تاريخ اليمن

الشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسعي اليماني

تاريخ اليمن

المؤلف:

الشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسعي اليماني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المكتبة السلفيّة
المطبعة: المطبعة السلفيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٩

سنة ١٣١٣

وفي شهر جمادى الاولى فقدت ظفلة عمرها سبع سنين بنت الحاج قاسم أبو ريم وبقى أهلها في طلب شديد فلم يقفوا لها على أثر وبعد شهر ونصف وجدت ميتة في ساقية مسجد الزمر وفيها أثر حريق ولم تعرف قصتها. وفي شهر رجب دخل رجل من عمران يقال له ال؟؟؟ وكان عنده بيت في صنعاء بأزاء مسجد الأبهر من جهة الغرب فدخل عنده رجلان أحدهما من صنعاء يقال له شوبر وكان آمنا منهما فلما كان نصف الليل وثبا؟؟؟ عليه بالطعن فصاح فغار عليه الجيران والحرس فدخلوا الى بيته وأخذوا الرجلين وأوصلوهما الى شيخ الشرطة وبعد ضبط الواقعة أدخلا السجن وبقيا الى أن ماتا في سنة ١٣٢٢ واليناعي توفى بعد يومين في المستشفى. وفي هذا الشهر المذكور وقعت صاعقة نهار الجمعة في بيت الشيخ محمد الصيرفي في جانب الدار وأحرقت فراشا في بعض الاماكن. وفي نصف شهر رمضان وقع كسوف قمري وفي هذا الشهر ألزم الوالى احمد فيضي جميع المأمورين الملوكية والرؤساء الكبار بلبس النظام التركي ونزع العمائم ولبس الطربوش. وفي هذا الشهر حصل حريق في الحديدة ثلاثمائة وثلاثة عشر عريشا

١٦١

وفي شهر شوال من هذه السنة دخل السيد اسماعيل بن علي فارع الملقب مشجح الى الجامع الكبير بين العشائين في مقدم الجامع فجاء رجل فطعنه في خاصرته طعنة شديدة وهو ساجد فصاح بصوت مفجع وتلف في الحال وهرب قاتله ولم يوقف له على خبر

فوقعت وحشة عظيمة يقتل رجل في الجامع وهو يصلي فوصل البوليس لتحقيق الوقعة فارسل مرزاح للموظفين في الجامع من مؤذن وامام وسادن وحبسهم وضرب بعضهم وبعد أيام خرجوا من السجن. وفي هذه السنة أخذ الوالي من أهل صنعاء اعانة ٢٤ ألف ريال. وخرّب الوالى باب اليمن وباب شعوب وباب السياح واخرجوا من الجدار المحيط بالابواب الواحا من الرصاص والنحاس مكتوب فيها طلاسم وضعها الاولون

وفي شهر رمضان صعق بيت الحاج صالح السنيدار في الروضة بالبارود وكان خاليا من النفوس وانهدم جميعه وكذلك في الروضة بيت السيد العلامة عبد الله بن ابراهيم ولم يصب فيه أحد وكان وقتئذ رئيس كتاب المحكمة الشرعية ، وفي شهر شوال في صنعاء صعق بيت الفقيه محمد بن محمد الحيمي شرقى مسجد معاد وكان الساكن فيه الشيخ أحمد دهاق من رؤساء القبائل وهرب هو وأهله

١٦٢

من سطح البيت الى بعض الجيران بيت المترب وانهدم جانب من البيت. وهذه الوقائع التى وقعت انما هي أحن وعداوة من بعض القبائل والله أعلم. ثم دخلت :

سنة ١٣١٤

والاسعار تحسنت بالنظر للعام السابق وفي شهر ربيع الاول حدثت علة الجدرى في الاطفال في اليمن وحصل موت ذريع حتى أن في الساعة الواحدة التى يدفن فيها من الاطفال نحو ثلاثين طفلا ولم يعرف مثله في الزمان المتقدم

ومن الاخبار العظيمة ما ذكرته جرائد الاستانة أن جبلا عظيما في أمريكا تحرك ومشى وأهلك نفوسا وسببه أن الجبل كان فوق رمل والرمل فوق الماء وهذه من الآيات الباهرة. ومن أخبار الجرائد أيضا أن في فرانسة مات بعلة الجدري من الأطفال عشرون الفا. وفي قضاء المخا أنها وقعت زلازل أعظمها زلزلتين عظيمتين وبعدها وقعت رجفة عظيمة. وفي هذه السنة حصلت حوادث كثيرة حرقت أطفال بسبب الغاز لما كان هذا الزيت حديث العهد

١٦٣

والناس لا يتقنون تسريجه وقد يتعاطى تسريجه بعض الاطفال فتشتعل النار بالاناء الذي يسرج ويسمى اللنبه ثم تحرق ثياب الطفل ثم يحرق الطفل وقد حصل من ذلك حادثتان متقاربتان حرقت بنت غالب العمري وماتت بليلتها وبنت القاضي احمد اليدومي. (وأما الاقتصاد) فالتجارة كاسدة وأسعار الطعام غالية واليمن والاخص صنعاء في ظلم شديد من مرزاح ومحمد هاشم وأفعالهما كما تقدم. وفي هذه السنة بزغ معهما في الظلم نجم ثالث مفتى الولاية القاضي محمد جغمان فالناس منه في عناء وكان يجاهر بسب الامام ومن كان مشهورا من أهل صنعاء بمحبة الامام أودعه في السجن وصار عند الوالى أحمد فيضي مقبولا نافذ الكلمة

وفي هذه السنة وصل من الاستانة السيد محمد الرفاعي الحسنى ناصحا للامام المنصور بالله في قتاله للدولة ويحثه على الصلح ولم اظفر بالمكتوب الا بجواب الامام كما سيأتي ويظهر المكتوب من الجواب فقد ذكر ما اشتمل عليه المكتوب

وهذا نص المكتوب في أعلا المكتوب بعد البسملة الختم بالحبر الاحمر :

١٦٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الختم

المنصور بالله محمد بن يحيى حميد الدين

اللهم أيد دينك القويم بالعلماء العاملين واكشف ببركتهم جهل الجاهلين وارفع بحميد سعيهم غفلة الغافلين فهم بحور العلم الزاخرة ونجوم الهدى الزاهرة وزينة الدنيا والدين والآخرة وأهل الفضائل المتكاثرة منهم ذو المجد الشامخ المنيف والحسب الباذخ الشريف والأدب المثمر روضه الوريف السيد محمد الرفاعي الحسنى الحموي البسه الله جلباب التقوى وقاده الى التمسك بالحبل الأقوى وأعاد على محياه السلام الاسنى والاكرام الأهنى وصلى الله وسلم على محمد خاتم أنبياه وعلى آله سفن النجاة وتراجمة الكتاب وقرناه وعلى صحابته الذين اتبعوه بعد مماته وفي محياه

أما بعد فانا نحمد الله الذي لا يرجى ويخشى سواه ولا نعبد الا اياه وانه وافانا منك أيها السيد كتاب كريم ومسطور رائق فخيم أفاد معرفة بحقوق العترة النبوية والسلالة العلوية بما ورد فيهم من الآيات القرآنية والاحاديث الصحيحة المروية وان دواعي

١٦٥

المحبة اقتضت المراسلة وبواعث المودة جذبت الى المكاتبة والمواصلة وان من لوازم المحبة والايمان بذل النصيحة للاخوان لا سيما ولاة الأمور الذين ناط الله بهم صلاح الجمهور وأفاد أسعده الله انه مستنكر لما جرى بيننا وبين الولاة المرسلين من حضرة الدولة العثمانية والسدة الخاقانية من الحرب والاختلاف وعدم التوافق والائتلاف وانه يرى الخير في اصلاح ذات البين ورفع الفتنة التى تؤدي الى التهلكة والحين. وانه ورد الحث عليه في السنة والكتاب وانه مناط الرضا لرب الارباب وان السلطان الاعظم ممن أقام الله به الدين وانتظمت به أحوال المسلمين وتشرف بخدمة الحرمين الشريفين وأقام بجهاد الكفار ومنابذة الاشرار وان رغبته في صلاح الدنيا والدين وقمع الفجار المعتدين وان القطر اليماني المحروس بالله محل الايمان كما ورد عن سيد ولد عدنان وان سعيه في ذلك نصيحة دينية ومحبة ايمانية

فنقول نعم الأمر كما ذكرتم مما وقع بيننا وبين من تعلق بالسلطة القاهرة أعز الله به الاسلام وقمع بها ذوي الالحاد الطغام ولم يكن لنا من الرياسة الدنيوية طلب ولا في الراحة البدنية ارب ولا نعول على جمع المال ووفرة المكسب ولا مزيد على ما نحن

١٦٦

فيه من الحسب والنسب لكنا رأينا المأمورين لم يؤدوا حقوق الله ولا راعوا حرمة ما حرمه الله ولا غضبوا يوما على معاصي الله ولم يعملوا بشيء من كتاب الله ولا سنة رسول الله شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله وارتكبوا المعاصي ورموا اليها الناس بأطراف النواصي وجاهروا الله بشرب الخمور وارتكاب الفجور وظلموا كل ضعيف وأهانوا كل شريف حتى فسدت الذرية وارتفعت كلمة اليهودية والنصرانية وصارت الكفرة والمجوس تحكم في البرية ولا يرقبون في مؤمن الا ولا ذمة ولا تأخذهم في المسلمين رأفة ولا رحمة ولما لم نجد عن أمر الله بدا استعنا وتوكلنا عليه وبذلنا في الجهاد جهدا امتثالا لقول الله عزوجل (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) وقوله عزوجل (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وقوله (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وخوفا مما خوفنا الله به من نحو قوله تعالى (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) ونحو قوله

١٦٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم حتى اذا بلغ الكتاب أجله كان هو الله المنتصر لنفسه ولم نزل نتوخى أن السلطة القاهرة أعز الله بها الاسلام اذا رفعت اليها تلك القبايح التى لا يختلف في وقوعها اثنان أن تأخذها حمية الدين والايمان على تلافي ما فرط من الاضاعة فيما وجب من الشريعة وتستدرك مافات من حق عترة رسول الله الذين لا تستحق بدون اتباعهم الشفاعة فلم يزدادوا مع طول المدة الا انسلاخا من الدين وتوسعا من تأمر الفجرة المعتدين

فان قلت أيها السيد ان تلك القبايح مباحة في الاسلام وان فعلها مستحل من اتباع شريعة سيد الانام فهات الدليل ولا يقول بذلك إلا ضليل. وان انكرت أيها السيد ان ذرية الرسول هم الحجة في الفروع والاصول صاح بك قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) وقوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ونحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا

١٦٨

من بعدي ابدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ان اللطيف الخبير نبأني انهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ان عند كل بدعة يكاد بها الاسلام يكون لها ولى من ذريتي) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أهل بيتي أمان لاهل الارض) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها تجا ومن تخلف عنها غرق وهوى) وغير ذلك مما لا يتحمله المقام فالظهور أبين للحجة وأوضح للمحجة لا ما خوفتنا به من القتل والنكال فانا أهل بيت لا تزعزعنا كواذب الآمال ولا نعد بذل نفوسنا في سبيل الله الا من أشرف الخصال ولا نفزع الى غير ذي الجلال ولا ندعو سواه في البكور والأصال.

على أن قومي تحسب الموت مغنما

وان فرار الزحف عار ومغرم

(أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ). (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ). (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ). (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ).

١٦٩

(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ)

فنحن من وعد ربنا على يقين ، والعاقبة للمتقين. وانك لا تجد في خطتنا المنصوة الا قائما لعبادة ربه اذا أسدل الليل جناحه أو تاليا كتاب الله أو ذاكرا اذا أطلع الفجر صباحه ، ومساجدنا معمورة بالعلم والعمل ، وقلوبنا ضالة عن الجبن والفشل ولا نفتخر كغيرنا بآلات الحرب الفاخرة ولا بالسيوف المتكاثرة التى هي تحت أمرنا عائرة بل نتبرأ من الحول والقوة ، ونتمسك بأذيال سيرة الامامة والنبوة :

مغارس طابت في ربا الفضل فالتقت

على أنبياء الله والخلفاء

اذا حمل الناس اللواء علامة

كفاهم مثار النقع كل لواء

فقد أوضحنا لك أيها السيد طريقتنا وأبلغنا اليك أفعال أعادينا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) ولو يعلم السلطان الأعظم حقيقة الحال لسارع الى إعانتنا في الحال والمآل

١٧٠

ورفع جميع المأمورين من الخطة اليمانية وأمرهم بحرب الفرقة الكفرية ، ولمنعهم عن محاربة العترة النبوية التى هي بضعة من الذات الشريفة المحمدية ، ولأوفى جدنا الأعظم أجر تبليغ الأبناء المشار اليه ب (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) الآية. ولتباعد عن مشابهة من قال فيهم خاتم النبيين (من قاتلنا آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال) وعن الدعوة النبوية في قوله لأهل بيته (انا حرب لمن حاربتم سلم لمن سالمتم) وقد أمر الله تعالى بالكون مع الصادقين بقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ونبئهم بقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ.) قل هذه سبيلى أدعوا الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين. يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم. ويا قوم مالي أدعوكم الى النجاة وتدعوننى الى النار» فاذا وجدت أيها السيد خلاصا من أوامر الله أفدنا من كتاب الله ومن سنة رسول الله ودع عنك التخويف بالمخلوقين كما قد قيل :

جاء شقيق عارضا رمحه

ان بنى عمك فيهم رماح

١٧١

وأما اجتماع الكلمة على الحق فمن أين لنا ذلك والا فهو عندنا من أعظم المسالك حقنا للدماء ورفعا للدهماء ونسأل الله أن يرفع عن الامة المحمدية السوء والمحن ويجعلها على اتباع الكتاب وقرنائه أهل بيت النبي المؤتمن ، وأن يعيذنا من نزغات الشيطان الرجيم ومضلات الفتن وحسبنا الله ونعم الوكيل

وكان اللائق بحال أركان السلطان الأعظم أن يجعل القطعة اليمانية من جملة الممالك التى بأيدي الكفار وقد أضربوا عنها صفحا وطووا عنها كشحا وما سارعوا لغير مملكة اليمن الا بأيدي أولاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحكمون فيها بما أنزل الله ويمنعون محارم الله فهلا جعلوا آل الرسول كالكفار الذين تركوا لهم ممالكهم. اللهم أشهد وكفى بك شهيدا» انتهى

ولم يزل الوالي مع حاشيته في الظلم والجور والارتشاء والفسق ما عليه مزيد والحروب في اليمن لم تنقطع في آنس والحيمة وغيرها وكثرت الشكايا والمضابط من الأهالي الى السلطان فيعترضها من لا خير فيه وكثر الظلم والقحط والجدب حتى مات خلق كثير وصار المأمورون من الاتراك في معاملة أهل اليمن كأنهم يعاملون كفارا. الضابط يأخذ من هذا وينهب هذا

١٧٢

وكأن أموال أهل اليمن حلال مع أعراضهم

ومنهم القائمقام كان في الروضة المسمى زكرياء وقد جوزي بعمله بأن شنق في الاستانة بعد وقعة السلطان عبد الحميد. كان المذكور ينصب له كرسي ويقعد على قارعة الطريق مقابل الطريق النافذة الى سوق الروضة مقابل الجامع الكبير جامع الروضة فيرى الناس وهم خارجون من السوق فيدعوهم واحدا واحدا فيكشف ما معهم فالذي يجد معه السمن يأمر العسكر بصبه على الأرض أو يجد معه شيئا من المائعات دهنا أو عسلا أو زيتا أو لبنا أو غيره يرمي به الأرض أو يجد شيئا جامدا مأكولا أو غيره يرمي به الارض وجد مع أحدهم لحما فرماه في الارض ثم أمر العسكر أن يدوسوه بنعالهم فوق التراب فما هذا الظلم وما هذه المعاملة لا ناس مؤمنين شهد لهم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الايمان يمان يمان والحكمة يمانية

ولما كان المفتي المتقدم ذكره القاضي محمد جغمان كان يطلق لسانه في سب وشتم الامام المنصور بالله والأشراف وأهل العلم الذين بمجلس الامام وما يعامل الناس من الظلم والاهانة كان الوالي في هذه السنة أخذ من أهل صنعاء معونة سبعين ألف ريال وأهل صنعاء

١٧٣

فيما هم فيه من الشدة والضيق فيأمر المفتى يقلع الأبواب والطيقان لمن لا يقدر على ذلك فنال الناس الضرر الشديد فتصدى لقتل المفتي رجلان ليكفوا شره عن الناس وكان المفتي شديد الحدر لا يمشي الا وله واحد جندي من الحكومة لأجل المحافظة فلم يجد الرجلان فرصة لقتله الا قبل صلاة العشاء وهو يتوضأ وكان في شهر رمضان من السنة المذكورة فضربه أحدهما بسكين ضربات كثيرة والآخر كان على باب المسجد وكان المسجد خاليا من الناس قبل مجيئهم وكان للرجلين مدة من الاشهر يترقبان الفرصة فلم يجدوا الا هذا الوقت وكانت الضربات بالسكين في محل السلامة فظنا هلاكه وتركاه هاربين فأقبل الناس وسمعوا صياح المفتي فحضر الناس والبوليس وفي آخر الليل أحضر القاتلان وأمسكوهما وأودعوهما السجن الى أن ماتا فى السجن والمفتي بعد ثلاثة أشهر تعافى ورجع الى أشد ما كان وصار عند الحكومة مخلصا وكلمته لا ترد. ثم دخلت :

سنة ١٣١٥

وفيها وصل عزل الوالي أحمد فيضي والناس في طرف من الحياة مع الشدة والظلم والفقر وتعين واليا :

١٧٤

حسين حامي باشا

وكان عالما صالحا يحب العلم وأهله فوصل اليمن وقد ألمت بها المصائب واحتوشتها النوائب وأهلها في فقر مدقع وحال مفجع ففرق على أهل صنعاء الفقراء بأمر من الباب العالي وقد أخرج معه فلوسا كثيرة ففرق على كل نفس ريالا فجملة الذي فرقها على أهل صنعاء ٢٤ ألف ريال وفرق مثل ذلك في سائر المدن في اليمن على الفقراء وقلع شجرة الرشوة وعاقب عليها ولم يحاب أحدا وشرد أهل الظلم وقدم الناس شكايا من المأمورين الظلمة. وجملة الشكايا التى قدمت للوالي في ياور الوالى السابق محمد هاشم خمسمائة شكية فسجنه الوالى في الأوردي محل العسكر سجنا لطيفا في أحسن غرفة ولم يمنعه من الاختلاط ولم يحبسه من حريته ومن جاءه فكان يحضر عنده من شاء من الرجال والنساء واللهو واللعب ثم بعد مدة أخرج من اليمن مبعدا وكذا المأمور الآخر (مرزاح)

وأسس الوالى ادارة المعارف والمكاتب ودار المعلمين ومكتب الصنايع والاعدادية ورتب امور الولاية بترتيب تأباه العسكرية وكان يقرب أهل العلم والفضل وأجبر الناس على التعليم وحمد الناس أخيرا عاقبة ذلك. وكان المشير على العسكرية :

١٧٥

عبد الله باشا

وكان بينه وبين الوالى منافسة وكان مع الوالى هيئة من أهل العلم والسياسة لا يفعل الوالى أمرا الا بمشاورتهم فيما يصلح اليمن وأهله وكان للهيئة رئيس وهو أعلمهم يسمى حسنى بك وقد جمع من اليمن مكتبة نفيسة من الكتب الخطية واستنسخ كثيرا من الكتب التي تعذر بيعها من أهلها وكان يشتري الكتاب بأضعاف ثمنه وكان الوالى وهيئته بالعمائم بأمر من الباب العالى سياسة وتقربا وميلا لأهل اليمن بلبس العمائم وترك الطربوش وأمر الوالى جميع الموظفين الملكيين عربا أو تركا أن يلبسوا العمائم. ثم دخلت :

سنة ١٣١٦

وفي هذه السنة دهمت الهموم والرزايا وعظمت الكروب والبلايا بموت العلماء باليمن الذينهم ورثة الانبياء ويالها من رزية أظلمت لها الارض والسماء وقد كنت كتبت تراجم لعلماء العصر فوجدت السيد العلامة محمد بن محمد زباره ساعيا في التراجم فأرسلت له ما كنت جمعته وجردت كتابي هذا من التراجم لانها صارت في مؤلف مخصوص جعله السيد محمد زيارة ذيلا لنفحات العنبر في رجال القرن الثاني عشر تأليف السيد العلامة حسين الحوثي

١٧٦

وفي هذه السنة لما كان الوالى منع المأمورين من الارتشاء وعاقبهم وبعضهم أخرجه من الوظيفة كل على حسب ما يستحقه وكان منهم قائمقام أخرجه من وظيفته مطرودا لسوء أعماله فاضمر للوالى الشر وبعد أيام رماه بمسدسه عند ارتقاء الوالى لبعض السلم باب الحكومة داخلا عقيب الظهر وكانت الضربة غير قاتلة والقاتل أحاطت به الجند وقتلوه في الحال

وفي هذه السنة في شهر رمضان وقع برد شديد ونزل الثلج على الجبال العالية وهو غير معتاد الا نادرا بجبل النبي شعيب فأتلف البرد الاشجار وأهلك الثمار ومات ناس كثيرا في الطرقات ومن الدواب عدد كثير وأحدث في الناس عللا بسبب البرد منهم من استعجم ومنهم من انحرف فمه من محله ومنهم من أصابه رياح في أعصاب الرجلين لحتى تعذر معه المشي. ثم دخلت :

سنة ١٣١٧

وكان المفتى المذكور سابقا المقرب لدى الوالي والمشير واذا سمع المفتى بشخص يحب الامام أو بينه وبين الامام أدنى اتصال أو مكاتبة أمر البوليس بالهجوم الى بيت المذكور وأخذ ما وجدوا

١٧٧

من الاوراق ثم يؤخذ ذلك الشخص الى القلعة أي الى السجن سواء كان صدقا أم كذبا ولا بينة في ذلك والحبس مؤبد الى أن يموت ذلك الشخص وكان ذلك الشخص الذي له علاقة بالامام يسمى شقيا فجمع المفتي في السجن بهذا الاسم اربعين رجلا وجمع المشير عبد الله باشا أربعمائة رجل يريد ارسالهم الى طرابلس الغرب بصفة عسكر ثم أراد المشير أن ينفي من في السجن وهم الاشقياء الاربعون النفر فلم يساعده الوالي فكتب المشير الى الباب العالى فعاد الجواب بارسال العسكر الى طرابلس الغرب ونفى الاربعين الرجل الاشقياء فكتب الوالى الى السلطان أن هذا من سوء تدبير المشير وهذا يكون سببا لفساد البلاد فلم يصدق الوالى لدى السلطان وكان المصدق عبد الله باشا. ثم دخلت :

سنة ١٣١٨

وعزل الوالى حسين حامي باشا وأسف الناس عليه لا سيما أهل العلم وسافر هو وهيئته. واحيلت الولاية الى المشير :

عبد الله باشا

ثم رجع الظلم والارتشاء وكثر الفساد ووقع الجدب وحدث

١٧٨

موت كثير حتى خلت قرى

كان عبد الله باشا سابقا قبل خروجه اليمن ومشيرا بدمشق أخبرني جماعة من فضلاء أهلها وكان متواضعا لا يتعدى طوره مثل سائر الولاه يمشي معه جندى أو الياور مع الجندي. فلما وصل الى اليمن تزيا بالابهة والعظمة والتكبر والتجير لا يمر الا وقد مر أمامه ثلة من الخيالة ويأمر العسكر بمنع المارة من الطريق من حين يخرج من بيته في بئر العزب الى أن يصل الى الحكومة باعلا صنعاء بمسافة نصف ساعة وكان يأمر بالتجصيص لدوائر الحكومة العسكرية والملكية في كل ثلاثة أشهر وأمر بتنظيف الشوارع ورشها وكنسها كل يوم قلت : أما هذه فهى خصلة شريفة لما في النظافة من المحافظة على الصحة لو يداوم عليها أولو الامر وكان الوالى مشغوفا بالملاهى والموسيقا واستخراج الالحان المطربة وكان في غاية النشاط والرفاهية ومع هذا فقد كان في سن الشيخوخة وكان شعر رأسه ولحيته بيضاء. ثم دخلت :

سنة ١٣١٩

وكان الوالى والمشير عبد الله باشا ووقع في هذه السنة في الحج موت

١٧٩

ذريع. وأجرى الوالى سلك التلغراف من صنعاء الى مدينة تعز من جهة الجنوب من صنعاء بمسافة ستة أيام. وبنى الوالى خارج صنعاء عند باب اليمن عمودا طويلا مثل الاسطوانة وفعل في رأسها مثل الهلال كما يصنع في رأس المنارة نحاسا مطلي بالذهب وطوّق بعض الاحجار في نفس العمود كذلك بنحاس مطلي بالذهب وقصده أن يكون تذكارا للحكومة ، وبعد عشر سنين هدم ذلك البناء

وفي شهر ربيع الآخر وقعت فتنة عظيمة في سوق بوعان مسافة ست ساعات من صنعاء غربا بين العرب والترك الذين هم قاطنون هنالك وحصل مقاتيل من الطرفين

وفي هذه السنة قطعت سلك التلغراف ونهبت الطرقات قبيلة الزرانيق في تهامة وحصلت معارك شديدة بينها وبين الاتراك وهذه القبيلة أكثر السنين وهى ثائرة على قطع الطريق وقد أعجزت الحكومة العثمانية لان هذه القبيلة ليس لها قرار ولا بيوت ببناء حتى تقصدها الحكومة بل تسكن القفر وبيوتها من الشجر يسمي القش ولكن هذه السنة استفحل أمرها ، وفي هذه القبيلة من القوة والجلد ما لا يوجد في غيرها تصطاد الغزلان بنفسها عدوا وفي تهامة الغزال

١٨٠