأمير علي بن محمد البعداني (٣) في جماعة الأمراء إرسالا إلى أن وصلوا بيحان من الربع الذي هو غير مسكون ، وتبعهم الشيخ ، فما زال يقطع البلاد حتى بلغ بيحان فدخلها ، فلما علم به اليهودي تنحّى هو وأصحابه ومن معه إلى ذلك

__________________

(١) الفضل المزيد : ١٣٠ قلائد النحر ٣ : لوحة ١٨٨.

(٢) قلائد النحر : المزوقة.

(٣) في الأصول : البغدادي وأصلحناه من قلادة النحر.

٤٠