تاريخ اليمن

الشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسعي اليماني

تاريخ اليمن

المؤلف:

الشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسعي اليماني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المكتبة السلفيّة
المطبعة: المطبعة السلفيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٩

والشنآن ويصلح البلاد ويرضى به الفريقان ثم اعترض من لا خير فيه ان اقامة الحدود في اليمن خاصة يخل القانون الاساسي في جميع الولايات العثمانية. ثم رجعوا ولم يتم شيء. ثم دخلت :

سنة ١٣٢٧

وأحوال اليمن صالحة بوجود الوالى المذكور وفي شهر ربيع الآخر وصلت جريدة المؤيد من مصر وفيها جواب من الامام المتوكل على الله رب العالمين حفظه الله تعالى ردا على صاحب الجريدة فيما كان كتبه نصيحة للامام في الصلح مع الدولة العثمانية. فأجاب الامام عليه :

بسم الله الرحمن الرحيم

رضيع لبان المعاني والبيان وناعش سحر الفاظ الكلمات العربية التى خفضها فتور الزمان علي بن يوسف دام عليه الاحسان وصوحب بخير وأمان. سلام عليك أيها الرجل المدلى بتحيته الحاكى لمودته وأسرار بركة الله ورحمته. انك حكيت ما بك من الشوق والوداد ومالك من الاخوة في الدين ولف الاعراق بالاعراق وما أسداه الله له من المحامد جل ثناؤه وتقدست اسماؤه ولا اله غيره

٢٢١

والارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وان احب الاعمال الى الله الحب في الله والبغض في الله عزوجل واحد في المشرق وواحد في المغرب لجمع الله بينهما في القيامة يقول هذا الذي كنت تحبه فيّ والمرء مع من أحب وله ما اكتسب

ولطائف كتابك ايها الشخص الكريم انبأت بهذا وبنصيحة مثلك بها ينصح ونظرنا الى ما مشت به نصيحتك وفهمنا خطابك ولاجل ذلك بعثنا وفدا الى الابواب السلطانية يرفع عنا ما أودعناه من الاخبار ويقص على ذلك الجمع ما باليمن الميمون من الدواهي الكبار وما قد اعتورها من مواقع الفتن التى تخللت الديار ومشت الى كل دار ونوضح لكم الامر عن اليمن وما فيه وما يصلحه مطابقة لما به اشرتم ولكونكم ممن تنمى اليه اعرافكم وتتصل باهله انسابكم ابناء الملوك الاولى والوزراء والملأ من حمير بن سبا وكهل ابن سبا ان اهل اليمن أهل محتد قديم واباء مقيم ينفرهم الضيم ولا يقرون لكضه ما ملك البلاد ملك ولا حط رحله بها وزير ولا عامل الا كانت امورهم معه متماملة؟؟؟ وعلى الانحراف مقبلة ولا سيما اذا حادت بالمولى عليهم طريقته عن المشروع وناءت به عقيدته عن الحق يثير هذا حفايظهم الدفينة ، علمها الأقل منهم وجهلها

٢٢٢

الاكثرون ولن تراهم يخضعون بكلية الطاعة الا لذي علم ودين وذى سلوك في سبيل الحق المبين من ابناء سيد المرسلين. ولذا فيه اسلافنا عليهم من زمان قديم أكثر من ألف قد مضت من السنين كلما أفل نجم طلع نجم يحيي كتاب الله وسنة رسول الله ويعدل في الرعيّة ويوصل الحقوق أهلها وينزع الباطل من بينهم وينصف بعضهم بعضا ويقيم حدود الله ويزيل المنكرات ويؤدب ذوي العصيان بجرائرهم وبما أمر الله به ولا يقول بزور ولا بهتان ولا يغضى على منكر ولا عصيان يحب الله ورسوله وآله وأصحابه وأزواجه ولا يتصف برفض ولا انحراف ولا بجور في البلاد ولا اسراف ينصت لقول القاصي والداني ويرضى بحكمه المجنى عليه من الناس والجانى وانا لنعجب من الدولة العثمانية على جلالة قدرها وحقارة اليمن ومما اصبحت عليه حريصة فان كان لخوف ادخله اهل اساءة عليهم على هذه القطعة أن تتملكها الاجانب فالاجانب لا تحدث نفسها بما لا تستطيعه من قبل وتدري ان أهل هذه القطعة ما خضعوا الا مرة مسلم غشوم يوما ما فبالأولى أن يقروا لاجنبى ساعة واحدة وإن كان لامر دنيوى يعود على المال على الخزينة العثمانية فالذي فيها يحتقر جانبه على كفايات من به من العساكر

٢٢٣

وأرباب الملك ومعاشاتهم الا أن يأخذوا أموال الرعية كما يفعلون دع عنك ما يسوقونه من الجيوش والآلات وما يكون به من معرات ومضرات واستقامة وعثرات فما هذه التى تدعوهم الى الحرص على هذه القطعة الحقيرة مع أن فيها من يقيم بها الحق وينفي الباطل ويمنع التطاول اليها وقد علموا وان تجاهلوا انا على حق ويدنا ويدهم اسلامية ولا نريد علوا في الارض ولا فسادا ولا افتخارا على الدولة العثمانية ولا عنادا فهذه سبيلنا فما لاح لكم القاؤه في جريدتكم الطوافة الى البعض او الى الكافة فذلك من الخير الموافق للقصد واتباع سبيل المؤمنين ونسأل الله أن يجمع كلمة هذه الامة على ما أمر به ونهى عنه حتى لا يكونوا كغثاء ونسأل الله التوفيق والهداية الى أقوم طريق وشريف السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال المؤلف وهذه أول جريدة مصرية وصلت الىّ وقرأتها وفي هذه السنة في هذا الشهر وقعت زلزلة في بلاد الوينان اهلكت ثلثمائة نفس وأخربت اربعمائة بيت

وفي آخر هذه السنة حصلت الفتنة في دار السعادة ونشأت الحرية وخلع السلطان عبد الحميد ونصب اخوه محمد رشاد ثم أفنى

٢٢٤

طائفة من الوزراء والرؤساء بالاعدام بالشنق والغرق وهذا الاعدام باشارة اهل الاتحاد طلعت باشا وانور باشا وجمال باشا الذي صار بأيديهم الحل والعقد وبعضهم حكم عليهم بالنفي والطرد وعقيب خلع السلطان عبد الحميد نقل الى سلانيك وحجز على جميع ما في قصره من نقود وسندات مالية وذخاير وغير ذلك منها وجد سند بمبلغ اثنين وخمسين الف جنيه على البنك وقد تراكمت الارباح فبلغت مع أصل المال ٨٤ الف جنيه هذا في سند واحد غير سائر السندات

في هذه السنة قالت جريدة طنين في أحد أعدادها بعد نقلها من التركية الى العربية :

بعد ذكر أهل اليمن وسفك الدماء فيها وما يصلحها .. وان اليمنيين معروفون بالذكاء والصبر على الشدائد وان من كانت فيه مثل هذه الصفات لخليق بان يكون سريعا تمدينه قريبا تفهيمه وسائل الاصلاح ولكن لا بد قبل كل شىء من انتداب المأمورين الاكفاء النشيطين الذين يقفون كل ما أوتوا من المعرفة والاختيار في تنظيم تلك الديار فلنرسل اذن الى تلك الولاية واليا ومعاونا من أصحاب الكفاءة ومديرين مجربين عارفين الزراعة والتجارة

٢٢٥

والمعارف ثم نصحبهم بمهندسين بارعين ومفتشين صالحين وحينئذ نأمن الفتن دون سفك الدم ولا بأس من التكراران كل هذه الامور لا سبيل اليها الا بأمر واحد ألا وهو أن يكون لليمن ادارة خصوصية تلائم أخلاق اليمنيين وعاداتهم والسلام

وفي هذه السنة وقعت فتن شديدة في صعدة وكان القائد السيد العلّامة محمد بن الامام شرف الدين الملقب أبو نيبة فأدبهم وأخذ منهم رهائن وصلحت. ثم دخلت :

سنة ١٣٢٨

وفيها عزل الوالى حسن تحسين وعين واليا كامل بك متصرف تعز فوصل صنعاء في ١٧ شهر صفر يوم الاربعاء عقيب الظهر ثم جلس الوالى المذكور الى شهر جمادى الاولى وعزل وعين واليا :

محمد علي باشا

ووصل في ١٢ من الشهر المذكور وكان فظا غليظا متكبرا متجبرا وعامل الناس بالعنف والشدة والظلم والجور ولم ينظر الى من هلك قبله من الامم الخالية فهل ترى لهم من باقية وكان فكره

٢٢٦

أنه لا يصلح اليمن إلا الشدة والقسوة فلا زال يحبس هذا ويضرب هذا من دون سبب مع تسليمهم لحقوق الدولة وخضوعهم للاوامر والنواهي ورجع الى ما كان عليه الوالى فيضي باشا في حبس من كان بينه وبين الامام علاقة ولو ادعاء بلا صحة وفرح بعض المأمورين بهذا للسعي لمن بينهم وبينه أدنى خصومة ألقوا الى الوالى هذه الفكرة ان هذا الشخص يحب الامام يحيى فعند ذلك يؤتى بذلك الشخص يضرب ثم يحبس وكانت هذه الدعوى مصدقة من دون بينة بل قولا كذبا. فلما كثر الظلم والفساد وحصل لأهل اليمن الجور والاضطهاد قام الامام المتوكل على الله رب العالمين الامام يحيى أيده الله وبث القبائل في جميع مراكز اليمن فقام القبائل محاصرين لجميع مراكز اليمن صنعاء وغيرها حصارا شديدا ولا زال الوالى في صنعاء يخيف الناس ويمنعهم من الخروج وشدد عليهم وأغلق أبواب المدينة وأمر البوليس يدورون في الازقة واذا وجدوا شخصين يتكلمان أو يمشيان معا ضربا وحبسا واذا وجد البوليس في الليل مكانا مرتفعا مضيئا بالمصباح في أحد البيوت هجموا على صاحب البيت وضربوه وحبسوه يزعم الوالى أنهم في الليل يشيرون للمحاصرين بالهجوم على المدينة ولا زال

٢٢٧

الناس في الخوف والوجل من الوالى هذا كله سوى ما الناس فيه من المحاصرة والضيق وانقطاع الطعام عنهم وسائر المحتاجات وامتلأ السجن محابيس ظلما وأراد الوالى من جراءته أن يعدم خمسين رجلا من أهل صنعاء من سادات وعلماء وتجار وختم تصديقا له بعض المأمورين إلا نائب المحكمة الشرعية العالم الفاضل خليل أسعد افندي فلم يساعده على هذه الرزية وقال لم ترض ذمتى باهراق دم مسلم واحد من دون حكم شرعي

كانت هذه المحاصرة

أشد محاصرة مضت باعتبار مضايقة الوالى وسوء معاملته لاهل صنعاء ومنعهم من الخروج. وأما الطعام فكان موجودا ليس كما كان قبلا في المحاصرات وبهذه المضايقة رجع الناس الى الله وامتلأت المساجد من الصبح الى بعد صلاة العشاء يلازمون درس القرآن والذكر لأنه لم يبق لهم شغل إلا ذلك. صارت الابواب مغلقة والاسواق مقفلة إلا نادرا والبوليس يمسكون من أرادوا فلم يجدوا راحة وأماتا إلا المساجد

ثم أخذ الوالى معونة من أهل صنعاء مع ما هم فيه من الشدة والفقر سبعين ألف ريل وأمر الوالى بخراب البيوت التى حول

٢٢٨

صنعاء شعوب والصافية وخرّب المساجد وقلع الاشجار ووضع حول صنعاء دفائن من البارود تسمى دناميت وأهلكت من أهل صنعاء نفوسا كثيرة لم يكونوا يعلمون بها اذا وضع أحد رجله عليها صعقت به وصيرته قطعا انما فعل هذا الوالى خشية من العرب اذا هجموا صنعاء وفي آخر مدة الحصار قرب العرب الى حول صنعاء وعرفوا الدفائن وكانوا يحفرون التراب حفرا لطيفا ويستخرجون تلك الدفائن ويأخذونها فندم الوالى وحزن على ذلك

حرب شعوب

ثم خرج الوالى بعسكر كثير الى باب شعوب ووقع حرب شديد اشتهر بحرب شعوب وجملة ما اطلقت المدافع في ذلك اليوم من الرصاص ثلاثة آلاف وثلثمائة ما تسمع ذلك إلا كالرعود القاصفة وبهذا لم يزدد العرب إلا شدة وقوة ثم انهزم الاتراك وولوا هاربين صنعاء. وفي هذه المحاصرة كانت جميع مدن اليمن محاصرة ومن ذلك مدينة يريم (١) كان العرب حولها ذو محمد وذو حسين قبيلة معروفة متوغلة في الجهل والقسوة والشدة والفجور وكان رئيسهم

__________________

(١) بينها وبين صنعاء جنوبا أربعة أيام واليوم مسافته بالساعة ست ساعات فقط في هذه الجهة وبعض الجهات مسافة اليوم الى نحو عشر ساعات

٢٢٩

الذي يسمى المقدمي يعظهم ويحذرهم من النهب والقتل والهجوم بل حصار للاتراك فقط ومن خرج فهو آمن من العرب أو من الترك فلم يسمعوا بل هجموا على هذه المدينة وحصل منهم الافعال الشنيعة من النهب والقتل ثم الخراب ومن عجائب جهلهم كانوا يجدون الصابون الهندي الالواح والقوالب المعروفة فيأكلونه ويجدون السكر الرأس فيتركونه ويقولون هذه رصاص المدافع ولهم أفعال غريبة يطول ذكرها ثم أغاث الله الناس والاخص أهل صنعاء لما هم فيه من مضايقة الوالى خرج عزت باشا وذلك أنه لما حصل الانقلاب في الدولة العثمانية. أخذ رجالها يبحثون عن علاج يداوون به الداء العضال الذي في اليمن الذي أذهب أموال الدولة وملايين من الرجال موتى وقتلى فلم يجدوا دواء إلا مصالحة الامام يحيى واجراء الشرائع والحدود وتوفق لهذا الدواء الرجل الشهم الغيور عزت باشا فوصل الحديدة وأكثر مراكز اليمن تسلمتها العرب بعد أن بلغ العسكر الغاية من ضرر الحصار حتى أن بعضهم لعدم الماء شرب الغاز

عزت باشا

ثم خرج عزت باشا من الحديدة والحرب في طريقه لم يزل منها

٢٣٠

حرب مشهور في مفحق ثم حرب عظيم في بيت السلامي وقملان وذهبت نفوس كثيرة كان العرب المقاتلون هنالك عشرة آلاف ثم في شعبان مقابل محطة متنة التى يسميها الاتراك سنان باشا حرب عظيم حتى اختلط العرب والترك ووقع الضرب بالسيوف والمدى وفي ذلك يقول عزت باشا لو كان للدولة ألف رجل من هذه الرجال لاخذنا أوربا بأسرها ثم لم يزل الحرب في الطريق الى رأس عصر مقابل مدينة صنعاء وجلست الطرقات أياما منتنة من القتلى بعد دفن ما دفن منها

ثم دخل عزة باشا في ربيع الاول من هذه السنة وبعد دخوله رجع العرب كل الى محله ورفعت الشكاوي الى عزة باشا بما فعله الوالى ومن تحته ثم كتب عزة باشا لحضرة مولانا الامام المتوكل على الله أيده الله بالصلح وكان الواسطة في هذا السعي المشكور والعمل المبرور القاضي العلامة رئيس الاستئناف الحسين بن علي العمري والسيد العلامة قاسم بن حسين العزي ووقع في سعيهما الصلاح والنجاح والرشد والفلاح وسيأتي نص المعاهدة واتفاق عزة باشا بحضرة الامام يحيى

وفي خامس شهر رمضان توفي من اشتهر بالصلاح والعبادة

٢٣١

والعلم والزهادة العلامة العزي محمد بن حسين العمري رحمه‌الله تعالى وحزن عليه الناس اجمع واجتمع لجنازته خلق كثير وأمر عزة باشا جميع العسكر من النظام وغيرهم بالخروج لتشييع جنازته وكان من أهل الذكاء والفطنة والزهد والورع وقد أخذ من العلم من كل فن أحسنه أخذ على أبيه رئيس العلماء والاستئناف حفظه الله وعلى المرحوم القاضي العلامة علي بن حسين المغربي ولم أذكر في هذا الكتاب من توفي الا هذا فقط بمناسبة عزة باشا وللتراجم مؤلف مخصوص قد سبق التنويه به

وفي هذه السنة وجد أحد الجزارين من أهل صنعاء مذبوحا في بيته يسمى ابن حمادي وعمره في نحو ٢٥ سنة وكان اليوم الذي قبل موته يبكي ويودع أهله وأصحابه وهم متعجبون من حاله ويظنون أن به جنونا

وكان له أم وأخوات فأحضرهم عنده في مكانه فلما كان في الليل لا زال يطلع من أعلا البيت ثم ينزل الى أسفله وهم متعجبون من حاله ثم سمع أهله صياحه وهو في أسفل البيت فنزلوا فوجدوه مذبوحا من قفاه ولم يعلم من ذبحه ولا كيف قصته ولا وجدوا سكينة؟؟؟ والبيت مغلق واختلفت الآراء في قتله قيل أنه ذبح جنيا كان

٢٣٢

متشكلا في صورة الكبش فجاء ورثة الجنى المذبوح وذبحوا الجزار قصاصا

وفي شهر شوال من هذه السنة وصل من الاستانة لعزة باشا تلغراف في قيام ايطاليا على طرابلس الغرب وتعديهم على بلاد المسلمين وأمر عزة باشا باجتماع الناس في الجامع الكبير لصلاة الظهر فاجتمع خلق كثير من أهل صنعاء وغيرهم ثم بعد الصلاة خطب المؤلف بهذا الكلام الآتي وهذا بعض منه للاختصار :

بعد الحمد والثناء على الله ورسوله

نعلم اخواننا أن دولة ايطاليا اعلنت الحرب على دولتنا العلية حفظها الله بلا سبب وذلك باحداث الحرب على طرابلس الغرب

أيها الناس اعملوا بوجوب الاتحاد والاتفاق واتركوا الاختلاف والافتراق امتثالا لقول الله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) ويد الله مع الجماعة فالاختلاف مشتت الدين ومهلك الاولين والآخرين فما حل بنا الا بسبب التغافل فيما أمر الله به ونهى وتصاغينا عن القيام بالآوامر المؤسسة لربط القلوب الكافلة لدفع الكروب. اخواننا عيونا مملوءة حسدا واغيارا وقلوبنا غيظا ونارا ، فنحن لاسباب حياة الاسلام غافلون ولما يوجب

٢٣٣

التعاضد وسد ثغور الكفر نائمون والسعي للمنافع الشخصية لا يثمر الا خراب الديار أما كفى ما نشاهد من ذهاب بلاد الاسلام والاندثار واستيلاء الكفرة الطغام على الاقطار الى آخر الكلام في الاتفاق والاستعداد للجهاد والمحافظة على الاخاء والواجبات الشرعية

وبعد قيام الطليان على بلاد طرابلس الغرب قام المسلمون في تلك الجهات ووقعت حروب شديدة وفي كل حرب يحصل للمسلمين الغنيمة ولم يزل ذلك مدة سنة ولم يساعدهم أحد من المسلمين بالرجال أو بالمال ولما خشيت ايطاليا الغارة من المسلمين حاصروا الطرق المحيطة بالبر والبحر من جهة البحر الاحمر والابيض وسواحلهما

وفي غرة شهر القعدة الحرام من هذه السنة رجع الجواب من الامام يحيى لعزة باشا بالموافقة على الصلح وعين الامام محلا للاتفاق وعقد الصلح في دعّان وهو في الشمال الغربي من عمران بمسافة خمس ساعات وقد جمع الامام بعض قواده ورجاله الى هذا المحل مع عشرات الالوف من العساكر وخرج عزة باشا ومعه جملة من أركان الدولة من العرب والترك منهم القاضي العلامة عبد الله بن حسين العمري ولما وصل (عزة باشا) ومن معه الى عمران اطلقت

٢٣٤

المدافع من القلعة فرحا لاستقباله ولهذا السعي العظيم الذي فيه حياة امتين عربية وتركية وكان (الامام حفظه الله) قد وصل الى دعان قبل وصول عزة باشا وقد ارسل الامام لاستقبال عزة باشا جملة من رؤساء القبائل والمشايخ وسيف الاسلام محمد بن المتوكل محسن ولما كان بينهم وبين دعان ساعة ونصف استقبلهم ألوف من العساكروهم يطلقون بنادقهم في الفضاء وهي علامة التحية وهم ينشدون الاناشيد الحربية الحماسية وفيها المدح للامام وللدولة والوطن ويسمى بعرف اليمن (الزامل) (١) والشجاعة تلوح على وجوههم وقد عم الناس الفرح والسرور لما رأوا في الصلح من حقن الدماء وحفظ الاموال وتأمين السبل ودفع الاهوال وبعقد الاتفاق انحسم الخلاف وهدأت الخواطر وقرت الاعين النواظر وارتاحت النفوس وزال كل خطب وبؤس

ثم وصل عزت باشا وكان ذلك اليوم يوم الجمعة وخطب الخطيب خطبة بليغة تليق بهذا المعنى الثناء على الله ورسوله والشكر على الاتفاق وجمع الكلمة وحث الناس على الاتفاق وعدم الافتراق وسرد الآيات والاحاديث في ذلك

__________________

(١) وسيأتى نوع من لفظه في القسم الثاني

٢٣٥

دعان

بلد مبنى على قمة جبل يتألف من مئة بيت بين دور وأبراج جعل منها واحدا للامام أيده الله والثاني لعزت باشا قائد الحملة

وبعد ساعتين قصد عزت باشا المنزل الذى نزل فيه الامام وحول الباب ثلة من العسكر وقوفا حاملين السلاح ثم بعد السلام وتبادل التحية وطيب الكلام وقع الامضاء من الطرفين على هذه الشروط الآتية :

الشروط التى عقدت بين الامام المتوكل على الله رب العالمين يحيى بن محمد حميد الدين أيده الله وبين القائد الكبير عزت باشا على اصلاح أمور (بلاد صنعاء) عمران. حجة. كوكبان. حجور. آنس. ذمار. يريم. رداع. حراز. تعز التى يقطنها الزيديون الذين هم تحت إدارة الدولة

١ ـ ينتخب الامام حكاما لمذهب الزيدية وتبلغ الولاية ذلك وهذه تخبر الاستانة لتصدق المشيخة على ذلك الانتخاب

٢ ـ تتشكل محكمة استئنافية للنظر في الشكاوي التى يعرضها الامام

٢٣٦

٣ ـ يكون مركز هذه المحكمة صنعاء وينتخب الامام رئيسها وأعضاءها وتصدق على تعيينهم الحكومة

٤ ـ يرسل الحكم بالقصاص الى الاستانة للتصديق عليه من المشيخة وصدور الارادة السنية به وذلك بعد أن يسعى الحاكم في التراضي ولا يفلح ولا ينفذ الحكم الا بعد التصديق وصدور الارادة بشرط أن لا يتجاوز أربعة أشهر

٥ ـ اذا أساء أحد المأمورين (الحكام والعمال) الاستعمال في الوظيفة يحق للامام أن يبين ذلك للولاية

٦ ـ يحق للحكومة أن تعين حكاما للشرع من غير اليمانيين في البلاد التى يسكنها الذين يتمذهبون بالمذهب الشافعي والحنفى

٧ ـ تتشكل محاكم مختلطة من حكام الشافعية والزيدية للنظر في دعاوي المذاهب المختلفة

٨ ـ تعين الحكومة محافظين تحت اسم مباشرين للمحاكم السيارة التى تتجول في القرى لفصل الدعاوي الشرعية وذلك دفعا للمشقات التى يتكبدها أرباب المصالح

٢٣٧

في الذهاب والاياب الى مراكز الحكومة

٩ ـ تكون مسائل الاوقاف والوصايا منوطة بالامام

١٠ ـ الحكومة تنصب الحكام للشافعية والحنفية فيما عدا الجبال

١١ ـ صدور عفو عام عن الجرائم السياسية والتكاليف الضرائب الاميرية التى سلفت

١٢ ـ عدم جباية التكاليف الاميرية لمدة عشر سنوات من أهالى ارحب وخولان لفقرهم وخراب بلادهم على شرط أن يحافظوا على صداقتهم وارتباطهم التام بالحكومة

١٣ ـ تؤخذ التكاليف الاميرية بحسب الشرع

١٤ ـ اذا حصلت الشكوى من جباة الاموال الاميرية لحكام الشرع أو للحكومة فعلى هذه أن تشترك مع الحكام في التحقيق وتنفذ الحكم الذى يحكم به عليهم

١٥ ـ بحق للزيدية تقديم الهدايا للامام إمّا توا وأما بواسطة مشايخ الدولة أو الحكام

١٦ ـ على الامام أن يسلم عشر حاصلاته للحكومة

٢٣٨

١٧ ـ عدم جباية الاموال الاميرية من (جبل الشرق (١)) لمدة عشر سنوات

١٨ ـ يخلي الامام سبيل الرهائن الموجودين عنده من أهالى صنعاء وما جاورها وحراز وعمران

١٩ ـ يمكن لمأموري الحكومة وأتباع الامام أن يتجولوا في انحاء اليمن بشرط أن لا يخلوا بالسكينة والأمن

٢٠ ـ يجب على الفريقين أن لا يتعديا الحدود المعينة لهما بعد صدور الفرمان السلطاني بالتصديق على هذه الشروط

ثم عين الامام أيده الله المراكز والنواحي حكاما وكتابا وللوقف الداخلي والخارجى وللوصايا نظارا

وبعد رجوع عزت باشا الى صنعاء ومن معه أمر باجتماع الناس في الميدان وهو فضاء واسع في ساحة الحكومة لا سماع الناس قبول الصلح بين الامام والدولة العثمانية وامضائه وبعد اجتماع الناس خطب الناس مفتى الولاية شيخنا القاضى العلامة علي بن حسين المغربي (٢) رحمه‌الله وهذا لفظه :

__________________

(١) مخلاف من مخاليف آنس واهله في غاية الفقر وبيوتهم تخربت مما حصل من المحاربة

(٢) توفي سنة ١٣٣٧ هجرية

٢٣٩

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذي قطع دابر الخلاف بالوفاق والحمد لله الذي أبدل ذلك التفرق بجمع الكلمة والاتفاق والحمد لله الذى ألف بين القلوب بعد الشتات والحمد لله الذى أذهب الفساد بصلاح النيات والحمد لله الذي أعاض القلوب من كدر الوحشة بصفو التصافي والوداد والحمد لله الذي طهرها عن درن الاحقاد. ونشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له الذى ألف بين القلوب وأصلح ذات البين راحة كل قلب وقرة كل عين. ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي جمع الله به شمل الامم وألف ببعثته بين قلوب مختلفة وسلك بهم الطريق الاقوم صلي الله وسلم عليه وعلى آله الذين بهم صلاح العباد وبمحبتهم ترجى النجاة في يوم المعاد وعلى أصحابه القائمين بطاعته بالجد والاجتهاد

أما بعد أيها الناس فان ربنا جل جلاله قد من علينا من النعم بأسناها ووهب لنا من أياديه أشرفها وأشفاها وخولنا من عطاياه وهباته أرفعها وأعلاها. فلنذكر هذه النعمة اذ كانت فأصبحنا

٢٤٠