تاريخ اليمن

الشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسعي اليماني

تاريخ اليمن

المؤلف:

الشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسعي اليماني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المكتبة السلفيّة
المطبعة: المطبعة السلفيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٩

تعدت على عرض الحريم ويتظاهر المأمورون بأن أهل اليمن أشقياء ومذهبهم زيدية. ولما كان الاتراك عجما لا يفهمون ما هو الزيدي وأنه مذهب من جملة المذاهب بل إمام هذا المذهب الامام زيد بن علي زين العابدين الذي جده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن المأمورون باتباع هديه وعترته ظن الاتراك لجهلهم أنهم خارجون عن الاسلام مع أن أكثر الاتراك لا يصلون وبعض عقلائهم وقد يرى ما عليه أهل اليمن من الدين والصلاح والمحافظة على الصلوات واقامة الجمع والجماعات وتدريس العلم وهجرهم المعاصي والمنكرات يستغرب ما تعاملهم الحكومة من الشدة والقسوة وهجرت هذه الحكومة التركية العمل بالشريعة وإقامة الحدود وركنت على قوانين باطلة وأهواء عاطلة واعتمدت على قوة شدتها وبأسها وكان حال هذه الدولة حال من وصفهم الله بقوله جل وعلا (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) ومن وضع شريعة الله ورسوله وضعه الله وهكذا الاتضاع بعد الارتفاع كما جاء في الحديث (حقا على الله ما رفع شيئا الا وضعه). فمن وضع شريعة الله خذله الله وأهانه وأنزل عليه بأسه ونكاله

١٤١

حرب الجرداء

ولما كان يوم السبت سادس عشر شهر محرم (وقع حرب الجرداء) وهو اسم محل جنوب صنعاء بمسافة ساعة ونصف وهو حرب مشهور كانت القرية ملؤها من العرب وهم قوم كثير وأجمع رأيهم على ترك الرمى وعدم الحركة فكثر الرمي من الاتراك بالبنادق والمدافع ولما طال الوقت ولم يسمعوا في القرية حسا ولا حركة ظن الاتراك أن العرب قد هربوا وتركوا القرية خالية وكان رئيس الاتراك في هذا الموقع علي باشا من الاتراك ومن أعوانهم من العرب عبد الوهاب بن راجح رئيس ارحب ومقبل ابن يحيى أبو فارع رئيس حاشد ومقبل دغيش رئيس بنى الحارث والسيد محمد الشّويع رئيس ضلاع ، والشيخ علي بن محمد البليلي رئيس صنعاء فأشار الجميع على هجوم الاتراك للقرية لأخذ ما فيها وكان العرب كامنين هنالك وظن الاتراك أنهم سيأخذون غنيمة عظيمة من تلك القرية فلما وصل الاتراك الى القرية خرج العرب خرجة رجل واحد وبأيديهم السلاح من السيوف والمدى والخناجر التى تسميها أهل اليمن الجنابي ، فوقعت في الاتراك قتلة عظيمة وأخذت العرب ما معهم من السلاح ولم يسلم منهم الا جزء

١٤٢

يسير فرّ نحو صنعاء وقد أصابهم غاية الذل والفشل والفزع والوجل. وكان الرئيس على العرب ويسمى المقدمي في هذه القرية السيد محمد بن الامام المتوكل محسن ثم عظم الحصار على صنعاء من جميع الجهات ، وفي صنعاء من الاتراك عساكر كثيرة وكلما خرج الاتراك الى جهة لطرد العرب رجعوا مهزومين ذليلين مقهورين

حرب الجراف

ثم خرج الاتراك الى الجراف شمال صنعاء بمسافة ساعة ووقع بينهم حرب عظيم ثم وقعت فيهم قتلة عظيمة ثم ولوا مدبرين الى صنعاء وتبعتهم القبائل الى شعوب ثم لم تزل المحاربة حول صنعاء كل يوم وكل ليلة والعرب يهمون بالهجوم على صنعاء ولو لا لطف الله بالضعفاء والمساكين من أهل صنعاء من هجوم القبائل لصنعاء كانت ذهبت الأموال والأنفس البتة. وكان القبائل المحاصرون لصنعاء من جميع الجهات نحو سبعين ألفا من جميع القبل والمغارب والمشارق ومن حاشد وبكيل وذي محمد وذي حسين وبرط وغيرهم

ومن فضائل صنعاء أن في هذه المحاصرة بعد اجتماع هذه

١٤٣

القبائل على صنعاء الذين ملؤا السهل والجبل فعلوا لهم سلاليم في حدة في غاية الطول لأجل الصعود على سور صنعاء فأخبرني جمع من المحاصرين من القبائل أن في بعض الليالي عند قربهم للسور للهجوم على صنعاء تارة يشاهدون حول صنعاء بحرا وأحيانا يشاهدون حوله نارا ، وأحيانا ظلمة مفجعة ، وأحيانا يرون السور الى عنان السماء ، وأحيانا يرون السور يبرق أسلحة مفزعة يحصل منها الرعب الشديد فيتأخرون عن ذلك وفي النهار يرون السور كالعادة فيعزمون أن في الليل لا يتأخرون عن ذلك أبدا وفي الليل يشاهدون ما ذكر وفي النهار يرونه المعتاد وهكذا ، وكان نية القبائل نهب الضعفاء والمساكين ويصيحون حول صنعاء بهذا ويعتقدون أن أهل صنعاء هم المساعدون للاتراك على كل ما صدر منهم من ظلم وفجور

ويعتقد الاتراك أهل صنعاء هم المهيجون للقبائل وكلهم أشقياء وعرب فوقع أهل صنعاء بين فئتين. فلما علم الله تعالى بفساد نية القبائل وخبث طويتهم وضعف أهل صنعاء أهل الصلاة والصيام والتضرع الى الله تعالى بالفرج خيب الله آمال القبائل وأنزل عليهم الذلة والمسكنة في البكور والاصائل وكان أهل صنعاء

١٤٤

يبتهلون الى الله تعالى بالدعاء في المساجد وتلاوة القرآن وقراءة يس بصوت واحد بين العشائين في كل ليلة وفي كل مسجد وعقيب صلاة الجمعة وحصل للناس ضيق شديد بالحصار لعدم الطعام فمن كان له طاقة وقدر على الصبر ومعه ما يقوم بقوته هو وأهله قعد في صنعاء مع الخوف. وقد باع الناس أموالهم وأمتعتهم بثمن رخيص في قيمة قوت لهم ومن لم يقدر على الجلوس في صنعاء خرج هو وأهله وظن أنه يخرج من الظلمات الى النور فاذا خرجوا التقاهم القبائل الذين عاثوا في الأرض فسادا وبغوا على امام الحق بغيا وعنادا فيما أمرهم به من تأمين الطرقات وإعانة الضعفاء والمساكين وإغاثة الملهوف والمكروب من المسافرين ارتكبوا أنواع الفضائح وأغضبوا الرب تعالى بفعلهم القبائح ، هتكوا الأنفس والعروض وتركوا الواجبات والفروض أولئك لهم خزي في الدنيا ، لهم في الآخرة عذاب عظيم. كلما خرج اسان؟؟؟ من صنعاء نهبه القبائل وأخذوا ما معه وان وجدوا امرأة هتكوا عرضها ، وبهذا نال الناس شدة عظيمة ومصيبة في الدنيا فاقرة يخرج الناس من صنعاء من الخوف الى الخوف أو يفروا من الموت الى الموت ولا زال الامام ومن تحته من رؤساء الاجناد

١٤٥

ينهى القبائل عن هذه الفضايح فلما علم الله بأحوالهم وقبيح أفعالهم خذلهم الله وسلط عليهم هذه الدولة العثمانية وقد عرفت فيما تقدم ان سبب خروج الترك الى اليمن عدم طاعة القبائل للائمة السابقين وعصيانهم لرب العالمين وفي خلال المحاصرة تعين واليا على اليمن

حسن أديب

ومدة هذه المحاصرة لصنعاء شهرين ونصف وبعد تعيينه لم يخرج اليمن ثم تعين واليا لليمن وخرج بعساكر كثيرة

أحمد فيضي باشا

وكان في آخر المحاصرة لصنعاء فلما وصل الى مفحق تجمعت العرب من بلاد البستان والحيمة وتلك الجهات ووقع حرب شديد وقتلة عظيمة ثم دهم بالعساكر نحو صنعاء فلما وصل سوق الخميس وقع حرب عظيم وذهبت نفوس كثيرة وسوق الخميس بلد بينها وبين صنعاء غربا مسافة يوم فمع فساد نية القبايل وارتكابهم المحرمات حاق مكر الله بهم ولا يحيق المكر السيىء الا بأهله فلم يزالوا ينهزمون للاتراك من محل الى محل وأصابهم الخوف والوجل والذل والفشل وكلما وصلوا الى محل هرب أهل ذلك المحل حتى دخل

١٤٦

الوالى صنعاء ومن معه من العساكر وعم الناس السرور والفرح وزال عنهم البؤس والترح فأمر الوالى بالعفو العمومي ويرجع كل الى محله وهو آمن فطاعت جميع البلاد التى حول صنعاء خلى جدر في الشمال الغربي من صنعاء بمسافة ساعتين وهى قريتان بفتح الجيم وكسر الدال المهملة فخرج طائفة من العساكر مع الضباط ومعهم من رؤساء العرب عند الدولة الشيخ علي البليلي وكان عند الدولة في رتبة باشا وسيأتي ذكر قتله فنهبوا ما وجدوا في القريتين وأحرقوهما وكان هؤلاء أهل جدر قد عاثوا في الارض فسادا وقطعوا الطرقات وأخافوا السبل وهم أول من عصا الائمة الذين باليمن قبل الاتراك وانتهبوا بيوت الاموال فانزل الله عليهم البأس والذل والنكال

خراب الروضة

(وأما سبب خراب الروضة) وهى مدينة شمال صنعاء بساعة ونصف وقعت فيها آيات وعبر يعتبرها أولو البصر الاولى نزل سيل من سعوان خرّب الروضة وعبث فيها عبثا عظيما حتى سد غيل المهدي وأخرب السواقي (والثاني) حدوث الطائر الخفاش ويسمى في اليمن الزرط يظهر في الليل ويختفي في النهار فهذا الطائر

١٤٧

تسلط على العنب تسليطا عظيما لم يعهد مثله

(والثالثة) دخول القبائل العصاة نهبوا ما فيها وخربوها وهذا سبب كفر النعم وارتكاب المحرمات المؤدية لنزول النقم منها تبرج نساء أهل صنعاء في أيام الخريف ويتباهين في لبس الثياب واظهار الزينة والخروج الى البرية واسماع الرجال أصواتهن وأصوات الخلاخل وأما الرجال فيخرجون الى البرية والى الجبال حول الروضة فيحضرون آلات الملاهي وجميع المطاعم والمشارب ويحصل عند ذلك منكر عظيم من الغناء وغيره والسخرية والضحك ازدراء بنعمة الله وينزلون الى الروضة بعد صلاة العشاء وهم يزمرون والغنا والرقص فعوقبوا بهذه الآيات وفي هذه السنة في بندر الحديدة وقع طاعون عظيم وموت ذريع (ولما بلغ السلطان) قتال أهل اليمن وثورة القبايل أرسل بمكتوب الى الامام المنصور بالله مضمونه الكف لسفك الدماء ولا طاقة لقتال العساكر السلطانية مع قوة البأس والشدة وان دخول الامام تحت طاعة السلطان أولى ويجري له في كل شهر ماهية جسيمة وله مرتبة عظيمة فلما وصل المكتوب (أجاب الامام المنصور بالله) ما معناه :

١٤٨

ما خرجنا من صنعاء لطلب الملك والرياسة الا لنصرة شريعة جدنا والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومنع ظلم الرعية من المأمورين وارتكاب المحرمات وشرب الخمور وظهور الزنا والفجور وترك الحدود التى أمر الله بها من القصاص وقطع يد السارق وجلد الزاني وغير ذلك مما أبطلها القانون المخالف للشريعة المطهرة وفي آخر المكتوب انه قد تحتم الوجوب على الامام بالقيام لظهور تلك المنكرات والتنفيذ للشريعة المطهرة واقامة الحدود وانصاف المظلوم من الظالم ثم مدح السلطان غاية المدح لمحافظته على الاسلام وسد الثغور ثم ذكر ظلم المأمورين وأفعالهم وذكر فضائل العترة وما يجب لهم. (ثم فعل مشايخ صنعاء وأعيانها) مضبطة الى حضرة السلطان فيها ذكر المظالم والمنكرات التى في اليمن

واعلم أن هذه الوقعات العظيمة والقتلات الفخيمة التى وقعت في اليمن أثرت تأثيرا عظيما في عدن والحديدة التى هى سواحل البحر الاحمر حتى ضعفت التجارة وتغلقت الدكاكين

واعلم أن علماء الفلك ذكروا أن سبب هذه الفتن وسفك الدماء في أرض اليمن هو مقارنة زحل والمريخ واحتراق الزهرة بالشمس وعطارد والشمس وان بسبب هذا وقع التأثير

١٤٩

من حدوث هذه الفتن في أرض اليمن وهذه الكواكب مخلوقة منقادة لامر الله لا تأثير لها ولا قدرة لها بل هو الله جل وعلا المتصرف في ملكه كيف يشاء على حسب ما تقتضيه الحكمة الالهية وانما قران الكواكب لبعضها في برج مخصوص ودرجة مخصوصة علامة لما يقع في علمه تعالى فسبحان الذي أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا

ثم لما كان في ٢٣ شهر ربيع آخر خرجت للدولة أرزاق من الارز والدقيق والاسلحة والبسة للعساكر وغير ذلك حمل مائتى جمل من الحديدة فلما وصلت الى حجرة ابن مهدي شرقي مناخة بمسافة أربع ساعات التقاها القطيع ومعه جماعة من الحيمة فأخذوها وأخذوا البوستة وقطعوا سلك التلغراف ثم خرجت العساكر الى الحيمة وجرى الحرب مدة طائلة وانتهى الحرب بعد ذهاب نفوس كثيرة وخربت قرى التى أحرقتها الدولة احدى عشر قرية

(ومن الآيات الباهرة) في آخر شهر رجب من هذه السنة انه سمع دوي من السماء كالرعود القاصفة وحصل ارتجاج في الارض وفي خولان عقيب هذا الدوي سقطت حجرة من السماء وأخربت بيوتا من بنى سحام

١٥٠

وفي شهر شوال بعد عزم الحجاج للسفر جمع المشير احمد فيضي جميع العساكر يريد الدخول الى بلاد حاشد فعزم بالعساكر الكثير والجمال الكثير حاملة للزاد والذخيرة من آلة الحرب من المدافع والبنادق والرصاص وصحبته من المشايخ والعقال وبعد وصوله طرف بلاد حاشد أرسل لرؤساء القبائل الذين يسمون العقّال بضم العين جمع عاقل وهو رئيس القبيلة فأرسل للمذكورين لكل واحد كسوة ودراهم بما يليق به من درجته وأهميته وهكذا كان كلما وصل الى محل فعل ذلك فلما وصل الى بنى عبد وقع بينهم حرب شديد وآل الامر الى نهب أموالهم وخراب دورهم وكلما تقدم الى بلد من تلك البلاد جرى بينهم الحرب الشديد فالعرب في الهزيمة الى أن وصل الى محل الامام المنصور بالله محمد بن يحيى حميد الدين الى القفلة قفلة عذر وهي في بلاد حاشد وكان الامام قد هرّب الاموال والسلاح والذخاير فلما وصل الوالى الى هنالك ارتفع الامام الى جبل هنالك فرجع الوالى خائبا بخفي حنين وقد اذهب تلك الاموال والذخاير بلا طائل وحصول فائدة وذهب جملة من العسكر قتلا في الطريق

١٥١

وفي تلك المدة كان الشيخ علي المقداد في قضاء آنس (١) قائما حق القيام بمحاربة الحكومة ومطاردة المأمورين وعساكر الدولة وقضاء آنس يشتمل على مخاليف وكان معه طائفة من مشهوري الرجال بالشجاعة والبسالة ولم يزل هو وجماعته يغزو مراكز الحكومة في جميع مخاليف آنس وكلما غزاهم أخذ أسلحتهم وأرزاقهم وأذاقهم سوء العذاب وذهبت نفوس كثيرة تارة وهو في مخلاف جبل الشرق وتارة وهو بحمير وتارة وهو في بنى خالد وبينما الدولة وقد جهزت له قوة كبيرة وجاءتهم الاخبار أنه بات في بنى قشيب فتأتي عليه فلم تجده فما يأتي الصبح الا وقد جاءت الاخبار أنه غزاهم في ضوران وفي المساء وهو في جبل عانز. وهكذا جرت سنين كثيرة والبلاد والحكومة في غاية التعب وصارت البلاد في خراب وكلما دخل المذكور الشيخ علي المقداد قرية الا ودخلتها الحكومة وأحرقتها بعد نهب ما فيها حتى خربت في هذه البلاد ثلثمائة قرية وبعضها من القرى المشهورة بالعلم والعلماء وتدريس العلم

__________________

(١) آنس في الجنوب الغربي من صنعاء بمسافة ثلاثة أيام وهي بلاد واسمة. ا ه

١٥٢

سبب قيام الشيخ علي المقداد على الدولة

أنه كان للدولة عونا عظيما وناصرا كبيرا قائم بالجد والاجتهاد فجاء أحد قواد الاتراك ممن يسعى بالافساد بين العرب والترك ولا يعرفون شيئا من العدل والسياسة فدعا الشيخ علي المقداد وأمر العسكر بربط الشيخ بعجلة المدفع وحصل له من الاهانة ما لا مزيد عليه وكسرت يده وكادت روحه تخرج من صدر ثم فكه وقداغمى عليه فلما أفاق عاهد الله تعالى أن يقف حياته وأولاده لمحاربة هذه الشجرة الظالمة الباغية وباع نفسه من الله في الجهاد مع امام الحق فلما علمت الحكومة أسرعت الى احراق بيوته ولم يزل قائما بالمحاربة نحو ثلاثين سنة الى أن توفي سنة ١٣٤٠ ه

ففي هذه المدة لما عزم الوالي الى بلاد حاشد أرسل الوالي الى آنس الشيخ علي البليلي من رؤساء صنعاء وقد تقدم ذكره وأرسل معه عسكرا كثيرا وجعل الجيش كله تحت أمره فلما وصل الى بلاد آنس وقع حرب شديد في مخلاف بنى قشيب شرقي سوق الجمعة فاصيب الشيخ علي البليلي برصاصة في رأسه فقتل وحز رأسه وأرسلوا برأسه الى الامام المنصور بالله وكان مع الشيخ علي البليلي ابن أخيه الشيخ

١٥٣

علي محمد فوصل الى صنعاء في أوائل شهر الحجة وأتى بخبر قتل عمه وارسل أخوه الشيخ محمد تعزية الى الوالي وهو في بلاد حاشد وكان الشيخ على من القائمين مع الاتراك حق القيام من أول دولتهم بالجد والاجتهاد والعناية التامة على طبق المراد. وكان الشيخ علي عضدا لاهل صنعاء وعونا لهم عند الدولة وكان كريما سخيا يحب السادة وأهل العلم وكان من أهل الخير والصدقات ومحبوبا مقبولا عند الدولة ومع هذا كان أميالا يقرأ ولا يكتب وكان يسمى عند الدولة علي باشا وقد جرت عليه أهوال شديدة مع الشيخ محسن معيض رئيس صنعاء قبل وصول الاتراك الى صنعاء وحبس أخيرا في أيام الوالي مصطفى عاصم فلما قتل أثر ذلك في الاتراك تأثيرا عظيما وحزن عليه الناس. ثم قام أخوه الشيخ محمد رئيسا على البلدية والتزم الجمرك وأرزاق الدولة وحصل له كمال الثروة وكان كثير الخيرات والصدقات أعظم من أخيه ومحبوبا عند جميع الناس وكان مرتبا ليلة الاثنين والجمعة ناسا من الفقهاء والفقراء لدرس القرآن دائما حتى توفي

وبعد وقوع هذه الفتنة في اليمن أمر الوالي أحمد فيضي بعمارة حصون فوق الجبال المحيطة بصنعاء ويسمى الاتراك الحصون القليع

١٥٤

جمع قلعة. ثم دخلت :

سنة ١٣١٠

والامطار والحبوب كثيرة والخيرات عامة في جميع اليمن ووقع للعساكر طاعون شديد حتى لم يبق الا شىء يسير وفي شهر ربيع آخر ظهرت الجراد وأكلت الا كثر من الثمار

وفي نصف هذا الشهر وقع كسوف قمري وفزع الناس للمساجد للاستغفار والتضرع الى الواحد الماجد. وفي آخر هذا الشهر أرسل السلطان الى اليمن كاشفا ينظر اليمن وأسباب هذه الفتن فوصل الى صنعاء ومكث مدة ورجع ، ثم أرسل الوالي أحمد فيضى العلامة عبد الله بن علي الحضوري الى الامام المنصور بمكتوب لاجراء الصلح بينه وبين السلطان فوصل الى الامام وطلب الامام من الحكومة العثمانية اقامة الشريعة والحدود وترك القانون فلم تساعد ولم يقع صلح

وفي شهر جمادى الآخرة ترجح للوالي المذكور حبس جماعة من السادة والفقهاء والفضلاء والمشايخ ، فمن السادة السيد يحيى الكبسى المشهور بالهجوة ودخل معه باختياره نجله السيد الصفي أحمد والسيد محمد الظفري ومن الفقهاء العلامة محمد بن حسن دلال ومن

١٥٥

بيت الارياني ومن القضاة بنى الحرازي وجماعة من القبائل وهؤلاء كانت لهم مكاتبة الى الامام المنصور وبعضهم كان ذهب هنالك لدى الامام ومنهم الحاج سعد الدين الزبيري وكان صالحا فاضلا وذنبه أن الامام المنصور كان متزوجا بابنته ودخل معه حفيده محب ابن محمد الزبيري وجملتهم خمسة وخمسون رجلا وأرسل بهم الى الحديدة. وفي ذلك اليوم أرسل الوالي الى العلماء الى جامع البكيرية وأعطاهم ساعات إرضاء وتسلية لانه حصل للناس بحبس المذكورين فزع عظيم ووجل فخيم ثم وصل المحابيس الى أزمير ثم نقلوا الى رودس ومكثوا هنالك ووصلت منهم مكاتيب الى أهلهم الى اليمن أنهم في غاية من الراحة خلى فراق الاهل والوطن وقد تزوجوا هنالك ورزقوا أولادا وكان أعظم ذنب لدى الدولة العثمانية من كاتب الى الامام وكان في سجن صنعاء محابيس كثيرة بهذا الاسم في أيام هذا الوالي ومن بعده وكان القانون أنه يحبس حتى يموت

وفي شهر شوال خرج الوالي من صنعاء يدور الى جميع بلاد اليمن لكشف حاله ورجع في شهر الحجة

ثم خرج أربعة عشر رجلا من لدى السلطان مفتشين

١٥٦

يكشفون حال اليمن وبعد مدة رجعوا وفي هذه الاشهر كان الجدب والقحط في صنعاء وما حولها لعدم المطر فخرج الناس للاستسقاء صغارهم وكبارهم ودوابهم ثم رجعوا وقد أغاثهم الله بنزول الامطار

وفي عيد الاضحى من هذه السنة المذكورة وجد في صنعاء في باب اليمن من داخل صنعاء وفي سوق الابيض وفي شرارة حفائر تلتهب نار حتى صار التراب وما حوله رماد أسود وفي تلك السنة وقع في مكة فناء عظيم وذلك في يوم عرفة الى آخر أيام التشريق وفر المحمل الشامي من منى خوفا من الموت ثم أعقبهم الموت ولم ينفعهم الفرار وتعطلت منى من الحجاج ولم يبق من الناس إلا شرذمة قليلة وبقى الموت الى بعد الحج ثم دخلت :

سنة ١٣١١

والامطار قليلة والاسعار غالية وأما ثمرة العنب ففيها صلاح عظيم

وفي هذه السنة ظهر النصراني الملتزم لرسوم التنباك ولا يكون بيعه إلا على يده فشق على الناس ذلك وحصل لهم الضيق لحصره واحتكاره في يد المذكور ولا يبع أحد التجار حتى يشتري منه واذا شرى من غيره صادره وأخذ أموالا كثيرة فكتب

١٥٧

الناس شكية وأرسلوا بها الى السلطان عبد الحميد فرجع الجواب بتخليته فازداد هذا الملتزم عتوا ونفورا وشدة وفجورا واستطال على المسلمين وفتح البيوت للتفتيش وجعل له أعوانا على أبواب المدينة وكذا في جميع اليمن

ثم دخل شهر رمضان من هذه السنة والامطار قليلة والاسعار غالية واهل صنعاء في ظلم شديد من جهة مأمور خبيث اسمه (مرزاح) فوّضه الوالي فلا زال يحبس هذا ويضرب هذا ويشتم هذا والشريف عنده والوضيع على سواء وملأ الحبس ظلما وعدوانا ولا يمضي يوم واحد إلا وقد ضرب جملة من الناس ومن كان بين أحد المأمورين ملوكية أو عسكرية حزازة أو نفسانية أحضره الى هذا المأمور وبعضهم يباشره بالضرب من دون سؤال فلما كثر الظلم من المأمورين الاتراك في جميع اليمن صنعاء وغيرها والمجاهرة بالفسق وارتكاب المحرمات تصدى جماعة خفية من اليمنية لدرء؟؟؟ هذه المظالم في صنعاء وغيرها من المراكز التى فيها الاتراك والظلم والفسق بوضع البارود في الليل ويرمونه في ثقب في أسفل البيت من بيوت المأمورين الذين عم ظلمهم ثم يعلقونه بالنار من بعد فيصعق البيت وينهدم بمن فيه ثم لم يحصل تلف من

١٥٨

النفوس إلا في بيت واحد في معبر وبيت في الروضة في شارع السباعي فقط وبقية البيوت ينهدم جانب من البيت فقط أو يحصل الفزع فقط ليرجعوا عما هم فيه ولم ينجع فيهم. ومن ظلم الحكومة اذا حصل ذلك في أي حارة ترجع الحكومة على الجيران وتحبسهم. ولما كان يوم الخميس ٢٤ شهر الحجة الحرام من السنة المذكورة وقت الظهر صعقت (المحكمة الشرعية) بالبارود وفيها القاضي وأعضاء المحكمة والكتاب وجماعة متخاصمون ثم فروا منها وسلموا وتخلخلت وحصل فيها خراب ثم فزع الوالى ومن لديه من المأمورين وكان في بيت الحكومة وكان متصلا بالمحكمة فأمر الوالى بحبس جميع من كان موجودا بالمحكمة من الاعضاء وشهداء الحكم والكتاب والمتخاصمين ما عدا الحاكم فانه كان تركيا وكان من حق الوالي على عادته حبس الجيران أن يحبس من في الحكومة لأنهم جيران المحكمة ثم بعد ثمانية أشهر خرجوا بعد الاهانة بالقيد والتعنيف والتهديد. ثم بعد المحكمة صعقت (دائرة البرق والبريد) ولم يحصل تلف بل حبس الجيران فقط. وكان في هذه السنة أمر صنعاء بيد (مرزاح) المتقدم ذكره وياور الوالى (محمد هاشم) رجل شامي وكان الحل والعقد بيد الياور أما باب الارتشاء والفسق فقد بلغ

١٥٩

الغاية. وفي هذا الشهر شهر الحجة تولى نظارة الوقف الداخلي السيد الجمالى صاحب الذكاء والكياسة علي بن محمد المطاع وكان خليلا للياور المذكور. ودخلت :

سنة ١٣١٢

وكانت الاوقاف هاملة والقبائل متغلبة عن إيفاء حاصلات أراضي الوقف لعدم الضبط من الحكومة فلما تولى الناظر الجديد للوقف وبصداقة الياور المذكور ضبط الاوقاف وحبس المتغلبين وأدبهم وأمر العمال باجراء الحساب وإحياء المساجد بالعمارة وتجصيصها وفرشها. ولما كان في شهر ربيع الاول وقع برد شديد خارق للعادة فأضر الزرع ونقصت الغلات وارتفعت البركات وكل ذلك سبب الذنوب والزلات وغلت الاسعار وقلت الامطار والدولة كلما وصل طعام الى السوق أخذوه فبقى الناس في ضيق وتعب شديد

وفي شهر رجب أمر ناظر الاوقاف بتجصيص الجامع ونزع فراشه القديم وكان له سنين عديدة من نزع الفراش ثم فرشه بفراش جديد وأعانه على هذه المحسنة الشيخ محمد البلبلي بخمسمائة ريال. وفي هذه السنة وقع فناء عظيم في الحجاج. ثم دخلت :

١٦٠