تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه

تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

المؤلف:

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

الزّبيدي ببلدة زبيد ، وصلي عليه بجامعها الكبير ، ودفن بباب سهام رحمه‌الله تعالى ، وكان من العلماء المشهورين والفقهاء المذكورين وأحد المحققين المعتمدين الراجع إليهم في النّوازل المعضلة والحوادث المشكلة وكان إلى الغاية من التمكن في مراتب العلوم الإسلامية من الأصول والفروع وعلوم الأدب ، وذكروا له كرامات ، وهو الذي أفتى بحليّة البن والقهوة ، وتفّقه بالإمامين الفاضلين يوسف بن المقري ، والفقيه عمر الفتى ورثاه بقصيدة حسنة ، وبرع في علوم كثيرة وتمّيز في الفقه حتى كان فيه أوحد وقته ، ومن مصنفاته المشهورة المفيدة جّدا في الفقه كتاب «العباب المحيط بمعظم نصوص الشافعي والأصحاب» وهو على أسلوب كتاب الروض جمع فيه مسائل الروض ومسائل التجريد ، وهو كتاب جامع لأكثر أقوال الشافعي وأصحابه وأبحاث المتأخّرين منهم ، على الغاية من جزالة الّلفظ وحسن التّقسيم ، واعتنى به غير واحد من علماء الإسلام ، فشرحه شيخ الإسلام أبو الحسن البكري شرحين وشرحه أيضا الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي إلّا إنه لم يتم بل قارب ثلث الكتاب فيما أظن ، ومنها في الفقه «تجريد الزوائد وتقريب الفوائد» في مجلدين جمع فيه الفروع الزائدة على الروضة غالبا وكتاب «تحفة الطلاب» ونظم «الإرشاد» في الفقه ، وله غير ذلك ، وممن أخذ عنه من الفقهاء الأعلام الفقيه عبد الرحمن بن زياد ، وولي قضاء عدن ثم قضاء زبيد وباشر ذلك بعّفة وديانة ، وطالت مّدته فيها ، ومن شعره في القضاء :

أما والله لو لا ضعف حال

وعول ما أطيق لهم كفايه

لما فارقت عشي طول عمري

ولا سارعت يوما للولايه

وله مما كتب به إلى بعض فقهاء عدن :

وقفت على بابك الآهل

ولذت بمعروفك الشامل

وقلت لنفسي لا تسبحي

فإنّ السلامة في الساحل

لئن كنت في النّاس من خارج

فرزقك يأتيك من داخل

١٦١

وله وقد أراد الذّهاب إلى بعض الرؤساء فحجب عنه ، وكان له به أنس ومودة من قبل ذلك :

لا تصحب المرء إلّا في استكانته

تلقاه سهلا أديبا ليّن العود

واتركه (١) إن راقت الأيام دولته

لعل يوليك خلقا غير محمود

فانه في مها و [من] تغطرسه

لا يرعوي لك إن عادى وأن عودي

وقل لأيامه اللآتي قد انصرمت

بالله عودي علينا مرة عودي

وله رحمه‌الله تعالى :

قلت للفقر أين أنت مقيم

قال لي في محابر العلماء

إن بيني وبينهم لاخاء

وعزيز علي قطع الاخاء

وله أيضا :

إذا ولي الأمر لي صاحب

تأخرت للوقت عن صحبته

وأنكرته قبل إنكاره

ولم يرني قط من رفقته

وله أيضا نفع الله به :

أصبر على أحداث هذا الزمان

فالتبر يستخلص بالامتحان

واشرب مرارات كؤوس القضا

والأمر لله وما شاء كان

وله رحمه‌الله آمين :

لا تعدون بغير الحظ في الأدب

قيراط حظ ولا طود من الأدب

والحظ والفضل ضدان اجتماعهما

عند امرء كاجتماع الماء واللهب

وله أيضا :

ما ثم إلّا ما أراد

فخل همك واطرح

واقطع علائقك التي

أثقلت ظهرك واسترح

والقي الشدائد إن عرتك

بخاطر سلس فرح

__________________

(١) النور : واحذره إن كانت الأيام.

١٦٢

واعلم بأنك لا يصير

إليك إلّا ما شرح

وله أيضا رحمه‌الله آمين :

يا حامل الفلك وأثقاله

على متون الأبحر الزاخره

تول أثقالي التي انقضت

ظهري في الدنيا وفي الآخره

وله رحمه‌الله آمين وفيها وصية :

اذا شئت في الدنيا والدين أن ترقى

تمسك من التقوى بعروته الوثقى

ولازم كتاب الله والسنة التي

هي الحجة البيضا كالشمس أو أنقى

وحافظ على الأوراد في وقتها الذي

تخيره المختار واستعمل الصدقا

وصن أبدا عن غيبة ونميمة

لسانك واجعل ما نطقت به حقّا

وأنزل ذوي الأقدار في الموضع الذي

أراد لهم مولاهم واترك الحذقا

واخفض جناح الذل مرحمة لمن

تعاشره واحذر معاشرة الحمقى

وغضّ على زلات أخوانك الأولى

فصاحبهم في الله كي ودهم يبقى

ولا تركنن يوما لصاحب ريبة

فترمى بما يرمى وصار له خلقا

وصاحب ذوي الأعلام والعلم والتقى

فتوصف بين الناس بالفاضل الأتقى

وله رحمه‌الله في كتاب عدة الحصن الحصين :

إذا ما خفت من نوب يا فتى (١)

فلازم عدة الحصن الحصين

وثق بجميع ما فيها لتظفر

سريعا بالتخلص عن يقين

فقد جربتها ووجدت فيها

أمان الخائفين من المنون

وفيها برء داء لا يداوى

وتفريج عن القلب الحزين

وله أيضا :

يا رب سائلك الغفران عن زللي

وأن تسددني في العلم والعمل

وأن توفق أولادي وتصلحهم

وأن تريني فيهم غاية الأمل

وله أشعار غير هذه حسنة ، وانتفع به النّاس وأخذت عنه الطلبة

__________________

(١) النور السافر : الفنا.

١٦٣

واستمر على عظمته ووجاهته حتى مات في دولة الأروام رحمه‌الله تعالى.

وفيها (١) : في ليلة العشرين من شهر شعبان توفي الإمام البارع العالم العلامة والحبر الفهامة المفتي القاضي جمال الدين محمد بن عمر بن مبارك بن عبد الله بن علي الحميري الحضرمي الشافعي الشهير ببحرق ، بحاء مهلة بعد الموحدة ثم راء مفتوحة بعدها قاف ، وكان من العلماء الراسخين والأئمة المتبحّرين اشتغل بالعلوم وتفنّن في المنطوق منها والمفهوم ، وتمهّر في المنثور والمنظوم ، وكان له اليد الطولى في جميع فنون العلم ، وصنف في جميع العلوم كالحديث والتصوّف والنحو والصرف والحساب والطب والأدب والفلك وغير ذلك ، وما رأيت أحدا من علماء حضرموت أحسن ولا أوجز منه ، وله نظم حسن ، وهو الذي يقول هذه الأبيات مجيبا لبعض الفضلاء الممتحنين له من أهل زمانه :

إن كنت ممتحني بذاك فإنني

لست الهيوبة حيث ما قيل انزلا

وإذا تبادرت الجياد بحلبة

يوم النزال رأيت طرفي أولا

قسما بآيات البديع وما حوى

من صنعتيه موشحا ومسلسلا

لو كنت مفتخرا بنظم قصيدة

لبنيت في هام المجرة منزلا

من كل قافية تروق سماعها

وتعيد سحبان الفصاحة باقلا

ويرى لبيد بها بليد قلبه

حصرا وينقلب الفرزدق أخطلا

وعلى جرير نجرّ مطرف تيهنا

ومهلهلا نبديه نسج مهلهلا

ولئن تنّبا ابن الحسين فانني

سأكون في تلك الصناعة مرسلا

أظننت أن الشعر يصعب صوغه

عندي وقد أضحى لدي مذللا

أبدي العجاب إذا برزت مفاخرا

أو مادحا للقوم أو متغّزلا

لكنني رجل أصون بضاعتي

عمن يساوم بخسها متبذّلا

وأرى من الجرم العظيم خريدة

حسنا تهدى للئيم وتجتلا

ما كنت أحسب عقربا تحتك بال

أفعى ولا هيفا تزاحم بزلا

__________________

(١) النور السافر : ١٣٣.

١٦٤

وأنا الغريب وأنت ذلك وبيننا

رحم يحق لمثلها أن توصلا

ولقد أجاد فيها كل الإجادة رحمه‌الله تعالى ، وبالجملة فإنه آية من آيات الله ، وكتبه تدل على غزارة علمه وكثرة اطلاعه ، وكان غاية في التحقيق وجودة الفكر والتدقيق ، وكان مولده ليلة النّصف من شعبان سنة تسع وستين وثمانمائة بحضرموت ، ونشأ بها فحفظ القرآن ومعظم الحاوي ومنظومة البرماوي في الأصول وألفية النحو بكاملها ، وأخذ عن جماعة من فقهاء حضرموت منهم الفقيه الصالح محمد بن أحمد باجرفيل ، ثم ارتحل إلى عدن ولازم عبد الله بن أحمد بامخرمة ، واشتغل عليه في الفقه وأصوله والعربية حتى كان جلّ انتفاعه به فقرأ عليه في جميع ألفية ابن مالك في النحو وسيرة ابن هشام وجملة صالحة من الحاوي الصّغير في الفقه ، وسمع عليه جملة من علوم شتىّ ، وكذلك أخذ عن الفقيه الصالح محمد بن أحمد بافضل ، ثم ارتحل إلى زبيد ، وأخذ عن علمائها علم الحديث فأخذ عن زين الدين محمد بن أبي بكر الصايغ الحديث والتفّسير والنحو ، وقرأ عليه شرح البهجة الوردية لأبي زرعة ، وأخذ أيضا عن الشريف السّيد حسين بن عبد الرحمن الأهدل ، وألبسه خرقة التصوف ، وصحب السيد الكبير الشيخ أبا بكر بن عبد الله العيدروس نفع الله به وأخذ عنه وانتفع به ، ولما حج سمع من الحافظ السخاوي وسلك السّلوك في التصوف ، وحكي عنه إنه قال : دخلت الأربعينية ، بزبيد فما أتممتها إلّا وأنا أسمع أعضائي كلها تذكر الله ، ولزم الجد والإجتهاد في العلم والعمل ، وأقبل على [نفع](١) الناس إقراء وإفتاء وتولى القضاء بالشحر ، فصدع بالحق ، وحمدت أحكامه وعزل نفسه عن القضاء ، ثم عزم إلى عدن وحصل له قبول وجاه عند الأمير مرجان الظافري ، ثم لمّا مات مرجان عزم إلى الهند ووفد على السلطان مظفر فقربه وعّظمه وزاد في تعظيمه وتبجيله ، وأنزله المنزلة التي تليق به ، وبالجملة فمحاسنه كثيرة وفضائله شهيرة ومن مقاطعيه في الشعر :

__________________

(١) ساقط من الأصل.

١٦٥

أنا في سلوة على كل حال

إن أتاني الحبيب أو إن أباني

إغنم الوصل إذ دنى في أمان

وإذا ما نأى أعش بالأماني

وله أيضا :

لئن بلغ الزوار خيف منى منا

وأمنا برمي الجمر من لهب الجمر

فبالمنحنى من أضلعي والعقيق من

دموعي على التشريق شاركت في الأجر

وقال بعض المعتزلة :

زعم الجهول ومن يقول بقوله

إن المعاصي من فعال الخالق

إن كان حّقا ما يقول فلم قضى

حّد الزنا وقطع كف السارق

فقال الفقيه محمد بن عمر بحرق ردا عليه :

يا تائها جعل القضاء مطابقا

للأمر جهلا وهو غير مطابق

إن القضا أعم إذ ما كلما

يقضي الاء له لأمره بموافق

فالحد مشروع لعاصي أمره

وقضاؤه لا عذر فيه لفاسق

قلت : أورد البيتين التي ردّ عليها وعلى صاحبها الإمام محمد بحرق الصّفدي (١) في شرح لاميه العجم ، قال : ووجدت منسوبا إلى أبي العلاء المعرّي ، وذكر البيتين يعني الصّفدي في شرحه (٢) ومكتوب على الحاشية على هذين البيتين وأجاب راقمه الفقير إلى الله تعالى عبد الرؤوف بن يحيى بن عبد الرؤف الواعظ بقوله :

يا ناسبا أوصافه لأئمة

ركبوا النجاة فمالهم من لاحق

لا وجه فيما قلته إلّا على

من قال لا فعل لغير الخالق

ونفا اختيار العبد في أفعاله

مع كسبه والكل ليس بصادق

__________________

(١) كذا في الأصل وهو خطأ لعل صواب الجملة هكذا : محمد بن عمر بحرق في مختصره شرح الصفدي.

(٢) انظر الغيث المسجم شرح لامية العجم للصفدي ١ : ٨٢ ط العلمية.

١٦٦

فبخلقه وقضائه أفعالنا

فأصغ بقول للصّواب مطابق

ولنا اختيار قد توجه نحوه

أجر المطيع كذا عقاب الفاسق

من أجله حد الزناة لكسبهم

ما قد نهوا وقضوا بقطع السارق

وله هذا اللغز ، وقد حله أيضا بالنثر بعد ، وهو مذكور بعبارته قال :

يا متقنا كلمات النحو أجمعها

حدا ونوعا وافرادا ومنتظمه

ما أربع كلمات وهي أحرفها

أيضا وقد جمعتها كلها كلمه

ثم قال : هذا في تمثيل الوقف على ها السكت أي قولك «لمه» (١) فالكاف في قولك كلمه للتمثيل ، واللام للجر ، والميم أصلها ما الاستفهامية حذفت الها (٢) والها للسّكت ، ووجدت في بعض مجاميع أهل الأدب لغز ثلاثة أبيات وأجاب عليها العلامة محمد بحرق وهي

وذو خيلاء إذا ما بدا

يتيه ويفرط في عجبه

عطوف ألوف لأحبابه

ولكنما الكيد في قلبه

فبّينه يا من لديه العلوم

وسر الفهوم إلى سربه

فأجاب رحمه‌الله آمين :

أظن المعنى أبا منذر

فنعم المذكّر عن ربه

يقول أناديك قم فانتبه

وأني كلفظي في كتبه

فها هو في كتبه بيّن

فخذه ومع عجبه عج به

ومن كراماته أنه حضر مجلس بعض وزراء الهند ، وكان في ذلك المجلس رجلا من السحرة فبينما هم كذلك إذ ارتفع ذلك السّاحر وقعد في الهوى ، قال فوقع عندي من ذلك الساحر ، واستغثت بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم أومأت إليه بفردة من حذائي ، فما زالت تضربه إلى أن رجع إلى مكانه بالأرض (٣)

__________________

(١) النور السافر : «كلمد».

(٢) النور السافر : الفاء.

(٣) قلت : ومثل هذه الحكاية وقعت لابن بطوطة في رحلته إلى الهند. انظر رحلة ابن ـ بطوطة : ٥٥٥ ط دار إحياء العلوم.

١٦٧

وحكي : أنه وقع بينه وبين وزراء السلطان بحث فاحتقره ذلك الوزير ، فتعب الفقيه من ذلك ودعا عليه فنهب بيته من ذلك اليوم ، وأخذ جميع ما كان فيه ، فجاء إلى الفقيه معتذرا ومستعطفا ووصله بشيء ، وطلب منه الدعاء فحسب أن فعل ذلك ، وإذا (١) بالخبر يأتيه من عند السلطان بالإجلال والتعظيم ، وردّ جميع ما نهب له ، وأن الذي وقع من ذلك إنما كان غلطا فإنه إنما أمر بنهب غيره ، فرد جميع ما أخذ له ، وأما ذكر أسماء مصنفاته فمنها : تبصرة الحضرة الشاهية الأحمدية بسيرة الحضرة النبوية الأحمدية ، والأسرار النبوية في اختصار الأذكار النووية ، ومختصر الترغيب والتّرهيب للمنذري ، وكتاب الحديقة الأنيقة في شرح العروة الوثيقة (٢) ، وكتاب عقد الدرر في الإيمان بالقضاء والقدر ، وكتاب العقد الثمين في إبطال القول بالّتقبيح والتحسين ، وكتاب الحسام المسلول على منتقص أصحاب الرسول (٣) ، وذكر في كتابه ترتيب السلوك : ان له على أبيات الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعي ثلاثة شروح بسيط ووسيط ووجيز ، وكتاب العقيدة الشافعية في شرح العقيدة اليافعية ، وكتاب الحواشي المفيدة على أبيات اليافعي في العقيدة ، ومختصر المقاصد الحسنة ، وكتاب حلية البنات والبنين فيما يحتاج إليه من أمر الديّن (٤) ، وكتاب النبذة المنتخبة من كتاب الأوائل للعسكري ، وكتاب ترتيب السّلوك إلى ملك الملوك ، وكتاب متعة الأسماع بأحكام السماع المختصر من كتاب الإمتاع ، وكتاب النّبذة المختصرة في معرفة الخصال المكفرة للذنوب المقدمة والمؤخرة وكتاب مواهب القدوس ، وكتاب شرح الملحة (٥) ، وشرح لأمية ابن مالك في

__________________

(١) الأصل : كان الخبر.

(٢) طبع بمصر بتحقيق الشيخ محمد مخلوف سنة ١٩٦٠ م.

(٣) طبع بتحقيق الشيخ محمد مخلوف.

(٤) طبع بمصر سنة ١٣٤٦ ه‍.

(٥) طبع بعنوان تحفة الأحباب سنة ١٢٩٦ بمصر.

١٦٨

التصريف (١) ، وله أيضا عليها شرح أصغر منه واحتصر شرح الصفدي على لامية العجم (٢) ، ومنظومة في الطب وشرحها ، وله ارجوزة في النحو سماها فتح الرؤف في أحكام الحروف وشرحها ، وغير ذلك وحكي أنه مات بالّسم ، وسبب ذلك أنه حظي عند السلطان إلى الغاية فحسده الوزراء على ذلك فوقع منهم ما أوجب له الشّهادة ، وناهيك بها من سعادة رحمه‌الله.

وفيها (٣) : توفي الشهاب أحمد بن سليمان بن محمد بن عبد الله الكناني الحوراني المقري الحنفي المغربي ، نزيل مكة ببلدة غزة ، ودفن بها وولد في حدود ستين وثمانمائة بغزة ونشأ بها وحفظ القرآن ومجمع البحرين وطيبة النّشر وغيرهما ، واشتغل بالقرآن ، وتميز فيها ، وفهم العربية واشتغل بها ، وقطن مكة على خير وانجماع ، قال السخاوي : وقد لازمني في الدراية والرّواية وكتبت له إجازة وسمعته ينشد من نظمه :

سلام على دار الغرور لانها

مكدرة لذاتها بالفجائع

فإن جمعت بين المحبين ساعة

فعما قليل أردفت بالموانع

وهو رجل مبارك صالح متقشف رحمه‌الله تعالى.

وفيها : وصل حسين بيك من جدة إلى زبيد فأعزه الأمير سلمان وأكرمه ، فاتفق إن مال إليه العسكر ، وعزموا على الغدر به ، فلما أحسّ بالشر منهم هرب وركب البحر إلى دهلك ، ثم منها إلى جدة ، فوصلت مراسيم بالقبض عليه ، وإرساله إلى مصر ، فقبض ووجه إليهم ، فلم يقابلوه بسوء بل أكرموه ووجهوا معه عسكرا كما سيأتي.

__________________

(١) بعنوان فتح الأقفال طبع سنة ١٣٧٣ ه‍.

(٢) بعنوان نشر العلم طبع سنة ١٢٨٣ ه‍.

(٣) النور السافر : ١٤٠. الضوء اللامع ١ : ٣٠٩ وشذرات الذهب ٨ : ١٧٠.

١٦٩

سنة إحدى وثلاثين

في (١) شهر ذي الحجة : توفي الشريف صاحب مكة والحجاز وغيرهما ، بركات بن محمد بن بركات وتولّى بعده ولده السيد الشريف أبو نمي محمد بن بركات أبو نمي.

وفيها (٢) : عند طلوع فجر ليلة الجمعة مستهل رمضان توفي الشيخ الإمام العلّامة زين الدين أبو الفضائل عبد الحق بن الشيخ الإمام الأوحد الهمام العلّامة أقضى قضاة المسلمين شمس الدين أبو عبد الله محمد بن شرف الدين بن عبد الحق بن أحمد بن محمد بن أبي المعالي السنباطي المصري الشافعي بمكة ، وقدم إلى مكة ليموت بها ، وكان مولده بأحد الجمادين سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة رحمه‌الله تعالى ، فجهز في يومه وصلّي عليه عند باب الكعبة عقب صلاة الجمعة بعد النداء له على زمزم ، وشيعه خلق بحمل جنازته على الرؤس ، وطابت برؤيته النّفوس ، ودفن بالمعلاة ورثاه جماعة بمراث مطوّلات ، منهم تلميذه الزيني (٣) عبد اللطيف الديري الأزهري ، وقال مضمّنا لتاريخ وفاته في ثلاثة أبيات (٤) :

__________________

(١) النور السافر : ١٤١ في حوادث سنة ٩٣٠. وانظر ترجمته في خلاصة الكلام : ٥٢.

(٢) النور السافر : ١٤٢. وانظر ترجمته في الكواكب السائرة ١ : ٢٢١ وشذرات الذهب ٨ : ١٧٩.

(٣) الأصل : الريمي.

(٤) الأبيات في النور السافر : ١٤٢ والكواكب السائرة ١ : ٢٢٢.

١٧٠

توفي عبد الحق يوم عروبة

بمكة عند الصبح بدء تمامه

قضى عالم الدنيا كان لم يكن بها

سقى الله قبرا ضمّه من غمامه

وزد واحدا فوق الثلاثين مردفا

بتسع مئي واجعله عام حمامه

وفجع الخلق عليه وكثر الأسف بموته ، وبالجملة فإنه كان بقية شيوخ الإسلام وصفوة العلماء الأعلام ، نشأ ببلدة سنباط (١) ، وحفظ القرآن والمنهاج الفرعي ثم أقدمه أبوه القاهرة في القعدة سنة خمس وخمسين ، فحفظ بها العمدة والألفيتين والشاطبيتين ، والمنهاج الأصلي ، وتلخيص المفتاح والجعبرية في الفرائض والخزرجية ، وعرض على خلق كالجلال البلقيني والمحلي وابن الهمام والديري ، وعدّد في ترجمته خلق كثير ممن أخذ عنهم والكتب التي قرأها عليهم اختصرت ذلك لئلّا يطول الكلام ، وتصدّى للإقراء بالجامع الأزهر وغيره ، وأقرأ الطلبة بالمسجدين المكي والنبوي متونا كثيرة ، ثم ملّك كتبه أولاده ، ونزل لهم عن وظائفه ، وتخلّى عن الدنيا وتكفّل به أولاده وانتفع به خلائق لا يحصون ، ثم عاد إلى مكة في موسم سنة ثلاثين بأولاده وعائلته وأقاربه وأحفاده ليموت بأحد الحرمين ، فانتفعت به البلاد واغتبط به العباد ، فأخذ عنه النّاس طبقة بعد أخرى ، وألحق الأحفاد بالأجداد ، واجتمع فيه كثير من الخصال الحميدة كالعبادة والحلم والتواضع وصفاء الباطن والتّقشف وطرح التّكلف ، بحيث علم بهذا من طبعه كل من اجتمع به ، ولا زال على جلالته وعظمته إلى أن لقي الله ، نفعنا الله به وببركاته.

__________________

(١) سنباط : بليدة حسنة في جزيرة قوسنيا من نواحي مصر «ياقوت : معجم البلدان ٣ : ٢٦١».

١٧١

سنة اثنتين وثلاثين

فيها (١) : اليوم الأربعاء لسبع خلت من شهر صفر توفي الشيخ الكبير العالم القطب الشهير العارف بالله تعالى البدر المنير سلطان العاشقين أوحد عباد الله الصالحين صاحب الأحوال والأقوال والكرامات أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم بن محمد السّودي الشهير بالهادي اليمني نفع الله به ، وقبره بتعز مشهور بها يزار ويتبرك به وعليه قبة معظمة ، ومكانه مهيوب ، وكان من العلماء الراسخين والأئمة المتبحّرين درّس وأفتى ثم طرأ عليه الجذب.

وحكي : أنه كان يقرأ في الفقه على بعض العلماء فلما وصل إلى هذه المسألة : والعبد لا يملك شيئا مع سيده ، كرّر هذا السؤال على شيخه كالمستفهم واعترته عند ذلك هيبة عظيمة وبهت وحصل عليه الجذب ، وصدرت منه أمور تدّل على أنه من العارفين بالله ، ورويت عنه كرامات ، وله ديوان شعر عظيم رائق النظم مشهور على طريقة أهل التصوف على قواعد أهل البديع جاء فيه بكل معنى بديع ، وقيل إن نظمه للشعر هذا ما وقع إلّا بعد الجذب ، حكي : إنه كان ما يقوله إلّا في حال الوارد مثل الشيخ عمر بن الفارض ، والفقيه عمر بامخرمة وغيرهما من أولياء الله تعالى ، وكان يكتبه بالفحم فوق الجدارات ، وإذا أفاق محى ما كتبه من

__________________

(١) النور السافر : ١٤٣. وانظر في مناقبه الفيض الجودي في مناقب السودي لابنه عبد القادر (مخطوط).

١٧٢

ذلك ، وكان فقراؤه بعد أن علموا منه ذلك يبادرون بكتب ما وجده من نظمه على الجدارات فيجمعونه بعضه إلى بعض وحكي : أن بعض المنشدين أنشد بين يديه قصيدة من نظمه فطرب لها وتمايل عليها ، ثم سأل عن قائلها ، فقيل إنها من نظمك فأنكر ذلك ، وقال : حاشا ، ما قلت شيئا مرتين ، وكان نفع الله به مولعا بشرب القهوة ليلا ونهارا ، وكان يطبخها بيده ، وكان لا يزال قدرها بين يديه وقد يجعل رجله تحتها في النار مكان الحطب ، وكان كل ما يأتي إليه من النّذر ونحوه ، إن كان من المأكولات طرحه فيها ، أو من غيره أوقد به تحتها كائنا ما كان من ثوب نفيس أو عود أو غير ذلك وقيل : أن السلطان عامر بن عبد الوهاب بعث إليه بخلعة نفيسة فألقاها تحتها فاحترقت ، فبلغ ذلك السلطان ، فغضب وأرسل يطلبها منه فأدخل يده في النار وأخرجها كما كانت ، ودفعها إليهم ، وبالجملة فإنه كان آية من آيات الله وأقواله تدلّ على حاله في المحبة ، ومقامه في المعرفة ، وكذا تدل على تفننه في العلوم الظاهرة مثل النحو والبديع والمعاني وغير ذلك ، وعلى إطلاعه على الأخبار السالفة والأمثال السائرة ، حتى كأنما جميع العلوم والمعاني كانت ممثلة بين عينيه يختار منها الذي يريد ، وعلى نظمه قبول عجيب ، وفيه تأثير غريب ، فإنه السهل الممتنع ، يفهمه كل أحد من سهولته وسلاسته ، مع متانة عبارته ويتأثّر به الناس غالبا ويكثر عليه وجد الواجدين ، ويقال له فارضي اليمن ، فهو في رقته يشبه كلام التلمساني وأبن الفارض ، وما أحسن قوله نفع الله به (١) :

قالت سعاد وقد رأت دمعي جرى

صدق المحدث فالحديث كما جرى

فدهشت من فرحي وقلت نعم نعم

ما كان حبكم حديثا يفترى

لي في هواكم صرفه وعتيقه

حاشاي من درديه (٢) أن أسكرا

بالله يا حادي النياق لحيهم

فالصّيد كل الصيد في جوف الفرا

__________________

(١) ديوان السودي : ١٨١ ط دار الفكر.

(٢) النور السافر : وردية. والدردي : الكدر الراسب في أسفله.

١٧٣

سلّم على أهل الخيام وقل لهم

مات المحب من الغرام وما درى

ومن قوله (١) :

أيها اللّحظ المريق دمي

أنت في حل وفي سعة

حبذا يافتنتي قدم (٢)

بي إلى حتف الهوى سعت

نسبتي في الحب ثابتة

همتي عن غيره سمت

كم معان فيك ياقمري

للمعنّى الصب قد دعت

من تمعناها وعاينها

عاش في خفض وفي دعة

وله رحمه‌الله ونفعنا به (٣) :

أفدي قمرا في حسنه نزّهني

قالوا ألهاك قلت بل ولهني

ما كنت على حديثه مطلعا

لو لا «مكحول» طرفه حدّثني

وله أيضا (٤) :

سلم لهم تلق من ألطافهم عجبا

واخضع لهم يا طفيلي الهوى أدبا

ولا تقل سببي يوما ولا نسبي

يكفي بهم سببا يكفي بهم نسبا

وله أيضا (٥) :

يا سالب النوم عن جفوني

إجعل لهذا الصّدود حدّا

واشرح بطيب الوصال صدري

نقدا وإن شئت كان وعدا

أنت لروح المحب قوت

وطالب القوت ما تعدّى

والسودي نسبة إلى سودة [شظب](٦) وهي على ثلاث مراحل من

__________________

(١) ديوان السودي : ١٩٢.

(٢) النور : قدمي.

(٣) ديوان السودي : ١٧١.

(٤) ديوان السودي : ١٨١.

(٥) ديوان السودي : ١٧٣.

(٦) ساقط من الأصل وسوده شظب مدينة في ذروة جبل حجاج من متوسط جبل السراة في بلد حاشد وبالشمال الغربي من عمران بمسافة ٤٤ ك م (معجم : ٣٣٣).

١٧٤

صنعاء ، ونسبه يرجع إلى بني شمر (١) وهم من أولاد كندة ، وكان للشيخ نفع الله به ولدان أحدهما عبد القادر ، والآخر محمد ، ومات عبد القادر في حياة أبيه وخلف بنتا ولم يبق للشيخ نسل إلّا منها ، وأما محمد فعاش بعد والده وصار متوليا قضاء تعز ، ولما استولى الأروام على تعز لزموه وبعثوا به إلى مصر فمات هناك ، وذلك في حدود السّتين بعد التسعمائة.

وفيها (٢) : توفي السلطان الأعظم مظفر شاه بن محمود شاه صاحب كجرات ، وكان رحمه‌الله فاضلا عادلا صالحا محبا لأهل العلم ، وكان حسن الخط ، وكتب بيده جملة مصاحف أرسل منها مصحفا إلى المدينة الشريفة ، وخرجت روحه وهو ساجد ، والظّاهر إنه هو الذي وفد عليه الشيخ العلّامة محمد بحرق الحضرمي وصنّف بسببه السيرة النبوية ، وإن كان اسم الكتاب يشعر بغير ذلك ، فإنه ما كان في ذلك الزّمان أحد ممن ولي السلطنة اسمه أحمد ، ولم يزل عنده مكرما مجللا إلى أن مات.

وفيها (٣) : يوم الأحد الثامن من جمادى الأولى وصل الأروام إلى زبيد صحبة مصطفى شلبي بن حسين بيك بن محمد مراد الطغرائي (٤) من بندر الصّليف ، وعند وصوله باب سهام وقع مطر عظيم جدّا.

__________________

(١) في الأصل شمس وأصلحناه من النور السافر.

(٢) النور السافر : ١٧٤.

(٣) أنظر هذا الخبر بتوسع في البرق اليماني : ٤٢.

(٤) كذا من الأصول ولم أجد اسم المذكور كاملا في المراجع المعروفة ولعله اطلع على نسخة موسعة من تاريخ بامخرمة غير الموجودة الآن ، قلت : هي المذكرات التاريخية لعبد الله بن عمر بامخرمة.

١٧٥

سنة ثلاث وثلاثين

يوم (١) الأحد سابع شهر صفر : توفي العلّامة الرّباني والقطب الصّمداني شافعي زمانه ، وجنيد أوانه ولي الله بالاتفاق وشيخ المشايخ على الأطلاق المشهور في الأفاق جمال الدين محمد بن علي بن عراق بمكة المشرفة ، وكان وصوله من مدينة المصطفى لإطفاء الفتنة التي أطفأها الله تعالى بوصوله وكان وصوله في رمضان سنة اثنتين وثلاثين ، وكانت بين الشريف أبو نمي بن بركات والأروام وأميرهم سلمان ومعهم خير الدين ، وإظهارهم أن نيتهم العزم على الافرنج وقتلا كلاهما باليمن كما سيأتي ، وكان رحمه‌الله من كبار المشايخ العارفين ، وبقية الصفوة من الأولياء الوارثين ، وكان من رجال الطريق ومشايخ التّحقيق وخاتمة ذوي العرفان وعمدة في تربية المريدين من أهل الإيمان نفعنا الله به ، ومن أولاده الشيخ العلّامة الحبر الفهامة قدوة وقته في المعقول والمنقول ، والمعول عليه في الفروع والأصول شيخ الأنام بطيبة النبوية ، ومرجع الخاص والعام بالحضرة المصطفوية ، الشيخ علي بن محمد بن عراق ، وكان من كبار أهل العلم ، وله جملة مصّنفات ، منها «تنزيه الشريعة» (٢) وهو كتاب جليل عظيم الفائدة ، ومنها «الصراط المستقيم في فضل بسم الله الرّحمن الرّحيم» وسئل عن القهوة [والسائل له الشيخ العلّامة رضي الدين محمد بن إبراهيم الحلبي

__________________

(١) النور السافر : ١٧٤. وانظر الكواكب السائرة ١ : ٥٩ وشذرات الذهب ٨ : ١٩٦.

(٢) من أشهر كتب الموضوعات طبع عدة مرات.

١٧٦

المعروف بإبن الحنبلي رحمه‌الله](١) بهذه الأبيات :

أيها السامي لكلتا الذروتين

بجوار المصطفى والمروتين

والعلي القدر علما وكذا

عملا فوق علو النيرين (٢)

من له في الزهد باع ويد

وهو في بذل الندى رحب اليدين

أفتني في قهوة قد ظلمت

حيثما شيب (٣) تعاطيها بشين

من تله هالنا مهيعه

وافتراق لأقاويل ومين

ومراعاة أمور شاهدت

فعلها (٤) في الحال كلتا المقلتين

وحكى شرابها أهل الطلا

فالتداني بين تين الفرقتين (٥)

أودعوا في الطرس ما يرجو الفتى

أو دعوا فاليأس إحدى الراحتين

فأجابه بما نصّه :

أيها السامي سمو الفرقدين

وإمام العلم مفتي الفرقتين

يا رضي الدين يا بحر الندى

من رجاكم راح مملوء اليدين

جاءني منكم نظام قد حكى

في مصوغ اللفظ مسبوك اللجين

قلت فيه إن ذا القهوة قد

خلطوها بتله وبمين

وبمطعوم حرام وغنى

وبرقص وبصفق الراحتين

وطلبت الحكم فيها بعدما

قد رأيتم ما ذكرتم رأي عين

[وجوابي أنها حل ولا

يقتضي ما قلتم تحريم عين](٦)

وعلى ذي الأمر إنكار الذي

شأنها حتى تصفى دون رين

وإذا لم يستطعه (٧) دون أن

يمنع الأصل ففعل منه زين

__________________

(١) ساقط من النور السافر.

(٢) النور السافر : ذا علا فوق زين النيرين.

(٣) الأصل : شبهت. والنور شئت.

(٤) ساقط من النور السافر.

(٥) النور : الفردني.

(٦) ساقط من النور السافر.

(٧) في (س) يستعطه.

١٧٧

والتداني من حماها وهي في

وصفها المذكور شين أي شين

والصفا في شربها مع فتية

أخلصوا التقوى وشدوا المئزرين

ثم ناجوا ربهم جنح الدجى

بخشوع ودموع المقلتين

فابتداء الأمر فيها هكذا

قد حكوه عن ولي دون مين

ذا جوابي واعتقادي أنه

في اعتدال كاعتدال الكفتين

وتاريخ وفاته لم أقف (١) عليه ، وهذا هو الذي منعني أن أترجم له على حدته رحمه‌الله ونفعنا به ، وكذلك صنوه من أولاد سيدنا الشيخ محمد بن عراق نفع الله به الشيخ أحمد عبد النافع بن محمد بن عراق وقد كان عالما فاضلا فصيحا بليغا رئيسا كبيرا ، ذا أدب وطرف وملح ولطف ، وله أشعار رائقة وأخبار فائقة ومن شعره :

كل له ورد يكون وسيلة

لمعاشه ومعاذه ومعاده

وجعلت وردي في الخروج عن السوي

وأكون مع مولاي تحت مراده

ومن شعره أيضا :

يا غائبين (٢) وقولي حين أذكرهم

كم هكذا أغتدى في غربة وفراق

لو سار ركب بعشاق الهوى رملا (٣)

نحو الحجاز لما ذاق النوى ابن عراق

ومما نقلت من خطه قال لكاتبه (٤) :

يا أيها المنكر من غيره

بعض الذي فيه تحرى هداك

أنظر إلى نفسك في كلما

توريكه مما بدا من سواك

__________________

(١) قلت : وفاته سنة ٩٦٣ انظر ترجمته في الكواكب السائرة ٢ : ١٩٧ وشذرات الذهب ٨ : ٣٣٧ والاعلام ٥ : ١٢.

(٢) النور : يا قائلين.

(٣) الأصل : رماد.

(٤) من هنا ساقط من مطبوعة النور السافر.

١٧٨

أن سلمت من بعضه يا فتى

والا تحقق غلبها مع هواك

ومنه قال ولكاتبه سامحه الله تعالى :

وجيه الدين يا من حاز حظا

من الله الكريم ونال بختا

عهدتك للجميل أبا وأما

وللمعروف أهلا منذ كنتا

فكيف نقصتني من بين صحبي

وإني في المحبة من عرفتا

كتبت جماعة المخدوم طرا

واسمي بينهم فردا تركتا

فخاضوا في الكلام على صنوف

وكل يدعي وصفا ونعتا

أنا عندي لذلك اعتذارا

ولو أبدوا به نقصا ومقتا

كأنك لن تراني ذا احتياج

لغير الفضل منك إذا فتحتا

أنا راض بما ترضاه قسما

فدعهم يضربون الماء حتى

فلك مني الدعا سرّا وجهرا

ولك مني صفي الود بحتا

ومن خطه رحمه‌الله.

الحمد لله وكفى سئل الفقير أحمد عبد النافع بن محمد بن عراق بمكة سنة ٩٤١ بما صورته ، والسائل له بعض الطّلبة وهو محمد بن صلاح الدين الدمنهوي (١).

شيخ علم يفوز يوم التلاق

بنعيم وروضة ورفاق

جئته سائلا ومسترشدا عن

طرق رشد يهدي لكل وفاق

هل يجوز إستماع صوت شجيّ

مطرب وهو من نوى أو فراق

أم حرام سماعه فأجبني

يا إمام العلوم بالاتّفاق

فأجاب بما لفظه :

أيها الحاذق الذكي الراقي

فنن العلم وهو خير المراقي

جاءني منك نظم در يحاكي

در ثغر الحبيب عند التلاق

فيه ما قد قضى بظرفك عندي

فاقض ما أنت أهله من وفاق

__________________

(١) كذا في الأصل لعل صوابه الدمنهوري.

١٧٩

قلت هل جائز سماعك صوتا

يطرب السامعين من عشّاق

فأقول استمع هديت لرشد

ووفاق منزّه عن شقاق

هذه من مسائل قد أجاب العلم

اء عنها من ذوي الاشفاق

وأطالوا وحّرروا غير أن العل

م يجلوا مّحررا في المذاق

وقصدت استماع ما هو عندي

فأقول استمع بحسن خلاق

مطلق الصوت حيث كان حسينا

جاء في أصل شرعنا باتفاق

حبه واختياره واقتفاه

أي بتحسين ما بدا من نزاق

وخصوصا لدى التلاوة للقرا

ان وصفوا صفوة الخّلاق

وأذان وشبهه وإمام

وكداع لموجب الاشتياق

من حداء بعيس حّجاج بيت

لم يزل سيرها له ذا انطلاق

فبذا قد أتت أحاديث تروى

وسل الحافظين عنها تلاقي

كحديث به وما أذن الله

لشيء وغيره من رقاق

وكذا قوله وما بعث الله

نبيا وشاهدي في الباقي

ومقال الرسول رفقا لحاد

قد حدا فيه شاهد بوفاق

وكفى با يزيد في الخلق في نا

ظر واسأل معاشر الحذاق

ذا جواب لمطلق الحسن الصو

ت إذا ما بدا بحلّ النطاق

وسماع القصيد من شعر ركب

رام رمل الحجاز في عشاق

من رقيق الطباع وهو رقيق

حسن الصّوت طيب الأعراق

جائز مع شروطه وهو عندي

مثل بيض الأنوق في الإنفاق

عدم الآلة الحرام بحال

واطراح المحرمات البواقي

من نبيذ وشبهة وافتنان

بمليح مفتّر الأحداق

وادكار لجارية وسواها

من حريم لهن مثل الطلاق

ويكون القصيد ممن نزهوه

عن خناء وغلظة ونفاق

وكذا ذكر قد ذات دلال

ونهود وشبه ذا كاختلاق

غير أن كلام ساداتنا القوم

أرى استثناه من الاطلاق

فلهم محمل جميل نزيه

واصطلاح ولو يرى ذا اغتلاق

١٨٠