تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه

تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

المؤلف:

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

محمد بن إسمعيل بن علي القلقشندي الأصل القاهري المولد والدار الشافعي بالقاهرة ، وكان مولده في حادي عشر (١) سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة بالقاهرة ، ونشأ بها وحفظ القرآن والشاطبية ، وعرض على خلق كثير كالبساطى والمحب بن نصر الله ، والحافظ بن حجر العسقلاني وسمع على آخرين وأبيه وجدّه والتّاج الشرابشى (٢) والفاقوسى والزركشي وابن ناظر الصلاحية ، وأجاز له خلق كثير منهم العلامة البخاري ، وقرأ على أبيه في التّفاسير والحديث وغير ذلك ، وكذا على المحلي شرح المنهاج وجمع الجوامع ، وحج في حياة أبيه ، وكان دخوله مكة في سنة [إحدى وخمسين](٣) وسمع على المراغي والأسيوطي ، ثم أخذ بالمدينة في سنة سبع وخمسين عن عبد الله بن فرحون ، ثم حج ثالثه في سنة سبع وثمانين ، واستقر في مشيخة الداودارية (٤) وخزانة الكتب الأشرفية برسباي ، وغيرها بعد أبيه ، وكذا في تدريس الحديث بجامع طولون مشاركا لعمّه ، ثم استقل به بعد موته رحمه‌الله تعالى.

وفيها (٥) يوم الأحد رابع عشر ذي القعدة : توفي الفقيه الفاضل برهان الدين إبراهيم بن موسى بن أبي بكر بن الشيخ علي الطرابلسي (٦) الحنفي نزيل المؤيديّه (٧) من القاهرة بمدرسته بالقاهرة ، وصلي عليه فيها ودفن بالقرافة ، وكان مولده في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة بطرابلس ، وأخذ بدمشق عن جماعة منهم الشرف بن عيد ، وقدم معه القاهرة حين طلب

__________________

(١) كذا في الأصل والنور السافر ولعل الساقط اسم الشهر.

(٢) في الأصل (الشرابيني) والنور (السّرابيسى) ، وأصلحناه من ترجمة المذكور في الضوء اللامع ١ : ٧٨.

(٣) بيض له في الأصل.

(٤) في الأصل : الداودية. وأصلحناه من النور السافر.

(٥) النور السافر : ١٠٤. وانظر ترجمته في شذرات الذهب ٨ : ١٠٥ والأعلام ١ : ٧٦.

(٦) الأصل : الطرابيسى وأصلحناه من النور.

(٧) في الأصل : الزيدية. والنور السافر : الريدية وأصلحناه من الضوء اللامع (ترجمه المذكور) ١ : ١٧٨.

١٢١

لقضائها ، ولازم الصلاح الطرابلسي ، وأخذ عن الديمي (١) شرح ألفية العراقي للنّاظم وعن السنباطي (٢) أشيا وفضل كل فقيه بإجماعهم (٣) على علمه وخيره وصلاحه ، وألف عدة مؤلفات منها «الإسعاف في حكم الأوقاف» (٤) وجاور بمكة في سنة خمس عشرة وتسعمائة ثم عاد إلى القاهرة رحمه‌الله تعالى.

__________________

(١) الأصل والنور السافر : الريمى وأصلحناه من الضوء اللامع.

(٢) الأصل والنور السافر : الشيباني وأصلحناه من الضوء اللامع.

(٣) كذا وفي النور السافر : وفصل كل قضية لإجماعهم.

(٤) طبع سنة ١٢٩٢ ه‍ بعنوان الإسعاف في أحكام الأوقاف.

١٢٢

سنة ثلاث وعشرين

فيها : زالت دولة الشركسية ، وقد تقدّم الكلام في السنة التي قبلها فقد قانصوه الغوري وتولية ابن أخيه طومان باي (١)

وفي صبح يوم الخميس مستهل شهر المحرم أول هذه السنة (٢) : التقى الجيشان بالريدانية جيش سليم شاه الرومي ، وجيش طومان باي الشركسي وقت طلوع الشمس ، فما كان غير قليل حتى انكسر عسكر طومان باي ، وولىّ منهزما ، واستولى السلطان سليم على مصر وأعمالها من ذلك اليوم ، وقتل طومان باي بعد الوقعة بثلاثة أشهر قتله السلطان سليم شاه غدرا من بعض العرب أتى به إلى سليم شاه والله أعلم ، ولما دخل سليم شاه مصرا نقل جميع تجارها إلى الروم ، وصادر أهلها بمال عظيم ، قال الفقيه عبد الله بن عمر بامخرمة : سمعت خطيب المدينة الشريفة يقول : لما أخذت مصر انشدني الوزير ابن الجبعان ، وكان وزير الملك الأشرف قانصوه الغوري لما قتل وتولى السلطان سليم شاه ، هذين البيتين :

ليت شعري من على مصر دعا

مخلصا لله حتى سمعا

ملؤوها وحشوها نكدا

فهي تبكينا ونبكيها معا

وكان أول من صودر وأخذ منه مال كثير ، قال المؤرخ : سمعت

__________________

(١) في (س) طرمان باي.

(٢) انظر بدائع الزهور ٥ : ١٠٢.

١٢٣

الفقيه عبد الرحمن الأزهري المصري يقول : كان إسم المذكور عبد العزيز بن الجيعان ، وكان بنو الجيعان وزراء مصر ورؤسائها ، فلما دخلها سليم شاه صادرهم وأخربها ، فتنكرت أحوالها ، ولله الأمر من قبل ومن بعد والله أحكم وأعلم.

وفيها في يوم الخميس رابع وعشرين ربيع الأول : قتل الشيخ السلطان عامر بن عبد الوهاب بن داؤد بن طاهر بن معوضة بن تاج الدين العمري القرشي الأموي كذا ذكره الفقيه أحمد بن عمر الديبع (١) في تاريخه (٢) ، ونقلت من خط السيد الشريف الشيخ عمر بن عبد الله العيدروس ذكر نسب الظافر (٣) فهو السلطان عامر بن عبد الوهاب بن داؤد بن طاهر بن معوضة العمري الأموي نسبه إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي‌الله‌عنه انتهى.

قلت : وقد تقدم في السنة التي قبلها قتاله تحت زبيد مع برسباي ، ولم يحصل منها على شيء ورجوعه إلى تعز ، فلما (٤) دخل تعز كان السّلطان عامر تحقّق من عسكره عدم النصيحة معه فاستخدم جماعة من المهرة (٥) وأجزل عطيتهم على غيرهم من بقية الجند والأعوان ، فتغير خاطر العسكر حيث آثر المهرة عليهم ، وكان غالب جنده الرّعية والجبالية من أهل اليمن وغيرهم ، وما المهرة فيهم إلا كالرّقم من ذراع الحمار ، وخرج برسباي بعساكر من زبيد إلى تعز ، وبها السّلطان عامر حينئذ ، فقدم صبح الجمعة سادس شهر صفر ، فلما شاهدهم عسكر السلطان ، انهزم كل قبيلة

__________________

(١) كذا في الأصل صوابه عبد الرحمن بن علي ابن الديبع الشيباني المتوفى سنة ٩٤٤.

(٢) بغية المستفيد : ١٢١ ط شلحد.

(٣) في الأصل الطاهر.

(٤) قلائد النحر لوحة : ١٩٦.

(٥) المهرة بالتحريك قبيلة من قضاعة في الجنوب الشرقي من حضرموت ، وهم ولد مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف ، ومساكنهم سيحوت والغيضة والمشقاص (المعجم : ٦٤).

١٢٤

منهم إلى جهة بلده ولم يبق معه إلا المهرة وخاصة عبيده ، فأرادوا القتال فمنعهم وولى عنهم إلى جهة إب من غير قتال ولا حرب ، فدخل المصريون تعز وصادروا التجار وفعلوا بها وبأهلها أعظم مماّ فعلوا بزبيد وأهلها ، وأقاموا بتعز إلى الجمعة الثانية ، ثم عزموا من تعز يوم الجمعة ثالث عشر صفر إلى جهة المقرانة ، وكان السلطان لما خرج من تعز أقام بإب ، فلما علم خروج المصريين إلى المقرانة توجّه إليها ، فدخلها قبلهم بليله عشية الخميس ، فحمل نساءه وما خفّ من الذخائر والأموال ، وأحرق بعض ما لم يقدر على حمله وفتح الخزائن وأمر كل أحد أن يحمل ما يقدر عليه ، فلما كان صبح يوم الجمعة أصبح المصريون تحت المقرانة ولم يتجاسروا على دخولها حتى أخبروا أنها خليّة من السلطان وجنده فدخلوها ، واستولوا عليها ونهبوا ما وجدوا في الدار من الذخائر والأموال وكان جملة مستكثرة ، وظفر برسباي بجماعة كانت عندهم ودائع للسلطان فأخذها منهم ، ودخل عليه جماعة من آل عمار فبايعوه ، وسألوه المسير معهم ليمكنوه من بلادهم ، فسار معهم في جمع كثير من شجعان أصحابه ، فلما توسّطوا بهم في بلادهم ثاروا عليهم من كل مكان ، فقتلوا الأمير برسباي وأصحابه عن آخرهم ولم ينج منهم إلّا المخبر بهم ، فلما بلغ الخبر إلى من بقي من المصريين في المقرانة ضاق بهم الحال ، واجتمعهم رأيهم على تولية رجل منهم يعرف بالإسكندر ، وكان شجاعا ظلوما غشوما فبايعوه وأمّروه عليهم ، فلما تم له الدست ظفر برجل من خواص السلطان يسمى عمر الجبرتي فتهدّدوه فدلهم على مال عظيم يقال أن مبلغه خمسة لكوك ذهب قديم ، فأخذه منه وقسمّه في العسكر ، ثم سار الإسكندر من المقرانة بعساكر إلى جهة صنعاء ، فلحقه عسكر السلطان بموضع يسمى عفرة (١) فكانت بينهما وقعه قتل فيها من الأتراك وجموعهم وأشراف جازان ومن معهم جمع عظيم ، وحصرهم عسكر السلطان من كل جانب ، وكاد

__________________

(١) الفضل المزيد : الغفرة. وعفرة : موضع قرب بيت البندري من آل عمار ما بين الرضمة وقرية الأجلب ، قرة العيون : ٤٦٩.

١٢٥

يحاط بهم فبذلوا مالا جزيلا لعبد النبي بن سعيد حتى أرخى قليلا من جانبه فنفروا إلى جهة رداع واستولوا عليها من غير قتال ، ثم تقدموا إلى صنعاء ، وأما السلطان عامر ، فإنه لما خرج من المقرانة توجه إلى الخلقه (١) فتبعه طائفة من المصريين ، فهرب من الخلقة إلى قرب بلد يافع وألقى الله الرعب في قلبه منهم حتى بلغني أنه رأى فارسا واحدا من أصحابه يركض فظنّه من التّرك أو أنه يطرد هاربا منهم ، فهرب من ذلك الموضع ، وطلب من يافع بعض حصونهم يكنّ فيه نفسه وحرمه ، فلم يساعدوه وقاسى من الذّل والهوان هو وأهله ما لم يقاسه إنسان ، فسبحان المذّل بعد العزة والمقل بعد الكثرة [ولما بلغه ما حصل على المصريين في الغفره استفزه الفرح وطمع في الظفر بهم](٢) فسار من الخلقة ، ودخل المقرانه ، وترك بها ابنه أحمد ، وخرج مسرعا بباقي الجند والعسكر ملاحقا للمصريين إلى صنعاء ومن معه أخوه الشيخ عبد الملك ، وابنه أبو بكر وابن أخيه عامر بن عبد الملك ، وبلغني أن أخاه عبد الملك عذله عن ملاحقة المصريون إلى صنعاء ، وقال له : أنت تعرف عداوة الزيدية ، فتقع بين عدوين المصري والزيدي فلم يصغ إلى كلامه ، ونسبه إلى الجبن والذل منهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، فسار إلى أن وصل قريبا من صنعاء بحيث يراها والمصريين يومئذ محاصرين لها ولأهلها ، ولم يقدروا منها على شيء ، فلما علم الجند المصري بوصول السلطان ، قصدوه قبل أن يحط الأحمال ، فكانت بينهم وبين العسكر السلطاني وقعة قتل فيها أخو السلطان عبد الملك أصابته جليلة في وجهه ، وعاده لم يلبس للقتال فسقط ميتا وقتل معه أكثر عبيده وعسكره ، وذلك يوم الخميس رابع وعشرين ربيع الأول ، فلما علم السلطان ذلك عدل إلى جهة جبل نقم بعد أن أخذه شبه الوله لفقد أخيه ، فلاحقه الجند المصري وحصروه بالجبل فبات به ثم انحدر منه صبح

__________________

(١) الخلقة بالفتح بلدة بيافع سرو حمير تعرف اليوم بخلاف وهو حصن وقرية قرة العيون : ٤٦٨.

(٢) ساقط من الأصل وأثبتناه من القلائد ليتضح المعنى.

١٢٦

يوم الجمعة ثاني يوم قتل أخيه متوجها إلى حصن ذمرمر ليتحصّن به فأدركه الجند المصريون في الطريق يمشي وقد زحف وعجز عن المسير فلم يعرفوه فقتلوه ، ثم تحققوا أنه السّلطان فأخذوا رأسه ورأس أخيه فتقدموا بالرّاسين وبإبنه أبي بكر وابن أخيه الشيخ عامر بن عبد الملك أسيرين وأرسلوا بالراسين إلى صنعاء صحبة الشهاب الجبرتي ليخبر الأمير البعداني أمير صنعاء بذلك ، فلما تحقق الأمير ذلك بكى وسأل الذّمة ليسلم عليهم (١) البلد فأعطوه الذمة ، ودخلوا البلد واستقروا بها ، ومالوا على أهلها فقتلوا منهم جمعا كثيرا ينيفون على الخمسمائة أكثرهم من آل عمار الذين قتلوا برسباي ، وأقاموا بصنعاء نحو شهرين وأخذوا منها أموالا جزيلة من النّهب ومصادرة التجار وغير ذلك ، واستصفوا أموال الأمير علي بن محمد البعداني ، وكانت أموالا عظيمة ، ولما عزموا على التّوجه من صنعاء خنقوا الأمير علي بن محمد البعداني ، وتركوا جماعة منهم بها وساروا إلى زبيد على طريق يخار (٢) ولقيتهم جملة جموع من بني حبيش ومن والاهم إلى الطريق ، وكانت بينهم وقعة هناك عظيمة ظفر فيها بنو حبيش عليهم فنهبوا الأموال ، وقتلوا الأبطال واستنقذوا الشيخ عامر بن عبد الملك منهم ، وأخذوا عليهم جميع ما أخذوه من المقرانة وصنعاء ، وكان وقر ثمانية آلاف جمل من الذخائر والجواهر والذهب والفضه والمصاغ والنفائس والقماش والعدد وغير ذلك وانهزموا في كل جهة ، وتفرقوا شذرمذر ، ودخل الأمير اسكندر والشريف عز الدين إلى زبيد ليلة التّاسع والعشرين من جمادى الأخرى مهزومين مكسورين ومعهم ولد الشيخ عامر أبو بكر أسيرا [وأسروا ابن عمه الشيخ عامر بن عبد الملك بن عبد الوهاب بعد قتل أبوهما كما

__________________

(١) القلائد : إليهم وهو الصواب.

(٢) الأصل : نجار وأصلحناه من القلائد وفي الفضل المزيد ط صالحية نقيل التجار خطا وما أثبتناه من ط شلحد وقرة العيون : ٤٧٠ قال : يخار بضم الياء من تحت وخاء معجمة وراء جبل عال من يحصب العلو ثم من سبا وفي أعلا يخار حصن وإليه ينسب نقيل يخار.

١٢٧

تقدم تحت صنعاء](١) رحمهما‌الله تعالى وتغمّدهما برضوانه ، وكان مولد الشيخ عامر بن عبد الوهاب سنة ست وستين وثمانمئة ، ومدة عمر سبعين سنة ومدة ولايته تسع وعشرين تقريبا لأن أول دولته عقب أبيه عبد الوهاب سنة أربع وتسعين وثمانمائة في جمادى الأولى ، انتهى من تاريخ العلامة الإمام عبد الرحمن الديبع رحمه‌الله ملخصا ، وللعلامة الوجيه عبد الرحمن الديبع (٢) :

أخلاي ضاع الدين من بعد عامر

وبعد أخيه أعدل النّاس في الناس

فمذ فقدوا (٣) والله والله إنني

من الأمن والسلوان في غاية اليأس

وله فيه أيضا (٤) :

تحطم [من](٥) ركن الصلاح مشيده

وقوّض من بنيانه كل عامر

فما من صلاح فيه بعد صلاحه

ولا عامر والله من بعد عامر

وكان (٦) الشيخ عامر رحمه‌الله على جانب عظيم من الدين والتّقوى نشأ في طاعة الله لا تعلم له صبوة ، وكان ملازما للطّهارة والتّلاوة والأذكار لا يفتر آناء الليل وأطراف النهار ، كثير الصّدقات وفعل المبرات.

ومن مآثره المخلدة لذكره على الدوام ، الموجبة لحلول دار السّلام عمارة الجامع الأعظم بمدينة زبيد لم يسبق إلى مثلها ، انفق في ذلك جملة مستكثرة من أمواله وخالص حلاله ، وعمارة مدرسة الشيخ الكبير إسمعيل بن إبراهيم الجبرتي بها ، وعمارة مشهد الفقيه أبي بكر الحداد

__________________

(١) ساقط من الأصل وأضفناه من القلائد.

(٢) أنظرهما في قلائد النحر لوحة : ١٩٧ والفضل المزيد ط شلحد : ٣٧٠ وقرة العيون : ٤٧٠ والنور السافر : ١١١.

(٣) الأصل : ومن بعدهم وأصلحناه من المصادر السابقة.

(٤) البيتان في النور السافر : ١١١ والفضل المزيد : ٣٧١ ط شلحد.

(٥) ساقط من الأصل.

(٦) النور السافر : ١١٠ والفضل المزيد : ٣٧٢ وقرة العيون : ٤٧٠.

١٢٨

خارج باب القرتب بظاهر مدينة زبيد ، ومدرستان بمدينة تعز ، وأجرى العين بها والجامع الكبير ، بالمقرانة ومسجد القبه بها ، ومدرسة عظيمة برداع العرش ، ومسجد بداخل عدن ، وأجرى المياه بظاهر باب البر منها ، وصهريح عظيم لم يسبق إلى مثله ، وآخر بقرية عسيق (١) وله مساجد وصهاريج في أماكن محتاجة إلى ذلك كثيرا وآبار في الأماكن المحتاجة إليها والمواضع المنقطعة ، وله من أعمال البر ما لا يحصى كثرة ، ضاعف الله له الثواب وأحسن له المرجع والمآب.

وفيها (٢) : في يوم الأحد سادس عشر المحرم ، توفي الشيخ الكبير العارف بالله تعالى عبد الرحمن بن الشيخ علي بن أبي بكر باعلوي بتريم ودفن بها رحمه‌الله تعالى ونفعنا به ، وكان مولده سنة خمسين وثمانمائة ، وكان من الأولياء العارفين والمشايخ الصالحين زاهدا عابدا ورعا وحكي عن مجاهداته أنه كان وهو صغير يخرج هو وابن عمه الشيخ أبي بكر بن عبد الله العيدروس نفع الله بهما إلى شعب من أشعاب تريم يقال له «النّعير» بعد مضي نصف الليل للتهجّد فينفرد كل واحد منهما بقراءة عشرة أجزاء في الصلاة ، ثم يرجعان إلى منازلهما قبل الفجر ، وقرأ الأحياء على والده أربعين مّره ، وبلغني أنه يغتسل لكل فرض ، ومن مشايخه أبوه الشيخ علي ، والفقيه الدوسري ، وكان يحفظ الحاوي في الفقه للقزويني والوردية في النحو ، واجتمع بالشيخ العلامه الصالح يحي العامري وله منه إجازة وحكى لما اجتمع به وكان معه ابن عمه الشيخ أبو بكر فالتمسا منه أن يريهما موضع الأصابع النبوية من ظهره ، فكشف لهما عنها ، فرأوها بالعيان وقرأ «منهاج العابدين» والأربعين الأصل ، «ونشر المحاسن» «والروض» و «الإرشاد» لليافعي ، وكتاب «عوارف المعارف» للسهروردي ، وقرأ من كتب الشيخ محي الدين ابن عربي جملة منها «الفتوحات المكية» و «قوت

__________________

(١) الأصل عسيب وأصلحناه من أصول الكتاب.

(٢) النور السافر : ١٠٥ والغرر لخرد : ٤٣٣ والمشرع الروي ٢ : ١٣٤.

١٢٩

القلوب» لأبي طالب المكي ورسالة القشيري وقرأ الأذكار والتبيان وكتاب «موجبات الرحمة» للردّاد «والتفسير» للواحدي «والشفا» للقاضي عياض والبخاري ، وكذا سمعه على الفقيه محمد بن أحمد بافضل وغيره من الكتب ، وقرأ عليه في سائر العلوم ، وعلى الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بلحاج بافضل ، وقرأ على عمه الشيخ عبد الله ، وعلى الفقيه محمد بن علي صاحب عبديد وهو صغير ، وقرأ الانفرادة (١) لنافع وأبي عمرو ، وكانت قراءته لحفص ، وحجّ بيت الله وزار قبر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وانتفع به النّاس في حياته وقرأ عليه الفقيه الصّالح عبد الله بن محمد بن سهل بن عبد الله بن الإمام الفقيه الشيخ محمد بن حكم باقشير ، والفقيه عمر بن محمد باشيبان باعلوي كتبا جليلة ، وقرأ عليه ولده الشيخ شهاب الدين كتبا كثيرة ، وتأدّب بأدبه وتربّى بسره نفعني الله بهما ورضي عنهما ، وأما كراماته رحمه‌الله تعالى فكثيرة مشهورة.

وفيها (٢) في ليلة الجمعة سابع المحرم : توفي العلامة الحافظ أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك بن أحمد بن حسين بن علي القسطلاني المصري الشّافعي بالقاهرة ، وصلي عليه بعد صلاة الجمعة بالجامع الأزهر ودفن بالمدرسة العينية جوار منزله ، ذكره السخاوي في ضوئه (٣) وإن مولده ثاني عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بمصر ، ونشأ بها وحفظ القرآن وتلا للسّبع ، وحفظ الشاطبية والجزرية والوردية وغير ذلك ، وذكر له عدة مشايخ منهم الشيخ خالد الأزهري النحوي ، وحج غير مرة وجاور سنة أربع وثمانين وسنة أربع وتسعين ، وكان يعظ بالجامع العمري وغيره ويجتمع عنده الجم الغفير ، وأنه لم يكن له نظير في الوعظ ، وذكر من تصانيفه العقود السنية في شرح المقدمة

__________________

(١) كذا.

(٢) النور السافر : ١٠٦. وانظر ترجمته في الضوء اللامع ٢ : ١٠٣ والكواكب السائرة ١ : ١٢٦ وشذرات الذهب ٨ : ١٢١ والاعلام ١ : ٢٣٢.

(٣) الضوء اللامع ٢ : ١٠٣.

١٣٠

الجزرية في علم التجويد ، والكنز في وقف هشام وحمزة على الهمز ، وشرحا على الشاطبية زاد فيه زيادات ابن الجزري مع فوائد غريبة لا توجد في شرح غيره ، وشرحا على البردة سّماه الأنوار المضية ، وكتاب نفائس الأنفاس في الصحبه والإلتماس (١) ، والروض الزّاهر في مناقب الشيخ عبد القادر ، وتحفة السامع والقاري بختم صحيح البخاري ، ورسائل في العمل بالربع المجيب انتهى ما ذكره السخاوي ملخصا.

قلت (٢) : وارتفع شأنه بعد ذلك فأعطي السعد في قلمه وكلمه ، وصنف التصانيف المقبولة التي سارت بها الركبان في حياته ، ومن أجلها شرحه على البخاري مزجا في عشرة أسفار كبار لعلّه أحسن شروحه وأجمعها وألخصها (٣) ومنها «المواهب اللدنية بالمنح المحمدية» وهو كتاب جليل القدر عظيم الوقع كثير النفع ليس له نظير في بابه.

ويحكى أن الحافظ السيوطي رحمه‌الله كان يغض منه ويزعم أنه يأخذ من كتبه ويستمد منها ولا ينسب النّقل إليها ، وأنه أدعى عليه بذلك بين يدي شيخ الإسلام زكريا ، فألزمه بيان ما ادّعاه فعدّد عليه مواضع ، قال أنه نقل منها عن البيهقي ، وقال : إن للبيهقي عدة مؤلفات فليذكر لنا ذكره في أي مؤلفاته لنعلم أنه نقل عن البيهقي ، ولكنه رأى في مؤلفاتي ذلك النقل عن البيهقي فنقله برمّته ، وكان الواجب عليه أن يقول نقل السيوطي عن البيهقي ، وحكى الشيخ جار الله بن فهد رحمه‌الله : أن الشيخ القسطلاني قصد إزالة ما في خاطر الجلال السيوطي فمشى إليه من القاهرة إلى الروضة ، وكان الجلال السيوطي معتزلا عن الناس بالرّوضة ، فوصل إلى باب السيوطي ، فقال له : من أنت ، فقال : أنا القسطلاني جئت إليك حافيا مكشوف الرأس ليطيب خاطرك علي ، فقال قد طاب خاطري ولم يفتح له

__________________

(١) كذا في الأصل وفي الضوء اللامع والنور السافر «الالباس».

(٢) النور السافر : ١٠٦.

(٣) الأصل : وأخصها.

١٣١

الباب ، ولم يقابله ، وبالجملة فإنه كان إماما حافظا متقنا جليل القدر حسن التقرير والتحرير رحمه‌الله تعالى.

وفيها (١) في شهر المحرم : توفي فقيه مدينة تعز ومفتيها ومدرسها الفقيه العالم العلامة عفيف الدين عبد الباري بن سليمان الطويل رحمه‌الله تعالى.

وفيها (٢) في عصر الجمعة التاسع والعشرين من الشهر المذكور توفي العلامة الإمام الشيخ الكبير مفتي زبيد وعالمها كمال الدين بركة الإسلام والمسلمين موسى بن زين العابدين الرداد رحمه‌الله تعالى (٣)

وفيها (٤) في ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الأخر : توفي الفقيه النبيه العلامه الشيخ الكبير الصّالح شجاع الدنيا والدين عمر بن محمد بن أبي بكر جعمان ببيت الفقيه بن عجيل رحمه‌الله تعالى.

وفيها (٥) في يوم السبت ثاني عشر ذي الحجة : توفي الشيخ الإمام العلامه شهاب الدنيا والدين أحمد بن أحمد بن عبد الله بن زهير الرّملي ثم الدمشقي الشافعي المقري الشاعر ، إمام مقصورة جامع بني أمية بدمشق ودفن بباب الصّغير ، وكان مولده في ربيع الأول سنة أربع وخمسين وثمانمائة بالرملة (٦) ونشأ بها ثم تحوّل إلى دمشق ، وحفظ المنهاج وألفية النحو والحديث والشاطبيتين والدّرة في القرآت الثلاث ، وعرض على جماعة ، وممن أخذ عنه أبو زرعة المقدسي وابن عمران وخطاب وعمر

__________________

(١) النور السافر : ١٠٧. وانظر الفضل المزيد : ٣٧٢.

(٢) النور السافر : ١٠٧. والفضل المزيد : ٣٧٢ وشذرات الذهب ٨ : ١٢٧.

(٣) كذا أتت هذه الترجمة ناقصة مبتورة وهي مستوفاة في النور السافر في نحو صفحة ونصف فلعله سقط من أصل الكتاب والله أعلم.

(٤) النور السافر : ١٠٩. والفضل المزيد : ٣٧٢.

(٥) النور السافر : ١٠٩. وشذرات الذهب ٨ : ١٢٣ ومنه أحمد بن محمد والكواكب السائرة ١ : ١٣١.

(٦) الأصل : الرمل.

١٣٢

الطيبي والزّين الهيتمي ، وجعفر بالقاهرة ودمشق ، وتميز فيها ، وولي مشيخة الاقراء بجامع بني أمية وبدار الحديث الأشرفية بعد الخطاب ، [وبالجملة](١) ففضائله كثيرة رحمه‌الله تعالى.

وفيها (٢) وصل الإفرنج لعنهم الله من الهند إلى بندر عدن في ثلاثين خشبة ما بين غربان وبرش ، مظهرين (٣) السعدة لأهل عدن على المصريين ولم يغيروا شيئا في البندر ، ونزل منهم جماعة إلى السّاحل ، ثم واجههم الأمير مرجان بالساحل ، وقدم لهم الضيافة العظيمة إلى مراكبهم ، وطلبوا ربانين (٤) يسيروا (٥) بهم إلى جّدة ، فدفع إليهم الأمير مرجان جملة ربابين من أهل الشام بالكره من الربابين ، وكل ذلك كفاية لشر الإفرنج ، ثم ساروا إلى جدة فأرسوا ببندرها ، وبها الأمير سلمان في جمع من الترك وغيرهم قد علموا بمسيرهم (٦) إلى جدة فاستعدوا لقتالهم ولم ينزل أحد من الإفرنج إلى ساحل جدّة بل قصدهم الأمير سلمان في غراب أو غرابين ، فلما قرب منهم رماهم بالمدافع ، فاتلف عليهم في مراكبهم مركبين أو ثلاثة ، ثم إن المدافعي (٧) طرح في الباروت شيئا حتى تغير المدفع وأحرقت النار بعض الغراب الذي فيه سلمان ويقال إن المدافعي كان نصرانيا يخدم مع سلمان فقتل سلمان المدافعي [في الحال](٨) ورجع إلى جدة سالما ، وترفع الإفرنج عن بندر جده راجعين إلى جهة اليمن ، فتبعهم سلمان أو بعض أصحابه في غراب إلى قرب اللحيّة ، ثم استنقذوا من الإفرنج غراب فيه

__________________

(١) ساقط من الأصل وأوردناه من النور السافر ليستقيم السياق.

(٢) قلائد النحر لوحة : ١٩٧.

(٣) الأصل فظهر ابن. وأصلحناه من القلائد.

(٤) مثنى ربّان وهو الذي يرشد السفينة في البحر على المعالم البرية أنظر «الشهداء السبعة : ١٢٤».

(٥) كذا في الأصل وفي القلائد «يسير».

(٦) الأصل : مسيره.

(٧) الأصل : المدافع.

(٨) ساقط من الأصل.

١٣٣

جماعة من الإفرنج قدموا بهم إلى جدة ، ثم عزموا بهم إلى السلطان صاحب الروم ، وبعض (١) الإفرنج إلى بندر عدن ، وأعطاهم الأمير مرجان ما يحتاجون إليه من الماء وغيره واستفك (٢) منهم بعض الأسارى ثم رجعوا إلى هرموز (٣) خائبين ، خذلهم الله تعالى.

__________________

(١) القلائد : واستمر.

(٢) القلائد : واستنقذ.

(٣) هرموز أو هرمز : جزيرة على بحر فارس في الخليج تربط الخليج ببحر عمان (المنجد : ٧٢٨).

١٣٤

سنة أربع وعشرين وتسعمائة

قد ذكرنا تاريخ (١) قتل الشيخ عامر بن عبد الوهاب في السّنة التي قبلها ، وكان ولده أحمد إذ ذاك بالمقرانة نافذ الأمر والنهي فيها ، وكان الأمير مرجان يمضي أوامره ونواهيه بعدن وأعمالها ، وتضاف الخطبة مع ذلك لعامر بن عبد الملك بن عبد الوهاب ، إلى أول جمعة من هذه السنة ، أمر الأمير مرجان خطيب عدن أن يخطب للشيخ أحمد بن عامر وحده ، فخطب له جمعة أو جمعتين ، ثم وصل العلم بوفاته وتولية الشيخ عامر بن عبد الملك باتفاق أهل الحل والعقد بالمقرانة كالنّقيب عبد النبي والفقيه علي النظاري وغيرهم ، فخطب له الأمير مرجان بعدن وأمضى خطوطه وأوامره وأقبلت عليه الجند والناس وقبائل العرب وأهل اليمن ، وخطب له بإب وجبلة والله أعلم.

وفيها (٢) توفي السلطان سليم شاه سلطان الروم وتولى بعده ولده السلطان سليمان وفي أيامه زال ملك الجرامكة (٣).

وفيها (٤) توفي الإمام العالم قاضي عدن عفيف الدين عبد الله بن عبد

__________________

(١) قلائد النحر : ١٩٨.

(٢) النور السافر : ١١١.

(٣) كذا في الأصل وفي النور السافر : الجراكسة وهو الصّواب.

(٤) قلائد النحر لوحة : ١٩٨. النفحات المسكية ٢ : ١١٤.

١٣٥

الدائم (١) القماط ، ودفن بتربة الشيخ جوهر رحمه‌الله.

وفيها (٢) أو في التي قبلها : توفي قاضي لحج العلامة عبد الله بن محمد الصائغ بالوهط (٣).

وفيها يوم الأحد ثامن عشر المحرم : توفي الشيخ الإمام الفاضل الكامل نور الدنيا والدين علي بن عبد الله بن عقيل بن أحمد أبي عباد رحمه‌الله تعالى.

وفيها لخمس وعشرين من رمضان : توفي الشيخ الكبير الشهير شهاب الدنيا والدين أحمد بن محمد العمودي بقيدون رحمه‌الله تعالى (٤).

وفيها (٥) توفي السيد الشريف الفقيه الصالح الولي الصالح جمال الدنيا والدين ، السيد محمد بن علوي بن محمد بن علي الملقب مولى عيديد باعلوي كان رحمه‌الله تعالى من أهل العلوم والفهوم مشاركا في المنطوق منها والمفهوم ، تفقّه بالفقيه الصالح أحمد بن يحيى بن أحمد بارشيد بعدن ، وقرأ الاحياء للغزالي مرارا وكثيرا من كتب القوم وحققها على المشايخ الأكابر من السادة ، وأتى فيها بالعجب العجاب ، وكان ورعا زاهدا تاليا (٦) لكتاب الله العزيز تاركا للفضول رحمه‌الله ، نقلت ترجمته هذه من غرر البهاء.

__________________

(١) كذا في الأصل وفي القلائد عبد الله بن عبد العليم وهو الصواب.

(٢) القلائد ، لوحة : ١٩٨. النفحات المسكية ٢ : ١١٤.

(٣) كذا بالأصل وفي القلائد «بالسائله».

(٤) هنا وضعت أوراق في المخطوطه (س) في غير موضعها.

(٥) غرر البهاء الضوى : ١٤٠. والمشرع الروي ١ : ١٠٢. النفحات المسكية ٢ : ١١٤.

(٦) الأصل : تلا.

١٣٦

سنة خمس وعشرين وتسعمائه

فيها (١) وفي التي قبلها : جهز الشيخ عامر بن عبد الملك بن عبد الوهاب جيشا كثيفا ومقدّمهم الشيخ عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن داؤد إلى رداع لمحاربة الشيخ أحمد بن محمد بن عامر بن طاهر فالتقى الجمعان وانهزم عسكر أحمد بن محمد ونجا هو بنفسه وتحصّن بحصن رداع ونهب العسكر رداع ، وقطعوا أثمارها من العنب وغيرها ورجعوا إلى المقرانة ، ثم إن الشيخ أحمد بن محمد أصطلح هو والشيخ عامر ودخل في طاعته ووصل إليه إلى المقرانة فأكرمه الشيخ عامر.

وفيها (٢) آخر شهر رمضان من هذه السّنة : توفي الشيخ عامر بن عبد الملك فجأة ، وذلك أنه صلىّ العشاء والتراويح ، وسمر مع خواصه منهم السيد الشريف عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الله بن أبي بكر العيدروس (٣) فأصبح ميتا فأسف عليه الجند كثيرا لكرمه ، واتهم السيد عبد الرحمن المذكور إنه سمّه فوثب عليه شخص من الجند بندقاني (٤) يعرف بالحسيني ، فقتل الشريف عبد الرّحمن المذكور رحمه‌الله تعالى ، واتفق الجند بالمقرانة على تولية الشيخ أحمد بن محمد بن عامر بن طاهر ، فبايعه النّقيب

__________________

(١) قلائد النحر لوحة : ١٩٨.

(٢) قلائد النحر لوحة : ١٩٩.

(٣) قلائد النحر «باعلوى» ولم يذكر العيدروس.

(٤) نسبة إلى آلة الرمي المعروفة أي رام بالبندقية.

١٣٧

عبد النبي والفقيه النّظاري ، وبقية العسكر والجند واتفقت الكلمة عليه ، ولما بلغ الخبر الأمير مرجان بعدن لم تطب نفسه بمبايعته ولام صهره عبد النبي على إقدامه على ذلك ، ولم يمكنه في الظّاهر إلّا موافقة الجماعة ، فأمر الخطيب بعدن أن يخطب للشيخ أحمد بن محمد ، ونفذ خطوطه وأوامره ، ولما بويع الشيخ أحمد بن محمد إرتاب منه الشيخ عبد الملك بن محمد بن عبد الملك ، لما قد سلف من نهبه تحت رداع ، وكان إذ ذاك بجبن ، فنزل منها مستخفيا حتى وصل لحج ليس معه إلّا غلامين أو ثلاثة من أصحابه واستجار بالأمير مرجان من الشيخ أحمد بن محمد فأجاره وحماه ، وكتب [إلى](١) الشّيخ أحمد بن محمد بذلك فأمضى جواره.

وفيها (٢) : في آخر ليلة من صفر توفي الشيخ العارف بالله تعالى الولي الصالح المكاشف شعيب بن عبد الله باشعيب رحمه‌الله تعالى ونفع به ، وقفت على كتاب مجموع بخّط شيخنا الفقيه العلّامة جمال الدنيا والدين محمد بن عبد الرحيم الجابري رحمه‌الله وفي ديباجته مكتوب : الحمد لله هذا المجموع من كلام الشيخ العارف بالله تعالى شعيب بن عبد الله الحضرمي رحمه‌الله نقلته بخطه وهو بخط معلّق وليس بمخرق (٣) وقد جمعه لنفسه ولم يبيضه وسّماه كتاب «العلم النافع والإيضاح البالغ لكل سالك صادق قابل سامع للنصح وإتباع الشرائع» نقلت هذه الترجمة من خطه رحمه‌الله آمين ، انتهى كلام الفقيه محمد رحمه‌الله.

قلت : وعلى ما ذكر إنه نافع عظيم الفائدة ، هذا الكتاب قوله في الذكر : واعلم أن الفخر والكمال في الجمع بين القلب واللسان والظاهر والباطن في جميع العلوم والأعمال فإن لم يكن إلّا واحدا فالقلب أفضل من اللسان والنّية محلها القلب ، وذكر اللّسان دون ذكر القلب قليلة

__________________

(١) ساقط من الأصل.

(٢) النفحات المسكية ٢ : ١١٤.

(٣) كذا.

١٣٨

الجدوى ، ولكن يؤجر عليه ويثاب ، وأفضل العبادات البدنية الصلاة ، والقلبية معرفة الله ، وأفضل العلوم العلم بالله وملائكته ورسله وأفضل الأذكار لا إله إلّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير إنتهى ، وفيه أشياء عجيبة غريبة نفع الله تعالى بمصنفه ، وكان مقيما بالشحر ، وانتقل إلى غيل أبي وزير ، ودفن بها رحمه‌الله عليه ذكر السيد عبد القادر بن شيخ في تاريخه (١) موته في هذه السنة وهي سنة خمس ، والمؤرخ باسنجلة ذكر تاريخ موته في سنة ست التي بعدها والله أعلم.

وفيها (٢) : ليلة السبت ثالث عشر ربيع ثاني توفي الفقيه الصالح العلّامة الحبر الفهامة عفيف الدين عبد الله بن أحمد باكثير الحضرمي ثم المكي بمكة المشرفة ، فجهز في ليلته وصلي عليه صبح يومها عند باب الكعبة ، ودفن بالمعلاة في الشّعب الأقصى رحمه‌الله تعالى ، وكان من العلماء العاملين والفضلاء البارعين ولد تقريبا في سنة ست أو سبع وأربعين وثمانمئة بحضرموت ، ونشا بها سبع سنين ونقله والده إلى غيل أبي وزير ، فحفظ القرآن في سنة وعمره ثمان سنين ، وحفظ المنهاج والبهجة لابن الوردي وخلاصة ابن ظفر ، وألفية ابن مالك وغيرها ، ثم سأل والده الاجتماع بشيخ من الصّوفية فأشار عليه بالشّيخ عبد الله العيدروس باعلوي نفع الله به ، فتوجه إلى تريم وأخذ عنه وتربّى على يديه ، وكان يقول : لو اجتمع شيوخ الرّسالة في جانب الحرم ما كنت أهتز إلى [ما](٣) عندهم لما ملأني الشريف يعني الشيخ عبد الله ، وحكى إنه كان سبب انتقاله إلى مكة ما روي أن شيخه الشيخ عبد الله العيدروس ، قال : من حصل كتاب الأحياء وجعله في أربعين جزء ضمنت له على الله بالجنة ، فسارع الخلق إلى ذلك ، وكان الشيخ عبد الله باكثير المذكور ممن حصّله وجعله أربعين جزء

__________________

(١) لم أجده في تاريخ النور السافر. فيحقق.

(٢) النور السافر : ١١٦. والبنان المشير : ٢١ «تحقيقنا».

(٣) ساقط من الأصل.

١٣٩

لكل جزء كيسا وزيّنه في أوله زيادة على ما شرطه الشيخ ، فلما أتاه به ورآه ، قال : إنك قد زدت فيه فيحتاج لك زيادة على الجنة فتمنّ ما تريد فقال : أريد أن أرى الجنة في هذه الدنيا فأجابه (١) الشيخ إلى ذلك ، وقال : لا يمكنك الجلوس بعدها عندي ، فأمره بالعزم إلى مكة والمجاورة بها ، فعزم إليها إلى أن توفي بها ، ولقي جماعة من العلماء وأجازه بعضهم بالإفتاء والتدريس ، فتصدى لذلك ونظم ونثر فمن نظمه كتاب «الدرر اللوامع في نظم جمع الجوامع» وله كتاب يسمى «تتمة التمام وسف (٢) المدام في عقائد أهل الإسلام» وهو كثير الفوائد وقرّضه جماعة من فضلاء مكة ، وكان من المدرسين بمكة مع الزّهد والصّلاح والتقشف والتعفف والإحتمال والسكون والإنجماع عن أبناء الدنيا وخلف أولادا ذكورا وإناثا نحو العشرة ، ومن شعره :

من كان يعلم أن كل مشاهد

فعل الاله فما له أن يغضبا

بل واجب أن يرتضي ما شاهدت

عيناه من تلك الفعال ويطربا

ونقلت من خط شيخنا الفقيه جمال الدين محمد بن عبد الرحيم الجابري رحمه‌الله قال : رأيت في كتاب «إيصال النافع العليم إلى الإيصاء بالنافع العميم» للشيخ أحمد بن عبد النافع بن الشيخ الإمام محمد بن عراق رحمهم‌الله تعالى ، وهو كتاب شرح وصية والده المسماة «الوصية المنبه عليها التي يشد الرّحال إليها» فرأيت قد قال في أثنائها : ولله دّر ما أنشدناه لبعض من أدركناه من مشايخ قرننا العاشر عليه رحمة الرحيم الغافر ، وهو الإمام الجليل ذو الفضل الغزير الشيخ عبد الله إبن أحمد باكثير الحضرمي المكي :

أتدري قبل كونك أين أنت

وبعد الكون أين تصير أنت

__________________

(١) قلت مثل هذه الحكايات يجب أن تؤخذ على محمل السلامة وأن الشيخ العيدروس كان قد رجا من واسع فضل الله ما طلبه الشيخ أبو كثير والله أعلم.

(٢) النور السافر : سفك.

١٤٠