تاريخ اليمن

الشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسعي اليماني

تاريخ اليمن

المؤلف:

الشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسعي اليماني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المكتبة السلفيّة
المطبعة: المطبعة السلفيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٩

للاوطان والديار مهاجرا مقربا للفضلا. شديدا على الفسقة من الملا. وعلى شيخنا ومن تباعد عنا آثامها وان كان جاهلا لسيرة الأئمة كلهم فغير مسلم ان لا يعرف سيرة واحد منهم وهل ثبت الدّين بغير السيف. كما لا يستقيم الشتاء بغير الصيف. وهذا علي بن أبي طالب واولاده هات لى اماما قام معه الاعوجاج وسلك مختلفات الفجاج. ولم يجرد سيفا. بل يعده أهل العلم أنكب حيفا. فماذا تنكرون. وعلى ماذا تعولون. فاذا كان ذلك من الفتن المتمادية فالأئمة كلها ضالة غير هادية. فاعقل عقلك وانظر الى أين رجلك فأنت أنت المسئول. وكل مسئول لا بد أن يقول. وذكرتم انا نعرف الأخ الضيا. فاقول حقا وانفث صدقا عرفته خليلا يجللنى ويقدمنى وانت شاهد فما عدا مما بدا فلم حكمت وحالى ذلك في تقديم الاوصاف واستغفر الله هنالك بوجوب الدخول في بيعته وهلا حكمت بالدخول عليه بل ظننت أن ليس لك في مبايعتى وقضيت ببيعته فحكمت بالهوى. وما قسمت بالسوى. بل كنت أحلك محل الحاجب من العين. واحكم بتقدمك عندى حكم قضاء اوجب الدين. وذكرت أن المصلحة اذا عارضتها مفسدة طرحت فنقول بموجبه فان ترك تجريد السيف وقتل الفساق والبغاة مهدمة للدين

٨١

فهي مفسدة عامة وبقاء النفس المفردة والمال مصلحة خاصة والمصلحة اذا عارضتها مفسدة طرحت ان سلمت والا كنت قد اعترضت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قتله وغنائمه وعقوباته وعلى جميع ائمة الآل. (نعم) ثم ذكرت اذا لم تبايع الاخ الضيا انقلب الأجر عقوبة فأقول لك والله قسما ان لم ترجع الى جمع الكلمة والحكم على من استحق المقام بالموالاة انقلب الأجر عقوبة. هذه نصيحتى لشيخي واما الاخ الضيا فقد نصحته وهو ارجو الله قمين بالاستنصاح. وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين. انتهى الجواب مختصرا

ثم بعد ذلك وقعت المحاصرة الشديدة لصنعاء من جميع القبل وغزا القبائل الى بستان المتوكل وأخذوا جميع ما فيه ولم يتركوا الا الدور خاوية فلما سمع العباس وكان في بستان السلطان أخذ ما في البستان ودار الطواشي وجميع آلة الملك ومن معه من العساكر والامراء وتحصن بالقصر وبقيت الفتنة وسط صنعاء والرمي من صنعاء الى القصر وصار الناس فريقين فرقة مع المنصور بالله احمد بن هاشم وفرقة مع العباس المؤيد ثم آل الأمر الى الصلح

٨٢

وثم الملك للمنصور بالله وبايع العباس ومن معه من السادة والعلماء وبايعوا المنصور بالله احمد بن هاشم

سنة ١٢٦٧

وبعد دخول السنة السابعة بعد الستين أمر المنصور بالله بحبس العباس فلما حبس خرج علي بن المهدي من صنعاء خوفا من المنصور بالله وتبعه جماعة من العلماء منهم القاضي العلّامة أحمد بن محمد الشوكانى (١) والقاضى عبد الرحمن العمراني وغيرهم الى الوادي (٢) ولم يزالوا يرجفون على المنصور بالله ويجمعون القبائل واقاموا السيد علي بن المهدي وتلقب بالمتوكل فبلغ ذلك المنصور بالله فغضب عليهم وأمر بأخذ ما في بيوتهم التى في صنعاء ثم سقط الامر وتغلب القبائل وكان الملك في تهامه للاتراك وحراز للمكرمي صاحب نجران وأسفل اليمن لقبائل بكيل ثم انقطعت السبل وكلما عزم المنصور الخروج لمحاربة السيد علي بن المهدي لم يساعده أحد من القبائل ثم أحاطت على صنعاء من جميع القبل لمحاصرة المنصور بالله فهجم القبائل على سور صنعاء ودخلوا وكانوا ستة آلاف رجل فدخلوا بئر العزب ونهبوا جميع ما فيها ولم يتركوا الا الاحجار

__________________

(١) هو ابن شيخ الاسلام العالم المشهور

(٢) هو مشهور بينه وبين صنعاء في الشمال العربى ثلاث ساعات

٨٣

والقبائل لا تزال تصل للحصار والنهب من كل جهة ثم نكث أهل صنعاء مبايعة المنصور بالله لما روا من سوء الحال واتبعوا راي السيد علي بن المهدي وضربوا بشائر الطاعة ولم يبق في صنعاء الا بستان السلطان محتازا هنالك المنصور وحاكمه القاضى أحمد ابن اسماعيل القرشى وجماعة قليلة ثم خرج المنصور خيفة وحاكمه الى دار اعلا بلاد ارحب شمال صنعاء بمسافة يوم. (ثم خرج من صنعاء) الى الروضة وهي شمال صنعاء مدينة مشهورة بمسافة ساعة ونصف السيد غالب بن محمد بن يحيى واظهر دعوته (وتلقب بالهادي) في شهر شوال في السنة المذكورة. ولم تزل الفتن قائمة وانقطاع السبل والشقاقات ثائرة ثم دخل الهادي صنعاء واستولى عليها ولا اراق دما ولا أذهب مالا. وفي هذه السنة هبت ريح الطاعون في مكة المكرمة فى موسم الحج يوم النحر وثانيه وثالثه وفنى خلق كثير وتركت أموالهم وخيامهم لله الواحد القهار. ومن ذلك ان امرأة من مصر من ذوى الملك وكان معها اربعمائة مملوك واربعمائة خادم وأموال كثيرة فهلكت تلك المرأة ومن معها جميعا ولم يبق واحد منهم

٨٤

سنة ١٢٦٨

دخلت هذه السنة وجميع جهات اليمن فاسدة والفتن قائمة والسبل خائفة والشرائع عاطلة ثم عزم الهادي الى بلاد حراز لمحاربة المكرمي فحاربهم وأخذ عليهم مناخة وهي في الجهة الغربية من صنعاء بمسافة يومين ثم حصلت المخادعة من أهل حراز باعطاء رؤساء عساكر الهادي دراهم كثيرة فتكاسلوا عن محافظة مناخة ورجع المكرمي وأخذها ثم عزم الهادي الى جبل حفاش في الجهة الغربية من صنعاء بمسافة أربعة أيام وهو يدعوا الناس في تلك الجهات والتهائم التى هى غربا الى طاعته والسيد علي ابن المهدي في مدينة يريم جنوب صنعاء بأربعة أيام يدعو الناس الى نفسه والعباس بن عبد الرحمن في قرية ضلاع همدان بينها وبين صنعا غربا أربع ساعات يدعو الناس الى نفسه. ثم انتهض العباس ابن المتوكل احمد من مدينة ضوران وهي بمسافة يومين من صنعاء جنوبا ودخل صنعاء والحفظة التى في بستان السلطان من لدى الهادي غالب بن محمد رغبوا في مبايعة المهدي العباس ابن المتوكل. ثم افترق الناس فرقتين فرقة على ما هم عليه من مبايعة الهادي السابق وفرقة مع المهدي العباس. ثم اشتعلت نار الحرب في صنعاء بين الفريقين وترتبت العسكر في المناير والدور الكبار فالجانب

٨٥

الشرقي من صنعاء مع الهادي والجانب الغربي من المناير والدور الكبار مع المهدي. وانحصر الناس في بيوتهم وتغلقت الاسواق والمساجد وتغلق الجامع الكبير نحو شهرين ولم يزل نائب الهادي في صنعاء السيد احمد بن عبد الله أبو طالب يبعث برسل الى الهادى الى حفاش يحثه بالمبادرة الى صنعاء ثم دخل صنعاء والمهدى ومن بايعه ارتحل عن صنعاء الى قرية ضلاع همدان. وفي هذه الفتنة تخربت بعض الدور الكبار في صنعاء نحو دار المحداده ودار الحجر في الوادى وحصل خراب بستان السلطان وبستان المتوكل وتم ملك مدينة صنعاء للهادي غالب بن محمد وأما خارج صنعاء فلم ينفذ له أمر وصارت كل جهة متغلبة عن الطاعة. وهاجر أعيان العلماء من صنعاء الى خارجها من المدن الكبار نحو صعدة وشهارة وحوث وذمار وزبيد وكان مع الهادي وزيرا الفقيه محمد بن احمد العفّاري والفقيه علي بن عبد الله الآنسي عاملا على صنعاء كرئيس البلدية وحاكما القاضي العلامة أحمد بن محمد الشوكاني ثم لم تزل الفتن من القبائل خارج صنعاء

سنة ١٢٦٩

وفيها حصل فتنة بين الهادي والسيد احمد بن عبد الله أبي طالب

٨٦

وكيل الهادي في غيابه في حفاش وحصل الحرب في صنعاء ثم آل الأمر الى أن خلع الهادي نفسه. وفي هذه السنة توفي المنصور بالله احمد بن هاشم في تسعة عشر شهر شعبان وصلى عليه الامام المتوكل محسن بن أحمد الشهاري. وكان عالما فاضلا ودفن في دار أعلا بلاد ارحب ثم بعد خلع الهادي نفسه أظهر الدعوة السيد احمد بن عبد الله أبو طالب وتلقب بالمهدي وبايعه أهل صنعاء وحولها ولم تزل اموره تارة تستقيم وتارة تضطرب. ثم دخلت :

سنة ١٢٧٠

فيها سقط الأمر على المهدي ثم خرج جماعة من علماء صنعاء وأعيانها الى السيد العلامة محمد بن عبد الله الوزير الى السرفي الشمال الشرقي من صنعاء بمسافة ثلاث ساعات وألزموه الحجة فاظهر دعوته وتلقب :

المنصور بالله

وكان قد بلغ في العلم درجة الاجتهاد وحوى من العلوم ما حواه آباؤه الامجاد وصار في عصره رئيس الاعلام وقدوة للسادة الكرام وله رسائل وجوابات مفيدة وهو أعلم أهل عصره ثم بعد المبايعة

٨٧

من علماء صنعاء وأعيانهم ورؤساء القبائل ارسل الى صنعاء السيد علي بن محمد من قرابته وجعله سيفا أي سيف خلافة ويسمى سيف اسلام وهذا لقب لمن يكون وكيلا للامام وجعل له وزيرا السيد محمد بن علي الشامي ثم دخل السيف والوزير الى صنعاء ونظما امورها وبذلك سكنت الفتن وأمنت السبل وصلحت القبل ودخلت القبائل تحت الطاعة ثم دخل المنصور بالله صنعاء في سابع شهر صفر وصعد منبر الجامع الكبير ووعظ الناس وحثهم على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإيتاء الواجبات واجتناب المقبحات وعدم التفرق في الدين وانهم أعوان على الخير فلما فرغ من الخطبة صلى الجمعة ثم خرج الى القصر واستكمل البيعة من بقية الناس ثم خرج الى الحيمة وأخرج القبائل المتغلبين هنالك من أرحب وغيرهم وبذلك صلح شأن المسلمين. ولله در بعض الشعراء :

تبجل يادين النبي محمد

بخير إمام قام من آل غالب

سراج بنى الزهرا وأعلا ذوى العلى

وأعلم من تحت النجوم الثواقب

هو القائم المنصور بالله ربنا

هو الفرع من دوح الكرام الاطايب

٨٨

دعا الناس في ليل بهيم فاشرقت

شموس الهدى في شرقها والمغارب

ولاحت بفضل الله أنوار عدله

على رغم أهل البغي من كل جانب

وأضحى سبيل الحق كالصبح ظاهرا

لكل الورى من بعد داجي الغياهب

ولا زال للدين الحنيف مجددا

بعزم منيف صادق غير كاذب

أقام حدود الله فيمن أمامه

وامضاه حتما في العدو المحارب

وهدّم أركانا على الغي اسست

ودمرها قسرا بكثر الكتايب

فدع ذكر كل المجد والفخر يافتى

فما الفخر الا ما حوى من مناقب

فكم من كرامات له قد تبينت

وكم من فخار قد سمت في المراتب

فيا معشر الاسلام ان كان ديننا

على شرعة المختار في كل واجب

٨٩

فنصرته فرض من الله واجب

على العين هذا في جميع المذاهب

بأنفسنا والمال والسيف والقنا

فاحياء دين الله خير المكاسب

لحتى يقام الحق في كل بلدة

ومن رام نصر الحق ليس براهب

ومن ينصر الله العزيز فنصره

عليه ويحظى بالمنى والمطالب

فهذا صريح في الكتاب الذي أتى

به أحمد المختار من آل غالب

عليه صلاة الله ثم سلامه

مدا الدهر ما انهلت مزون السحايب

وآل النبي الطاهرين الذينهم

وسيلتنا يا صاح عند النوائب

ثم دخلت :

سنة ١٢٧١

والامام المنصور بالله في سناع بمسافة ساعتين من صنعاء جنوبا

٩٠

والسيد حسين بن المتوكل في الروضة اجتمع اليه بعض القبايل من بلاد ارحب ونصبوه إماما وتلقب :

بالمتوكل

ثم اجتمعت القبائل من بنى الحارث وارحب شمال صنعاء وقطعوا السبل وحاصروا صنعاء ثم هجموا على الجهة الغربية من صنعاء

ثم من كان في بئر العزب دخل صنعاء ورتبوا؟؟؟ سور المدينة ولم تزل الحروب قائمة من الجهتين. وفي شهر ربيع آخر من هذه السنة خر نجم من السماء في النهار من جهة الشرق وله دوي مفجع فوصل الى البحر مما يلى عدن فوقع فوق سفينة خارجة الى اليمن فاحرقها

(وفي شهر جمادى الاولى) حفر الشيخ مقبل الصّعر شيخ بلاد عمران في خرابة بازاء بيته فوجد فيها بابا. ثم فتح الباب فاذا هو بمكان واسع وفي ذلك المكان تماثيل من النحاس من جميع الحيوانات من بنى آدم والهوام والسباع والطيور. والى ذلك ثلاثة صناديق من الذهب والفضة. ثم بعث بذلك الى الامام المنصور بالله

٩١

ثم لم تزل الفتن قائمة والحروب ثائرة بين صنعاء والقبائل الذين حول صنعاء. ثم اجتمع الرؤساء والمشايخ والاعيان من أهل صنعاء والقبائل على خلع الامامين المنصور بالله والمتوكل وينصبوا لهم اماما السيد محسن بن احمد الشهاري وكان عالما فاضلا فاتفقوا على ذلك ونصبوه اماما (وتلقب بالمتوكل)

وأما المنصور بالله فلم يخلع نفسه ولم يبايع بل عزم من صنعاء هو وأهله الى محله السر وبقى هنالك ، وكان خروجه من صنعاء ٢٧ شهر شعبان وسمعت من بعض المشايخ انه حال خروجه من صنعاء كان يدعو على أهل صنعاء فأعقب ذلك موت البقر وحصل في العنب عاهة تسمى في اليمن الذحل وهو اذا قارب استواء العنب وطيبه اسودت الحبة وتغيرت وفسدت وارتفعت البركة من الطعام بسبب فساد الناس

ثم بقى المتوكل محسن بعد أخذ البيعة في محل حدة في الجنوب الغربي من صنعاء بمسافة ساعتين

(وأما السادة) الذين كانوا ادعوا أولا وخلعوا أنفسهم وذهبت بسببهم نفوس وأموال وحدثت غصص وأهوال فاجتمعوا في الروضة منهم غالب بن محمد بن يحيى والعباس بن المتوكل واحمد

٩٢

ابن عبد الله أبو طالب واجمع رأيهم على نصب امام منهم وقيام الآخرين بالامر معه والاعانة له ويكونون كالبنان أو كالبنيان يشد بعضه بعضا

(ثم قام بالامر غالب بن محمد) وتلقب بالهادي ونهض من الروضة وقد كان مستقرا هنالك من عند وصوله من حفاش. ثم بايعه ناس من بنى الحارث وهمدان. ثم نهض من هنالك ومن معه الى بلاد حضور (ودخلت)

سنة ١٢٧٢

وأحوال اليمن مضطربة وكان أمر مدينة صنعاء الى الحاج احمد بن احمد الحيمي. وفي هذه السنة وقع طاعون في موسم الحج يوم عرفة والناس واقفون ومات خلق كثير. ثم أن الهادي خرج الى الحيمة ووقعت بينهم المحاربة ثم ضرب عليهم أدبا أربعين ألف ريال ثم استولى عليها

والحيمة في الجهة الغربية من صنعاء بمسافة يوم وهي مخلاف واسع ثم دخل صنعاء وصلح شأنه وشأن صنعاء وجعل عليهم وزيرا الحاج أحمد الحيمى. ثم دخلت :

٩٣

سنة ١٢٧٣

وكانت أمور اليمن مضطربة ثم وقعت فتنة بين وزير الهادي احمد الحيمي ووزير المتوكل السيد احمد بن علي الشامى ومكث الحرب بينهما شهرين ونصف من شهر رمضان الى نصف شهر ذي القعدة من هذه السنة وبقي وزير المتوكل محاصرا في سناع وأصحاب الحيمي حول سناع ثم وقع الصلح. ثم وقعت فتنة بين ارحب وهمدان اجتمع من كل نحو ٨٠٠٠ رجل ووقع الحرب بينهما وبلغت المقاتيل من الطرفين نحو ١٠٠ قتيل ثم وقعت الغلبة لهمدان ورجع كل الى بلاده

وفي هذه السنة استخرج الافرنج البابور البري وصار الناس في حيرة من تصديق ذلك لعدم المشاهدة. وفي هذه السنة كانت تصبح الأرض وعليها رماد أبيض ينزل من السماء في الليل وأعقب ذلك فساد ثمرة العنب الذي يسمى في اليمن بالنحل. ثم دخلت :

سنة ١٢٧٤

والقبائل متغلبون ما بعد عن صنعاء وأما صنعاء وما حولها فهي صالحة وأمرها الى الهادى ولكن ليس له من الأمر شىء بل جميع

٩٤

الامور الى وزيره الحاج أحمد الحيمي ثم انشقت العصا بين الهادي ووزيره ثم وقعت من الوزير المراسلة الى السيد علي بن المهدي وكان في دار سلم بلاد سنحان جنوب صنعاء بمسافة ساعة وخرج اليه جماعة من أهل صنعاء ثم اظهر دعوته ودخل صنعاء في شهر صفر من هذه السنة وتلقب بالمهدي فلما علم الهادي وكان ساكنا في الروضة انتهض من الروضة وجمع قبائل ارحب وبنى الحارث ودخل بهم صنعاء فوصل وقد غلقت أبوابها وظهر له التحول عن الطاعة بسبب وزيره فحاصر صنعاء وقطع السبل وعضده على محاصرة صنعاء سائر القبل ثم نهض الهادي الى بلاد خولان ليجمع القبائل وخرج على بن المهدي من مدينة صنعاء الى بلاد الحيمة ووزيره السيد محمد بن علي الشامى جمع تلك المخاليف اليه وصنعاء لم تزل القبائل محاصرين لها ثم لم تزل هذه الفتنة الى شهر ربيع الآخر ثم وقع الصلح على خلع علي بن المهدي وبقاء الهادي ثم اجتمعت قبائل بنى الحارث وبني حشيش وارحب على نصب الامام السابق المتوكل المحسن بن أحمد وعزم الى كحلان مسافة يومين شمالا من صنعاء وأجابته تلك الجهات حجة وما والاها وأما الهادي فأصلح السبل حول صنعاء ووقع الصلح بينه وبين وزيره أحمد الحيمى ثم لم يتم من الوزير الايفاء بالصلح وقد كان

٩٥

الوزير حال محاصرة صنعاء هدم دار الطواشى وكان يبيع ما هدمه من الابواب والطيقان والاخشاب وغير ذلك وكان هدم هذه الدار من المصائب لما فيها من البناء العظيم والزخرفة الباهرة وكان في هذه الدار ثلثمائة وستون منزلا وكانت هذه الدار لم توجد في اليمن وكان يضرب بها المثل في غاية البناء واتقان الزخرفة وفيها من الاحجار النفيسة والفصوص العزيزة الثمينة منها أن المنصور علي بن العباس عند بنائها اشترى صباغات لتلك الدار بسبعين الف ريال وسبعمائة وخمسين ريالا بعملة اليمن والريال في تلك الايام يقاوم مائة ريال بعملة اليوم فلما خربت وأذهبها الحاج أحمد الحيمى صارت هباء منثورا ولم يعلم أين صار مصير أثمان تلك الذخائر من التجارة المزخرفة والجدار المزوقة ولم تصرف في مصلحة المسلمين أو صدقة للفقراء أو تأمين السبل أو كفاية الاجناد لا قوة الا بالله والهادي لم يزل ساكنا في الروضة

وفي هذه السنة بعث الامام المنصور بالله محمد بن عبد الله الوزير رسائل الى جميع بلاد اليمن ومن بعض الرسائل ما لفظها مختصرا :

٩٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

من المنصور بالله محمد بن عبد الله الوزير وفقه الله

الحمد لله عز قائلا (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) والصلاة والسلام على من قال : من خلع يدا من طاعة فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه. (وقوله) : من نكث بيعة امام لقي الله ولا حجة له. وفي لفظ لقي الله وهو أجذم. (وقوله) ثلاثة لا ينظر الله اليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل بايع اماما لا يبايعه الا لدنيا فان أعطاه منها وفى له الخبر. (وقوله) : أطع السلطان وان أوجع ظهرك وانتهب مالك. (وقوله) : ليس لك الا ما طابت به نفس امامك. وعلى آله الذين ابتلوا بمعاناة المسلمين. وأصحابه الذين صبروا ولم يصدهم حب الدنيا والرياسة. (أما بعد) أيها الناس أصلح الله أحوالكم اني قمت بجدي وجهدي في إصلاح العباد والبلاد واخراج كل متعد ظالم وقد اجتمع طائفة للنكث للبيعة وخلع يد الطاعة ونافقوا لكل من لم يعرف شأنهم وغرروا وفعلوا الاباطيل وزخرفوا الاضاليل وصوروا المقالات

٩٧

وقرروا المحالات. وقد جرى من الناكثين خراب الدنيا والدين وفرقوا جماعة المسلمين فانتظرنا أمرنا فكان حسبنا. فخيب الله آمالهم وردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا ولم يبق من الدين إلا رسمه ولا من الاسلام إلا اسمه اشتعلت في اليمن الفتن اشتعال النار في الحطب فعمتهم العقوبات من رب البرية واستحقوا من الله كل بلية (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ). (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ). (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) ألا ومن أعظم المعاصي وأفظع ما جناه العاصي البغي على امام الحق ونكث بيعته ونزع يد الطاعة وتفريق الجماعة فمن درج ودب في ذلك فقد شارك كل عاص وصار هالك (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) ألا وإن دعاء إمام الحق لا يرد وإن أمهل فلن يهمل ولقد دعونا الله بأن يشدّد وطأته على الباغين والناكثين والظالمين وأتباعهم ومن كثّر وسوّد وتعصب وذبذب وأن يلطف بالمؤمنين والضعفاء والمساكين فبحمد الله قد استجاب الله الدعاء ورأى كل فرد غبّ فعله وسوء عمله ولم يمنعه من الرجوع الى الحق إلا الكبر والضلال وعن قريب ينزل به الهلاك والوبال. فالله الله أجمعوا أمركم وشدوا حزمكم وأبشروا بنصر الله (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي)

٩٨

(أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) انتهى مختصرا ثم لم يزل يدعو الناس الى اجابته والى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بالواجبات والتناهي عن المقبحات وتأمين الطرقات وأن البغي على إمام الحق سبب لغضب الرب ثم لم تزل تتعاظم الفتنة وتتطاول المحنة بقطع السبل وانتهاك الحرم في جميع القبل. ثم دخلت :

سنة ١٢٧٤

ثم ان أهل صنعاء خلعوا الحاج أحمد الحيمي من الرئاسة والمشيخة لما رأوا من سوء تصرفه وما فعل بهدمه لدار الطواشي التي تعد من محاسن قصور اليمن ومن افعال احمد الحيمى القبيحة أنه أمر العامة من أهل صنعاء بنهب السيد العلامة احمد بن محمد الكبسي رحمه‌الله ففي لحظة نهبوا ما في بيته وهدموا بيته حجرا حجرا وعظم الأسف على أخذ خزانته العظيمة من الكتب ثم خرج مهاجرا الى برط ثم نصب أهل صنعاء شيخا لهم عبد الله يوسف حويدر وحاصر أهل صنعاء احمد الحيمي في قصر صنعاء ثم خرج الى الصافية جنوب صنعاء بثلث ساعة وجمع القبائل من حول صنعاء وهم من بني جبر وبلاد الروس وحاصر صنعاء ووقع بينهم

٩٩

؟؟؟ وقتال. ثم مضى احمد الحيمي من هنالك الى كوكبان مسافة يوم من صنعاء في الشمال الغربي مدينة مشهورة فقعد عند الرئيس كوكبان وهو من السادة ويسمى دولة كوكبان وهو ينصب من جهة الامام الذي بصنعاء فعزم احمد الحيمي الى تهامة ليطلع الاتراك على صنعاء. ثم دخلت :

سنة ١٢٧٥

وقام السيد حسين بن احمد وتلقب بالهادي في الطويلة وهي مدينة في الجهة الغربية من كوكبان بينها وبين كوكبان ست ساعات ثم ضرب ضريبة وأبطل النقود؟؟؟ الاولى وأتته المشايخ من كل ناحية وصار له شهرة عظيمة وأطاعته جميع القبائل وكان يدّعي أنه يستخدم الجن ويخبرونه بالوقائع فهابته القبائل وخافت منه الاتراك التي في الحديدة. وكان الوالي احمد باشا السليماني. ثم إن بعض القبائل أمسك أحمد الحيمي في الخبت بلاد متصلة بتهامة في الجهة الشمالية من جبل حفاش وهو متصل بها وأمسكه جماعة آخرون وضربوه وجرحوه في فمه جرحا عظيما وأخذته القبائل تحت الأسر الى الطويلة الى عند حسين الهادي ثم دخل به صنعاء وحبسه فيها وبقي في الحبس الى أن توفي فيه بعد سنة. ثم جلس السيد حسين

١٠٠