أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

من أموال وسلاح وغير ذلك.

وعند ما ثار محمّد بن خالد القسريّ بالكوفة سنة (١٣٢) للهجرة ، أرسل يزيد بن عمر بن هبيرة إلى حوثرة بن سهيل الباهلي يأمره بالذهاب إلى الكوفة ، ولمّا وصل حوثرة إلى الكوفة ، وجد أنّ محمّدا القسريّ قد استولى عليها وأحكم سيطرته فيها ، عندها رجع حوثرة إلى واسط. (١)

ولمّا قتل يزيد بن عمر بن هبيرة في واسط ، قتله أبو جعفر المنصور ، قتل حوثرة بن سهيل الباهلي ومن معه ، وذلك سنة (١٣٢) (٢) للهجرة.

١٠١ ـ محمّد بن خالد القسريّ :

وهو : محمّد بن خالد بن عبد الله القسريّ ، البجليّ ، ثار بالكوفة في ليلة العاشر من شهر محرم سنة (١٣٢) للهجرة وسوّد (٣) قبل أن يدخلها الحسن ابن قحطبة بن شبيب ، ثمّ ذهب إلى قصر الإمارة ، وطرد (زياد بن صالح الحارثي) خليفة يزيد بن عمر بن هبيرة على الكوفة آنذاك ، وطرد كذلك رئيس شرطته (عبد الرحمن بن بشير العجلي) ومن معهما من أهل الشام. (٤)

ولمّا سمع حوثرة بن سهيل الباهلي بذلك جاء إلى الكوفة ، عندها تفرّق الكثير من جيش محمّد القسريّ ، وبقي معه نفر قلّة من أهل الشام ، ومن اليمانية ممن هرب من مروان بن محمّد ، فبعث أبو سلمة الخلّال إلى محمّد القسريّ ، يأمره بالخروج من قصر الإمارة خوفا عليه من حوثرة ،

__________________

(١) تاريخ خليفة بن خياط. ج ١ / ٤٠٥.

(٢) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٤٠٩ ، والكنديّ ـ ولاة مصر. ص ١٤٤ ، وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ١٦٦ ، والزركلي ـ الأعلام. ج ٢ / ٢٨٨.

(٣) سوّد : أي جعل شعاره السواد ، وهو شعار الدولة العباسية.

(٤) تاريخ اليعقوبي. ج ٣ / ٨٢. وتاريخ الطبري. ج ٧ / ٤٨٧. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٤٠٥.

٤٦١

فرفض محمّد الخروج من القصر. (١)

وحينما كان محمّد القسريّ في قصر الإمارة ، جاءت جيوش أهل الشام ، وفيهم فليح بن خالد البجليّ ، فقالوا : نحن بجيلة جئنا لندخل في طاعة الأمير محمّد ، فدخلوا. ثمّ جاءت جماعة أخرى أكثر من الأولى ، وفيهم جهم بن الأصفح الكناني ، ثمّ جاءت جماعة ثالثة أكبر من سابقتيها مع رجل من آل بحدل ، وانظموا جميعا إلى جيش ابن خالد القسريّ. (٢)

ولمّا رآى حوثرة الباهلي التحاق أكثر أصحابه بالقسري ذهب إلى واسط. ثمّ كتب محمّد بن خالد القسريّ إلى قحطبة بن شبيب (وهو لا يعلم بموته) يعلمه بأنّه قد استولى على الكوفة ، فاستلم الكتاب الحسن بن قحطبة (حيث أصبح قائد الجيش بعد أبيه). ثمّ ذهب الحسن بن قحطبة إلى الكوفة فدخلها ، ثمّ ذهب هو ومحمّد القسريّ إلى أبي سلمة (٣) الخلّال ، فجاءوا جميعا إلى الكوفة ، عندها بايع الناس أبا سلمة حفص بن سليمان ، ثمّ ولى محمّد بن خالد القسريّ إمارة الكوفة (٤) إلى أن جاء أبو العباس السفّاح فبايعوه بالخلافة.

وفي سنة (١٤١) للهجرة ، ولي محمّد القسريّ إمارة مكّة والمدينة والطائف ، وذلك بعد عزل أميرها السابق زياد بن عبيد الله بن عبد المدان الحارثي. (٥) وفي سنة (١٤٤) للهجرة ، عزل محمّد القسريّ عن المدينة ، عزله

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٤٠٥.

(٢) أبو حنيفة الدينوري ـ الأخبار الطوال. ج ٢ / ٣٦٨. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٩٣. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٤٠٦.

(٣) كان أبو سلمة الخلّال في معسكره بالنخيلة.

(٤) تاريخ خليفة بن خياط. ج ٢ / ٦١٦. وذكر زامباوران الّذي ولّاه أبو سلمة الخلّال على إمارة الكوفة هو خالد بن عبد الله القسريّ. (معجم السلالات الحاكمة. ص ٦٨) وهذا غير صحيح.

(٥) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٨ / ٣١. ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ١٧٣.

٤٦٢

أبو جعفر المنصور ، وولّاها رياح بن عثمان المريّ. (١)

وقيل إنّ سبب عزل محمّد القسريّ عن المدينة ، هو أنّ أبا جعفر المنصور أمره أن يلقي القبض على محمّد بن عبد الله (النفس الزكية) وعلى أخيه إبراهيم ، ويأتيه بهما مكتوفين أو يقتلهما ، فلم ينفّذ محمّد القسريّ الأمر ، فعزله المنصور ، ثمّ حبسه رياح المريّ بالمدينة. (٢) وعند ما ثار محمّد (النفس الزكية) بالمدينة سنة (١٤٥) للهجرة ، أطلق سراح محمّد القسريّ من السجن.

وقيل عند ما قتل إبراهيم بن الوليد ، قتله مروان بن محمّد ، هرب محمّد ابن خالد القسريّ إلى العراق ، واختفى في دار عمرو بن عامر البجليّ بالكوفة ، وكان أمير الكوفة حينذاك زياد بن صالح الحارثي (خليفة يزيد بن عمر بن هبيرة). (٣)

ملاحظة

إنّ محمّد بن خالد القسريّ والحسن بن قحطبة ، وكذلك أبا سلمة الخلّال (وزير آل محمّد) لا نعتبرهم أمراء لبني العباس في هذه المرحلة وإنّما نعتبرهم من الثائرين على دولة بني أميّة ، حيث أنّ العصر العباسي يبتدأ من مبايعة أبي العباس السفّاح بالخلافة. (٤)

__________________

(١) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٨ / ٤٤. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٥١٣.

(٢) ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ٧ / ٣٧٧.

(٣) أبو حنيفة الدينوري ـ الأخبار الطوال. ص ٣١٥. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٥١٣.

(٤) بويع أبو العباس السفّاح بالخلافة في الكوفة في شهر ربيع الأول من سنة (١٣٢) للهجرة.

٤٦٣

١٠٢ ـ الحسن بن قحطبة : (١)

هو : الحسن بن قحطبة بن شبيب بن خالد بن معدان الطائي ، وكنيته : أبو الحسن ، وقيل أبو الحسين. (٢)

ذهب قحطبة بن شبيب في أوّل شهر محرم من سنة (١٣٢) للهجرة لمحاربة يزيد بن عمر بن هبيرة ، فوقعت معركة بين الطرفين ، فانهزم ابن هبيرة وأصحابه إلى واسط (ليلا) ووجد قحطبة بن شبيب ميتا في الماء (صباحا). وقيل إنّ قحطبة قال لهم قبل موته : إذا دخلتم الكوفة ، فوزير الإمام (٣) هو : أبو سلمة ، فسلموا الأمر إليه. ولمّا مات قحطبة ، قال ابنه الحسن : (إن كان قحطبة قد مات ، فأنا ابن قحطبة) (٤) ، فبايعه القادة على قيادة الجيش خلفا لأبيه. ثمّ ذهب الحسن بن قحطبة فدخل الكوفة في أوّل شهر محرم من سنة (١٣٢) (٥) للهجرة ، فهرب أميرها (زياد بن صالح الحارثي) وقتل من أصحاب يزيد بن هبيرة الكثير.

وقيل : وفي هذه الفترة ، ثار بالكوفة محمّد بن خالد بن عبد الله القسريّ ، ولمّا سمع الحسن بن قحطبة ، ذهب إلى الكوفة ، ثمّ ذهب هو ومحمّد القسريّ إلى أبي سلمة الخلّال ، وسلّماه الأمر. (٦) ثمّ أنّ أبا سلمة الخلّال أبقى

__________________

(١) إنّ الحسن بن قحطبة ، وكذلك محمّد بن خالد القسريّ من الثائرين على بني أميّة ، ومن دعاة بني العباس وقد استوليا على الكوفة قبل مبايعة أبى العباس السفّاح بالخلافة ، وعليه فقد اعتبرتهما ضمن الأمراء الّذين حكموا الكوفة في العصر الأموي.

(٢) الترمانيني ـ أحداث التاريخ الإسلاميّ. ج ٢ / ١٠٥٨.

(٣) الإمام : إبراهيم بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، زعيم الحركة العباسية.

(٤) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٤١٤.

(٥) تاريخ خليفة بن خياط. ج ٢ / ٦٠٧.

(٦) الأمر : زمام الأمور في الكوفة.

٤٦٤

محمّد القسريّ أميرا على الكوفة ، وأرسل الحسن بن قحطبة إلى واسط لمحاربة يزيد بن عمر بن هبيرة.

ثم جاء أبو العباس السفّاح ، وبويع بالخلافة في الكوفة في شهر ربيع الأول من سنة (١٣٢) للهجرة ، فأرسل أخاه أبو جعفر المنصور إلى واسط لمحاربة يزيد بن عمر بن هبيرة ، وكتب إلى الحسن بن قحطبة يقول : (إنّ العسكر عسكرك ، والقواد قوادك ، ولكن أحببت أن يكون أخي حاضرا ، فأحسن إليه وأطع ، وأحسن مؤازرته). (١)

ثمّ أنّ أبا جعفر المنصور ، قتل يزيد بن عمر بن هبيرة وأولاده ، وكافّة حاشيته ، وأسّر بشر بن عبد الملك بن مروان ، وحوثرة بن سهل ، ومحمّد بن نباتة ، وأرسلهم إلى الحسن بن قحطبة فقتلهم جميعا. (٢)

وقد استخلفه أبو جعفر المنصور على أرمينية سنة (١٣٦) للهجرة ، لمساعدة أبي مسلم الخراساني على قتل عبد الله (٣) بن عليّ حينما ثار عليه (٤).

ثم حارب الحسن بن قحطبة الروم ، وتوغّل في بلادهم.

١٠٣ ـ أبو سلمة الخلّال : (٥)

هو : حفص بن سليمان الخلّال (٦) ، الهمداني ، وقد غلبت كنيته على أسمه ، وكان يقيم بالكوفة ، وهو من أشهر الدعاة إلى الرضا من آل محمّد (في

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٤٥٧. وجمال الدين أبو المجالس ـ النجوم الزاهرة. ج ١ / ٣١٨.

(٢) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٣١٣.

(٣) عبد الله بن عليّ : بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب.

(٤) الترمانيني ـ أزمنة التاريخ الإسلاميّ. ج ١ / ٥٨٣. وحسن إبراهيم ـ تاريخ الإسلام. ج ٢ / ٩٥.

(٥) إنّ أبا سلمة الخلّال ، وإن كان من أشهر مؤسسي الدولة العباسية ، إلا أنه قد تسلم زمام الأمور في الكوفة قبل مبايعة أبي العباس السفّاح بالخلافة ، لذلك جعلته ضمن أمراء الكوفة في العصر الأموي.

(٦) الخلّال : لم يكن الخلّال يبيع الخل ، وإنّما كان يسكن في درب الخلالين بالكوفة.

٤٦٥

العراق) وكذلك معه أبو مسلم الخراساني (في خراسان) فهما اللّذان أقاما أركان ودعائم الدولة العباسية ، حتّى لقب أبو سلمة (وزير آل محمّد) ولقّب أبو مسلم الخراساني (أمين آل محمّد). (١) ففي سنة (١٢٧) للهجرة ، كتب إبراهيم بن محمّد (الإمام) إلى أبي سلمة الخلّال ، يخبره بأنّه هو المسؤول عن أصحابه ، وكتب أيضا إلى أهل خراسان يخبرهم بأن قائدهم (رئيسهم) هو حفص بن سليمان ، فذهب أبو سلمة إلى خراسان ، فسلّموا إليه الأمور ، ودفعوا له جميع ما جمعوه من أموال. (٢) فكان أبو سلمة يذهب إلى (الحميمة) (٣) ويأخذ كتب إبراهيم الإمام إلى النقباء (٤) في خراسان ، وكان أبو مسلم الخراساني تابعا له.

وفي أوائل سنة (١٣٢) للهجرة ، وعند ما ثار محمّد بن خالد بن عبد الله القسريّ في الكوفة ومجيء الحسن بن قحطبة اليها ، ذهبا سويّة إلى أبي سلمة (٥) الخلّال ، وسلّما إليه الأمور. فأقرّ محمّد بن خالد القسريّ على إمارة الكوفة ، وولّى سفيان بن معاوية إمارة البصرة ، وأمّره أن يظهر دعوة بني العباس ، وولّى بسّام بن إبراهيم بن بسّام إمارة الأهواز ، وأرسل الحسن إلى واسط لمحاربة يزيد بن عمر بن هبيرة ، ثمّ خرج أبو سلمة الخلّال من الكوفة ، وعسكر في (حمّام أعين) على بعد ثلاثة أميال من الكوفة. (٦)

ولمّا وصل أبو العباس السفّاح ، وأخوه أبو جعفر المنصور ، وكافة أهل

__________________

(١) الزركلي ـ الأعلام. ج ٢ / ٢٦٣.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٣٢٩.

(٣) الحميمة : وهي قرية من قرى الشام ، كان إبراهيم بن محمّد بن عليّ وأخوه أبو العباس السفّاح مقيمين فيها ، ثمّ جاء السفّاح مع بني العباس إلى الكوفة سنة (١٣٢).

(٤) النقباء : وهم الأشخاص الّذين انتخبهم إبراهيم الإمام ليقوموا ببث الدعوة العباسية.

(٥) كان أبو سلمة الخلّال آنذاك في معسكر النخيلة.

(٦) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٤١٨.

٤٦٦

بيت إبراهيم بن محمّد إلى الكوفة ، أنزلهم أبو سلمة الخلّال في دار الوليد بن سعيد (في حيّ من أحياء اليمن) وكتم أمرهم عن جميع القادة حوالي أربعين يوما). (١)

وقيل : أن أبا سلمة الخلّال أراد (بعد مقتل إبراهيم الإمام) أن تكون الخلافة إلى آل عليّ بن أبي طالب ، بدلا من آل العباس ، فكتب كتابين : أحدهما إلى الإمام جعفر بن محمّد بن عليّ (الصادق) عليه‌السلام يدعوه إلى مبايعته ، والثاني إلى عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب لنفس الغرض. (٢)

وفي ذلك الوقت ، جاء بعض قادة (المسوّدة) إلى الكوفة ، فدخلوا على أبي العباس السفّاح فبايعوه بالخلافة ، ولمّا علم أبو سلمة الخلّال بأنّ أكثر القادة قد بايعوا أبا العباس السفّاح بالخلافة ، اضطر إلى مبايعته ، وكان ذلك في يوم الجمعة في الثالث عشر من شهر ربيع الآخر من سنة (١٣٢) للهجرة. (٣)

وبعد أن استتبّت الأمور لآل العباس في الكوفة وخراسان ، ظلّ أبو العباس السفّاح وأخوه أبو جعفر المنصور في حذر وحيطة من أمر أبي سلمة الخلّال ، فذهب المنصور إلى أبي مسلم الخراساني (في خراسان) وشاوره في الأمر فأرسل أبو مسلم (مرار بن أنس الضبي) فقتل أبا سلمة الخلّال ليلا ، وذلك لخلافات بين أبي مسلم والخلّال. (٤)

__________________

(١) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٢٥٤.

(٢) المصدر السابق.

(٣) نفس المصدر اعلاه.

(٤) القاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٨ / ١٩٧. وتاريخ الطبري. ج ٧ / ٤٥٠. والزركلي ـ الأعلام. ج ٢ / ٢٦٣.

٤٦٧

وقيل : كان أبو سلمة الخلّال ، يسهر كلّ ليلة عند أبي العباس السفّاح في مدينة الأنبار واستمر على تلك الحالة أربعة أشهر ، وعند خروجه من أبي العباس ذات ليلة مظلمة ، كمن له جماعة ، فقتلوه ، وقطّعوه بسيوفهم ، وقيل إنّ السفّاح هو الّذي قتله لاعتقاده بأن الخلّال يميل إلى آل عليّ بن أبي طالب. (١)

وعند ما قتل أبو سلمة الخلّال (ليلا) ، أشاعوا (صباحا) بأنّ الخوارج قد قتلت الخلّال ثمّ صلّى عليه يحيى بن محمّد بن عليّ ودفن في مدينة (الهاشميّة) بالأنبار.

فقال سليمان بن المهاجر البجليّ : (٢)

إنّ المساءة قد تسرّ وربما

كان السرور بما كرهت جديرا

إنّ الوزير وزير آل محمّد

أودى فمن يشناك وزيرا

وقيل إنّ أبا مسلم الخراساني كتب إلى أبا العباس السفّاح ، يشير إليه بقتل أبا سلمة الخلّال لأنّه نكث ، وغيّر ، وبدّل ، فقال السفّاح : (ما كنت لأفتتح دولتي بقتل رجل من شيعتي ولا سيّما مثل أبي سلمة وهو صاحب هذه الدعوة ، وقد عرّض نفسه وبذل مهجته وأنفق ماله ، وناصح إمامه ، وجاهد عدوّه). (٣)

ولمّا سمع أبو مسلم الخراساني ما قاله السفّاح ، خاف على نفسه من الخلّال ، فأرسل من يقتله. ولمّا سمع أبو العبّاس السفّاح بقتل أبي سلمة

__________________

(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ مقاتل الطالبيين. ص ٤٢١. والزركلي ـ الأعلام. ج ٢ / ٢٦٣.

(٢) تاريخ اليعقوبي. ج ٣ / ٩٠. وتاريخ الطبري. ج ٧ / ٤٥٠. والمسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٢٧١. والقاضي التنوخي. نشوار المحاضرة. ج ٨ / ١٩٧.

(٣) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٣٧٠.

٤٦٨

الخلّال ، قال : (١)

إلى النار فليذهب ومن كان مثله

على أيّ شيء فاتنا منه نأسف

وكان أبو سلمة الخلّال ، أوّل وزير في الإسلام ، وكان الوزير يلقب قبل ذلك (بالحاجب). (٢)

انتهى الجزء الثاني ، ويليه الجزء الثالث .. .. إن شاء الله.

__________________

(١) المصدر الاوّل السابق. ج ٣ / ٢٧١. والزركلي ـ الأعلام. ج ٢ / ٢٦٣. ويحيى شامي ـ شعراء العرب. ص ٧٩.

(٢) القاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٨ / ١٩٧.

٤٦٩
٤٧٠

الجزء الثالث

أمراء الكوفة

في العصر العباسي

٤٧١
٤٧٢

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ أبو العبّاس السفّاح :

هو : عبد الله بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب ، وكنيته : أبو العبّاس (١).

بويع بالخلافة في الكوفة ، في الثالث عشر من شهر ربيع الاول من سنة (١٣٢) للهجرة ، وقيل في الثامن والعشرين من شهر ذي الحجّة ، وهو أوّل خلفاء بني العبّاس (٢).

خطب في مسجد الكوفة خطبة مقتضبة ، ذكر فيها فضل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقاد الولاية والوراثة حتّى أنتهت إليه ، ثمّ وعد الناس خيرا.

ثمّ خطب بعده عمّه (داود بن عليّ) فقال : (إنه والله ما كان بينكم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خليفة إلّا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأمير المؤمنين هذا

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ـ ج ٣ / ٨٦ وتاريخ الطبري ـ ج ٧ / ٤٢١ وابن اعثم الكوفي ـ الفتوح ـ ج ٨ / ١٩٧ والقلقشندي ـ صبح الاعشى ـ ج ٤ / ٢٩٧.

(٢) تاريخ خليفة بن خياط ـ ج ١ / ٤٠٩ وابن اعثم الكوفي ـ الفتوح ـ ج ٨ / ١٧٩ وحسن ابراهيم حسن ـ تاريخ الإسلام. ج ٢ / ٢٣ ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ١٦٤.

٤٧٣

الّذي خلفي) (١). ثمّ ذهب أبو العبّاس إلى معسكر أبي سلمة الخلّال في (الحيرة) ، وأستخلف على الكوفة عمّه (داود بن عليّ) ، وأرسل عمّه (عبد الله ابن عليّ) لمحاربة مروان بن محمّد (آخر ملوك بني أميّة) ، وبعد معارك عنيفة ، قتل مروان بن محمّد في قرية (بوصير) في مصر ، وأرسل برأسه إلى أبي العبّاس السفّاح. وبقتل مروان بن محمّد ، أنتهت الدولة الاموية (٢).

ثمّ أخذ العباسيون يطاردون الامويين في كلّ مكان ، فقتلوهم ، وسحلوهم في الطرقات ، ونبشوا قبورهم ، وأخرجوا جثثهم وعظامهم فأحرقوها (٣). ودخل سديف الشاعر على أبي العبّاس السفّاح في (الحيرة) وكان عنده جماعة من الامويين ، فأخذ سديف يحرّض السفّاح على قتلهم ، حتى قتلهم عن آخرهم ، وقال سديف قصيدة طويلة يحرّض فيها السفّاح على قتل الامويين نقتبس منها الابيات الآتية (٤) :

أصبح الملك ثابت الأساسي

بالبهاليل (٥) من بني العبّاس

يا أمير المطهرين من الذ

مّ ويا رأس منتهى كلّ راس

أنت مهديّ هاشم وهداها

كم أناس رجوك بعد أياس

أقصهم أيّها الخليفة واحسم

عنك بالسيف شأفه الأرجاس

وأذكرنّ مصرع الحسين وزيد (٦)

وقتيل (٧) بجانب المهراس

__________________

(١) المسعودي ـ مروج الذهب ـ ج ٣ / ٢٥٦.

(٢) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني ـ ج ٤ / ٣٤٣ وعبد المنعم ماجد ـ التاريخ الاسلامي ـ ج ٢ / ٣٣٦.

(٣) الاغاني. ج ٤ / ٣٤٧ و٣٤٩.

(٤) المصدر السابق. ج ٤ / ٣٤٥.

(٥) البهاليل : جمع بهلول ، وهو العزيز الجامع لكل خير.

(٦) زيد : بن الامام عليّ بن الحسين (زين العابدين) بن الامام عليّ بن أبي طالب.

(٧) وقتيل بجانب المهراسي : هو الحمزة بن عبد المطلب. أستشهد في معركة أحد وهو عم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٤٧٤

والامام (١) الّذي بحران أمسى

رهن قبر في غربة وتناسي

إلى آخر القصيدة.

وهناك قصيدة أخرى لسديف ، حرّض بها السفّاح على قتل بني أميّة نذكر منها (٢) :

يا بن عمّ النبيّ أنت ضياء

أستبنّ بك اليقين الجليّا

جردّ السيف وأرفع العفو حتّى

لا ترى فوق ظهرها أمويّا

لا يغرّنك ما ترى من رجال

إنّ تحت الضلوع داء وبيّا

بطن البغض في القديم فأضحى

ثاويا في قلوبهم مطويّا

ثمّ إنّ أبا العبّاس السفّاح عيّن أبا سلمة الخلّال وزيرا له ، فكان الخلّال أوّل وزير في الأسلام ، وأوّل وزير في الدولة العباسيّة ، وكان منصب الوزير سابقا يسمّى (الحاجب) (٣).

وقيل إنّ أبا مسلم الخراساني اشار عليه بقتل أبي سلمة الخلّال كما أنّ اخاه أبا جعفر المنصور وعمّه داود بن عليّ قد اشارا عليه أيضا بقتله إلّا أنّه رفض ذلك (٤).

ثمّ بعد ذلك قتل أبو سلمة الخلّال فقيل إنّ أبا العبّاس هو الّذي قتله وقيل بأنّ أبا مسلم الخراساني هو الّذي قتله ، ثمّ أشيع بعد ذلك بأنّ الخوارج قتلوه ، وذلك لدفع التهمة عنهم فقال سليمان بن مهاجر البجلي في مقتله (٥).

إن الوزير وزير آل محمّد

أودى فمن يشناك كان وزيرا

__________________

(١) الامام : هو ابراهيم الامام ، رأس الدعوة العباسيّة ، قتله مروان بن محمّد.

(٢) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني ـ ج ٤ / ٣٤٨.

(٣) الزركلي ـ الأعلام ـ ج ٢ / ٢٦٣.

(٤) المسعودي ـ مروج الذهب ـ ج ٣ / ٣٧٠.

(٥) تاريخ اليعقوبي ـ ج ٣ / ٩٠ وتاريخ الطبري ـ ج ٧ / ٤٥٠ والمسعودي ـ مروج الذهب ج ٣ / ٢٧١ والقاضي التنوخي ـ نشوار المحاظرة ـ ج ٨ / ١٩٧.

٤٧٥

ثمّ إنّ أبا العبّاس السفّاح بنى مدينة له سماّها مدينة (الهاشميّة) مقابل مدينة ابن هبيرة وانتقل اليها من (الحيرة) إلّا أنّه لم يستقم بها طويلا ، وذلك لأنّ الناس اخذت تسميها مدينة ابن هبيرة ، مما دعاه إلى تركها ، وبناء مدينة أخرى في الأنبار ، وسماّها أيضا الهاشميّة وعرفت أيضا برصافة أبي العبّاس وذلك سنة ١٣٤ ه‍ فانتقل اليها (١).

وعند ما بنى أبو العبّاس هذه المدينة ، دخلها مع أخيه أبو جعفر المنصور ، وكان معهما عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، فكان أبو العبّاس يريهما المدينة ، وما شيّد فيها من القصور والمصانع ، فعندها تمثّل عبد الله بن الحسن بهذه الابيات (٢) :

ألم تر حوشبا قد صار يبني

قصورا نفعها لبني نفيله

يؤمل أن يعمر عمر نوح

وأمر الله يحدث كلّ ليله

فتألم أبو العبّاس السفّاح عند سماعه هذه الابيات ، فقال أبو جعفر المنصور لعبد الله بن الحسن : (أتراهما إبنيك ، أبا محمّد ، والأمر ، صائر اليهما لا محالة)؟. فقال عبد الله : (لا والله ، ما ذهبت هذا المبلغ ، ولا أردته ، ولا كانت إلّا كلمة جرت على لساني ، لم الق لها بالا) (٣) ، فتركت تلك الكلمة أثرا سيّئا عند السفّاح.

ويحكى : أنّ أبا العبّاس السفّاح ، كتب إلى عبد الله بن الحسن ، عند ما تغيب ولداه محمّد (النفس الزكيّة) وابراهيم ، ولم يبايعاه فقال (٤) :

أريد حياته ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل ـ ج ٥ / ٤٥٤.

(٢) أبو الفرج الاصبهاني ـ الاغاني ـ ج ٢١ / ١٢٠.

(٣) الاغاني ج ٢١ / ١٢٠. وتاريخ اليعقوبي. ج ٣ / ٩٧.

(٤) الاغاني ج ٢١ / ١٢٠. واليعقوبي. ج ٣ / ٩٧.

٤٧٦

فأجابه عبد الله بن الحسن :

وكيف يراد ذاك وأنت منه

بمنزلة النياط من الفؤاد؟

وكيف يريد ذاك وأنت منه

وزندك يقدح من زناد

وكيف يريد ذاك وأنت منه

وأنت لهاشم رأس وهاد

وقيل إنّ عبد الله بن الحسن اعطاه عهدا بأنّه لن يصاب بمكروه من ابنيه ما دام حيا.

مات أبو العبّاس السفّاح في مدينة الهاشميّة بالأنبار في يوم الأحد في الثاني عشر من شهر ذي الحجّة من سنة (١٣٦) ه (١) وكان عمره (٣٣) سنة وقيل (٢٩) سنة وكانت مدّة خلافته أربع سنين وتسعة اشهر وعشرون يوما. وقيل كان سبب موته اصابته بمرض الجدري ودخل أبو دلامة على المنصور والناس يعزونه بوفاة اخيه السفّاح فقال (٢) :

أمسيت بالأنبار يابن محمّد

لم تستطع عن عقرها تحويلا

ويلي عليك وويل أهلي كلّهم

ويلا وعولا في الحياة طويلا

فلتبكينّ لك النساء بعبرة

وليبكين لك الرجال عويلا

مات الندى إذ متّ يابن محمّد

فجعلته لك في الثراء عديلا

إنّي سألت الناس بعدك كلهم

فوجدت أسمح من سألت بخيلا

وقال الشاعر أبو نخيلة مادحا أبا العبّاس السفّاح (٣) :

لما رأينا استمسكت يداكا

كنا أناسا نرهب الهلاكا

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ـ ج ٧ / ٩٨ وتاريخ الطبري ج ٧ / ٤٧٠ والمسعودي ـ مروج الذهب ج ٣ / ٢٥١ وابن الأثير ـ الكامل ج ٥ / ٤٥٩ والزركلي ـ ترتيب الأعلام على العوام ج ١ / ١٩٠ ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الألهامية ـ ج ١ / ١٦٨ ويحيى شامي ـ موسوعة شعراء العرب ص / ٧٩.

(٢) أبو الفرج الاصبهاني ـ الاغاني ج ١٠ / ٢٤٠

(٣) المسعودي ـ مروج الذهب ج ٣ / ٢٦٤.

٤٧٧

ونركب الأعجاز والأوراكا

من كلّ شيء ما خلا الاشراكا

فكلّما قد قلت في سواكا

زور وقد كفّر هذا ذاكا

إنّا انتظرنا قبلها اباكا

ثمّ انتظرنا بعدها أخاكا

ثمّ انتظرناك لها إيّاكا

فكنت أنت للرجاء ذاكا

بويع أبو العبّاس السفّاح بالخلافة ولم يبايعوا أخاه أبا جعفر المنصور مع إنّ المنصور كان أكبر سنا من السفّاح (١) وذلك لأنّ أمّ السفّاح عربية وأمّ المنصور أمّ ولد (٢).

٢ ـ داود بن عليّ :

هو : داود بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب ، وكنيته : أبو سلمان.

ولّاه أبو العبّاس السفّاح إمارة الكوفة سنة (١٣٢) (٣) للهجرة ، ثمّ عزله في نفس السنة ، وولّاه المدينة ، والحجاز ، واليمن ، واليمامة (٤). نشأ داود بن عليّ وأخوته في قرية (الحميمة) ، وذلك سنة (٩٥) (٥) للهجرة. وداود بن عليّ ، هو أحد مؤسسي دولتهم ، وخطيب بني العبّاس ، وعند ما بويع أبو العبّاس السفّاح بالخلافة في الكوفة وخطب بالناس خطبته القصيرة (المشهورة) فقام بعده عمّه داود بن عليّ فقال :

__________________

(١) حسن ابراهيم حسن ـ تاريخ الاسلام ج ٢ / ٢٣.

(٢) أم ولد : أي غير عربية.

(٣) تاريخ خليفة بن خياط ـ ج ١ / ٤١٢ وتاريخ اليعقوبي ـ ج ٣ / ٨٦ وتاريخ الطبري ـ ج ٧ / ٤٥٨. وابن أعثم الكوفي ـ الفتوح ـ ج ٨ / ١٧٩ والمسعودي ـ مروج الذهب ـ ج ٣ / ٢٥٥ وابن الاثير ـ الكامل ـ ج ٥ / ٤٤٥ وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق ـ ج ٨ / ١٥٢ وتاريخ ابن خلدون ج ٣ / ٢٠٠.

(٤) ابن الجوزي ـ المنتظم ـ ج ٧ / ٣١٥ والبراقي ـ تاريخ الكوفة ص ٢٣٢.

(٥) أحمد الهاشميّ بك ـ جواهر الادب ـ ج ٢ / ٥٠٩.

٤٧٨

(أيّها الناس ، إنّ أمير المؤمنين ، يكره أن يتقدّم قوله فعله ، ولأثر الفعال عليكم أجدى من تثقيف المقال ، وحسبكم بكتاب الله ممتثلا فيكم ، وابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خليفة عليكم. والله قسما برّا لا أريد إلّا الله به ، ما قام هذا المقام بعد رسول الله أحقّ به من عليّ بن أبي طالب ، وأمير المؤمنين هذا ، فليظن ظانّكم ، وليهمس هامسكم) (١).

وكان داود بن عليّ أوّل أمير لبني العبّاس على المدينة ، وأوّل من أقام الحجّ للناس في الخلافة العباسيّة ، ويمكننا أن نعتبره أوّل أمير على الكوفة أيضا (٢).

واشتهر داود بن عليّ بخطبه سواء ما كان منها في الكوفة ، أو الّتي في المدينة ، أو مكّة ، وسأذكر قسما منها بأيجاز ، ليطّلع القارئ الكريم عليها. فقد خطب داود بن عليّ بمكّة في أوّل موسم للحجّ ملّكه بنو العبّاس فقال : (شكرا ، شكرا ، إنّا والله ، ما خرجنا لنحفر فيكم نهرا ، ولا لنبني فيكم قصرا ، أظنّ عدو الله ، أن لن نقدر عليه ، إنّ روض له من خطامه ، حتّى عثر في فضل زمانه ، فالآن حيث أخذ القوس باريها ، وعادت النبل إلى النزعة ، ورجع الملك في نصابه في أهل بيت النبوة والرحمة ، والله لقد كنا نتوجع لكم ونحن في فرشنا ، أمن الأسود والاحمر ، لكم ذمّة الله ، لكم ذمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكم ذمّة العبّاس (٣) ، لا وربّ هذه البنية «وأومأ بيده إلى الكعبة» لا نهيب منكم أحدا) (٤).

__________________

(١) ابن قتيبة ـ عيون الاخبار ـ ج ٢ / ٢٥٢.

(٢) الزركلي ـ الاعلام ـ ج ٢ / ٣٣٣.

(٣) العبّاس : بن عبد المطلب ـ عم النبيّ ـ وجد العباسيين.

(٤) المبرد ـ الكامل ـ ج ٤ / ١١٠ وابن عبد ربه الاندلسي ـ العقد الفريد ج ٤ / ١٠٠ والجاحظ ـ البيان والتبين ـ ج ١ / ٣٣١ والزمخشري ـ ربيع الابرار ج ٤ / ٢٧٦ واحمد الهاشميّ بك ـ جواهر الادب ـ ج ٢ / ٥٠٩ وابن بكار ـ الاخبار الموفقيات ص ١٨٨ وتاريخ الطبري ج ٧ / ٤٢٦.

٤٧٩

وخطب داود ب ن عليّ أيضا فقال :

(أحرز لسان رأسه ، إتّعظ امروء بغيره ، اعتبر عاقل قبل أن يعتبر به ، فأمسك الفضل من قوله ، وقّدم الفضل من عمله). ثمّ أخذ بقائم سيفه فقال : (إن بكم داء ، هذا دواءه ، وأنا زعيم لكم بشفائه ، وما بعد الوعيد إلّا الايقاع) (١).

ثمّ خطب داود بن عليّ بالمدينة فقال : (حتام يهتف بكم صريخكم ، أما آن لراقدكم أن يهب من نومه؟ كلا ، بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ، أغركم الامهال ، حتّى حسبتموه الاهمال؟ ، هيهات منكم ، وكيف بكم ، والسوط في كفّي ، والسيف مشهّر (٢).

حتى يبيد قبيلة فقبيله

ويعضّ كلّ مثقف بالهام

ويقمن ربات الخدور حواسرا

يمسحن عرض ذوائب الايتام

وفي سنة (١٣٣) للهجرة ، قتل داود بن عليّ كلّ من ظفر به من بني أمية بمكّة والمدينة ، فقال له عبد الله بن الحسن : يا أخي إذا قتلت هولاء فمن تباهي بمكّة؟ أما يكفيك أن يروك غاديا ورائحا ، فيما يذلهم ويسومهم (٣)؟

فلم يقبل منه ، واستمر في قتلهم. ولمّا رجع داود بن عليّ من مكّة إلى المدينة ، رجع معه بنو الحسن (٤) جميعا. ومعهم محمّد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ابن محمّد ، وعبد الله بن عنبسه بن سعيد بن العاص ، فنصبت لداود بن عليّ منصة في «الرويثة» (٥) فجلس عليها داود والهاشميّون ، وجلس الامويون

__________________

(١) ابن قتيبه ـ عيون الاخبار ـ ج ٢ / ٢٥٢.

(٢) ابن عبد ربه الاندلسي ـ العقد الفريد ـ ج ٤ / ١٠٠.

(٣) ابن الاثير ـ الكامل ـ ج ٥ / ٤٤٨.

(٤) بنو الحسن : أولاد الامام الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ويقصدبهم ـ عبد الله بن الحسن بن الحسن واولاده واخوته.

(٥) الرويثة : اسم مكان على بعد ليلة من المدينة.

٤٨٠