تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه

تاريخ الشّحر وأخبار القرن العاشر

المؤلف:

محمّد بن عمر الطيّب بافقيه


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

وكان كثير التّوسط بين سلاطين حضرموت وقبائلها ، وكان حافظ أوقاته لا يرى إلّا في تدريس أو مطالعة كتاب ، وصار عمدة القطر ، وانتهت إليه رياسة الفقه في جميع تلك النواحي وانتفع به الناس كثيرا من وجوه كثيرة ، وله جملة من التّصانيف منها «المختصر» في علم الفقه وهو مشهور بين النّاس اقتصر فيه على ربع العبادات وانتفع به الطلبة والمتدينّون ، وقد اعتني بشرحه شيخ الإسلام بن حجر الهيتمي ، فشرحه شرحا فائقا وأراد أن يكمله إلى آخر أبواب الفقه ، فبلغ فيه مع الشرح إلى باب الفرائض وأدركته الوفاة ، وله أيضا مختصر في الفقه أصغر منه ، وهذا شرحه العلامة محمد بن أحمد الرملي الشّافعي المصري ، ومنها لوامع الأنوار وهدايا الأسرار في فضل القائم بالأسحار ، ومنها الحجج القواطع في معرفة الواصل والقاطع ، ومنها مؤلف لطيف في أذكار الحج ، ومنها وصايا نافعة ورسالة في علم الفلك ، ورأى الفقيه الصالح العالم العلامة جمال الدين محمد بن عمر بحرق ليلة وفاة الفقيه عبد الله ، النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو يقول : من حضر جنازة الفقيه عبد الله غفر له أو قال دخل الجنة.

وفيها : تولى الرّوم السلطان الأعظم سليم شاه بن بايزيد شاه العثماني تاسع ملوك العثامنة (١).

وفي (٢) شهر رجب : كثرت الأمطار بمدينة زبيد وحصل بها موت كثير ، وبلغ الموت في بعض الأيام نحو السّبعين وأكثر.

وفي ليلة (٣) الاثنين السادس عشر صفر : توفي القاضي عفيف الدين عبد العليم بن القاضي جمال الدين محمد بن الحسين القماط ، وكان رحمه‌الله فقيها عالما صالحا ديّنا ذا أمانة وعفة وصيانة رحمه‌الله آمين.

__________________

(١) أي ملوك بني عثمان.

(٢) قلائد النحر : ١٩٢. والفضل المزيد : ٢٥٧.

(٣) النور السافر : ٩٤. الفضل المزيد : ٢٥١.

١٠١

سنة تسع عشرة وتسعمائة

في أول المحرم (١) : توفي السيد الشريف الشيخ شيخ بن عبد الله العيدروس ، وكان من السادة الأجلّاء الكملاء حسن الأخلاق والشيم جميل الأوصاف معروفا بالمعروف والكرم ، سليم الصّدر رفيع القدر رحمه‌الله تعالى.

وفيها (٢) في يوم الجمعة خامس المحرم : وصل الإفرنج خذلهم الله إلى بندر عدن ، وفي يوم السّبت زحفوا إلى البلد وتسوّروا بها بالسّلاليم من طريق شرشرة ، وكان الذين زحفوا نحو ألفين بعدة عظيمة فهرب الناس عنهم وامتلأت القلوب رعبا.

ثم أذن الله للمسلمين بالنّصر فهزموهم وقتلوهم قتلا ذريعا ، واستشهد جماعة من المسلمين منهم عمر بن موسى المحمدي (٣) رحمه‌الله ، وكان ممن أبلى وأحسن بلاؤه فأصابته جراحات ، ومات شهيدا بعد انقضاء الحرب ، وقتل من الإفرنج نحو مائتين قال القاضي الطيب بامخرمة : أن خبرهم وصل إلى عدن يوم الخميس سادس عشر المحرم ، ويوم الجمعة سابع عشر المحرم ظهرت خشبهم على البندر وهي ثمانية عشر خشبة

__________________

(١) النور السافر : ٩٥.

(٢) الفضل المزيد : ٢٦١ وقلائد النحر : ١٩٢ والبحر الأحمر : ١١٥. والنفحات المسكية ٢ : ١١٣.

(٣) النفحات المسكية «الدخيلي المهري».

١٠٢

ما بين برشه وغراب ، فلما كان يوم السبت نزلوا من خشبهم مستعدّين للقتال فنصر الله المسلمين ، انتهى ملخصا ، ثم انتقل المخذول منها يوم الثلاثاء السادس والعشرين من المحرم ، واستولى على جزيرة كمران ، ومكث إلى أواخر جمادى الأولى ، ثم انتقل منها يريد الهند ، ومرّ على عدن وجاوزها خاسئا حسيرا قال المؤرخ (١) : إن الافرنجي استولى على عدن يوم التاسع عشر من صفر وعدد خشبه سبعة عشر خشبة وقنبطان (٢) الإفرنج لعنهم الله اسمه عين بقر وهذا من عجيب الإتفاق.

وفي آخر جمادى الأولى : توفي العالم العلامة مفتي الشحر عمر بن عبد الله بن حاتم رحمه‌الله تعالى ١٥٩.

__________________

(١) يعنى باسنجلة.

(٢) القنبطان والقبطان : تحريف للكلمه الإيطالية ..... وتعني : أمير البحر انظر لطف السمر : ٦١٧.

١٠٣

سنة عشرين وتسعمائة

فيها (١) ليلة السبت الحادي عشر شهر ربيع الأول : توفي الفقيه العالم العلامه والحبر الفهامة جمال الدين محمد بن الصديق الصائغ (٢) التهامي إلى رحمة الله بمدينة زبيد ، وصلي عليه بعد صلاة الصبح بمسجد الأشاعر ودفن غربي مشهد الشيخ أحمد الصياد رحمه‌الله.

وتوفي (٣) النقيب ريحان الظافري بزبيد والأمير عمر (٤) بن شجاع العنسى برداع العرش ، والشريف عبد الرحمن بن علي بن سفيان (٥) بصنعاء.

وفيها (٦) : توجّه الشيخ عامر الظّافري من بلدة المقرانة إلى جهات صنعاء فدخلها أول شهر رمضان ، وقدم عليه بصنعاء أشراف وبذلوا له تسليم مدينة صعدة ، فغدر بهم بن البهال ، وظهر عليهم في كمين من أهل صعدة في الطريق ، فثبت جند السلطان وقاوموهم ، فبلغ السلطان الخبر ،

__________________

(١) النور السافر : ٩٧. والفضل المزيد : ٢٦٨ وقلائد النحر لوحة : ١٩٣.

(٢) النور السافر : الصانع.

(٣) كذا في الأصل. وفي الفضل المزيد : ٣٠٥ وفاته سنة ٩١٣ قلت لعله اختلط عليه بريحان الصلاحي (الفضل المزيد : ٣٥٠).

(٤) الفضل المزيد : ٢٦٨ «علي بن الشجاع العنسي».

(٥) الفضل المزيد : ٢٧١.

(٦) قلائد النحر لوحة : ١٩٣. الفضل المزيد : ٢٦٨.

١٠٤

فبعث إليهم الأمير علي بن محمد البعداني (١) في جيش فلاحقوهم فولّوا مدبرين ، ورجع الأمير بالعساكر إلى صنعاء سالمين ، وكان ذلك سبب تغير خاطر السلطان على أشراف صعدة وموجبا لطول إقامته في صنعاء ، وفي إقامته بصنعا قدم عليه قاصدا من سلطان مصر الملك الأشرف قانصوه الغوري بهدايا نفيسة فأكرم نزله وأحسن جائزته ، كذا في تاريخ الفقيه عبد الرحمن الديبع (٢) فإن كان مراده قدوم الطّواشي مختص فهو [وهم منه فإن قدومه كان في سنة سبع عشرة وثمان عشرة وإن كان مراده قدوم علي خالص ثانيا بعد رجوعه هو والطواشي مختص](٣) إلى مصر فهو ممكن ، والله أعلم انتهى من تاريخ القاضي الطيب بامخرمة رحمه‌الله.

وفي [مدة](٤) إقامة السلطان بصنعا هرب حيدرة بن مسعود الهيثمي من صنعاء إلى دثينة (٥) وأرسل إلى ولده مجرب بوادي لحج أن يتبعه إلى دثينة فهرب من لحج إليها ، واستولى على حصن دثينة وأخرجا رتبة السلطان منه واستوليا عليه ، وذلك أول وهن دخل على الدولة.

وفي (٦) هذه السنة : حج ولد السلطان قانصوه الغوري صاحب الديار المصريّة بأمه زوجة قانصوه ، ففعلا في الحرمين برا وخيرا كثيرا ، وصحبهما في رجوعهما إلى مصر الشريف بركات بن محمد صاحب الحجاز ، وواجه قانصوه فأكرمه إكراما تاما ، وردّه إلى بلده متوليا أمورها على عادته ليس لأحد معه كلام.

وفي شعبان : توفي الشيخ الصّالح عبد الرحيم بن عمر باوزير رحمه‌الله تعالى.

__________________

(١) الأصل : البغدادي ، وأصلحناه من الفضل المزيد : ٣٥١.

(٢) الفضل المزيد : ٣٥١.

(٣) ساقط من الأصل وأثبتناه من القلائد.

(٤) ساقط من الأصل. وأثبتناه من القلائد.

(٥) دثينة : بفتح أوله وكسر ثانيه بلدة تقع في الشمال الشرقي من مدينة عدن ، فيما بين البيضاء غربا ، وبلاد العوالق شرقا (معجم : ٢٣٢).

(٦) النور السافر : ٩٧. والفضل المزيد : ٢٧١. والنفحات المسكية ٢ : ١١٣.

١٠٥

سنة إحدى وعشرين

فيها (١) في شهر ذي القعدة من هذه السّنة : توصّل التجهيز (٢) المصري الذي أميره سلمان الرومي وحسين التركي إلى جزيرة كمران وذلك مبتدأ وصول الأنراك اليمن وسبب جميع الفتن قال القاضي الطّيب بامخرمة : وفي يوم الأربعاء سابع عشر القعدة من السّنة المذكورة ، وصل التجهيز المصري إلى كمران ولم يعلم بهم الشّيخ عامر الا وهم بجازان ، فأرسلوا قاصدا من جازان إلى الشيخ يعلموه بوصولهم وإن خروجهم لجهاد الافرنج ويريدون المعونة والمساعدة من الشيخ بالزّاد والدراهم ، فانزعج السلطان لذلك وأعرض عن جواب القاصد ، فلما وصلوا إلى كمران أرسلوا بهدايا إلى السّلطان والى ولده عبد الوهاب بزبيد يطلبون من السلطان فيما هم (٣) بصدده من الجهاد ، فيقال إن السلطان أراد مساعدتهم بالمال والزاد بعد أن شار عليهم الأمير علي بن محمد البعداني أن يتكفّى (٤) شرهم بذلك ويحمل البعداني من عنده الزاد من الحنطة والزّبيب مساعدة للسّلطان ، فأشار عمر الجبرتي على السلطان بترك ذلك ، وأن لا يظهر لهم الذل وأنهم لا يسوون شيئا وحدّهم البحر لا يتجاوزنه ، فقبل السّلطان شور الجبرتي

__________________

(١) قلائد النحر : ١٩٣. والفضل المزيد : ٢٧٧.

(٢) القلائد : وصل الجهاز.

(٣) الأصل وهو.

(٤) الأصل يكتفي.

١٠٦

وأعرض عن القاصد وعن الإرسال إليهم بشيء ، بل كتب إلى ولده عبد الوهاب يأمره بتحيير الطعام لا يشحن في البحر إليهم إلى جهة الحجاز ، وأمره بأخذ حذره منهم بأن لا يخرج من زبيد وبنى المصريون بكمران حصارا (١) وجبانه وصلوا بها عيد الأضحى.

وفي أواخر القعدة : توجه السلطان عامر إلى ذمار من صنعاء ومنها إلى رداع العرش ، وعيد هناك عيد الأضحى ، وأمر بفك خاليه الشيخ محمد والشيخ إبراهيم ابني عامر بن طاهر ، وابن عم أبيه الشيخ عبد الباقي بن محمد بن طاهر ورضي عنهم وأنعم عليهم.

وفي منتصف الحجة : خربت قرية (٢) الحديدة وهرب أهلها منها ، وذلك لما حيّرت السفن عن الوصول بالطّعام إلى كمران ضاق المصريون من ذلك فأرسلوا غرابين أو ثلاثة يمتارون لهم طعاما من الحديدة ، فأرسل أهل الحديدة إلى الشيخ عبد الوهاب بن عامر بزبيد يعلمونه بذلك ، فأمدّهم بخيل ورجال ، فلما قدموا الحديدة طلبوا من أهلها سبرة (٣) أنفسهم وخيلهم ، فامتنعوا من ذلك وخرجوا من الحديدة مضمرين الخوف من المصريين ، وما سبب ذلك إلّا مطالبتهم بسبرة الخيل والجند ، فلما علموا المصريون بخلو (٤) الحديدة من أهلها سألوا ، أين توجّهوا ، فأخبروهم بالجهة التي نزلوا بها خارج البلدان ، فرموا إلى تلك الجهة مدفعا فيه حجر عظيم فوقع قريبا من عسكر الدولة ، ولم يغيّر على أحد منهم فزادهم ذلك رعبا وخوفا منهم ، ثم دخل المصريون الحديدة فلم يجدوا بها أحدا ، فأخذوا دروف (٥) بيوتها والأخشاب التي وجدها بالساحل وشحنوها في

__________________

(١) كذا في الأصل والقلائد ، والفضل المزيد : ٣٥٩ ط الدراسات.

(٢) في (س) قريرة.

(٣) الأصل : تسبره قلت : السبره بالباء المثناة من تحت : الميرة (محيط المحيط : ٤٤٥).

(٤) كذا في الأصل ، والفضل المزيد نجلو ، والقلائد وخلو قلت : نجلوا : هنا بمعنى انتقلو أو رحلوا.

(٥) الأصل. دروب والدروف. هي أبواب الطيقان.

١٠٧

أغربتهم (١) وتوجّهوا إلى كمران.

وفيها (٢) : توفي الشيخ الصالح الفقيه محمد بن المقبول صاحب القصب (٣) بن الفقيه أحمد بن موسى بن أبي بكر صاحب الحال الزّيلعي بقرية اللحيه منتصف شعبان من السنة المذكورة.

وفيها (٤) بآخر صفر أغار الزيديون على قرية الضحى في نحو ستة آلاف راجل ومائة فارس ، وبها الأمير عيسى بن علي الحجري من جهة الدولة في عسكر قليل ، فقاتلهم فنصره الله عليهم فانهزموا هزيمة عظيمة ، وقتل منهم أكثر من خمسمائه.

وفي (٥) آخر الحجة : طلع الفقيه عبد الحق (٦) بن محمد النّظاري من زبيد إلى الجبل لجمع العساكر السلطانية.

وفيها (٧) يوم الخميس الثّاني والعشرين من شهر جمادى الأولى : توفي الفقيه الأجل جمال الدين محمد بن محمد النظاري رحمه‌الله بمدينة إب بعد أن طلع إليها متوعكا بنحو شهر ، وترك ولده الفقيه عبد الحق عوضا عنه ، وكان قطب المملكة السلطانية الظّافرية ، وعين الأعيان في الجهة اليمانية ، ومن ماثره المخلّدة لذكره بناء جامع ببيت الفقيه بن عجيل عمره عمارة متقنة إلى الغاية ، ومدرسة بمدينة إب ووقف عليها وقفا جليلا ، ووقف جملة من الكتب النفيسة ، وله من الآثار الحسنة ما يجل عن الوصف.

__________________

(١) أغربتهم : جمع غراب نوع من السفن الحربية (السفن الإسلامية : ١٠٤).

(٢) قلائد النحر : ١٩٣. الفضل المزيد : ٣٥٨.

(٣) كذا في الأصل والقلائد والفضل المزيد ط صالحية : ٢٧٦ وط شلحد : القضيب بالضاد.

(٤) قلائد النحر : ١٩٣. الفضل المزيد : ٢٧٤ ط الكويت. والنفحات المسكية ٢ : ١١٣.

(٥) الفضل المزيد : ٣٥٩. قلائد النحر : ١٩٢.

(٦) الفضل المزيد : عبد الباقي.

(٧) النور السافر ٩٨. قلائد النحر : ١٩٢ الفضل المزيد ٣٥٥.

١٠٨

سنة اثنتين وعشرين

في سلخ (١) المحرم : توفي الشيخ أحمد بن الشيخ أبي بكر بن عبد الله العيدروس بعدن ودفن بقبة أبيه ، وعمره يومئذ أربعون سنة تقريبا فهو الوارث لأبيه وجده وحامل الراية من بعده ، وولي عهده فقد قام بالمقام أتمّ قيام ونهض بما نهض به آباؤه الكرام ، وواضب على إطعام الطعام وصلة الأرحام والإحسان إلى الفقراء والأيتام ، قائما بكفالة الفقراء نفقة وكساء صيفا وشتاء حتى أن ثمن الكسوة التي اشتراها آخر رمضان بلغت خمسمائة دينار ، ومحاسنه أكثر من إن تحصر وأشهر من أن تذكر رحمه‌الله تعالى ونفع به آمين ، وللعلامة الفقيه الولي الصالح جمال الدين محمد بن عمر بحرق مرثاة فيه في غاية الحسن وهي هذه (٢) :

لمن تبني مشيدات القصور

وأيام الحياة إلى قصور

وحتام التهالك والتفاني

على الخّداعة الدنيا الغرور

فما يغتر بالدنيا لبيب

ولو أبدت له وجه السرور

فغاية صفوها كدر وأصفى (٣)

حلاوتها إلى الكاس المرير

__________________

(١) النور السافر : ٩٨. والفضل المزيد : ٢٧٩.

(٢) انظرها في النور السافر : ١٠٠.

(٣) النور السافر : وأقصى.

١٠٩

ألم تر كيف هدّت ركن مجد

وغاضت (١) بحر مكرمة زخور

وروّعت الأنام بفقد شخص

رزيته على بشر كثير

شهاب ثاقب من نور بدر

تبقّى من شموس من بدور

نماه العيدروس وكل قطب

غياث للورى فرد شهير

تناثر عقدهم نجما فنجما

تغيّب تحت أطباق الصخور

فأظلم بعدهم دست المعالي

واكسف قطرنا بعد الزهور

فوا أسفا على أطواد

حلم إذا اشتكلت (٢) ملمّات الأمور

وواحزنا على تّيار جود

يمد بصيّب الغيث الغزير

ويا لهفا على أخلاق لطف

تفوق الزّهر في الروض النظير

لئن ذهبوا فقد أبقوا فخارا

يضيق لحصره صدر السطور

ففاقوا الناس أحيا وفاقت

ضرائحهم على أهل القبور

فلا يأتي الزمان لهم بمثل

وهل الشّمس ويحك من نظير

على تلك الوجوه سلام رب

رحيم غافر برّ شكور

إلهي كن لنا خلفا وذخرا

فإنك جابر العظم الكسير

وصلّ على أجلّ الخلق قدرا

محمد البشير لنا النذير

ومن والاه من آل وصحب

على مرّ الأصائل والبكور

وفيها (٣) : فقد السلطان الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري الشركسي ولم يظهر له خبر ، وذلك أن السّلطان سليم شاه بن عثمان وصل إلى موضع يسمى مرج دابق في شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة لأخذ مصر فالتقيا بالمرج المذكور في شهر رجب ، والله أعلم ، أنه كان في الخامس والعشرون منه فقد السلطان قانصوه في تلك الوقعة ولم يدر كيف فعل به ، وقتل غالب الأمراء والجند وانهزم من بقي إلى حلب ، ويبعد المرج المذكور نحو نصف شهر إلى جهة الروم ، ثم تبعهم السلطان سليم

__________________

(١) النور السافر : وفاضت.

(٢) النور السافر : استشكلت. قلت بهذه سيختل الوزن.

(٣) العدة ١ : ١٦٣. وانظر للتوسع في ذلك ابن إياس : بدائع الزهور ٥ : ٣٣ ـ ٧٢.

١١٠

إلى مصر بعد وقعة أخرى بغزة من الشام ، وانهزم العسكر المذكورون إلى مصر ، فلما كان بعد ذلك وقد وصلت أخبار فقد السلطان الغوري ، وكان يوم الأربعاء عشر من شهر رمضان ، فتولّى السلطان بمصر ولد أخيه ، وهو السلطان الملك الأشرف طومان باي يوم الخميس عشرين شهر رمضان المذكور ، فلما كان يوم الثلاثين من شهر الحجة الحرام ، وصل السلطان سليم إلى البويب بالقرب من بركة الحاج ، ثم أصبح يوم الخميس مستهل شهر المحرم الحرام سنة ثلاث التقيا كما يأتي.

وفيها (١) : في منتصف شهر صفر قدم عبد الحق بن محمد النظاري من الجبل إلى زبيد بجمع عظيم أكثرهم من المشايخ أصحاب الرّباطات والضّعفاء الذين لا غنى منهم وفسح جماعة ومنهم سلموا أموالا وبقي الضعفاء الذين لا يقدرون على شيء ولا يعرفون القتال ، وكان الفقيه أبو بكر بن المقبول الزيلعي صاحب اللحية مساعدا للمصريين بماله ونفسه وواصلوه بخلع وصلات من صاحب مصر ، وأمروه أن يخطب في اللّحية لصاحب مصر ففعل ، فلما علم أبو بكر بن المقبول باخراب المصريين لبندر الحديدة طلع من اللحية إلى كمران ، وقال للمصريين : نحن نوثق (٢) لكم طريق البر من بندر اللّحية ، ونعينكم على ما أحببتم فأرسلوا معه إلى اللحية ، بغراب فيه [مائة](٣) مملوك ، فتقدّم بهم إلى جهة مور وبها يومئذ الأمير محمد بن سليمان [بن جّياش السنبلي (٤) أمير من قبل السّلطان فخرج إليهم بمن معه من العسكر فرماهم المصريون بالبندق ولم يكن معهودا باليمن فقتل الأمير محمد بن سليمان](٥) في جماعة من أصحابه واستولوا المصريون على مور ، فعزم جماعة الزيديين إلى الأمير حسين بيك إلى

__________________

(١) قلائد النحر لوحة : ١٩٤ الفضل المزيد : ٢٦١ في حوادث سنة ٩٢١.

(٢) القلائد : نفتح.

(٣) ساقط من الأصل.

(٤) الأصل السنبكي. وأصلحناه من الفضل المزيد.

(٥) ما بين المعكوفتين ساقط من مخطوطة قلائد النحر نسخة ليدن.

١١١

جزيرة كمران ، فبايعوه وطلبوا منه أن يرسل معهم من جنده مائتي مملوك وتكفلوا بجوامكهم وأداء خراج البلاد إليه فأرسل معهم مائتي مملوك فوصلوا بهم قرية الضحى (١) وبها جمع من عسكر السّلطان عامر ، فلما التقى الجمعان انكسر عسكر عامر ، وقتل منهم جماعة بالبندق ونهب المصريون والزيديون قرية الضحى وأحرقوها وخربت ، وانتقل من بها من الدولة إلى الغانمية (٢) ، ولما بلغ الشيخ عامر ، وهو ببلدة المقرانة ما جرى بتهامة أرسل أخاه عبد الملك لكشف الأمور ، فقدم مدينة زبيد حادي عشر ربيع الأول ، ثم تقدّم منها إلى الجهات الشامية ، حتى بلغ المرجف (٣) فلما علم الأمير حسين بوصول الشيخ عبد الملك إلى المرجف نزل من جزيرة كمران إلى بيت الفقيه بن (٤) حشيبر ، ومعه من الجند نحو ألف [مقاتل غالبهم من الرّوم وعسكر سلطان الرّوم سليم شاه بن بايزيد العثماني أرسلهم على يد الأمير سلمان مددا لصاحب مصر قانصوه الغوري على قتال](٥) الإفرنج الذين بالهند ولم يعلم صاحب الروم بما انطوى عليه صاحب مصر وأميره حسين من طلب الاستيلاء على اليمن ، فلما استقر الشيخ عبد الملك بالمرجف قدم الشريف عز الدين بن أحمد بن دريب أخو العزيز صاحب جازان في جمع من الترك والروم والمعازبة (٦) فلما التقى الجمعان كانت بينهما وقعة عظيمة ، قاتل فيها الشيخ عبد الملك فارسا وراجلا ، وأبان عن شجاعة عظيمة ونفس كريمة ، وقتلوا من الأتراك جماعة ومات تحت الشيخ عبد الملك ثلاثة أفراس ، وقتل فيها من جند السلطان جماعة من الشجعان وكان يوما عظيما ، قال القاضي الطيّب : سمعت

__________________

(١) الضحى : بلدة في وادي سردد جنوبي الزيدية بمسافة ١٨ ك م. (معجم) : ٣٩٥.

(٢) الأصل : الغنيمة وأصلحناه من قلائد النحر.

(٣) كذا في الأصل والقلائد. وفي الفضل المزيد : ٣٦١ المزحف.

(٤) كذا صوابه : الفقيه ابن عجيل. معروفة هناك.

(٥) ما بين المعكوفتين ساقط من القلائد مخطوطة ليدن.

(٦) الأصول : المغاربة وأصلحناه من عندنا.

١١٢

الشريف أحمد بن الصديق الأهدل يقول سمعت الشيخ عبد الملك يقول : قاتلت يوم المرجف وعلي درع ومن تحته مشمع ، فكانت الجليلات تصيبني وتحرق الدرع وإذا بلغت إلى المشمع طفيت من الشمّع [فلما انقضى القتال ونزعت الدرع أخرجت المشمع](١) فنفضته فسقط منه ثمانية عشر ما بين بندفة وجليلة (٢) انتهى.

وأقام الشيخ عبد الملك بالجبيل (٣) بعد الوقعة ثلاثة أيام ورأى من جنده تخاذلا فاستمر راجعا إلى زبيد ، فدخلها عاشر جمادى الأولى ومعه رؤوس القتلى ، ووصل العلم إلى عدن من طريق البحر من المخا بالكسرة في المصريين وهزيمتهم فنوروا الحصون ولبّسوا الخانات ودار صلاح (٤) ، وأظهروا الفرح ، ثم وصل الخبر إلى عدن بأخذ المصريين لزبيد ، وعاد اللّباس لم ينزع ونجم النفاق من العرب ، ومالوا إلى الأمير حسين وحرّضوه على اللّحاق بالشيخ عبد الملك إلى زبيد ووعده بالمناصرة ، فجعل يعدهم ويمنّيهم إلى أن تحقّق منهم قاطبة (٥) فسار بهم إلى زبيد بّرا وبحرا في عسكر عظيم ، وكان هو في عسكر البر ، وسلمان في عسكر البحر ، فلما وصل حسين إلى بيت الفقيه بن عجيل دخل عليه جماعة من المعازبة (٦) فقربّهم وآنسهم واستحلفهم وسار بهم إلى قرية المزجاجة (٧) ثم إلى

__________________

(١) ساقط من الأصول وأثبتناه من القلائد.

(٢) الجليلة : بكسر الجيم واللام. تطلق عند أهل اليمن الآن على القذيفة من المدفع وغيره.

(٣) القلائد : الجبل.

(٤) دار صلاح. من دور عدن المعروفة في ذلك الوقت. أنظرها في تاريخ ثغر عدن ١ : ١٢.

(٥) في الأصل : باطنه. وأصلحناه من قلائد النحر.

(٦) يرد في الأصل : المغارية وأصلحناه من عندنا قلت : المعازبة من قبائل بيت الفقيه بن عجيل وهم الزرانيق وطول منطقتهم من شمال بيت الفقيه إلى جنوبها ٧٠ ك. م وعرضها ٦٠ ك. م (معجم : ١٦٠٦).

(٧) المزجاجة : بلدة خربة كانت قائمة بالغرب من مدينة زبيد (معجم : ٥٨٨).

١١٣

القرشية (١) ثم التحيتا (٢) ثم إلى نخل وادي زبيد ، وأقام هو وعسكره هناك ثلاثة أيام ينتظرون عسكرا يقدم عليهم من قبل سلمان من البحر من طريق المتينة (٣) فلما وصل إليهم عسكر سلمان تقدم الأمير سلمان ، ثم تقدم الأمير حسين بالجميع صبح يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى ، فوصلوا إلى زبيد ضحى ذلك اليوم والمدينة مغلقة فنزلوا خارج باب النخل في عسكر تجاهه من الترك والمغاربة والشاميين ، وممن انضاف إليهم من العرب من أهل جازان والزيدية والمعازبة والقرشيين ومن والاهم ، وفي صحبتهم الشّريف عز الدين بن دريب والفقيه أبو بكر بن المقبول الزّيلعي ، فخرج إليهم الشيخ عبد الملك وابن أخيه الشيخ عبد الوهاب في عسكرهما إلى خارج باب النخل ، فلما التقى الجمعان قاتل الشيخ عبد الملك وابن أخيه قتالا شديدا لم يسبقا إلى مثله ، أبانا فيه عن شجاعة زائدة ، فتكاثرت عليهما جنود المصريين ، وتخاذل بهم عسكرهم فانكسروا ودخلوا المدينة بعد أن أصيب الشيخ عبد الوهاب ببندقة أثرّت فيه تأثيرا عظيما ، فدخل المدينة قبل عمه إلى الدار الكبيرة فلما استقر بها لحقه عمّه ووقف له بباب الدار وصاح به ، فركب فرسه ، وخرج إلى عمّه فجعله عمه بين يديه وسار به إلى باب الشبارق ، وقد اسطفت حوله المصريون ، وفرسان العرب المعسكرين (٤) هناك ، فشق الجموع بإبن أخيه ثم خلص به منهم بعد أن قتل منهم جموعا لا تحصى ، وأبان عن شجاعة عظيمة ، وقلب حاضر ثم توجّه بمن بقي معه من عسكره إلى تعز في ضحى (٥) ذلك اليوم ، وفي صحبته الفقيه علي بن محمد النظاري ، والشرف الموزعي الذي كان سببا لهذه

__________________

(١) القرشية : بلدة ومسكن قبيلة القرشيين من الأشاعر (معجم : ٥١١).

(٢) التحيتا : قرية تهامية في وادي زبيد (معجم : ٨٨).

(٣) الأصل : المسبة. وأصلحناه من القلائد والفضل المزيد : ٣٦٧ قلت : المتينة. عزلة في وادي زبيد. على ساحل البحر الأحمر (معجم : ٥٥٧).

(٤) كذا في الأصل وفي القلائد : ليمسكوه.

(٥) القلائد : صبح.

١١٤

الفتنة بسوء الرّاي والتّدبير ، وهلاك الصّغير والكبير ، وبعد خروج الشيخ عبد الملك وابن أخيه دخلها الأمير حسين قهرا فنهبوا البلد نهبا عظيما ، وسفكوا الدماء وانتهكوا المحارم وارتكبوا العظائم وأحرقت المدينة ، وحصل على أهلها من الفضيحة وهتك الحجاب ما لم يكن لأحد في حساب ، ولم تصلّ الجمعة ذلك اليوم بزبيد ، ودخلها حسين بعد عصر الجمعة ، فلما استقر بالدار الكبيرة صاح للناس بالأمان وأمر العسكر بالكف عن النّهب فلم يمتثلوا لأمره ولا أصغوا إلى كلامه ، فأقاموا ينهبون البلاد ثلاثة أيام ، وسكنوا البيوت وأخرجوا أهلها منها ، واستولوا على ما فيها من الخبايا ، والدفائن ، وقتلوا جمعا من أهلها ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ثم استناب حسين بزبيد مملوكا لسلطان مصر يقال له برسباي ، وعضده بالشريف عز الدين بن أحمد بن دريب ، وخرج حسين من زبيد وركب في السفينة [من المتينة](١) وصاح برسباي للناس بالأمان ، وتوجه حسين وسلمان بمن بقي معهما من العساكر إلى زبيد ، وزيلع فأمدوهما بالبر والسمن والكباش والدراهم وغير ذلك ، وعزما من زيلع إلى بندر عدن (٢) ، وكان الموسم على ظهر (٣) سفر فلما رأى سلمان مراكب الموسم صارية (٤) قدم إلى مركب السلطان عامر وإسم المركب «الهاشمي» وأخذ منه الناخوذا والكراني (٥) وأنزلهم عنده ، ولم يغير على أحد من التجار شيء ، وطلع في المركب «الهاشمي» ناس من قبله ليقبضوا في الهند ما كان فيه بإسم السّلطان لا غير ، وطرد مركبا لشخص من

__________________

(١) ساقط من الأصل وأثبتناه من القلائد لوحة : ١٩٥.

(٢) هنا حذف من قبل المؤلف على أصل القلائد الذي ينقل عنه.

(٣) الموسم هنا هو موسم البحر أي أن هذه السفن على وشك الإقلاع.

(٤) من عبارات البحارة في ذلك الوقت وهي بمعنى السفينة التي تمخر عباب البحر واللفظة كلمة حضرمية دارجة أنظر الشهداء السبعة : ١٢٤.

(٥) الكراني : كاتب المركب والمكلف بتقديم قائمه لمحتويات مركبه عند وصولها إلى المواني (البحر الأحمر : ١٦٢).

١١٥

البانيان (١) فرمى (٢) به صاحبه على ساحل أبين إلى البر ، فتغير المركب بما فيه وسلم الركبة ، ودخلوا عدن من طريق البر ، فلما وصل حسين بالخشب إلى البندر رمى البلد بجملة مدافع كبار ورمى أهل البلد فلم توثر مدافعه (٣) ومكث في البندر يومين ، ثم نزل بعسكر لمحاربة البلد إلى الممشى الذي جعلوه الدولة متّصلا بجبل صيرة (٤) فخرج إليه عسكر البلد ، فحصل بينهم قتال عظيم قتل فيه جمع من المصريين ، وانهزم حسين راجعا إلى مراكبه ، ونوّرت (٥) الحصون واصبح حسين راحلا عن البندر بخشبه ، فصادف رجوع سلمان ومن معه فلامهم عن ارتفاعهم عن البندر ، وقصدوا جميعا البندر ، وكان الرتبة الذي بحصن صيرة قد [قل عليهم الزّاد](٦) فطلبوا من الأمير مرجان أن يمّدهم بالزّاد والرّجال فلما رأى الأمير مرجان ارتفاع الأمير حسين (٧) من البندر تهاون في امدادهم وبحسب (٨) أن رأوا الرّتبة المراكب راجعة (٩) إلى البندر نزلت الرتبة الذين كانوا بصيرة جميعهم إلى البلد ، فلما رآهم سلمان طلع إلى صيرة في جمع من أصحابه واستولى على حصن صيرة ، ونصب (١٠) بها عليهم مدافع ، وظنّ الناس بأخذه صيرة يأخذ البلد

__________________

(١) البانيان : كلمة هندية معناها «التاجر» (البحر الأحمر ١٦٢) قلت أطلقت هذه اللفظه عند أهل اليمن على التجّار الكفرة الوثنيين. من أهل الهند ولا تطلق على المسلمين.

(٢) القلائد : جدح.

(٣) كذا وعبارة القلائد : ورمى إلى البلد بجملة مدافع كبار ورموه أهل البلد فلم يؤثر فيهم ولم يؤثروا فيه.

(٤) صيرة : بكسر الصاد جزيرة صغيرة في أعلاها قلعة حصينه تقع شرق مدينة عدن ، وترتبط معها بواسطة جسر حجري يمتد وسط مياه خليج حقات (لعله الممشى المذكور هنا).

(٥) نوّرت. أشعلت النيران إظهارا للفرح والزينة.

(٦) بياض في مخطوطات القلائد.

(٧) الأصل : الأمر حبز وأصلحناه من القلائد.

(٨) في (س) وبحتسبب وفي القلائد : فحسب.

(٩) القلائد : صارية.

(١٠) هنا سواقط كثيرة في مخطوطة القلائد وكذا في مخطوطة. صاحب البحر الأحمر.

١١٦

ويستولي عليها ، فسقط ما في أيديهم وفشلوا وهربوا ناس من البلد ، فرمى سلمان في صيرة بجملة مدافع ولم تأثر في البلد لاستعلائها ، فكانت مدافعة تقع في أطراف البلد مما يلي شمسان ونحوها ، فلما رأى أهل البلدان أخذه صيرة لم يؤثر في البلد شيئا قويت قلوبهم ، وتراجعوا وبذل الأمير مرجان المال لعسكره فاستقوت همتهم واستعدوا لمحاربة المصريين ، فلما لم يظفر سلمان من البلد بطائل نزل من صيرة وركب مدافعه على الممشى المتقدم ذكره ليضرب السّور من قريب ، فرمى السور بمدافع عظيمة فهدم (١) من السور جانبا كبيرا ، فلما كان الليل سدّ أهل البلد ما انهدم من السور ، بقطع الفوة (٢) وجعلوا عليها من جهة الساحل مزاهى الكبير (٣) تلف (٤) بالخشب ، فكانت جليلة المدفع (٥) تصيب الخشبة وتمرق منها إلى الفوة ، فلما رأى سلمان ذلك لا يجدي شيئا استعد للقتال ، فنزل بعساكره سحر ليلة الأربعاء قبيل الفجر بساعة في شهر شعبان ، فرموا إلى البلد بالنّبل والجليلات والمدافع ، وعلا بعضهم على السّور ، فنصب به العلم فتقدّم إليه بعض عسكر البلد فقتله ورمى بالعلم ، فلما أصبح الفجر خرج عسكر البلد لقتالهم ، فلم يزل الحرب بينهم مستقيمة إلى نحو ربع النهار ، ثم رجع سلمان إلى مراكبه منهزما ، وأما برسباي فإنه لما استقر بزبيد قرّب أحوال الناس ، وأظهر حسن السّياسة والتدبير ومشى بالنّاس مشيا حسنا ، وأقام بزبيد إلى أثناء شهر شعبان ، وأمر بنصب خيامه خارج باب الشبارق ، وأقام ثلاثة أيام ، فجمع العساكر ثم سار بهم إلى حيس ، يقال كان غرضه المسير إلى عدن طريق

__________________

(١) القلائد (الصوفي) كتاب البحر الأحمر : ١٦٤ «فحتف».

(٢) الفوة : بنت يصبغ به ويبدو من عبارة المؤلف أن الفوه هنا هي المخلفات المتبقية منها.

(٣) كذا في الأصل وفي القلائد مزاهي الكسى ومخطوطه (البحر الأحمر) : الكبنى.

(٤) القلائد : ملئت بالخيش.

(٥) القلائد : فكانت حجر المدفع تثقب الخيشة وتمرق منها إلى الفوة فتنشب فيها.

١١٧

البر (١) ليحصرها مساعدا لأصحابه في حصرها بحرا ، فلما بلغ حيس بلغه أن حسين بالمخا قد رجع من عدن ، فرجع إلى المخا ، واجتمع بحسين ، ثم سار برسباي إلى موزع وانتهبها ، وكان جماعة قد أودعوا أموالهم في بيت الشيخ عبد الله بن سلامة ، فنهبها بعد أن كان أمن الشيخ على نفسه وما معه ، ثم قتل مقدم الفجر (٢) الذي معه ، فلما قتله خاف على نفسه فرجع إلى زبيد فدخلها في ثاني عشر رمضان ، وأما السّلطان فإنه لما بلغه أخذ زبيد وموت ولده ، وهو يومئذ بالمقرانة ، خرج منها إلى مدينة إب فدخلها في أوائل شهر رجب ، وأقام بها إلى أثناء (٣) شعبان ، وتوجّه منها إلى زبيد وعرج عن دخول تعز وأقام بها بحذرار (٤) أياما ، ثم تقدم إلى القويرين (٥) فصام هنالك رمضان وعيّد الفطر ، ثم توجه إلى زبيد ، فلما تحقق المصريون ذلك أرسلوا إليه رسلا صحبة القاضي الفقيه أحمد بن عمر المزجد يطلبون الصلح ، على أن يسلموا البلد وما بأيديهم من الخيل والسلاح ، فاجتمعوا بالسّلطان وسمعوا كلامه ، وميله إلى الصلح فطابت أنفسهم ، فأشار بعض خواص السّلطان عليه بعدم قبول ذلك ، وأوقع في خاطر السلطان أن ذلك مكيدة منهم ، فأعرض عن الرسل وردّهم خائبين وأمسك القاضي عنده ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، ثم سار السلطان بعساكره إلى قرية التريبة فحطّ من غربيها ، وخرج إليه المصريون يوم الأربعاء تاسع عشر شهر شوال ، فكانت بينهم وقعة عظيمة قتل جماعة منهم ، ورجعوا إلى زبيد فأمسوا بها ليلة الخميس متأهّبين (٦) المعاودة

__________________

(١) في (س) البحر.

(٢) الفضل المزيد : (الغجر) ط شلحد : ٣٦٨.

(٣) الأصل اثنى عشر شعبان.

(٤) في الأصل بحدر والفضل المزيد ط صالحيه : ٢٨٦ بحدزاد وأصلحناه من الفضل المزيد ط شلحود : ٣٦٨ قال : وادي حذرار يقع غربي تعز.

(٥) في الأصل الغوري. وأصلحناه من الفضل المزيد ط شلحود : ٣٦٨ قال : القويرين موضع قرب بزبيد.

(٦) في الأصل : ساهنين.

١١٨

للقتال وأمسى أصحاب الشيخ ما بين جريح ومن الجوع طريح ، وكان صحبة الشيخ جملة أحمال زبيب ودقيق ، فأشار بعض أصحابه أن يعطى الجند منه القوت ليتقووا به على معاودة الحرب ، فلم يفعل ، ثم خرج المصريون صبح يوم الخميس ثاني الوقعة ، فكان بينه وبينهم وقعة أشد من الأولى ، وقاتل في اليومين المذكورين بنفسه ، وولده أحمد ، وولد خاله الشيخ محمد بن أحمد بن عامر ، وخواص عبيده كفرحان (١) وغيره ، ولم يثبت معه سواهم وأبلوا بلاء عظيما وأبانوا شجاعة لم يعهد مثلها ، ثم تخاذل بهم باقي العسكر ، وانكسروا في آخر ذلك اليوم ، والسلطان حينئذ في المعركة ، فلما رأى جيشه منهزمين ، رجع إلى المحطة ليحميها (٢) فوجد العسكر المصري قد هجمها ونهبوا جميع ما فيها من الأموال والذخائر السلطانية ، فجمع باقي العسكر ورجع من حيث جاء ، ولم يلحقه أحد من المصريين لاشتغالهم بالغنائم ، وسار السلطان إلى تعز ، فدخلها سادس عشر شوال ، وأقام بها إلى أن طلع عليه المصريون في أوائل السنة التي بعدها كما سيأتي.

وفيها (٣) : يوم الخميس الذي من شهر صفر ، توفي الفقيه العالم الكامل الفاضل جمال الدين محمد بن موسى بن عبد المنعم الضجاعي أحد المدرسين بزبيد ، ودفن بها ، وكان له مشهد عظيم.

وفي (٤) يوم عصر الثلاثاء خامس شعبان : توفي الفقيه العلامه الشيخ العامل الفاضل إبراهيم بن عبد الرحمن بن إسمعيل البرهان ، أبو الوفا بن الزين المقري الكركي الأصل القاهري المولد الدّار ، ويعرف بإبن الكركي توفي غريقا شهيدا في بركة الفيل تحت منزله بها ، وكان مولده وقت الزّوال

__________________

(١) في الأصل : كمرجان.

(٢) في الأصل : ليحملها.

(٣) النور السافر : ١٠٠. الفضل المزيد : ٢٧٩ ط الكويت.

(٤) النور السافر : ١٠١. وانظر ترجمته في شذرات الذهب ٨ : ١٠٢ والأعلام ١ : ٤٦.

١١٩

يوم الجمعة تاسع رمضان سنة خمس وثلاثين وثمانمائة بالقاهرة ، وأمه أم ولد جركسية ، نشأ فحفظ القرآن والأربعين للنووي والشاطبية ، ومختصر القدّوري ، وألفية بن مالك وغيرها ، وعرض على أئمة عصره كالشهاب بن حجر ، والعلم البلقيني والعلمان القلقشندي والولي سعد الدين بن الديري ، وابن الهمام وجماعة آخرين ، وكتبوا كلهم له ، وسمع صحيح مسلم أو أكثره على الزين الزركشي ، وتلا القرآن العظيم على بعضهم وجوّده ، وقرأ الصحيحين على الشّهاب أحمد بن محمد بن صالح الحنفي الحلبي ابن العطار ، وحضر دروسه بل حضر درس الكمال ابن الهمام ، ولازم التّقي الحصني ، وكذا التقي الشمني والكافياجي ، وعظم وكثر اختصاصه بهم ، ومما أخذ عن الشمني التفسير ، وعلوم الحديث والفقه والأصلين والعربية والمعاني والبيان والمنطق ، وغيرهما ودخل معهم وأذنوا له في إقرائها ، ولما سافر قايتباي في أيام إمارته قبل أن يصير (١) إليه الملك إلى بعض البلاد استصحبه إماما ، ولم يلبث إلى أن ارتقى إلى الملك فقربه وأدناه وأحّبه ، فبلّغه مناه واختص به ممن عداه ، وخوله مزيد النعم وشمله فيما يلتمسه بنعم ، وأعطاه قراءة البخاري بالقلعة ، وولّاه تدريس أماكن متعدّدة ومشيخة الصوفية وخطابة بعض المدارس ، ورتب له في كل يوم دينار ، وصنّف وأفتى وحدّث وروى ونظم ونثر ونقب وتعقب ، وخطب ووعظ ، ومن تصانيفه في الفقه فتاوى مبوّبة في مجلدين وحاشية على توضيح ابن هشام ، هذا كله مع الفصاحة والبلاغة ، وحسن العبارة وجودة الخط وحسن العشرة والظرف ، والميل إلى النادرة ، واللّطف ومزيد الذكاء والتفنن وسرعة البديهة رحمه‌الله.

وفيها (٢) ليلة الثلاثاء عاشر جمادى الأولى : توفي الشيخ العالم الفاضل الجمال أبو الفتح إبراهيم بن علي بن أحمد بن إسمعيل بن

__________________

(١) الأصل : يصل.

(٢) النور السافر : ١٠٣. وانظر : الكواكب السائرة ١ : ١٠٨ والضوء اللامع ١ : ٧٧ وشذرات الذهب ٨ : ١٠٤ والأعلام ١ : ٥٣.

١٢٠