أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

الجيوش من جانبه جيشا كبيرا والتقى الطرفان في نواحي النعمانية أسفرت عن هزيمة أبي جعفر.

ثمّ ذهب عميد الجيوش إلى خوزستان (بعد هزيمة أبي جعفر) فعاد أبو جعفر إلى الكوفة ، ولمّا سمع عميد الجيوش بذلك رجع إلى العراق ، فكانت بينه وبين أبي جعفر منازعات ومراجعات إلى أن اشتعلت الحرب بينهما (ثانية) فاستنجد كلّ واحد منهما ببني عقيل وبني خفاجه وبني أسد ، وبينما هما في تلك الحال أرسل بهاء الدولة إلى عميد الجيوش يستدعيه (١).

وفي سنة (٣٩٥) للهجرة ، وصل قرواش بن المقلد وأبو جعفر الحجاج إلى الكوفة فقبضا على أبي عليّ (عمر بن محمّد بن عمر العلوي) وأخذ منه قرواش مائة ألف دينار ، وأخذه معه إلى الأنبار (٢).

مات أبو جعفر الحجاج سنة (٤٠٠) (٣) للهجرة.

١٠٩ ـ عليّ بن مزيد الأسدي :

وكنيته : أبو الحسن.

وعليّ بن مزيد هو أوّل الأمراء المزيديين (أصحاب الحلّة) له المكانة الجيدة في عالم الأدب ، إضافة إلى نفوذه السياسي ، فقد كان كريما شجاعا ، يتحلّى بالصفات الحميدة ، والمزايا الحسنة.

وكانت قبيلة خفاجة قد غارت على الكوفة وسوادها فنهبتها فأوعز السلطان (فخر الملك) إلى عليّ بن مزيد ، أن يردّ خفاجة عن الكوفة ، فتمكّن عليّ من إعادة الكوفة من أيدي الخفاجيين ، وهذا مما دفع فخر

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ١٨٥.

(٣) المصدر السابق. ج ٩ / ٢١٩.

٧٢١

الملك أن يجعله نائبا عنه على الكوفة (١).

وفي سنة (٣٩٢) للهجرة ، اتّفق بنو خفاجة مع البويهيين ، فنهبوا حلله وأمواله ، إضافة إلى ما قاموا به من نهب بعض النواحي التابعة له وخاصة الكوفة (٢).

وفي سنة (٤٠٣) للهجرة ، تعرض أبو فليته بن القوي الخفاجي لقوافل الحجّاج فاعتقلهم ومنعهم من المرور ما لم يدفعوا له خمسين ألف دينار ، فرفضوا ذلك ، عندها استولى على جمالهم وأموالهم ، وقيل مات من الحجّاج أكثر من خمسة عشر ألف شخص ، ولم ينجوا منهم إلّا القليل ، فكتب فخر الملك إلى عليّ بن مزيد يأمره بملاحقة الأعراب ، ويوقع بهم قتلا وأسرا ، وبما يشفي الصدور ، فذهب إليهم عليّ ولحقهم في الصحراء حتّى قاربوا البصرة ، فقتل منهم الكثير ، وأسر (أبا فليتة) وأربعة عشر رجلا من وجوه بني خفاجة ، ثمّ استرجع ما أمكنه من الأموال الّتي نهبوها من الحجّاج ، ورجع إلى الكوفة ، وبعث بالأسرى إلى بغداد (٣).

وفي سنة (٤٠٨) للهجرة ، ذهب عليّ بن مزيد إلى السلطان ، فمرض في الطريق فبعث ابنه (دبيس) نيابة عنه ، وكتب إلى السلطان يطلب منه أن يقلد ولده (دبيس) ولاية العهد وأن يقرّه على أعماله ، فأجيب إلى ذلك وخلع على دبيس ، وكتب له منشورا بالولاية (٤).

وعند ما كان عليّ في (النيّل) أرسل إليه الشاعر المعروف (مهيار

__________________

(١) عبد الجبار ناجي ـ الإمارة المزيدية. ص ٦٨ و٧٠.

(٢) نفس المصدر اعلاه.

(٣) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٦١.

(٤) المصدر السابق.

٧٢٢

الديلمي) قصيدة يمدحه فيها جاء منها (١) :

قل للأمير ولو قلت السماء به

مفصوحة الجود لم تظلم ولم تحب

أعطيت مالك ، حتّى دبّ حادثه

أردت فيها الّذي تعطى فلم تصب

وفي سنة (٤٠٣) للهجرة ، قلّده فخر الدولة البويهي أمر الجزيرة الدبيسيّة ، ثمّ حدثت بعد ذلك بينه وبين مضر بن دبيس حروب طويلة ، انتهت بخروج عليّ من الجزيرة الدبيسية ، وانحصرت إمارته في نواحي الحلّة فقط (٢).

مات عليّ بن مزيد في الحلّة سنة (٤٠٨) (٣) للهجرة ، بعد أن كافح وناضل حوالي عشرين سنة في سبيل تحقيق أمانيه ، وذلك بتثبيت أسس الإمارة المزيدية وتوسيع حدودها.

١١٠ ـ دبيس بن عليّ بن مزيد الأسدي :

وكنيته : أبو الأغرّ ، ولقبه : نور الدولة ، أمير بادية الحلّة (قبل بنائها).

أرسله أبوه إلى السلطان (فخر الملك) سنة (٤٠٨) للهجرة ، نيابة عنه ، وطلب من السلطان أن يقلّده ولاية العهد ، وأن يقرّه على أعماله ، فأجيب إلى ذلك ، وخلع على دبيس وكتب له منشورا بالولاية (٤).

ولمّا استلم دبيس زعامة بني مزيد بعد وفاة أبيه ثارت عليه فتن كثيرة ، فقد هاجمت قبيلة خفاجة (الجامعين) (٥) فاحتلتها ، فاستنجد دبيس

__________________

(١) نفس المصدر اعلاه وعبد الجبار ناجي ـ الإمارة المزيدية. ص ٧٤.

(٢) الزركلي ـ الأعلام. ج ٥ / ١٧٣.

(٣) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٨٩ وعبد الجبار ناجي ـ الإمارة المزيدية. ص ٧٤.

(٤) المنتظم ج ٧ / ٢٨٩.

(٥) الجامعين : أسم مكان قرب قصر ابن هبيرة ، وقيل أنها هي الحلة بالذات.

٧٢٣

بالبساسيري (١) ، فتمكّنا من دحر خفاجة ، وإبعادها عن الجامعين ، ثمّ أخذ البساسيري بملاحقة خفاجة حتّى أوصلهم إلى الصحراء ، وبذلك فقد تمكن دبيس من إبعاد خفاجة عن المنطقة ، كي يصبح زعيما دون منافس ، وأصبحت إمارته تضم (الكوفة) وأطرافها و (الجامعين) و (سورا) و (النيّل) وأطرافها (٢).

ولمّا استتبت له الأمور حرضّه البساسيري على عداء بني العبّاس ، وموالاة الفاطميين (خلفاء مصر) ، ثمّ هاجما بغداد سنة (٤٥٠) للهجرة ، واستوليا عليها وأقاما الخطبة فيها للفاطميين ، ولكن الأمر لم يدم لهما طويلا إذ سرعان ما حاربهما السلطان (طغرلبك) السلجوقي ، فانهزم دبيس ، وقتل البساسيري سنة (٤٥١) للهجرة ، وبعد ذلك عفي عن دبيس ، وأقرّ في إمارته إلى أن مات (٣).

مات دبيس بن عليّ في ليلة الأحد في العاشر من شهر شوال من سنة (٤٧٣) للهجرة ، وقيل سنة (٤٧٤) (٤) وكانت إمارته (٥٧) سنة وقيل (٦٧) سنة وكان عمره (٨٠) سنة ، وقد ولّي إمارة بني مزيد وعمره (١٤) (٥) سنة.

١١١ ـ منيع بن حسّان :

هو : أبو الفتيان منيع بن حسان الخفاجي ، تولّى زعامة بني خفاجة

__________________

(١) البساسيري : واسمه أرسلان ، من المماليك الأتراك ومن مماليك بهاء الدولة بن عضد الدولة البويهي وهو من مدينة (بسا) في خراسان. وقد تقلبت به الأمور ، حتّى وصل إلى المقام الرفيع في الدولة العباسيّة المتأخرة.

(٢) عبد الجبار ناجي ـ الإمارة المزيدية. ص ٨٢.

(٣) الزركلي ـ الأعلام. ج ٣ / ١٣. ط ٢.

(٤) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٢ / ٢٨١ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ١٢١.

(٥) وفيات الاعيان ج ٢ / ٢٨١ والكامل ج ٩ / ١٢١.

٧٢٤

بعد سلطان بن ثمال الخفاجي سنة (٤١٥) (١) للهجرة.

وفي سنة (٤١٧) للهجرة ، ذهب منيع بن حسان إلى (الجامعين) فنهبها (وكانت آنذاك تابعة لنور الدولة) دبيس بن مزيد الأسدي ، فتبعه دبيس إلى الكوفة ، ولمّا سمع منيع بمجيء دبيس ذهب إلى الأنبار (وكانت حينذاك تابعة لقرواش بن المقلد) فحصلت معركة بين منيع وأهل الأنبار انتهت المعركة بدخول بني خفاجة إلى الأنبار فنهبوها وأحرقوا أسواقها ، وأراد قرواش أن يذهب إلى الأنبار لتحريرها إلّا أنّ مرضه حال دون ذلك ، وهذا مما شجع بنو خفاجة على العودة إلى الأنبار فأحرقوها ثانية (٢).

وفي هذه السنة أيضا ، أعني سنة (٤١٧) للهجرة ، ذهب قرواش إلى (الجامعين) واجتمع بنور الدولة دبيس بن مزيد الأسدي ومعهما عشرة آلاف مقاتل ، وكان تعداد قبيلة خفاجة ألف فارس ومع ذلك فلم يتقدم قرواش لمحاربتها ، فعاد إلى الأنبار (٣).

ثمّ ذهب منيع بن حسان (بعد ذلك) إلى الملك (أبي كاليجار) وأعلن له الطاعة ، فخلع عليه الملك أبو كاليجار ، ثمّ دخل منيع إلى الكوفة ، وخطب فيها لأبي كاليجار ، وأزال حكم بني عقيل عن سقي الفرات (٤).

١١٢ ـ الحسن بن أبي البركات :

هو الحسن وقيل (أبو الحسن) (٥) بن أبي البركات بن ثمال الخفاجي.

__________________

(١) محمّد عبد المنعم خفاجي ـ الدولة الخفاجية في التاريخ. ص ٣٦.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٣٥٤ وعبد الجبار ناجي ـ الإمارة المزيدية. ص ٨٢. ومعن صالح مهديّ الربيعي ـ الكوفة في العصر العباسي. ص ٣١.

(٣) الكامل. ج ٩ / ٣٥٥.

(٤) نفس المصدر اعلاه.

(٥) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٨ / ٨٣.

٧٢٥

ثار الحسن بن أبي البركات على عمّه عليّ بن ثمال الخفاجي (أمير خفاجة) في شهر ذي الحجّة من سنة (٤٢٥) وقيل سنة (٤٢٦) للهجرة ، فقتله ، واستحوذ على الإمارة (١).

وفي نفس هذه السنة ذهب الحسن إلى الكوفة فنهبها ، وأراد تخريبها ، ثمّ قطع الماء عن النخيل فمات أكثره عطشا (٢).

١١٣ ـ محمود بن الأخرم الخفاجي :

هو أحد أمراء بني خفاجة ، تولّى الأمرة بعد الأمير رجب بن منيع ، وذكر محمّد عبد المنعم خفاجي بأنّ محمودا تولّى إمارة بني خفاجة بعد الأمير منيع (٣).

عيّنه البساسيري أميرا على الكوفة سنة (٤٥٠) (٤) للهجرة.

وكان محمود الخفاجي قد خطب في سنة (٤٤٧) للهجرة ، في (شثاثة) (٥) للخليفة (المستنصر بالله) الخليفة العلوي في مصر ، وصار في طاعته ، وخرج عن الولاء لبني العبّاس ، ثمّ إنّ السلطان (طغرلبك) استرضى الأمير محمودا في سنة (٤٤٩) للهجرة ، وأقنعه بالعودة إلى طاعته.

وفي سنة (٤٥٢) للهجرة ، خلع السلطان (طغرلبك) على الأمير محمود الخفاجي ، وردّ إليه إمارة بني خفاجة ، وولاية الكوفة ، وسقي الفرات ، وذلك

__________________

(١) المنتظم ج ٨ / ٨٣ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٤٤٤ ، ومحمّد عبد المنعم خفاجي ـ الدولة الخفاجية في التاريخ. ص ٣٨.

(٢) الكامل ج ٩ / ٤٤٤. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٨ / ٨٣ ومحمّد عبد المنعم خفاجي ـ الدولة الخفاجية في التاريخ. ص ٣٨.

(٣) محمّد عبد المنعم خفاجي ـ الدولة الخفاجية في التاريخ. ص ٤٠.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٦٤٤.

(٥) شثاثة : أسم مدينة قرب كربلاء مشهورة بالتمر والمياه المعدنية.

٧٢٦

بعد عزل الأمير رجب بن منيع الخفاجي (١).

١١٤ ـ رجب بن منيع :

هو رجب بن منيع بن حسّان الخفاجي ، أحد أمراء بني خفاجة على الكوفة.

تولّى رجب الإمارة بعد أبيه (منيع) ، وبقي عليها إلى أن عزله السلطان (طغرلبك) سنة (٤٥٢) للهجرة ، وعيّن مكانه محمود بن الأخرم الخفاجي.

وذكر ابن (٢) الجوزي بأن بدران بن سلطان بن ثمال الخفاجي قد مات سنة (٤٣٨) للهجرة ، فانتخب بعده رجب بن منيع بن ثمال أميرا على بني خفاجه ، ثمّ أسر (سرخاب بن محمّد أبو الفتح بن ورام) وابنه وأخوه وخالد ابن عمر وسعدي بن فارس ، ثمّ قتل بعد ذلك (ورام) وابنيه ، وصلبهما (٣).

١١٥ ـ بركة بن المقلد :

هو بركة بن المقلد بن المسيب العقيلي ، تولّى إمارة (الموصل والكوفة) بعد أخيه قرواش سنة (٤٤١) للهجرة ، وكنيته : أبو كامل ، ولقبه : زعيم الدولة.

وبركة هو من أمراء بني عقيل الشجعان ، وقد حارب (التركمان) لمّا استولوا على الموصل ، وقد أصيب في حربه تلك بعدّة جراحات.

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ١٠ / ١٢ وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ٤٦٦ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٨٢ وعبد الجبار ناجي ـ الإمارة المزيدية. ص ٤١.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ١٠ / ١٢ وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ٤٦٦ ومحمّد عبد المنعم خفاجي ـ الدولة الخفاجيه في التاريخ. ص ٤٠.

(٣) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٨ / ١٣٠.

٧٢٧

وكان بركة وأخوه قرواش يقيمان في الموصل ويحكمان البلاد سويّة ، ثمّ تمكن بركة من التحكم بالبلاد ، والاستبداد برأيه دون مشورة أخيه ، فاستاء منه قرواش فذهب إلى بغداد ، ولمّا سمع بركة بذلك ، أرسل جماعة من أعيان أصحابه إلى قرواش ، يحذرونه من الفرقة والاختلاف. وبعد مناقشات قبل قرواش العودة على شرط أن يسكن دار الإمارة بالموصل (١).

ولمّا جاء قرواش إلى الموصل قبض عليه أخوه بركة وقيّده بسلاسل من حديد ، ثمّ حبسه في (الجراحية) ، وتولّى الأمر لوحده ، ولقب نفسه (زعيم الدولة). ولم تدم زعامة هذا الزعيم طويلا ، إذ لم يبق في إمارته سوى سنتين ، حيث مات في شهر ذي الحجّة من سنة (٤٤٣) (٢) للهجرة في تكريت ، وقيل مات في شهر رمضان من هذه السنة (٣) ، متأثرا من إصاباته في معاركه مع التركمان ، ودفن في مشهد الخضر بتكريت ، ثمّ اجتمع العرب من أصحاب بركة ، وقرروا تأمير علم الدين أبي المعالي قريش بن بدران ابن المقلد (٤).

١١٦ ـ قريش بن بدران العقيلي :

هو : قريش بن (أبي الفضل) بدران بن المقلد ، وكنيته : أبو المعالي ، وقيل (علم الدين أبو المعالي) (٥).

وقريش بن بدران ، من الأمراء الدهاة الشجعان ، وهو (صاحب

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٥٦٤ والزركلي ـ الأعلام. ج ٢ / ٢٠.

(٢) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٥ / ٢٦٧ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٨ / ١٥١. ط ١٣٥٩ ه‍.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٥٦٤.

(٤) نفس المصدر السابق.

(٥) المصدر اعلاه. ج ٩ / ٥٧٩.

٧٢٨

حلب) وقد دامت دولته عشر سنوات. وتولّى قريش إمارة الموصل والكوفة بعد وفاة عمّه (بركة بن المقلد) سنة (٤٤٣) (١) للهجرة.

وأوّل عمل قام به قريش هو قتل عمّه (قرواش بن المقلد) وذلك بعد أن خرج من السجن في أوّل شهر رجب من سنة (٤٤٤) للهجرة.

وفي شهر شعبان من سنة (٤٤٦) للهجرة ، استولى قريش على مدينة الأنبار ، وخطب فيها (لطغرلبك) وفي كافة أعماله ، ونهب جميع ما كان في الأنبار (للبساسيري) (٢) من الأموال.

ونهب كذلك حلل أصحابه (بالخالص) (٣) ، ولمّا سمع البساسيري بذلك جمع جيشا وجاء إلى الأنبار ، فاستعادها من قريش (٤).

وفي نهاية شهر شوال من سنة (٤٤٨) للهجرة ، كانت معركة بين قريش بن بدران ومعه (قتلمس) وبين البساسيري ومعه (نور الدولة) دبيس بن مزيد (أمير الحلّة) وكانت المعركة في سنجار ، فانهزم قريش وقتلمس ، وقتل وجرح الكثير من أصحاب قريش ، كما وجرح قريش في هذه المعركة (٥).

ثمّ تصالح قريش بعد ذلك مع دبيس بن مزيد ، وتمّ الصلح بينهما وبين السلطان (طغرلبك) ، فأعطى لقريش (نهر الملك) وبادوريا ، وهيت ، وتكريت ، والموصل ، ونصيبين (٦).

__________________

(١) الكامل. ج ٩ / ٥٧٩ وابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٥ / ٢٦٧ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٨ / ١٥١.

(٢) البساسيري : ولقبه أبو الحارث المظفر البساسيري التركي ، سيطر على الدولة العباسيّة في خلافة القائم بأمر الله ، وخطب للخليفة العلوي في مصر. قتل سنة (٤٥١).

(٣) الخالص : أحد أقضية محافظة ديالى على طريق كركوك.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٦٠٠.

(٥) المصدر السابق. ج ٩ / ٦٢٥.

(٦) نفس المصدر اعلاه.

٧٢٩

واتفق قريش مع أرسلان البساسيري على نهب دار الخلافة ، ولمّا سمع الخليفة (القائم بأمر الله) بذلك بعث إلى السلطان (طغرلبك) ليرضى عنه ، وفي تلك الفترة مات قريش بن بدران في نصيبين على أثر نزيف خرج من فمه وأنفه وعينيه وأذنيه ، وقيل أصيب بمرض الطاعون وكان عمره (٥١) سنة ، وقيل مات خارج نصيبين ، فحمله ابنه (شرف الدولة) إلى نصيبين ، كان ذلك سنة (٤٥٣) (١) للهجرة.

ولمّا سمع فخر الدولة أبو نصر بن جهير بوفاة قريش ذهب إلى نصيبين ، وجمع عشائر بني عقيل ، فتمّ الاتّفاق على تأمير (أبي المكارم) مسلم بن قريش (٢).

١١٧ ـ منصور بن دبيس :

هو منصور بن دبيس بن عليّ بن مزيد الأسدي ، وكنيته : أبو كامل ، ولقّبه بهاء الدولة ، أمير الحلة وبادية العراق والنيّل وما يجاورهما ، وليها بعد أبيه سنة (٤٧٤) للهجرة (٣).

وكان منصور رجلا فاضلا ، ذكيا ، حسن السيرة ، عارفا بالأدب ، شاعرا ومن شعره أنّه قال (٤) :

فإن أنا لم أحمل عظيما ولم أقد

لهاما ، ولم أصبر على فعل معظم

ولم أحجز الجاني وأمنع جوره

غداة أنادي للفخار وأنتمي

فلا نهضت لي همّة عربية

إلى المجد ترقى بي ذرى كلّ محرم

__________________

(١) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٥ / ٢٦٧.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ١٠ / ١٧.

(٣) الزركلي ـ الأعلام. ج ٨ / ٢٣٧.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ١٥٠ وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١٢ / ١٣٠.

٧٣٠

وكان له صديق اسمه مالك ، فلما مات رثاه قائلا :

فإن كان أودى خدننا ، ونديمنا

أبو مالك ، فالنائبات تنوب

ولمّا مات السلطان ألب أرسلان ، اختلف السلطان ملكشاه مع السلطان قاورت ، فوقف منصور بن دبيس والأكراد إلى جانب السلطان ملكشاه (١).

مات منصور في شهر رجب من سنة (٤٧٨) (٢) للهجرة ، وقيل مات في أواخر شهر ربيع الأول من سنة (٤٧٩) (٣) للهجرة. ولمّا مات منصور بن دبيس أرسل الخليفة (المقتفي بالله) إلى ابنه صدقة يعزيه بوفاة أبيه ، ثمّ ذهب صدقة إلى السلطان ملكشاه ، فخلع عليه ، وولّاه ما كان لأبيه (٤). ولمّا سمع الوزير نظام الملك بوفاته قال : (مات أجلّ صاحب عمامة) (٥).

١١٨ ـ صدقه بن منصور :

هو : صدقة بن منصور بن دبيس المزيدي ، الناشري ، الأسدي ، وكنيته : أبو الحسن ، ولقبه (سيف الدولة. ولّي صدقة إمرة بني مزيد بعد وفاة أبيه سنة (٤٧٩) للهجرة ، فبنى مدينة الحلّة الفيحاء (٦) بالجامعين ما بين الكوفة وبغداد ، وأسكنها أهله وجنوده سنة (٤٩٥) (٧) للهجرة ، بعد أن كانوا

__________________

(١) عبد الجبار ناجي ـ الإمارة المزيدية. ص ١٨٣.

(٢) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٩ / ٢٥ وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١٢ / ١٣٠.

(٣) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٢ / ٤٩١.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ١٥١.

(٥) الكامل ج ٩ / ١٥٠ وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج / ١٢٣.

(٦) الزركلي ـ الأعلام. ج ٣ / ٢٩٠.

(٧) الأعلام ج ٣ / ٢٩٠ وابن الأثير ـ الكامل. ج ١٠ / ٣٥١.

٧٣١

يسكنون البيوت العربية (١).

وكان صدقة بن منصور شجاعا ، حازما ، طموحا إلى التغلّب والسيادة ، موصوفا بمكارم الأخلاق (٢).

وفي أيّامه كانت الفتن بين أبناء (ملكشاه) السلجوقي ، فذهب صدقه إلى الكوفة فاحتلّها ، ثمّ استولى على هيت ، وواسط ثمّ البصرة وخضع له ملك بادية العراق (٣).

وكان صدقه من أنصار السلطان محمّد بن ملكشاه ضدّ أخيه بركبارق أو (بركيارق) بن ملكشاه ، ولمّا مات بركيارق استبد أخوه السلطان محمّد بسياسته ، فأقطع مدينة واسط إلى صدقة بن منصور ، وسمح له بأخذ البصرة فاحتلّها سنة (٤٩٩) (٤) للهجرة ، وبقي فيها ستة عشر يوما وبعد أن أمن أهلها ، وهدأت الأحوال ، عاد صدقة إلى الحلّة في منتصف هذه السنة ، واستخلف عليها (اليونشاش) (٥) وترك معه مائة وعشرين فارسا.

ثمّ اجتمعت قبيلة ربيعة والمتقن ، فهجموا على البصرة ، فاحتلوها ، وأسّروا (اليونشاش) وظلّوا فيها شهرا ، ينهبون ويخرّبون ، ولمّا سمع صدقه بذلك ، أرسل جيشا إلى البصرة ، فوصلها بعد أن خرج الغزاة منها (٦).

وكانت في سنة (٤٧٧) للهجرة قد وقعت حرب بين مسلم بن قريش العقيلي وبين فخر الدين بن جهير ، انهزم مسلم ووصل إلى (آمد) عندها استولى فخر الدين على أموال مسلم وأموال العرب ، وأسر الكثير من

__________________

(١) البيوت العربية : المضارب والخيام.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ١٠ / ٣٥١ والزركلي ـ الأعلام. ج ٣ / ٢٩٠.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ١٠ / ٣٥١ والزركلي ـ الأعلام. ج ٣ / ٢٩٠.

(٤) تاريخ ابن خلدون. ج ٤ / ٢٨٢.

(٥) اليونشاش : أحد مماليك (دبيس) جدّ صدقة.

(٦) تاريخ ابن خلدون. ج ٤ / ٢٨٢.

٧٣٢

رجال مسلم ونساءه ، فدفع صدقة بن منصور الأموال الطائلة لقاء إطلاق سراح أسرى بني عقيل ونسائهم ، فأعيدوا جميعا إلى بلادهم.

فمدحه الشعراء ، ومنهم محمّد بن خليفة السنبسي بقصيدة نقتطف منها الأبيات التالية (١) :

كما أحرزت شكر بني عقيل

بآمد يوم كضّهم الحذار

غداة رمتهم الأتراك طرّا

بشهب في حواملها ازورار

فما جبنوا ، ولكن فاض بحر

عظيم لا تقاومه البحار

فحين تنازلوا تحت المنايا

وفيهنّ الرزّية والدمار

مننت عليهم ، وفككت عنهم

وفي أثناء حبلهم انتشار

ولو لا أنت لم ينفك منهم

أسير ، حين أعلقه الإسار

ثمّ غضب السلطان محمّد بن ملكشاه على صدقة ، ودارت بينهما معركة طاحنة ، وكان صدقة ينادي أثناء المعركة : (أنا ملك العرب ، أنا صدقة) فأصابه سهم فسقط على الأرض ، ثمّ جاءه غلام تركي فقتله ، فقطع رأسه وجاء به إلى السلطان ثمّ أرسلوه إلى بغداد ، وقتل خلال تلك المعركة من أنصار صدقة ثلاثة آلاف رجل ، وأسّر ابنه (دبيس) ، أما ابنه الآخر (بدران) فقد تمكّن من الفرار إلى الحلّة (٢). هذا وكان تعداد جيش بن ملكشاه (٥٠) ألف مقاتل (٣).

قتل صدقه بن منصور في مدينة النعمانية سنة (٥٠٤) (٤) للهجرة ، وقيل

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ١٠ / ١٣٥.

(٢) تاريخ ابن خلدون. ج ٤ / ٢٨٤.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ١٠ / ٣٥١ والزركلي ـ الأعلام. ج ٣ / ٢٩٠.

(٤) مؤلف مرآة الزمان. ج ٨ / ٢٥ وتاريخ ابن خلدون. ج ٤ / ٢٨٤.

٧٣٣

سنة (٥٠١) (١) وكان عمره (٥٥) سنة وكانت مدّة إمارته (٢٢) سنة ودفن في مشهد الإمام الحسين عليه‌السلام (٢).

١١٩ ـ الأمير جنغل قتلغ :

وقيل إنّ اسمه ختلغ بن كنتكين ، وكنيته : أبو منصور وهو أحد الأمراء الّذين أقطعت لهم ولاية الكوفة ، وكان أميرا للحجّاج لمدة اثنتي عشرة سنة (٣).

وقد اشتهر الأمير جنغل بحسن السيرة ، ومحافظا على الصلاة ، وتلاوة القرآن ، وقيل كان يختم القرآن في كلّ يوم ، وله علاقة جيدة بالعلماء والقرّاء ، وله أعمال حسنة بطريق مكّة ، حيث أصلح الأماكن الّتي يحتاجها الحجّاج وغيرهم ، كما وبنى مدرسة (على مذهب الحنفية) بمشهد النبيّ يونس عليه‌السلام في الكوفة ، وبنى مسجدا على نهر دجلة في الجانب الغربي من بغداد في مشرعة الكرخ. كما واشتهر جنغل بحروبه مع الأعراب ، حيث شهدت له تلك الحروب ببطولاته وشجاعته ، وقد أرعب قلوبهم ، وشتّت جمعهم.

مات جنغل يوم الخميس في السابع من شهر جمادي الأولى من سنة (٤٧٩) للهجرة ، ولمّا سمع الوزير نظام الملك بموته قال : (مات ألف رجل) (٤).

١٢٠ ـ الأمير قايماز :

واسمه عبد الله ، ولقبه قطب الدين ، كان مملوكا للخليفة (المستنجد بالله) ، وكانت له منزلة عظيمة ، وجاها كبيرا في خلافته.

__________________

(١) الزركلي ـ الأعلام. ج ٢ / ٣٣٦.

(٢) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٩ / ١٥٩.

(٣) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٩ / ٣١ وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١٢ / ١٣٢.

(٤) نفس المصدرين السابقين.

٧٣٤

أقطعه (١) السلطان (محمّد) السلجوقي ولاية الكوفة سنة (٤٩٨) للهجرة ، وأوصى صدقه بن دبيس (أمير الحلة) أن يحميه وأصحابه من هجمات قبيلة خفاجه ، فوافق صدقه على ذلك (٢).

ولمّا جاء (المستضيء بأمر الله) إلى الخلافة بعد (المستنجد بالله) بايعه قايماز ، فازدادت مكانته في الدولة ، فأصبح أميرا للجيش ، ثمّ صار وزيرا واستفحل أمره ، وسيطر على زمام الأمور في الدولة ، حتّى أنّ (المستضيء بأمر الله) أراد أن يعيّن وزيرا فمنعه من ذلك (٣). ثمّ حرّض الخليفة على عزل عضد الدين أبي الفرج من الوزراة ، وتزوّج بأخت علاء الدين تيامش.

ثمّ اختلف قايماز مع الخليفة (المستضيء بأمر الله) وأراد أن يقوم بعمل ما ضدّه ، إلّا أنّ المستضيء قد أحسّ به ، فهرب قايماز إلى الموصل ، وقيل إنّ الخليفة قد أمره بالذهاب إلى الموصل ، وفي الطريق أصابهم عطش شديد فمات قايماز ، ومات الكثير من أصحابه ، وبقي صهره علاء الدين تيامش في الموصل ، فطلب من الخليفة السماح له بالعودة إلى بغداد (٤).

وذكر بأنّ الفقهاء قد اجتمعوا للاستفتاء بحقّ (قايماز) وما تجب عليه من عقوبة لمخالفته للخليفة ، فقرروا بالإجماع بأنه (مارق) ، وبعد أيّام تبيّن أنّ قايماز قد مات في ناحية الموصل ودفن فيها ، وأنّ أكثر أصحابه مرضى (٥).

وذكر ابن الأثير بأنّ قايماز كان يلعب بالكرة في ميدان الخليفة فسقط

__________________

(١) عجزت الدولة العباسيّة (أيّام استيلاء السلاجقة على العراق) عن دفع رواتب الجيش فلجأت إلى توزيع (الاقطاعات) العسكرية إلى القادة والجنود الأتراك والديلم بدلا من الرواتب. (عبد الجبار ناجي ـ الإمارة المزيدية. ص ١).

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ١٠ / ٣٩٦.

(٣) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٩ / ٢٥٥.

(٤) تاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ٥٢٨.

(٥) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٩ / ٢٥٤.

٧٣٥

عن فرسه ، فمات من ساعته ، وذلك في شهر شعبان من سنة (٥٥٥) للهجرة ، فتأسف الناس عليه ، وحضر جنازته الكثير (١).

وقيل مات قايماز سنة (٥٥٧) (٢) للهجرة.

١٢١ ـ الأمير قاياز :

وهو أحد القادة الأتراك ، استحصل على (أقطاع الكوفة) سنة (٥٥١) للهجرة من قبل السلطان محمّد السلجوقي ، ثمّ عزل وأعقبه (برغش) الّذي كان (مقطعا) وأميرا للحجّاج (٣).

١٢٢ ـ الأمير أرغش :

وقيل (برغش) (٤) وهو أحد مماليك الخليفة (المستنجد بالله) في بغداد ، وكان من الذين أقطعت لهم ولاية الكوفة ، أقطعها له السلطان (محمّد السلجوقي) سنة (٥٥١) للهجرة وذلك بعد الأمير (قاياز) ، كما كان الأمير برغش أميرا للحجّاج.

وكانت قبيلة خفاجة قد اجتمعت سنة (٥٥٦) (٥) للهجرة ، وقررت الذهاب إلى الكوفة والحلّة ، والمطالبة بحصتها من رسوم الطعام والتمر ، وغير ذلك ، فمنعهم (أرغش) واتفق مع الأمير (قيصر) شحنة الحلّة ، فعندها أخذت خفاجه بنهب سواد الكوفة والحلّة ، فذهب إليهم (قيصر) ومعه

__________________

(١) ابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١٢ / ٢٤٢.

(٢) تاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ٢٥٥.

(٣) معن صالح مهديّ الربيعي ـ الكوفة في العصر العباسي. ص ٥٢.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ١١ / ٢٧٦ ومعن صالح مهديّ الربيعي ـ الكوفة في العصر العباسي. ص ٥٢.

(٥) ابن الأثير ـ الكامل. ج ١١ / ٢٧٦ وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ٥٢٣ ومحمّد عبد المنعم خفاجي ـ الدولة الخفاجية في التاريخ. ص ٢٨.

٧٣٦

مائتان وخمسون فارسا ، وخرج إليهم (أرغش) فانهزمت خفاجه ، فتبعتهم الجيوش إلى (رحبة الشام) عندها أرسل بنو خفاجه إلى قيصر وأرغش يعتذران اليهما ، قائلين : (رضينا بلبن الإبل وخبز الشعير ، وأنتم تمنعونا رسومنا) ، ثمّ طلبوا الصلح ، فرفض طلبهم.

ثمّ التحق كثير من الأعراب مع خفاجه ، فكانت معركة بين الطرفين ، قتل فيها قيصر ، وجرح أرغش ، ثمّ انهزمت الجيوش ، بعد أن قتل وأسر الكثير منهم ، ومات أكثر الجيوش المنهزمة عطشا في الصحراء (١).

أما أرغش فقد هرب والتجأ إلى شيخ (الرحبة) فأجاره ، وأخذ له الأمان ، ثمّ جاءت الجيوش من بغداد ، بقيادة الوزير عون الدين ابن هبيرة لمحاربة بني خفاجة ، ولمّا سمعت بنو خفاجة بذلك ذهبوا إلى البصرة ، وحصل الصلح بعد ذلك بين الطرفين وعاد الوزير ابن هبيرة إلى بغداد (٢).

وقد حجّ أرغش بالناس للأعوام (٥٥٥ ـ ٥٦١) (٣) وفي إحدى المعارك الّتي خاضها أرغش سنة (٥٦٢) للهجرة ، سقط عن فرسه فمات (٤).

١٢٣ ـ الوزير ابن هبيرة :

هو يحيى بن محمّد بن هبيرة بن محمّد بن هبيرة الذهلي الشيباني ، وكنيته : أبو المظفر ، ولقبه : عون الدين (٥).

وابن هبيرة هو من الذين أقطعت لهم ولاية الكوفة بعد سنة (٥٥١)

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ١١ / ٢٢٩ وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١٢ / ٢٤٤.

(٢) البداية والنهاية. ج ١٢ / ٢٤٢ ، ٢٤٥ ، ٢٤٦ ، ٢٥١ ومحمّد عبد المنعم خفاجي ـ الدولة الخفاجية. ص ٢٨.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ١١ / ٣٢٩.

(٥) ابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١٢ / ٢٥٠ والزركلي ـ الأعلام. ج ٩ / ٢٢٢.

٧٣٧

للهجرة ، وذلك (١) بعد الأمير برغش (٢).

وكان ابن هبيرة في بادي أمره ، فقيرا ، معدما حتّى تعرض للخدمة.

جاء في صباه من قرية قرب (الدجيل) إلى بغداد فقرأ التاريخ والأدب وعلوم التاريخ ، وتفقّه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، وكان يعقد في داره مجلسا للعلماء والفقهاء للمناظرة ، وحدث ذات يوم أن خاطب أحد الفقهاء ، وقال له : (يا حمار) ، ثمّ ندم بعد ذلك ندما كبيرا ، وطلب من ذلك الفقيه أن يخاطبه مثلما قال له ، فامتنع الفقيه ، ثمّ صالحه بعد ذلك على مائتي دينار (٣).

اتصل بالخليفة (المقتفي بالله) فولّاه بعض الأعمال ، فأبدى كفاءة عالية في شؤون عمله ، فارتفعت مكانته عنده حتّى استوزره سنة (٥٤٤) للهجرة.

وكان ابن هبيرة من خيرة الوزراء ، وأحسنهم معاملة للناس وأبعدهم عن الظلم والجور ، حتّى قال عنه الخليفة (المقتفي بالله) : (ما وزر لبني العبّاس مثله) ، ولقبه بعون الدين ، وكان لقبه سابقا (جلال الدين).

ولمّا مات الخليفة (المقتفي بالله) وجاء بعده ابنه (المستنجد بالله) بايعه الوزير ابن هبيرة ، فأعجب به الخليفة كثيرا ، وأصبح من خاصته ، فعن (مرجان الخادم) أنّه قال : كان الوزير ابن هبيرة ذات يوم عند الخليفة (المستنجد بالله) فقال له المستنجد شعرا من نظمه (٤) :

صفت نعمتان خصتاك وعمتا

فذكرهما حتّى القيامة يذكر

وجودك والدنيا إليك فقيرة

وجودك والمعروف في الناس ينكر

فلو رام يا يحيى مكانك جعفر

ويحيى لكفا عنه يحيى وجعفر

__________________

(١) معن صالح مهديّ الربيعي ـ الكوفة في العصر العباسي. ص ٥٢.

(٢) برغش : وقيل أرغش.

(٣) ابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١٢ / ٢٥٠.

(٤) نفس المصدر السابق وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١٠ / ٢١٤.

٧٣٨

ولم أر من ينوي لك السوء يا أبا

المظفر ، إلّا كنت أنت المظفر

وللوزير ابن هبيرة عدّة مؤلفات منها : (الإيضاح والتبيين في اختلاف الأئمة المجتهدين) و (الإشراف على مذاهب الأشراف) في الفقه ، و (الإفصاح عن معاني الصحاح) جزءان و (المقصد) في النحو ، شرحه ابن الخشاب في أربع مجلدات ، و (العبادات) في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، وأرجوزة (١) في (المقصور والممدود) وأرجوزة أخرى في (علم الخطّ) وغيرها. وكان ابن الجوزي (٢) أحد تلاميذه ، فجمع بعض ما سمع منه في كتاب سماّه (المقتبس من الفوائد العونية) نسبة إلى لقبه (عون الدين) وذكر له ابن الجوزي بعض الأقوال المأثورة منها : (أحذروا مصارع العقول ، عند التهاب الشهوات). ومن شعره أنّه قال :

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه

وأراه أسهل ما عليك يضيع

مات الوزير ابن هبيرة في بغداد فجأة ، ويقال إنّ طبيبا دس له السم ، ومات الطبيب بعد ستّة أشهر مسموما أيضا ، وكان الطبيب يقول : (سممته فسممت). مات يوم الأحد في الثاني عشر من شهر جمادي الأول من سنة (٥٦٠) (٣) للهجرة ، وعمره (٦١) سنة وقيل (٨٦) وغسله ابن الجوزي ، وحضر جنازته كثير من الناس ، وأغلقت الأسواق ، ودفن في المدرسة الّتي أنشأها بباب البصرة. وقد رثاه كثير من الشعراء.

وقد جمعت تلك المراثي في مجلدات ، ولمّا بيعت كتبه بعد موته ، اشتراها

__________________

(١) الأرجوزة : قصيدة شعرية لكل بيت فيها قافية تختلف عن الأخرى.

(٢) ابن الجوزي : الإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن عليّ الجوزي ، مؤلف كتاب (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم).

(٣) ابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١٢ / ٢٥٠ والزركلي ـ الأعلام. ج ٩ / ٢٢٢ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١٠ / ٢١٤.

٧٣٩

أحد حسّاده فأتلفها.

١٢٤ ـ الأمير قيران الناصري :

أقطعت له الكوفة في خلافة الناصر لدين الله سنة (٥٧٥) للهجرة (١).

١٢٥ ـ شمس الدين أبو القاسم :

هو شمس الدين أبو القاسم عليّ بن النقيب عميد الدين جعفر بن النقيب أبي نزار عدنان (٢).

كان شمس الدين من الّذين عينوا بوظيفة (الناظر) (٣) بالكوفة ، وجمع بين نقابتي الكوفة والنجف (٤).

ولد شمس الدين سنة (٥٣٦) للهجرة ، وقيل سنة (٥٣٠) (٥) ، ومات سنة (٥٨٤) (٦) للهجرة ، وكان سيدا فاضلا وأديبا شاعرا وداره معمورة ، كثير الضيافة ، وله ديوان شعر. وقد جمع فضلاء العلويين الحسنيين من أهل الكوفة ، ولمّا سمع الخليفة (الناصر لدين الله) فضله وكرمه ، أمره بالمجيء إلى بغداد ليكتب له تقليد نقابة الطالبيين ، فذهب إلى بغداد ، وأحضرت الخلع إلى دار الوزير لإجراء مراسيم التقليد ، فهطلت الأمطار في ذلك اليوم

__________________

(١) معن صالح مهديّ ـ الكوفة في العصر العباسي. ص ٥٢.

(٢) جعفر باقر محبوبة ـ ماضي النجف وحاضرها. ج ١ / ٢٨٧.

(٣) الناظر : منذ منتصف القرن الخامس الهجري ، انتهى العمل بوظيفة (الوالي أو الأمير) واستحدثت في أيّام السلاجقة وظائف جديدة هي (المقطع ، والصدر ، والناظر) بدلا عنها. والناظر هي وظيفة مالية ، ويجب على من يليها أن تكون له معرفة تامة بالقضايا الحسابية.

(٤) تاج الدين الحسيني ـ غاية الاختصار. ص ١٤٨ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٠٤ وجعفر باقر محبوبة ـ ماضي النجف وحاضرها. ج ١ / ٢٨٧.

(٥) نفس المصدر السابق.

(٦) نفس المصدر أعلاه.

٧٤٠