أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

المخلوقين منعك منه ، ولا أن يحول بينك وبين ما تهواه في أي وقت أردت.

واعلم أن الغيظ والغضب ، يحدثان في الإنسان سكرا ، أشد من سكر النبيذ بكثير ، فكما أن الإنسان يعمل في وقت السكر من النبيذ ، ما لا يليق به ، ولا يذكره إذا صحا ، ويندم عليه إذا حدّث به ، ويستحي منه ، كذلك يحدث في وقت السكر من الغيظ ، بل أشد ، فإذا ابتدأ بك الغضب ، فضع في نفسك أن تؤخر العقوبة إلى غد ، واثقا بأن ما تريد أن تعمله في الوقت لا يفوتك عمله ، فإنك إذا بت ليلتك ، سكنت ثورة غضبك ، وقد قيل (أصح ما يكون الإنسان رأيا إذا استدبر ليله ، واستقبل نهاره) ، فإذا صحوت من سكرك ، فتأمل الأمر الّذي أغضبك ، وقدّم أمر الله عزوجل أولا ، والخوف منه ، وترك التعرض لسخطه واشفي غيضك بما لا يؤثمك ، فقد قيل : (ما يشفي غضبه من أثمّ) واذكر قدرة الله عليك ، فإنك تحتاج إلى رحمته ، والى أخذه بيدك ، في أوقات شدائدك ، فكما تحبّ أن يغفر لك ، فكذلك غيرك يؤمل عفوك ، وفكّر بأيّة ليلة بات المذنب قلقا لخوفه منك ، وما يتوقعه من عقوبتك ، واعرف مقدار ما يصل إليه من السرور بزوال الرعب عنه ، ومقدار الثواب الّذي يحصل لك بذلك ، واذكر قوله تعالى : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) ، وإنّما يستدل ذلك عليك مرتين أو ثلاثا ، ثمّ تصير عادة لك وخلقا فيسهل) (١). فعمل بجكم بما قال له سنان. وقيل : خرج بجكم يوما للصيد ، فشاهد جماعة من الأكراد ، فذهب إليهم فهربوا منه ، وتركوا أموالهم ، فجاءه غلام منهم فطعنه بالرمح من الخلف وذلك في الثالث والعشرين من شهر رجب من سنة (٣٢٩) للهجرة ، فمات من يومه (٢).

وقيل : ذهب الخليفة (المتقي لله) إلى دار بجكم ، فوجد فيها ما يزيد على

__________________

(١) القاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٧ / ٢٤٩.

(٢) الهمذاني ـ تكملة تاريخ الطبري. ص ٣٢٣ والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٢٤ / ٦٤.

٧٠١

ألفي ألف عينا وورقا ، وبيع له من الأموال والرقيق والجواهر والأواني والسلاح الشيء الكثير ، هذا ناهيك عمّا نهب وتلف (١). ولمّا هدم مسجد براثا في أيّام الخليفة (المقتدر) وساواه بالأرض ، أعاد بنائه الأمير (بجكم) سنة (٣٢٨) للهجرة ، ووسعه وسقفه بالساج المنقوش (٢).

وقيل إنّ الّذي قام بهدم مسجد براثا هو الوزير أبو القاسم القاشاني وزير المقتدر ثمّ أمر بجعله مقبرة (٣).

قتل بجكم التركي سنة (٣٢٩) (٤) للهجرة وكانت مدّة إمارة بجكم سنتين وثمانية أشهر وعشرة أيّام.

٩٧ ـ أبو الحسن بن هارون :

عزله الخليفة (الراضي لله) عن إمارة الكوفة سنة (٣٢٨) للهجرة ، وعيّن مكانه أبا بكر البرجمالي (٥).

وذكر الصولي أيضا : بأنّه في سنة (٣٣١) للهجرة ، تذّمر الأشراف

__________________

(١) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٦ / ٣١٧.

(٢) مسجد براثا : ويقع على طريق (الكرخ ـ الكاظمية) وقد صلّى فيه الإمام عليّ بن أبي طالب وولداه الحسن والحسين (عليهم‌السلام) وذلك بعد رجوعه من حرب الخوارج في (النهروان) وبقي فيه الإمام عليّ (عليه‌السلام) أربعة أيّام يصلّي تماما ، وكان قد صلّى فيه النبيّ إبراهيم الخليل والنبيّ عيسى وأمّه مريم (عليهما‌السلام) وقد هدم هذا المسجد في عهد الخليفة القادر بالله وساووه بالأرض. وكان هذا المسجد مدرسة للشيخ المفيد (المفيد : هو محمّد بن محمّد بن النعمان أمين بن عبد السلام العكبري ، البغدادي ، ولقبه المفيد ، كان من أعظم فقهاء المسلمين في عصره ، وقد تخرج من مدرسته الشريفان الرضي والمرتضى. مات سنة (٤١٣) للهجرة ، ودفن في رواق الإمامين موسى بن جعفر ومحمّد بن عليّ الجواد (عليهما‌السلام» الآداب الدينية ـ مهديّ خضير العوادي.

(٣) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٦ / ١٩٥.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٨ / ٣٧١.

(٥) الصولي ـ أخبار الراضي والمتقي. ص ١٣٩.

٧٠٢

العلويون في الكوفة من عاملهم أبي عليّ الحسن بن هارون الهمداني ، وخاصة عمر بن يحيى الّذي كان يرعى العلويين في الكوفة ، ويرعى الناس بماله وجاهه. وكان يحجّ بهم ، فعزل عندها الحسن بن هارون ، وولّى مكانه أبا بكر عبد الله بن عبيد الله البرجمالي (١).

٩٨ ـ أبو بكر البرجمالي :

واسمه عبد الله بن عبيد الله ، ولّاه الخليفة (الراضي لله) إمارة الكوفة سنة (٣٢٨) وذلك بعد أن عزل عنها الحسن بن هارون (٢).

٩٩ ـ المبرقع :

ثار بالكوفة في شهر ذي الحجّة سنة (٣٥٣) للهجرة ، رجل ادّعى بأنّه علوي ، ولم يكشف عن وجهه ، ولا عن اسمه ، ولم يعرف أيّ شيء عنه سوى أنّه كان مبرقعا.

وفي هذه السنة ، ذهب (معزّ الدولة) إلى الموصل لمحاربة (ناصر الدولة) فتمّ الصلح بينهما ، على أن يدفع (ناصر الدولة) إلى (معزّ الدولة) مبلغا قدره ألف ألف درهم في كلّ سنة ، فاستغل (المبرقع) ذهاب معزّ الدولة إلى الموصل فقام بثورته ، ولمّا عاد معزّ الدولة إلى بغداد (٣) ، هرب المبرقع (٤).

وهكذا ثار وهرب ولا أحد يعرف شيئا عنه.

__________________

(١) المصدر السابق. ص ٢٤٠.

(٢) الصولي ـ أخبار الراضي والمتقي. ص ١٣٩ و٢٤٠.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٨ / ٥٥٤.

(٤) المصدر السابق. ج ٨ / ٥٥٩.

٧٠٣

١٠٠ ـ أبو بكر بن محمّد بن عليّ بن شاهويه :

جاء أبو بكر بن محمّد بن عليّ بن شاهويه (صاحب القرامطة) إلى الكوفة في شهر شوال سنة (٣٦٦) (١) للهجرة ، ومعه ألف رجل وأقام الدعوة بها و (بسورا) (٢) و (النيّل) (٣) و (الجامعين) (٤) لعضد الدولة.

وقيل إنّه قام يدعو (للطائع لله) ولعضد الدولة معا (٥).

وقد حدثت معركة بين (عضد الدولة) و (معزّ الدولة) (٦) وأسر خلال هذه المعركة غلام تركي لمعز الدولة اسمه (تكين الجامدار) وكان هذا أمردا ، جميل الوجه مدمنا على الشراب ، لا يصحو من سكره ليل نهار ، وكان كثير اللهو واللعب.

ولشدة حبّ (معزّ الدولة) وإعجابه بهذا الغلام فقد عيّنه رئيس سرية لحرب بعض بني حمدان ، فقال فيه المهلبي (٧) :

ضبي يرق الماء فيه

وجناته وبرق عوده

ويكاد من شبه العذا

رى فيه أن يبدو نهوده

ناطوا بمقعد خصره

سيفا ومنطقه تؤوده (٨)

جعلوه قائد عسكر

ضاع الرعيل (٩) ومن يقوده

__________________

(١) الهمذاني ـ تكملة تاريخ الطبري. ص ٤٥٤.

(٢) سورا : أسم مكان من أرض بابل.

(٣) النيّل : بلدة صغيرة في سواد الكوفة ، قرب الحلة.

(٤) الجامعين : الحلة حلة بني مزيد) وهي ما بين بغداد والكوفة (بابل).

(٥) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٨٣.

(٦) عضد الدولة ومعزّ الدولة : من أمراء آل بويه.

(٧) الثعالبي ـ يتيمة الدهر. ج ٢ / ٢٦٧.

(٨) تؤوده : تشغله ، وتتعبه.

(٩) الرعيل : أحد تشكيلات الجيش.

٧٠٤

وحزن (معزّ الدولة) على غلامه هذا بعد أسره ، وامتنع عن الطعام والشراب ، وقد احتجب عن الناس ، وكتب إلى (عضد الدولة) ، يطلب منه أن يرد غلامه ، وكتب أيضا إلى خواصّه المقربين منه أن يساعدوه برد الغلام ، حتّى صار أضحوكة بين الناس ، فعاتبه بعض جلسائه وخواصّه ، ونصحوه بالكفّ عن ذلك فما نفع شيئا (١).

ثمّ طلب (معزّ الدولة) من الشريف (٢) أبو أحمد الحسين بن موسى ، أن يتوسط لدى عضد الدولة على إطلاق سراح الغلام لقاء فدية جاريتين جميلتين (٣) ، لا مثيل لهما في الجمال وإذا لم يوافق عضد الدولة ، فله أن يزيد ما يشاء من الفداء (٤).

وكان عضد الدولة بن بويه ، قد عيّن أبا القاسم بن عبد العزيز بن يوسف الشيرازي الجكار وزيرا له ، ومنحه صلاحيات واسعة في إدارة الدولة ، وكانت حاشية عضد الدولة ، تغطي على أعمال أبي القاسم المشينة ، ولكن لم تدم الحال لأبي القاسم على الدوام ، إذ ذهب عضد الدولة إلى (همذان) وقد تبعه أبو محمّد الخرنباوي يطلب منه عملا (٥) ، فعلم أبو القاسم بخروج الخرنباوي مع عضد الدولة فخاف أن يفتضح أمره ، فطلب من عضد الدولة أن يردّ الخرنباوي ، ويبعده عن صحبته ، ويعطيه عملا في البصرة ، وأن يقيم فيها.

__________________

(١) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١٤ / ٢٤٧.

(٢) الشريف أبو أحمد : وهو نقيب الطالبيين ، وأبو الشريفين ، السيدين ، الرضي والمرتضى ، المدفونين في الكاظمية قرب الصحن الشريف.

(٣) جاريتين : وقد سبق وطلب عضد الدولة من معزّ الدولة أن يبيعه جارية واحدة منهما بمائة ألف فرفض معزّ الدولة.

(٤) القاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٥ / ٨٦.

(٥) الخرنباوي : وكان ذكيا ، وصاحب رأي ودراية ، وفضل ورزانة.

٧٠٥

عند ذلك طلب عضد الدولة من أبي بكر بن شاهويه (١) ، أن يذهب إلى الخرنباوي ويأمره بالذهاب إلى البصرة ، ويقول له : إنّ عضد الدولة يقول لك : إذهب إلى البصرة ، وسنعطيك عملا فيها ترتزق منه ، فقد طال متابعتك لنا ، وقد ضجرنا منك ، وليس عندنا ما تحبّه ، والسلامة لك في بعدك عنّا ، فصاحبنا أبو القاسم ، قد استصحب جماعة ، ونحن في غنى عن أمثالك ، فانصرف عنّا ، واكتف بما أرتّبه لك إن شاء الله (٢).

وكان عضد الدولة قد أرسل شخصا آخر مع ابن شاهويه ، ليكون شاهدا على ما يدور بينه وبين الخرنباوي ، ولمّا وصل ابن شاهويه إلى الخرنباوي ، قال له جميع ما أمره به عضد الدولة ، فقال الخرنباوي : (السمع والطاعة لأمر الملك ، فإن الناس بجدودهم ينالون ، وبحظوظهم يستديمون ، وتقدم عنده من أنا أرجّح منه ، ولكنّ المقادير غالبة ، وليس للإنسان متقدم عنها ، ولا متأخّر ، وقد قيل (ومن غلب الأقدار غلب). ولكن أيّها الشيخ لي حاجة أرجو أن توصلها إلى الملك نيابة عنّي ، وهي كلمة فيها نصيحة ، وشفاء لمّا في الصدور. وهي أن تقول للملك : (إنّي صائر إلى ما أمرت ، ومتوجّه إلى البصرة ، لامتثال ما رسمت ، ولكن بعد أن تقضي وطرا في نفسي ، وفيه شهرة لعظمتك ، وتنبيه على أنّك لا تنخدع في ملكك ، ولا يلبس لديك محقّ بمبطل ، وعاقل بجاهل ، ومسيء بمحسن ، ويقظان بغافل ، وجواد بباخل ، وأن لا يقام عبد العزيز المكنى بأبي القاسم بين اثنين على رؤوس الأشهاد ، وينتقم منه انتقاما بالغا ، ويقال له : إذا لم تبذل جاهك لمتلهفّ ، ولم يكن عندك بسر لضعيف ، ولا فرج لمكروب ، ولا عطاء لسائل ، ولا جائزة لشاعر ... الخ

__________________

(١) وكان شاهويه صديقا للخرنباوي.

(٢) القاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٥ / ٨٦.

٧٠٦

ثمّ رجع ابن شاهويه إلى عضد الدولة (وكان أبو القاسم جالسا عنده آنذاك) فقال له عضد الدولة : وما ذا قال لك الخرنباوي؟

فقال له أبو بكر بن شاهويه ، كلّ ما قاله الخرنباوي ، وكان وجه أبي القاسم يتغير ألوانا عند كلّ كلمة يقولها ابن شاهويه.

ثمّ قال عضد الدولة لأبي القاسم : (لا جزاك الله خيرا ، الآن علمت أنّك لا تعتمد على حالة ترضي الله تعالى ، ولا تتبنى مكرمة ، ولا تحفظ مروءة ، ولا تحرس أمانة ، ولا يخرج فكرك عنك ، وتجعلني بابا من أبواب معاشك ، وجهة من جهات أرباحك ، تبعد من ينفعني ، وتقرب من ينفعك ، فخدمتك معروفة ، وشرهك في جميع أموالك ، وأذاك لمن يقصد أبوابنا ، ولكلّ أجل كتاب ، ثمّ أمر بسجنه (١).

١٠١ ـ الأمير جكفل :

وهو أحد القادة الأتراك الذين أقطعت (٢) لهم ولاية الكوفة سنة (٣٦٧) (٣) للهجرة وكان أميرا للحجاج أيضا.

لم أعثر على ترجمة وافية للأمير جكفل في المصادر المتاحة ، عسى أن نوفق إلى ذلك مستقبلا إن شاء الله.

__________________

(١) القاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٥ / ٨٨.

(٢) المقطع : هو نظام إداري عسكري ، استحدثت هذه الوظيفة بعد أن عجزت الدولة العباسيّة في عصورها المتأخرة عن دفع رواتب القادة العسكريين بسبب تدهور وضعها المالي فكانت ولاية الكوفة تقطع لبعض الأشخاص الذين هم من القادة العسكريين ، على أن يحمي هؤلاء الولاية وحفظ الأمن فيها ، ويدفعوا مبلغا من المال إلى خزانة الدولة ، وأن يقدموا المساعدات العسكرية من ولايتهم للدولة في أوقات الحروب.

(٣) معن صالح مهديّ الخفاجي ـ الكوفة في العصر العباسي. ص ٥١.

٧٠٧

١٠٢ ـ الأمير خمارتكين الحسداني :

وهو أحد القادة الأتراك في الجيش العباسي ، وقد أقطعت له ولاية الكوفة بعد الأمير جكفل (١).

وقد حجّ بالناس سنة (٤٨١) للهجرة وكذلك من سنة (٤٨٢ ـ ٤٨٣) (٢).

١٠٣ ـ الأمير أبو طريف :

هو أبو طريف عليان بن ثمال الخفاجي (٣) ، عميد بني خفاجه ، ذو شخصية بارزة ، ومكانة عالية بين أمراء العرب (٤).

قلّده الخليفة (الطائع لله) حماية الكوفة ، سنة (٣٧٤) (٥) للهجرة ، وهي أوّل إمارة بني ثمال (الخفاجيين) على الكوفة ، وقد جاء بالتقليد ما يلي : (قد رأينا تقليدك ـ أطال الله بقائك ـ الحماية بالكوفة وأعمالها ، وما يجري معها ، ثقة بشهامتك وغنائك ، وسكونا إلى استقلالك واعتقادا لاصطناعك واصطفائك ، وحسن ظن بك في شكر ما يسدى إليك ، ومقابلته بما يحقّ عليك من الأثر الجميل فيما تولاه ، والمقام الحميد فيما تستكفاه ، فتوّل ـ أيّدك الله ـ ذلك ، مقدما تقوى الله ومراقبته ومستمدا توفيقه ومعونته ،

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) ابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١٢ / ١٣٥ و١٣٦.

(٣) خفاجه : بن عمرو بن عقيل بن كعب ، جد جاهلي من بني عامر بن صعصعة من عدنان ، وبنو خفاجه هم من عشائر بني عقيل ، وكانت هذه القبيلة داخله ضمن نطاقها ، إلّا أنها انفصلت عنها ، واستقلت بسيادتها ، وذلك بعد ما قتل (توبة الخفاجي) الّذي قتله بنو عقيل.

(٤) محمّد عبد المنعم خفاجي ـ الدولة الخفاجية في التاريخ. ص ٣٢.

(٥) البراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٣٧ ومعن صالح مهديّ الربيعي ـ الكوفة في العصر العباسي. ص ٢٨ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ١٥.

٧٠٨

واحرس الرعيّة في مساكنها ، والسابلة في مسالكها وادفع عن عملك (١) ونواحيه أهل العبث جميعا ، وأطرقهم في مكامنهم ... وراع الأكرة والمزارعين حتّى ينبسطوا في معايشهم ، ويتصرّفوا في مصالحهم ، وتتيسّر عواملهم في عماراتها ، ومواشيهم في مسارحها ، ومتى طردت لأحد منهم طريدة ، أو امتدت إليهم يد عاتيه ، ارتجعت ما أخذ له ، ورددته بعينه ، أو قيمته ... واعلم بأنك فيما وليته من هذا الأمر متضمّن للمال والدم ، ومأخوذ بكل ما يهمك من ذمّة ومحرّم ، فليكن اجتهادك من الضبط والحماية ، واحتراسك في الإهمال والإضاعة بحسب ذلك ، واكتب بأخبارك على سياقتها ، وآثارك لأوقاتها ...) الخ (٢).

١٠٤ ـ إسحاق وجعفر الهجريان :

إسحاق وجعفر هما من القرامطة الذين يدعون (بالسادة) وهما من أهل هجر من البحرين (٣) ، وذكر ابن الأثير بأنّهما : من (الستة) القرامطة الذين يلقّبون (بالسادة) وكان نائبهم في بغداد يعرف بأبي بكر بن شاهويه ، يتحكم فيها تحكّم الوزراء ، فقبض عليه (صمصام الدولة) وحبسه (٤).

دخل إسحاق وجعفر إلى الكوفة في شهر ربيع الأول سنة (٣٧٥) (٥) للهجرة وقيل سنة (٣٧٤) ، واستوليا عليها ، وأقاما الخطبة في مسجد الكوفة لشرف الدولة. فغضب الناس لذلك لكراهيتهم للخوارج ، وكان بعض الملوك

__________________

(١) عملك : ولايتك ، إمارتك.

(٢) القلقشندي ـ صبح الأعشى. ج ١٠ / ٢٦٢.

(٣) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ١٢٦. ط / ١٣٥٨ ـ حيدرآباد ـ الدكن.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٤٢.

(٥) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٤٢ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ١٢٦.

٧٠٩

والسلاطين يخافون من الخوارج ، فيعطونهم الإقطاعات درءا لشرّهم ، حتّى أن (عضد الدولة) كان قد أقطعهم في (واسط) كما وأقطعهم قبله (عزّ الدولة) قطاعات بسقي الفرات.

ثمّ انتشر أصحاب إسحاق وجعفر في نواحي الكوفة ، فأخذوا الغلّات والأموال ، فكتب اليهما (صمصام الدولة) يسألهما عن سبب حركتهما ، فقالا له : إنّ سبب مجيئهما هو قبضه على نائبهم (ابي بكر بن شاهويه). ثمّ ذهب (أبو قيس) (١) الحسن بن المنذر إلى (الجامعين) فأرسل إليه صمصام الدولة جيش من بغداد ومعهم العرب ، فعبروا نهر الفرات فانهزم عسكر القرامطة ، وأسّر (أبو قيس) وآخرون من قادته ، ثمّ قتلوا.

فعاد القرامطة إلى الكوفة ، فجهزوا جيشا آخر كثير العدد والعدة ، فالتقوا (بالجامعين) أيضا ، فكانت معركة بين الجانبين أسفرت عن هزيمة القرامطة ، ورجوعهم إلى الكوفة بعد أن قتل الكثير منهم ، وأسّر آخرون ، ونهب سوادهم ، ثمّ خرج القرامطة من الكوفة إلى القادسيّة ، فتبعتهم جيوش صمصام الدولة ، إلّا أنّهم لم يلحقوا بهم ، وكان لهذه الهزيمة الأثر الطيب في نفوس الناس ، كما إنّ أهالي بغداد لمّا سمعوا بهزيمة القرامطة ظهرت عليهم معالم الفرح والابتهاج (٢) ، كان هذا في خلافة (الطائع لله).

١٠٥ ـ المقلد بن المسيّب العقيلي :

هو : المقلد بن المسيب بن رافع بن المقلد بن جعفر بن عمرو بن المهنّا ، العقيلي ، وكنيته : أبو حسان ، ولقبه : (حسام الدولة) صاحب الموصل.

__________________

(١) أبو قيس : أحد قادة القرامطة.

(٢) معن صالح مهديّ ـ الكوفة في العصر العباسي. ص ٢١.

٧١٠

تولى (المقلد) إمارة الموصل سنة (٣٨٧) (١) للهجرة ، وقيل سنة (٣٨٦) (٢). ثمّ أطاعته قبائل خفاجة.

وكان المقلد ، قد استولى على سقي الفرات ، وتوسّعت مملكته ، ولقّب (القادر بالله) وكان المقلد ، سياسيا بارعا ، وعقلا مدبرا ، وكان أديبا وشاعرا يكرم أهل الأدب (٣).

وفي سنة (٣٨٦) للهجرة ، حدثت معركة بين المقلد وبين نائب بهاء الدولة المدعو (أبو عليّ بن إسماعيل) فانتصر المقلد على جيوش نائب الدولة المذكور ، ثمّ زحف نحو بغداد ، فلما سمع بهاء الدولة بمجيء جيوش (المقلد) إلى بغداد ، قبض على أبي عليّ بن إسماعيل وأمره بالصلح معه. فتمّ الصلح بينهما على أن يدفع (المقلد) إلى بهاء الدولة عشرة آلاف دينار ، وأن يخلع بهاء الدولة على المقلد الخلع السلطانية ويلقب (بحسام الدولة) فتمّ له ذلك بأمر من الخليفة (القادر بالله) (٤). وعلى أن يقطع له أيضا الموصل والكوفة والقصر والجامعين.

ثمّ تخاصم المقلد مع أخيه (عليّ) وتمكّن من القبض على أخيه بحيلة دبرها ، ثمّ طلب من زوجة (٥) أخيه أن تأخذ ولديها (قرواش وبدران) وتذهب بهما إلى تكريت.

ولمّا سمع أخوه (حسن) أخذ يحرّض النساء على أخيه (المقلد) فاجتمع عنده عشرة آلاف رجل ، وقبل البدء بالقتال بين الأخوين ، جاءت

__________________

(١) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٥ / ٢٦٠.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ١٢٥.

(٣) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٥ / ٢٦١.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ١٢٧.

(٥) زوجة أخوه : كانت حينذاك في الحلة.

٧١١

أخت المقلد وطلبت منه أن يطلق سراح أخيهما (عليّ) فأطلق سراحه ، وردّ عليه أمواله ، وأعطاه مثلها ، ففرح الناس بذلك ، ثمّ تصالحا ، وعاد (عليّ) إلى الحلة ، وذهب المقلد إلى الموصل (١).

ولمّا خرج عليّ من الحبس واصطلح مع أخيه المقلد اجتمع المنافقون والمحرضون عند عليّ وأشاروا عليه بمحاربة أخيه المقلد ، فذهب عليّ إلى الموصل ، واستولى عليها ، ولمّا سمع المقلد ، جاء بجيشه إلى الموصل ، فتم الصلح بين الأخوين مجددا ، كان ذلك في سنة (٣٨٩) للهجرة (٢).

قتل (حسام الدولة) المقلد بن المسيّب العقيلي سنة (٣٩١) للهجرة ، بواسطه مماليك له من الترك ، فتولّى بعده (الإمارة) ابنه الأكبر (قرواش) (٣).

١٠٦ ـ قرواش بن المقلد :

هو : قرواش بن المقلد بن المسيب بن رافع ، وكنيته : أبو المنيع ، ولقبه : (معتمد الدولة) بن الأمير (حسام الدولة) العقيلي وهو من هوزان ، وصاحب الموصل والكوفة والمدائن وسقي الفرات ، وليها بعد مقتل أبيه سنة (٣٩١) (٤) للهجرة.

وكان قرواش من رجالات العرب البارزين ، وكان ظريفا وأديبا وشاعرا. وعند ما تقلد (قرواش) الأمر بعد وفاة أبيه نازعه في الملك عمّاه : (أبو الحسن (٥) وأبو مرح مصعب ولدا المسيب) ، فمات الأول سنة (٣٩٢)

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ١٣٤.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ١٣٥.

(٣) المصدر السابق. ج ٩ / ١٦٤.

(٤) البراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٧٣.

(٥) أبو الحسن : وقد ذكر ابن الأثير أن اسمه : الحسن (ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ١٣٤ و١٦٤).

٧١٢

للهجرة ، وتوفي الثاني سنة (٣٩٧) للهجرة ، فاستراح منهما قراوش ، وعند ذلك تفرّد بالحكم وحده (١).

وقيل إنّ الخليفة (القادر بالله) قد لقّبه (معتمد الدولة) سنة (٣٩٦) للهجرة ، فتفّرد قرواش بالإمارة (٢).

وفي سنة (٣٩٧) للهجرة ، ذهب قرواش ومعه جماعة كبيرة إلى الكوفة ، فدخلها ونزلها ، وكان أبو عليّ بن ثمال الخفاجي حينذاك غائبا عن الكوفة.

ولمّا عرف أبو عليّ بالخبر ، جاء إلى الكوفة ، فحدثت معركة بينه وبين قرواش أسفرت عن هزيمة قرواش إلى الأنبار ، ثمّ استولى أبو عليّ على الكوفة ، وأسر الكثير من أصحاب قرواش ، فسخّرهم عنده (٣).

وكان الحاكم (العبيدي) (٤) في مصر ، قد كاتب قرواش وبعث إليه

__________________

(١) المنتظم ـ ابن الجوزي. ج ١٥ / ٤٩.

(٢) المصدر السابق. ج ٧ / ٢٣٠.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ١٩٧ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٧٤ ومحمّد عبد المنعم الخفاجي ـ بنو خفاجه. ص ٥٥.

(٤) العبيدي : هو عبيد الله بن محمّد الحبيب بن جعفر بن محمّد بن إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام ، ثار بالمغرب سنة (٢٩٦) للهجرة ، وبنى المهدية ، ثمّ استولى على أفريقية ، وأمر أحد أولاده بالذهاب إلى الأسكندرية فاستولى عليها وعلى الفيوم وقسم من الصعيد. وأوّل من ملك مصر وانتقل إليها هو المعز (أبو تميم) معد بن إسماعيل كان ذلك سنة (٣٦٢) للهجرة ، وكانت مدّة حكم العبيديين في مصر (٢٠٦) سنين ، حيث قضى عليهم صلاح الدين الأيوبي وكان آخر حكام العبيديين (العاضد عبد الله بن أبي الحجاج يوسف بن الحافظ). ولمّا عجز العباسيون عن القضاء على العبيديين ، شككوا في نسبهم ، وقالوا بأن العبيديين لا ينتسبون إلى الإمام عليّ عليه‌السلام وكتبوا محضرا في بغداد ، وشهد فيه أكثر الأشراف والقضاة. أما الشريف الرضي فقد قال :

ما مقامي على الهوان وعندي

مقول صارم وأنف حميّ

أحمل الضيم في بلاد الأعادي

وبمصر الخليفة العلوي

من أبوه أبي ومن جده جد

ي إذا ضامني البعيد القصي

(ابن عنبة ـ عمدة الطالب. ص ٢٣٥ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٢٣٦ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٩ / ٢٨١ وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١١ / ٣٤٥.)

٧١٣

بالرسل والهدايا حتّى استماله إليه ، ثمّ جمع قرواش أهل الموصل ، وأخبرهم بطاعته (لحاكم مصر) وإنّه قرر إقامة الدعوة له ، وطلب منهم موافقتهم على ذلك ، فاستجابوا له ظاهرا ، ولكنّهم في قرارة أنفسهم يضمرون الرفض والحقد عليه ، فأرسل قرواش إلى خطيب يوم الجمعة فخلع عليه ، وطلب منه أن يخطب في الناس الخطبة الآتية (١) : (الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله وله الحمد ، الّذي انجلت بنوره غمرات الغضب ، واتقدت بقدرته أركان النصب .. وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله صلّى الله عليه ، اصطفاه واختاره لهداية الخلق ، وإقامة الحقّ ، فبلغ الرسالة ، وهدى الضلالة ، والناس حينئذ من الهوى غافلون ، وعن سبيل الحقّ ضالون ، فأنقذهم من عبادة الأوثان ، وأمرهم بطاعة الرحمن ، حتّى قامت حجج الله وآياته ، وتمت بالتبليغ كلماته (صلى الله عليه وعلى أوّل مستجيب له عليّ أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين ، أساس الفضل والرحمة ، وعماد العلم والحكمة ، وأصل الشجرة الكرام البررة النابتة في الأروم المقدسة المطهرة ، وعلى خلفائه البواسق من تلك الشجرة وعلى ما خلص منها ، وزكا من الثمرة) (٢). وكانت الخطبة سنة (٤٠١) (٣) للهجرة.

ولمّا سمع الخليفة (القادر بالله) بذلك ، غضب غضبا شديدا على

__________________

(١) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٤٩.

(٢) وهي خطبة طويلة ، ومن أراد الإطلاع عليها كاملة مراجعة ـ المنتظم لأبن الجوزي. ج ٧ / ٢٤٩.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٢٢٣.

٧١٤

قرواش ، فبعث (بهاء الدولة) (بعميد الجيوش) (١) وأعطاه مائة ألف دينار ليستعين بها على حرب قرواش.

وحينما سمع قرواش بذلك ، قطع الخطبة للحاكم في مصر (العبيدي) واستمر في خطبته (للقادر بالله) على ما كانت عليه سابقا ، ثمّ اعتذر إلى الخليفة (٢).

وعن أبي الهيجاء بن عمران بن شاهين أنه قال : كنت أساير معتمد الدولة (قرواش) ما بين سنجار ونصيبين ، فنزل في قصر (العبّاس بن عمرو الغنوي) (وكان القصر مطلا على بساتين ومياه كثيرة) فأخذ قرواش ينظر إلى كتابة على الحائط ، فقرأها ، فإذا هي (٣) :

يا قصر عبّاس بن عم

رو فارقك ابن عمرك

قد كنت تغتال الدهو

ر فكيف غالك ريب دهرك؟

واها لغيرك بل لجو

دك بل لمجدك بل لفخرك

وكان مكتوب تحت هذه الأبيات : كتبها بخطه عليّ (٤) بن عبد الله بن حمدان سنة (٣٣١) للهجرة وتحت تلك الأبيات مكتوب أيضا :

يا قصر ضعّفك الزما

ن وحطّ من علياء قدرك

ومحا محاسن أسطر

شرفت بهن متون جدرك

واها لكاتبها الكري

م وقدره الموفي لقدرك

وكان قد كتب هذه الأبيات ، وبخطه (أيضا) الغضنفر بن عبد الله بن حمدان سنة (٣٦٢) للهجرة.

__________________

(١) عميد الجيوش : هو أبو عليّ بن أبي جعفر ، كان أبوه من حجاب عضد الدولة.

(٢) ابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١١ / ٣٤٣ والمستشرق آدم متز ـ الحضارة الإسلامية. ج ١ / ٢٣.

(٣) محمّد شاكر الكنبي ـ فوات الوفيات. ج ٣ / ١٩٩ وابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٥ / ٢٦١.

(٤) عليّ : هو الأمير سيف الدولة الحمداني.

٧١٥

وتحت هذه الأبيات مكتوب أيضا :

ضربت خيامهم بعقرك؟!

يا قصر ما فعل الأولى

وطواهم تطويل نشرك

أخنى الزمان عليهم

يختال فيك وطول عمرك

آها لقاصر عمر من

وكان قد كتب هذه الأبيات وبخطه المقلد بن المسيب بن رافع سنة (٣٨٨) للهجرة. وتحت هذه الأبيات مكتوب أيضا :

يا قصر ما فعل الكرا

م الساكنون قديم عصرك

عاصرتهم فنبذتهم

وشأوتهم طرا بصبرك

ولقد أثار تفجّعي

يا ابن المسيب رقم سطرك

وعلمت أنّي لاحق

بك دائبا في قفو إثرك

ومكتوب تحت هذه الأبيات : أن الّذي كتبها هو قرواش بن المقلد بن المسيب سنة (٤٠١) للهجرة ، فتعجب أبو الهيجاء ، وقال لقرواش : هل إنّك كتبت هذا الآن؟! فقال قرواش : نعم ، ولقد هممت بهدم هذا القصر ، فإنّه شؤم.

ومن شعر قرواش أنّه قال (١) :

لله درّ النائبات فإنّها

صدأ اللئام وصيقل الأحرار

ما كنت إلّا زبرة فطبعتني

سيفا وأطلق صرخهن غراري

وقال أيضا :

وآلفة للطيب ليست تغبّه

منعة الأطراف لبنية اللمس

إذا ما دخان الغد من جبينها علا

على وجهها أبصرت غيما على شمس

__________________

(١) الباخوري ـ دمية القصر. ج ١ / ٤٩ ومحمّد شاكر الكتبي ـ وفيات الوفيات. ج ٣ / ٢٠١ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٥٨٧.

٧١٦

وجاء (الغز) (١) إلى الموصل فحاربهم قرواش ، ثمّ انهزم ، فدخل (الغزّ) إلى الموصل فنهبوها ، وعملوا الشنيه من الفتك ، وهتك الحريم ، ونهب الأموال.

ثمّ استنجد قرواش بسلطان بغداد (جلال الدولة) واستنجد أيضا بدبيس بن مزيد بن الأغر (ملك الحلّة) وبغيره من أمراء العرب ، فذهبوا جميعا إلى محاربة (الغزّ) فانتصروا عليهم بعد معارك دامية ، وبعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة (٢).

وقال الشاعر أبو عليّ بن الشبل البغدادي يمدح قرواش في هذه المعركة :

نزهت أرضك عن قبور جسومهم

فغدت قبورهم بطون الأنسر

من بعد ما وطئوا البلاد وظفروا

من هذه الدنيا بكلّ مطفر

رتاج السدّ عن يأجوجه

ولقوا ببأسك سطوة الأسكندر

وقيل إنّ قرواش جمع بين أختين ، فلامه الناس على ذلك ، فقال : (خبروني ما الّذي نستعمل من الشرع ، حتّى تتكلموا في هذا الأمر) (٣).

وقيل إنّه قال : (وأيّ شيء عندنا تجيزه الشريعة)؟

وفي سنة (٤٠٨) للهجرة ، عقد سلطان الدولة على (جباره) بنت قرواش ، بصداق مقداره (٥٠) ألف دينار (٤).

وعن الفضل بن عبد الله الهاشمي أنّه قال : أنشدني قرواش من شعره

__________________

(١) الغز : التركمان.

(٢) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٥ / ٢٦٣ ومحمّد الخضري بك ـ محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية. ج ٢ / ٤١٤.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٥٨٨ ومحمّد شاكر الكتبي ـ فوات الوفيات. ج ٣ / ١٩٨.

(٤) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٨٧.

٧١٧

هذه الأبيات (١) :

من كان يحمد أو يذمّ مورثا

للمال من آبائه وجدوده

إنّي امروء لله أشكر وحده

شكرا كبيرا جالبا لمزيده

لي أشقر سمح العنان مغاور

يعطيك ما يرضيك من مجهوده

ومهند عضب إذا جردته

خلت البروق تموج في تجريده

ومثقّف لدن السنام كأنّما

أمّ المنايا ركبت في عوده

وبذا حويت المال إلّا أنّني

سلطت جود يدي على تبديده

وكان قرواش يلقب أيضا ب (مجد الدين) وهو ابن أخت الأمير أبي الهيجاء الهذباني (صاحب إربل).

وقد دامت إمارة قرواش خمسين سنة ، ثمّ حصل خلاف بينه وبين أخيه (بركة بن المقلد) وكان خارج البلد ، فقبض عليه أخوه (بركة) في سنة (٤٤١) للهجرة ، فقيّده بسلاسل الحديد ، ثمّ حبسه في (الجراحية) (٢) وتولّى الأمر مكانه ، ولقب نفسه (زعيم الدولة) (٣). فلم تدم زعامة هذا الزعيم طويلا ، حيث قام بعده ابن أخيه (أبو المعالي) قريش بن بدران بن المقلد ، فأخرج عمّه (قرواش) من السجن فقتله سنة (٤٤٤) للهجرة ، وقيل مات قرواش في سجنه ، ودفن في (تل نوبة) شرقي الموصل (٤).

وقال الظاهر الجزري وقيل ابن الزمكدم يمدح قرواش (٥) :

وليل كوجه البر قعيدي ظلمة

وبرد أغانيه وطول قرونه

__________________

(١) الباخوري ـ دمية القصر. ج ١ / ٥٠ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٥٨٧.

(٢) الجراحية : وهي إحدى قلاع الموصل.

(٣) البراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٧٣.

(٤) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١٥ / ٤٩ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٥٨٧ وتاريخ ابن خلدون. ج ٤ / ٢٦٤ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٧٣.

(٥) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٣٢١.

٧١٨

سربت ونومي فيه نوم مشرد

كعقل سليمان بن فهد ودينه

على أولق فيه فضاء كأنّه

أبو جابر في طيشه وجنونه

إلى أن بدا وجه الصباح كأنّه

سنا وجه قرواش وضوء جبينه

مات قرواش في أوّل شهر رجب من سنة (٤٤٤) (١) للهجرة.

والحقيقة قتله ابن عمّه (قريش) سنة (٤٤٢) للهجرة (٢) ، وأصبح رئيسا لقبيلة بني عقيل.

١٠٧ ـ أبو عليّ بن ثمال الخفاجي :

وهو أحد أمراء بني خفاجه على الكوفة ، تولّى زعامة قبيلته بعد أخيه أبو طريف.

وكان (معتمد الدولة) أبو منيع قرواش بن المقلد العقيلي قد ذهب إلى الكوفة في شهر محرم سنة (٣٩٧) للهجرة ، مستغلا غياب أبي عليّ بن ثمال عنها ، فدخلها ، واحتلها ، ونزل فيها (٣).

ولمّا سمع أبو عليّ بذلك ، جهّز جيشا ، وجاء إلى الكوفة ، فدارت بينه وبين قرواش معركة ، انتهت بهزيمة قرواش ، وخروجه من الكوفة ، عائدا إلى الأنبار ، فدخلها أبو عليّ بعد أن قتل وأسّر الكثير من أصحاب قرواش ، ثمّ سخّر الأسرى عنده (٤).

ثمّ إنّ الحاكم بأمر الله في مصر ولّى أبا عليّ الخفاجي إمارة (الرحبة)

__________________

(١) المصدر السابق. ج ٩ / ٥٨٧.

(٢) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٨ / ١٤٧. ط ١٣٥٩.

(٣) تاريخ ابن خلدون. ج ٤ / ٢٥٧.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٩٧ ومحمّد عبد المنعم الخفاجي ـ بنو خفاجه وتاريخهم السياسي والاجتماعي. ص ٥٥.

٧١٩

فذهب إليها سنة (٣٩٩) للهجرة ، وفي طريقه اعترضه عيسى بن خلاط العقيلي ، فكانت بينهما معركة قتل فيها أبو عليّ ، واستولى عيسى على الرحبة. (١)

وبعد أن عزل أبو عليّ بن ثمال الخفاجي عن حماية الكوفة وأعمالها من قبل الخليفة (الطائع لله) تفرّغ لإمارة قومه ، فأصبح رئيسا لعشيرته.

قتل أبو عليّ بن ثمال الخفاجي سنة (٣٩٩) (٢) للهجرة ، من قبل ابن أخيه (الحسن بن أبي البركات) ، وقيل إنّ الّذي قتله هو (عيسى بن خلاط العقيلي) وذلك عند ما كان أبو عليّ أميرا على (الرحبة) (٣) من قبل الحاكم بأمر الله (صاحب حلب) (٤).

١٠٨ ـ أبو جعفر الحجاج :

وهو نائب بهاء الدولة البويهي في العراق. ففي سنة (٣٩٢) للهجرة ، كانت له معركة مع قرواش بن المقلد في المدائن انهزم فيها جيش قرواش ، ثمّ حدثت معركة أخرى بينه وبين أبي عليّ (عميد الجيوش) فأقام أبو جعفر في نواحي الكوفة ، ولم يتمّ أيّ صلح بينه وبين عميد الجيوش (٥).

فجهز أبو جعفر جيشا من الديلم والأتراك وبني خفاجه ، وجمع عميد

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٢١١ وتاريخ ابن خلدون. ج ٤ / ٢٥٧ ومحمّد عبد المنعم الخفاجي ـ بنو خفاجه وتاريخهم السياسي. ص ٥٥ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٨٠ ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ٤٣١.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ١٥٣ والزركلي ـ الأعلام. ج ٥ / ٧٥.

(٣) تاريخ ابن خلدون. ج ٤ / ٢١٧ ومحمّد عبد المنعم الخفاجي ـ بنو خفاجة وتاريخهم السياسي والأدبي. ص ٥٥.

(٤) البراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٧٣ ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ٤٣١.

(٥) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ١٧٤.

٧٢٠