أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

لكم مرتع في دار آل محمّد

وداركم للترك والجيش مرتع

وعند ما دخل الحسين بن إسماعيل إلى الكوفة ، لم يذهب عليّ بن محمّد ابن جعفر للسلام عليه فأرسل إليه يستدعيه ، فلما جاء سأله الحسين بن إسماعيل عن أسباب عدم مجيئه والسلام عليه ، فأجابه عليّ بن محمّد قائلا :

قتلت أعزّ من ركب المطايا

وجئتك (١) أستلينك بالكلام

وعزّ عليّ أن ألقاك إلا

وفيما بيننا حدّ الحسام

ولكنّ الجناح إذا أهيضت

قوادمه يسرف على الأكام

٦٦ ـ الحسين بن إسماعيل :

هو : الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب بن رزيق (٢). وذكره ابن الأثير بأنه : الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب (٣).

أرسله محمّد بن عبد الله بن طاهر ، لمحاربة يحيى بن عمر ، الّذي ثار بالكوفة سنة (٢٥٠) للهجرة ، وأرسل معه بعضا من قادته ، ممّن عرف بالشجاعة مثل خالد بن عمران وعبد الرحمن بن الخطاب المعروف ب (وجه الفلس) وغيرهم (٤). ولمّا وصل الحسين بن إسماعيل إلى قرية (شاهي) القريبة من الكوفة عسكر فيها فاستراح جيشه ، ثمّ جاءته الإمدادات.

وكان يحيى بن عمر بالكوفة يجمع السلاح ويصنع السيوف ، فأشار عليه جماعة من الزيديّة (ممّن لا علم لهم ولا دراية بالحروب) بمعاجلة

__________________

(١) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٤ / ٦٦.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٢٦٧ ومحمّد الخضري بك ـ محاضرات التاريخ الإسلامي. ج ٢ / ٢٧٥ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٦٨.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٢٧.

(٤) وجه الفلس أو وجه الغلس.

٦٤١

الحسين بن إسماعيل ، ثمّ إنّ عوام أصحابه أيّدوا رأي الزيدية ، ممّا حمل يحيى على محاربة ابن إسماعيل ، ثمّ دارت معركة بين الطرفين ، قتل خلالها يحيى بن عمر وأسّر الهيضم (الهيصم) بن العلاء العجلي ، وانهزم أهل الكوفة ، ثمّ قطع رأس يحيى وأرسل إلى محمّد بن عبد الله بن طاهر في بغداد (١).

ثمّ أرسل المستعين جيشا آخر إلى الكوفة بقيادة (كلباتكين) لينظمّ إلى جيش الحسين بن إسماعيل ، فشاهد (كلباتكين) جماعة ومعهم مواد غذائية يريدون إيصالها إلى عسكر يحيى ، فقتلهم جميعا واستولى على تلك المواد. ثمّ دخل الكوفة وأراد أن يقتل أهلها فمنعه الحسين بن إسماعيل (٢).

وفي سنة (٢٥١) للهجرة ، جعله الخليفة (المستعين) على باب الشماسيّة وجعل كافة القادة الموجودين فيها تحت قيادته ، وبعد انتهاء الحرب ذهب الحسين بن إسماعيل إلى الأنبار (٣).

ولقد وقعت معارك كثيرة بين الحسين بن إسماعيل وبين الأتراك ، وفي إحدى تلك المعارك قتل من جيش ابن إسماعيل مائة رجل ، وأسّر مائة وإثنان وسبعون رجلا ، واستولوا على ألفي دابة وأكثر من مائتي بغل ، وأما قيمة السلاح والثياب الّتي استولى عليها الأتراك فقد قدرت بأكثر من مائة ألف دينار ، فقال الهنداوي يهجو ابن إسماعيل (٤) :

يا أحزم (٥) الناس رأيا في تخلفه

عن القتال خلطت بين الصفو والكدر

لما رأيت سيوف الترك مصلتة

علمت ما في سيوف الترك من قدر

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٢٧٠ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٢٨ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٦٩.

(٢) الطبري. ج ٩ / ٢٧٠.

(٣) المصدر السابق. ج ٩ / ٢٩١.

(٤) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٣٢٦ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٥٦.

(٥) أحزم : وذكر ابن الأثير بأنها : أعدل.

٦٤٢

فصرت منجحرا ذلّا ومنقصة

والنّجح يذهب بين العجز والضجر

٦٧ ـ أحمد بن نصير بن حمزة :

هو : أحمد بن نصير بن حمزة بن مالك الخزاعي. ولّاه الخليفة (المعتز بالله) إمارة الكوفة (١).

ولمّا ثار الحسين بن أحمد (محمّد) بن حمزة بالكوفة سنة (٢٥١) (٢) للهجرة ، كان الأمير عليها آنذاك (أحمد بن نصير بن مالك الخزاعي) فقتل الحسين بن أحمد أحد عشر رجلا من جماعة (أحمد) كان منهم أربعة جنود من جنود أهل الكوفة ، وبعد ذلك هرب أحمد بن نصر إلى قصر ابن هبيرة ، واجتمع مع هشام بن أبي دلف (٣).

ثمّ جاء مزاحم بن خاقان بجيش كبير ، واجتمع مع هشام بن أبي دلف ومع أحمد بن نصير الخزاعي ، وتحركوا جميعا نحو الكوفة ، فقاتلوا أهلها أشد قتال ، ثمّ دخل مزاحم بن خاقان إلى الكوفة ، فرماه الناس بالحجارة ، عند ذلك غضب مزاحم على أهل الكوفة ، وأمر بحرق الكوفة ، فحرقت فيها ألف دار ، وحرقت سبعة أسواق من أسواقها العامرة ، ثمّ هجم على الدار الّتي فيها الحسين بن أحمد فهرب الحسين منها ، وقيل قتله ابن خاقان (٤).

٦٨ ـ الحسين بن أحمد بن حمزة :

هو : الحسين بن أحمد (محمّد) بن حمزة بن عبد الله بن الحسين بن عليّ

__________________

(١) البراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٣٥.

(٢) الطبري. ج ٩ / ٣٢٨ والمسعودي ـ مروج الذهب. ج ٤ / ٦٩ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٦٤.

(٣) نفس المصادر السابقة.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٦٥.

٦٤٣

ابن أبي طالب ، وكنيته : أبو أحمد ، ويعرف (بالحرون).

ثار الحسين بن أحمد بالكوفة سنة (٢٥١) (١) للهجرة ، فاستولى عليها وطرد أميرها (أحمد بن نصير بن مالك الخزاعي) وقتل أحد عشر رجلا من جماعة أحمد بن نصير ، كان بضمنهم أربعة رجال من جنود أهل الكوفة ، عندها هرب أحمد بن نصير إلى قصر ابن هبيرة.

ثمّ ذهب الحسين (الحرون) إلى سواد الكوفة واستخلف على الكوفة (محمّد بن جعفر بن حسن بن جعفر) (٢).

ولمّا سمع الخليفة (المستعين بالله) بثورة (الحرون) أرسل إليه مزاحم (٣) ابن خاقان ومعه جيش كبير ، ولمّا وصل مزاحم إلى قصر ابن هبيرة ، اجتمع هناك بهشام بن أبي دلف وبأحمد بن نصير (الّذي هرب من الكوفة) ثمّ ساروا جميعا نحو الكوفة ، ولمّا صاروا على مقربة من الكوفة ، خرج (الحرون) منها عن طريق آخر ، وذهب إلى سامراء ، فبايع (المعتزّ) ثمّ بقي مدّة في سامراء ، ثمّ هرب منها ، وأراد الثورة على الخليفة مرّة ثانية ، فألقي عليه القبض وسجن بضع عشرة سنة ، ثمّ أطلق سراحه بعد ذلك بأمر من الخليفة (المعتمد) سنة (٢٦٨) (٤) للهجرة.

ثمّ ثار (الحسين الحرون) أيضا بسواد الكوفة ، فألقي القبض عليه في آخر سنة (٢٦٩) للهجرة ، فنقل إلى واسط ، وحبس فيها مدّة سنتين ، ثمّ مات بعد ذلك سنة (٢٧١) للهجرة ، فأمر الخليفة (الموفّق) بدفنه ، والصلاة

__________________

(١) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٤ / ٦٩ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١١ / ٥٠ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٦٤ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٤٧.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٣٢٨.

(٣) مزاحم بن خاقان : قائد عسكري عباسي ، تركي الأصل.

(٤) أبو الفرج الأصبهاني ـ مقاتل الطالبيين. ص ٦٦٥.

٦٤٤

عليه. (١)

٦٩ ـ محمّد بن جعفر بن حسن :

هو : محمّد بن جعفر بن حسن بن جعفر بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، وكنيته : أبو أحمد. استخلفه الحسين بن أحمد على إمارة الكوفة سنة (٢٥١) (٢) للهجرة عند ما ثار بالكوفة في هذه السنة ولمّا انهزم الحسين بن أحمد (محمّد) من الكوفة عند ما دخلها مزاحم بن خاقان ، ولّاه المعتزّ إمارة الكوفة. وقيل إنّ محمّد بن جعفر قد ثار بالكوفة (بعد هروب الحسين بن محمّد) واستولى عليها ، فكتب إليه محمّد بن عبد الله بن طاهر بتوليته إمارة الكوفة (وكانت هذه التولية خدعة) حيث تمكن عبد الرحمن الأشعثي (خليفة محمّد بن عبد الله بن طاهر على الكوفة) وقيل خليفة أبي الساج من القبض على محمّد بن جعفر بحيلة دبرها وهي : إنّه أخذ يستميل إلى أبي أحمد ، حتّى خالطه ، وأصبح صديقا له ، ومن المقربين إليه فاطمأنّ إليه أبو أحمد. وذات يوم خرج عبد الرحمن ومحمّد بن جعفر للنزهة في بستان ، ولمّا حان وقت المساء خرج جماعة عبد الرحمن فأمسكوا بأبي أحمد ، وقيّدوه بالحديد ، ثمّ أرسلوه إلى بغداد (٣).

وقيل عند ما جاء عبد الرحمن الأشعثي أميرا على الكوفة من قبل محمّد بن عبد الله بن طاهر رماه أهل الكوفة بالحجارة ، ظنّا منهم بأنّه جاء لحرب (العلوي) فقال لهم عبد الرحمن : (أنا لست بأمير ، وإنّما جئت لمحاربة

__________________

(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ مقاتل الطالبيين. ص ٦٦٥ والزركلي ـ الأعلام. ج ١ / ٢٥٣ وعبد الرزاق كمونة ـ مشاهد العترة الطاهرة. ص ٢٧٥.

(٢) مقاتل الطالبيين. ص ٦٦٦ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٦٤ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٤٧.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٧٦.

٦٤٥

الأعراب ، ولا شأن لي فيكم) ، عندها كفّ عنه أهل الكوفة وتركوه. وقيل : بعد أن قبض على محمّد بن جعفر (أبو أحمد) أرسل إلى سامراء فحبس بها حتى مات (١).

٧٠ ـ عبد الرحمن الأشعثي :

كان محمّد بن جعفر بن حسن بن جعفر ، قد استخلفه الحسين بن محمّد بن حمزة على الكوفة ، عند ما ثار سنة (٢٥١) للهجرة (٢).

وقيل إنّ محمّد بن جعفر ، قد ثار بالكوفة بعد ثورة الحسين بن محمّد ، ولمّا سمع محمّد بن عبد الله بن طاهر بذلك ، أرسل خليفته (عبد الرحمن الأشعثي) إلى الكوفة. ولمّا وصل إليها سنة (٢٥٢) للهجرة ، رماه أهلها بالحجارة ، تصوّرا منهم بأنّه جاء لمحاربة (العلوي) ، فقال لهم عبد الرحمن : أنا لست بأمير ، وإنّما جئت لمحاربة الأعراب ، ولا شأن لي فيكم. عندها تركوه وكفوا عنه. ثمّ تمكّن عبد الرحمن هذا من القبض على محمّد بن جعفر ، وذلك بحيلة دبرها ، إذ تمكن من أن يصبح صديقا له ، حتّى وثق بصدق صداقته.

وفي يوم من الأيّام خرجا سوية للنزهة في بستان ، وعند المساء ، خرج جماعة عبد الرحمن (المختفين في مكان ما من البستان) فأمسكوا بأبي أحمد ، وقيّدوه بالحديد ، ثمّ أرسلوه إلى بغداد (٣). ولمّا وصل إلى بغداد ، حبسه محمّد بن عبد الله بن طاهر عنده ، ثمّ أطلق سراحه بكفالة (٤).

__________________

(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ مقاتل الطالبيين. ص ٦٦٦.

(٢) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١١ / ٥٠ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٦٤ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٤٧.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٧٦.

(٤) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٣٧٠.

٦٤٦

٧١ ـ مزاحم بن خاقان :

هو : مزاحم بن خاقان بن عرطوج أو (أرطوج) ، وكنيته أبو الفوارس.

ومزاحم بن خاقان ، قائد عسكري ، ومن أمراء بني العبّاس ، تركي الأصل ، بغدادي المنشأ ، وأخو (الفتح بن خاقان) وزير المتوكّل على الله (١).

وعند ما ثار الحسين بن أحمد بن حمزة بالكوفة سنة (٢٥١) للهجرة ، أرسل الخليفة (المستعين بالله) جيشا كبيرا لمحاربته بقيادة مزاحم بن خاقان ، ولمّا وصل مزاحم إلى قرية (شاهي) القريبة من الكوفة ، أرسل داود بن القاسم إلى الحسين بن حمزة لينصحه ، ويرجع إلى طاعة الخليفة ، إلّا أنّ داود هذا قد تأخر عن رد الجواب ، فزحف مزاحم إلى الكوفة فدخلها ، فهرب منها الحسين.

وعند ما دخل مزاحم بن خاقان إلى الكوفة ، رماه الناس بالحجارة ، فغضب ابن خاقان وضرب الكوفة بالنار ، فأحرق ألف دار فيها ، كما وأحرق سبعة من أسواقها ثمّ هجم على الدار الّتي فيها الحسين إلّا أنّه هرب منها. وفي شهر رجب من هذه السنة ، أعني سنة (٢٥١) للهجرة ، كتب (المعتز بالله) إلى مزاحم بن خاقان ، يأمره بالمجيء إليه ليكرّمه مع أصحابه.

ولمّا سمع أصحاب مزاحم بذلك ، وافق الأتراك والفراغنة والمغاربة على الرجوع إلى سامراء ، أمّا الشاكريّة ، فقد رفضوا الرجوع إلى سامراء ، عندها رجع مزاحم مع من أطاعه من الجند ، وكانوا حوالي أربعمائة رجل (٢).

__________________

(١) الزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ١ / ٢١١.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٢٤١ و٣٢٨ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٦٤.

٦٤٧

وفي سنة (٢٤٨) للهجرة ، كان (المنتصر بالله) قد أرسل جيشا لغزو الروم بقيادة (وصيف التركي) وأرسل معه بعض القادة ، وكان على مقدمة الجيش مزاحم بن خاقان (١).

وفي سنة (٢٥٢) للهجرة ، أرسله الخليفة (المعتزّ بالله) إلى الأسكندرية لقمع الثورة الّتي قامت فيها على أمير مصر (يزيد بن عبد الله) فذهب مزاحم إلى هناك ، وتمكّن من إخمادها.

وفي سنة (٢٥٣) للهجرة ، ولّاه (المعتزّ بالله) إمارة الديار المصرية ، فوصلها في السابع والعشرين من شهر ربيع الأول من هذه السنة ، بعد عزل أميرها السابق (يزيد بن عبد الله) التركي ، وسكن في المعسكر على عادة أمراء مصر ، وجعل على شرطته (أرحوز) (٢).

وأخذ مزاحم بن خاقان يحارب الفساد ، فثارت عليه جماعة كبيرة من المصريين فقاتلهم قتالا شديدا ، ثمّ قاتل المصريين في أماكن عديدة من مصر ، فقد قاتلهم في الوجه البحري ، فقتل الكثير منهم ، وأسر الكثير أيضا ، ثمّ ذهب إلى الجيزة ومنها ذهب إلى الفيوم.

وكان مزاحم بن خاقان ، قد منع النساء الخروج من بيوتهن ، والذهاب إلى الحمّامات والمقابر ، وحبس المتخنثين والنائحات ، ومنع الناس من الجهر بالبسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة بالجامع ، ثمّ أمر أهل الجامع بمساواة الصفوف في الصلاة ، ووكّل بذلك رجلا يقوم بضرب الناس بالسوط من مؤخر المسجد ، وأمر أن تصلى التراويح في شهر رمضان خمس تراويح ، وكانوا قبل ذلك يصلونها ستّا ونهى أيضا أن تشق الثياب على الميّت ، أو يسوّد الوجه ، وعاقب الناس بشدّة.

__________________

(١) نفس المصدر السابقين.

(٢) الكندي ـ ولاة مصر. ص ٢٣٧ والزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ١ / ٢١١.

٦٤٨

ولم يزل مزاحم في تشدّده على الناس ، حتّى وافته المنيّة في ليلة الإثنين في الخامس والعشرين من شهر محرم من سنة (٢٥٤) (١) للهجرة ، وقيل مات سنة (٢٥٣) للهجرة (٢). في شهر رجب. في مصر.

٧٢ ـ أبو الساج :

واسمه ديوداد بن ديودست ، وكنيته : أبو جعفر (٣). عقد له المتوكّل على طريق مكّة بدلا من جعفر بن دينار سنة (٢٤٤) وقيل (٢٤٢).

قلده محمّد بن عبد الله بن طاهر (معاون ما سقى الفرات من السواد) في الثالث والعشرين من شهر محرم من سنة (٢٥١) للهجرة ، ثمّ ذهب أبو الساج ، ونزل في قصر ابن هبيرة ثمّ دخل الكوفة (٤).

وفي يوم الخميس في السادس والعشرين من شهر ربيع الأول من هذه السنة أعني سنة (٢٥١) للهجرة ، رجع أبو الساج من طريق مكّة ومعه ستة وثلاثين أسيرا من الأعراب ، وهم مقيّدين بالأغلال ، ودخل إلى بغداد ، فخلع عليه خمس خلع ، وقلّد سيفا ثمّ ذهب إلى داره (٥).

وذكر أنّ محمّد بن عبد الله بن طاهر ، أمره بالمجيء إليه ، فلما جاء أبو الساج قال : (أيّها الأمير ، عندي مشورة تفيدك). فقال له محمّد : قل ، فإنّك غير متّهم ، قال : (إن كنت تريد أن تجادّ هؤلاء القوم فالرأي لك ألّا تفارق قوّادك ، ولا تفرّقهم ، واجمعهم حتّى تفض هذا العسكر المقيم بإزائك ، فإنّك إذا

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٣٧٧ والكندي ـ ولاة مصر. ص ٢٣٧ وأبي المجالس ـ النجوم الزاهرة. ج ٢ / ٣٣٨ والزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ١ / ٢١١ وتاريخ اليعقوبي. ج ٣ / ٢٣٩.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٨٣.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٣٥٣ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٨٥.

(٤) الطبري. ج ٩ / ٣٥٣ والكامل. ج ٧ / ٦٩.

(٥) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٣١٤.

٦٤٩

فرغت من هؤلاء ، فما أقدرك على من ورائك) (١).

فقال محمّد : إنّ لي تدبيرا ويكفي إن شاء الله ، فقال أبو الساج : سمعا وطاعة ثمّ خرج.

ثمّ ذهب أبو الساج مع بعض القادة إلى المدائن ومعه ثلاثة آلاف فارس وراجل ، وحفر خندق كسرى حولها ، ثمّ طلب مددا ، فأرسل إليه خمسمائة رجل ، وأرسل إليه مائتي راجل من الشاكرية (٢).

وفي شهر رجب من هذه السنة أيضا كانت معركة بين أبي الساج وبين (بايكباك) بناحية (جرجرايا) قتل فيها (بايكباك) قتله أبو الساج ، وقتل من رجاله وأسر منهم جماعة آخرين ، وغرقت جماعة أخرى في النهروان ، فأعطي لأبي الساج عشرة آلاف دينار معونة له ، وبخلعه فيها خمسة أثواب وسيف (٣).

وفي سنة (٢٥٢) للهجرة ، ذهب رجل مع جماعة من الجيشية والشاكريّة من بغداد إلى الكوفة ، وكانت الكوفة وسوادها تحت إمارة أبي الساج في تلك الأيّام ، وكان أبو الساج حينذاك في بغداد لمقابلة محمّد بن عبد الله بن طاهر ، ولمّا علم ابن طاهر بذلك أمر أبا الساج بالرجوع إلى الكوفة لمعالجة الموقف ، فأرسل أبو الساج إلى الكوفة خليفته (عبد الرحمن الأشعثي).

ثمّ تلاقى أبو الساج في بغداد مع أبي هاشم الجعفري ، ومعه جماعة من الطالبيين ، ودار الحديث بينهم حول الطالبي الذاهب إلى الكوفة ، فقال لهم

__________________

(١) المصدر السابق. ج ٩ / ٣١٥.

(٢) المصدر اعلاه. ج ٩ / ٣١٧.

(٣) المصدر السابق. ج ٩ / ٣٣٠.

٦٥٠

أبو الساج : (قولوا له يتنحى عني ، ولا أراه) (١).

وفي سنة (٢٦١) للهجرة ، ولّي أبو الساج إمارة الأهواز ، وحرب الزنج ، ولمّا وصل أبو الساج إلى الأهواز ذهب إلى (معسكر مكرم) وفي تلك الأثناء دخل الزنج إلى الأهواز ، فقتلوا ونهبوا وأحرقوا دورها ، عندها عزل أبو الساج عن الأهواز وحرب الزنج (٢).

مات أبو الساج (بجند يسابور) في شهر ربيع الأول من سنة (٢٦٦) للهجرة (٣).

٧٣ ـ عيسى بن جعفر وعليّ بن زيد :

وفي شهر رجب من سنة (٢٥٥) للهجرة ، ثار بالكوفة الحسنيان عيسى بن جعفر وعليّ بن زيد ، فقتلا بها عبد الله بن محمّد بن داود بن عيسى (٤).

وذكر ابن الجوزي بأنّ عيسى بن جعفر وعليّ بن زيد قد ثارا بالمدينة في السنة المذكورة (٥).

٧٤ ـ عليّ بن زيد :

هو : عليّ بن زيد بن الحسين بن عيسى بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب.

ثار بالكوفة سنة (٢٥٦) (٦) للهجرة ، في خلافة (المعتمد على الله)

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٣٧٠.

(٢) المصدر السابق. ج ٩ / ٥١٣.

(٣) الطبري. ج ٩ / ٥٤٩ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٦ / ٥٦ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٣٣٣.

(٤) الطبري. ج ٩ / ٣٨٨ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٢١٦ والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ١٨ / ١٥.

(٥) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١١ / ٧٩.

(٦) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٤٧٤ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١١ / ١٠٨ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٢٣٩ ـ والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ١٩ / ٢٢ / ١٩ وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ٣٠٦ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٧١.

٦٥١

وطرد نائب الخليفة عن الكوفة ، واستقرّ بها ، فبايعه جماعة من عوامها وأعرابها ولم يكن الزيدية ، ولا زعماء أهل الكوفة يؤيدونه ، فأرسل إليه جيش كبير بقيادة (الشاه ميكال) ولمّا وصل (الشاه) قريبا من الكوفة ، خرج إليه عليّ بن زيد ، ومعه مائتا فارس ، فقال عليّ بن زيد لأصحابه : (إنّ القوم لا يريدون غيري ، فاذهبوا أنتم في حلّ من بيعتي) (١). فقالوا له : لا نتركك ، ولن نفعل ذلك أبدا.

ثمّ حمل عليّ بن زيد على وسط عسكر العدو ، فضربهم يمينا وشمالا ، ثمّ عاد إلى مكانه ، ثمّ هجم عليهم ثانية ، وثالثة مع أصحابه ، فدارت معركة بين الطرفين انهزم أخيرا جيش (الشاه بن ميكال) (٢) ونجا الشاه بنفسه بعد أن قتل الكثير من أصحابه.

ثمّ أرسل الخليفة (المعتمد على الله) جيشا آخر بقيادة (كيجور التركي) وأمره أن يدعو عليّ بن زيد إلى الطاعة قبل محاربته ، ويعطيه الأمان ، فذهب كيجور ونزل في قرية (شاهي) وأرسل إلى عليّ بن زيد يدعوه إلى الطاعة ، وبذل الأمان فطلب عليّ بن زيد مطاليب لم يجبه إليه كيجور ، عندها خرج عليّ بن زيد من الكوفة ، وذهب إلى (القادسيّة) فعسكر فيها ، فدخل كيجور إلى الكوفة في الثالث من شهر شوال من هذه السنة (٢٥٦) للهجرة.

ثمّ ذهب عليّ بن زيد إلى (خفان) ودخل بلاد بني أسد ، ثمّ صاهرهم

__________________

(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ مقاتل الطالبيين. ص ٦٧٥.

(٢) المصدر السابق. ص ٥٣٣ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٢٣٩ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٧١.

٦٥٢

وأقام عندهم ، ثمّ ذهب إلى جنبلاء (١).

ولمّا علم كيجور التركي بمكان عليّ بن زيد ذهب إليه في نهاية شهر ذي الحجّة من هذه السنة فحدثت بينهما معركة انهزم فيها عليّ بن زيد ، بعد أن قتل بعض من أصحابه ، وأسّر آخرون ، ثمّ عاد كيجور إلى الكوفة (٢).

ولمّا استقرّت الأمور بالكوفة ، عاد كيجور إلى سامراء ، وقبل وصوله إلى سامراء ، أرسل إليه الخليفة بعضا من قادته فقتلوه في (عكبرا) (٣).

وعن عليّ بن زيد عن يوسف بن مهران عن عبد الله بن عبّاس أنّه قال : كتب قيصر الروم إلى معاوية بن أبي سفيان : (سلام عليك ، أما بعد ، فأنبئني بأحبّ كلمة إلى الله ، وثانية ، وثالثة ورابعة ، وخامسة ، ومن هو أكرم عباده إليه؟ وأكرم إمائه ، وعن أربعة أشياء فيهن الروح لم يرتكضن في رحم ، وعن قبر يسير بصاحبه ، ومكان في الأرض لم تصبه الشمس إلّا مرّة واحدة (٤).

فعجز معاوية عن رد الجواب ، فأرسل إلى عبد الله بن عبّاس يسأله عن ذلك ، فأجاب : أمّا أحبّ كلمة إلى الله فهي : (لا إله إلّا الله) لا يقبل عملا إلّا بها وهي المنجية ، والثانية : (سبحان الله) وهي صلاة الخلف ، والثالثة : (الحمد لله) كلمة الشكر ، والرابعة : (الله أكبر) فواتح الصلوات والركوع والسجود والخامسة : (لا حول ولا قوة إلّا بالله).

وأما أكرم عباد الله إليه فهو آدم ، خلقه بيده ، وعلّمه الأسماء كلّها.

وأكرم إمائه إليه : فهي مريم بنت عمران ، الّتي أحصنت فرجها.

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٢٣٩ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٧١.

(٢) الكامل. ج ٧ / ٢٤٠.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) ابن قتيبة ـ عيون الأخبار. ج ١ / ١٩٩.

٦٥٣

والأربعة الّتي فيهن روح ، ولم يرتكضن في رحم ، فآدم وحواء ، وعصا موسى ، وكبش إسماعيل ، والموضع الّذي لم تصبه الشمس إلّا مرّة واحدة : فهو البحر ، الّذي انفلق لموسى وبني إسرائيل. والقبر الّذي يسير بصاحبه : هو بطن الحوت الّذي كان فيه النبيّ يونس عليه‌السلام. قتل عليّ بن زيد سنة (٢٦٠) قتله صاحب الزنج (١).

٧٥ ـ كيجور التركي :

وهو أحد القادة الأتراك في الجيش العباسي. عند ما ثار عليّ بن زيد ابن الحسين بن موسى بن زيد بالكوفة سنة (٢٥٦) (٢) للهجرة ، أرسل الخليفة (المعتمد) جيشا كبيرا لمحاربته بقيادة (كيجور التركي) وأمره بأن يدعو زيد بن عليّ لطاعته قبل أن يبدأه بالحرب ، ثمّ يعطيه الأمان له ولأصحابه.

فذهب كيجور إلى الكوفة ، ونزل في قرية (شاهي) ثمّ بعث إلى عليّ ابن زيد يدعوه إلى طاعة الخليفة ، فطلب منه عليّ بن زيد مطاليب ، إلّا أنّ كيجور لم يلبّي أيّا منها ، عندها ترك عليّ بن زيد الكوفة ، وذهب إلى القادسيّة ، فعسكر فيها ، فتقدم كيجور نحو الكوفة فدخلها في الثالث من شهر شوال من هذه السنة.

ولمّا علم كيجور بذهاب عليّ بن زيد إلى (القادسيّة) تبعه إلى هناك ، فحدثت بينهما معركة انهزم على أثرها عليّ بن زيد ، وقتل خلالها جماعة كثيرة من أصحابه ، وأسّر آخرون ، ثمّ عاد كيجور إلى الكوفة (٣).

ولمّا استقرت الأمور في الكوفة ، وهدأ الناس ، وعادوا إلى أعمالهم ،

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ١ / ٥٠٨ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٥ / ٢١ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٢٧٣.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٤٧٤ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٢٣٩.

(٣) تاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ٣٠٦ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٧١.

٦٥٤

تحرّك كيجور من الكوفة قاصدا سامراء ، بغير علم وموافقة الخليفة (المعتمد) فأمره (المعتمد) بالرجوع إلى الكوفة ، والبقاء فيها ، إلى أن يدعوه.

كما وأرسل إليه مالا ليوزّعه على أصحابه ، إلّا أنّ كيجور رفض المال ، وواصل سيره حتّى وصل إلى (عكبرا) عندها أرسل إليه (المعتمد) من سامراء عددا من قادته فلقوه في الطريق ، فقتلوه ، وحملوا رأسه إلى سامراء ، وذلك سنة (٢٥٩) (١) للهجرة.

وقيل إنّ القادة الذين أرسلهم (المعتمد) إلى حرب كيجور هم : (ساتكين) و (تكين) و (عبد الرحمن بن مفلح) و (موسى بن أتامش) وغيرهم ، فذبحوه وحمل رأسه إلى سامراء ، وذلك في التاسع والعشرين من شهر رجب من سنة (٢٥٩) للهجرة ، وقد وجد مع كيجور أكثر من أربعين ألف دينار ، كما وضرب كاتبه (وكان نصرانيا) ألف سوط حتّى مات (٢).

٧٦ ـ أبو أحمد (الموفّق) بن المتوكّل :

هو أبو أحمد (طلحة) بن المتوكّل بن المعتصم ، ولّاه أخوه الخليفة (المعتمد على الله) إمارة الكوفة وطريق مكّة والحرمين واليمن سنة (٢٥٦) (٣) للهجرة ، وفي نفس هذه السنة ولّاه : بغداد والسواد وكور دجلة والبصرة ، والأهواز وفارس ، وفي شهر ربيع الأول من سنة (٢٥٧) (٤) للهجرة ، عقد له ديار مضر ، وقنسرين ، والعواصم ، فأصبح (الموفّق) هو القائد الأعلى

__________________

(١) البراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٦٤ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٢٤٠.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٥٠٢ والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ١٩ / ٣٠.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٢٧٦ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٤٣٢ وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ٣٣٩ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٤٧.

(٤) نفس المصادر السابقة.

٦٥٥

للجيوش ، وهو المسير لأمور الدولة ، ولم تبق بيد الخليفة (المعتمد) أية سلطة فعلية ، سوى أنه (أمير المؤمنين) كما أنّ الموفّق قد ضيّق على أخيه (المعتمد) بكافة تصرفاته ، إذ احتاج مرّة إلى مبلغ ثلثمائة دينار ، فلم يحصل عليه ، فعندها قال (١) :

أليس من العجائب أنّ مثلي

يرى ما قلّ ممتنعا عليه

وتؤخذ بأسمه الدنيا جميعا

ومن ذاك شيء في يديه

إليه تحمل الأموال طرا

ويمنع بعض ما يجبى اليه

ثمّ حجره الموفّق وحبسه ، فكان المعتمد أوّل خليفة عباسي ، قهر وحبس وحجر عليه (٢).

وفي سنة (٢٦١) للهجرة ، ولّى (المعتمد) أخاه (الموفّق) العهد بعد ابنه (جعفر) وولّاه المشرق وبغداد ، والسواد والكوفة ، وطريق مكّة والمدينة ، واليمن ، وكسكر ، وكور دجلة ، والأهواز ، وأصبهان ، وقم ، والكرج ، والدينور ، والريّ ، وزنجان ، وقزوين ، وخراسان ، وطبرستان ، وكرمان ، وسجستان ، والسند ، وقال المعتمد : إنّه إذا مات وابنه (جعفر) صغير ، فيكون (الموفّق) هو الخليفة ، ومن بعده لجعفر (٣) ، وأمره أن يذهب لمحاربة الزنج.

وقد اشتهر (الموفّق) في محاربة (صاحب الزنج) (٤) يعاونه ابنه

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٤٥٥.

(٢) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٤ / ١٢٣.

(٣) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٥ / ٢٦ وج ١٢ / ١٦٣ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٢٧٨.

(٤) صاحب الزنج : وهو عليّ بن محمّد بن أحمد بن عليّ بن عيسى بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، ثار بالبصرة في يوم الأربعاء في السادس والعشرين من شهر رمضان من سنة (٢٥٥) للهجرة ، وأخذ يدعو غلمان أهل البصرة ، فالتف حوله الكثير منهم وذلك للخلاص من الرق والعبودية والتعب ، ووعدهم بأنه سوف يقودهم ، ويملكهم الأموال ، وأنه لن يغدر بهم ، ثمّ انتقل إلى البحرين وجعل مدينة (هجر) مقرا لقيادته. ثمّ استسلمت له (عبادان) بدون حرب ، ثمّ ذهب إلى الأهواز فاستولى عليها وبعد

٦٥٦

(العبّاس) ، وقد استمرّت الحرب بينهما عدّة سنوات ، وقد قتل فيها عشرات الآلاف من كلا الجانبين ، وأخيرا انتصر فيها (الموفّق).

وقال يحيى بن محمّد الأسلمي في المعارك الّتي وقعت بين الموفّق وصاحب الزنج (١) :

أقول وقد جاء البشير بوقعة

أعزت من الإسلام ما كان واهيا

جزى الله خير الناس للناس بعد ما

أبيح حماهم خير ما كان جازيا

تفرد إذ لم ينصر الله ناصر

بتجديد دين كان أصبح باليا

وتجديد ملك قد وهن بعد عزّة

وأخذ بثارات تبين الأعاديا

وردّ عمارات أزيلت وأخرجت

ليرجع فيّ قد تخرّم وافيا

وترجع أمصار أبيحت وأحرقت

مرارا فقد أمست قواء عواقيا

ويشفي صدور المسلمين بوقعة

يقر بها عيون البواكيا

ويتلى كتاب الله في كلّ مسجد

ويلقى دعاء الطالبيين خاسيا

فأعرض عن أحبابه ونعيمه

وعن لذّة الدنيا وأصبح عاريا

وقال الشاعر يحيى بن خالد قصيدة طويلة يمدح بها (الموفّق) نقتطف منها الأبيات التالية (٢) :

يا ابن الخلائق من أرومة هاشم

والغارمين الناس بالأفضال

__________________

حروب طويلة بين (الموفّق) وبين صاحب الزيج ، قتل صاحب الزنج ، وجيء برأسه إلى بغداد ليراه الناس. قتل صاحب الزنج في يوم السبت في الثاني من شهر صفر سنة (٢٧٠) للهجرة ، وكانت أيامه أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيّام. انظر (تاريخ الطبري. ج ١١ / ١٧٤ والذهبي ـ دول الإسلام. ج ١ / ١٢٦ والمرزباني. ص ٢٢٩١ وتاريخ ابن خلدون. ج ٤ / ١٨ والزركلي ـ الأعلام. ج ٥ / ١٤٠ واليعقوبي. ج ٢ / ٤٧٤ ومحمّد سهل طقوس ـ تاريخ الدولة العباسيّة. ص ١٧٢ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٤٠٣).

(١) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٦٦٣ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٤٠٥.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ٥٤ وتاريخ الطبري. ج ٩ / ١٦٤.

٦٥٧

والذائدين عن الحريم عدوهم

والمعلّمين لكلّ يوم نزال

ومنها :

أقررت عين الدين ممّن كاده

وأدلته من قاتل الأطفال

صال الموفّق بالعراق فأفزعت

من بالمغارب صولة الأبطال

وكان الخليفة (المعتزّ) قد عقد لأخيه (الموفّق) سنة (٢٥١) (١) للهجرة ، على حرب (المستعين) ومحمّد بن عبد الله بن طاهر ، وجعل له الأمر والنهي ، وجعل التدابير العسكرية إلى (كلباتين) التركي ، فجاءت الأتراك والمغاربة ، فنزلوا في الجانب الغربي من بغداد (وكان عددهم أثنا عشر ألف رجل) بقيادة (باكيباك) وكان مع (الموفّق) في الجانب الشرقي منها ، سبعة آلاف رجل ، فوقعت معركة بين الطرفين ، قتل فيها الكثير من كلا الطرفين ، فكتب المعتزّ إلى الموفّق يلومه عن تقصيره في قتال أهل بغداد قائلا (٢) :

لأمر المنايا علينا طريق

وللدهر فيه اتساع وضيق

فأيامنا عبر للأنام

فمنها البكور ومنها الطروق

ومنها هنّات تشيب الوليد

ويخذل فيها الصديق الصديق

قتال مبيد وسيف عتيد

وخوف شديد وحصن وثيق

وطول صياح لداعي الصباح ال

سلاح السلاح فما يستفيق

فهذا قتيل وهذا جريح

وهذا حريق وهذا غريق

هناك اغتصاب وثمّ انتهاب

ودور خراب وكانت تروق

إذا ما سمونا إلى مسلك

وجدناه قد سدّ عنا الطريق

فبالله نبلغ ما نرتجيه

وبالله ندفع مالا نطيق

فأجابه محمّد بن عبد الله :

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٢٩٠ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٥ / ٢٦.

(٢) الطبري. ج ٩ / ٣١٦.

٦٥٨

ألا كلّ من زاغ عن أمره

وجار به عن هداه الطريق

ملاق من الأمر ما قد وصفت

وهذا بأمثال هذا خليق

ولا سيما ناكث بيعة

وتوكيدها فيه عهد وثيق

يسد عليه طريق الهدى

ويلقى من الأمر ما لا يطيق

وليس ببالغ ما يرتجيه

من كان عن غيّه لا يفيق

أتانا به خبر سائر

رواه لنا عن خلوق خلوق

وهذا الكتاب لنا شاهد

يصدّقه ذا النبيّ الصدوق

وكتب محمّد بن عبد الله بن طاهر إلى (الموفّق) في رغبته بخلع (المستعين) والبيعة (للمعتزّ) فتمّ ذلك ، حيث أنّ (المستعين) قد خلع نفسه سنة (٢٥٢) (١) للهجرة وبايع (المعتز).

وقال بعض الشعراء في خلع (المستعين) (٢) :

خلع الخلافة أحمد بن محمّد

وسيقتل التالي أو يخلع

ويزول ملك بني أبيه ولا يرى

أحد تملك منهم يستمتع

إيها بني العبّاس إن سبيلكم

في قتل أعبدكم طريق مهيع

رقعتم دنياكم فتمزقت

بكم الحياة تمزقا لا يرقع

وقال بعض البغداديين في خلع المستعين أيضا (٣) :

إنّي أراك من الفراق جزوعا

أضحى الإمام مسيّرا مخلوعا

كانت له الآفاق تضحك بهجة

وهو الربيع لمن أراد ربيعا

لا تنكري حدث الزمان وريبه

إن الزمان يفرّق المجموعا

لبس الخلافة واستجدّ محبّة

يقضي أمور المسلمين جميعا

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٣٣٧ والمسعودي ـ مروج الذهب. ج ٤ / ٧٨.

(٢) الطبري. ج ٩ / ٣٥٠.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٣٥٠.

٦٥٩

فجنت عليه يد الزمان بصرفه

حربا وكان عن الحروب شسوعا

وتجانف الأتراك عنه تمرّدا

أضحى ، وكان ولا يراع مروعا

غدروا به ، مكروا به ، خانوا به

لزم الفراش وحالف التضجيعا

وتكنفوا بغداد من أقطارها

قد ذلّلوا ما كان قيل منيعا

وهي قصيدة طويلة ، اكتفينا منها بهذا القدر. ثمّ عاد (الموفّق) إلى سامراء ، فأكرمه (المعتزّ) وتوّجه بتاج من ذهب ، وأعطاه سيفا مرصّعا بالجوهر. (١)

وفي سنة (٢٥٣) (٢) للهجرة ، نفي (الموفّق) إلى واسط ومنها إلى البصرة ، ثمّ إلى بغداد وأنزل في الجانب الشرقي منها (الرصافة) في قصر دينار بن عبد الله.

وكان الموفّق قد حبس عليّ بن محمّد بن جعفر (العلوي) بتهمة استعداده للقيام بثورة ضدّ الخليفة ، فكتب إليه عليّ من السجن يقول (٣) :

قد كان جدك عبد الله (٤) خير أب

لا بني عليّ حسين الخير والحسن

فالكف يوهن منها كلّ أنملة

ما كان من أختها الأخرى من الوهن

فعفا عنه ، وأطلق سراحه بكفالة.

وكان (الموفّق) قد قبض على سليمان (٥) بن وهب وابنه عبد الله لعلمهما بالأموال والودائع الّتي كانت عند (موسى بن بغا) ثمّ بعد ذلك حبسهما. فقال ابن الرومي (٦) وكان حاضرا (٧) :

__________________

(١) المصدر السابق. ج ٩ / ٣٥٤ والمسعودي ـ مروج الذهب. ج ٤ / ٧٩.

(٢) الطبري. ج ٩ / ٣٧٧.

(٣) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٤ / ٦٧.

(٤) عبد الله : بن عبّاس بن عبد المطلب (عم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم).

(٥) سليمان : كان وزيرا للخليفة المهتدي.

(٦) ابن الرومي : أحد شعراء الدولة العباسيّة المشهورين ، وله ديوان شعر.

(٧) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢٣ / ١٥٢.

٦٦٠