أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

ذكرت آنفا.

وعند ما طلب الأمين من أخيه المأمون التنازل عن الخلافة لأبنه (موسى) كان من ضمن الذين أرسلهم ، هو العبّاس بن موسى ، ولمّا دخل العبّاس على المأمون قال له : (أيّها الأمير ، إن أخاك قد تحمّل في الخلافة ثقلا عظيما ، ومن النظر في أمور الناس عبئا جليلا ، وقد صدقت نيته في الخير ، فأعوزه الوزراء والأعيان ، والكفاة في العدل ، وقليل ما يأنس بأهل بيته ، وأنت أخوه ، وقد فزع إليك في أموره ، وأمّلك للمؤازرة ، ولسنا نستبطئك في برّه ، اتهامك لنصرك له ، ولا نحضك على طاعته ، تخوفك لخلافك عليه ، وفي قدومك عليه ، أنس عظيم ، وصلاح لدولته وسلطانه ، فأجب أيّها الأمير دعوة أخيك وآثر طاعته وأعنه على ما استعانك عليه في أمره ، فإنّه في ذلك قضاء الحقّ ، وصلة الرحم ، وصلاح الدولة ، وعزّ الخلافة عزم الله للأمير على الرشد في أموره ، وجعل له الخيرة والصلاح في عواقب رأيه (١). فكتب المأمون إلى أخيه ، يسأله أن يعفيه من المجيء إليه ، وأن يقرّه على عمله إذ يرى ذلك أعظم غناء على المسلمين (٢).

وقيل إنّ المأمون رفض التنازل عن الخلافة ، فقال له العبّاس بن موسى : (وما عليك أيّها الأمير من ذلك ، فهذا جدّي عيسى بن موسى قد خلع فما ضرّه ذلك). فأجابه الفضل بن سهل (وكان جالسا عند المأمون) : (أسكت فإنّ جدّك كان أسيرا في أيديهم ، وهذا بين أخواله وشيعته) (٣). ثمّ ذهب الفضل بن سهل بعد ذلك إلى العبّاس بن موسى ، وقال له : (لك عندي إمارة الموسم ، وأنت تعلم بأنّ إمارة الموسم ، لا إمارة أشرف منها ، ولك ما

__________________

(١) أحمد زكي صفوت ـ جمهرة خطب العرب. ج ٣ / ١٠١.

(٢) المصدر السابق. ج ٣ / ١٠٤.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٣٧٦ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ٢٣٠.

٥٤١

تشاء من الأعمال في مصر ، ثمّ تمكّن الفضل بن سهل من إقناع العبّاس بن موسى بمبايعة المأمون. ولمّا رجع العبّاس بن موسى إلى بغداد ، كان يكاتب المأمون (سرا) ويشير عليه بالرأي ويخبره بكلّ ما يدور حول الأمين (١).

وعند ما حوصر الأمين في بغداد من قبل عبد الله بن طاهر ، ذهب العبّاس بن موسى إلى قصر أبي جعفر المنصور ، فأخرج منه (الأمين) وأمّه (الستّ زبيدة) واسمعها بكلمات نابية ، ثمّ حبسهم. وقيل إنّه ضرب الستّ زبيدة بالعصى وشتمها (٢).

وأخيرا قتل الأمين ، وتمّت البيعة للمأمون في بغداد وخراسان ، وخرج أهل خراسان بتلك البيعة ، فخطب الخطباء ، وأنشد الشعراء ، وفي ذلك قال شاعر من أهل خراسان (٣):

أصبحت الأمّة في غبطة

من أمر دنياها ومن دينها

إذ حفظت عهد إمام الهدى

خير بني حواء مأمونها

قامت بحق الله إذ زبرت

في ولده كتب دواوينها

ألا تراها كيف بعد الردى

وفّقها الله لتزيينها

مات العبّاس بن موسى بن عيسى في مدينة (بليبس) في مصر في السابع عشر من شهر جمادي الآخر من سنة (١٩٩) للهجرة ، ويقال إنّ المطلب بن عبد الله دسّ له سمّا في طعامه ، فمات منه (٤).

__________________

(١) ابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١٠ / ٢٢٥.

(٢) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ١٣ / ٣٩ وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١٠ / ٢٣٦.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٤١١.

(٤) أبو المجالس ـ النجوم الزاهرة. ج ٢ / ١٦٢ والزركلي ـ الأعلام. ج ٣ / ٢٦٧ والزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ١ / ٢٠٣.

٥٤٢

٢٢ ـ محمّد بن إبراهيم :

هو : محمّد بن إبراهيم (الإمام) بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس ابن عبد المطلب (١). ولّاه هارون الرشيد إمارة الكوفة سنة (١٧٠) (٢) للهجرة.

ومحمّد بن إبراهيم ، أمير عباسي ، هاشمي ، كان مقيما في بغداد وكان كبير القدر معظّما ، وكان يجلس لولده وأحفاده في كلّ يوم خميس فيعظهم ويحدّثهم. وقد روى العلم عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام (٣).

ولّي إمارة دمشق من قبل الخليفة المهدي ، وكذلك ولّيها من قبل هارون الرشيد (٤). وولّي إمارة الحجّ في خلافة أبي جعفر المنصور عدّة سنين ، ثمّ عزله الخليفة المهدي ، ثمّ ولّي إمارة مكّة سنة (١٧٨) (٥) للهجرة ، من قبل هارون الرشيد ، ثمّ تولّاها من بعده ولداه عبيد الله والعبّاس وحجّ بالناس أيضا.

مات محمّد بن إبراهيم في بغداد سنة (١٨٥) (٦) للهجرة ، وصلّى عليه (الأمين) وكان ولي العهد لأبيه هارون ، ودفن في (المقبرة العباسيّة) في باب الميدان.

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ١١.

(٢) شاكر مصطفى ـ موسوعة دول العالم. ج ١ / ٢٦٧.

(٣) الخطيب البغدادي ـ تاريخ بغداد. ج ١ / ٣٨٤ والزركلي ـ الأعلام. ج ٥ / ٢٩٣ ط ٥.

(٤) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ١٢ / ٣٥٥ وابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ٣٠٩.

(٥) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٢٦٠ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ١٤٥ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٩ / ٣٦.

(٦) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ١٧١ والخطيب البغدادي. ج ١ / ٢٦٧.

٥٤٣

٢٣ ـ عبيد الله بن محمّد بن إبراهيم (١) :

ولّاه إمارة الكوفة هارون الرشيد بعد أبيه (٢). وتولّى كذلك إمارة مكّة بعد أبيه (٣). وتولّى كذلك إمارة مصر سنة (١٨٩) (٤) للهجرة.

٢٤ ـ يعقوب بن أبي جعفر المنصور :

ولّاه الخليفة هارون الرشيد إمارة الكوفة ، وذلك بعد عزل العبّاس بن موسى بن عيسى ولكنه لم يذهب إلى الكوفة (٥). مات أبو جعفر المنصور وترك من الأولادهم (٦) :

١ ـ المهدي : وأسمه (محمّد) وأمّه أروى بنت منصور الحميري.

٢ ـ جعفر الأكبر : وأمّه أروى بنت منصور الحميري ، مات في زمن أبيه المنصور ، ودفن في مقابر قريش.

٣ ، ٤ ، ٥ ـ سليمان ، وعيسى ، ويعقوب : وأمهم فاطمة بنت محمّد من اولاد طلحة بن عبيد الله.

٦ ـ جعفر الأصغر : وأمّه أمّ ولد (كرديّة) كان المنصور قد اشتراها ، ولذلك يقال لأبنها جعفر ابن الكرديّة.

__________________

(١) إن كافة الأمراء الذين كانوا في الكوفة في خلافة هارون الرشيد لم تذكر سني تعيينهم أو عزلهم ، وإنّما جاءت بالأسماء فقط ، وقد ترجمتهم حسب التسلسل المذكور ، هذا ما وجدته في المصادر المشهورة كالطبري وابن الأثير وخليفة بن خياط والبراقي وغيرهم ، عسى أن نوفق إلى معرفة ذلك مستقبلا إن شاء الله.

(٢) شاكر مصطفى ـ موسوعة دول العالم. ج ١ / ٢٦٧ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ٢١٥ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٣٣.

(٣) الترمانيني ـ أحداث التاريخ الإسلامي. ج ٢ / ١٠٣٩.

(٤) المصدر السابق. ج ٢ / ١٠٩٤.

(٥) تاريخ خليفة بن خياط. ج ٢ / ٧٤٤ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٣٣.

(٦) تاريخ الطبري. ج ٨ / ١٠٢.

٥٤٤

٧ ـ صالح المسكين : وأمّه أمّ ولد ، روميّة.

٨ ـ القاسم : وأمّه أمّ ولد ، تعرف (بأمّ القاسم) ومات هذا في زمن أبيه (المنصور) وعمره عشر سنين.

وكان يعقوب بن أبي جعفر المنصور ضمن ولاة الكوفة في خلافة هارون الرشيد (١). وفي سنة (١٧٢) للهجرة ، حجّ بالناس يعقوب بن أبي جعفر المنصور (٢).

٢٥ ـ يحيى بن بشر بن جحوان الحارثيّ :

ولّاه هارون الرشيد إمارة الكوفة ، وذلك بعد عزل يعقوب بن أبي جعفر المنصور ، ثمّ عزله ، وولّى مكانه موسى بن عيسى (٣).

٢٦ ـ محمّد بن بشر بن جحوان الأسديّ :

كان أحد أمراء الكوفة (٤). كان محمّد بن الأشعث (٥) ، ملازما لأبن

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ٢١٥.

(٢) تاريخ ابن خياط. ج ٢ / ٧١٢ وتاريخ الطبري. ج ٨ / ٣٤٦.

(٣) تاريخ خليفة بن خياط. ج ٢ / ٧٤٤.

(٤) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٥ / ٥٩.

(٥) محمّد بن الأشعث : بن فجوة القرشي ، الزهري ، من فتيان أهل الكوفة وظرفائهم ، وكان حسن الوجه ، يقول الشعر ، ويتغنى به.

ومن شعره في سحيقه : الأغاني. ج ١٥ / ٥٩.

سحيقة أنت واحدة القيان

فمالك مشبّه فيهن ثاني

فضلت على القيان بفضل حذق

فحزت على المدى قصب الرهان

سجدن لك القيان مكفرّات

كما سجد المجوس لمرزبان

ولا سيما إذا غنيت صوتا

وحرّكت المثالث (١) والمثاني (٢)

شربت الخمر حتّى خلت أني

أبو قابوس (٣) أو عبد (٤) المدان

فإعمال اليسار على الملاوي (٥)

ومن يمناك ترجمة البيان

(١) ، (٢) ـ المثالث والمثاني : من أوتار العود

(٣) أبو قابوس : كنية النعمان بن المنذر ،

(٤) عبد المدان : سيد من سادات مذحج

(٥) الملاوي : ملاوي العود الّتي تشد بها الأوتار.

٥٤٥

رامين (١) ولجاريته سلامة الزرقاء (٢) ، حتّى شاع خبره في الكوفة ، فلامه أصحابه ، ونصحوه ، ولكنّه لم يسمع منهم ، حتّى رأى بعض ما كره في منزل ابن رامين ، فتحول (ذهب) إلى (سحيقة) جارية زريق (٣) بن منيح (مولى عيسى بن موسى).

وحاول ابن رامين أن يقنع محمّد بن الأشعث بالعودة إليه في داره إلّا أنّه لم يفلح ، ثمّ لم يدع ابن رامين شريفا بالكوفة ، إلّا وذهب إليه ، لإقناع محمّد بن الأشعث برجوعة إلى حضوره في داره فلم يقنع ، وأخيرا ذهب ابن رامين إلى (محمّد بن بشر بن جحوان الأسدي) وكان يومئذ على الكوفة (٤) ، فكلّمه ابن بشر ، فعاد ابن الأشعث إلى بيت ابن رامين.

٢٧ ـ العبّاس بن موسى بن عيسى (٥) :

أعاده هارون الرشيد على إمارة الكوفة بعد عزل أبيه موسى بن

__________________

(١) ابن رامين : وأسمه عبد الملك بن رامين ، مولى عبد الملك بن بشر بن مروان ، وكان عنده قيان في الكوفة.

(٢) سلامة الزرقاء : وهي جارية ابن رامين ، وكانت مغنية ، وجميلة جدا وقال فيها محمّد بن الأشعث :

أمسى لسلامة الزرقاء في كبدي

صدع مقيم طوال الدهر والأبد

لا يستطيع صناع القوم يشعبه

وكيف يشعب صدع الحبّ في الكبد؟

إلّا بوصل الّتي من حبها انصدعت

تلك الصدوع من الأسقام والكمد

(٣) زريق : بن منيح : وهو مولى عيسى بن موسى ، وكان شيخا ، سخيا ، نبيلا ، يجتمع عنده أشراف الكوفة من كافة أحيائها.

(٤) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٥ / ٥٩.

(٥) تكلمنا عنه في ص ٥٣٣ و٥٣٩.

٥٤٦

عيسى عنها ، فبقي العبّاس بن موسى على إمارة الكوفة لمدة شهرين فقط ، ثمّ عزله الرشيد وعيّن مكانه إسحاق بن الصباح الكندي (١).

٢٨ ـ إسحاق بن الصباح الكندي (٢) :

ولّاه هارون الرشيد إمارة الكوفة وذلك بعد عزل العبّاس بن موسى ابن عيسى وبقي أميرا على الكوفة ثلاثة أشهر فقط ، ثمّ عزله الرشيد وعيّن مكانه جعفر بن أبي جعفر المنصور.

٢٩ ـ موسى بن عيسى (٣) :

أعاده هارون الرشيد على إمارة الكوفة للمرة الثانية وذلك بعد عزل يحيى بن بشر بن جحوان الحارثي ، ثمّ عزله وعيّن مكانه أبنه خليفته (العبّاس بن موسى بن عيسى) (٤).

٣٠ ـ جعفر بن أبي جعفر المنصور :

هو : جعفر (الأصغر) بن أبي جعفر المنصور ، وكنيته : ابن الكرديه ، (أبو الفضل) (٥). كان لأبي جعفر المنصور : عدّة أولاد ، من عدة نساء منهم :

١ ـ جعفر الأكبر : وأمّه : أروى بنت منصور الحميري ، وقد مات في زمن أبيه المنصور سنة (١٥٠) للهجرة (٦).

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٨ / ١٢٠. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ٤٠.

(٢) قدمنا ترجمته في ص ٥١٦.

(٣) تكلمنا عنه في ص ٥٣٣.

(٤) تاريخ خليفة بن خياط. ج ٢ / ٧٤٤.

(٥) تاريخ الطبري. ج ٨ / ١٠٢.

(٦) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٥٩٣.

٥٤٧

٢ ـ جعفر الأصغر : وأمّه : أمّ ولد كرديّة ، ولذلك يقال لابنها (ابن الكرديّة).

وقيل إنّ الّذي مات هو جعفر الأصغر ، وليس جعفر الأكبر (١).

ولّي جعفر بن أبي جعفر المنصور إمارة الكوفة ، ولّاه إيّاها الخليفة هارون الرشيد غير أنّه لم يذهب اليها ، فعزله ، وولّى مكانه منصور بن عطاء الخراساني (٢).

وفي سنة (١٨٢) للهجرة ، أخذ هارون الرشيد البيعة لابنه (المأمون) بعد أخيه الأمين في (الرقة) بعد انصرافه من مكّة ، ثمّ أرسل ابنه المأمون إلى بغداد ، ومعه أهل بيته : جعفر بن أبي جعفر المنصور ، وعبد الملك بن صالح ، ومن القادة : عليّ بن عيسى بن ماهان ، ولمّا وصلوا إلى بغداد ، تمّت البيعة فيها أيضا للمأمون ، ثمّ ولّاه أبوه خراسان ، وما يتصل بها إلى همدان (٣).

وفي سنة (٤٤٣) للهجرة ، حدثت فتنة في بغداد ، حرق أثنائها ضريحي الإمامين موسى بن جعفر ومحمّد الجواد (عليهما‌السلام) وكذلك احترق ما يقابلها من قبور ملوك آل بويه : (معزّ الدولة) و (جلال الدولة) وكذلك حرقت قبور الوزراء والرؤساء وكذلك حرق قبر جعفر بن أبي جعفر المنصور ، وقبر الأمين بن هارون الرشيد وقبر الست (زبيدة) (٤).

وكان جعفر بن الكرديّة ، يحبّ مطيع بن إياس ، ويحترمه كثيرا ، وكان حماد الراوية صديقا لمطيع بن إيّاس ، وأراد مطيع أن يعمل معروفا لصديقه حماد الراوية فذهب مطيع إلى جعفر بن الكرديّة ، وقال له : بأن حماد الراوية ،

__________________

(١) الخطيب البغدادي ـ تاريخ بغداد. ج ٧ / ١٥٠.

(٢) تاريخ خليفة بن خياط. ج ١ / ٤٦٢ والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٣٣.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٢٦٩.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٩ / ٥٧٧.

٥٤٨

من الذين ينشدون أشعار الأقدمين ، ويحفظ عنهم روايات كثيرة ، فقال له جعفر : آتنا به لنراه ، فذهب مطيع إلى حماد (فرحا) وأخبره بأن الأمير جعفر قد طلبه لسماع ما عنده من أشعار ، فقال له حماد : (دعني يا أخي ، فإنّ دولتي كانت مع بني أميّة ، ومالي عند هؤلاء خير). فألح عليه مطيع حتّى وافق.

فذهب حماد الراوية ، واستعار سوادا ، وسيفا ، ثمّ ذهبا سوية إلى جعفر ، فلما دخل عليه حماد ، فسلّم عليه ، ثمّ أمره جعفر بالجلوس ، فجلس. فقال جعفر : يا حماد أنشدني. فقال حماد : لمن أيّها الأمير؟ ألشاعر معيّن؟ أو بدون تعيين؟ فقال جعفر : بل أنشدني لجرير. فقال حماد (١) :

بان الخليط برامتين (٢) فودعوا

أو كلّما اعتزموا لبين تجزع

إلى أن وصل إلى قول جرير :

وتقول بوزع قد دببت على العصا

هلا هزئت بغيرنا يا بوزع

فسأله جعفر : (ما معنى بوزع)؟ فقال له حماد : إنّه اسم امرأة. فقال له جعفر : (امرأة أسمها بوزع)؟ هو بريء من الله ورسوله ، ونفى من العبّاس بن عبد المطلب ، إن كانت بوزع ، إلّا غولا من الغيلان ، تركتني والله يا هذا لا أنام هذه الليلة من فزع بوزع ، يا غلمان عليكم بالعصى ، فضربوه بالعصي على ظهره ، حتّى أغمي عليه ، ثمّ جرّوه من رجله وأخرجوه ، وقد تمزق السواد وانكسر السيف. ثمّ ذهب إليه مطيع يواسيه لما حلّ به ، فقال له حمّاد : ألم أخبرك بأنّي لا أصيب منهم خيرا ، وأنّ حضي قد مضى مع بني أميّة.

وحجّ بالناس جعفر سنة (١٤٨) (٣) للهجرة.

مات جعفر بن أبي جعفر المنصور سنة (١٨٦) للهجرة ، عند هرثمة بن

__________________

(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٧ / ٨٢.

(٢) رامه : أسم مكان على طريق البصرة ـ مكة ، وقيل : هي هضبة أو جبل لبني دارم.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٢٧٥ والذهبي ـ أحداث التاريخ الإسلامي. ج ١٢ / ١٩.

٥٤٩

أعين (١).

٣١ ـ منصور بن عطاء الخراساني :

ولّاه هارون الرشيد إمارة الكوفة ، وذلك بعد عزل جعفر بن أبي جعفر المنصور ، ثمّ عزله وولّى مكانه موسى بن عيسى (٢).

٣٢ ـ موسى بن عيسى (٣) :

أعاده هارون الرشيد على إمارة الكوفة ، وذلك بعد عزل منصور بن عطاء الخراساني (٤).

٣٣ ـ محمّد (الأمين) بن هارون الرشيد :

استخلفه أبوه هارون الرشيد على بغداد سنة (١٨٠) (٥) للهجرة ، وولّاه (العراقين) وذلك عند ذهابه (أي الرشيد) الى الرقة ، وولّاه الشام إلى آخر المغرب.

أمّه : الستّ زبيدة إبنة جعفر (الأكبر) بن أبي جعفر المنصور ، وكنيته : أبو عبيدة. وكان الأمين : شديد البطش والقوّة ، إلّا أنّه ضعيف الإرادة ، قليل التدبير ، غير مفكّر بعواقب الأمور ، انشغل بالترف والملذّات ، وترك الأمر بيد الفضل بن الربيع.

__________________

(١) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٨ / ١١٠.

(٢) تاريخ ابن خياط. ج ٢ / ٧٤٤.

(٣) قدمنا ترجمته في ص ٥٣٣.

(٤) تاريخ ابن خياط. ج ٢ / ٧٤٤.

(٥) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٢٦٧ وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٩ / ٤٨ وابن الأثير ـ الكامل. ج ١٧٣. و٢٢١.

٥٥٠

وعند ما ذهب الرشيد إلى مكّة سنة (١٨٦) للهجرة ، عهد بالخلافة إلى أولاده الثلاثة : محمّد (الأمين) وعبد الله (المأمون) والقاسم (المؤتمن) تباعا ، وكتب العهد ووضع داخل البيت الحرام (الكعبة) وأشهد القضاة بذلك (١).

وكان الرشيد قد أعطى ولاية العهد لأبنه (الأمين) قبل أخيه (المأمون) (٢) بتأثير من زوجته (الستّ زبيدة) وبتأثير آخر من جانب حاشيته ، ذلك لأن (الأمين) من أصل عربيّ ، والمأمون كانت أمّه من أسرة أعجمية. فالأمين كان يسيطر بأصله العربي على الإمارات الّتي يعيش فيها العرب ، والمأمون بأصله الفارسي كان يسيطر على الإمارات الفارسيّة.

ووقف وراء الأمين رجل مهم ذلك هو الفضل بن الربيع (وكان وزيرا للرشيد) ، ووقف خلف المأمون رجل آخر ، لا يقل أهميّة عن مثيله ، ألا وهو الفضل بن سهل (٣).

وقال هارون الرشيد في أبنيه الأمين والمأمون : (إنّي لأتعرّف في عبد الله حزم المنصور ، ونسك المهدي ، وعزّة نفس الهادي ، فلو أشأ أن أنسبه الرابعة فيّ لنسبته ، وإنّي لأرضى سيرته ، وأحمد طريقته ، وأستحسن سياسته ، وأرى قوته وذهنه ، وأمن ضعفه ووهنه ، وإنّي لأقدّم (محمّد) عليه ، وأعلم أنّه منقاد لهواه ، متصرّف في طريقه ، مبذّر لمّا حوته يده ، مشارك للنساء والإماء في رأيه ، ولو لا (أمّ جعفر) (٤) وميل بني هاشم إليه لقدمت عبد الله عليه) (٥).

وقيل إنّ هارون الرشيد قد ندم على توليته (الأمين) قبل أخيه (المأمون)

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٢٨٥.

(٢) المأمون : كان أكبر من أخيه الأمين سنا.

(٣) عبد الحكيم ـ موسوعة (١٠٠٠) حدث إسلامي. ص ١٠٩.

(٤) أم جعفر : هي الست زبيدة ، وكنيتها : أم جعفر.

(٥) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٩ / ٩.

٥٥١

وقال (١) :

لقد بان وجه الرأي لي غير أنّني

غلبت على الأمر الّذي كان أحزما

فكيف يرد الدّر (٢) في الضرع بعد ما

توزّع حتّى صار نهبا مقسما

أخاف التواء الأمر بعد استوائه

وأن ينقض الحبل الّذي كان أبرما

وفي سنة (١٩٣) (٣) للهجرة مات هارون الرشيد ، وبويع للأمين بالخلافة في يوم وفاة أبيه.

وقيل إنّ الأمين بعد مبايعته بالخلافة بيوم واحد ، أمر ببناء ميدان حول قصر المنصور للصولجان واللعب ، فقال الشاعر (٤) :

بنى أمين الله ميدانا

وصيّر الساحة ميدانا

وكانت الغزلان فيه بانا

يهدى إليه فيه غزلانا

وعند ما جاء الأمين للخلافة ، اشترى الخصيان ، وجعلهم لخلوته ، في ليله ونهاره ، وأمره ونهيه ، وطعامه وشرابه ، وترك النساء ، والحرائر ، والإماء ، وفي ذلك قال الشاعر (٥) :

لهم من عمره شطر وشطر

يعاقر فيه شرب الخندريس

وما للغانيات لديه حظّ

سوى التقطّب بالوجه العبوس

إذا كان الرئيس كذا سقيما

فكيف صلاحنا بعد الرئيس

فلو علم المقيم (٦) بدار طوس

لعزّ على المقيم بدار طوس

وقيل صنعت للأمين خمسة سفن ، تمرّ في نهر دجلة ، إحداها على

__________________

(١) الحصري ـ زهر الآداب. ج ٢ / ٤٠٦.

(٢) الدّر : اللبن (الحليب).

(٣) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٣٦٥ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٨ / ٢٢١.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ٦٢٥.

(٥) أحمد أمين ـ ضحى الإسلام. ج ١ / ١١٦.

(٦) المقيم بدار طوس : هو هارون الرشيد ، حيث قبره هناك.

٥٥٢

شكل أسد ، والثانية بصورة فيل ، والثالثة على شكل عقاب ، والرابعة بهيأة حيّة ، والخامسة على شكل فرس ، وقد أنفق عليها أموالا طائلة ، وفيها قال أبو نؤاس (١) :

سخّر الله للأمين المطايا

لم تسخر لصاحب المحراب

فإذا ما ركابه سرن برّا

سار في الماء راكبا ليث غاب

عجب الناس إذ رأوك على صو

رة ليث تمرّ مرّ السحاب

ذات زور ومنسر وجناحي

ن تشقّ العباب بعد العباب

تسبق الطير في السماء إذا ما

استعجلوها بجيئة وذهاب

ولم تمض سنة واحدة على خلافة الأمين حتّى دبّ الخلاف بينه وبين أخيه المأمون بتحريض من الفضل بن الربيع ، وعليّ بن عيسى بن ماهان ، وأشارا عليه بخلع أخيه المأمون ، والعهد لأبنه (موسى) (٢) بالخلافة ، فأمر الأمين بالدعاء لأبنه على المنابر بالأمرة ، وسماه (الناطق بالحقّ) وكتب إلى أخيه المأمون التنازل عن الخلافة إلى أبنه (موسى). فقال رجل أعمى من أهل بغداد في ذلك الوقت (٣) :

أضاع الخلافة غش الوزير

وفسق الإمام ورأي المشير

وما ذاك إلّا طريق الغرور

وشرّ المسالك طرق الغرور

فعال الخليفة أعجوبة

وأعجب منها فعال الوزير

وأعجب من ذا وذا إنّنا

نبايع للطفل الصغير

وما ذاك إلّا بباغ وعاد

يريدان نقض الكتاب المنير

وهذا لو لا انقلاب الزمان

أفي العير هذان أم في النفير!؟

__________________

(١) جرجي زيدان ـ تاريخ التمدن الإسلامي. ج ٢ / ١٢٨.

(٢) ابنه موسى : كان طفلا صغيرا.

(٣) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٣٩٧.

٥٥٣

وتألم المأمون كثيرا لمّا أقدم عليه أخوه الأمين ، فدعا الفضل بن سهل وأخاه الحسن بن سهل ، والخاصّة من الرؤساء والأعلام ، وشاورهم في الأمر ، فأشاروا عليه بالرفض ، ودعوة الناس إلى مبايعته بالخلافة في خراسان ، وخلع أخيه الأمين.

ثمّ جرت بعد ذلك بين الأخوين مكاتبات ، أعقبتها تهيأة الجيوش والاستعداد للحرب ، ثمّ دارت معارك ضارية بين أنصار الأخوين ، واستمرّت سنين عديدة (١).

وقيل : عند ما أرسل الأمين جيشه لمحاربة أخيه المأمون بقيادة عليّ بن عيسى بن ماهان ، قالت الست (زبيدة) لعلي بن عيسى : (إن أمير المؤمنين وإن كان ولدي ، واليه تناهت شفتي ، وعليه تكامل جذري ، فإنّي على عبد الله مشفقة لمّا يحدث عليه من مكروه وأذى ، وإنّما إبني ملك نافس أخاه في سلطانه ، وغاراه على ما في يده ، والكريم يؤكل لحمه ، ويميته غيره ، فأعرف لعبد الله حق والده وأخوته ، ولا تجببه بالكلام ، فإنك لست نظيره ، ولا تقتسره اقتسار العبيد ، ولا ترهقه بقيد ، ولا غل ، ولا تمنع منه جارية ولا خادما وتعنف عليه في السير ، ولا تساوره في المسير ، ولا تركب قبله ، ولا تستقل دابتك حتّى تأخذ بركابه ، وإن شتمك ، فاحتمل منه ، وإن سفه عليك فلا تراده) (٢). ثمّ أعطته قيدا من فضة وقالت له : (إن صار في يدك فقيده بهذا القيد).

وفي سنة (١٩٧) (٣) للهجرة ، حوصر الأمين ببغداد من قبل قادة المأمون ، ونصبت المجانيق ، وحفرت الخنادق والمتاريس ، وأخذ (زهير بن

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٤٢٨.

(٢) أحمد زكي ـ جمهرة الخطب. ج ٣ / ١٠٤.

(٣) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١٠ / ٣٦.

٥٥٤

المسيب الضبي) يلقي النيران على بغداد ، بلا رحمة وهوادة ، ويقتل الناس دون تمييز ، كما وكان أصحاب الأمين ، يقتلون الرائح والغادي بالنيران والمجانيق ، وفي ذلك قال عمرو بن عبد الملك العتري الوراق (١) :

لا تقرب المنجنيق والحجرا

فقد رأيت القتيل إذ قبرا

ما ذا به من نشاط ومن

صحة جسم به إذا ابتكرا

أراد ألّا يقال كان له

أمر فلم يدر من به أمرا

يا صاحب المنجنيق ما فعلت

كفّاك ، لم تبق ولم تذرا

كان هواه سوى الّذي قدرا

هيهات ، لن يغلب الهوى القدرا

فكثر الخراب والدمار في بغداد ، وتغيرت محاسنها ، فقال العتري أيضا :

يا رماة المنجنيق

كلّكم غير شفيق

ما تبالون صديقا

كان أو غير صديق

ويلكم تدرون ما تر

مون مرّار الطريق

ربّ خود ذات دل

وهي كالغصن الوريق

أخرجت من جوف دنيا

ها ومن عيش أنيق

لم تجد من ذاك بدا

أبرزت يوم الحريق

ثمّ اشتدّ القتال ضراوة بين الطرفين ، وخرّجت الديار ، وغلت الأسعار ، وقاتل الأخ أخاه ، والابن أباه ، فقال الأعمى في ذلك (٢) :

تقطعت الأرحام بين العشائر

وأسلمهم أهل التقى والبصائر

فذاك انتقام الله من خلقه بهم

لم اجترموه من ركوب الكبائر

فلا نحن أظهرنا من الذنب توبة

ولا نحن أصلحنا فساد السرائر

إلى آخر القصيدة.

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٤٤٥.

(٢) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٤٠١.

٥٥٥

وقيل : كان عند الأمين خادما أسمه (كوثر) يحبّه كثيرا ، فخرج كوثر هذا أثناء حصار الأمين ليرى المعارك ، فأصابته رجمة في وجهه ، فأخذ يبكي ، من شدّة الألم ، فأخذ الأمين يمسح الدم عن وجهه وقال (١) :

ضربوا قرة عيني

ومن أجلي ضربوه

أخذ الله لقلبي

من أناس أحرقوه

وعجز الأمين عن إتمام شعره ، لكثرة حزنه وألمه على خادمه (كوثر) فطلب من عبد الله بن أيّوب التيمي الشاعر ، أن يكمل فقال (٢) :

ما لمن أهوى شبيه

فبه الدنيا تتيه

وصله حلو ولكن

هجره مر كريه

من رأى الناس له الفض

ل عليهم حسدوه

مثل ما قد حسد القا

ئم بالملك أخوه

ثمّ اشتدّ الحصار على الأمين ، وقتل أكثر أصحابه ، وانهزم بالباقون ، فقرّر الهروب ، وعند هروبه إلى معسكر هرثمة بن أعين ليلا ، ألقي القبض عليه ، فقتلوه ، وذبحوه كما تذبح الشاة ، وبعثوا برأسه إلى أخيه المأمون في خراسان ، وذلك سنة (١٩٨) (٣) للهجرة.

وقال طاهر بن الحسين حين قتل الأمين (٤) :

ملكت الناس قسرا واقتدارا

وقتلت الجبابرة الكبارا

ووجهت الخلافة نحو مرو (٥)

إلى المأمون تبدر ابتدارا

__________________

(١) أبو المجالس ـ النجوم الزاهرة. ج ٢ / ١٦٠.

(٢) المصدر السابق. ج ٢ / ١٦١.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٢ / ٤٨٨.

(٤) المصدر السابق. ج ٢ / ٤٩٩. المصدر السابق المصدر السابق المصدر السابق المصدر السابق

(٥) مرو : عاصمة خراسان.

٥٥٦

وقال الحسين بن الضحاك يرثي الأمين ويهجو المأمون (١) :

أطل حزنا وابك الإمام محمّدا

بحزن وإن خفت الحسام المهندا

فلا تمّت الأشياء بعد محمّد

ولا زال شمل الملك منها مبددا

ولا فرح المأمون بالملك بعده

ولا زال في الدنيا طريدا مشردا

وقالت لبانة ابنة عليّ بن المهدي (٢) :

أبكيك لا للنعيم والأنس

بل للمعالي والرمح والترس

أبكي على سيّد فجعت به

أرملني قبل ليلة العرس

وقال خزيمة بن الحسن على لسان الستّ (زبيدة) أمّ الأمين يرثيه (٣) :

أتى طاهر لا طهّر الله طاهرا

فما طاهر فيما أتى بمطهّر

فأخرجني مكشوفة الوجه حاسرا

وأنهب أموالي وأضرب أدؤري

يعز على هارون ما قد لقيته

وما مرّ بي من ناقص الخلق أعور

وقيل : عند ما قتل الأمين جرت جثته بحبل ، وسحل في الشوارع ، فلّما رآه إبراهيم بن المهدي بكى طويلا وقال (٤) :

عوجا بمغنى طلل دائرا

بالخلد ذات الصخر والآجر

وأبلغا عني مقالا إلى ال

مولى عن المأمور والآمر

قولا له : يا ابن ولي الهدى

طهّر بلاد الله من طاهر

لم يكفه إن جزّ أوداجه

ذبح الهدايا بمدى الجازر

حتّى أتى تسحب أوصاله

في شطن يغني به السائر

وذهب المأمون إلى الستّ (زبيدة) يعزيها بولدها (الأمين) فبكيا

__________________

(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٧ / ١٥٠.

(٢) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٤٠١.

(٣) السيوطي ـ تاريخ الخلفاء. ص ٤٠٥.

(٤) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ١٣ / ٦٣.

٥٥٧

طويلا ، وتبرأ من قتله ، وقيل إنّه قال لها : (يا ستّاه ، لا تأسفي عليه ، فإنّي عوضه لك). فقالت زبيدة : يا أمير المؤمنين ، كيف لا آسف على ولد خلّف أخا مثلك) (١).

ولمّا أراد الانصراف ، أقسمت عليه (زبيدة) بتناول الغداء سويّة ، ولمّا فرغا من الغداء ، جاءت جارية من جواري الأمين ، فغنت له من شعر الوليد ابن عقبة (٢) :

هم قتلوه كي يكونوا مكانه

كما غدرت يوما بكسرى مرازبه

فألا يكونوا قاتليه فإنّه

سواء علينا ممسكاه وضاربه

قتل الأمين في شهر ربيع الأول من سنة (١٩٨) (٣) للهجرة ، وعمره (٢٨) سنة ، وقيل في شهر محرم من سنة (١٩٨) وكان عمره (٢٧) (٤) سنة.

وقيل كان عمره (٢٩) سنة وثلاثة أشهر وبضعة أيّام ، ومدّة حكمه أربع سنوات وثمانية أشهر وثمانية عشر يوما (٥).

٣٤ ـ العبّاس بن موسى الهادي :

هو العبّاس بن الخليفة موسى (الهادي) بن محمّد (المهدي) بن أبو جعفر المنصور بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب.

كان على إمارة الكوفة سنة (١٩٥) (٦) للهجرة ، من قبل (الأمين) بن هارون الرشيد.

__________________

(١) أبو المجالس ـ النجوم الزاهرة. ج ٢ / ٢١٤.

(٢) الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٣ / ٣٦٨.

(٣) حسن إبراهيم حسن ـ تاريخ الأعلام. ج ٢ / ٦٥.

(٤) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٩ / ٣٣٩.

(٥) محمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ٢٢٩.

(٦) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٤١٧ و٤٣٥ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ٢٥٠.

٥٥٨

وعند ما أخذت جيوش طاهر بن الحسين تتقدّم ، وتتوالى انتصاراتها حتّى وصلت إلى الأهواز ، ومنها إلى واسط ، فهرب السندي بن يحيى الحرشي (الأمير عليها آنذاك) وقال كلمته المشهورة : (فإنّه طاهر ولا عار علينا إذا هربنا منه). ثمّ أرسل طاهر بن الحسين أحد قادته وهو (أحمد بن المهلّب) إلى الكوفة ، وكان عليها حينذاك (العبّاس بن موسى الهادي) وقيل (الفضل بن العبّاس بن موسى بن عيسى). فلمّا سمع العبّاس بمجيء أحمد بن المهلّب ، خلع (الأمين) وأعلن بيعته (للمأمون) (١) ، كان ذلك في شهر رجب من سنة (١٩٦) (٢) للهجرة ، وعندها أقرّه طاهر بن الحسين على إمارة الكوفة (٣).

وفي سنة (١٨٣) (٤) للهجرة ، حجّ بالناس العبّاس بن موسى الهادي ، وكذلك حجّ بالناس سنة (١٨٩) (٥) للهجرة.

وفي سنة (٢٠٢) للهجرة ، تمّت البيعة لإبراهيم بن المهدي ، وتمّت سيطرته على الكوفة والسواد بأكمله ، ثمّ عسكر بالمدائن ، فولّى الجانب الشرقيّ من بغداد إلى العبّاس بن موسى الهادي والجانب الغربيّ منها إلى أخيه إسحاق بن موسى الهادي.

وقال إبراهيم بن المهدي (٦) :

ألم تعلموا يا آل فهر بأنّني

شريت بنفسي دونكم في المهالك

وكتب طاهر بن الحسين إلى العبّاس بن موسى الهادي ، عند ما تأخر

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٤١٧ و٤٣٥ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ٢٥٠.

(٢) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ١٣ / ٤٢.

(٣) المصدر السابق. ج ١٣ / ٤٣.

(٤) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٩ / ٨٤ وصالح خريسات ـ تهذيب تاريخ الطبري. ص ٤٨٩.

(٥) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ١٩٣.

(٦) الذهبى ـ تاريخ الاسلام. ج ١٣ / ٤٢.

٥٥٩

العبّاس عن إرسال الخراج إليه فقال (١) :

وليس أخو الحاجات من بات نائما

ولكن أخوها من يبيت على رحل

٣٥ ـ الفضل بن العبّاس بن موسى بن عيسى :

وعند ما سمع الأمين بأن العبّاس بن موسى الهادي (أمير الكوفة) قد بايع للمأمون ، عزله وأرسل مكانه (الفضل بن موسى بن عيسى) وأرسل معه جيشا كبيرا ، ولمّا سمع طاهر بن الحسين بذلك أرسل محمّد (٢) بن العلاء لملاقاة (الفضل) فتلاقيا بقرية الأعراب ، فأرسل إليه (الفضل) يخبره بأنّه سامع ومطيع ، وأنّ خروجه كان كيدا للأمين. فقال محمّد بن العلاء : (لست أعرف ما تقول ، فإن أردت طاهرا فارجع وراءك فهو أسهل الطريق).

فرجع (الفضل) فقال ابن العلاء لأصحابه : كونوا على حذر ، فإنّي لا آمن مكره وخداعه ، وفعلا رجع الفضل بن موسى إلى ابن العلاء ، وهو يظنّ أنه غير مستعد للقتال ، فرآه متيقظا ، حذرا ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، انهزم خلال القتال الفضل بن موسى ومن معه ، كان ذلك سنة (١٩٦) (٣) للهجرة. وقد قتل في تلك المعركة الكثير من أصحاب الفضل ، كما وأسّر الكثير منهم أيضا ، وكان من جملة الأسرى إسماعيل بن محمّد القرشي وجمهور النجاري (٤).

وذكر الطبري في تاريخه : بأن الفضل بن العبّاس بن موسى قد بايع للمأمون سنة (١٩٦) للهجرة ، وذلك عند دخول طاهر بن الحسين إلى الكوفة (٥).

__________________

(١) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٤ / ٢٢٢.

(٢) محمّد بن العلا : أحد قادة طاهر بن الحسين.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ٢٦٥.

(٤) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ١٣ / ٤٣.

(٥) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٤٣٧.

٥٦٠