أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

جعلت فداك ، وكيف حالك وجسمك)؟ فقالت : بحمد الله بخير. وكانت بجانبها جارية لها فنظرت إليها ، فإذا هي في غاية الحسن والجمال ، فأعجبتني كثيرا ، وطال جلوسي .. ثمّ استحييت من (عليّة) وقلت لها : (وكيف أنت يا أختي ..) فرفعت رأسها وقالت : (أليس هذا قد مضى مرّة ، وقد أجبنا عنه) (١).

ومن شعر إبراهيم بن المهدي أنّه قال (٢) :

قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يشب

إنّ الحريص على الدنيا لفي تعب

قد ينبغي لي مع ما حزت من أدب

أن لا أخوض في أمر ينقص بي

لو كان يصدقني دهري بفكرته

ما اشتدّ غمّي على الدنيا ولا نصبي

أسعى وأجهد فيما لست أدركه

والموت يكدح في زندي وفي عصبي

بالله ربّك كم بيت مررت به

قد كان يغمر باللّذات والطرب

طارت عباب المنايا في جوانبه

فصارت بعدها للويل والحرب

فامسك عنانك لا تجمع به طلع

فلا وعينك ما الأرزاق بالطلب

قد يرزق العبد لم يتعب رواحله

ويحرم الرزق من لم يوف في طلب

مع أنّني واجد في الناس واحدة

الرزق والنوّل مقرونات في سبب

وخطة ليس فيها من بيان غنى

الرزق أروع شيء عن ذوي الأدب

يا ثاقب الفهم كم أبصرت ذا حمق

الرزق أعرى به من لازم الجرب

وكان إبراهيم بن المهدي يقول : إنّما أصنع تطربا ، لا تكسبا ، وأغني لنفسي لا للناس ، وأعمل ما أشتهي. وأيضا قال : (لو أنّي أرفع نفسي من هذه (الصناعة) (٣) ، لأظهرت منها ما يعلم الناس معه أنّهم لم يروا مثلي

__________________

(١) عمر رضا كحالة ـ أعلام النساء. ج ٣ / ٣٤١.

(٢) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١١ / ٩٠.

(٣) الصناعة : الغناء والشعر.

٦٢١

قبلي).

مات إبراهيم بن المهدي في سامراء في شهر رمضان من سنة (٢٢٤) (١) للهجرة وصلى عليه المعتصم وكان عمره (٦٢) سنة.

٥٧ ـ أبو عيسى بن هارون الرشيد :

هو : (محمّد) وقيل (أحمد) وقيل (صالح) (٢) بن الخليفة هارون الرشيد ، وقد غلبت كنيته على أسمه ، وأمّه أمّ ولد (أي غير عربية).

وكان أبو عيسى جميل الصورة والمظهر ، مثل جمال أبيه هارون الرشيد ، وكان يقال : (انتهى جمال الرشيد إلى أبنيه (الأمين وأبي عيسى).

وعند ما كان أبو عيسى صغيرا ، قال له أبوه (الرشيد) : (ليت جمالك لعبد الله) (٣).

فأجابه أبو عيسى : (على أنّ حظّه منك لي).

فتعجب الرشيد من جوابه على صغره.

وكان أبو عيسى ، كثير المجالسة والعشرة ، وكان شاعرا ، وماهرا بالغناء (٤).

ولّاه أخوه المأمون إمارة الكوفة سنة (٢٠٤) (٥) للهجرة ، وولى أخاه

__________________

(١) الآبي ـ نثر الدر. ج ٣ / ١٤٣ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١١ / ٩١ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ٥٠٨ والترمانيني ـ أحداث التاريخ الإسلامي. ج ٢ / ١٢٧١ والزركلي ـ الأعلام. ج ١ / ٦٠.

(٢) والّذي أرجحه بأن اسمه هو (محمّد) لأن أكثر المؤرخين قد ذكروا ذلك وأنه أمير الكوفة وليس البصرة.

(٣) عبد الله : المأمون.

(٤) الزركلي ـ الأعلام. ج ١ / ٢٦٥ وحسن سعيد الكرمي ـ قول على قول. ج ٧ / ٢١٢.

(٥) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ٣٥٨ والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ١٤ / ١٨ وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١٠ / ٢٥١ وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ٢٥٣ وأبي المجالس ـ النجوم الزاهرة. ج ٢ / ١٧٥ والترمانيني ـ أحداث التاريخ الإسلامي. ج ٢ / ١١٧١ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٣٣.

٦٢٢

صالح إمارة البصرة في نفس السنة.

وكانت (عريب) (١) تحبّه كثيرا وتقول : (إنّها ما عشقت أحدا من بني هاشم (٢) ، وأصفته من الخلفاء وأولادهم سوى أبا عيسى) (٣). ثمّ تزوجت عريب من صالح المنذري الخادم (سرا) وكان المتوكّل العباسي قد أرسل صالح المنذري بحاجة إلى مكان بعيد فقالت عريب (٤) :

أما الحبيب فقد مضى

بالرغم منيّ لا الرضا

أخطأت في تركي لمن

لم ألق منه معوّضا

ولمّا بويع (المأمون) بالخلافة بعد مقتل أخيه (الأمين) ظل عشرين شهرا ، لم يستمع إلى الغناء ، وكان أوّل من غنّى بمجلسه أخوه أبو عيسى ، ثمّ بعد ذلك استمرّ على سماع الغناء (٥).

وبينما كان أبو عيسى وطاهر بن الحسين يتغدّيان (سويّة) عند المأمون ذات يوم أخذ أبو عيسى ورقة (خسّ) فغمسها في الخلّ ، وضرب بها عين طاهر الصحيحة (٦) فغضب طاهر وقال : (يا أمير المؤمنين ، إحدى عيني ذاهبة ، والأخرى على يدي عدل ، يفعل هذا بي بين يديك).

فقال له المأمون : (يا أبا الطيب ، إنّه والله ليعبث بي أكثر من هذا العبث) (٧).

__________________

(١) عريب : تمت ترجمتها في ص ٦٢٠.

(٢) بنو هاشم : المقصود بهم العباسيين.

(٣) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢١ / ٧١.

(٤) نفس المصدر السابق.

(٥) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٦ / ٣٢.

(٦) وكان طاهر أعور العين.

(٧) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٠ / ١٨٨.

٦٢٣

وخرج أبو عيسى ذات يوم إلى بستان له ليلهو ، ومعه عبد الله (١) بن العبّاس ومحمّد بن الحارث وجماعة آخرين ، وبعد أن شربوا ، وغنّوا جاءت (عساليج) (٢) وبيدها عود ، فغنّت لهم فطربوا ، وأخذ عبد الله بن العبّاس يطيل النظر إليها ، ويثني عليها بعبارات الاستحسان والإعجاب ، فنظر إليه أبو عيسى ، وقال له : أعشقتها يا عبد الله؟

فقال : لا ، ولكنّني تعجبت من جميل صورتها ، وحسن أخلاقها ، ورجاحة عقلها. ولمّا أكثروا من الشراب ، غلب النبيذ على عبد الله فأخذ يغني :

نطق السّكر بسري فبدا

كم يرى المكتوم يخفي لا يضح

سحر عينيك إذا ما رنتا

لم يدع ذا صبوة أو يفتضح

ملكت قلبا فأمسى غلقا

عندها صبّا بها لم يسترح

بجمال وغناء حسن

جلّ عن أن ينتقيه المقترح

أورث القلب هموما ولقد

كنت مسرورا بمرآه فرح

ولكم مغتبق همّا وقد

بكر اللهو بكور المصطبح

فالتفت إليه أبو عيسى وقال : فعلتها والله يا عبد الله ، أتنكر عليّ يا عبد الله حبّك لعساليج؟ وقد فضحك السّكر؟ ثمّ قال له : (والله لو كانت لي لوهبتها لك ، ولكنّها لآل يحيى بن معاذ ، والله لو باعوها لاشتريتها لك ، ولو بكل ما أملك) (٣).

وعشق (التيمي) (٤) جارية لبعض النخاسين ، فذهب إلى أبي عيسى

__________________

(١) عبد الله بن العبّاس : بن الفضل بن الربيع ، شاعر ومغني.

(٢) عساليج : وهي إحدى المغنيات الشهيرات في العصر العباسي.

(٣) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٩ / ٢٣٩.

(٤) التيمي : هو عبد الله بن أيّوب ، كوفي الأصل ، من شعراء الدولة العباسيّة.

٦٢٤

يشكو حبه وغرامه بتلك الجارية ، وطلب منه ثمنها ، وقد ضمن طلبه ببيتين من الشعر ، فذهب أبو عيسى إلى أخيه المأمون وقال له : (إن التيمي مغرم بجارية ، وكتب اليّ ببيتين يطلب ثمنها. فقال المأمون : وما هما؟ فقال (١) :

يا أبا عيسى إليك المشتكى

وأخو الصبر إذا عيل شكا

ليس لي صبر على فقدانها

وأعاف المشرب المشتركا

فأعطاه المأمون ثلاثين ألف درهم ، فاشتراها.

وكان (أبو حفص) (٢) الشطرنجي ينادم أبا عيسى ، ويقول له الشعر ، وكذلك مع أخيه صالح ، وأخته ، وعمّتهم (علية) وكان بنو الرشيد يزورونه ، ويأنسون به ، فمرض ذات يوم ، فعاده جميع آل الرشيد ما عدا أبو عيسى ، فكتب إليه شعرا (٣) :

إخاء أبي سعيد إخاء ابن ضرّة

ووديّ ودّ لأبن أمّ ووالد

ألم يأته أنّ التأدّب نسبة

تلاصق أهواء الرجال الأباعد

فما باله مستعذبا من جفائنا

موارد لم تعذّب لنا من موارد

أقمت ثلاثا حلف حمى مضرة

فلم أره في أهل ودّي وعقائدي

سلام هي الدنيا قروض وإنّما

أخوك مديم الوصل عند الشدائد

ويحكى : أنّ أبا عيسى ، كان مع جماعة يتراءون هلال شهر رمضان ، وعند ما رأوا الهلال فرحوا كثيرا ، وأخذوا يذكرون الله ويحمدونه ، أما هو فقد قال كلاما استنكره الناس عليه ، ثمّ أردف قائلا (٤) :

__________________

(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢٠ / ٥٣.

(٢) أبو حفص : هو عمر بن عبد العزيز ، نشأ في دار الخليفة المهدي مع أولاده ومواليه ، وكان كأحدهم ، وكان شغوفا بلعب الشطرنج ، وماهرا به ، ولذلك لقب بالشطرنجي.

(٣) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢٢ / ٤٩.

(٤) حسن سعيد الكرمي ـ قول على قول. ج ٧ / ٢١٣.

٦٢٥

دعاني شهر الصوم لا كان من شهر

وما صمت شهرا بعده آخر الدهر

فلو كان يعديني الإمام بقدرة

على الشهر لأستعديت جهدي على الشهر

ولم يعش أبو عيسى حتّى يصوم شهرا آخر

وفي سنة (٢٠٧) للهجرة ، أقام الحجّ بالناس أبو عيسى بن هارون الرشيد (١).

مات أبو عيسى بن هارون الرشيد سنة (٢٠٨) (٢) للهجرة ، وقيل سنة (٢٠٩) (٣) ، فصلّى عليه أخوه المأمون ، ونزل في قبره وقال (٤) :

سأبكيك ما فاضت دموعي فإنّ نقص

فحسبك منّي ما تجن الجوانح

كأن لم يمت حيّ سواك ولم تقم

على أحد إلّا عليك النوائح

ثمّ أقام له المأمون مجلس عزاء ، فدخل عليه محمّد بن عبّاد يعزّيه ، فقال له المأمون : (يا محمّد ، حال القدر ، دون الوطر) (٥). فقال له محمّد : (يا أمير المؤمنين ، كلّ مصيبة ما أخطأتك شوى ، فجعل الله الحزن لك لا عليك) (٦).

ثمّ حزن عليه المأمون حزنا شديدا ، وامتنع عن الطعام والشراب أياما ولياليا فدخلت عليه (عريب) وكان عنده أحمد بن أبي داود وعمرو بن مسعده يواسونه ويخففون عنه هول المصيبة بما يحفظونه من الشعر ،

__________________

(١) تاريخ خليفة بن خياط. ج ٢ / ٧٧١ وتاريخ الطبري. ج ٨ / ٥٩٦ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١٠ / ١٦١.

(٢) تاريخ خليفة. ج ١ / ٤٧٣.

(٣) ابن الجوزى ـ المنتظم. ج ١ / ٢٠٠.

(٤) نفس المصدر السابق.

(٥) الصولي ـ أخبار الراضي. ص ٧٥.

(٦) الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٤ / ٢١١.

٦٢٦

فقالت (١) :

كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر

فليس لعين لم يفض ماؤها عذر

كأن بني العبّاس يوم وفاته

نجوم سماء خرّ من بينها البدر

فبكى المأمون بكاء شديدا.

٥٨ ـ محمّد بن الليث :

استخلفه أبو عيسى بن هارون الرشيد على إمارة الكوفة سنة (٢٠٤) للهجرة (٢).

٥٩ ـ عبيد الله بن عبد الله :

وهو عبيد الله بن عبد الله بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن ابن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ولّاه المأمون (٣).

٦٠ ـ طاهر بن الحسين (٤) :

ولّاه الخليفة المأمون المشرق كلّه ، من بغداد إلى أقصى أعمال المشرق ، ومن ضمنها الكوفة طبعا ، وذلك سنة (٢٠٥) (٥) للهجرة.

٦١ ـ المنتصر بالله :

__________________

(١) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١٠ / ٢٠٠.

(٢) تاريخ اليعقوبي. ج ٣ / ١٩٥.

(٣) البراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٣٣.

(٤) وقد كتبنا عن طاهر بن الحسين في ص ٥٦١.

(٥) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١٠ / ١٤١ وأبي المجالس ـ النجوم الزاهرة. ج ٢ / ١٧٨ ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ٢٣٧.

٦٢٧

هو : محمّد (المنتصر بالله) بن جعفر (المتوكّل) بن محمّد (المعتصم) بن هارون الرشيد بن محمّد (المهدي) بن عبد الله (المنصور) بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس (عمّ النبيّ) بن عبد المطلب.

وكنيته : أبو العبّاس ، وقيل : أبو جعفر ، وقيل : أبو عبد الله (١). وأمّه روميّة تسمى (حبشية) (٢). وكان محمّد المنتصر أميرا على الكوفة سنة (٢٣٣) للهجرة ، أيّام خلافة أبوه المتوكّل على الله (٣).

وبويع المنتصر بالله بالخلافة في اليوم الّذي قتل فيه أبوه ، وذلك في يوم الأربعاء في الرابع (وقيل في الثالث) من شهر شوال سنة (٢٤٧) (٤) للهجرة (قتله ضابط تركي في الحرس الخاصّ) ، بتواطئ مع المنتصر أسمه (بغا الصغير). وقيل بويع المنتصر بالله بالخلافة بعد ثلاثة أيّام من قتل أبيه.

وكان المنتصر بالله ، يحسن الغناء ، ويجيد الشعر ، وكان إذا قال الشعر ، صنع فيه ، وأمر المغنّين بإظهاره ولمّا ولّي الخلافة ترك الشعر ، ومنع من إظهار ما تقدم من شعره ، ولذلك لم تظهر أغانيه (٥).

وكان المتوكّل على الله قد عهد بولاية العهد للمنتصر ومن بعده لأخويه المعتزّ والمؤيّد ، وأراد المتوكّل أن يقدّم أخاه (المعتزّ) عليه بإيعاز من زوجته (قبيحة) لأنّه كان يحبّها كثيرا ، فطلب من ابنه (المنتصر) أن يتنازل عن ولاية العهد لأخيه ، فرفض المنتصر ، ممّا حمل أبوه على كراهيته والتقليل من منزلته ، حتّى أخذ المتوكّل يشتمه ، ويهينه أمام الناس ويسقيه الخمر

__________________

(١) الخطيب البغدادي ـ تاريخ بغداد. ج ٢ / ١١٩ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١١٤.

(٢) السيوطي ـ تاريخ الخلفاء. ص ٤٠٣.

(٣) زامباور ـ الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي. ص ٦٩.

(٤) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٢٢٢ وابن قتيبة ـ المعارف. ص ١٩٣ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ٤٩ وابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٥ / ١٢٣.

(٥) النويري ـ نهاية الأرب. ج ٤ / ٢٠٤.

٦٢٨

فوق طاقته ، ويأمر وزيره (الفتح بن خاقان) أن يضربه (١).

وعند ما بويع (المنتصر) بالخلافة ، ولّى أبا عمرة (أحمد بن سعيد) على المظالم ، فقال الشاعر (٢) :

يا ضيعة الإسلام لمّا ولى

مظالم الناس أبو عمره

صيّر مأمونا على أمة

وليس مأمونا على بعره

وقيل : لمّا قتل (المتوكّل) قتله الترك بمواطئة أبنه (المنتصر) ولمّا آل الأمر إلى ابنه الآخر (المعتزّ) ، كانت (قبيحة) أمّه تحرّضه على الانتقام من قتلة أبيه ، وذات يوم جائته بقميص (المتوكّل) الّذي قتل فيه ، وأخذت تبكي ، فقال لها (المعتزّ) : (يا أمّاه ، ارفعي القميص وإلّا صار قميصين) (٣).

فعندها هدأت وسكتت.

وكان المنتصر راغبا في الخير ، قليل الظلم ، محسنا إلى العلويين ، وصولا إليهم وقد أزال عن آل أبي طالب ما كانوا يعانونه من الخوف والقلق ، بمنعهم من زيارة قبر الحسين عليه‌السلام ثمّ استرجع (فدك) (٤) إلى آل

__________________

(١) القاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٤ / ٥٥.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٠٩.

(٣) محمود مقديش ـ نزهة الأنظار. ج ١ / ٣٣.

(٤) فدك : قرية بالحجاز تبعد عن المدينة المنورة يومان وقيل ثلاثة (معجم البلدان. ج ٤ / ٢٣٨). وهي قرية من قرى اليهود تبعد عن خيبر أقل من مرحلة (مجمع البحرين. ج ٥ / ٢٨٣) ، لم يفتحها المسلمون بالقوة العسكرية ، وإنّما هي مما أفاء الله تعالى بها على نبيه الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السنة السابعة صلحا. ولمّا صارت فدك بيد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزلت الآية الكريمة (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (سورة الإسراء : الآية ٢٦) وأن النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا ابنته فاطمة الزهراء سلام الله عليها فأعطاها فدكا والعوالي ، وقال لها : (هذا قسم قسّم الله لك ولعقبك) (الدر المنثور. ج ٢ / ١٥١ وكنز العمال. ج ٢ / ١٥٨) ، وتصرفت بها تصرف المالك في ملكه ، وبعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذها أبو بكر وضمها إلى بيت المال ، وبعد مجيء عثمان بن عفان إلى الخلافة ، وهبها إلى مروان بن الحكم ، وكان ذلك من أسباب النقمة عليه ، حسب ما ذكره المؤرخون (العقد الفريد. ج ١ / ١٩٨) وبعد موت مروان توارثها أبناؤه إلى أن جاء عمر بن عبد العزيز إلى الخلافة فأخذها منهم وردها صدقة (تاريخ أبو الفداء. ج ١ / ١٦٨).

٦٢٩

الحسين عليهم‌السلام فقال يزيد بن المهلب في ذلك (١) :

ولقد بررت الطالبية بعد ما

ذمّوا زمانا بعدها وزمانا

ورددت إلفة هاشم فرأيتهم

بعد العداوة بينهم إخوانا

وكان أبوه (المتوكّل) قد أمر في سنة (٢٣٦) للهجرة ، بهدم قبر الإمام الحسين عليه‌السلام وأمر بهدم الدور الّتي حوله ، ثمّ أمر بحرث الأرض وزرعها ، فأخذ أهل بغداد يشتمون (المتوكّل) ويكتبون على الحيطان والمساجد ما يشاءون من السبّ والشتم ، وهجاه الشعراء أمثال دعبل الخزاعي وغيره ، وقال يعقوب بن السكيت ، وقيل عليّ بن أحمد البسّامي (٢) :

بالله إن كانت أميّة قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو العبّاس بمثله

هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا

في قتله فتتبعوه رميما

وكان للخليفة المتوكّل نديما اسمه (عبادة المخنث) وكان هذا المخنّث ، يضع وسادة على بطنه (داخل ثيابه) ثمّ يكشف عن رأسه (وكان أصلعا) ، ثمّ يأخذ يرقص أمام (المتوكّل) ومن حوله المغنين يرددون : (قد أقبل الأصلع البطين ، خليفة (٣) المسلمين) والمتوكّل يشرب ويضحك.

وفعل ذلك ذات يوم ، وكان ابنه (المنتصر) حاضرا ، فأومأ إلى (عبادة المخنّث) مهددا إيّاه ، فسكت عبادة ، فقال له المتوكّل : (استمر ، ما ذا حدث؟

فأخبره بما فعل (المنتصر). فقال المنتصر : (يا أمير المؤمنين ، إنّ الّذي تسخرون منه ، وتضحكون عليه ، هو ابن عمّك ، وشيخ أهل بيتك ، وبه فخرك ، فكل أنت لحمه ، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه).

__________________

(١) السيوطي ـ تاريخ الخلفاء. ص ٤٠٤.

(٢) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ١٧ / ٢٠.

(٣) الأصلع البطين : هو الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

٦٣٠

فقال المتوكّل للمغنين : هيّا غنّوا (١) :

غار الفتى لابن عمّه

رأس الفتى في حر أمّه

وبعد مقتل (المتوكّل) ازدادت سيطرة الأتراك على القصر العباسي ، وخاصّة بعد أن تسلّم المنتصر الخلافة بمساعدتهم ، فأصبح الأتراك هم المسيّرين لدفّة الحكم في البلاد يعزلون الخلفاء ويعيّنونهم ، ويسملون عيونهم ، ويقتلونهم.

ويبدو أنّ المرارة في نفس المنتصر ، قد دفعته (بعد موافقته على قتل أبيه) على التخلّص من الأتراك ، فأخذ يسبّهم ويشتمهم ويقول : (هؤلاء قتلة الخلفاء) ، ولكنّ الأتراك ، وبما لديهم من الخبرة الكافية ، أحسّوا بالخطر المحدق بهم إذا ما سيطر المنتصر على زمام الأمور ، فسارعوا إلى رشوة طبيبه الخاصّ (ابن طيفور) فأعطوه ثلاثين ألف دينار ، فدسّ له السمّ في شهر ربيع الآخرة من سنة (٢٤٨) (٢) للهجرة وقيل وضع له السمّ في (كمثراة) عرموطة. وقيل إنّ ابن طيفور هذا ، قد مرض ، فطلب من غلامه أن يعطيه دواء فأعطاه الدواء ، وكان فيه بقية من السم الّذي أعطاه للمنتصر ، فلما شربه مات ابن طيفور.

مات المنتصر في الخامس من شهر ربيع الآخر من سنة (٢٤٨) (٣) للهجرة ، وعمره (٢٥) سنة ، فلم يتمتع بالخلافة إلّا أشهرا معدودة دون السنة ، وقيل مات في اليوم الثالث من الشهر المذكور ، وقيل في اليوم الرابع

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٣ / ٧٥.

(٢) الهفيفي ـ موسوعة (١٠٠٠) حدث إسلامي. ص ١٢١.

(٣) الطبري. ج ٩ / ٢٢٢ و٢٥١ والخطيب البغدادي ـ تاريخ بغداد. ج ٢ / ١١٩ والزمخشري ـ ربيع الأبرار.

ج ٤ / ٣٣ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١٢ / ١٥ والسيوطي ـ تاريخ الخلفاء. ص ٤٠٥ والزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ١ / ٢٣٥ والترمانيني ـ أزمنة التاريخ الإسلامي. ج ١ / ٨٥٦. وعبد الكريم العفيفي ـ موسوعة (١٠٠٠) حدث إسلامي. ص ١٢١.

٦٣١

منه ، وكان عمره (٢٦) سنة وصلّى عليه ابن عمّه أحمد بن محمّد (المستعين بالله) ، ودفن في سامراء ، في مكان يقال له (الجوسق) (١).

وقال المنتصر في لحظة من لحظات الذلّ والقهر (٢) :

الذلّ يأباه الفتى الحرّ

ما للكريم معه صبر

لو يعلم الناس الّذي نالني

فليس لي عندهم عذر

كان اليّ الأمر في ظاهر

وليس لي في باطن أمر

وقيل إنّه قال لأمّه ، وهو يحتضر : (يا أماه ، ذهبت مني الدنيا والآخرة ، عاجلت أبي فعوجلت).

وقيل إنّه قال لأمه أيضا : أفسدت ديني ودنياي ، وقد رأيت أبي هذه الساعة وهو يقول : (قتلتني يا محمّد لأجل الخلافة ، والله لا تتمتع بها إلّا أياما قلائل ، ثمّ مصيرك إلى النار) (٣). فما عاش المنتصر بعد ذلك إلّا أيّاما قلائل ومات مسموما (كما ذكرنا).

ومن أقوال المنتصر المشهورة إنّه قال : (والله ما عزّ ذو باطل ولو طلع القمر من جبينه ، ولا ذلّ ذو حقّ ولو أطبق العالم عليه) (٤). وقال أيضا : (لذة العفو ، أعذب من لذّة التشفّي ، وأقبح أفعال المقتدر ، الانتقام) (٥).

٦٢ ـ محمّد بن عبد الله بن طاهر :

هو : محمّد بن عبد الله بن طاهر ، الخزاعي ، وكنيته : أبو العبّاس.

__________________

(١) الخطيب البغدادي ـ تاريخ بغداد. ج ٢ / ١٢١.

(٢) المرزباني ـ معجم الشعراء. ص ٤٠٠ وقحطان رشيد التميمي ـ اتجاهات الهجاء. ص ١٣٥.

(٣) الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٤ / ٣٣.

(٤) التوحيدي ـ البصائر والذخائر. ج ٥ / ١٦٠ والخطيب البغدادي ـ تاريخ بغداد. ج ٢ / ١٢٠.

(٥) التوحيدي ـ البصائر والذخائر. ج ٨ / ١٥٣.

٦٣٢

ومحمّد بن عبد الله ، هو من الأمراء الشجعان من بيت مجد ورئاسة ، وله نيابة بغداد في خلافة (المتوكّل على الله) (١) وكان أديبا وشاعرا ، يقرب أهل العلم والأدب.

عقد له (المستعين بالله) على العراق والحرمين (٢) سنة (٢٤٨) للهجرة ، وولّاه أيضا رئاسة الشرطة ومعاون السواد (٣).

وعند ما ولّاه (المستعين) إمارة الكوفة ، أرسل (أيّوب بن الحسن بن موسى) نائبا عنه (٤) ، وكان هو مقيم في بغداد.

ولمّا اختلف (المستعين) مع القادة الأتراك سنة (٢٥١) للهجرة ، ذهب إلى بغداد ونزل في بيت محمّد بن عبد الله ، ثمّ جاء القادة الأتراك إلى بغداد يعتذرون من المستعين ، فذكّرهم المستعين بما أنعم عليهم من أرزاق ، ومراكز حساسة في الدولة ، وصلاحيّات واسعة ، ثمّ تصالحا ، ورضي عنهم ، فقال له أحدهم : (بأبي بك ، فإن كنت قد رضيت عنّا ، فقم فاركب معنا إلى سامراء ، فإن الأتراك ينتظرونك) (٥) ، فغضب ابن طاهر وأمر بضرب ذلك القائد ، ثمّ قال له : هكذا يقال لأمير المؤمنين (قم واركب معنا)!!؟ فضحك المستعين وقال : (هؤلاء عجم لا يعرفون حدود الكلام) (٦).

ثمّ اجتمع الأتراك (المنشقين) في سامراء في هذه السنة ، أعني سنة (٢٥١) للهجرة فبايعوا (للمعتز بالله) بالخلافة ، وخلع (المستعين) ، ولمّا سمع

__________________

(١) الزركلي ـ الأعلام. ج ٦ / ٢٢٢ وابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٥ / ٩٢.

(٢) الحرمين : مكّة والمدينة.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١١٨ والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ١٥ / ١٠.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٤١.

(٥) نفس المصدر السابق.

(٦) وهذا يدل على مدى استهتار القادة الأتراك بالخلفاء العباسيين.

٦٣٣

ابن طاهر بذلك قطع الميرة عن سامراء ، وكتب إلى عامله على (الأنبار) وكذلك عامله على (الموصل) بمنع السفن والميرة إلى سامراء ، ثمّ أخذ بتحصين بغداد ، وحفر الخنادق حول جانبيها ، وكتب (المستعين) أيضا إلى كافّة (عمّال الخراج) بإرسال الأموال إلى بغداد بدلا من سامراء ، وكتب أيضا إلى القادة الأتراك في سامراء بنقض البيعة (للمعتز).

ثمّ جرت مكاتبات بين (المعتز) وبين محمّد بن عبد الله ، فكان (المعتز) يطلب من ابن طاهر أن يبايعه ، وكان ابن طاهر من جانبه يطلب من (المعتز) الرجوع إلى بيعة (المستعين).

ثمّ إنّ (المعتز) عقد لأخيه (الموفّق) أبي أحمد بن المتوكّل على حرب (المستعين) ومحمّد بن عبد الله ، وضمّ إليه الجيش ، وجعل الأمور كلّها بيده وجعل التدابير العسكرية بيد (كلباتكين) (١) ، وبعد معارك بين الطرفين ثمّ الاتّفاق على خلع (المستعين) والمبايعة (للمعتز) ، كان ذلك سنة (٢٥٢) للهجرة (٢).

ثمّ طلب (المعتز) من محمّد بن عبد الله أن يسلم (المستعين) إلى (سيما الخادم) فكتب محمّد إلى الموكّلين بالمستعين في (واسط) بتسليمه ، فأخذه سعيد بن صالح إلى بيته ، وأخذ يعذّبه حتّى مات ، وقيل وضع حجرا في رجله ورماه في نهر دجلة ، وقيل غير ذلك (٣).

ولعلّ أكبر جريمة اقترفها محمّد بن عبد الله بن طاهر هي قتله يحيى ابن عمر ، ثمّ جلوسه للتهنئة بقتله .. وسنذكر ذلك عند ترجمة يحيى بن عمر.

__________________

(١) كلباتكين : أحد القادة الأتراك.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٦٧.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٧٢.

٦٣٤

مات محمّد بن عبد الله بن طاهر سنة (٢٥٣) (١) للهجرة على أثر قروح خرجت في فمه وفي رأسه. وقيل لمّا مات محمّد تألّم عليه (المعتزّ) كثيرا ، وكان يقول : بأن الأتراك كانوا يهابونه من أجل محمّد.

وعن أحمد بن يزيد المهلّبي أنّه قال : كانت لأبي حاجة إلى محمّد بن عبد الله ، فكتب إليه يقول (٢) :

ألا مبلغ عني الأمير محمّد

مقالا له فضل على القول واسع

لنا حاجة إن أمكنتك قضيتها

وإن هي لم تكن فعذرك واسع

فأنت وإن كنت الجواد بعينه

فلست بمعطي الناس ما الله مانع

فإن بور زند الطاهري فبالحرى

وإلّا فقد تنبو السيوف القواطع

وبينما كان محمّد بن عبد الله جالسا ذات يوم مع أصحابه ، وإذا بالسماء قد ادلهمّت ، ثمّ أبرقت وأرعدت ، ثمّ مطرت مطرا غزيرا ، فقال أحد الجالسين : (٣)

هطلتنا السماء هطلا دراكا

عارض المرزمان فيها السماكا

قلت للبرق إذ توقد فيها

يا زناد السماء من أوراكا

أحبيب تأتيه فجفاكا

فهو العارض الّذي استبكاكا؟

أم تشبّهت بالأمير أبي العب

اس في جوده فلست هناكا

ولمّا مات محمّد رثاه أخوه عبد الله بن عبد الله فقال (٤) :

هدّ ركن الخلافة الموطود

زال عنها السرادق الممدود

__________________

(١) الزركلي ـ الأعلام. ج ٦ / ٢٢٢ وابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٥ / ٩٣.

(٢) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٥ / ٩٢.

(٣) أحد الجالسين : الحسن بن وهب.

(٤) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٥ / ٩٣.

٦٣٥

كسف (١) البدر والأمير جميعا

وانجلى البدر والأمير عميد

٦٣ ـ العبّاس بن المستعين بالله :

عقد الخليفة (المستعين بالله) لأبنه (العبّاس) على العراق والحرمين سنة (٢٥٠) (٢) للهجرة ، وقيل سنة (٢٤٩) (٣) للهجرة عقد المستعين لأبنه العبّاس على مكّة والمدينة والكوفة والبصرة.

٦٤ ـ أيّوب بن حسن بن موسى :

هو : أيّوب بن حسن وقيل (حسين) بن موسى بن جعفر بن سليم (سليمان) الهاشمي ، ولّاه محمّد بن طاهر الخزاعي إمارة الكوفة سنة (٢٥٠) (٤) للهجرة ، وقيل كان أيّوب أميرا على الكوفة من قبل الخليفة (المتوكّل على الله). وكان جعفر بن عمّار على قضائها.

وعند ما ثار يحيى بن عمر بن يحيى بالكوفة سنة (٢٥٠) للهجرة ، كان الأمير عليها آنذاك (أيّوب بن الحسن بن موسى) (٥).

ولمّا سمع محمّد بن عبد الله بن طاهر ، بثورة يحيى بن عمر ، كتب إلى أيّوب بن حسن ، والى عبد الله بن محمود السرخسي (الأمير على معاون السواد) أن يذهبا سويّة لمحاربة يحيى بن عمر ، فدارت معركة بين الطرفين ،

__________________

(١) ذكر أن القمر قد خسف في الليلة الّتي مات فيها محمّد بن عبد الله.

(٢) الذهبي ـ التاريخ الإسلامي. ج ١٨ / ٢٩.

(٣) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٤ / ١٥٤ وأبي المجالس ـ النجوم الزاهرة. ج ٢ / ٣٣١.

(٤) الطبري. ج ٧ / ٢٦٧ والخطيب البغدادي ـ تاريخ بغداد. ج ٧ / ١٦٣ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٢٦ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٤٧.

(٥) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٢٦٧ والخطيب البغدادي ـ تاريخ بغداد. ج ٧ / ١٦٣ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٢٦ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٤٧.

٦٣٦

انتهت بهزيمة أيّوب بن حسن ، وعبد الله بن محمود السرخسي ، ودخول يحيى بن عمر إلى الكوفة (١).

وكان أيّوب بن حسن ، مصابا بمرض (النقرص المزمن) وكان يطلب من القاضي (جعفر بن عمّار) أن يصلّي بالناس عند غيابه ، فقال محمّد بن نوفل التميمي في ذلك (٢) :

فما عجب أن تطلع الشمس بكرة

من الغرب إذ تعلو على ظهر منبر

ولو لا أناة الله جلّ ثناؤه

لصبّحت الدنيا بخزي مدمر

إذا جعفر رام الفخار فقل له

عليك ابن ذي موسى موساك فافخر

٦٥ ـ يحيى بن عمر بن يحيى :

هو : يحيى بن عمر بن يحيى الحسين (٣) بن زيد (٤) بن عليّ (٥) بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، وكنيته : أبو الحسين.

ثار يحيى بالكوفة سنة (٢٥٠) (٦) للهجرة ، وطرد أميرها (أيّوب بن حسن بن موسى بن جعفر بن سليمان الّذي ولّاه محمّد بن عبد الله بن طاهر ، ثمّ ذهب يحيى إلى بيت مال الكوفة فأخذ جميع ما فيه من أموال (وكانت ألفي دينار وسبعين ألف درهم) فوزّعها على أصحابه ، ثمّ أطلق سراح جميع من كان في سجون الكوفة.

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٢٦٧.

(٢) القاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٦ / ٥٢.

(٣) الحسين : ذو الدمعة لكثرة بكائه ، مات سنة (١٣٤) للهجرة.

(٤) زيد ـ الشهيد الّذي قتله يوسف بن عمر سنة (١٢١) للهجرة.

(٥) عليّ : زين العابدين (السجاد) عليه‌السلام.

(٦) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٢٦٧ والمسعودي ـ مروج الذهب. ج ٤ / ٦٣ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٢٦ والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ١٨ / ٢٨.

٦٣٧

ولمّا سمع محمّد بن عبد الله بثورة يحيى بن عمر ، كتب إلى أيّوب بن حسن (أمير الكوفة) والى عبد الله بن محمود السرخسي (الأمير على سواد الكوفة) يأمرهما بمحاربة يحيى بن عمر ، ولمّا التقى الطرفان ، وقعت بينهما معركة ، جرح فيها عبد الله السرخسي جرحا عميقا ، فهرب وانهزم جيشه ، فاستولى يحيى على جميع ما في جيش السرخسي من مال ودوابّ (١).

ثمّ خرج يحيى من الكوفة إلى السواد ، فتبعه جماعة من الزيديّة ، وغيرهم ومعهم جمع كثير ، عندها أرسل محمّد بن عبد الله إلى الحسين بن إسماعيل بن مصعب لمحاربة يحيى ، ولمّا سمع يحيى بمجيء الجيوش إلى الكوفة ، رجع إلى الكوفة ، فلقيه عبد الرحمن بن الخطاب المعروف (بوجه الفلس) فكانت بينهما معركة انهزم فيها عبد الرحمن إلى قرية (شاهي) وهناك التقى بالحسين بن إسماعيل (٢).

وبعد أن استراح الحسين بن إسماعيل في قرية (شاهي) جاءته امدادات كثيرة ، وأمّا يحيى فإنّه أقام في الكوفة يعد العدد ، ويصلح السلاح ، فأشار عليه جماعة من الزيدية ، ممّن لا علم لهم بالحرب ، بمعاجلة الحسين ابن إسماعيل ، ثمّ ألحّوا عليه بقتاله قبل أن يستعد لحربهم ، فزحف إليهم ومعه (الهيصم العجلي) وغيره ، ورجّالة من أهل الكوفة ، ممّن ليس لهم علم ولا دراية بالحروب ، فدارت بينهما معركة عنيفة ، أسّر فيها (الهيصم العجلي) وانهزم رجّالة أهل الكوفة ، وأكثرهم كان بغير سلاح.

ثمّ قتل يحيى بن عمر في هذه السنة ، أعني سنة (٢٥٠) (٣) للهجرة ، وأرسل برأسه إلى محمّد بن عبد الله بن طاهر ، ثمّ أرسل الرأس إلى الخليفة

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٢٦٧.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٢٧.

(٣) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١٢ / ٣٤ وعارف أحمد عبد الغني ـ الجوهر الشفاف. ج ١ / ٢٩٨.

٦٣٨

(المستعين بالله) في سامراء ، ثمّ أرسلت الأسرى ورؤوس من قتل من أصحاب يحيى إلى بغداد.

وقيل إنّ (المستعين) قد نصب رأس يحيى في باب العامّة في سامراء ، فاجتمع الناس وتذّمروا ، وكرهوا هذا العمل الشنيع ، فأرسل المستعين الرأس إلى بغداد لينصب فيها (١) ، ثمّ كتب محمّد بن عبد الله بن طاهر إلى الخليفة (المستعين) يطلب منه العفو عن الأسرى فأمر المستعين بإطلاق سراحهم ، وبدفن رؤوس القتلى.

وبعد ما قتل يحيى بن عمر ، جلس محمّد بن عبد الله بن طاهر للتهنئة ، فدخل عليه داود (أبو هاشم) (٢) وقال له : (أيّها الأمير ، إنّك لتهنّئ بقتل رجل لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّا ، لكان هو المعزّى به). فلم يرد عليه ابن طاهر بشيء ، وخرج داود وهو يقول (٣) :

يا بني طاهر كلوه وبيا

إن لحم النبيّ غير مريّ

إنّ وترا يكون طالبه الل

ه لوتر نجاحه بالحريّ

هذا وقد أكثر الشعراء في رثاء يحيى (وذلك لمّا كان يتمتع به من حسن السيرة ، والديانة ، وكان يدعو للرضا من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان من أزهد الناس ، واصلا لأرحامه من الطالبيات). فقال بعضهم في رثائه (٤) :

بكت الخيل شجوها بعد يحيى

وبكاه المهند المسقول

وبكته العراق شرقا وغربا

وبكاه الكتاب والتنزيل

__________________

(١) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١٢ / ٣٤.

(٢) داود : بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر (الطيار) بن أبي طالب.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٩ / ٢٧٠ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧ / ١٢٩ وعارف أحمد عبد الغني ـ الجوهر الشفاف. ج ٢٩٨ ومحمّد الخضري بك ـ محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية. ج ٢ / ٢٧٦ وابن عنبه ـ عمدة الطالب. ص ٢٧٣ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٦٩.

(٤) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٤ / ٦٥ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٦٩.

٦٣٩

والمصلّى والبيت والركن والحجّ

ر جميعا له عليه عويل

كيف لا تسقط السماء علينا

يوم قالوا : أبو الحسين قتيل

وبنات النبيّ يبدين شجوا

موجعات دموعهن همول

قطعت وجهه سيوف الأعادي

بأبي وجهه الوسيم الجميل

إنّ يحيى أبقى بقلبي غليلا

سوف يؤدّي بالجسم ذاك الغليل

قتلته مذكر لقتلى عليّ

وحسين ويوم أذي الرسول

صلوات الله له وقفا عليهم

ما بكى موجّع وحنّت ثكول

ورثاه عليّ بن محمّد بن جعفر (العلوي) فقال (١) :

يا بقايا السلف الصا

لح والتّجر الربيح

نحن للأيّام من

بين قتيل وجريح

خاب وجه الأرض كم

غيّب من وجه مليح

آه من يومك ما أو

داه للقلب القريح

وقد رثاه الشاعر أحمد بن طاهر بقصيدة طويلة ، نقتطف منها الأبيات التاليّة (٢) :

سلام على الإسلام فهو مودع

إذا ما مضى آل النبيّ فودعوا

فقدنا العلا والمجد عند افتقادهم

وأضحت عروش المكرمات تضعضع

أتجمع عين بين نوم ومضجع

ولأبن رسول الله في الترب مضجع

فقد أقفرت دار النبيّ محمّد

من الدين والإسلام فالدار بلقع

وقتل آل المصطفى في خلالها

وبدّد شمل منهم ليس يجمع

بني طاهر واللؤم منكم سجيّة

وللغدر منكم حاسر ومقنع

قواطعكم في الترك غير قواطع

ولكنّها في آل أحمد تقطع

__________________

(١) مروج الذهب. ج ٤ / ٦٥.

(٢) نفس المصدر السابق.

٦٤٠