تاريخ اليمن

الشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسعي اليماني

تاريخ اليمن

المؤلف:

الشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسعي اليماني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المكتبة السلفيّة
المطبعة: المطبعة السلفيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٩

فيها من السلاح والذخائر. وارسل الامام لاستلام ذلك سيف الاسلام السيد العلامة احمد بن قاسم حميد الدين. ففرح الناس وحصل السرور. والامام أيده الله انتقل الى قرية القابل وهي قريب من صنعاء في الشمال الغربي بمسافة ثلاث ساعات. فلما استلم الامام صنعاء ارتفع العرب المحاصرون لصنعاء. فلما استلم الامام صنعاء وصارت في يد الامام حصل :

هجوم أهل صنعاء على المفتى

هجم أهل صنعاء على القاضى محمد جغمان وارسل وكيل الامام بصنعاء محافظين على المفتى فاحاط الناس بالمفتي يصيحون وكل واحد يريد أن يوقع به ليشفي غليله بعضهم يقول حبسني ، والآخر يقول أخذ على بسببه كذا وكذا من المال. وبعضهم يقول أمر بالهجوم على بيتي. فاخذه الناس توا الى الامام الى قرية القابل والمحافظون يدافعون الناس عنه. وأما البصق والشتم والقرص والضرب باطراف اليد فلم يقدر المحافظون على منع ذلك مع كثرة الناس والازدحام وكان ذلك اليوم يوم الجمعة فوافق وصول الناس خروج الامام من صلاة الجمعة والعساكر مصطفة عن اليمين والشمال

٢٠١

والناس يصيحون فأمر الناس بالافراج عن المفتي فصاح المفتي وهو يبكي أرحني يا أمير المؤمنين من الناس ولو بالقتل. فقال الامام أيده الله لا ضير إنك آمن ونحترمك للعلم. أما ما بينك وبين الناس من الحقوق فالشريعة وأما ما حصل منك لجانبي وجانب والدي الامام المنصور بالله فقد سمحتك وعفوت عنك. ثم أكرمه وأرجعه الى بيته آمنا وأجرى له معاشا كافيا من الدراهم والحبوب وكان معظما مكرما وتعجب الناس من حلم الامام وعطفه

اخلاص أهل اليمن في محبة الامام

ولما كان أهل اليمن محبتهم واخلاصهم للامام وطاعته راسخة في قلوبهم ويؤثرونه على أنفسهم وعرفوا أن رضاه في تخلية سبيل المفتى صبروا على ذلك وكانوا يقدرون أن يقتلوه ثم نسي المفتى ما كان الناس يريدون به من قتله ونسي ما كان فيه في أيام الاتراك من الخوف لا يمشي إلا ومعه المحافظون وحول بيته الحرس من جميع الجهات ولا يقدر أن يخرج من باب صنعاء لنزهة أو فسحة إلا وسط المدينة مع المحافظين وفي أيام الامام صار آمنا يمشي وحده ويروح ويغدو آمنا وينام آمنا لم يقدر أن يتجاسر عليه أحد ولا يكلمه خوفا من الامام. ثم لم يزل المفتى في دندنته وطبيعته

٢٠٢

يشتم الامام اذا خلا مع أصحابه الموظفين من الاتراك سابقا فينهونه فلم ينته ثم يكتب المفتى الى الاتراك الى مناخة وسنأتي عند تمام هذا في وقته. ثم دخلت :

سنة ١٣٢٣

ودخل الامام صنعاء وجعل للاتراك مركزا في مناخة حتى تعود المفاوضات من الباب العالى لاجراء صلح موافق للطرفين وكانت صنعاء بعد الاستلام خرابا وأسواقها خاربة وبيوتها خاوية ولم يوجد من أهلها إلا القليل بعضهم كان من الاموات وبعضهم كان في أنحاء اليمن فرجع الناس وكأنهم ولدوا من جديد. فلما رأى القبائل ما حصل من النصر واستيلاء الامام على اليمن حصل للقبائل النخوة والعناد والعتو والفساد يقولون لم تخرج الاتراك إلا بقوتنا وشدة بأسنا وسطوتنا وتريد كل قبيلة أن تستولى على جهة من مخاليف اليمن وتسمى قطعا يقطعهم الامام أي يمنحهم أن يستغلوا واجباتها لهم. ولما كانت صنعاء في حال الحصار تعين واليا على اليمن احمد فيضي باشا للمرة الثالثة وخرج بعسكر كثير ثم وصل الحديدة ومنها الى مناخة ومعه القوة وجلس هنالك فلما وصل الوالى الى مناخة وعرف القبائل هجومه على صنعاء تجمعت القبائل

٢٠٣

وحاصروا مناخة وكان المفتى في صنعاء يكتب للوالى ويحثه على الاسراع ويشتم الامام وكان جماعة بنحو طريقة المفتى لم ينجع فيهم العفو ولم يرجعوا عن عادتهم الذميمة وكان الامام يظفر بجواباتهم فلما توضح لدى الامام خيانة هؤلاء وما سبق منهم من شدة الظلم للناس بعد أن عمهم الامام بعفوه وزادهم إكراما بعطفه بعث اليهم وأودعهم السجن وبعض الليالى أرسلهم الى الجهات الشمالية التى كان الامام قاطنا بها قبل استلامه لصنعاء وهؤلاء الجماعة المفتى القاضي محمد جغمان والقاضي اسماعيل الردمي والشيخ محمد الرازقي من رؤساء قبائل بلاد البستان ورئيس الباطنية ويسمى الداعي ثم انقطعت الاخبار عنهم هنالك الى اليوم ثم خرج الوالى احمد فيضي بقوة من العسكر والعدة من مناخة ولم يزل الحرب الى أن وصل الى رأس جبل عصر المقابل لمدينة صنعاء وذهبت نفوس كثيرة ثم انسحب الامام ومن معه من صنعاء خوفا على أهلها وخشية من الخراب ورأى من الصواب تخليتها فدخل الوالى صنعاء واعلن العفو العمومى في جميع اليمن ففرح الناس وخمدت نار الفتن ورجع الناس من الغربة الى الوطن بعد رجوع الناس الى صنعاء وقد تخربت البيوت والدكاكين والأسواق ويقدر الذي

٢٠٤

مات من أهل صنعاء أكثر من النصف وبعض البيوت لم يوجد منهم الا أفرادا وبعض البيوت خلت بالكلية منها سناة المساجد ويسمى الساني قشاما كانوا أربعمائة قشام لم يوجد منهم بعد المحاصرة الا نحو عشرين قشاما والآن قشامون جدد

كان قشامو سناة الجامع الكبير فقط ثلاثين قشاما لم يوجد منهم بعد المحاصرة الا خمسة أطفال وفي ذلك عبرة لاولي الالباب في هذا التاريخ تاريخ طبع الكتاب أمر على الأسواق فلم أجد ممن كنت أعرفه من القدماء في المحاصرة الا شخصا أو شخصين والآن كلهم جدد وكانوا في ذلك الوقت أطفالا وبعضهم قد صاروا من الطبقة الثانية

وفي هذه السنة عزمت للحج لأداء فريضة الاسلام. ثم دخلت :

سنة ١٣٢٤

ووقعت معركة شديدة في قرية الحمودي ثم وقعت أخرى في الاشمور وهي شمال صنعاء بمسافة يومين

وفي هذه السنة عصى بعض المأمورين من الضباط في دائرة البرق والبريد وطلبوا من الوالى تسليم معاشهم وأشاع الضباط أنهم

٢٠٥

سيحدثون فتنة عظيمة فارسل الوالى عسكرا حول الدائرة من جميع الجهات وامتنع الناس من المشي من تلك الطرق المحيطة بالدائرة في الميدان ثم وصل عسكر من عمران يريدون التسكرة أي أخذ الرخصة لسفرهم الى بلادهم واكثرهم عرب من الشام خرجوا رديفا لمدة معلومة وقد انتهت فامتنع الوالى من ذلك فحلسوا حول مسجد فروة بن مسيك في الشمال الشرقي من صنعاء بعشر دقائق ونهبوا تلك البيوت التى هي من شعوب. وبعد ذلك طلب عسكر آخرين وهم ثلاثة توابير وامتنعوا عن الطاعة وكان طلبهم مثل الاولين

فدخلوا الجامع الكبير على حين غفلة وأخرجوا الناس منه وطلبة العلم ومشايخ القرآن وغلقوا الابواب الا بابا واحدا وكانت أبوابه عشرة وجعلوا على الباب خفيرا بالسلاح وبقية الابواب مع تغليقها وقف الخفير على كل باب ووقف الخفير بالسلاح على أطراف الطرق المحيطة بالجامع وجلسوا نصف شهر ثم سلم لهم الوالى مطلوبهم وسفرهم جميعا ورجعوا الى بلادهم

وفعل مثل ذلك العسكر الذي في الحديدة فكانوا رديفا كهؤلاء وقد انقضت مدتهم فلما تغلبوا سفرتهم الحكومة

وفي هذه السنة سنة ٢٤ أرسلت الحكومة العثمانية وفدا الى

٢٠٦

اليمن الى الامام يحيى لاصلاح ذات البين بينهما فوافق الامام وطلب هذه الشروط الآتية مفتتحة بهذه المقدمة :

بسم الله الرحمن الرحيم

وافقت مستمدا بعون الله على شروط الصلح ما بينى وبين مأمور سلطان الاسلام الذي أدعو الله أن يؤيد ملكه لاطفاء نار الحرب الموقدة وان تستبدل الفوضى والعداوة بالصداقة لتسلم البلاد من القلاقل وتحقن الدماء وتزول المحن من هذه البقعة ويستتب الأمن ويربط المؤمنون برابطة الاخاء التى لا انفصام لها ويرتفع الظلم من بينهم

١ ـ أن تطبق الاحكام على الشريعة الغراء

٢ ـ أن يرجع عزل وتعيين القضاة وحكام الشرع الى الامام

٣ ـ أن تكون معاقبة الخائنين والمرتشين منوطة بالامام

٤ ـ تخصيص رواتب كافية للحكام والمأمورين كي لا تدفعهم القلة الى الارتشاء

٥ ـ إحالة الأوقاف الى عهدتنا لإحياء المعارف في هذه البلاد

٢٠٧

٦ ـ إقامة الحدود الشرعية على مرتكبي الجرائم من المسلمين والاسرائيليين كما أمر الله تعالى بها وأجراها رسوله الذي أبطلها المأمورون كأن لم تكن شيئا مذكورا

٧ ـ يؤخذ العشر من المزروعات التى تسقى بماء السماء وأما التى تسقى بمياه الآبار فيؤخذ منها نصف عشر بعد أن يقدر ذلك أرباب الخبرة واذا حصل اختلاف يرجع الى الاصول التى وضعها عبد الله بن رواحة في الخرص ويؤخذ عن البقر والغنم والابل النصاب الشرعي وأما الاراضي التى تغل مرتين أو ثلاثا فيؤخذ عنها نصف العشر أو ربعه ورفع ما سوى ذلك من التكاليف

٨ ـ ان جباية الاموال المار ذكرها تكون بواسطة مشايخ البلاد تحت نظارة مأموري الدولة واذا تجاسر أحد على أخذ زيادة عن التكاليف المار ذكرها فعزله أو تحديد الجزاء له راجع الينا ولا يكون لنا علاقة بقبض الاموال الاميرية

٩ ـ تعفى عشائر : حاشد وخولان والحدا وأرحب من التكاليف

٢٠٨

١٠ ـ يسلم كل منا الخائنين الذين يلتجئون اليه

١١ ـ اعلان العفو العمومي في البلاد كي لا يسئل أحد عن ماضيه

١٢ ـ أن لا يولّى أحد من أهل الكتاب على المسلمين

١٣ ـ أن تشمل أحكام هذه المواد المار ذكرها صنعاء وتعز وملحقاتها

١٤ ـ أن لا تتداخل الحكومة في شئون (آنس) ولا تعارضنى في تعيين المأمورين من قبلي لهذا القضاء لفقرهم وقلة حاصلاتهم ولما يخشى من وقوع محظور في مخالطة مأموري الحكومة لهم

١٥ ـ أن تكون المحافظة على هذه البلاد من تعديات الدول الاجنبية راجعة للدولة

ان تنفيذ هذه الشروط في البلاد اليمنية يكون سببا لسلامة الافراد البشرية وترقي البلاد واحيائها فيظهر الأمن بأبهى مظاهره ويحصل منه خير كثير. لا يخفى أن البعض يستفيدون من كثرة سوق العساكر الى البلاد اليمنية اذ لا يخلو ذلك من الفائدة المادية لهم ولعلهم لا يرضون بهذه الشروط لأن باتباعها يستتب الأمن

٢٠٩

وينقطع ورود العساكر الى هذا القطر فيخسرون بذلك ما كانوا يؤملون ، لذلك أطلب صدور فرمان سلطاني يتضمن قبول الشروط المار ذكرها كي يطمئن اليمانيون وترتاح قلوبهم ولا يعترضنى المأمورون في اجراء الاحكام التى تخولنيها الشروط واحالة ادارة بلاد الشرقية من اليمن التى تشابه بلاد (آنس) الى عهدتي

١٣ صفر سنة ١٣٢٤

هذه شروط الصلح التى كان طلبها الامام من موفدي الدولة الا أنه لم يتم الاتفاق عليها في زمن الحكومة الماضية لأن الذين نيط بهم أمر الصلح لم يكونوا أهلا له

ثم دخلت :

سنة ١٣٢٥

ووقعت معركة بين العرب والاتراك في خولان ومثل ذلك في الدار البيضاء بلاد سنحان شمال صنعاء بمسافة خمس ساعات. ومثل ذلك في رجام والخيمة؟؟؟ وفي صنعة من بلاد ذمار وأما آنس فالحرب فيه لم ينقطع كما تقدم تفصيله

وفي هذه السنة لم تزل الفتن قائمة والمظالم ثائرة وظلم المأمورين

٢١٠

عم البلاد وكثر منهم البغي والفساد وكانت الشكايا من أهل اليمن لم تزل ترسل الى الاستانة الى السلطان فيحال بينها وبين السلطان وأما الحرب والفتن فكانت تبلغ المسامع السلطانية ثم أرسل السلطان جماعة من أكابر علماء مكة الى صنعاء ينصحون الامام فلما وصلوا الى صنعاء كتبوا مكتوبا الى الامام ومعناه النصيحة للامام وترك القتال والحث على الصلح ثم أجاب عليهم الامام أيده الله بما لفظه :

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين وإذ أخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه. والصلاة والسلام على القائل من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار. وعلى آله المطهرين من الأرجاس ، المصطفين على كافة الناس. وعلى صحابته الراشدين ، أولي العفة والعزيمة في الدين. أما بعد ، فانه وصل الينا كتاب جليل. من علماء مهابط التنزيل ومعارج ميكائيل وجبرائيل ، السيد الجليل عبد الله بن عباس. ورفقائه العلماء التسعة الاكياس ، أفرغ الله عليهم سحائب الرضوان والتسليم. وأوضح بحميد سعيهم الصراط

٢١١

المستقيم ، وصرف عنهم كل شيطان رجيم ، ونزههم عن خدمة ضمير كل جبار أثيم ، ووفقهم الى مطابقة مراده ومراد سلطان الاسلام وحامي حمي الدين القويم. متضمنا للنصيحة ، معرفا بما دهم الاسلام من تكالب ذوي الملل القبيحة. ملوحا بما لم يكن من مواد ، ومن حاد الله ورسوله ومعرفا بما هو المعروف من حق وقدر سلطان الاسلام أيد الله به الدين ، ونصره على الكفرة والمشركين. فنقول :

الحمد لله الذي قبض لنا من يفهم الخطاب ، ويعرف الخطأ من الصواب. ويدرك مدارك الاحكام ، ويحكم الشرع الذي ارتضاه لنا العلّام. وها نحن نقدم نفثة مصدور ، وزفرة محرور. اعلموا حماكم الله تعالى أن الله ولله الحمد اختار لنا دينا قويما هو أشرف الاديان ، فبعث الله به أفضل الرسل سيد ولد عدنان. وأكمل له ذلك الدين فقال اليوم أكملت لكم دينكم ثم قبض الله رسوله اليه وقد أوضح المنهج ، وأزال العوج عن خير القرون. فما زال الاسلام ينمو ويرتفع ، والضلال ينقص ويتضع. وكان كلما حدثت بدعة ازيلت ، أو مظلمة ارتفعت. حتى تولى ذو الملك العضوض فتناقص ذلك التمام ، وتكاثر الفساد من عام لعام. واختلف على الدين الولاة ، ومدت الى جانب أعناقها لابتلاع الاسلام العداة. ولمعت

٢١٢

نيران الشر ، وظهر الفحشاء والمنكر. وكان ما كان من مغلوب وغالب ومطلوب وطالب. ومكن الله الدولة العثمانية من الحماية للدين ، وحفظ حوزته من الكفرة المعتدين

وكانت بلاد اليمن بيد أسلافنا من الآل الأكرمين من المائة الثالثة الى التاريخ ولم ينفك قائم الحق عنها. اما متوليا لجميعها أو بعضها. كما هو معروف في تواريخ اليمن. وكانت المعارك مستمرة بين أسلافنا ومن ناوأهم لرغبة أهل اليمن في ولاية ساداتهم وأولاد نبيهم رضي‌الله‌عنهم واعتقادهم وجوب توليهم ونصرتهم وكما يعرفونه من أحوالهم وأن لا إرادة لهم غير الأمر بالمعروف. والنهي عن المنكر المخوف ، وإقامة الشريعة وتعديل المائل. وارشاد الجاهل. وتقريب المؤمنين وإبعاد الظالمين. ثم لما توجه أحمد مختار باشا من الحضرة السلطانية الى اليمن وكان قائما ذلك الوقت الامام محسن بن أحمد وكان بينه وبين المأمورين ملاحم. ثم بعده الامام شرف الدين ولا زال ظلم المأمورين يتضاعف من عام الى عام. وتنوعهم في المعاصي وارتكاب الشهوات ظاهرا بلا حياء ولا احتشام. وكلما ظهر شيء أو زاد كثرت البغضاء في قلوب أهل اليمن للمأمورين فالايمان يمان والحكمة يمانية حتى

٢١٣

قام والدنا رضي‌الله‌عنه وقد ضرب ضلال المأمورين بجرأته؟؟؟ وتطاردت أفراس شهواتهم في حلبة الفجور وميدانه. فكان بينه وبين المأمورين ما كان حتى مضى لسبيله ، ولحق بحزب جده الأمين وجيله. فانتصبنا لذلك المقام. حين نفر أهل اليمن من مأموري السلطنة على الدوام. ولم نقم والله لدرهم ولا دينار ولا لطلب علو ولا فخار. ولكنه أكرهنا على ذلك قوله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ونحوها من صرائح الكتاب والسنة. ثم كان بين أهل اليمن والمأمورين ما كان وكان منا غاية الاحسان لاتباع سلطان الاسلام. كما قد عرفه ممن له بما كان أي المام ، وعقد الصلح بيننا وبين المأمورين مؤكدا بذمة الله وذمة رسوله مع اغفال النظر عن امكان الغدر وخفر الذمم. فلم يرعنا الا محررات من الحاج احمد فيضي باشا مشعرا بما تقشعر منه الجلود من نقضه تلك العقود. وخفره لتلك الذمم والعهود. فراجعناه ونصحناه وأعلمناه بما في خفر ذمة الله من التعرض للوبال والاستعجال للنكال فما زاده الا شدة وثقة بما في يده غير الله من العدد والعدة وكان ما كان من اخراب الدور وسفك

٢١٤

الدماء وذهاب الأموال ، ولم يكن منا الا مجرد الدفاع المأمور به شرعا ثم أردنا السكون والاشتغال بما أماته المأمورون من احياء العلم الشريف واقامة شريعة الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعلم الناس معالم الدين. وارسال المعلمين الى القرى لتعليم أهلها الصلوات. فلم يشعرنا الا تجاوز يوسف باشا الحدود. وتبنيد الابناد وتجنيد الجنود. وادخاله الى طرف بلاد حاشد والى ما هو بأيدينا فلم يسعنا السكوت فكان ما كان. لعم والمأمورون لم يزالوا يثيرون غضب السلطان على أهل اليمن ويستنجدون منه الاجناد المترادفة والاموال المتكاثرة ويشيرون باستئصال أهل البيت النبوي والدين المصطفوي. وينسبونا عندهم الى الخوارج والرافضة وربما يخرجوننا عن دائرة الملة المحمدية ولا والله ما لنا مذهب غير ما كان عليه خير القرون والسلف الصالحون ، وانا لتبرأ الى الله من الخوارج والروافض واهل البدع المحدثة والمأمورون يعرفون ذلك منا لكنه حداهم على ذلك ما جبلوا عليه من حب جمع الأموال والتسلق لاخذها من غير الوجه الحلال ولم يتم لهم ذلك الا باستمرار القتال والتنقل من حال الى حال فتراهم يحسبون على الاموال الميرية ما يأخذونه على الاهالى بيد العدوان ويضاعفون أجر الحيوانات على

٢١٥

أنهم كثيرا ما يغتصبونها ولا يعطون أهلها شيئا وهم مع ذلك على اللذات والشهوات عاكفون ، وعلى التفنن في الفجور يتنافس منهم المتنافسون ، فتنكرهم المساجد والجوامع ، ويجحدهم شهر الصوم الذي هو لكل خير جامع. وتعرفهم الكئوس والافداح ، وتصافيهم ربات القدود الملاح. وكل هذا بيّن واضح سترونه عيانا ان لم يضرب عنكم الحجاب ، وترصد الابواب. ومع ذلك تراهم يصادقون لرابطة عداوتنا كل ضال ، حتى انهم ليقربون الباطنية الكفرة ويعطونهم كثيرا من الاموال. ولا وأيم الله ما هذا دندنتهم الجامعة غير عداوتنا آل محمد مع أن مصادفتهم لمثل الباطنية فيما يزيدنا الى الناس حبا ويزيدهم الى الناس كراهة وبغضا ، واسألوا أهل الانصاف عن جميع ما حررناه. ولقد أكثر المأمورون على سلطان الاسلام تزويرات الكلام حتى خيلوا اليه أن محاربننا أقدم من محاربة الكفار الطغام وشغلوه بمحاربة آل النبي المختار وفي خلال المدة السابقة أرسل سلطان الاسلام أيد الله به شريعة سيد الانام هيئة بعد هيئة ومفتشين بعد مفتشين وكلما خرج أحد منهم تلقاه المأمورون بالاحسان وأدخلوا عليه من يتكلم بمرادهم وحالوا بينه وبين ما هو مأمور بامضائه وسيكون ذلك أو نوع منه

٢١٦

معكم أو قد كان حتى لقد أرسلنا كتبا عديدة الى الباب العالى من طرق شتى لم يعد لنا جواب رأسا لاحتفال المأمورين بردها عن ذلك الباب

وأما الاحكام الشرعية فما كأنهم أمروا بغير هدمها ومحو اسمها ، وطمس رسمها. فانا لله وانا اليه راجعون. عودا على بدء. النصيحة مقبولة إن شاء الله تعالى. غير أنا نحب أن تطلعوا على ما دار بيننا وبين الوالى أحمد فيضى ومن كاتب الينا من المأمورين لتعرفوا مسلكنا في الانصاف. وبعدنا عن الميل والاعتساف. وستعرفون حقيقة الحال وها نحن ننشدكم الله والاسلام هل تجدون ناسخا للامر بالمعروف والنهي عن المنكر المخوف أم هل تجدون من محرم للدفاع على الاموال والاعراض والنفوس والبنات والبنين؟ أم هل من مانع لقتال من أضاع أركان الاسلام؟ أم هل من تثريب على من اقتفى الاثر بآيات قرناء القرآن والحجة على الامة في كل عصر وأوان ، الذين أوجب الله محبتهم على كل بنى الانسان. أم هل من ناسخ لآيات : ومن لم يحكم بما أنزل الله. وانا نحذركم من دسائس المأمورين فان لهم طرقا الى جلب أمثالكم الى اتباع مقاصدهم ، كما انتخبوا لخدمة أفكارهم

٢١٧

اناسا من أهل اليمن وجعلوهم آلة لهم في كل مكان حتى بلغ بهم الحال الى أن أرسلوهم للوفادة للباب العالي للتعبير عنهم بما علّموهم كما يفعلونه اذا وصل مثل حضراتكم أو مفتش فهم يمرون عليه في كل يوم بأماكن الامراء ويدلسون بأقوال لا يعبأون ولا يبالون بظهور الكذب فيها والافتراء. ثم ابحثوا عن العلة الباعثة فان من عرف الداء عرف الدواء

وانا نمد الى الله أكف الابتهال أن يجعل على أيديكم جبر كسر اليمن الميمون وأن يقذف في قلب سلطان الاسلام الرأفة والرحمة باستدراك حشاشة أهله فهم مؤمنون

وشريف السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وحرر في ١٨ شعبان المعظم سنة ١٣٢٥ هجرية

وفي هذه السنة خرج الجماعة الذين سجنوا برودس بعضهم سكن في اليمن وبعضهم رجع لاجل عائلته الى رودس كبعض قضاة بنى الحرازي. ثم دخلت :

سنة ١٣٢٦

والاحوال صالحة خلا ما كان يحصل من المناوشة في بعض الجهات

٢١٨

وفيها عزل الوالى احمد فيضي وتعين واليا :

حسن تحسين باشا

رجلا عاقلا صلحت في أيامه أحوال اليمن وسكنت الفتن ولم يتعرض للامام وشيعته وأعوانه بأذيتهم وحبس من ظفر به مثل من كان قبله وحصل بينه وبين الامام صلح وان لا يتعدى أحسد على الآخر كل أحد في جهته والامام يقيم الشرع في جهته كما يحب ومع هذا الصلح رغب كثير من الناس للخروج من صنعاء لزيارة الامام وكثرة الوفود اليه من جميع اليمن لامضاء الشرع فلما رأى الامام أيده الله كثرة التعب على الناس من جميع قطر اليمن نصب لهم حكاما للتراضي لديهم والعمل بالشرع منهم حاكما في خولان السيد العلامة الزاهد عباس بن علي بن اسحق وحاكما في بلاد البستان وفي الحيمة وآنس وفي صنعاء شيخنا القاضى العلامة الحسين بن علي العمري حفظه الله تعالى

وفي هذه السنة طلب السلطان جماعة من كبراء صنعاء من سادات وعلماء وأعيان ليتكلموا فيما يصلح اليمن ففرح الناس بذلك فدخلوا ووصلوا الى السلطان وانزلهم في محل الضيافة مع العز والاكرام وبعد شهر وصلوا الى السلطان للسلام واجراء

٢١٩

الكلام قدر عشر دقائق وقد حصل لهم الشرف بما حصل لهم من مشاهدة السلطان عبد الحميد والنظر اليهم وملاطفتهم دون غيرهم من الوزراء فصاروا تلك الجماعة قسمين قسم يريد الصلاح والسداد عامة وقسم يريد اصلاح نفسه وتقرير معاش أو وظيفة فسئلهم السلطان عن ما يصلح اليمن ويزيل ما يحصل من الفتن فأجاب البعض يصلحه القوة الجبرية وكثرة العساكر والجنود والآخروهم الاكثر يصلحه اجراء الشرايع والاحكام واقامة الحدود التى قام بها الاسلام وهى التى يطلبها أئمة اليمن خلفا عن سلف ثم تكلموا جميعا في مصالح أنفسهم من المعاش والوظائف ولم يحافظوا على الادب في ذلك المقام وكثر اللغط وارتفعت الاصوات ثم صرفهم في الحال وأمر بتسفيرهم ولم يبيتوا الا في الباخرة وعوملت أوراقهم وأعطى كل أحد بما يستحقه من الاحسان والوظيفة

ثم بعد وصولهم الى صنعاء طلب الوالى بأمر من الباب العالى بارسال رجال مخصوصين من رجال الامام يحيى وخاصته لا من صنعاء لاجراء ما يطفي نار الفتنة ويزيل المحنة فأرسل الامام أيده الله جماعة من خاصته منهم السيد العلامة عبد الله بن ابراهيم وبعد وصولهم لدى السلطان مع كمال الانعام والاحسان تكلموا بما يزيل الشقاق

٢٢٠