تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه

تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

المؤلف:

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

أحس بالدقة.

وفي نحو العشرين من ذي الحجة : وصلت الثلاثة الغربان التي كانت في باب المندب ، وشرعوا في الكلام في فكاك أصحابهم الذين عند السلطان بدر ، فأظهر لهم السّلطان طمع كثير ، فآل الأمر إلى أنهم شرعوا في صلح على أن أصحابهم يبقون على حالهم ، وإن الموسم الهندي يصل إلى الشّحر وإن في آخر الموسم يرسلون أربعة من أكابرهم يجلسون عند السلطان بدل (١) هولاء الماسورين ، ويكون هؤلاء الأربعة يكتبون الخطوط لأهل الخشب.

وفي هذه المدة : أرسل السّلطان إلى علي بن عمر بالأمان ، وأنه يصل إليه إلى الشّحر ، فوصل إليه فقابله السّلطان بالإعزاز والإكرام.

وفي أواخر ذي القعدة : ورد الخبر بوفاة السّيد الصالح الفقيه العلامة الفاضل الكامل العامل عفيف الدين الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بن الفقيه العلامة الإمام الولي الصالح اسماعيل بن محمد الحباني الإسرائيلي رحمه‌الله ونفعنا ببركاتهم.

وقد تقدم الكلام في السنة التي قبل موت الفقيه الفاضل عبد الله بن أحمد باسرومي ، وذكر الفقيه عبد الله بامخرمة أنه في سنة ثلاث وبعد ذلك وقفت على ترجمته في تاريخ السيد الشريف عبد القادر بن شيخ العيدروس باعلوي أنه في هذه السنة مثل ما ذكره الفقيه عبد الله بامخرمة قال السيد عبد القادر (٢) وفي : شهر ذي القعدة توفي الصّالح القاضي عفيف الدين عبد الله ابن أحمد باسرومي الشحري بمكة ، وكان عزم إلى الحج فلما توصل إلى مكه توفي بها قبل الحج في شهر ذي القعدة ، ودفن بالمعلاة وكانت ولادته ببلدة الشحر ونشأ بها وقرأ بها ، ثم ارتحل لطلب العلم إلى زبيد فأخذ عن إمامها الفقيه كمال الدين موسى بن الزين ، والعلامة جمال

__________________

(١) في الأصل «بدر».

(٢) النور السافر : ١٨٨.

٢٤١

الدين محمد بن الحسين القماط وغيرهما ، ثم رجع إلى الشحر ، فأخذ عن عالمها الفقيه الصّالح عفيف الدين عبد الله بن عبد الرحمن فضل المعروف ببلحاج ، ولازمه وهو الذي سعى له في وظيفة القضاء بالشحر في أواخر أيام السّلطان عبد الله بن جعفر فولاه القضاء ، وذلك أول سنة عشر بعد وفاة الفقيه القاضي الصّالح عبد الله بن عقيل بافضل بنحو سنتين ، ولم يزل متوليّا بها القضاء إلى أن عزم الى الحج ، وكان رحمه‌الله يحب الطلبة ويؤهلهم ويحب الإفادة والاستفادة ، وكان لطيفا قريب الجناب (١) سليم الباطن ، ذكره الفقيه عبد الله بامخرمة في ذيل طبقات الإسنوي ، وذكر أنه من شيوخه ، وكان كثير الإعتناء بكتاب الروضة [واعتنى بحاشية على «الروضة» لكن عدمت في آخر أيامه وبعد وفاته ، والسبب في ذلك أن أحد أولاده دخل بها الهند حتى أنها عدمت ولم تظهر](٢) وحكى أنه قدم إلى الشّحر في بعض السّنين بعض السياحين ، فقام ذات يوم إلى القاضي عبد الله ، وقال له : يا سيدي كيف الطّريق إلى الله فأطرق القاضي ساعة ، ثم قال (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(٣) فخر ذلك السياح على أقدام القاضي يقبّلها.

فائدة : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من يخرج من بيته قاصدا للحج ومات قبل أن يحج ، فإن الله عزوجل يوكل ملكا ينوب عنه بالحج في كل عام إلى يوم القيامة» (٤).

قلت : وجرى. مثل هذا للشيخ القطب أبي الحسن الشاذلي نفع الله به ، فإنه سافر من بلده بنية الحج فمات قبل أن يحج ، وحكي أن الشيخ في

__________________

(١) النور السافر : الجانب.

(٢) ما بين المعكوفتين ساقط من مطبوعه النور السافر ، قلت كثيرا ما يورد المؤلف نصوصا لم ترد في مطبوعة النور السافر ، فلعل في المطبوعة نقصا كبيرا.

(٣) سورة الحشر ، الآية : ٧.

(٤) أخرجه البيهقي والدارقطني من حديث أبي هريره وعائشة ، قال في المغني عن حمل الأسفار ١ : ٢٤١ «بهامش الأحباء» وكلاهما ضعيف.

٢٤٢

تلك السفرة قال لأصحابه : في هذا العام أحج حجة نيابة ، فمات قبل أن يحج ، فلما رجع أصحابه إلى الدّيار المصرية سألوا المفتي شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السّلام وأخبروه بمقالته فبكى ، وقال لهم الشيخ : إنه والله أخبركم أنه يموت وما عندكم به علم وأخبركم أن الملك هو الذي يحج نائبا عنه ، وأراد الحديث السابق ، انتهى ملخصا من تاريخ السيد عبد القادر بن شيخ العيدروس نفع الله به وبسلفه.

وفي : هذه المدة وصل الخبر بأن الشريف أبو نمي صاحب مكة جهّز على جازان وسار إليها بنفسه وحصرها.

٢٤٣

سنة أربع وأربعين

في أواخر المحرم : وصل الخبر بأن أبا نمي أخذ جازان وأن صاحبها بن دريب وصل إلى زبيد إلى عند الترك.

وفيها (١) في ثامن عشر ربيع الأول : وصل إلى الشحر قاصد اسمه فرحات شوباصي ، ومعه كتابان وخلعتان للسلطان بدر ، ومضمون الكلام : أن صاحب مصر وهو سليمان باشة مهتمّ بإخراج التّجريد للإفرنج ، وأنه خارج بنفسه للجهاد ، ثم سافر القاصد المذكور هو ومن معه من الشحر ثامن عشر ربيع الثاني ، وأرسل السلطان هديّة للباشة المذكور ، وذلك فصّ الماس وخمسمائة مثقال عنبر ، وأعطى القاصد نفسه هو والجماعه الذين معه نحو ثلاثين بهار فلفل ، وهذا القاصد قد مرّ عدن وزبيد بمكاتبات وخلع لولاتها ، الله يحسن عاقبة الجميع انتهى ما ذكره الفقيه عبد الله بامخرمة بخّطه رحمه‌الله.

ومن خط باسنجلة (٢) قال : وفيها يوم السبت ثامن عشر ربيع الأول وصل غراب فيه نحو ثلاثين روميا قاصدا إلى السّلطان بدر إلى الشحر ، وهو يومئذ بالشحر ومعهم مرسومين وخلعتين من السلطان سليمان بن سليم بن بايزيد العثماني ، وهو يومئذ صاحب الرّوم والديار المصريه والشام

__________________

(١) أنظر في ذلك : تاريخ الدولة الكثيرية لمحمد بن هاشم : ٤٤.

(٢) النفحات المسكية ٢ : ١١٩.

٢٤٤

على لسان أميره سليمان باشة الطواشي ، عامل مصر وأعمالها ، وهو الذي أرسل الغراب القاصد والمرسومين المذكورين صحبة مملوكه فرحات شوباصي بأخبار التجريدة وأنها مرسولة لحرب الإفرنج ، وأن السلطان سليمان قد أذن بخروجها وهي متجهزة إن شاء الله ومع القاصد المذكور خلعة ومرسوم أيضا للشيخ عامر بن داؤد صاحب عدن ، وقد قرأ المرسوم وخلع عليه وأوعد القاصد بالجواب حتى يرجع من الشحر.

ولما كان ضحى يوم الاثنين والعشرين من ربيع الأول : اجتمع السلطان بدر وعسكره والقاصد وأصحابه لقراءة المراسيم بالجامع الشريف ، فقرأها الفقيه عبد الله بامخرمة قائما والسلطان قائما والناس قيام تواضعا لأمر سلطان الروم ، وخلعوا على السلطان بدر الخلعتين عند قراءة المراسيم ، وكان مضمونها إخبار التجريدة وعددها وعددها.

وفي يوم الجمعة رابع عشر الشهر المذكور : خطب في الجامع الخطيب للسّلطان سليمان وهو أول خطبة خطب للأروام في الشحر ، وعزم القاصد وجماعته يوم الأثنين تاسع ربيع الثّاني وهو شاكر يثني على السلطان بدر لما رأى منه من الحشمة والمروءة والمراعاة والعطايا الجزيلة وجوّب له جوابا شافيا كافيا بخط الفقيه عبد الله المذكور فلما مرّ بعدن دخلها للجواب من صاحبها الشيخ عامر بن داؤد بن طاهر فلم يجده بعدن وخرج إلى البّر لئلّا يلاقيهم ، وأمر أمراؤه ليعطوهم شيئا من الفلفل ، وأهمل أمرهم ، ولم يحتفل بالقاصد فحقد عليه ، وكان ذلك سبب هلاكه كما سيأتي ، واتفقوا بغراب عند خروجهم من الشّحر من الإفرنج بالجزر قريب الليل ، فقاتلوه وقتلوا منه جماعة ، وجرحوهم ، ودخل عليهم الليل فهرب الغراب الإفرنجي وظهر فوق حاوات بناحية المشقاص على ماء هنالك ، فلحقهم سعد بن عمرو المحمدي ، ومعه جماعة من المهرة في غراب له يريدون زيلع ، فهموا بقتالهم فصالحوهم الأفرنج على بعض شيء من المال ، وتركوهم يستقون ورجع الغراب إلى هرموز.

٢٤٥

وفيها : وصل مرسوم أهل مصر إلى السّلطان بدر جواب كتابه الذي أرسله إليهم صحبة القاصد فرحات شوباصي بأن التجريدة خرجت من الروم لنصرة المسلمين وقدها (١) بالسويس متجهزة لحرب الإفرنج بأرض الهند وعدد عسكرها أربعين ألفا رومي خشبهم ثمانون خشبة وأنها مكوره (٢) يوم ثمانية عشر شهر شوال ، ومسافرين آخر ذي الحجة من السنة المذكورة والمرسوم توصل في مركب من مراكب أهل الشحر ليلة السّبت واحد وعشرين المحرم ، أول سنة خمس ، وسيأتي باقي الكلام في السّنة المذكورة انتهى كلام باسنجلة.

قال الفقيه عبد الله بامخرمة : وفي ثماني وعشرين أو ثالث وعشرين جمادى الأولى : وصل الخبر أن سعد بن عمرو التقى هو والغراب الافرنجي الذي في قشن وحصل منهم مضاربة بالمدافع والزربطانات ، وقتل من أصحاب سعد (٣) بن عمرو اثنين منهم واحد من بيت زياد والثاني عبد ، وان مدفعا وقع في عرشة الغراب الإفرنجي فأحرق العرشة وهرب الغراب الافرنجي وغيّب في البحر.

وفي شهر جمادى الثاني : قتل عبد الله بن عمر أبو رحيلة.

وفي هذا الشهر بعد هذه الفعلة : سار السلطان محمد من تريم إلى السّور ليصلح بين فارس وباظفر وآل علي بن فارس.

وفي أوائل شهر رجب : وذلك يوم الرابع أو الخامس منه أخرج السلطان بدر الافرنج المأسورين إلى غيل باوزير.

وفي آخر شهر رجب : وصلت (٤) ثابت من الديو إلى المشقاص.

__________________

(١) قدها : بالضم أو الفتح واسكان الثانية من كلام أهل اليمن بمعنى كذلك أو أيضا.

(٢) مكوره : مجموعة أو على أهبة الاستعداد للإقلاع ، والله أعلم.

(٣) كذا يرد اسم المذكور في المطبوعة وفي رحلة فن دن بروكه إسمه سعيد بن عمرو أنظر اليمن في أوائل القرن السابع عشر لبراور وكبلانيان : ٦٠ ط بريل سنة ١٩٨٨ م.

(٤) كذا في الأصل. لعل صوابه وصل.

٢٤٦

وفي اليوم الأول أو الثاني من شعبان : وصل الأمير عطيف من حضرموت بنحو ثمانين فارسا من أهل الكسر وغيرهم ، من جملتهم محمد بن علي بن فارس.

وفي أواخر شعبان وأول رمضان : وصل نحو أربعة مراكب من مهايم (١) وغيرها فيها رز وقماش وغيره ، وفي يوم الأربعاء العشرين في رمضان وصل غراب فيه جماعة من الإفرنج وأظهر أنه يريد يتقّدم إلى الباب يأخذ خبر التجريدة فطلب الاجتماع بالقنبطان الذي من جملة المأسورين بالشحر فأدخلوه من الغيل الى الشحر. ثم في يوم السبت ثالث وعشرين رمضان أدخلوا باقي الأسارى منهم إلى الشحر ، ثم إن أصحاب الغراب أظهروا الاكتفاء بما وجدوه من خبر التجريدة بالشحر ، فقالوا للسلطان : نحن نرجع من هنا واكتب لنا أوراقا للقنبطان بأخبار التجريده مما بلغكم فكتبوا له ، وصرا من الشحر ليلة الأحد رابع وعشرين الشهر ، ثم وصل خبر من المكلا : أن هذا الغراب مر إلى جهة عدن.

وفي ليلة الجمعة سادس شوّال : وصل إلى بندر الشحر غرابان ، ولم يخرجوا إلى البلد بل طلّعوا (٢) إليهما أهل البلد واحدا من الافرنج ، فذكر عنهم أنهم يريدون إلى قدام يأخذون خبر التجريدة ، ثم إنهم صروا في تلك الليلة انتهى.

قال باسنجلة (٣) :

وفيها بشوال يوم السبت واحد وعشرين من الشّهر : وصل عبد الله بن الزّمن (٤) من الهند في برشة وغراب إفرنجي بالصّلح بين الإفرنج

__________________

(١) مهايم : بلدة من بنادر كوكن من ناحية الدكن بالهند مجاورة للبحر المحيط «الاعلام ٤ : ٢٥٧».

(٢) طلّعوا بتشديد الّلام بمعنى أطلعوا.

(٣) النفحات المسكية ٢ : ١١٩.

(٤) النفحات المسكية ٢ : ١١٩.

٢٤٧

وبين السّلطان بدر فاصطلحوا وفك أساراهم (١).

وفيها قتل المهرة أمير القرار (٢) وكاتبه بزيلع سعيد ، قتله عبود بن أحمد بن حردان وعبود بن حيدان ، وأخذوا خشبه من بندر زيلع وهربوا فيها إلى باب المندب ، فصادفوا بها غرابين إفرنجي خرجوا من الهند يتحسّسون عن أخبار التجريدة ، فجاؤا إليهم ، وقالوا لهم : نتساعد نحن وأنتم وننهب زيلع ، فوصلوا زيلع ، وكان بها موسم من مراكب الهند ، فتقاتلوا هم وأهل المراكب ، ورجعوا خائبين ، وأوقعوا البلاء والقتل ونهب الأموال لأصحابهم كما سيأتي ، وأما الغرابين الإفرنجي فرجعن (٣) إلى الشحر ، ومعهم غراب ثالث أخذوه من زيلع غارة إلى الهند من عبد كان في زيلع من مماليك الخواجا صفر ، قيل هو الذي دفع (٤) للمهرة الذي قتلوا سعيد أمير القرا ثلاثين أوقية ذهب على قتله لأنه أتعبه كثيرا وحيّر عليه لا يسافر ، وبعد لما قتل سعيد سافر العبد إلى المشقاص وغرابه عازم (٥) مع الإفرنج ، ودخلوا الشحر وتوّهوا بها لما كان بينهم من الصلح على يد عبد الله بن الزمن انتهى.

قال الفقيه عبد الله بامخرمة : وفي يوم السبت حادي وعشرين الشهر وصل ابن الزمن رسول السّلطان بالصّلح في برشه وغراب فيهما جماعة من الإفرنج على أن الصّلح انتظم على إخراج هؤلاء المأسورين ، وثلث للإفرنج على أنهم يجعلون في البلد قنتور (٦) يكتب الخطوط ويقض ثلث

__________________

(١) أساراهم : أسراهم.

(٢) هو القراد سبق ذكره ولعله القرا.

(٣) كذا صوابه : فرجعا.

(٤) في (س) وقع.

(٥) في (ح) غاره ثم ألحقه بميم (ظنّا).

(٦) وردت هذه اللفظة في الأصول بدون نقط وكأنها مشكلة عند الناسخين وانظر رسمها وشرحها في دوزى : ملحق المعاجم العربية ٢ : بالفرنسية ولا نعرف هذه اللغة.

ويفهم من عبارة الكتاب أن القنتور كالكراني وهو الكاتب.

٢٤٨

المعشر ، ثم أن المأسورين فك عنهم الرّسم يوم الأحد ثاني وعشرين الشهر ، وطلعوا البحر ليلة الاثنين ثالث وعشرين والقنبطان لم يخرج بعد أن طلع ، وباقي أصحابه بقوا يخرجون ثلاثة وأربعة لقضاء حوائجهم.

وفي يوم الجمعة خامس شهر ذي القعدة : سافروا وبعضهم سافر يوم الخميس رابع الشهر.

وفي نحو النّصف من الشهر : وصل عبد الله بن الشيخ أحمد العمودي إلى الشحر بنية عقد الصلح هم والسلطان فلم يتّفق بينهم صلح.

وفي أوائل ذي الحجة : ورد الخبر بوفاة الفقيه العالم العلامة الحافظ المحدث المفتي وجيه الدين عبد الرحمن بن علي الديبع الشّيباني الزّبيدي (١) ببلدة زبيد رحمه‌الله تعالى ، قلت : ولم أقف له على ترجمته بل كتبت كما ذكره الفقيه عبد الله (٢) رحمه‌الله.

وفي يوم الخميس سادس عشر ذي الحجة : سمع من الجو رجفة ثم تبيّن أنها صاعقة وقعت في البحر.

وفي يوم الجمعة سابع عشر : حصلت سموم (٣) قوية وصار الجو حارا ثم كذلك يوم السبت.

وفي هذه الأيام : جاء الخبر بوفاة الفقيه العلامه جمال الدين محمد بن الفقيه عبد الله بن الفقيه الإمام محمد بن أحمد بافضل صاحب عدن رحمه‌الله تعالى ، قلت : وقد تقدم في سنة اثنتين وأربعين موت والده

__________________

(١) انظر ترجمته في : النور السافر : ١٩١ والضوء اللامع ٤ : ١٠٤ والكواكب السائرة ٢ : ١٥٨ والبدر (الطالع ١ : ٣٣٥ وفهرس الفهارس ١ : ٣٠٩ وذيل أجود المسلسلات : ٢٧٣ ومصادر الفكر الإسلامي في اليمن : ٥١ ومنه استقينا مصادره قلت قول المؤلف : لم أقف على ترجمته هذا بدل دلالة أكيدة على أن المؤلف يمتلك نسخة ناقصة من النور السافر الذي ترجم لابن الديبع ترجمة واسعة.

(٢) يعنى بامخرمة (المؤرخ).

(٣) سموم : رياح حارّة.

٢٤٩

الفقيه عبد الله.

وفي يوم الأربعاء وليلة عشر من شوال : توفي السيد الشريف السالك النّاسك الورع الزاهد العابد السيد زين العابدين بن عبد الرحمن بن الفقيه محمد بن علي مولى عيديد ودفن بالشحر في تربة السيد الشيخ شيخ بن إسماعيل وذلك قبل وفاة السيد شيخ بن إسمعيل رحمه‌الله عليه.

قلت : وفي يوم الخميس رابع عشر ربيع الثاني ولد سيّدنا الشريف بقية السّادة والأولياء الصالحين وجيه الدنيا والدين عبد الرحمن بن أحمد البيض (١) باعلوي ، وكانت وفاته يوم الثلاثاء بعد الظهر سابع عشر جمادى الأولى سنة واحدة بعد الألف رحمه‌الله رحمة الأبرار ، وجمع بيننا وبينه في دار القرار آمين.

ومن تاريخ سيدنا السيد عبد القادر العيدروس (٢) قال : وفيها ، توفي جدّي الشّريف عبد الله بن الشيخ شيخ بن الشيخ عبد الله العيدروس بتريم ودفن بها ، وكان مولده سنة سبع وثمانين وثمانمائة وكان من كبار الأولياء صحب عمّه الشيخ أبو بكر صاحب عدن ، ومن وصايا الشيخ أبي بكر له : لا تلتفت إلى التّرهات ولا تغبط أهل الجاهات والرياسات ، وقل : يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين ، وصحب عمه حسين ووالده شيخ وغيرهم من الأكابر ، وأخذ عنهم ، وتخرج بهم إلى أن بلغ إلى الرّتبة التي تعقد عليها الخناصر ، وله كرامات كثيرة نفع الله به انتهى ملخصا.

وفيها (٣) في ذي القعدة : توفي السيد الشريف العالم العلامة الرّباني المشمر الزاهد الفقيه النبيه الولي الصالح الجامع بين علوم الشّريعة وأحوال أهل الحقيقة الجاري على النهج القويم الشافي السليم شجاع الدين أبو

__________________

(١) من العلماء الاعلام له ديوان شعر ، أنظر : خلاصة الأثر ٢ : ٣٤٦ ومصادر الفكر الإسلامي : ٤٣٤.

(٢) النور السافر : ١٩٠.

(٣) النور السافر : ١٩١ وغرر البهاء الضوي : ٢٦٩.

٢٥٠

عبد الله عمر بن محمد باشيبان بن أحمد بن أبي بكر بن محمد بن الفقيه حسن بن الشيخ علي بن الفقيه محمد بن علي باعلوي ، كان على جانب من العلم والزهد والورع ، وكان مولده سنة ثمانين أو إحدى وثمانين وثمانمائة وكان من العلماء العاملين والأولياء الصالحين ، كثير التلاوة والأذكار ، تفقّه بالفقيه العلامة عبد الله بلحاج بافضل ، والسّيد الشريف الصالح محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الأصقع باعلوي ، وقرأ في كتب الرقائق ، وكتب التّصوف على الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ علي ، وحكى الفقيه الصالح علي بن علي بايزيد الدوعني ، المقبور بالشحر : أنه زار السادة بتريم في بعض السنين فاجتمع بالسيد عمر باشيبان المذكور ، قال له عند خروجه لزيارة قبر النبي هود : تجدون عند القبر رجلا من أهل الكشف يقال له محمد بن سليمان باسنان يتكلم [بكلام] زاعم أنها منامات ، وهو من طريق أهل الكشف فألزموه وعنده ولدان من أولاد الأشراف أحدهما عقيل بن عبد الله والثاني عبد الودود ، فوجدنا الأمر كما ذكر ، ووجدنا أولئك الذين سماهم بأسمائهم ، فهذه من الكرامات العجيبة ، ومن تصانيفه «ترياق أسقام القلوب المؤلف في ذكر حكايات السادة الأشراف» انتهى ملخصا من الغرر ، ومن تاريخ السيد عبد القادر ، وباسنجلة ذكراه سنة أربع (١) والله أعلم.

__________________

(١) أي أن صاحب النور السافر وباسنجلة ذكراه في وفيات سنة ٩٤٤ وصاحب الغرر ذكر وفاته سنة ٩٤٥.

٢٥١

سنة خمس وأربعين

فيها أول المحرم : خرج القرار (١) محمد بن إبراهيم هو وأخوه أحمد المجاهد صاحب برّ سعد الدين في أربعمائة خيّال ، ومن الرجل ألوف إلى زيلع لما علم قتل المهرة لأميره وكاتبه سعيد ، وقد تقدّم في سنة أربع (٢) الذين قتلوه من المهرة ، فما جاء إلّا وقد هربوا الفتّاك وما حسبوا المهرة المقيمن أنه يواخذهم بذنب أصحابهم ، وفي زيلع جماعة من المهرة سفّارة ، وفيها من وجوههم جماعة ، فقبضهم ونهبهم ، وأخذ أموالهم وقتل منهم اثنين أحدهما سعد بن عمرو بن سلمان المحمدي ، وكان أعظم أصحابه شجاعة وهمة وعزما ، والثاني صحاح بن محمد الزّويدي شيخ بيت صحاح وأرأسهم وأعقلهم ، وأسر الباقين ، وطلع بهم إلى البر منهم سليمان بن حيوه سيّد بني عمه وأفضلهم وأسمحهم نفسا ، وتوفي هناك رحمه‌الله ، وأحمد بن مقدم بن عفرار ، توفي أيضا بالطّاعون ، والباقين أطلقهم.

ومن خط الفقيه عبد الله بامخرمة قلت : وفيها ليلة الأربعاء ثامن وعشرين المحرم كانت ولادة السيد الشّريف الفاضل الكامل بحر الجود والكرم والمروءة الشيخ عبد الله بن شيخ العيدروس بتريم رحمه‌الله ونفعنا به وبسلفه ، وتوفي إلى رحمه‌الله تعالى ليلة الجمعة رابع عشر ذي القعدة

__________________

(١) كذا في الأصل وهو القراد كما سبق.

(٢) يعني سنة أربع وخمسين وتسعمائة.

٢٥٢

وهو محرما بصلاة العصر سنة تسع عشرة بعد الألف.

وفي يوم الخميس تاسع وعشرين محّرم : سافر السلطان إلى حضرموت واستصحب معه جماعة من الإفرنج من أصحاب الغرابين الذين توّهوا عنده نحو الخمسين ، وباقيهم كانوا ساروا إلى المشقاص وانضموا إليهم من المنيباريين والهرامزة نحو ستين أو أكثر.

وفي أوائل شهر صفر : وصل الخبر أن عسكر السلطان حطوا على بضة بعد أن دخلوا قيدون فلم يصّدهم عنها أحد لكونها حوطة (١)

. وفي النصف أو العشرين من الشهر ، نقضوا من تحت بضة بعد أن وقع قتال خفيف على السّاقية ، قتل فيه جماعة من أهل المحطة بالبنادق.

وفي أواخر صفر : وصل الخبر أن السّلطان حط بنفسه على الأحروم وأنّه أخرب مواضع من سورها بالمدافع ، ودخلها العسكر ووقع قتالا مرارا قتل فيه جماعة من الفريقين ، وقتل من الإفرنج الذين معه واحد وأصاب القنبطان بندق في يده ووجهه فطرحوه في هينن ، فآل الأمر إلى أن أهل البلد طلبوا الغوث والخفر فخفروا وخرجوا ، بأهاليهم وأثقالهم.

وفي اليوم الثّاني من شهر ربيع الأول : دخل السّلطان قيدون فمكث فيها أياما نحو أسبوع ثم تقّدم إلى موضع قريب من بضة ، فحطّ فيه على بضة وحصرها.

وفي يوم الخميس بعد العصر سادس وعشرين الشهر (٢) : وصل مكتب من عدن بمراسيم من الباشة سليمان الطّواشي إلى صاحب الشحر ، وذكر المكتب أن التجريدة وصلت إلى عدن اليوم الثامن من الشهر المذكور ، وأن عامر بن داؤد صاحب عدن دخل من لحج إلى عدن ، وأن أميره الخلي ، والقاضي عبد الرحمن بن عمر بامخرمة والشريف محمد بن

__________________

(١) حوطة أي محوطة : محترمة فلا يدخلها أهل الحرب للقتال.

(٢) النفحات المسكية ٢ : ١٢٠.

٢٥٣

علوي العيدروس ، شيخ جده الشيخ أبي بكر ، طلعوا إلى البحر لمواجهة الباشة وأنهم أكرمهم ، وخلع عليهم ، ولم تزل عساكرهم طالعة نازلة إلى البلد للبيع والشراء والإستقاء وغير ذلك ، حتى تكاثروا في البلد وصاروا فيها نحو ثلاثة ألاف أو أكثر ، فقالوا للشيخ عامر : تطلع تواجه الباشة في البحر ، فما أمكنه إلّا الامتثال إذ لا طاقة له بالممانعة ، فطلع هو وجماعة من خاصته ، وذلك صبيحة اليوم التّاسع ، ونهب الأروام البلد نهبا عظيما ، فلما علم الباشة أمر مناديه ينادي بالأمان ويردّ ما نهبوا العسكر فرجع شيء يسير مما نهب ، وذلك ما هو من جنس الثياب ونحوها ، وأما ما كان من الدّراهم والحلي وشبه ذلك ، فلم يرجع منه شيء ، ثم أن الشيّخ عامر والجماعة الذين معه شنقوا في الغربان ، ثم أخرجوا إلى الساحل ، وهو آخر ملوك بني طاهر وبه انقضت دولتهم ، وأرسل الباشة المكاتبه إلى الشحر وإلى صنعاء وإلى كل مكان ، وذكر المكتب أنه خرج والتجريدة في غاية الحركة للسفر إلى الهند ، وترك في عدن رتبة نحو خمسمائة أو ستمائة وأميرهم رومي يسمى بهرام ، وهو أول أمير في عدن بعد بني طاهر ، وكان سفرهم من عدن ثالث وعشرين الشهر.

وفي أوائل شهر ربيع الثاني : نقض السّلطان بدر من تحت بضة.

وفي ليلة الأربعاء عاشر الشّهر : عزمنا (١) إلى حضرموت باستدعاء السّلطان بدر ، فوصلنا بور يوم الثلاثاء ، فمكثنا فيها بقية النّهار وليلة الأربعاء ، فسرحنا يوم الأربعاء فجئنا شبام ليلة الخميس بعد العشاء ، وسرينا منها على بقية نحو سدس اللّيل فجئنا هينن هجيرة الخميس ، وقبل وصولنا إلى هينن بثلاثة أيام أو أربعة ، كان السّلطان قد صال على رخية وحط على نباع ، وكان آل عبد الله لما انتقلوا من الأحروم حل بعضهم في

__________________

(١) الضمير في قوله وعزمنا يعود إلى الفقيه عبد الله بن عمر بامخرمة المتوفى سنة ٩٧٢ ه‍ وهو الذي ينقل عنه هذه الحوادث بعد أن عثر المؤلف على مسودة كتاب للمذكور في أحداث عصره.

٢٥٤

نباع ، وبعضهم في المخارم ، ثم وصل الخبر يوم الأحد حادي وعشرين الشهر بأن أهل نباع سلموها إلى السّلطان ، ثم في يوم الأثنين ثمان وعشرين وصل الخبر أن أهل مخارم سلموها إليه ، وفي يوم الجمعة سادس وعشرين وصل الخبر أن السلطان وصل إلى عنق واستولى على مصنعتها من غير قتال ، ثم عزم إلى دوعن فحّط على بضه ثاني شهر جمادى الأولى فمكث يومين ، وحصل بين عسكره وعسكر بضه قتال ، وقتل من الجانبين أناس قليل ، ثم وقع الصّلح بينه وبين الشيخ على تعديل الجبيل (١) للسلطان وتسليم قيدون للشيخ ، ودخل السّلطان [الى](٢) الأيمن (٣) ، وأدخلوه أهل القرين وامتنعت المصنعة فحصرها ، ثم حصر الخريبة ، ووقع بين العسكرين قتال ضعيف ، قتل من كل جانب أربعة أو خمسة ، وقتل في هذه الوقعة عبد الرّحيم باسندوة ، جاءه بندق من خلفه ، وهو مشرف (٤) من دار في الخريبة ، وكان عبد الرحيم هذا مجمع الشّرور والفسوق ، وذلك إنه متسمى بالمشيخة والتصوف مع تظاهره بترك الصلاة والإجتماع بالنساء والخلوة بهن وغير ذلك ، ولأهل الموضع فيه عقيدة ومقالات قبيحة ، وكان يجتمع عنده من الزنادقه والشّياطين خلق كثير لما يصلون إليه عنده من الزّنا [بالنساء](٥) والتمكن من الفسوق الذين لا يجدونه في موضع آخر ، ولو بذلوا ما بذلوا ، فالحمد لله الذي أزاله وأزال بزواله الفسوق الذي كان مغطى على الناس بالتلبيس ، ثم وقع بين السّلطان وبين صاحب (٦) شرق اتفاق على تسليم حصن شرق بدفع ، ثم وقع الكلام بينه وبين صاحب الخريبة وأهل مصنعة القرين على تسليمها إليه فسلّموها إليه يوم الخميس سادس عشر الشهر.

__________________

(١) في (س) الخيل. والجبيل بلدة من دوعن هناك.

(٢) ساقط من (س).

(٣) أي الوادي الأيمن أحد واديي دوعن.

(٤) مشرف من الطاقة : مطل منها.

(٥) ساقط من (س).

(٦) يحقق هذا الموضع.

٢٥٥

وفي هذه الأيام : وصل الخبر أن برشة من برش الأروام وصلت إلى المكلا ، ودخل أهلها إلى الشّحر ، وكان وصل قبلها إلى الشحر غراب منهم ، فنجل فيها واغلا ، وسبب حصول البرشه والغراب المذكوران إلى الشحر أنهما خرجا للحاق التجريدة ، فلم تساعدهما الريح لتأخّر الزمان.

وفي يوم الأحد سادس وعشرين جمادى الأولى : وصل السلطان إلى هينن.

وفي أول نهار الاثنين سابع وعشرين الشهر (١) سرنا من هينن لزيارة سيّدي الشيخ الكبير سعيد بن عيسى العمودي نفعنا الله به ودخلنا الهجرين عصر اليوم المذكور ، وزرنا السّادة آل العفيف ، وسرنا منها صباحية الثلاثاء فوصلنا قيدون قبيل الظّهر ، وسرنا من قيدون صباحية الأربعاء وطلعنا العقبة ، ونزلنا عقبة عنق ، ووصلنا هينن في الرجوع وقت العصر يوم الجمعة أول شهر جمادى الثّاني والحمد لله.

وكان السلطان بدر قد سار من هينن إلى حضرموت يوم الخميس سلخ الشهر ، فصادف في سيؤون اثنين من الأروام وصلا من الشّحر ، أرسلهما صاحب البرشة التي ذكرنا أنها دخلت المكلا ، ومضمون ما أرسلا لأجله : أنهم عزموا على السّفر إلى الهند بعد النيروز على نحو (٢) مصطفى بهرم ، وأنهم يريدون يتركون برشتهم ويسافرون في غربان ، ومعهم غراب ، ويريدون من السلطان غرابين ، وأنعم لهم السّلطان بالغربان ، وأوصى أميره بتجهيزهم وقضى أغراضهم وأعطاهم جماعة الإفرنج الذي عنده يسافرون بهم معهم إلى الهند إلى الباشة ، ثم سرنا من هينن قبيل الفجر من ليلة الأحد ثالث جمادى الثّاني فوصلنا سيؤون عشية اليوم المذكور ، ثم سرنا من سيؤون يوم الخميس سابع الشهر إلى بور وكذلك سار السّلطان بدر من سيؤون في هذا اليوم إلى تريم للإجتماع بأخيه السلطان محمد ، ثم رجع

__________________

(١) الكلام هنا لبامخرمة المؤرخ.

(٢) كذا في الأصل وفي (ح) رمز له بالإشكال.

٢٥٦

منها إلى تريس (١) يوم السبت تاسع الشهر ، وسكن بأهلة في حصنها ، وفي يوم الجمعة خامس عشر الشهر سار السّلطان محمد من تريم إلى تريس عند أخيه السلطان بدر لتحقق المصافاة.

وفي يوم الأحد سابع عشر الشهر : سرنا من بور (٢) إلى تريس للاستفساح من السلطان بدر من سيؤون في هذا اليوم ، فمررت بسيؤون وبتّ فيها ليلة الاثنين ، وسرت منها صبح الاثنين إلى تريس ، واجتمعت بالسلطان واستفسحت منه ، ففسح لي ، ولكنه أشار بأن سفري يكون من عنده فرجعت إلى بور يوم الثلاثاء تاسع عشر الشهر واستودعت من الأخوة وأمهم ، وسرت منهم يوم الخميس حادي وعشرين الشهر إلى سيؤون واجتمعت بالسلطان في تريس يوم الجمعة واثنين وعشرين ، ورجعت في يومي إلى سيؤون منتظر الجمال للمسير إلى الشحر على تيسير الله وإعانته.

وفي هذه الأيام : ورد الخبر بوفاة الفقيه الفاضل عفيف الدين عبد الله بن علي بالرعية ، بظفار الحبوظى رحمه‌الله ، وهو آخر من بظفار من الفقهاء فالله يرحمه وإيانا وجميع المسلمين آمين.

وفي يوم السبت سلخ الشهر : سرنا من حضرموت إلى الشحر على خيرة الله وبركته وتوصّلنا إلى الشحر يوم الأربعاء رابع شهر رجب ، وكذلك وصل الباشة (٣) سليمان الطواشي الرومي بالتجريدة راجعا من الهند إلى بندر الشحر في هذا اليوم ، وحصلت لأهل الشحر روعة (٤) عظيمة لظنهم أنهم إفرنج وسبب رجوع التجريدة أن أهل الهند لم يساعدوهم ،

__________________

(١) تريس قرية صغيرة تقع على الجادة بين سيؤون وشبام.

(٢) بور بالباء الموحدة من المدن القديمة وهي من أمهات قرى السرير ، وقد توسع في ذكرها صاحب بلدان حضرموت.

(٣) الباشة : هو الباشا وهو من الكلام الفارسي بمعنى الوزير ، ولقب يطلق على رتبة مخصوصة من مناصب دولته إلى أعلى رتب الدولة ، فارسي مركب من (با) قدم و (شا) ملك (محيط المحيط).

(٤) في (س) وعه.

٢٥٧

ولم يمدّوهم بزاد ولا غيره ، وكان الباشة قد أرسل عبده فرحات شوباصي إلى ملك كجرات الذي في البر بمراسيم فقبض على فرحات ، ولم يرد جوابا ، وكان الإفرنج قد تمكنوا في الدّيو بالأكوات العظيمة المنيعة ، فرأى الباشة أن الرجوع أصلح ، ليستكثروا من الجنود والعدد والزاد وغير ذلك. وفي يوم السبت سابع الشهر صروا من بندر الشحر بعد أن أنزل الباشة سنجقا (١) للسلطان بدر ، وأنزل معه جماعة من أصحابه يسيرون به إلى السلطان بدر إلى حضرموت ، وأخذ على أحمد بن مطران في السفر معهم إلى السلطان.

وفي يوم الثلاثاء أو الأربعاء حادى عشر الشّهر : سار أحمد بن مطران بالسّنجق هو والجماعة الذي ذكرناهم من الأروام.

وفي ذلك اليوم : رسموا على صاحب الشحر كل سنة عشرة آلاف أشرفي ، وجرى ذلك ولم يف لهم كل سنة قاصده.

وفي يوم الجمعة سابع وعشرين الشهر وقت العصر : وصل الجماعة الذين طلعوا بالسنجق من الأروام إلى الشحر.

وفي يوم الأربعاء ثالث عشر شعبان : ساروا من الشحر إلى عدن ، وفي اليوم الثاني من شهر شوال أخذ الباشة الطّواشي زبيد من غير قتال ولا سبب بل أدوا له الطّاعة الأتراك الذي فيها ، وأميرهم النّاخوذا أحمد وبعد قتل الناخوذا (٢) أحمد.

قلت : قال باسنجلة وهو الأتابكي (٣) وقتل معه جماعة ، وكان مصطفى بيرم الذي دخل الهند جعله أميرا في كمران (٤) وجعل اسكندر موز

__________________

(١) سنجق : لواء والدائرة تحت لواء واحد (فارسية) (محيط المحيط).

(٢) انظر خبر قتله في البرق اليماني : ٨٥.

(٣) الأتابك : معناه الوالد أو الأمير باللغة التركية. وفي الاصطلاح مربي الأمير ، ويطلق على أمير أمراء الجيش لقب «أتابك العسكر» انظر (معجم الألفاظ التاريخية لدهمان : ١١).

(٤) كمران : جزيرة في البحر الأحمر أمام الصليف من ناحية الغرب ، وفي الشمال من

٢٥٨

أميرا بزبيد ، فلما توفي الأمير اسكندر موز جعل النّاخوذا أحمد محله ، والأمير الذي جعله بزبيد يسمّى مصطفى وسمّاه باشة اليمن ، وهو أول من سمي باشة باليمن ، وخلف عنده نحو ألفين من العسكر ، وبهرام بقي في عدن على حاله وسار بأولاد اسكندر موز معه ، فلما وصل إلى الّصليف قرية جزيرة كمران جمع الأفرنج الذين معه التسعين ، وكان أخذ من كورط (١) قريب الديو يسمى جوجله ، والذي من الشحر أعطاه السلطان بدر نحو ثلاثين وجماعة ترك من أصحاب زبيد ، وناس هنود تباع (٢) الافرنج وغيرهم ، وقتلهم الجميع ودفنهم في بير نحو مائة وأربعين ، وقطع رؤس الجميع وسار بهم في الغربان إلى مصر على يد بعض أمرائه ، وقد سبق ذلك في سنة ست وثلاثين انتهى.

رجعنا إلى كلام الفقيه عبد الله بامخرمة قال : ولم يدخل بنفسه إلى زبيد ـ يعني سليمان الطواشي ـ بل كانت محطته خارجها ، ومكث أياما ، ثم أرسل إلى كمران بعد أن ولي فيها أميرا ، ثم عزم من كمران أواخر الشهر ، وأرسل أميرا وعسكرا لقبض جازان من نواب الشريف أبو نمي بعد أن كاتب الشريف بذلك فكتب الشريف لنوابهم بتسليمها إلى الباشة ، فقبضها نوابهم وخرج نواب الشريف منها بالتّاريخ المذكور.

وفي أثنا شهر ذي القعدة : وصل منه شاووشان (٣) إلى عدن وإلى الشحر بالبشارة وتقرير الأمور ، ثم عزم الشاؤوشان إلى الشحر ، وسارا منها

__________________

(١) تحقق هذه اللفظة ووجدت في رحلة فان دن بركه لفظة «كورتاوا» أنظر : ٦٩.

(٢) لعله : اتباع.

(٣) شاووشان ، مثنى شاووش وهو أيضا الجاووش بالجيم المعجمة : رتبة عسكرية في الجيش العثماني ، وتذكر المصادر التركية الجاويشية باسم (الجاووشان) كما هو هنا ، وكان أفرادها يبلغون أوامر الدولة ويكلفون بجباية الضرائب كما كان منهم رجال المراسم ، وفي القرون الأولى من تاريخ الدولة العثمانية كانوا يعملون بمثابة رسل ينقلون أوامر السلطان إلى حكام الولايات وقوادها ، انظر (لطف السمر : ٣٨٦).

٢٥٩

إلى حضرموت آخر شهر ذي القعدة لأن السلطان بدر بحضرموت انتهى.

قال باسنجلة : لما خرج الباشة سليمان الطواشي من مصر أمر بقتل الخمراوي (١) وسببه أن الخمراوي جهز في العمارة برشتين عظيمتين وعددهن وجميع ما يتعلق بهن وقد العمارة متخلفه بالسّويس والطواشي متّوهم أن الخمراوي يعزم الى الهند معه ، فلما آن السفر وطلب الطواشي للعزم معه أظهر مرسوم بأن له الإختيار في السفر أو الجلوس إن أراد الجلوس ، فوقع في نفس الطواشي ، وقال : يريد يملك مصر بعدي ، فأعمل الحيلة في قتله وقتل ولده معه ، وأخذ مماليكه وخشبه ، وقتل الأمير (٢) بن عمر صاحب الصعيد ، وقتل الأمير بن بقر ، ويقال أن قتل هؤلاء بغير سبب ، ولا شك أن هذا الطواشي كان سفاكا للدماء ، وهو الذي قتل (٣) الشيخ عامر رحمه‌الله وغيره.

وحدثني (٤) من أثق به من معالمة (٥) التجريدة قال : لما طرحت خشبنا على بندر الديو طلع إليهم الخواجا صفر سلمان ، وقال : أن البلد قد خالفت فيها أنا وأهل البر وأخذنا الجزيرة والكوت نحن (٦) حاصرينه والحمد لله على وصولكم ، وكان من حكاية صفر وأخذه للديو : أن الإفرنج لما قتلوا بهادر شاه واستبقوا صفر كما تقدم ، فكان عندهم محترم محشم ، وكان عين الديو عند الافرنج وغيرهم من أهل الهند والأمر إليه في الديو ،

__________________

الحديدة (معجم : ٥٤٠).

(١) كذا في الأصول بالخاء المعجمة وأظنه الحمزاوي بالحاء المهملة والزاي المعجمة ، قلت : وهو كذلك بالحاء المهملة والزاي واسمه جانم الحمزاوي ، أنظر خبر قتله في البرق اليماني : ٨٢. وانظر أيضا الكواكب السائرة ١ : ١٥٦.

(٢) في البرق اليماني : ٧٧ ، زعير ، ولعله غيره.

(٣) في (ح) «وكان قتله للشيخ عامر» ثم أصلحه في الهامش ورمز بحرف (ظ) أي ظنا ثم جاء ناسخ (س) واكتفى بما في الهامش من نسخة (ح) والله أعلم بالصواب.

(٤) الحديث هنا لباسنجلة.

(٥) المعالمة : جمع معلم وهو ربان السفينة.

(٦) في الأصول : نحنا.

٢٦٠