العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٣

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٣

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٦٢

كراريس ، وكتاب المسلك النبيه ، فى تلخيص التنبيه ، وكتاب تحرير التنبيه لكل طالب نبيه ، ولعلهما الأولان ، وكتاب مختصر المهذب ، مجلدان لطيفان ، وكتاب الطراز المذهب المحبر فى تلخيص المذهب للملك المظفر. وذكر أن هذا الكتاب لم ينقح ، ولم يخرج من المسودة إلى الآن ، ولم يؤلف إلا بمقتضى أمر السلطان ، يعنى الملك المظفر.

وذكر الشيخ جمال الدين الإسنائى فى طبقاته ، للمحب الطبرى ، تأليفا فى الألغاز. انتهى.

وكانت للمحب الطبرى عند المظفر مكانة عظيمة ، وكان يحسن إليه كثيرا ، ورتب له فى كل شهر خمسين دينارا ، على تدريس مدرسة والده بمكة ، المعروفة بالمنصورية. وكانت جامكيتها فى الابتداء مائتين وأربعين دينارا فى السنة ، على ما وجدت بخط حفيده القاضى نجم الدين الطبرى ، فى كتاب كتبه إلى بعض أهل اليمن بخطه.

وكان المحب يسافر اليمن لقصد الملك المظفر ، وسمع عليه الملك المظفر هناك بعض مروياته وتواليفه ، منها : الأحكام الكبرى ، على ما قيل.

وقد سمع من المحب غير واحد من الأعيان. منهم : المحدث أبو محمد عبد الله بن عبد العزيز بن عبد القوى المهدوى ، مع القطب القسطلانى ، والقاضى جمال الدين الطبرى ، فى جمادى الأولى سنة سبع وأربعين وستمائة بالروضة من المسجد النبوى ، ونجم الدين ابن عبد الحميد ، والحافظ الدمياطى وعلاء الدين بن العطار الدمشقى ، وعلم الدين البرزالى ، والقاضى شمس الدين بن مسلم ، وقطب الدين الحلبى ، وأبو حيان النحوى ، والقاضى نجم الدين الطبرى ، وجمع كثير ، آخرهم وفاة عثمان بن الصفى الطبرى ، وبين وفاته ووفاة المهدوى مائة سنة ، فإن المهدوى توفى سنة تسع وأربعين وستمائة ، على ما وجدت بخط الميورقى ، وآخر أصحابه بالإجازة الشهاب الحنفى فيما أحسب.

وقد أثنى على المحب الطبرى غير واحد من الأعيان ، وترجموه بتراجم عظيمة ، وهو جدير بها ، منها على ما وجدت بخط ابن مسدى : الإمام الأجل العالم قطب الشريعة.

وترجمه البرزالى فيما وجدت بخطه : شيخ الحجاز واليمن.

وترجمه الذهبى : بشيخ الحرم ، والفقيه الزاهد المحدث ، ثم قال : وكان شيخ الشافعية ومحدث الحجاز. انتهى.

وقد سمعت شيخنا مفتى الحجاز ، القاضى جمال الدين بن ظهيرة يقول : سمعت

٤١

القاضى أبا الفضل يقول : إنه سمع الحافظ صلاح الدين العلائى يقول : ما أخرجت مكة بعد الشافعى ، مثل المحب الطبرى. انتهى.

وهذه منقبة عظيمة ، إلا أنها لا تسلم من الاعتراض ، بمثل الحميدى المكى صاحب الشافعى ، وبمثل ابن المنذر ، وآخرين من الغرباء.

ووجدت بخط القطب الحلبى ، فى ترجمة المحب الطبرى : أنه لم يكن فى زمانه مثله بالحرم المكى ، وهذا مما لا ريب فيه.

وقد اختلف فى وفاة المحب الطبرى على أربعة أقوال :

فقيل : كانت وفاته فى الثلث الأخير من ليلة الثلاثاء ثانى جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وستمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة. كذا وجدت وفاته بخط بعض العصريين.

ووجدت بخط القطب الحلبى فى تاريخه أن على بن عمر بن حمزة الحرانى ، كتب إليه أنه توفى فى جمادى الآخرة من السنة المذكورة.

وقد أرخ وفاته بجمادى الآخرة من السنة المذكورة غير واحد ، منهم : البرزالى فى معجمه وتعاليقه ، والذهبى فى تاريخ الإسلام ، وطبقات الحفاظ ، وابن أيبك فى وفياته ، وهو الصحيح فى وفاته إن شاء الله تعالى.

وقيل : توفى فى أحد الربيعين من السنة ، حكاه البرزالى عن أمين الدين ابن الوانى.

وقيل : فى رمضان من السنة.

ذكره البرزالى فى معجمه ، والذهبى فى العبر ، والإسنائى فى طبقاته ، ولعله قلد الذهبى فى ذلك ، وذكر الإسنائى أن المحب الطبرى اشتغل بقوص على الشيخ مجد الدين القشيرى.

ورأيت شيخنا القاضى جمال الدين بن ظهيرة يستبعد ذلك ، وقد رأيت ما يدل لما ذكره الإسنائى ، وذلك أنى وجدت بخط القطب الحلبى فى تاريخ مصر ، أن البهاء عبد الله ابن الرضى بن خليل المكى ، أخبره أن الشيخ محب الدين الطبرى ورد إلى قوص (٢) ، واشتغل بها. انتهى. والله أعلم.

__________________

(٢) قوص : بالضم ثم السكون ، وصاد مهملة ، وهى قبطية : وهى مدينة كبيرة عظيمة واسعة قصبة صعيد مصر ، بينها وبين الفسطاط اثنا عشر يوما ، وأهلها أرباب ثروة واسعة. انظر : معجم البلدان (قوص) ، نزهة الأمم ٢٢٥ ، الروض المعطار ٤٨٤ ، ٤٨٥ ، الإدريسى ٤٩ ، الاستبصار ٨٥.

٤٢

واختلف أيضا فى مولد المحب الطبرى ، فقيل : إنه ولد بمكة يوم الخميس السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة. كذا ذكر مولده البرزالى فى معجمه. وهكذا وجدته بخط الشيخ بهاء الدين عبد الله بن خليل المكى نقلا عن غيره.

ووجدت بخط أبى حيان : أن المحب الطبرى أخبره أن مولده فى خامس عشرى جمادى الآخرة من السنة المذكورة.

وذكر البرزالى عن أمين الدين ابن الوانى ، أنه كتب لهم من مكة أنه ولد سنة أربع عشرة وستمائة. وقرأ بمكة. انتهى.

وكان الشيخ محب الدين الطبرى ، يلقب بمحيى الدين قبل أن يلقب بمحب الدين. وكان يكره اللقب الأول ، فزار المدينة النبوية ، ومدح النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقصيدة ، وسأل أن تكون جائزته عليها ، أن يزول عنه اللقب الأول ؛ فزال حتى كأن لم يكن.

وهذه الحكاية ذكرها جدى الشريف أبو عبد الله فى تعاليقه ؛ لأنه قال : سمعت الإمام محب الدين الطبرى رحمه‌الله يقول : مشينا إلى المدينة زائرين ، وكنا جماعة ، فنظمت قصيدة فى مدح النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فلما قدمنا المدينة ، أنشدت القصيدة ، فلما فرغت من إنشادها ، قلت : يا رسول الله ، إن من جائزتى أن يذهب عنى هذا اللقب ، وكان لقبى بين الناس : محيى الدين ، وكنت أكره هذا اللقب ، فلقبت بعد ذلك : محب الدين ، وذهب عنى لقب محيى الدين ، حتى كأنه لم يكن. انتهى.

وللشيخ محب الدين شعر كثير جيد يحويه ديوانه ، وهى مجلدة لطيفة على ما رأيت.

فمن ذلك قصيدة نحو مائة وستين بيتا ، ذكر فيها المنازل بين مكة والمدينة ، أولها [من الطويل] :

رحلت إلى المختار خير البرية

ومن ذلك ما أنشدناه الشيخ أبو اليمن محمد بن أحمد بن الرضى الطبرى بقراءتى عليه بالحرم الشريف ، عن أبيه وابن عمه عثمان بن الصفى الطبرى إذنا أن المحب الطبرى أنشدهما لنفسه إجازة [من الوافر] :

مريض من صدودك لا يعاد

به ألم لغيرك لا يعاد

وقد ألف التداوى بالتدانى

فهل أيام وصلكم تعاد

لحا الله العواذل كم ألحوا

ولا أصغى وكم عذلوا وعادوا

٤٣

ولو لحظوا من الأحباب معنى

لما أبدوا هناك ولا أعادوا

فلا والله لا أسلو ولكن

أزيد هوى إذا فى العذل زادوا

أأسلو من غرامى فيه دين

أدين به ولى فى الحشر زاد

سقى صوب الغوادى جمع جمع

وحيا معهد الوصل العهاد

ربوع لى مع الأحباب فيها

عهود مالها أبدا نفاد

فكم من ليلة بيضاء فيها

ظفرت بما به يشفى الفؤاد

وما زالت ليالى الوصل بيضا

ويوم الهجر يعلوه السواد

ألا يا صاح عيل الصبر منى

وبان القلب مذ بانت سعاد

وكان يزورنى منه خيال

يسكن بعض ما بى أو يكاد

فبان لبينها وجفى جفونى

كراها واستقر بها السهاد

فيا عجبا لحظى من سعاد

وما زالت عليها الاعتماد

أريد وصالها وتريد بعدى

فما أشقى مريدا لا يراد

فوا أسفا على عمر تقضى

ولما يقض لى منها مراد

أجيرتنا أجيروا الجار وارعوا

فتى بزمام حبكم يقاد

عليل يس يشفى دون وصل

قتيل ما به أحد يقاد

حليف جوى كئيب مستهام

عديم الصبر باينه الفؤاد

أجيران العقيق وأهل سلع

أجيروا من أضر به البعاد

فما زال الأحبة أهل عطف

إذا ما استعطفوا عطفوا وجادوا

ومن شعره أيضا ما أنشدناه الشيخ [من الطويل] :

وقائلة هل يجمل النوم مع وصلى

ومثلك محسود على الوصل من مثلى

فقلت : وحبى فيك ما نمت إنما

بحسنك والحسنى غلبت على عقلى

ومنه أيضا [من الخفيف] :

ما لطرفى عن الجمال براح

ولقلبى به غذاء وراح

كل معنى يلوح فى كل حسن

لى إليه تلفت وارتياح

وغرامى به قديم وشربى

دائما من سلافه أقداح

أجتلى الحسن شاهدا فيه معنى

هو روح وما سوى أشباح

كل حسن يروق مشكاة حسن

لأهيل الحمى وهم مصباح

وهم للوجود روح وراح

ومغان ونوره الوضاح

٤٤

وهم السر فى الجمال وعنهم

ترو أخباره الحسان الصحاح

فبهم يعشق الجمال ويهوى

ويشوق الحمى وتهوى الملاح

وبهم يعذب الغرام ويحلو

ويطيب الثناء والامتداح

لا تلم يا خلى قلبى فيهم

ما على من هوى الملاح جناح

ويح قلبى وويح طرفى إلى كم

يكتم الحب والهوى فضاح

صاح عرّج على العقيق وسلع

وقباب فيها الوجوه الصباح

قف بجرعائها وناد بناد

مشرق الروض عطره فياح

يا أهيل الحمى وأهل المصلى

وربوع تشتاقها الأرواح

للمحب المشوق قلب جريح

وبترب الحمى تداوى الجراح

يتمنى يطير شوقا إليكم

إنما عز مسعد وجناح

وإليكم له اختلاف قديم

وغدو بربعكم ورواح

فبعهد الوصال جودوا بعطف

فإلى الجود طرفه طماح

ومنه أيضا [من الكامل] :

الوجد يشهد أننى مقتول

بهوى المحجب والغرام كفيل

أسر الفؤاد جميله وجماله

فالقلب فيه كثيّر وجميل

لله أيام الوصال وعيشنا

مستعذب والحادثات أفول

يا معهد الأحباب هل من عودة

ويضم شملى ظلك المأهول

أو هل بتنعيم الحما من وقفة

أو هل إلى وادى الأراك سبيل

أو هل أرى من أرض مكة معلما

أو تبدون لى شامة وطفيل

أو يقبل النكبا جميل تحية

لمتيم صب براه نحول

يحلو له مر الهوى وحديثه

فيه عريض شرحه وطويل

يا ويح قلبى من صدود أحبتى

ما الصد إلا للمحب قتول

كيف الوصول إلى الوصال وعزة

عزت فعز على المحب وصول

أم كيف أسلو وهى غاية مطلبى

إن الغرام بعزة لجميل

أرجو وآمل وصلها وصلاتها

يا حبذا المرجو والمأمول

لا نلت وصلا إن تحدث خاطر

بسلوها أو أضمر التبديل

إن أقبلت فبفضلها أو أدبرت

فالصد منها والجفا مقبول

ومنه أيضا [من البسيط] :

٤٥

العامرية لى فى ربعها شغل

نعم وبين الحشا من صدها شعل

لا تعذلا فى هواها صاحبى ول

كن أسعدانى فقد ضاقت بى الحيل

لا بد منها وإن عزت مطالبها

وإن أساءت وإن أقصانى الزلل

ولا وسيلة لى إلا عواطفها

وليس لى عوض عنها ولا بدل

أرجو وآمل أن تدنو مودتها

يا حبذا ذلك المرجو والأمل

أعلل النفس من يوم إلى غده

وقد ترادفت الأسقام والعلل

يقضى الغرام على العشاق أنهم

ما حمّلوا فى الهوى من ثقله حملوا

شرع الأحبة عدل كيف ما صنع ال

أحباب لا حرج فى كل ما فعلوا

هم قرة العين إن يدنوا وإن بعدوا

وأهل ودى وإن صدوا وإن وصلوا

والصبر أجمل عون للمحب إذا

عز الوصال وعزت منهم الوصل

دين الصبابة لا أبغى به بدلا

وليس لى حول عنه ولا ميل

٥٧٢ ـ أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله المعقلى الهروى ، أبو محمد :

قال الحاكم : كان إمام أهل خراسان بلا مدافعة ، حج بالناس وخطب بمكة ، وقدم إليه المقام وهو قاعد فى جوف الكعبة. ولقد سمعتهم بمكة يذكرون أن هذه الولاية لم تكن قط لغيره. انتهى.

وهذه الولاية يحتمل أن تكون ولاية للحج فقط ، ويحتمل أن يكون ولاية للخطابة بمكة ، وإنما ذكرناه احتياطا. ومات على ما ذكر الحاكم فى سنة ست وخمسين وثلاثمائة.

٥٧٣ ـ أحمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن أبى بكر ، يلقب بالشهاب ابن المجد الطبرى الصوفى :

سمع من شيخ الإسلام عبد الرحمن بن أبى عمر جزء ابن زبان ، وعلى المسلم بن محمد القيسى جزء الأنصارى ، وعلى الفخر بن البخارى مشيخته ، وغير ذلك. وحدث.

ذكره ابن رافع فى معجمه ، وقال : كان لديه معرفة بشىء من الاصطلاح ، وله ثبت.

وتولى مشيخة رباط الفخر ناظر الجيش بالقدس.

وتوفى ثالث ذى الحجة سنة سبع وعشرين وسبعمائة بالقدس ، ودفن بما ملا.

__________________

٥٧٢ ـ انظر ترجمته فى : (طبقات العبادى ٨٧ ، الأنساب ٥٢٧ ، العبر ٢ / ٢٠٤ ، طبقات السبكى ٣ / ١٧ ـ ١٩ ، شذرات الذهب ٣ / ١٨ ، سير أعلام النبلاء ١٦ / ١٨١).

٤٦

٥٧٤ ـ أحمد بن عبد الله بن محمد بن على ، يلقب بالشهاب بن العفيف الهبى:

نزيل مكة ، كان أبوه من أعيان التجار بعدن ، وبها ولد المذكور ونشأ ، ثم انتقل إلى مكة لما استوطنها أبوه ، وأقام بها سنين كثيرة ، نحو أربعين سنة فى حياة أبيه وبعده ، إلا أنه ربما سافر فى بعض السنين إلى اليمن لحاجة ، ثم يعود لمكة.

وعزم منها للسفر إلى اليمن ، فى جمادى الأولى سنة عشرين وثمانمائة ، فأدر كه الأجل بجدة فحمل إلى مكة. فدفن بالمعلاة.

وكان يعانى الزراعة بعد موت أبيه فيما خلفه أبوه له وأخوته من الأراضى والسقايا بأرض نافع من وادى نخلة (١) ، وما مات حتى باع نصيبه فى ذلك وغيره.

وكان ينطوى على خير ومروءة ، وصاهره القاضى كمال الدين موسى بن القاضى نور الدين بن جميع على ابنته. وكان له ولد اسمه محمد ، ويلقب بالجمال ، توفى قبله بمكة فى سنة سبع عشرة وثمانمائة فى الحرم ، ظنا غالبا.

٥٧٥ ـ أحمد بن عبد الله ، شهاب الدين الشريفى المصرى :

نزيل مكة ، الفراش بالحرم الشريف. ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة بقوص.

سمع بأخميم (١) من الكمال بن عبد الظاهر ، وبالقاهرة من الحجاز : صحيح البخارى ، وبمكة من القاضى نجم الدين الطبرى وغيره ، وبالمدينة من الجمال الطبرى.

وتوفى ليلة الجمعة ثالث شوال سنة اثنتين وستين وسبعمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة.

هكذا ذكر وفاته ومولده شيخنا ابن سكر ، وعليه اعتمدت فيما ذكرته من شيوخه.

__________________

٥٧٤ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ١ / ٣٦٧).

(١) نخلة على لفظ واحدة النّخل : موضع على ليلة من مكّة ، وهى التى ينسب إليها بطن نخلة ، وقال ابن ولاد: هما نخلة الشامية ، ونخلة اليمانية ، فالشامية : واد ينصب من الغمير ، واليمانية : واد ينصب من بطن قرن المنازل ، وهو طريق اليمن إلى مكة. انظر : معجم البلدان (نخلة).

٥٧٥ ـ انظر ترجمته فى : (التحفة اللطيفة ١ / ١١٦).

(١) أخميم : مدينة فى البلاد المصرية فى الجانب الشرقى من النيل لها ساحل ، وهى مدينة كبيرة قديمة فيها أسواق وحمامات ومساجد كثيرة وفيها من البرابى وعجائب المبانى والآثار ما يعجز الوصف عنه وهى بصعيد مصر. انظر: الروض المعطار ١٥ ، ١٦ ، ١٨ ، الاستبصار ٨٤ ، نزهة الأمم ٢٢٧.

٤٧

٥٧٦ ـ أحمد بن عبد الله المكى ، المعروف بأبى مغامس :

أحد تجار مكة ، كان فى مبدأ أمره صيرفيا ، ثم حصل دنيا ، وصار يداين الناس كثيرا ، واشتهر بسبب ذلك عند الناس.

وتوفى فى يوم الجمعة رابع شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وثمانمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة. وقد بلغ الستين أو جاوزها.

٥٧٧ ـ أحمد بن عبد الله المكى ، يعرف بالحلبى ، المكبّر بالحرم الشريف ، يلقب بالشهاب :

كان من جملة الطلبة بدرس الأمير يلبغا بمكة ، ونزح عنها غير مرة إلى ديار مصر والشام طلبا للرزق ، وانقطع لذلك مدة سنين بالقاهرة حتى صار بها خبيرا ، ثم أتى مكة وجاور مدة سنين ، حتى مات فى يوم النحر من سنة تسع وثمانمائة ، وكانت وفاته ـ فيما أحسب ـ بمنى قبل التحلل. ودفن بالمعلاة ، سامحه الله.

٥٧٨ ـ أحمد بن عبد الله الدورى المكى :

الفراش بالحرم الشريف. سمع من القاضى عز الدين ابن جماعة ، وما علمته حدث ، وباشر الفراشة بالحرم الشريف سنين كثيرة جدا ، وأمانة الزيت والشمع سنين قليلة ، ولم يحمد فيما اوتمن فيه.

وكان على ذهنه قليل من الحكايات المضحكة ، ويحكيها عند قبة الفراشين بالحرم الشريف ، ويجتمع عنده الأطفال لسماعها ويترددون إليه لأجل ذلك.

وكان يصلى بالناس صلاة التراويح فى رمضان ، ويصلى خلفه الجمع الكثير لكثرة تخفيفه ، ويلقبون صلاته بالمسلوقة ، وكانت صلاته بالقرب من قبة الفراشين.

ورزق عدة أولاد ، وفجع بهم وقتا بعد وقت ، ونزل قبل موته بقليل عن الفراشة لابن أخته.

ووقف جانبا من داره من مكة بالمسفلة على أولاد أخته ، فالله يثيبه.

وتوفى سحر يوم الجمعة رابع عشر شوال سنة تسع عشرة وثمانمائة. وقد جاوز الستين بسنين فى غالب الظن. وكانت وفاته بمكة ودفن بالمعلاة.

* * *

٤٨

من اسمه أحمد بن عبد الرحمن

٥٧٩ ـ أحمد بن الوجيه عبد الرحمن بن عبد المعطى بن مكى بن طراد ، الخزرجى الأنصارى المكى :

سمع من الفخر التوزرى : الموطأ ، رواية يحيى بن يحيى ، وصحيح البخارى. وما علمته حدث.

وذكر لى ابن عمه شيخنا أبو بكر بن قاسم بن عبد المعطى : أنه كان يفسر المنامات تفسيرا حسنا ، وأنه توفى بمصر سنة ست وأربعين وسبعمائة.

٥٨٠ ـ أحمد بن عبد الرحمن بن على بن الحسين الشيبانى الطبرى :

ترجم فى حجر قبره بالمعلاة : بالقاضى السعيد العالم عز الدين ، وفيه بعد الطبرى : قاضى الحرمين الشريفين.

توفى فى جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وخمسمائة.

٥٨١ ـ أحمد بن عبد الرحمن بن وهبان ، المعروف بابن أفضل الزمان ، أبى العباس :

ذكره ابن الأثير فى كامله ، فقال : كان عالما متبحرا فى علوم كثيرة : الخلاف والفقه ، ومذهبه ، والأصولين والحساب ، والفرائض والنحو والهيئة والمنطق وغير ذلك ، وختم أعماله بالزهد ولبس الخشن ، وأقام بمكة حرسها الله تعالى مجاورا ، حتى توفى بها فى صفر سنة خمس وثمانين وخمسمائة.

وقال : كان من أحسن الناس صحبة وخلقا ، وهو من شيوخه.

٥٨٢ ـ أحمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن إسحاق بن أبى بكر الطبرى ، شهاب الدين بن الشرف بن العز بن فخر المكى ثم الينبعى ، لسكناه ينبع من أرض الحجاز :

أجاز له على ما وجدت بخط البرزالى : القاضى شمس الدين بن العماد المقدسى ، والصفى خليل المراغى ، وعبد العزيز بن خليل ، والشريف عماد الدين إبراهيم المنقذى ، وعبد الصمد بن عساكر.

__________________

٥٨٠ ـ انظر ترجمته فى : (التحفة اللطيفة ١ / ١١٠).

٥٨١ ـ انظر ترجمته فى : (الكامل لابن الأثير ١٢ / ٤٢).

٤٩

ووجدت بخط عبد العزيز بن المؤذن ، أربعين حديثا من رواية المذكور وجماعة من أقاربه مخرجة عن القاضى شمس الدين بن العماد ، والقاضى تقى الدين بن رزين ، وأبى اليمن بن عساكر إجازة ، خرجها الآقشهرى فى سنة ست وثلاثين للمذكورين ، وما حدث بها منهم سوى الحجى ، على ما وجدت فى النسخة التى وقعت لى.

وذكر لى صاحبنا الشيخ خليل الأقفهسى أنه وقف على الأصل بخط الآقشهرى ، وليس فيها سماع على أحد من المذكورين.

٥٨٣ ـ أحمد بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن ، المعروف بالشهيد الناطق ، بن القاسم بن عبد الله العقيلى الجزولى ، الشيخ شهاب الدين النويرى :

تردد إلى مكة مرات ، وسمع بها فى سنة ست وتسعين وستمائة على الفخر التوزرى أكثر صحيح البخارى ، ثم سمعه بكماله على الصفى والرضى الطبريين فى سنة اثنتى عشرة وسبعمائة ، ثم استوطنها وتأهل بها بابنة قاضيها نجم الدين الطبرى.

وولى ـ على ما ذكر لى شيخنا القاضى جمال الدين بن ظهيرة ـ تدريس الحديث بالمنصورية بمكة ، ثم انتقل إلى المدينة ، وأقام بها حتى مات فى عصر يوم الأحد سادس عشر المحرم سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ، ودفن بعد المغرب بالبقيع (١) قريبا من الإمام مالك بن أنس رضى الله عنه مما يلى الطريق.

نقلت خبر وفاته من كتاب «نصيحة المشاور» لابن فرحون ، لأنه ذكره فيه ، وذكر أنه من إخوانه فى الله ، العلماء الربانيين أصحاب الأحوال والمكاشفات ، وذكر أنه صلى إلى جانبه يوما لما أضل قدوم الحاج إلى المدينة الشريفة ، فكانت صلاته كلها وسوسة بما يجىء به الحاج ، وما يكون من وظائفه ، وما يجىء منها وغير ذلك. فذكر له الشيخ شهاب الدين مع ما وقع فى خاطره على سبيل الإنكار. قال : وله كرامات لا يسع ذكرها هاهنا. انتهى.

وكان جده سيدى الشيخ الولى العارف القاضى رضى الدين أبو القاسم عبد الرحمن ، المعروف بالشهيد الناطق فى الصلاح بالمحل الأعلى ، وله كرامات كثيرة مشهورة. من أشهرها حكاية البقرة ، وهى أن رجلين تداعيا عنده فى بقرة ، وكان مع أحدهما محضر

__________________

٥٨٣ ـ انظر ترجمته فى : (التحفة اللطيفة ١ / ١١٢).

(١) البقيع : بفتح أوله ، وكسر ثانيه ، وعين مهملة ، هو بقيع الغرقد ، مقبرة المدينة. انظر : معجم ما استعجم (البقيع).

٥٠

بملكها ، فيه شهود أدوا فيه عنده ، فسأله من بيده المحضر ، الحكم به ، وتسليم البقرة إليه ، فقال له : كيف أسلمها إليك وهى تقول إنها لخصمك ، وتخبر أن المحضر زور ، فاعترف بذلك وأظهر التوبة وسلمها لخصمه. ولما اتصلت هذه الحكاية بقاضى القضاة عماد الدين عبد الرحمن بن السكرى قاضى الديار المصرية ، عزله عن نيابته ، وكتب إليه يقول له : كان ينبغى لك أن تعمل فى القضية بظاهر الشرع وتسلم البقرة لمن أثبتها ، فلما اتصل به ذلك قال لمن حضر : اشهدوا على أنى قد عزلته وذريته من بعده ، فعزل القاضى عماد الدين ، ولم يعد إلى القضاء ولا وليه أحد من ذريته ، حتى إن حفيده القاضى عماد الدين ، نوه له غير مرة بالولاية ، وربما وصلت له الخلعة ، ورسم بكتابة تقليده ، فيعدل عنه إلى غيره ، ولا يتم أمر تصديقا لما أخبر به القاضى رضى الدين الشهيد الناطق.

وكان ولى القضاء بالبهنسا (٢) وغيرها من الصعيد الأدنى ، وتوفى فى ذى القعدة سنة ست عشرة وستمائة شهيدا بظاهر دمياط ، وبنى عليه مشهد ، فيعرف بمشهد الشهيد الناطق.

وسبب شهرته بذلك ، أنه كان يحرض أصحابه على القتال ، ويرغبهم فى الجنة ، وتلا عليهم قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) [آل عمران : ١٦٩] فلما قتل ، قال له قاتله : أنت تقول : إن الله قال : (وَلا تَحْسَبَنَ) ـ الآية فها أنت الآن ميت ، فاستوى جالسا وقال : نعم أحياء ورب الكعبة ، وتلا الآية إلى آخرها ، فأسلم.

نقلت وفاته من «التكملة» للمنذرى ، وذكر أنه تفقه على مذهب الإمام مالك ، وصحب جماعة من الصالحين ، وانتفع به جماعة. وكان موصوفا بالصلاح والخير والإيثار ، محبا للفقراء مكرما لهم ، ينقطع إلى ما يفضى براحتهم ، مبالغا فى ذلك.

وذكر أن العقيلى ، بفتح العين ، ولم يبين إلى من هذه النسبة ، وهى إلى عقيل بن أبى طالب على ما اشتهر عن [....](٣) قال فى تعريفه : الجزولى.

وحكاية البقرة وما يتعلق بها ، نقلتها من تاريخ الشيخ شهاب الدين أحمد بن

__________________

(٢) البهنسا : مدينة بصعيد مصر فى الجهة الغربية من الخليج الخارج من معظم النيل وهى عامرة بالناس جامعة لأمم شتى ومن هذه المدينة إلى مصر سبعة أيام وبهذه المدينة تعمل الستور البهنسية. انظر : الروض المعطار ١١٤ ، الإدريسى ٥٠ ، جنى الأزهار ١٠ ، معجم البلدان (البهنسا).

(٣) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

٥١

عبد الوهاب النويرى. وذكر أنه رواها عن أبيه عن جده : وكان خادما للمذكور.

وحكاية سبب شهرة الشيخ عبد الرحمن بالشهيد الناطق ، نقلتها من كراس وجدته بخط شيخنا الشريف عبد الرحمن الفاسى ، وهو من أجدادى لأمى ، أعاد الله علينا من بركته. والله أعلم.

٥٨٤ ـ أحمد بن عبد السلام بن عبد الله بن على بن محمد بن عبد السلام ابن أبى المعالى الكازرونى المكى ، يلقب بالشهاب ، مؤذن المسجد الحرام :

ولد بمكة وبها نشأ وتزوج ، وباشر الأذان بمنارة باب العمرة كأبيه ، ثم سافر لليمن وديار مصر غير مرة ، ثم انقطع بمصر نحو عشرين سنة حتى مات ببعض قرى الصعيد ، وكان يسافر إليها لعمل مصالح الصوفية بخانكة سعيد السعداء (١).

وكان صوفيا بها ، وربما كان يؤذن بها أحيانا ، وكان حسن التأذين صيتا ، سامحه الله تعالى.

وكانت وفاته فى آخر سنة سبع عشرة وثمانمائة ، أو أوائل سنة ثمان عشرة ، وفى إحدى الربيعين منها ، سمعنا بوفاته.

٥٨٥ ـ أحمد بن عبد الملك الشيبى ، من بنى شيبة ، أبو زرارة الحجبى ، حجبة بيت الله الحرام :

روى عن يونس بن عبد الأعلى.

سمع منه الحافظ أبو بكر بن المقرى بالمسجد الحرام ، وذكره فى معجمه.

ومنه لخصت هذه الترجمة.

٥٨٦ ـ أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البلخى الجريرى ـ من ولد جرير بن عبد الله الصحابى المشهور رضى الله عنه ـ أبو بكر المكى :

قدم دمشق ، وحدث بها عن محمد بن المظفر ، وأبى بكر الإسماعيلى ، وعبد الله بن محمد بن السقا الحافظ ، وأبى بكر المفيد ، وأبى أحمد بن الحاكم ، وأحمد بن عبد الله الشيرازى ، وجماعة كثيرة.

__________________

٥٨٤ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ١ / ٣٤٧).

(١) أول خانكاه أو خانقاه بنيت فى مصر قريبا فى سنة ٤٠٠ ه‍ وهى دار مخصصة للصوفية.

٥٢

روى عنه : تمام الرازى ، وهو أكبر منه ، وعلى بن الحسن الربعى ، وابن السمان وغيرهم.

ذكره ابن عساكر فى تاريخ دمشق ، ومن مختصره نقلت هذه الترجمة.

٥٨٧ ـ أحمد بن عبد الواحد بن إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى بن فارس الكنانى العسقلانى المكى ، القاضى بهاء الدين أبو حامد :

ذكره المحب الطبرى فى كتاب «الإعلام لمرويات المشيخة الأعلام من سكنه المسجد الحرام» الذى جمعه على لسان الملك المظفر صاحب اليمن. وذكر أنه يروى عن ابن البنا جامع الترمذى ، وأخرج عنه فى «العقود الدرية» ، و «المشيخة المظفرية» من جمعه ، حديثا من جامع الترمذى عن ابن البنا ، وترجمه بالفقيه الإمام القاضى بهاء الدين. انتهى.

وكان ولى القضاء نيابة عن القاضى عمران بن ثابت ، الآتى ذكره ، على ما وجدت بخطه فى مكتوب أثبته وأشهد على نفسه بذلك فى الرابع والعشرين من شهر رمضان سنة تسع وأربعين وستمائة. ولم أدر متى مات ، إلا أنه يستفاد من هذا حياته فى هذا التاريخ.

ووجدت بخط المحدث إبراهيم بن عمر العلوى اليمنى ، سندا له فى جامع الترمذى ، فيما يرويه عن الرضى الطبرى عن المذكور إجازة.

٥٨٨ ـ أحمد بن عبد الواحد بن مرى بن عبد الواحد بن نعام السعدى ، المقدسى الأصل ، تقى الدين أبو العباس الحورانى :

نزيل مكة. ولد فى النصف من صفر سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ، وسمع بدمشق وحلب وبغداد.

وروى عن الشريف أبى هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمى : كتاب الشمائل للترمذى سماعا منه ، وحدث به عنه.

سمع منه الحافظان : الشريف أبو القاسم الحسينى ، وشرف الدين الدمياطى ، وذكره فى معجمه ، ووصفه بالفقيه الفرضى الزاهد ، والعلم سنجر الدوادارى ، والفخر التوزرى ، والرضى الطبرى ، وأحمد بن محمد بن على الحلبى ، وهو خاتمة أصحابه.

ذكره الشريف أبو القاسم الحسينى فى وفياته فقال : كان أحد المشايخ المشهورين

__________________

٥٨٨ ـ انظر ترجمته فى : (الدليل الشافى ١ / ٥٨ ، الوافى ٧ / ١٦٠ ، المنهل الصافى ١ / ٣٧٦).

٥٣

الجامعين بين الفضل والدين ، وعنده جد وإقدام ، وقوة نفس وتجرد وانقطاع. انتهى.

ووجدت بخط جدى أبى عبد الله الفاسى ، أن الحورانى هذا ، كان مشهورا بالزهد العظيم ، حتى لقد أقام بمكة زمانا لا يرجع إلى مأوى معين ، ولا يدخر شيئا من الدنيا. وله فى هذا المعنى أخبار كثيرة ، من شدة اطّراحه لنفسه وانسلاخه من الأسباب.

ووجدت بخط جدى أيضا ، أنه سمع يحيى بن محمد الطبرى : سبط الشيخ سليمان بن خليل يقول : كان الشيخ تقى الدين الحورانى حسن الجواب فيما يسأل عنه. فقلت له فى ذلك ، فقال لى : رأيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتفل فى فمى.

فكان يرى أن هذه البركة من ذلك الأثر المبارك. انتهى.

وذكر ابن رافع فى ذيل تاريخ بغداد ، فقال : كان عارفا بالفقه والفرائض ، وكان شافعيا ، وذكر ابن رافع فى ترجمته : أن الإمام تقى الدين محمد بن الإمام شرف الدين الحسن بن على الصبرى ، حكى له عن والده ، أن التقى الحورانى هذا كان حنبليا ، وأنه صحب الحورانى هذا بمكة مدة طويلة ليلا ونهارا ، وكان ما يخطر بباله خاطر إلا كاشفه عليه ، قال : فخطر ببالى يوما ما كان سبب حاله وابتداء أمره فى سرى ، فقال : كان بدو أمرى أنى كنت معيدا بالمدرسة المستنصرية ببغداد ، وكنت ألازم الصوم ، وكنت أفطر على المباحات التى يرمى بها وأغسلها بالماء وأتناولها ، وكان خارج بغداد رجل صالح ، وله مكتب ، فكنت أجتمع له ، فحصل لى منه خير كثير. انتهى.

وذكره ابن مسدى فى معجمه ، فقال بعد نسبه كما ذكرنا : تفقه بالشام والعراق ، وتطور فى الآفاق ، وسمع شيئا من الحديث بدمشق وحلب وبغداد ، ونزل مكة ، ولم يكن بالحافظ. وحدث بغير أصول ، فوقع فى أمور لتفصيل جملتها غير هذه الفصول ، قد أظهر التحلى بالتخلى ، وأشار إلى التجلى ، وله فى كل مقام مقال ودعوى لا تقال ، لقيته بالحرم الشريف ، وأنست بظاهره ، فلم يتفق لنا خبره مع مخابره ، ينسب إلى طلب رياسة ما يقتفيها ، ودعوى طريق ما ينتهيها وينتفيها ، يعظم الدنيا وأمراها ، ويحتقر صعاليكها وفقراها ، إلا من يصفق له حين رقصه ، ويكمل دعواه بنقصه. وذكر أنه أنشده لنفسه هذه الأبيات [من البسيط] :

إن قلت فى اللفظ هذا النطق يجحده

أو قلت فى الأذن لم أسمع له خبرا

أو قلت فى العين قال الطرف لم أره

أو قلت فى القلب قال القلب ما خطرا

وقد تحيرت فى أمرى وأعجبه

أن ليس أسمع إلا عنهم وأرى

٥٤

ووجدت بخط الميورقى ، أن الفقهاء أخرجوه من مكة فى جمادى سنة ثلاث وستين ، ولم يزد على ذلك. ووجدت بخطه : أنه توفى فى السابع والعشرين من رجب سنة سبع وستين وستمائة بطيبة (١).

وقد أرخ وفاته برجب من هذه السنة الشريف الحسينى فى وفياته ، وذكر فيها مولده كما سبق.

٥٨٩ ـ أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطى :

روى عن أبيه ، وعلى بن عباس.

وروى عنه الطبرى ، والحافظ أبو الفضل الجارودى.

وذكر ابن قانع فى وفياته ، أنه توفى سنة إحدى وثلاثين ومائتين بمكة.

٥٩٠ ـ أحمد بن عبد الناصر بن عبد الله بن عبد الناصر التميمى المكى :

روى عن أبى الفتوح الحصرى ـ فيما أظن ـ وأظن أنه كان حيا فى رمضان سنة ثلاث وخمسين وستمائة.

٥٩١ ـ أحمد بن عجلان بن رميثة بن أبى نمى محمد بن أبى سعد حسن بن على ابن قتادة بن إدريس بن مطاعن الحسنى المكى ، يكنى أبا سليمان ، ويلقب شهاب الدين :

أمير مكة ، ورئيس الحجاز ، ولى إمرة مكة شريكا لأبيه ومستقلا ، ثم شريكا لابنه محمد ، ستا وعشرين سنة ، تنقص يسيرا نحو شهرين كما سيأتى بيانه ، ونشير إلى ما يوضح ذلك مع شىء من حاله.

وذلك أنه كان ينظر فى الأمر بمكة نيابة عن أبيه أيام مشاركة أبيه وعمه ثقبة فى إمرة مكة ، فى سنة ستين وسبعمائة ، ولما عزلا فى هذه السنة بأخيهما سند ، وابن عمهما

__________________

(١) يقصد المدينة المنورة وطيبة أحد أسمائها.

٥٨٩ ـ انظر ترجمته فى : (اللباب ١ / ٤٠٢ ، تهذيب الكمال ٣١ ، تذهيب التهذيب ١ / ١٩ ، تهذيب التهذيب ١ / ٥٨ ، خلاصة تهذيب الكمال ٩ ، سير أعلام النبلاء ١٣ / ١٥٢).

٥٩١ ـ انظر ترجمته فى : (الدليل الشافى ١ / ٥٩ ، النجوم الزاهرة ١١ / ٣٠٨ ، إنباء الغمر ١ / ٣٢٠ ، نزهة النفوس ١ / ١٤٦ ، المنهل الصافى ١ / ٣٨٩ ، العقود اللؤلوية ٢ / ١٨٧ ، الدرر الكامنة ١ / ٢٠٢ ، خلاصة الكلام ٣٣ / ٣٤ ، الأعلام ١ / ١٦٨).

٥٥

محمد بن عطيفة السابق ذكره ، توجه عجلان ، وابناه أحمد وكبيش فى جماعة من ألزام عجلان إلى مصر ، فلما وصلوها قبض على عجلان وابنيه أحمد وكبيش ، واعتقلوا ببرج بقلعة الجبل بمصر ، وأقسم صاحب مصر السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون أن لا يطلقهم ما دام حيا ؛ لأنه كان شديد الحنق على عجلان ، وابنه أحمد ، لأمور منها : أن أحمد بن عجلان صد الضياء الحموى الآتى ذكره عن الخطابة بالمسجد الحرام ، بعد أن برز إلى المسجد فى شعار الخطبة ، فى موسم سنة تسع وخمسين وسبعمائة ، رعاية للقاضى شهاب الدين الطبرى الآتى ذكره.

وكان السلطان قد ولى الخطابة للضياء الحموى ، ثم نقل المذكور من برج القلعة إلى الإسكندرية ، لما سمع السلطان بفتك بنى حسن فى عسكره الذى ندبه إلى مكة فى موسم سنة إحدى وستين وسبعمائة. ولم يزالوا فى الاعتقال حتى قبض على السلطان المشار إليه ، ثم أطلقوا.

وولى عجلان إمرة مكة شريكا لأخيه ثقبة ، وتوجه عجلان وجماعته إلى مكة ، بعد الإعراض عن تجهيز العسكر الذى كان الناصر حسن عزم على إرساله إلى الحجاز لتمهيد أمره والفتك بكل من يوجد فيه من بنى حسن والأعراب. وسبب الإعراض عن ذلك ، زوال ملك الملك الناصر المذكور.

ولما وصل عجلان وجماعته إلى وادى مر ، لقوا به ثقبة عليلا مدنفا ، ثم مات ثقبة بعد أيام قليلة فى أوائل شوال سنة اثنتين وستين وسبعمائة ، فبادر عجلان وجماعته إلى مكة ، وأشرك معه ولده أحمد فى إمرتها ، وأمره بالطواف بالبيت ، وأمر عبد السلام المؤذن أن يدعو له إذا طاف على زمزم وبعد المغرب ، على عادة أمراء مكة فى ذلك ، وجعل له ربع المتحصل لأمير مكة يصرفه فى خاصته ، وعلى عجلان تكفية العسكر.

واستمرا على ذلك مدة ، ثم إن بعض بنى حسن ، حسنوا لأحمد بن عجلان ، أن يسأل أباه فى السماح له بربع آخر من المتحصل ، وحملهم على ذلك الحنق على عجلان ، لزعمهم أنه قصر فى حقهم ، فامتنع عجلان عن موافقة ابنه على ذلك ، وهم بمباينته ، ثم ترك ، لتحققه أن بنى حسن قصدت بذلك تحصيل شىء منه ، ورأى أن إسعاف ابنه بمراده أولى من إسعافهم بقصدهم منه ، فإنه قد لا يفيده ، وصار لأحمد نصف المتحصل ولأبيه مثله ، ولكل منهما نواب تقبض ما يخصه واستمرا على ذلك إلى أن ترك عجلان ما كان له لابنه أحمد.

٥٦

وقيل أن سبب تركه لذلك ، أنه كان رغب فى أن يكون ابنه محمد بن عجلان ضدا لولده أحمد ، بأن يفعل فى البلاد فعلا يظهر به محمد ، ويغضب منه أحمد ، فيلين بذلك جانب أحمد لأبيه ؛ لأنه كان قوى عليه ، وينال بذلك مقاصد من ابنه أحمد ، فكتب عجلان ورقة إلى ابنه محمد ، يأمره بأن يشغب هو وأصهاره الأشراف على أحمد بن عجلان ، وأن يأخذ من خيل أبيه ما شاء ، ويذهب إلى نخلة ، فيأخذ منها أدرعا له هناك مودعة ، ويأخذ ممن هى عنده ما يحتاج إليه من المصروف ، فوصلت ورقته إلى ابنه محمد ، وهو فى لهو مع بعض أصدقاء أخيه أحمد ، فأوقفهم على ورقة أبيه ، فاستغفلوه وبعثوا بها إلى أخيه أحمد ، وأشغلوه باللهو إلى أن بلغ أخاه الخبر ، فقصد أحمد أباه فى جمع كثير ، معاتبا له على ما فعل ، وكان قد بلغه ما كان من ابنه محمد ، وشق عليه ذلك كثيرا ، فاعتذر لأحمد ، وما وجد شيئا يتنصل به إلا السماح له بترك الإمرة ، وظن أنه يعجز عما يشترطه عليه عوضا فى الترك.

وكان فى نفسه ثلاثمائة ألف درهم فيما قيل ، بعضها فى مقابلة الإمرة ، وبعضها فى ثمن خيل يبيعها له أبوه لعدم حاجته إليها ، إذ لم يكن أميرا ، فالتزم أحمد مقصود أبيه من المال ، وأعانه عليه جماعة من التجار.

فلما تيسر له المبلغ المطلوب منه ، ندم أبوه ورام أن يعرض عن قوله فما قدر عليه ، وما وسعه إلا الموافقة ، فاشترط على ابنه أيضا أن يكون له بعض الرسوم التى لأمير مكة ـ وبلغنى أنه رسم مصر ـ وأن يديم له ذلك مدة حياته ، مع الخطبة له والدعاء على زمزم ، فالتزم له ابنه بذلك ، وأشهد كل منهما على نفسه بما التزمه ، جماعة من أعيان الحرم ، وأنهى هذا الحال لصاحب مصر ، أن عجلان ترك نصيبه فى الإمرة لابنه أحمد ، وأنه والمجاورين يسألون تقرير أحمد فى ولاية مكة بمفرده ؛ فأجاب السلطان إلى ذلك. وذكر لى بعض الناس ، أن ذلك كان فى سنة أربع وسبعين وسبعمائة ، وذكر لى بعضهم ما يدل على أنه قبل ذلك بسنتين أو نحوهما. والله أعلم.

واستمر أحمد منفردا بالإمرة ، إلى أن أشرك معه فيها ابنه محمد بن أحمد فى سنة ثمانين وسبعمائة ، وما كان لمشاركته فى ذلك أثر ؛ لأن السيد أحمد هو القائم بمصالح العسكر ، وإليه النظر فى جميع الأمور ، واشتمل على ذلك إلى أن مات السيد أحمد.

وكان بعد موت أبيه عزم على السفر إلى جهة ينبع ، فقيل لحرب أميرها ، وقيل لإزالة أمر بوادى الصفراء (١) أمر بإزالته لضرر حصل منه للحاج ، فلما نزل الهدة هدة بنى

__________________

(١) الصّفراء : بلفظ تأنيث الأصفر من الألوان ، وادى الصفراء : من ناحية المدينة ، وهو واد كثير النخل والزرع والخير فى طريق الحاج وسلكه ، وبينه وبين بدر مرحلة ، قال عرّام بن ـ

٥٧

جابر ، متوجها لقصده ، بلغه أن بنى عمه أولاد ثقبة ، بانوا عنه ، وحالفوا عليه بعض بنى حسن من ذوى عبد الكريم ، فأعرض عن قصده ، وبعث إلى مكة فرسانا لصونها ، وكشف عن خبرهم ، فبلغه أنهم توجهوا صوب وادى نخلة ، وأنهم لقوا فى طريقهم سليمان بن راشد أحد تجار مكة وابنه حسب الله ، واختطفوهما وذهبوا بهما معهم إلى الشرق وساروا فى أثرهم إلى أن بلغ سولة (٢) بنخلة اليمانية ، فأشير عليه بالمقام هناك ، وأن يبعث إليهم فرسانا لاستنقاذ ابن راشد وابنه ، فبلغتهم فرسانه وهم فى كثرة وغفلة ، فأوهموهم أنه فى الأثر ، ففروا وظفروا أصحاب أحمد بابن راشد وابنه ، وعادوا بهما إليه ، ورجع أحمد بعد ذلك إلى مكة ، ثم توصل بنو عمه إلى نخلة ومعهم أفراس عديدة ، فقصدهم بعض بنى حسن ، وأوهمهم أنه يصل إليهم جماعة من بنى حسن لميلهم إليهم ، حنقا على أحمد بن عجلان ، وبينما هم على ذلك ، وإذا بخيل أحمد بن عجلان قد دهمتهم مع عسكره ، ففر بنو ثقبة ، وما سلمت أرواحهم إلا بجهد وقبض على بعض جماعتهم ، وأعانهم على ذلك أنهم ظفروا بطليعة ذوى ثقبة ، فلم يتيقظوا لأصحاب أحمد ، ورجع عسكره إلى مكة ، ولمّ بنخلة خوفا من البيات بها ، بعد أن كان أجمع على ذلك ، ثم توصل بنو عمه المشار إليهم إلى مصر ، بعد قتل الأشرف شعبان صاحب مصر ، وكتب لهم القائمون بعده إلى أحمد بن عجلان بملاطفتهم وإكرامهم ، ورسموا لهم بأن يصرف لهم فى كل سنة ستين ألف درهم ، وقالوا لهم : إذا لم يرض عزلناه ، وأحسنوا إليهم بشىء يتجهزون به.

فوصلوا إلى أحمد وأعلموه الخبر ، فلاطفهم وأرضاهم فيما رسم لهم به ، وتوالفوا مدة ، ثم حصل كدر فى نفسه منهم ، ومن عنان بن مغامس بن رميثة ، ومن أولاد مبارك بن رميثة ، لميلهم عليه مع صاحب حلى (٣) ؛ لأن أحمد بن عجلان رغب فى أن يزيده صاحب حلى فى العادة التى جرت بأن يسلمها إليه صاحب حلى ، فلم يوافق على الزيادة لعظمها ، واستعان عليه بالقواد العمرة ، فما أفادوه ، فاستعان القواد بعنان ، وبنى

__________________

ـ الأصبغ السّلمى : الصفراء قرية كثيرة النخل والمزارع وماؤها عيون كلّها ، وهى فوق ينبع مما يلى المدينة وماؤها يجرى إلى ينبع. انظر : معجم البلدان (الصفراء).

(٢) سولة : قلعة على رابية بوادى نخلة تحتها عين جارية ونخل ، وهى لبنى مسعود بطن من هذيل. انظر : معجم البلدان (سولة).

(٣) حلى : بالفتح ثم السكون ، بوزن ظبى ، قال عمارة اليمنى : حلى مدينة باليمن على ساحل البحر ، بينها وبين السرين يوم واحد ، وبينها وبين مكة ثمانية أيام. انظر : معجم البلدان (حلى).

٥٨

ثقبة ، فالتزموا لهم بأن يخذلوا أحمد بن عجلان عن قصده لصاحب حلى.

وكان قد أجمع على ذلك ، فإن لم يطعهم مالوا عنه إلى صاحب حلى. وحلفوا له على ذلك ، وحلف معهم عليه بنو مبارك.

وبلغ ذلك أحمد بن عجلان وهو بمكان يقال له أم غراب ، قريب من الحسبة (٤) ، ودوقة (٥) ، وهو على يوم من حلى للمجد فى السير ، فلاطف أحمد صاحب حلى ، وقنع منه بزيادة دون التى فى نفسه ، وأمر عنانا بمباينته ، فبان عنه ونهب إبلا كثيرة للأعراب ، وحصل أفراسا وسلاحا ، فلاطفه أحمد ، فاستدعاه إليه ، فحضر إليه وأكرمه ، ثم أغرى حسن بن ثقبة لعتبهم عليه ، فى أمر خفر جوارهم فيه. ومن عادة العرب أن يقتل من خفر جوارهم.

فما تم لأحمد مراد فى عنان ؛ لأن أحمد بن ثقبة نهى عن قتله. ولما عرف ذلك أحمد ، أغرى عنانا بأحمد بن ثقبة ؛ لأن أخاه حسن بن ثقبة ممن اتهم بقتل محمد بن مغامس أخى عنان ، ومن عادة العرب أن لا يقتصروا فى القصاص على القاتل ، بل يقتلوا غيره من جماعته ، إذا كان أحشم من القاتل ، فكاد عنان أن يفعل ما أمره به ، ثم ترك ، وعرف عنان وبنو ثقبة بما كان من أحمد بن عجلان فى حقهم ؛ فسافر عنان وحسن بن ثقبة إلى مصر ، وشكيا من أحمد بن عجلان تقصيرا كثيرا ، فرسم لهما صاحب مصر الملك الظاهر بخطام فى الزاملة خمسة وسبعون درهما ، وبأبى عروة قرية بوادى مر ، بيد أمير مكة ، وغير ذلك مما يكون ، ربع المتحصل لأمير مكة.

وكان أحمد قد اتبعهم بكبيش وهدية سنية للملك الظاهر ، فرأى كبيش من الدولة إقبالا على عنان ، فالتزم بالموافقة على ما رسم به السلطان لعنان ، وحسن بن ثقبة ، وسالمهما حتى توصل إلى مكة ، فعرف أحمد بن عجلان الخبر ، وقال له : لابد من موافقتك على ما رسم به لعنان أو قتله ، فمال إلى قتله ، وسئل أحمد فى أن يخبر عنانا وحسن بن ثقبة ، ففعل ، وثوثق الساعى فى ذلك منه.

وكان الساعى لعنان فى الجيرة ، حسن بن ثقبة. فحضر إليه عنان فى أيام الموسم ، ثم فرّ منه عنان والناس بمنى ، ولحقه حسن بن ثقبة ؛ لأنه لم يوافق على ما وصلا به ، ثم إن

__________________

(٤) الحسبة : واد بنيه وبين السرين ، سرى ليلة من جهة اليمن. انظر : معجم البلدان (الحسبة).

(٥) دوقة : واد طريق الحاج من صنعاء فى اتجاه تهامة. انظر : معجم البلدان (دوقة).

٥٩

أبا بكر بن سنقر الجمالى أمير الحاج المصرى وغيره من أحباب أحمد بن عجلان ؛ قالوا لعنان وابن ثقبة : ارجعا إلى أحمد ، فإنه يجيب إلى ما طلبتما ، ونكتب إليه بذلك فلا يخالف. وهذا أخوه محمد يرجع معكما.

وكان توجه إلى مصر مغاضبا لأخيه وطالبا لخير يحصل له بمصر ، وحسنوا لمحمد أن يرجع معهما ، وأنهم يأمروا أحمد بكرامته ؛ فرجعوا إلى أحمد ، ولم يتوثق محمد من أحمد لمن قدم به ، ظنا منه أنه لا يخفره ، وأنه إذا لم يوافق على مقصودهما ردهما إلى مأمنهما.

ومن الناس من يقول : إنه ندب أخاه محمدا لإحضارهما ، فحضرا معه لذلك ، واجتمعوا بالسيد أحمد ، وقد جلس لهم مجلسا عامّا فيه الترك والعبيد ، وقرر معهم أن يقبضوا على عنان وحسن بن ثقبة إذا أشار إليهم بذلك.

فلما أشار بذلك قبضوا عليهما ، وركب من فوره إلى أحمد بن ثقبة ، وقبض عليه وعلى ولده على بن أحمد.

وكان أحمد بن ثقبة مظهرا طاعة أحمد بن عجلان ومعرضا عن موافقة أخيه حسن وعنان ، فما أفاده ذلك ، وقيد الجميع وضم إليهم أخاه محمد بن عجلان ؛ وسجن الخمسة بأجياد (٦) مدة يسيرة ، ثم بالعلقمية ، واستمروا بها إلى موسم سنة سبع وثمانين وسبعمائة ، وفى أولها كان القبض عليهم ، وفى موسمها نقلهم إلى أجياد ، وفى موسمها وصل إليه كتاب السلطان من مصر بإطلاقهم فلم يفعل ، ونقلهم بعد الموسم من أجياد إلى العلقمية عند المروة ، وكادوا أن يفلتوا منها فى أثناء سنة ثمان وثمانين ، ففطن لهم وردوا ، غير عنان فإنه نجا وتوصل إلى مصر ، وكان من أمره ما يأتى ذكره.

وبلغنى أن أحمد بن عجلان كتب إلى الملك الظاهر صاحب مصر ، يسأله فى رد عنان إليه ، فكتب إليه : وأما ما ذكرت من جهة عنان ، فإن الله سبحانه وتعالى يقول : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) [التوبة :]. واستمر المذكورون فى سجن أحمد حتى مات ، فكحلوا بعده بنحو عشرة أيام ، وألم لذلك الناس ، وما حصل للراغب فى ذلك راحة ، وكان المتظاهر بذلك محمد بن أحمد بن عجلان ، فقتل بعد كحلهم بتسعين يوما ، وقتل كبيش بعد كحلهم بسنة ، وكانوا ترققوا لمحمد بن أحمد بن عجلان عند كحلهم ، فما أفادهم ذلك وترققوا لأبيه بأشعار كتبوها إليه ، فما أجدت ، فتم على كل منهم ما قضى الله به عليه.

__________________

(٦) أجياد : بفتح أوله وسكون ثانيه ، موضع بمكة يلى الصفا. انظر : معجم البلدان (أجياد).

٦٠