تاريخ اليمن

الشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسعي اليماني

تاريخ اليمن

المؤلف:

الشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسعي اليماني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المكتبة السلفيّة
المطبعة: المطبعة السلفيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٩

بنعمته اخوانا وأبدلنا من المخافة أمنا وايمانا فاذكروا نعمة الله اذ كنتم محاربين فأبد لكم سلما واحسانا نعم يقصر عن عدها الحساب نعم تفضل بها الكريم الوهاب كم صرف بهذا عنا من النقم وكم أفرج عنا بهذا الالتئام من الغم كم من دم كان مسفوكا وكم من حجاب كان مصونا فصار مهتوكا وكم من طريق انقطع وكان مسلوكا وكم من هالك بأسنان الفتن صار منهوكا. واعلموا انما حل بنا من الشرور؟؟؟ الا بسبب ما كسبت أيدينا من الذنوب وتضمنته لوطننا من العيوب التي منها عدم القيام بواجب النصيحة التي قام بها الاسلاف فان الدين النصيحة لله ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم فان الله تعالى يقول وتعاونوا على البر والتقوى فما احقنا بان نكون كالبنان أو كالبنيان وكم شملت السنة والتنزيل من مواعظ لم يبق لواعظ فيها كثير مقال ولا قليل هذا وانه بحمد الله تعالى قد قام بنصيحة الاسلام والمسلمين وبذل سعيه في رضاء رب العالمين حضرة صاحب الدولة الافخم وملاذ العز الشامخ الاتم (أحمد عزت باشا) انا له الله من الخير ما يشا وقابل سعيه الحميد بالقبول مولانا الامام المتوكل على الله رب العالمين نجم آل الرسول لا برح بدرا لا يعتريه أفول فوفقهما الله لما فيه صلاح العباد وهو ان شاء الله

٢٤١

تعالى تهج بين السداد. فعند ذلك زالت عن فطر اليمن المحن وقرت عيون طال ما نفر عنها الوسن ، فيالها من نعمة بها الاسلام كل يوم في ازدياد ومنة انتظم بها شمل الاتحاد. وتم ذلك بالارادة السنية من مولانا سلطان العرب والعجم سلطان الملة الأحمدية وحامي حرم الله والشريعة المحمدية أعز الله بعزه الاسلام وأهلك به الكفرة الطغام. فلله الحمد على هذه النعم وله الشكر على دفع النقم ، ونسألك اللهم أن تصلي وتسلم على من أسري به ليلا الى السماء وعلى آله واصحابه العظماء اللهم ونحن امة نبيك المختار الواقفون مواقف المسكنة والافتقار قد سألناك اتكالا على كرمك النافع وفضلك الواسع معتذرين عن السيئات مستغفرين مما علمته من الاعمال والنيات فبصّرنا الهدى وجنبنا أسباب الردى واعذنا من الشيطان واحتياله ومن مكره واغتياله واحفظ بعزك كبيرنا وصغيرنا ومأمورنا وأميرنا واجعل امة نبيك الامين في حرم الأمن وحصنه ودمر أعداءهم غاية التدمير ، اللهم انصر المجاهدين واهلك الملحدين وايد سلطان الاسلام في كل اصدار وإيراد وألهمه الى ما فيه رضاك وصلاح العباد واختم لنا بخاتمة الخير في الاقوال والافعال. ثم دخلت :

٢٤٢

سنة ١٣٣٠

وفيها نجم السيد محمد بن علي الادريسي في تهامة اليمن في صبيا وأظهر النسك والعبادة والوعظ والارشاد لتلك الجهات وسيأتي فى القسم الثاني سبب منشأ الادارسة في اليمن وسبب قيام السيد الادريسي

وفي سلخ جمادى الاولى عزل الوالى محمد علي باشا وعين وكيلا له رجب افندي الذي كان مكتوبجي وفي شهر ذي القعدة تعين محمود نديم بك واليا في اليمن بتعيين الامام

وفي هذه السنة ظهرت الفتنة بين العنصر العربي والتركى وخص بها الشام سوريا وحلب وبعض من أهل العراق. والسبب أنه لما تشكل مجلس المبعوثان قررت جمعية الاتحاد بأن يكون الوزراء ما خلى الصدر الاعظم وناظر الحربية من جمعية الاتحاد الموجودين في مجلس المبعوثان لانه اذا حصل انتخاب الوزراء تنحصر الوزارة في أبناء الاتراك ولم ينتخب من أولاد العرب أحد فحصل في نفوس مبعوثي العرب شيء من ذلك وأيضا إن أولاد العرب الموجودين في سلك العسكرية مهما بلغت رتبتهم فانهم محرومون من الترقي في الرتب والوظائف وأيضا فان الاتراك

٢٤٣

متهمو العرب بالخيانة وعدم الامانة والحال ان هذه التهمة زور وبهتان. فلما تحكم الخلاف وظهرت علامات الغضب والتهور وتواترت التهم وعلى الخصوص انهم اتهموا العنصر العربى بتشكيل الخلافة العربية وان المقصد انسلاخهم عن الدولة العثمانية وهنالك تشتت الافكار واستحكم الشقاق ودخلت أيدي الاجانب بالدسائس بين الفريقين فحصل في مجلس المبعوثان بين الطرفين كلام يطول شرحه حتى أفضى الامر الى فسخ المجلس مرتين وتبدلت الوزارة من غير الاتحاديين وسعى جل مبعوثى العرب ومن تابعهم من الاهالى بتشكيل الجمعيات وطلب الاصلاحات للولايات العربية والباطن يودون الانسلاخ عن الدولة العثمانية فغشى هذا الامر على من يفهم الامور من ترك وعرب فسعوا في تدارك هذا الامر الخطير. وسيأتي تمام هذا الكلام في حينه

ثم بعد حصول الصلح بين الامام يحيى أيده الله والترك صلحت اليمن وزالت الفتن وكان بعض الزراعين من القبائل لا يصلحهم الا الجور ولم يراعوا هذه النعمة صار القتال بين القبائل بعضهم بعضا لأجل الحدود (١) في الكلأ والمرعى للمواشي أول فتنة حدثت

__________________

(١) أي حدود محلاتهم التى ترعى مواشيهم من حدود أراضيهم

٢٤٤

بين الحداء وخولان وكل قبيلة تحارب من بازائها

ثم حصلت فتنة بين بنى الحارث وهمدان

ثم حصلت فتنة في صنعاء من بنى الحارث وحصل جرحى من الطرفين وسبب ذلك ان رجلا من بنى الحارث وهى قبيلة شمال صنعاء شعوب وما ورائها الى بلاد أرحب مسافة يوم تخاصم مع رجل حداد من أهل صنعاء وحصل من كل واحد جناية على الآخر وحصل بينهما الصلح وصفح كل منهما عن الآخر فخرج القبيلي من صنعاء وهو مضمر للشر فاستغاث بقبيلته فوعدوه الى يوم معلوم فلما كان ذلك اليوم دخل من بنى الحارث نحو الف رجل متفرقين وعزموا على الفتك في صنعاء بقتل من وجدوه والناس على حين غفلة بعد صلاة الظهر فشرع القبائل في سوق الحدادين والنجارين وسوق الحطب فحصلت جنايات في أشخاص معلومين فقام الناس قومة رجل واحد وخرج الحدادون والنجارون بآلة الحديد من قدوم وغيره وضربوا من وجدوا من القبائل فتفرق القبائل هربا شذر مذر؟؟؟ في الخانات والازقة والخرابات وحصل في صنعاء صولة عظيمة وخرجت العسكر والضباط والبوليس في الازفة والشوارع وامسكوا من وجدوه فامسكوا خمسين رجلا وأودعوهم في

٢٤٥

السجن وهرب البقية وفيهم جراح كثيرة وبعد ثلاثة أشهر أخذت الدولة منهم أدبا الف ريال لتعديهم بالقتل في وسط صنعاء غدرا والناس غافلون ثم ادخل القبائل أربع بقر وعقروها في صنعاء رضاء لاهل صنعاء واعترافا باساءتهم فذبحوا رأسى بقر في سوق الحدادين والنجارين ورأسين في دار الجامع

وفي هذه السنة حاصرت ايطاليا سواحل اليمن من جهة البحر الاحمر وحصل لتجار الحديدة ضيق شديد ورميت الحديدة من البحر وقصدت ايطاليا بذلك اشغال الدولة عن طرابلس لئلا تحصل غارة ، لانه لما حصل حرب طرابلس كما تقدم ووصل تلغراف لعزة باشا الى صنعاء بذلك

عند ذلك كتب الامام يحيى أيده الله الى الباب العالى انى مستعد بارسال مائة الف من العرب كاملة العدة والعدد. ثم هرب أهل الحديدة والسواحل وتفرقوا في التهايم ثم حصل الصلح بين الطليان والدولة وانفتحت طرق البحر

وفي شهر ربيع الآخر اظهر السيد محمد الادريسي في التهايم التعدي على الدولة والامام يحيى واستمال تلك الجهات وأرغمهم بالاموال من جهة ايطاليا فسرى فساده الى خولان الشام ورازح

٢٤٦

فعزم سيف الاسلام السيد العلامة الزاهد محمد بن الهادي عامل صعدة بجيش جرار فهزمهم وأخذ تلك الجهات وغنم غنائم كثيرة في هذه الحملة وجملة التى غنمها مائتى الف بندقية وأخذ من الارزاق شيئا كثيرا وسيأتي تمام ذلك في وقته

وفي هذه السنة مما نقل من فتوات العرب ان رجلا قتل رجلا ففر القاتل ملتجئا الى بيت المقتول ولم يعلم ذلك وخلفه أخو المقتول وجماعة وكان والد المقتول شيخ المحلة وقاضيها فعلم والد المقتول بالقضية ان ولده المقتول فأمّن القاتل وسكن روعه ثم طلب أخو المقتول محاكمة القاتل لدى والد المقتول ولم يعلم القاتل ان المقتول ولده فحضر الفريقان فحكم عليه بالدية فاستأذن القاتل أن يذهب الى أهله ليجمع الدية ويعود فيدفعها الى أخى المقتول فقال القاضي والد المقتول حكمت عليك بالدية كما هو العدل ولما كان المقتول هو ولدي فقد ابرأتك من الدية جزاء التجائك الى بيتى واتماما لتأمينك وعدم ترويعك فاذهب الى أهلك بسلام وفي الله لى عوض من كل فايت فاجهش القاتل لساعته بالبكاء وعظم بكاؤه حتى كاد يغشى عليه والشيخ يسكن روعه ويقول لا تثريب عليك يا بني اذهب راضيا مرضيا فانت في حل مما فعلت فأجابه

٢٤٧

انما ابكى كيف يموت مثلك

وفي شهر رمضان وقعت فتنة وقام الحرب بين أهل عصر غربي صنعاء بمسافة ربع ساعة وأهل بئر العزب في الجانب الغربي من صنعاء بسبب حدود مراعي الغنم وحصلت مقاتيل من الطرفين ثم ارسلت الدولة لمشايخ القبيلتين وأودعوا في السجن ثم وقع الصلح مع ضمان كل قبيلة بمقاتيل القبيلة الاخرى

وفي هذه السنة قرر عزة باشا لرؤساء القبائل في حاشد وارحب ومن أهل صنعاء معاشات شهرية سياسية واستمالة وبعض أهل العلم من أهل صنعاء لم يقبلوا ذلك

وفي شهر شوال من هذه السنة سافر عزة باشا الى الاستانة وودعه الناس وقلوبهم مفعمة بالمحبة والاخلاص والشكر نعم وفي آخر هذا الشهر وقع اعلان الحرب من طرف الاربع الدول بلغاريا والجبل الاسود والصرب واليونان على الدولة العلية فأراد العقلاء في مجلس المبعوثان جمع الكلمة وعدم التفرقة ولكن ذهبت مساعيهم ادراج الرياح وأصبحت البغضاء كامنة في القلوب الا ان مسئلة اصلاح الولايات العربية لا زال البحث والتدقيق فيها جار ومن العجايب انه لما وقع حرب الطليان والدولة في طرابلس

٢٤٨

الغرب اجتمع أحد العقلاء من عرب سوريا برجل واحد من رجال الجمعية وهو محرر الامة العربية المسماة (اللامركزية) وهذه لفظة أجنبية وأصلها من العربية أن تكون كل ولاية مستقلة بنفسها في جميع شؤنها الداخلية تحت ادارة والى معين من طرف السلطان نعم فقال له السوري العاقل إن هؤلاء اخوانا عرب طرابلس الغرب هم عرب مثلنا ولا يجوز اهمالهم وإن سقوطهم يفضى اخيرا الى سقوطنا فأجاب انه لا ينبغي أن نترك بلادنا لاجل صحارى افريقية فقال له السوري ان لم نحفظ نحن العرب صحارى افريقية لم نقدر أن نحفظ جنان الشام. ومن هذا وأشباهه يتبين للقاريء أن هؤلاء القوم لم يشموا رائحة العرب ولا العربية وانهم انما يتخذوا هذه النعرة وسيلة لقضاء مآربهم الخبيثة وان الامة المصرية والتونسية وغيرها ممن اعانوا اخوانهم عرب افريقية المجاهدين بالمال والرجال وهم من أنصار الدولة العثمانية والسعى في تقويتها وطالما حذروا العرب من مشاققة الدولة حتى لا نتسلط على بلاد الاسلام باسباب التنافر والشقاق ويكفي ما جرى في فرنسا في فاس والدار البيضاء التى هي تعد من أفراس بلاد الغرب الاقصى وما عمله الحلفاء في الحبش والصومال والهند وما عمله الروسيا في

٢٤٩

التركمان وسيبريا وعلي هذا انقسم كبراء الشام وبيروت وسوريا وحلب الى ثلاثة أقسام قسم وهو القسم المهم الذي يحتوي على السواد الاعظم لم يذعنوا لطلب الاستقلال الاداري وانما يطلبون اصلاح الولايات العربية وأن يكون التعليم باللسان العربى في جميع المكاتب وان تكون المعاملة في الحكومات المحلية كلها بالعربى واصلاح الطرقات والمعابر وترقية أبناء العرب المحرومين من الترقي في الوظايف وهذا القسم هو الذي نال ما يتمناه من الدولة وسيأتى تمام هذا الكلام في حينه. ثم دخلت :

سنة ١٣٣١

وأحوال اليمن صالحة ما خلا ما بين القبائل من الحدود ونزغ الشيطان بينهم وكانت الامطار هذه الايام قليلة والاسعار غالية

ولما كان في ١٦ شهر ربيع الاول نزلت الامطار وعمت الاقطار وحدثت صواعق عظيمة منها في صنعاء في رأس منارة قبة المهدي عباس وكان فيها سبعة أنفار يشاهدون المطر فأصابت خمسة وماتوا في الحال واثنان بقوا مصروعين وبعد مدة من الايام حصل لهم الشفاء والمصابون من طلبة العلم من سادات الكبس

٢٥٠

إلا واحدا فهو من أهل صنعاء

وفي هذا الشهر عزم الوالى محمود نديم ورئيس تدقيقات المحكمة الحنفية حسين كامل افندي وهو رجل عالم عامل والسيد العلامة قاسم العزي ناظر الاوقاف الداخلية بصنعاء والقاضي العلامة عبد الكريم ابن احمد مطهر عزم المذكورون الى السيد محمد الادريسي لنصحه واجراء الصلح بينه وبين الامام ويكون رئيسا على تلك الجهات بماهية كافية شهرية ويكون تحت طاعة الامام يحيى ويترك التعلق بالاجانب ومحاربته لاخوانه المسلمين في اليمن بلا وجه شرعي فركب المذكورون الى الحديدة ثم ركبوا في البحر الى جيزان محل الادريسي والامام يحيى أيده الله أرسل من محل إقامته في السّودة خارج صنعاء شمالا بمسافة يومين السيد العلامة احمد بن يحيى عامر ثم لما وصلوا الى جيزان اعتذر الادريسي عن مقابلتهم ثم لما لم يجد بدا من مقابلتهم قابلهم ولم يساعد بالصلح ثم رجعوا الى صنعاء في شهر جمادى الآخرة وبهذا نفرت عنه بعض التهايم لما عرفوا عدم انصافه

وفي هذه السنة في شهر صفر أول مرة وصلت مصر بعد رجوعي من الحج

٢٥١

وفي هذه السنة ظهر رجل في المشرق في محل جوب على مسافة سبعة أيام شرقا من صنعاء يسمى على سبولة نسبة إلى أمه وكان في هذا المحل يرعى غنما وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب فتسلط عليه بعض شياطين الجن وصار يأتيه في صورة دابة من الوحوش ويكلمه وكان يخرج لاهل قريته الدفائن ويخبرهم بأسرارهم فاشتهر بذلك وقصدته الناس من جميع الجهات واعتقدوا فيه الولاية ثم بعد أيام خمدت ناره وانطفأت فتنته. وفي شهر جمادى من هذه السنة ظهر رجل في زبيد يدعي النبوة ومعه نوع من السحر وتبعته جماعة من العوام فأخذته الحكومة وحبسته في الحديدة

وفي هذا الشهر ذكرت جريدة الاهرام بعد ذكر الفتنة في اليمن بين الادريسي والامام يحيى ما لفظه :

«فالامام يحيى هو زعيم الزيدية ووارثها الشرعي من عهد جده الاكبر زيد بن علي رضي‌الله‌عنه. وقد عرفنا سموه في كافة أحواله الدينية تقيا طاهرا حاملا للدين لواه رافعا للشرع السمح نبراسه كما رأيناه في خطته السياسة غيورا على الدولة العلية نصيرا للخلافة الاسلامية غضوبا لعزة السلطنة في حروبها الاخيرة متعطفا عليها في أرزائها المتعددة شادا ازرها في مشاكلها الكثيرة مما

٢٥٢

رفع رأس الامة العربية فخرا بهذا الزعيم العظيم الذي بحمايته تلك الديار ورعايته لحق الذمار أعطى لسائر أمراء المقاطعات الاسلامية في شبه جزيرة العرب دروسا بليغة في التضامن القوي والالتفاف حول العلم الاسلامى ونحن نعلم يقينا بأن سموه ما ساق جيوشه الجرارة على السيد الادريسي لغرض إراقة دماء المسلمين ورغبة في الانتقام وتوسيع نطاق الخصام بل على عكس ذلك انما قصده منها اطفاء نيران الفتن وسد اطماع بعض الدول وحقن تلك الدماء العربية الذكية فتكللت أعماله بالنجاح والانتصار وألقى على دسائس الاوربيين في تلك الأطراف والأكناف رداء الخجل والعار

وفي هذا الشهر أخذت مدينة ادرنة بعد الحصار ومدة الحصار خمسة أشهر وخمسة أيام وأخذتها اليونان بعد ذهاب نفوس كثيرة

وهذه البلدة هي ثاني مدينة للدولة العثمانية بعد القسطنطينية وهي مبنية في موقع جميل تلتقي فيها أنهار وفيها سوقان عظيمان وستة جوامع كبيرة ومائة وستون جامعا صغيرا وستة وعشرون مسجدا واثنان وعشرون مدرسة دينية وخزانة كتب تحتوي على ثلاثة آلاف مجلد وسبعة عشر كنيسة واثنان وأربعون تكية

٢٥٣

ومدرستان رسميتان اعداديتان وثلاث مدارس للأناث أنشأتها الحكومة وستون مدرسة مختلفة وفيها مدرسة زراعية وثلاث مستشفيات وفيها ساعة كبرى موضوعة على أكمة عالية جميلة البناء وعلى الأنهر سبعة جسور وفي أطراف المدينة حصون عظيمة ومحيط بالمدينة كروم وبساتين وحدائق ، وأكبر جوامعها وأجملها صنعا جامع السلطان سليم الثاني فسمي باسمه وله أربع منارات وثانيها الجامع الذي بناه السلطان مراد الثاني وله أيضا أربع منارات يروى أنها أكبر وأعلى منارة في الدنيا وفي ادرنة يصنع أنواع كثيرة من المنسوجات القطنية والغزلية والحرير ومدابغها كثيرة وفيها معامل لماء الورد

وأما ولايتها فهي أكبر ولايات الدولة العثمانية وحاصلاتها أنواع الحبوب والأثمار وأشجار التوت ، ومن أهم مواردها الحرير وعدد سكانها ٧٧١٦٧٦ منهم ٣٧٧٠٠٠ مسلم ٢٢٥٠٠٠ رومى و ١٠٤٠٠٠ بلغاري و ١٥٠٠٠ أرمني والباقون وهم ١٥٠٦٧٦ اسرائيليون ومن الملل الاخرى

وتنقسم ولاية الدولة؟؟؟ الى ستة سناجق و ٣١ قضاء و ١٠٩ ناحية. وبعد أن أخذ اليونان أدرنة استرجعها المسلمون ثم عند

٢٥٤

سقوط تركيا في الحرب العمومية أخذتها ايطاليا

وسلانيك وهي غرب أدرنة اخذها اليونان

وولاية سلانيك تقرب من ادرنة ونفوس مركزها ٨٠ ألف نفس وهي مدينة عظيمة وبها تصنع البسط والسجادات والحرير وفيها يزرع القطن والدخان الجيّد وأكثر أهلها من اليهود

ونعود الى تمام الكلام السابق في آخر العام الماضى في انقسام كبراء الشام الى ثلاثة أقسام وان القسم الاول حاز الفخامة نعم فان من القسم الاول نال ما يتمناه من الدولة في هذا الشهر المذكور جمادى الاولى صار تعيين السيد محمد عارف بن يوسف صدقي الماردينى واليا في الشام وهو رجل عالم فاضل كامل الاخلاق وكان له خدمات تشكر وعند تعيينه لسوريا حصل منه كل الخدمة التى تعود على الدولة والملة الاسلامية بالخير والصلاح والفلاح وقبل جميع مطالب القسم المذكور آنفا التى هي مطالب معقولة

اما القسم الثاني فهو قسم الشقاق والنفاق الساعي في تشتيت شمل الدولة والملة وقلع الشجرة الجامعة الاسلامية وقد تحقق أن لهم آمالا خبيثة وأنهم آلة لليد السوداء الاجنبية فخابت مساعيهم مع وصول الوالى المذكور سابقا ولكنهم لم يتركوا الدسائس

٢٥٥

اما القسم الثالث فهو معتدل يحب الخير لوطنه خلا أن بينه وبين القسم الثاني اسرار خفية حتى ظن العموم بأن الثورة والفتنة قريبة الظهور في بيروت وسوريا والحال انه بمجرد قبول الولاة والباب العالى المطالب المذكورة سكنت الضوارب وحصل الامن وصلحت الاحوال خلا أن روح الفتنة مدفون في صدور القسم الثاني وسعيهم دني موصل الاجانب الى مأمولهم والحكومة غافلة عن هذا السعي الخفي نقلت هذا الكلام عن لفظ بعض كبراء اليمن السيد الاجل احمد الكبسى احد مبعوثي صنعاء وفي آخر هذه السنة وقع في اليمن مرض شديد لا سيما صنعاء وحولها ثم دخلت :

سنة ١٣٣٢

والجدب والقحط عم اليمن وحصل مرض في الاطفال والاكثر من الجدري ومات كثير من الاطفال. وفي هذه السنة قلت الامطار وغلت الاسعار واغاث الله الناس بخروج الدقيق والطعام من الهند والحبش والسودان. وقبض على سارق وقد هجم على بيت؟؟؟ فأقر بما سرق فقطعت يده حدا بعد الحكم عليه. ورفع الى الحاكم رجل شرب خمرا واقر بما شرب اقرارا شرعيا وبعد الثبوت اقيم عليه الحد. واقيم على زان الحد الشرعي بعد

٢٥٦

ثبوته عليه بالاقرار واستيفاء الشروط. واحضر قاتل للقصاص وحضر خلق كثير خارج صنعاء في باب اليمن واحضرت الدية لاولياء المقتول ويعفو عن القاتل وتشفع الحكام وجمع من الناس لاولياء المقتول بقبض الدية ويسقطوا القصاص فبعد جهد جهيد قبلوا ذلك. اقيمت هذه الحدود جميعها في شهر صفر في السنة المذكورة

ودخل شهر ربيع الاول وحدثت الامطار في الجهات اليمانية السفلى وتحسنت؟؟؟ الاسعار وحصل للناس اليسر بعد الاعسار وفي التهايم حصلت وقايع شديدة بين أصحاب الادريسي وأصحاب الامام وأخذوا حرض وتلك الجهات ودخلوا تحت الطاعة ورهنوا وكان رئيس الجند السيد العلّامة سيف الاسلام محمد بن الهادي

وفي شهر رجب عادت الشدة وتأخر المطر عن وقته في صنعاء وحولها وأعظم الشدة كان على الدواب لانعدام طعامها من التين والعشب والكلا وأصابها مرض فكان في اليوم الواحد يموت منها عدد كثير ورغب الناس عن دوابهم لعدم وجود الطعام. ومن العجايب أنها بيعت فرس في صنعاء بقرش صاغ رغب عنها

٢٥٧

صاحبها لانه لم يجد لها طعاما. وفي تهامة حصل جوع شديد بسبب القحط

وفي عشرين شعبان وصلت البرقيات الى اليمن بما حدث بين الصرب والنمسا وهي الحادثة التي حدث منها الحرب العمومية العظمى. وفي هذه السنة عمت الجراد جميع البلاد مصر والشام واليمن وأكلت الزرع والحبوب والثمار اما الشام فاستأصلتها وضرت الاشجار ثم في شهر شوال انقطعت البوابير البحرية وعظم الحرب ودخلت :

سنة ١٣٣٣

واشتدت الحرب العظمى وامتنعت البوابير البرية والبحرية وأصاب الناس ضرر شديد بسبب ذلك ومكثت الحرب خمس سنين الى نهاية سنة سبعة وثلاثين. واليمن في الزراعة والثمار هذه المدة قد تحسنت حالها ولم ينقطع عنه الا القاز والسكر وسائر الاشياء من الزراعة والمأكولات واليمن استغنى بنفسه مع وجود وفرة الفواكه والثمار والعسل الكثير ويوجد نوع من السكر في اليمن الاسفل

وفي هذه السنة زحفت الاتراك ومتطوعة اليمن مع القائد الكبير سعيد باشا على لحج لقصد الهجوم على عدن وكانت

٢٥٨

السلطة الانكليزية بلحج فانهزمت الى عدن وحصل بلحج قتلة عظيمة وانتهبت أموالها وجميع ما فيها. وكان فيها أموال جسيمة لتجار صنعاء وغيرهم فذهب الجميع مع معرة الجيش ولما وقع الهجوم على لحج خرج السلطان وأسرته تحت الظلام هاربين الى عدن فظن الانكليز أنهم طلائع العدو فقتلوا عددا منهم وأصيب السلطان برصاصة في رجله فنقل الى عدن وتوفي من أثر الجرح هنالك وسلطان لحج الحالى هو عبد الكريم بن فضل صاحب أخلاق حسنة وله اطلاع بالعلم والحديث والادب وله علاقة مع الانكليز وقد جرت بينهم معاهدة وهذه نصها

أولا ـ حق الحكومة اللحجية في جلب السلاح اللازم للدفاع وللمحافظة على داخل البلاد ورفع القيود التى كانت تحول دون ذلك أي دون جلب السلاح

ثانيا ـ أن يكون لسلطان لحج الحق في استخدام القوة الجوية الطيارات الموجودة في عدن أو بعضها لتأديب العصاة والقبائل عند الحاجة

ثالثا ـ الموافقة على تنظيم جيش وطنى كما تراه وتستحسنه حكومة السلطان

٢٥٩

رابعا ـ الاعتراف بولاية العهد رسميا

خامسا ـ اطلاق يد حكومة السلطان في استرجاع الاراضي التى احتلتها جنود الامام يحيى

سادسا ـ افراد قصر بعدن يكون مقرا للسلطان وديوانه فيحكم في العرب غير الزيود تبعة الامام

سابعا ـ الاعتراف بحقوق السلطان المطلقة فيما يختص بالاجانب وتجوالهم وعملهم داخل بلاده

ثامنا ـ الاعتراف بالحاق الامارات العربية المجاورة للحج ورفع الحماية البريطانية عنها وهي الصّبّيحة والحواشب والقطيب وأبين والضالع ويافع والعلوي

تاسعا ـ اخصاص السلطان بمركب حربي يتجول فيه اذا أراد. وهذه الشروط نقلتها من رحلة الريحاني ثم دخلت :

سنة ١٣٣٤

وفيها قام الشريف الحسين بن علي في مكة على الدولة العثمانية

٢٦٠