أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

ألم تر أن المال يتلف ربّه

إذا جمّ آنية وسدّ طريقه

ومن جاور الماء الغزير مجمّه

وسدّ مفيض الماء فهو غريقه

وعند ما كان (الموفّق) في بلاد الجبل مرض مرضا شديدا فقال : (أطبق ديواني على مائة ألف مرتزق ، ما أصبح فيهم أسوء حالا منّي) (١).

مات أبو أحمد (الموفّق) ليلة الخميس في السابع والعشرين من شهر صفر من سنة (٢٧٨) (٢) للهجرة ، وكان عمره (٤٩) سنة ، وقيل مات في الثاني والعشرين من الشهر والسنة المذكورين ، ودفن عند قبر أمّه في جانب الرصافة من بغداد.

٧٧ ـ الهيثم العجلي (٣) :

وفي شهر شوال من سنة (٢٦٧) (٤) للهجرة ، حدثت معركة بين جماعة أبي الساج وبين الهيثم العجلي ، قتل فيها مقدمة جيش الهيثم ، وغنموا عسكره ، وذكر ابن خلدون بأن هذه المعركة وقعت سنة (٢٧٠) للهجرة بين أبي الساج وبين الهيثم العجلي (صاحب الكوفة) (٥).

كما وذكر المستشرق (زامباور) بأنّ الهيثم العجلي كان أميرا على الكوفة سنة (٢٦٧) للهجرة ، وقاتل محمّد بن أبي الساج (أمير مكّة) (٦).

وفي شهر جمادي الآخرة من سنة (٢٦٩) للهجرة ، ولي محمّد بن أحمد

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٢٢ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٤٤٢ ومحمّد الخضري بك ـ تاريخ الأمم الإسلامية. ج ٢ / ٣١٣.

(٣) الهيثم وقيل : الهيصم.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٣٦٢ وتاريخ الطبري. ج ٩ / ٥٩٠.

(٥) تاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ٣٤٣.

(٦) زامباور ـ معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي. ج ١ / ٦٩.

٦٦١

الطائي إمارة الكوفة وسوادها ، ولّاه إيّاها هارون بن الموفّق ، فلقي الهيصم العجلي فانهزم الهيصم (١).

٧٨ ـ محمّد بن أحمد الطائي :

هو : أحد القادة الأمراء المشهورين في العصر العباسي ، وكنيته : أبو جعفر. ولّاه إمارة الكوفة وسوادها هارون بن الموفّق سنة (٢٦٩) (٢) للهجرة.

وفي سنة (٢٧١) للهجرة ، عقد الخليفة (المعتمد) لأحمد الطائي على المدينة ، وطريق مكّة. وأثناء ذهاب الحجّاج إلى مكّة في هذه السنة ، هجم يوسف بن أبي الساج على قافلة للحجاج ، فأسروا (بدر) غلام أحمد الطائي وكان هذا أميرا للقافلة ، ثمّ تمكّن الجند ، وبمساعدة الحجّاج من تخليص (بدر) من الأسر ، ثمّ أسر بعد ذلك يوسف بن أبي الساج ، وأرسلوه إلى بغداد (وكانت الحرب على أبواب المسجد الحرام) (٣).

وفي سنة (٢٧٢) للهجرة ، ارتفعت أسعار الطعام (الحنطة والشعير والعدس وغيرها) في بغداد ارتفاعا كبيرا ، وكان سبب ذلك الغلاء ، هو أنّ أهالي سامراء منعوا إرسال سفن الطعام إلى بغداد ، كما أنّ أحمد الطائي هو الآخر ، منع أصحاب المزارع من دياسة الحبوب ، لغرض زيادة الأسعار ، وفي مقابل ذلك منع أهالي بغداد عن إرسال الزيت والصابون وغيرها إلى سامراء.

وعند ذلك اجتمع الناس ، وثاروا على أحمد الطائي ، فجمع الطائي أصحابه فقاتلهم ، فسقط في الاشتباك عدّة جرحى ، ثمّ ذهب محمّد بن طاهر ،

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٣٩٧.

(٢) الطبري. ج ٩ / ٦٢١ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٣٩٧.

(٣) تاريخ الطبري. ج ١٠ / ٨.

٦٦٢

وهدّأ الناس فتفرقوا (١).

وفي سنة (٢٧٥) للهجرة ، ثار (فارس العبدي) مع جماعة كبيرة من أصحابه فأخاف الطريق ، وذهب إلى سامراء ، فنهب دورها ، فسار إليه أحمد الطائي بجيشه فانهزم (العبدي) واستولى على ما كان مع العبدي من أموال.

ثمّ ذهب الطائي ليعبر نهر دجلة في سفينة ، فتبعه بعض أصحاب العبدي ، وتعلّقوا بسفينته ، ولمّا شعر الطائي بهم ، رمى نفسه بالماء ، وعبر نهر دجلة سباحة ولمّا خرج من النهر في الجانب الآخر ، أخذ الطائي ينفض لحيته من الماء ، وقال : (أيش ظنّ العبدي؟ أليس أنا أسبح من سمكة).

وقال عليّ بن بسطام في أحمد الطائي (٢) :

قد أقبل الطائي ما أقبلا

قبّح في الأفعال ما أجملا

كأنّه من لين ألفاظه

صبيّة تمضغ جهد البلا

وفي هذه السنة أيضا أي سنة (٢٧٥) كان (صدّيق الفرغاني) (٣) قد عاث فسادا في سامراء ، فذهب إلى السجن ، وأطلق أخاه منه ، فلما سمع أحمد الطائي بذلك ذهب إلى سامراء ، فقبض على (صدّيق) ومن كان معه ، ثمّ قطع يده ورجله ، وكذلك قطع أيدي وأرجل أصحابه ، ثمّ جاء بهم إلى بغداد ، وقد حملت الأيدي والأرجل (المقطعة) عاليا ليراها الناس (٤).

وعند ما انتشر مذهب القرامطة (٥) بالكوفة وسوادها ، وعلم الطائي بأمرهم فرض على كلّ رجل منهم دينارا واحدا في السنة ، فذهب جماعة

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ١٠ / ١٠ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٤٢٠.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٤٣٢.

(٣) صديق الفرغاني : كان يحرس الطريق ، ثمّ تحول إلى لص مخرب ، يقطع الطريق.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٤٣٣ والزركلي ـ الأعلام. ج ١ / ٢٠٥.

(٥) القرامطة : حركة سياسيّة دينية ، ظهرت بسواد الكوفة ، ومؤسسها (حمدان الملقب بقرمط).

٦٦٣

من أهل الكوفة إلى السلطان ، وأخبروه بأمر القرامطة ، وأنّهم قد أحدثوا دينا غير الإسلام ، وأنّهم يقتلون كلّ من لم يبايعهم على دينهم ، وأنّ أحمد الطائي يخفي أمرهم عن السلطان. فلم يلتفت السلطان إليهم ، ولم يسمع منهم ، كان ذلك سنة (٢٧٨) (١) للهجرة.

وكان الموفّق (أبو أحمد) قد قبض على أحمد الطائي سنة (٢٧٥) للهجرة ، وحبسه وصادر جميع أمواله وممتلكاته ، وكان الطائي حينذاك أميرا على الكوفة وسوادها ، وطريق خراسان ، وسامراء ، والشرطة ببغداد ، وعلى خراج (بادوريا) و (قطربل) و (مسكن) ، ثمّ عفا عنه ، وأطلق سراحه ، وأعاده إلى إمارة الكوفة وبقي أميرا على الكوفة إلى أن مات (٢).

مات أحمد بن محمّد الطائي بالكوفة في الحادي والعشرين من شهر جمادي الآخرة من سنة (٢٨١) (٣) للهجرة ودفن بها قرب مسجد السهلة.

٧٩ ـ إسحاق بن عمران :

كان إسحاق بن عمران أميرا على الكوفة سنة (٢٩٣) (٤) للهجرة ، وذلك عند ما هاجم الذبلاني بن جهروبة من أهل الصوصر على الكوفة ، ومعه ثمانمائة فارس ، فسلبوا وقتلوا حوالي عشرين رجلا.

ثمّ دخل إلى الكوفة أيضا ، ما يقارب المائة فارس من القرامطة ، من

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٢٥ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٤٤٧.

(٢) الزركلي ـ الأعلام (ط ٥). ج ١ / ٢٠٥.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٣٦ والقاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٥ / ٦٢ ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٤٦٧.

(٤) القرطبي ـ صلة تاريخ الطبري. ص ٢٠ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٥٤٣.

٦٦٤

الباب المعروف (باب كنده) فصدوهم أهل الكوفة بمساعدة جماعة من أصحاب السلطان (١) فقتلوا منهم جماعة ، ثمّ أخرجوهم عن المدينة.

ثمّ خرج إسحاق بن عمران ، ومعه جماعة من الجند لمحاربة القرامطة خارج سور المدينة ، وأمر أهل الكوفة بالحراسة ليلا لئلا يجد القرامطة ثغرا فيدخلون منه إلى الكوفة ، واستمرت المعارك مع القرامطة إلى العصر ، بعدها انهزم القرامطة إلى القادسيّة (٢).

ثمّ إنّ أهل الكوفة ، أصلحوا سورهم وخندقهم (٣) ، مما أصابهما من ضرر ، وأخذوا مع أصحاب السلطان يحرسون مدينتهم ليل نهار (٤).

ثمّ كتب إسحاق بن عمران إلى الخليفة ، يطلب منه العون والنجدة ، فأرسل إليه جماعة من قادته منهم : (طاهر بن عليّ بن وزير) و (وصيف بن صوار تكين) التركي و (الفضل بن موسى بن بغا) و (بشر الخادم الأخشيني) و (جني الصفواني). فسار هؤلاء جميعا بجيوشهم (وكل قائد يرأس جماعته) حتّى وصلوا إلى الكوفة ، فطلبوا من إسحاق بن عمران البقاء في الكوفة لضبطها ، وساروا هم إلى القادسيّة ، فدارت معركة عنيفة بين القرامطة ، وجيوش السلطان ، انهزمت على أثرها جيوش السلطان شر هزيمة ، وقتل الكثير منهم ، ولم ينج منهم إلّا الجرحى الذين طرحوا أنفسهم

__________________

(١) السلطان : هو لقب للأمراء الّذين سيطروا على الدولة العباسيّة يمنحه لهم الخليفة ، وكذلك لقب أمير الأمراء ، ولقب الملك والسلطان كالمستبد بالأمر. (القلقشندي. ج ١٠ / ١٥٨).

(٢) الذهبي ـ التاريخ الإسلامي. ج ٢٢ / ١٤.

(٣) الخندق : كان أبو جعفر المنصور ، قد حفر خندقا حول الكوفة ، وقد أعطى لكل عامل خمسة دوانق ، ولمّا كمل حفر الخندق ، أخذ من كلّ واحد منهم أربعين دانقا ، فقال شاعرهم :

يا لقومي ما لقينا

من أمير المؤمنينا

وزع الخمسة فينا

وجبانا الأربعينا

(٤) تاريخ الطبري. ج ١٠ / ١٢٥.

٦٦٥

بين القتلى ، ثمّ استولى القرامطة على كافة المعدّات والأرزاق الّتي كانت مع جيوش السلطان.

وقيل إنّ عدد قتلى جيوش السلطان قد بلغت : ألف وخمسمائة رجل ، ثمّ ارتحل القرامطة من مكانهم إلى مكان آخر ، وذلك لكثرة الروائح المنبعثة من جثث القتلى.

ثمّ تمكّن إسحاق بن عمران مع أصحابه ، وبمساعدة جماعة من آل أبي طالب من محاربة القرامطة في الكوفة ، وإجلائهم عنها (١).

وفي سنة (٣٠٣) للهجرة ، عزل إسحاق بن عمران عن إمارة الكوفة ، عزله الخليفة (المقتدر بالله) وعيّن مكانه ورقاء بن محمّد الشيباني (٢).

وعند ما كان إسحاق بن عمران أميرا على الكوفة ، أخذ من (أبي الهيثم بن ثوابة) الأكبر ، أموالا كثيرة له وللسلطان ، وخوفا من أن يفتضح أمره لدى السلطان ، فقد أمر بحبس (أبي الهيثم) ، وبعد ذلك احتال في قتله ، خوفا من أن يعترف عليه يوما ما ، بما أخذه منه لنفسه (٣).

وقال عليّ بن بسام ، يهجو الخليفة (الموفّق) والوزير (أبا الصفر إسماعيل بن بلبل) و (أحمد بن محمّد الطائي) و (عبدون النصراوي) و (أبا العبّاس بن بسطام) و (حامد بن العبّاس) وزير المقتدر و (إسحاق بن عمران) أمير الكوفة (٤).

أيرجو الموفّق نصر الإله

وأمر العباد إليه دانيه

ومن قبلها كان أمر العباد

لعمر أبيك إلى زانية

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ١٠ / ١٢٧.

(٢) القرطبي ـ صلة تاريخ الطبري. ص ٥٦.

(٣) المصدر السابق. ص ٥٧.

(٤) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٤ / ٢٠٧.

٦٦٦

فإن رضيت رضيت أنّه

كدالية فوقها داليه

وظلّ ابن بلبل يدعى الوزير

ولم يك في الأعصر الخاليه

وطحان طي تولى الجسور

وسقي الفرات وزرقاميه

ويحكم عبدون في المسلمين

ومن مثله تؤخذ الجاليه

وأحول بسطام ظل المشير

وكان يحوك ببراز طيه

وحامد يا قوم لو أمره

اليّ لألزمته الراويه

نعم ، ولأرجعته صاغرا

إلى بيع رمان حضراويه

وإسحاق بن عمران يدعى الأمير

لداهية أيّما داهيه

فهذه الخلافة قد ودعت

وظلت على عرشها خاويه

فخلّ الزمان لأوغاده

إلى لعنة الله والهاويه

فيا ربّ قد ركب الأرذلون

ورجليّ من رجلهم عاليه

فإن كنت حاملنا مثلهم

وإلّا فارحل بني الزانية

مات إسحاق بن عمران في سنة (٣٠٦) (١) للهجرة.

٨٠ ـ إبراهيم المسمعيّ :

وهو : إبراهيم بن عبد الله ، أحد الأمراء في الدولة العباسيّة. عزله الخليفة (المقتدر بالله) عن إمارة الكوفة سنة (٢٩٦) (٢) للهجرة ، وعين مكانه (نزار بن محمّد الضبي). وذكر ابن الأثير : أنّ الّذي جاء بعد إبراهيم المسمعي هو (ياقوت) (٣).

وفي سنة (٣١١) للهجرة ، عقد له (المقتدر بالله) على إمارتي (فارس

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) القرطبي ـ صلة تاريخ الطبري. ص ٣٣ والقاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٢ / ٢٠٨.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٨ / ١٧٩.

٦٦٧

وكرمان) (١) وفي سنة (٣١٣) (٢) للهجرة ، وعند ما كان إبراهيم المسمعي أميرا على فارس ، فتح ناحية (القفص) في حدود كرمان ، وأسّر منها خمسة آلاف شخص ثمّ باعهم.

مات إبراهيم المسمعي سنة (٣١٥) (٣) للهجرة بالنوبندجان ، على أثر حمّى أصابته. فعيّن مكانه ياقوت (٤) ، عيّنه عليّ بن عيسى (٥).

٨١ ـ نزار محمّد الضبي :

وهو : نزار بن محمّد الضبي ، الخراساني ، وكنيته : أبو معد. وهو أحد قادة الدولة العباسيّة. ولّاه (المقتدر) إمارة الكوفة وطساسيجها (٦) سنة (٢٩٦) للهجرة ، وذلك بعد عزل إبراهيم المسمعي عن إمارتها (٧) ، وقيل كان أميرا على الكوفة سنة (٢٩٤) للهجرة.

وكان نزار الضبي في سنة (٢٨٨) للهجرة ، قد أرسل لغزو الروم ، ففتح حصونا كثيرة للروم ، وأدخل طرسوس مائة علج ونيفا ، وستين علجا من الشماسيّة ، وصلبانا كثيرة (٨).

وفي سنة (٢٩٢) للهجرة ، كان نزار الضبي أميرا على البصرة (٩).

وعند ما كان نزار أميرا على البصرة ، سمع بأنّ رجلا يريد الثورة على

__________________

(١) الهمذاني ـ تكملة تاريخ الطبري. ص ٢٢٨.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٨ / ١٦٠ وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ٣٩٨.

(٣) تاريخ ابن خلدون ، ج ٣ / ٣٨٩.

(٤) ذيول الطبري. ص ٢٥٠ والهمذاني ـ تكملة تاريخ الطبري. ص ٢٥٠.

(٥) عليّ بن عيسى : وزير المقتدر.

(٦) الطسوج : الناحية ، المنطقة.

(٧) القرطبي ـ صلة تاريخ الطبري. ص ٣٣ والقاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٢ / ٢٠٨.

(٨) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١٢ / ٤١٦ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٥١٠.

(٩) القاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٢ / ٢٠٨.

٦٦٨

الخليفة ، فقبض عليه في واسط وجيء به إلى البصرة ، ثمّ ألقي القبض أيضا على جماعة اتهموا بأنّهم من أنصار هذا الثائر ، فأرسلهم جميعا إلى بغداد إلى الخليفة (المكتفي بالله) فأمر المكتفي بردهم إلى البصرة ، فحبسهم نزار في السجن المعروف (بالجديد) (١).

وفي سنة (٢٩٤) للهجرة ، ألقي القبض (في طريق مكّة) على رجلين ، أحدهما يعرف (بالحداد) والثاني (بالمنتقم) فأرسلوهما إلى نزار بالكوفة ، فأرسلهما نزار إلى الخليفة في بغداد ، وقيل إنّ التهمة الّتي وجهت اليهما ، بأنّهما كانا يدعوان الأعراب للثورة ضد الخليفة (٢).

وفي سنة (٣٠٤) للهجرة ، عيّن نزار بن محمّد رئيسا لشرطة بغداد ، وذلك بعد عزل رئيسها السابق (يمن الطولوني) وبقي نزار على شرطة بغداد إلى سنة (٣٠٦) للهجرة ، حيث عزل عنها ، عزله الخليفة (المقتدر) ثمّ عيّن مكانه محمّد بن عبد الصمد (من قادة نصر الحاجب) (٣). وقيل عيّن مكانه نجح الطولوني (٤).

وفي سنة (٣١٠) للهجرة عزل نزار بن محمّد الضبي عن إمارة الحرمين (٥).

وفي سنة (٣١٢) للهجرة ، قاتل نزار الضبي القرامطة الذين تعرضوا للحجّاج في هذه السنة ، وكان على القافلة الأولى من حجّاج العراق الذاهبين عن طريق الكوفة ، فثبت نزار للقرامطة ، وأصيب بجراحات

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ١٠ / ١١٨.

(٢) المصدر السابق. ج ١٠ / ١٣٥.

(٣) القرطبي ـ صلة تاريخ الطبري. ص ٦٠.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٨ / ١١٣.

(٥) الهمذاني ـ تكملة تاريخ الطبري. ص ٢٢٨ وتاريخ الطبري. ج ١٠ / ١١٨.

٦٦٩

بليغة (١).

مات نزار بن محمّد سنة (٣١٧) (٢) للهجرة ، متأثرا من جراحاته في بعض حروبه مع القرامطة. وعزل نزار بن محمّد الضبي عن الكوفة سنة (٢٩٦) للهجرة ، وعيّن مكانه نجح الطولوني (٣).

٨٢ ـ نجح الطولوني :

وهو : أخو (سلامة الطولوني) حاجب (٤) الخليفة (المقتدر) ، ولّاه الخليفة (المقتدر بالله) إمارة الكوفة سنة (٢٩٦) (٥) للهجرة ، وذلك بعد عزل نزار بن محمّد الضبي.

وفي سنة (٣٠١) للهجرة ، شكا أهل البصرة أميرهم (محمّد بن إسحاق ابن كنداج) إلى عليّ بن عيسى (وزير المقتدر) ، فعزله وولّى مكانه نجح الطولوني (٦).

وفي سنة (٣٠٧) (٧) للهجرة ، ولّاه المقتدر شرطة بغداد ، ثمّ أعيدت إليه إمارة أعمال (المعاون) في أصبهان سنة (٣١٢) (٨) للهجرة.

وفي سنة (٣١٧) للهجرة ، جاء ياقوت من فارس ، بناء على طلب الخليفة (المقتدر) وعيّن مكانه نجح الطولوني على فارس وكرمان (٩).

__________________

(١) الزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ٨ / ٣٣١.

(٢) المصدر السابق. ج ١ / ٢٦٦.

(٣) القرطبي ـ صلة تاريخ الطبري. ص ٣٣.

(٤) الحاجب : الوزير.

(٥) القرطبي ـ صلة تاريخ الطبري. ص ٣٣.

(٦) المصدر السابق. ص ٤٤.

(٧) القاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ١ / ٢٨٣ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٨ / ١٥٧.

(٨) نفس المصدرين أعلاه.

(٩) الهمذاني ـ تكملة تاريخ الطبري. ص ٢٦٤.

٦٧٠

وفي سنة (٢٨٣) للهجرة ، حدث شغب في مصر ، قتل فيه (عليّ بن أحمد المارداني) وقبض على (جيش بن خمارويه بن أحمد بن طولون) وجعلوا على الجيش أخاه (هارون بن خمارويه) بدلا منه ، وكان أهل مصر قد نقموا على (جيش) تقدّمه لغلامه نجح المعروف (بالطولوني) وأخيه (سلامة) المعروف (بالمؤتمن) (١).

٨٣ ـ (أبو الهيجاء) عبد الله بن حمدان :

وهو : عبد الله بن حمدان بن حمدون ، أبو (سيف الدولة الحمداني وناصر الدولة) (٢) ، وقيل : هو : حرب بن سعيد بن حمدان بن حمدون التغلبي ، وهو أخو أبي فراس الحمداني.

اشتهر أبو الهيجاء بالشجاعة والكرم ، ورثاه الشريف الرضي بقصيدة مطلعها (٣) :

رجونا (أبا الهيجاء) إذ مات حارث (٤)

فمذ مضيا لم يبق للمجد وارث

وعبد الله بن حمدان التغلبي (أبو الهيجاء) هو من الأمراء ، ومن القادة المقدمين في الدولة العباسيّة ، فقد خلع عليه (المقتدر بالله) أعمال المعاون (٥) بالكوفة ، وطريق مكّة سنة (٣٠٩) للهجرة ، كما وخلع عليه خلعا سنيّة ، وقلّده أعمال الحرب (٦).

وأبو الهيجاء من أشهر أمراء بني حمدان ، وقائد عسكري ، خاض

__________________

(١) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٤ / ١٧٠.

(٢) القاضي التنوخي ـ حاشية القصة من نشوار المحاضرة. ج ٢ / ٧.

(٣) الزركلي ـ الأعلام. ج ٢ / ١٨٣.

(٤) حارث : هو أبو فراس الحمداني.

(٥) معاون الكوفة : أي معاون (المؤونة).

(٦) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٦ / ١٥٩.

٦٧١

حروب ومعارك في خلافتي (المكتفي والمقتدر) (١).

وكان أبو الهيجاء قد ولّاه (المكتفي بالله) ولاية الموصل سنة (٢٩٣) للهجرة ، ثمّ عزله (المقتدر) سنة (٣٠١) للهجرة ، ثمّ أعاده وقلّده (المقتدر) طريق خراسان والدينور فكان أبو الهيجاء يتولّى ذلك ، وهو مقيم في بغداد (٢).

وعند عودة الحجّاج من مكّة سنة (٣١٢) للهجرة ، تعرض لهم القرامطة بقيادة (أبو طاهر بن سعيد القرمطي) فأوقع بالحجّاج ، قتلا وتنكيلا وسلبا وأسّر في هذه الحادثة (أبو الهيجاء) ، وأسّر كذلك (أحمد بن بدر) عم السيدة (أم المقتدر) وأسر كذلك كثير من جماعة وخدم الخليفة.

ثمّ أخذ أبو طاهر القرمطي ، جمال الحجّاج ، وسبي من اختار من النساء والرجال والصبيان ، وأخذهم إلى (هجر) وترك الباقين بلا جمال ، ولا ماء ، ولا طعام ، فمات أكثر الحجّاج عطشا (٣).

وكانت حصيلة القرمطي من هذه الحملة : ألف ألف دينار ، ومن الأمتعة والطيب وغيرها ما يقدر بألف ألف دينار أيضا ، وكان تعداد عسكره ثمانمائة فارس ومثلهم (رجّاله) (٤) ، وكان عمره حينذاك سبع عشرة سنة ، وكان عدد الأسرى الذين أخذهم : ألفين ومائتين من الرجال وخمسمائة من النساء.

ولمّا سمع أهالي بغداد بهذه الحادثة ، خرجت النساء في الشوارع ، وهنّ ناثرات الشعور ، مسودات الوجوه ، وانظمت اليهن نساء المنكوبين الذين

__________________

(١) حمدان عبد المجيد الكبيسي ـ عصر الخليفة المقتدر. ص ٥١٧.

(٢) الهمذاني ـ تكملة تاريخ الطبري. ص ٢٤٣ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٨ / ١٢٣.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٨ / ١٤٧.

(٤) رجّاله : أي مشاة.

٦٧٢

نكبهم (ابن الفرات) (١) فكان منظرا مؤلما تتفتت له الأكباد ، عندها ذهب (ابن الفرات) إلى (المقتدر) وأخبره بما حدث ، فقال له (نصر الحاجب) مستهزئا : (الآن تطلب الرأي ، وقد زعزعت أركان الدولة ، وعرضتها للخطر بإبعادك (مؤنس المظفر) الّذي يناضل الأعداء ، ومن الّذي سلّم رجال السلطان إلى القرمطي سواك) (٢)؟

ثمّ هجم الناس على (ابن الفرات) ورجموا سفينته ، ثمّ رجموا داره ، وصاحوا : (يا ابن الفرات .. أيّها القرمطي الكبير). فامتنع الناس عن الصلاة بالمسجد.

ثمّ قبض على ابن الفرات ، وابنيه ، وكان الناس يضربونه بالحجارة ويقولون : قد قبض على القرمطي الكبير ، ثمّ قتل ابن الفرات وابنه (المحسن) وأسندت الوزارة إلى أبي القاسم عبد الله بن محمّد الخاقاني.

ثمّ طلب (أبو الهيجاء) من (أبي طاهر القرمطي) أن يطلق سراح الأسرى ، فأطلقهم (القرمطي) على وجبات ، وكانت آخر وجبة أطلق معها سراح أبي الهيجاء ، وجماعة من أصحاب السلطان ، وقد أرسل معهم رسول ليوصلهم إلى بغداد. ولمّا وصل الأسرى إلى بغداد ، فرح الناس بعودتهم ، فأقيمت الاحتفالات والولائم التكريميّة لهم ولمبعوث أبي طاهر القرمطي.

وفي سنة (٣١٥) للهجرة ، انظمّ أبو الهيجاء إلى جانب (مؤنس المظفر) ضدّ الخليفة المقتدر ، وفي سنة (٣١٦) للهجرة ، انضمّ أبو الهيجاء أيضا إلى جانب (نازوك) رئيس الشرطة ضد المقتدر ، لأنّ المقتدر كان قد عزل أبا الهيجاء عن إمارة الدينور (٣).

__________________

(١) ابن الفرات : وزير المقتدر.

(٢) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٦ / ١٨٨.

(٣) حمدان عبد المجيد الكبيسي ـ عصر الخليفة المقتدر بالله. ص ٥٣٠.

٦٧٣

وعند ما حوصر الخليفة (القاهر بالله) بقصره من قبل مؤيّدي الخليفة (المقتدر بالله) سنة (٣١٧) للهجرة ، قاتل أبو الهيجاء بجانب (القاهر بالله) فقتله رجال المقتدر وأخذوا برأسه ، يطوفون به الشوارع ، وينادون : هذا جزاء من عصا مولاه وكفر بنعمته (١).

ومن الأعمال الّتي قام بها أبو الهيجاء فتذكر ، وعليها يشكر ، هو بناء قبة كبيرة على مرقد الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وفرش أرضيتها بالفرش الفاخرة. كما وشيّد سور كبير حول القبّة المطهرة (٢).

٨٤ ـ مؤنس المظفر :

وهو : مؤنس (الخادم) الملقب (بالمظفر) المعتضدي ، كان أحد الخدم الذين وصلوا إلى رتبة الملوك ، وكان من خدمة الخليفة (المعتضد بالله) وكان فارسا ، شجاعا ، ومن الساسة الدهاة ، بقي ستين سنة أميرا (٣) ، وهو من القادة الأتراك.

ومؤنس المظفر ، عاصر عدة خلفاء من بني العبّاس ، وخاض معارك عنيفة في عهودهم ، وكان الخليفة (المقتدر) يصغي إليه ، ويأخذ بمشورته ، وقد لقبه ب (مؤنس المظفر) (٤) بعد أن كان يلقب ب (مؤنس الخادم) وذلك بعد انتصاره على عبيد الله المهدي ، المغربي (صاحب القيروان) سنة (٣٠٩) للهجرة ، وفي شهر جمادي الأول من هذه السنة عقد له (المقتدر) على مصر

__________________

(١) الهمذاني ـ تكملة تاريخ الطبري. ص ٢٤٣ وحمدان عبد المجيد الكبيسي ـ عصر الخليفة المقتدر بالله. ص ٥٣٤.

(٢) الحميري ـ الروض المعطار. ص ٥٠١.

(٣) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١٣ / ١٩٩ والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ١١ / ٢٤.

(٤) الهمذاني ـ تكملة تاريخ الطبري. ص ٢١٨ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٦ / ١٥٩ وحمدان الكبيسي ـ عصر المقتدر. ص ١٢.

٦٧٤

والشام (١). وفي سنة (٣١١) (٢) للهجرة ، خلع الخليفة المقتدر على مؤنس المظفر ، وعقد له على غزو الصائفة لهذه السنة. وفي شهر محرم من سنة (٣١٣) (٣) للهجرة ، أرسله الخليفة (المقتدر) إلى محاربة القرمطي الّذي اعتدى على الحجّاج في طريق مكّة أثناء الحجّ.

كما وسبق وأرسله في سنة (٣١٢) (٤) للهجرة إلى الكوفة لمحاربة القرامطة (الذين دخلوا الكوفة) وإخراجهم منها ، ولمّا وصل مؤنس إلى الكوفة ، وجد أنّ القرامطة قد خرجوا ، عندها ذهب إلى واسط واستخلف ياقوت على الكوفة.

وكانت أمّ الخليفة (المقتدر) تكره مؤنس المظفر ، كرها شديدا ، ثمّ حصل بينه وبين المقتدر فتور ، إذ شغب عليه بعض القادة عند (المقتدر) ممّا دعى (المقتدر) إلى حفر (حفيرة) ثمّ غطاها بأوراق الشجر ، وعند ما يمرّ عليها مؤنس يقع فيها ويموت (٥).

ثمّ حصل الشغب من جانب القادة والجيش على المقتدر ، لتأخّر دفع رواتبهم وأعطياتهم ، فجاء أصحاب مؤنس من (البربر) فحاصروا المقتدر ، وضربه أحدهم ، فسقط على الأرض ، فقال المقتدر : (ويحكم أنا الخليفة) فقالوا له : (إيّاك نطلب) ثمّ طرحوه أرضا وذبحوه كما تذبح الشاة ، وسلبوا ثيابه ، ودفنوه ، وعفى أثره ، وأرسل برأسه إلى (مؤنس المظفر) فلما نظر إليه مؤنس بكى وقال : (لنقتلنّ والله جميعا) (٦). ثمّ جاء القاهر بالله بعد المقتدر ،

__________________

(١) تكملة تاريخ الطبري. ص ٢١٨ والمنتظم. ج ٦ / ١٥٩.

(٢) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١٣ / ٢١٨.

(٣) محمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ٣٤٥.

(٤) ابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١١ / ١٥٠.

(٥) الهمذاني ـ تكملة تاريخ الطبري. ص ٢٥١.

(٦) المصدر السابق. ص ٢٧٢.

٦٧٥

فبايعه مؤنس ، كما وبايعه باقي القادة (١).

وفي إحدى المعارك الّتي خاضها مؤنس المظفر سنة (٣٠٦) للهجرة مع يوسف بن أبي الساج ، انهزم فيها مؤنس ، فلحقه (نصر السبكي) وأراد أن يؤسره ويأخذ ماله ، إلّا أنّ يوسف بن أبي الساج أمره أن لا يعترض لمؤنس ولا لماله ، كما وأسّر في تلك المعركة جماعة من قادة مؤنس ، فأكرمهم يوسف وزاد في إكرامهم وحسن معاملتهم ، ثمّ أطلق سراحهم ، فتمنى أصحاب مؤنس الذين ظلّوا معه ، تمنّوا جميعا لو أنّهم وقعوا في الأسر (٢).

وبعد مرور ثلاث سنوات على تلك المعركة ، ألقي القبض على يوسف بن أبي الساج أي سنة (٣٠٩) للهجرة ، وجيء به أسيرا إلى الخليفة (المقتدر) وكان مؤنس المظفر جالسا عند المقتدر ، فطلب مؤنس من المقتدر أن يهب له (يوسف) فوهبه له ، وعفى عنه المقتدر (٣).

وقيل إنّ مؤنس المظفر ، قد عزل القائد التركي (تكين) عن مصر يوم الأحد في السابع عشر من شهر ربيع الأول من سنة (٣٠٩) للهجرة ، وعيّن مكانه (أبا قابوس بن حمك) ثمّ عزله بعد أيّام ، وأعاد (تكين) على إمارة مصر ثانية ، فبقى (تكين) أربعة أيّام أميرا على مصر ، ثمّ عزله مؤنس ثانية ، وأمره بالذهاب إلى الشام ، وأخبر المقتدر بعزله (٤). فقال ابن مهران في ذلك (٥) :

وليت ولاية وعزلت عنها

كما قد كنت تعزل من تولى

رحمتك يا أبا منصور لما

خرجت كذا بلا علم وطبل

__________________

(١) نفس المصدر أعلاه. ص ٢٧٢.

(٢) القرطبي ـ صلة تاريخ الطبري. ص ٦٧.

(٣) الهمداني ـ تكملة تاريخ الطبري. ص ٢١٨.

(٤) الكندي ـ ولاة مصر. ٢٩٥ وأبي المجالس ـ النجوم الزاهرة. ج ٣ / ٢٠٠.

(٥) الكندي ـ ولاة مصر. ص ٢٩٦.

٦٧٦

وقيل إنّ ما فعله مؤنس المظفر بالخليفة (المقتدر) أدّى إلى تجرّؤ الولاة والأمراء العباسيين على خلفائهم ، وهذا مما أدّى إلى ضعف الخلافة العباسيّة (١).

ولمّا جاء القاهر لله (أخو المقتدر) إلى الخلافة ، انتشرت الفتن الداخلية في زمانه ، وشغب عليه قادته وجنده ، واتفق كبار ورجال دولته وقائده (مؤنس المظفر) و (ابن مقلة) (٢) على خلعه ، وتنصيب أحد أولاد الخليفة (المكتفي) مكانه ولمّا سمع (القاهر بالله) بذلك ، قام بتدبير حتّى تمكّن من قتلهم جميعا ، ما عدا وزيره ابن مقلة فقد نجا بنفسه ، بعد أن أحرقت داره ، كان ذلك سنة (٣٢١) (٣) للهجرة.

قتل مؤنس المظفر سنة (٣٢١) (٤) للهجرة ، على يد الخليفة (القاهر بالله) كما ذكرنا آنفا.

٨٥ ـ ياقوت :

وكنيته : أبو الفوارس. وياقوت هو من أعاظم الدولة العباسيّة ، لعب هو وولداه (المظفر ومحمّد) أدوارا هامّة في الدولة العباسيّة ، فقد عيّن حاجبا للخليفة المقتدر بعد عزل (نصر القشوري) (٥).

وكان الخليفة (المقتدر بالله) قد أمر (مؤنس المظفر) سنة (٣١٢)

__________________

(١) حسن إبراهيم حسن ـ تاريخ الإسلام. ج ٣ / ٨٤.

(٢) ابن مقلة : أحد الوزراء المشهورين في دولة بني العبّاس.

(٣) حسن إبراهيم حسن ـ تاريخ الإسلام. ج ٣ / ٨٤.

(٤) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٠ / ٢٨٥ والقاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ١ / ٢٦١ ومسكويه ـ تجارب الأمم. جمع أمينة البيطار. ص ٩٣. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٨ / ٢٧٩ وأبي المجالس ـ النجوم الزاهرة. ج ٧ / ٢٣٩ والزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ١ / ٣٦٩.

(٥) القرطبي ـ صلة تاريخ الطبري. ص ١١٨.

٦٧٧

للهجرة بالذهاب إلى الكوفة لمحاربة القرامطة (١) ، فذهب مؤنس إلى الكوفة ، وقد خرج القرامطة عنها ، وهدأت الأوضاع فيها ، فذهب مؤنس إلى واسط ، واستخلف ياقوت (الخادم) على الكوفة (٢) ، وقيل كان ذلك سنة (٣١٤) للهجرة (٣).

وقيل : إنّ المقتدر ، أرسل ياقوت وابنيه (محمّد والمظفر) إلى الكوفة سنة (٣١٢) للهجرة لمحاربة (أبي طاهر القرمطي) ، ولمّا علم (ياقوت) بأنّ القرمطي ترك الكوفة وعاد إلى بلده (هجر) ، عاد ياقوت وابناه إلى بغداد (٤).

وفي نفس هذه السنة ، أعني سنة (٣١٢) للهجرة ، ذهب موسى إلى الكوفة فاستخلف عليها ياقوت (٥).

وفي سنة (٣١٩) للهجرة حصلت خلافات بين ياقوت ومؤنس المظفر ، ودارت بينهما منازعات ، فعزل (ابن ياقوت) عن الشرطة ، ثمّ كتب مؤنس المظفر إلى الخليفة (المقتدر) يطلب منه إخراج (ياقوت وابنه) عن بغداد ، فلم يوافقه على ذلك ، عندها كتب مؤنس إليه يطلب منه الموافقة على خروجه بنفسه من بغداد ، فلم يمانع المقتدر من ذلك ، عندها خرج (مؤنس) إلى الشماسيّة ، ومعه الكثير من المؤيدين والأنصار ، ثمّ التحق به بعض القادة ، وانحاز إليه الجيش ، فذهب إليه الوزير (سليمان بن الحسن) و (عليّ بن عيسى) ، فلما وصلوا إلى الشماسيّة ، اعتقلتهم حاشية مؤنس ظنا منهم بأنهم جاؤوا لقتل مؤنس.

__________________

(١) وكان المقتدر قد صرف على تهيئة الجيش لمؤنس المظفر ألف ألف دينار.

(٢) الهمذاني ـ تكملة تاريخ الطبري. ص ٢٤٧ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٨ / ١٥٦.

(٣) ابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١١ / ١٥٠.

(٤) الهمذاني ـ تكملة تاريخ الطبري. ص ٢٤٢.

(٥) المصدر السابق. ص ٢٤٧.

٦٧٨

ثمّ جرت مشاورات بين الخليفة (المقتدر) وبين المظفر (مؤنس) على إخراج ياقوت وابنيه من بغداد ، فبعث (المقتدر) إلى ياقوت يأمره بالخروج من بغداد ، والذهاب إلى أيّ مكان يشاء. فخرج ياقوت وأصحابه محمّلين بالسلاح وبالمال.

ثمّ رجع (مؤنس المظفر) إلى داره ، وأحرقت دور ياقوت وولده.

وتتابعت الأيّام ودارت (١) ، وإذا بمؤنس المظفر يخرج من بغداد مغضوبا عليه من قبل الخليفة (المقتدر). وتدور الأيّام ثانية ، وبأسرع مما دارت سابقا ، فيعود مؤنس إلى بغداد بعد أن التحق به كثير من القادة والجند ، فتقع معركة عنيفة بين المقتدر من جهة وبين مؤنس المظفر من جهة أخرى ، أسفرت عن قتل الخليفة (المقتدر بالله) وقطع رأسه ، وجيء به إلى مؤنس المظفر ، كان ذلك سنة (٣٢٠) للهجرة ، وقد اشترك في هذه المعركة ياقوت وولده إلى جانب المقتدر (٢).

وكان (المقتدر) قد أمر بعزل (ياقوت) عن الحسبة سنة (٣١٩) للهجرة ، وابنه (محمّد) عن الشرطة ، وإبعادهما عن الحضرة السلطانية ، وتعيين (ياقوت) على إمارة فارس وكرمان وتعيين ابنه (المظفر) على إمارة أصبهان ، وتعيين ابنه الآخر (محمّد) على إمارة سجستان (٣).

وفي سنة (٣٢٣) للهجرة ، اسندت الحجبة ورئاسة الجيش إلى (محمّد ابن ياقوت) فاستبدّ هذا برأيه ، وطالب

أصحاب الدواوين بحضور مجلسه ،

__________________

(١) ورحم الله الشاعر حيث قال :

لعب الكراة يلذ كالدنيا لنا

فبه كتلك تنازع وزحام

ما بين أرجلهم هوت فغدوا بها

يتدالون كأنها الأيّام

من يحضى فيها فارقته بلحظة

مثل السعادة مبدأ فختام

(٢) القرطبي ـ صلة تاريخ الطبري. ص ١٥٣.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٨ / ٢٢٤.

٦٧٩

وألا يقبل أيّ توقيع إلّا بعد توقيعه بنفسه ، وبخط يده (١).

ولمّا جاء (الراضي بالله) إلى الخلافة ، طلب منه ياقوت أن يقلّده إمارة الأهواز ، فقلده إيّاها. ثمّ جاء (مرداويج) بجيشه إلى الأهواز ، فوقف له (ياقوت) على القنطرة ، ومنعه من العبور إليها ، فبقيا على تلك الحالة أربعين يوما ، رحل بعدها (مرداويج) عن الأهواز ثمّ جاءت الإمدادات إلى ياقوت من بغداد ، فذهب إلى واسط ، ونزل في غربها ، بعد أن أخليت له (٢).

وبعد أن قتل (مرداويج) عاد ياقوت إلى الأهواز ، وعند عودته كان (عليّ بن بويه) قد استولى على فارس ، فحدثت معركة بينه وبين (ابن بويه) و (ومعزّ الدولة) انهزم على أثرها ياقوت إلى (شيراز) فلحقه (معزّ الدولة) إلى هناك.

ثمّ جاء ياقوت ، ونزل في معسكر (البريدي) (٣) ، فهجم (أبو جعفر الجمّال) بعسكره على ياقوت ، فقاومه ياقوت في ألف رجل ، ولمّا رآى ياقوت أنّه لا قدرة له على مواصلة القتال ، رمى بنفسه من على دابته ، وجلس على الأرض ، وغطّى وجهه ، ومدّ يده وأخذ يستعطي (٤) الناس ، فجاء إليه جماعة من أصحاب البريدي ، فكشفوا عن وجهه فعرفوه ، فقتلوه ، وقطعوا رأسه ، وجاءوا به إلى (الجمّال) فأمر الجمال بدفن الرأس مع الجثة في المكان الّذي قتل فيه ، وكان ذلك سنة (٣٢٤) (٥) للهجرة. وقيل : قتل ياقوت في معسكر (مكرم) (٦) بعد أن بلغ من العمر عتيا.

__________________

(١) آدم متنر ـ الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري. ج ١ / ٤٦.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٨ / ٢٨٦.

(٣) البريدي : وهو كاتب ياقوت ، إلّا أنه قد تآمر على ياقوت فيما بعد.

(٤) يستعطي الناس : أي جلس على هيئة متسول.

(٥) الهمذاني ـ تكملة تاريخ الطبري. ص ٣٠٣ والقاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ١ / ٣٢٥.

(٦) تكملة تاريخ الطبري. ص ٣٠٠ والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٢٤ / ٣٨.

٦٨٠