أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

عاصم بن عمر أنه قال : (١)

يخبرني المخبر عن وضين

وأحمد (٢) حين طال به الجزاء

فإنّهم تولوا عن أمور

وفي أحيائها لهم السناء

فخالف عن جماعتنا وضين

ومال به إلى الدنيا الرجاء

إذا خربت أمور القوم ولى

ويأتيهم إذا كان الرخاء

يسومكم الوليد الخسف يعدوا

عليكم مالكم منه إباء

وإلّا فاصمتوا عن ذي وقوموا

لتخلف في مكانكم النساء

٨٥ ـ عبد الله بن معاوية :

هو : عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر (٣) بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف (٤). وكنيته : أبو معاوية ، ثار بالكوفة سنة (١٢٧) (٥) للهجرة.

وحينما ولد أبوه (معاوية) ، كان جدّه (عبد الله) في الشام عند معاوية ابن أبي سفيان ، فبشروه بمولود ، فقال له معاوية : سمّه (معاوية) ثمّ أعطاه

__________________

(١) عبد القادر بدران ـ تهذيب تاريخ دمشق. ج ٧ / ١٢٩.

(٢) أحمد بن راشد : عيرهما بفرارهما عن يزيد بن الوليد حين دعا إلى نفسه وكانا من أصحابه ، فذهبا إلى البصرة ، ولمّا ثار يزيد بن الوليد عادا إلى دمشق.

(٣) جعفر : ويلقب بالطيار : أو ذي الجناحين ، لقبه بذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان جعفر يحمل لواء المسلمين في معركة (مؤتة) فقطعت يمينه ، فتناول الراية بشماله ، ثمّ قطعت شماله فاحتضن الراية بعضديه ، إلى أن قتل ، وقبره في مدينة (الكرك) جنوب الأردن ، يزار.

(٤) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٢ / ٢١٥.

(٥) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٧٥. وتاريخ الطبري. ج ٧ / ٣٠٢. وصالح خريسات ـ تهذيب تاريخ الطبري. ص ٤٢٥. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٥٧. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٣٢٥. وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١٠ / ٢٥. وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١٤١.

٤٢١

مائة ألف درهم ، فأخذ عبد الله المائة ألف وأعطاها للّذي بشّره. (١)

ولمّا رآى أهل الكوفة ضعف عبد الله بن عمر بن عبد العزيز (أمير الكوفة) اجتمعوا في الجامع ، وجاءوا بعبد الله بن معاوية ، وأدخلوه في دار الإمارة وطردوا عاصم بن عمر بن عبد العزيز (خليفة عبد الله بن عمر) بالكوفة ، فلحق بأخيه عبد الله في (الحيرة) ، ثمّ جاء الكوفيون فبايعوا عبد الله بن معاوية ، منهم : ابن الغضبان القبعثري ، ومنصور بن جمهور ، وإسماعيل ابن عبد الله القسريّ ، وبقي عبد الله بن معاوية في الكوفة أياما والناس تبايعه ، ثمّ بايعته المدائن وفم الفيل.

وقيل إنّ عبد الله بن معاوية ، دعا الناس إلى مبايعته على الرضا من آل محمّد وذلك عند ما بويع ليزيد بن الوليد بالخلافة ، فقال له أهل الكوفة : (ما فينا بقية فقد قتل جمهورنا مع أهل هذا البيت) ، وأشاروا عليه بالذهاب إلى فارس ونواحي المشرق. (٢)

وكان عبد الله بن معاوية من فتيان هاشم ، ومن الموصوفين بالكرم والشجاعة ، وكان يعدّ أيضا من شعرائهم وخطبائهم ، وكان عالما ناسكا وله ديوان شعر.

ثم ذهب عبد الله بن معاوية بجيشه إلى (الحيرة) لمحاربة عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، وقبل أن يبدأ القتال بين الطرفين ، تمكّن عبد الله بن عمر من إقناع ابن خمرة (٣) الخزاعي (أحد قادة جيش ابن معاوية) بأن يهرب من المعركة لكي تهرب بقية جيوش ابن معاوية (وذلك بعد أن أغراه

__________________

(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٢ / ٢٢٣.

(٢) المصدر السابق. ج ١٢ / ٢٢٨.

(٣) ابن خمرة : وقيل ابن حمزة.

٤٢٢

بالوعود والأماني). (١)

وعند ما التقى الجيشان ، وبدأت المعارك بينهما ، انهزم ابن حمزة من المعركة فانهزم الناس بعده ، وبقي عبد الله بن معاوية يحارب لوحده ، فقال : (٢)

تفرّقت الضباء على خراش

فلا يدري خراش ما يصيد

ثمّ رجع ابن معاوية إلى الكوفة ، ومنها ذهب إلى المدائن ، فبايعه أهلها ، ثمّ استولى على حلوان ، والدينور ، ونهاوند ، وهمدان ، وقومس ، وأصبهان والريّ.

وعند ما وصل ابن معاوية إلى (الريّ) التحق به جماعة من أهل الكوفة ، وجعل محل إقامته في (أصبهان) وبايعه كثير من الناس ، ثمّ تحوّل من أصبهان ، وجعل مقرّه في (اصطخر) فجاءه بنو هاشم ، منهم : أبو العباس السفّاح وأخوه أبو جعفر المنصور وسليمان بن هشام بن عبد الملك ، وعندها قال ابن معاوية : (٣)

ألا تزغ القلب عن جهله

وعمّا تؤنب من أجله

فأبدل بعد الصبا حلمه

وأقصر ذو العذل عذله

فلا تركبنّ الصنيع الّذي

تلوم أخاك على مثله

ولا يعجبنّك قول امرئ

يخالف ما قال في فعله

ولا تتبع الطرف ما لا تنال

ولكن سل الله من فضله

فكم من مقلّ ينال الغنى

ويحمد في رزقه كلّه

ثم استقرّ عبد الله بن معاوية في (أصبهان) حيث تمّت له البيعة هناك ، فأخذ يكتب إلى الأمصار ، يدعو إلى بيعته ، فجاءته وجوه قريش من بني

__________________

(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٢ / ٢٢٩. ومقاتل الطالبيين. ص ١٦٦.

(٢) نفس المصدرين السابقين.

(٣) أبو الفرج الأصبهاني ـ مقاتل الطالبيين. ص ١٦٣.

٤٢٣

أميّة منهم : سليمان بن هشام بن عبد الملك ، وعمر بن سهيل بن عبد العزيز ابن مروان وغيرهم ، فوزع عليهم المناصب والأعمال ، ووصلهم بصلاة جيّدة. (١) وبقي على تلك الحال إلى أن ولي الخلافة مروان بن محمّد ، والّذي يقال له (مروان الحمار) فأرسل مروان جيشا كبيرا بقيادة عامر بن ضبارة لمحاربة عبد الله بن معاوية.

ولمّا وصل ابن ضبارة إلى (أصبهان) طلب ابن معاوية من أصحابه قتاله ، فلم يجيبوه ، فخذلوه ، ثمّ جاء جيش آخر بقيادة معن بن زائدة ، فكان هذا يرتجز ويقول : (٢)

ليس أمير القوم بالخبّ الخدع

فرّ من الموت وفي الموت وقع

فانهزم عبد الله بن معاوية إلى خراسان ومعه أخواه (الحسن ويزيد) وجماعة قليلة من أصحابه ، لعلمه بأن أبا مسلم الخراساني قد استولى على خراسان وأنه يدعو إلى الرضا من آل محمّد.

ولمّا وصل ابن معاوية إلى (هراة) وكان أميرها (أبو نصر مالك بن الهيثم الخزاعي) بعث إليه (الخزاعي) يستفسر منه عن أسباب مجيئه ، فقال ابن معاوية : (بلغني أنّكم تدعون إلى الرضا من آل محمّد فأتيتكم) ، فقال له الخزاعي : إنتسب لنا حتّى نعرفك؟ ولمّا أخبرهم بأسمه ونسبه قال له الخزاعي : (لقد اشتريتم الأسم الخبيث ، بالثمن اليسير ، ولا نرى لك حقّا فيما تدعو إليه). (٣)

ثم أرسل عبد الله بن معاوية وجماعته إلى أبي مسلم الخراساني ، فأمر أبو مسلم بحبسه ، ثمّ جعل عليه رقيبا ، يرفع إليه أخباره ، فسمعه ذات يوم

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٣٧٢.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٣٧١.

(٣) المصدر السابق ج ٥ / ٣٧٣.

٤٢٤

يقول : (يا أهل خراسان ، ليس على الأرض أحمق منهم ، في إطاعتكم هذا الرجل وتسليمكم إليه مقاليد أموركم من غير أن تراجعوه في شيء أو تسألوه عنه ، والله ما رضيت الملائكة بهذا من الله عزوجل حتّى راجعته في أمر آدم عليه‌السلام (١) فقالت : (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) (٢). حتّى قال الله تعالى (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)(٣).

وقيل : كتب عبد الله بن معاوية إلى أبي مسلم الخراساني كتابا من السجن يقول فيه : (من الأسير بين يديه ، بلا ذنب إليه ، ولا خوف عليه ، أما بعد ، فأتاك الله حفظ الوصية ، ومنحك نصيحة الرعيّة ، وألهمك عدل القضيّة ، فإنّك مستودع ودائع ، ومولى صنائع ، فاحفظ ورائك بحسن صنائك ، فالودائع مرعيّة والصنائع عارية ، وما النعم عليك وعلينا بمستور نداها ، ومبلغ مداها ، فاذكر القصاص واطلب القصاص .. إلى آخر الخطبة). (٤)

وعند ما استولى عبد الله بن معاوية على أصبهان ، واجتمع إليه الناس ، كتب رجل أسمه (بند) إلى عمران بن هند يخبره بثورة ابن معاوية فأجابه عمران : (٥)

أتاني كتاب منك يا بند سرّني

تخبرني فيه بإحدى العجائب

تخبرني أنّ العجوز (٦) تزوجت

على كبر منها كريم الضرائب

فهناكم الله الكريم نكاحها

وراش بها كلّ ابن عمّ وصاحب

وكتب عبد الله بن معاوية إلى بعض إخوانه : (أما بعد ، فقد عاقني في

__________________

(١) الآبي ـ نثر الدر. ج ١ / ٤٢٧.

(٢) البقرة ، ٢ / ٣٠.

(٣) نفس الآية السابقة.

(٤) الآبي ـ نثر الدرر. ج ١ / ٤٢٧. والجاحظ ـ البيان والتبيين. ج ١ / ٢٢٥.

(٥) الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٤ / ٢١٥.

(٦) العجوز : يقصد بها الخلافة.

٤٢٥

أمرك ، عن عزيمة الرأي فيك ، وذلك أنّك ابتدأتني بلطف من غير خبرة ، ثمّ أعقبتني جفاء من غير جريرة ، فطمإني أولك في إخائك ، وآيسني آخرك عن وفائك ، فلا أنا في غير الرجاء مجمع لك إطراحا ، ولا أنا في غد وانتظاره منك على ثقة ، فسبحان من لو شاء كشف بإيضاح الشكّ في أمرك ، عن عزيمة الرأي فيك ، فاجتمعنا على ائتلاف ، أو افترقنا على خلاف والسلام). (١)

وكتب ابن معاوية إلى أحد الهاشميين مهنئا إيّاه بالزواج : (زاد الله في نعمته ، وبارك في فواضله ، وجميل نوافله ، ونسأل الله الّذي قسم لكم ما تحبّون من السرور ، أن يجنّبكم من المحذور ، ويجعل ما أحدثه لكم زينا ، ومتاعا حسنا ، ورشدا ثابتا ، ويجعل سبيل ما أصبحت عليه تماما لصالح ما سموت إليه ، من اجتماع الشمل ، وحسن موافقة الأهل ، ألّف الله ذلك بالصلاح ، وتممّه بالنجاح ، ومدّ لك في ثروة العدد ، وطيب الولد ، مع الزيادة في المال ، وقرّة العين ، وصلاح ذات البين). (٢)

وكان لأبن معاوية (رئيس شرطة) يقال له : قيس بن غيلان العنسيّ ، النوفلي وكان هذا إذا خرج آخر اللّيل ، يقتل كلّ من يلقاه ، فرآه ابن معاوية ذات يوم ، وكان معه عمّارة بن حمزة (كاتبه) ومطيع بن أياس ، فقال ابن معاوية : (٣)

إنّ قيسا وإن تقنّع شيبا

لخبيث الهوى شمطه (٤)

فالتفت ابن معاوية إلى عمّارة ، وقال له أكمل ، فقال :

__________________

(١) الآبي ـ نثر الدرر. ج ١ / ٤٢٨. والقرطبي ـ بهجة المجالس. ج ٢ / ٧١١.

(٢) التوحيدي ـ البصائر والذخائر. ج ٢ / ٢٠٧. وإبراهيم بن عليّ الحصري ـ زهر الآداب. ج ١ / ١٨٨.

(٣) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٣ / ٢٨٠.

(٤) شمطه : الشمط : بياض الرأس مع السواد.

٤٢٦

ابن سبعين منظرا ومشيبا

وابن عشر تعدّ في سقطه (١)

ثمّ التفت إلى مطيع ، وقال له : أكمل ، فقال :

وله شرطة إذا جنّه اللّيل

فعوذوا بالله من شرطه

وكان عبد الله بن معاوية صديقا للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، ثمّ حصل بينهما خلاف ، فقال ابن معاوية : (٢)

وإنّ حسينا كان شيئا ملففا

فمحصه التكثيف حتّى بداليا

وعين الرضا عن كلّ عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدي المساويا

وأنت أخي ما لم تكن لي حاجة

فإن عرضت أيقنت أن لا أخاليا

كلانا غنيّ عن أخيه حياته

ونحن إذا متنا أشدّ تفانيا

وقيل إنّ هذا الشعر قاله في صديق له يقال له : (قصي بن ذكوان) وقد عتب عليه ، وأوّل الشعر قوله : (٣)

رأيت قصيا كان شيئا ملففا

فكشّفه التمحيص حتّى بدا ليا

فلا زاد ما بيني وبينك بعد ما

بلوتك في الحاجات إلا تنائيا

وقيل اسمه : فضيل.

وقيل : إنّ عبد الله بن معاوية طلب من الكميت بن زيد أن يقول شعرا ، يثير فيه العصبيّة القبليّة ، (لعلّها تحدث فتنة ، فيخرج من بين أصابعها بعض ما تحبّ). (٤)

فقال الكميت قصيدته الّتي يذكر فيها مناقب ومآثر قومه من (مضر

__________________

(١) سقطه : السقط : الفضيحة.

(٢) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٢ / ٢٣٣. والمبرد ـ الكامل. ج ١ / ٢١٢. وحسن سعيد الكرمي ـ قول على قول. ج ٦ / ١٠٧.

(٣) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٢ / ٢١٤.

(٤) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٢٣٠.

٤٢٧

وربيعة وأياد وأنمار) أولاد نزار ، ويفضلهم على (قحطان) نقتطف من تلك القصيدة هذه الأبيات : (١)

ألا حييت عنا يا مدينا

وهل ناس تقول مسلمينا؟

لنا قمر السماء وكلّ نجم

تشير إليه أيدي المهتدينا

وجدت الله إذ سمّى نزارا

وأسكنهم بمكّة قاطنينا

لنا جعل المكارم خالصات

وللناس القفا ولنا الجبينا

وما ضربت هجائن من نزار

فوالج من فحول الأعجمينا

وما حملوا الحمير على عتاق

مطهرة فبلغوا مبلغينا

وما وجدت نساء بني نزار

حلائل أسودين وأحمرينا

ولمّا سمع دعبل الخزاعي بهذه القصيدة ، ردّ على الكّميت بقصيدة طويلة ، يذكر فيها مناقب اليمن وفضائلها من ملوكها وغيرها ، ويفضلهم على غيرهم ، نقتطف منها أيضا الأبيات التاليّة : (٢)

أفيقي من ملامك يا ضعينا

كفاك اللّوم مرّ الأربعينا

ألم تحزنك أحداث الليالي

يشيبن الذوائب والقرونا؟!

أحيّ الغرّ من سروات قومي

لقد حييت عنّا يا مدينا

فإن يك آل إسرائيل منكم

وكنتم بالأعاجم فاخرينا

فلا تنس الخنازير اللواتي

مسخن مع القرود الخاسئينا

وما طلب الكميت طلّاب وتر

ولكنّا لنصرتنا هجينا

لقد علمت نزار أنّ قومي

إلى نصر النبّوة فاخرينا

ثمّ انتشرت هاتان القصيدتان ، وافتخرت نزار على اليمن ، وافتخرت اليمن على نزار ، وأخذ كلّ فريق يذكر ويعدّد ما لقومه من المفاخر والمناقب ،

__________________

(١) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٢٣١.

(٢) نفس المصدر السابق.

٤٢٨

ويفتخر بها على الطرف الآخر ، وتحزّبت الناس في البدو والحضر ، وأخذ مروان بن محمّد (آخر ملوك بني أميّة) يتعصّب لقومه من نزار على اليمن ، مما جعل اليمن تنحرف عنه ، وتستميل إلى الدعوة العباسيّة ، وكان من نتائج ذلك التعصب ، انتقال الدولة من بني أميّة إلى بني العباس. (١)

وقال ابن هرمة يمدح عبد الله بن معاوية : (٢)

حللت محل القلب من آل هاشم

فعشك مأوى بيضها المتفلق

ولم تك بالمعزى اليها نصابه

لصاقا ولا ذا المركب المتعلق

فمن مثل عبد الله أو مثل جعفر

ومثل أبيك الأريحي المرهف (٣)

ومن شعر عبد الله بن معاوية : (٤)

لسنا وإن أحسابنا كرمت

يوما على الآباء نكتمل

نبني كما كانت أوائلنا تبني

ونفعل مثلما فعلوا

ومن شعره أيضا : (٥)

أيّها المرء لا تقولنّ قولا

ليس تدري ما يصيبك منه

إلزم الصمت إنّ في الصمت حكما

وإذا أنت قلت قولا فزنه

وإذا القوم ألغطوا في حديث

ليس يعنيك شأنه فأله عنه

وقال أيضا : (٦)

قد يرزق المرء لا فضل حيلته

ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي

__________________

(١) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٢٣٢.

(٢) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٢ / ٢٢٦.

(٣) المرهف : الكريم الجواد الّذي يخشاه الناس.

(٤) حسن سعيد الكرمي ـ قول على قول. ج ١١ / ١٤٠.

(٥) ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ١٤ / ٧٨.

(٦) خلايلي ـ معجم كنوز الأمثال والحكم. ص ٥٠.

٤٢٩

وقال أيضا : (١)

إذا كنت لم تنفع فضرّ فإنّما

يرجى الفتى كيما يضر وينفع

قتل عبد الله بن معاوية ، قتله أبو مسلم الخراساني ، وأرسل برأسه إلى ابن ضبارة ، وأمره أن يحمل الرأس إلى مروان بن محمّد ، ثمّ دفن ابن معاوية في مدينة (هراة) وقبره معروف هناك يزار. أما أخويه (الحسن ويزيد) فقد أطلق سراحهما. (٢)

٨٦ ـ عمر بن عبد الحميد الخطاب :

هو : عمر بن الحميد بن عبد الرحمن بن زيد الخطاب. استخلفه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز على إمارة الكوفة سنة (١٢٧) (٣) للهجرة وذلك بعد القضاء على ثورة عبد الله بن معاوية ، وعين أيضا على شرطة الكوفة (الحكم بن عتيبة) من أهل الشام.

ثمّ عزل عمر بن عبد الحميد عن الكوفة ، عزله عبد الله ، وولّاها إسماعيل بن عبد الله القسريّ. (٤)

وقيل إنّ عبد الله بن عمر ولّاه الكوفة سنة (١٢٧) وذلك بعد مصالحته مع الضحّاك بن قيس الشيبانيّ ، وذهاب الأخير إلى محاربة مروان ابن محمّد (آخر ملوك بني أميّة). (٥)

__________________

(١) خلايلي ـ معجم كنوز الأمثال والحكم. ص ٣٢٨.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٣٧٣.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٣١٧ و٣١٩.

(٤) تاريخ ابن خياط. ج ٢ / ٤٠٥.

(٥) المصدر السابق. ج ٢ / ٦١٦.

٤٣٠

٨٧ ـ إسماعيل بن عبد الله القسريّ :

هو : إسماعيل بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز بن عامر بن عبد الله بن عبد شمس بن غمغمة بن جرير بن شفى الكاهن بن صعب بن يشكر ابن درهم بن أفرك بن نذير بن قسر ، القسريّ ، البجليّ ، أخو خالد بن عبد الله القسريّ (أحد أمراء الكوفة سابقا) وكنيته : أبو هاشم. (١)

استخلفه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز على إمارة الكوفة سنة (١٢٧) (٢) للهجرة وذلك بعد عزل عمر بن عبد الحميد عنها ، وقيل أرسله عبد الله بن عمر خليفة له على الكوفة ، وذلك بعد خروج عبد الله بن معاوية عنها. (٣)

وكان إسماعيل بن عبد الله القسريّ ، قد حبس مع أخيه خالد القسريّ أيّام تولية يوسف بن عمر على إمارة الكوفة ، وبقيا في الحبس ثمانية عشر شهرا ، وحبس معهما كذلك ابن أخيهما المنذر بن أسد بن عبد الله القسريّ ، وكان معهم (كذلك) في الحبس يزيد بن خالد بن عبد الله القسريّ. (٤)

وعند ما دخل مروان بن محمّد إلى الشام سنة (١٢٧) للهجرة ، وألقي القبض على إبراهيم بن الوليد ، انهزم إسماعيل بن عبد الله القسريّ إلى الكوفة وافتعل (زوّر) كتابا على لسان إبراهيم بن المهديّ بأمرته على الكوفة ، فجمع اليمانية ، وأخبرهم بذلك. فأجابوه وأيدوه. أما عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، فقد حاربه ، ولمّا رآى إسماعيل القسريّ بأن أمره سوف

__________________

(١) ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ٤ / ٣٥٧.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٣١٧.

(٣) تاريخ خليفة بن خياط. ج ٢ / ٥٦٨.

(٤) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٣٠٤.

٤٣١

ينكشف ويفتضح قال لأصحابه : (إنّي أكره سفك الدماء ، فكفّوا أيديكم). (١) ثمّ تمكّن إبراهيم بن المهديّ من الهرب واختفى.

وقيل : لمّا مات يزيد بن الوليد ، بايع الناس أخاه إبراهيم بن الوليد ، ثمّ دارت الحرب بين إبراهيم بن الوليد وبين مروان بن محمّد ، فانهزم فيها إبراهيم بن الوليد وانهزم أيضا إسماعيل بن عبد الله القسريّ حتّى وصل إلى الكوفة ، وقال لليمانيّة : بأن إبراهيم بن الوليد قد ولّاه العراق كما ذكرنا آنفا. (٢)

وعند ما ثار عبد الله بالكوفة سنة (١٢٧) للهجرة ، بايعه الناس وكان ممّن بايعه : إسماعيل بن عبد الله القسريّ ، وعمر بن الغضبان القبعثري ، ومنصور بن جمهور ، وكثير من أهل الشام الموجودين في الكوفة. (٣)

ولمّا جاء الضحّاك بن قيس الشيبانيّ وحاصر الكوفة ، ذهب عبد الله ابن عمر بن عبد العزيز وجماعته إلى (واسط) والتحق النضر بن سعيد الحرشي وإسماعيل بن عبد الله القسريّ وجماعته من المضرّيين بمروان بن محمّد ، وانظموا إليه. (٤)

وحينما وصل مروان بن محمّد إلى مدينة (حرّان) أرسل إسماعيل القسريّ وقال له : يا أبا هاشم ، إنّك قد رأيت ما نزل بنا من الأمر ، وأنت الموثوق برأيه ، فما هو رأيك؟ فإنّي قد قرّرت أن أرتحل بأهلي وولدي وخاصّة أهل بيتي ومن اتبعني من أصحابي وأذهب إلى (ملك الروم) فآخذ لي منه الأمان والعهود ، ثمّ بعد أن يكثر عدد جنودي من الّذين يلتحقون بي ، سوف أتمكّن من محاربة عدوّيّ ، فقال له إسماعيل القسريّ : (يا أمير

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٣٠٤. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٣٢٤.

(٢) تاريخ الطبرى. ج ٧ / ٣٠٦

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) المصدر اعلاه. ج ٧ / ٣١٧.

٤٣٢

المؤمنين ، أعيذك بالله أن تحكم أهل الشرك في نفسك وحرمك ، لأنّ الروم لا وفاء لهم ، والرأي عندي : أن تعبر الفرات ، وتذهب إلى الشام ، وتستميل مدنها ، فإنّ لك بكلّ مدينة موالين ، فتضمهم اليك جميعا ، ثمّ تذهب إلى مصر ، فهي أكثر الأرض مالا وخيرا ، وخيلا ، ورجالا ، فتجعل الشام أمامك ، وأفريقيا خلفك ، فإن رأيت ما تحبّ انصرفت إلى الشام ، وإن تك الأخرى اتّسع لك الهرب إلى أفريقيا ، فإنّها أرض واسعة ، منفردة). (١)

وكان إسماعيل القسريّ ، جالسا عند أبي العباس في دولة بني هاشم ، فذّم الأموّيين ، وسبّهم ، فقال حمّاس الشاعر (مولى عثمان بن عفّان) لأبي العباس السفّاح : يا أمير المؤمنين ، أيسبّ بني عمّك ، وعمّاتك ، رجل اجتمع هو والخريث (٢) في نسب واحد؟ إنّ بني أميّة لحمك ودمك فكلهم ، ولا تؤكّلهم (٣) ، فقال له : صدقت ، وسكت إسماعيل ولم يتكلّم.

٨٨ ـ عبد الصمد بن إبان بن النعمان :

هو : عبد الصمد بن إبان بن النعمان بن بشير الأنصاريّ. استخلفه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز على إمارة الكوفة سنة (١٢٧) (٤) للهجرة ، وذلك بعد عزل إسماعيل بن عبد الله القسريّ ، ثمّ عزله في نفس السنة ، وولّاها أخاه عاصم بن عبد العزيز.

وقيل : بقي عبد الصمد بن إبان أميرا على الكوفة إلى أن جاء يزيد بن

__________________

(١) الدينوري ـ الأخبار الطوال. ص ٣٦٥.

(٢) الخريث : هو خالد بن عبد الله القسريّ.

(٣) تؤكّلهم : يقصد بذلك : أن تتولى أنت عقوبتهم بنفسك ولا تعهد بذلك إلى غيرك ، على حد قول الشاعر:

فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي

وإلا فأدركني ولمّا أمزق

(٤) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٣٢٠.

٤٣٣

عمر بن هبيرة إلى الكوفة ، فعزله وولّى مكانه زياد بن صالح الحارثي. (١)

وكانت (عمرة) بنت النعمان بن بشير الأنصاريّ (عمّة عبد الصمد) قد تزوجت من المختار بن عبيد الثقفيّ ، وعند ما قتل زوجها (المختار) سنة (٦٧) للهجرة ، طلب منها مصعب بن الزبير ، أن تتبرأ من المختار وتلعنه ، فرفضت ذلك فضربها ، أحد أفراد شرطة مصعب بن الزبير بسيفه ثلاث ضربات ، فصاحت «عمرة «: (يا أبتاه ، يا أهلاه ، يا عشيرتاه) فسمعها أخوها إبان (أبو عبد الصمد) فجاء ولطم الّذي ضربها ، وقال له : (يا أبن الزانية ، قطعت نفسها ، قطع الله يمينك). ولمّا أخذوه إلى مصعب بن الزبير قال : (خلو سبيل الفتى ، فإنّه رآى أمرا فضيعا). (٢)

وعند ما قتلت «عمرة» هذه قال عمر بن أبي ربيعة : (٣)

إنّ من أعجب العجائب عندي

قتل بيضاء حرّة عطبول

قتلت هكذا على غير جرم

إنّ لله درها من قتيل

٨٩ ـ عاصم بن عمر بن عبد العزيز : (٤)

أعيد تعيينه مرّة ثانية سنة (١٢٧) للهجرة من قبل أخيه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وذلك بعد عزل عبد الصمد بن إبان بن النعمان بن بشير الأنصاريّ.

__________________

(١) تاريخ ابن خياط. ج ٢ / ٤٠٥.

(٢) أحمد زكي صفوت ـ ذيل جمهرة الخطي. ص ٣٦١.

(٣) تاريخ اليعقوبي. ج ٣ / ١١. وتاريخ الطبري. ج ٦ / ١١٢. وابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ٢٠٠.

(٤) وقد كتبنا عنه في ص ٤١٨.

٤٣٤

٩٠ ـ النضر بن سعيد الحرشي :

وهو : أحد قادة جيوش عبد الله بن عمر بن عبد العزيز على العراق.

وعند ما مات يزيد بن الوليد ، وجاء بعده إلى الخلافة مروان بن محمّد ، كتب إلى النضر بن سعيد الحرشي أن يتولى العراق بدلا من عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، فذهب النضر إلى الكوفة ، وطلب من ابن عمر تسليمه (الإمارة) ، إلّا أنّ عمر رفض ذلك وبقي في (الحيرة) ، عند ذلك اشتعلت الحرب بين النضر وبين ابن عمر ، واستمرت لمدّة أربعة أشهر ، ثمّ أرسل مروان بن محمّد جيشا من الشام لمساعدة النضر ، واجتمعت القبائل المضرية ، مع النضر بن سعيد عصبية لمروان ، حيث طالب بدم الوليد (وكانت أم الوليد قيسيّة من مضر) ، وكان أهل اليمن مع عبد الله بن عمر عصبية له. (١)

ولمّا سمع الضحّاك بن قيس الشيبانيّ باختلاف النضر مع ابن عمر ، استغل خلافاتهم وتوجّه نحو الكوفة سنة (١٢٧) للهجرة ، فأرسل ابن عمر إلى النضر وقال له : (إنّ هذا لا يريد غيري وغيرك ، فهلّم نجتمع عليه) فاتفقا وتعاقدا على ذلك ، واجتمعا بالكوفة وكان كلّ واحد منهما يصلي بأصحابه. (٢)

وجاء الضحّاك في شهر رجب من هذه السنة ، فنزل في النخيلة ، واستراح فيها عدّة أيّام ثمّ تهيّأ للقتال ، ثمّ جرت معركة بين الطرفين ، قتل خلالها عاصم بن عمر بن عبد العزيز أخو عبد الله وقتل أيضا جعفر بن

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٣١٨. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٦٣. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٣٣٥. والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٤٥.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٣٣٥ و٣٣٧.

٤٣٥

العباس الكنديّ أخو عبيد الله بن العباس الكنديّ ، ثمّ توقّف القتال. وفي اليوم الثاني بدأت الحرب بين الطرفين ، فانهزم أصحاب ابن عمر ودخلوا في خنادقهم ، ثمّ هربوا ليلا إلى واسط. (١)

وكان ممّن انهزم إلى واسط هم : النضر بن سعيد الحرشي ، وإسماعيل ابن عبد الله القسريّ ومنصور بن جمهور ، وغيرهم من وجوه القوم وأشرافهم ، وبقي عبد الله بن عمر مع جماعة قليلة ، فقال له أصحابه : لقد هرب الناس ، فعلام بقاؤنا هنا؟

ثمّ أخذ أصحاب ابن عمر يهربون الواحد بعد الآخر ، وخلال يومين ، وجد عبد الله بن عمر نفسه وحيدا ، مما جعله يهرب هو الآخر ، وينجو بنفسه. عند ذلك دخل الضحّاك إلى الكوفة ، واستولى عليها. (٢)

ولمّا وصل عبد الله بن عمر إلى واسط ، نزل في قصر الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، فعادت الحرب بينه وبين النضر إلى ما كانت عليه قبل مجيء الضحّاك. ثمّ سار الضحّاك بجيشه من الكوفة إلى واسط ، واستخلف على الكوفة (ملحان الشيبانيّ) ولمّا وصل الضحّاك إلى واسط نزل في باب المضمار. وحينما شعر عبد الله بن عمر والنضر بن سعيد بالخطر المحدق بهما ، تركا الحرب ، واتّفقا على حرب الضحّاك ، فاستمرّ القتال بين الضحّاك وبين ابن عمر وابن الحرشي خلال أشهر (شعبان ، ورمضان ، وشوال) من سنة (١٢٧) للهجرة. (٣)

ثمّ حاصر الضحّاك بن قيس الشيبانيّ مدينة واسط ، وبها عبد الله بن عمر والنضر بن سعيد ، ثمّ تصالح عبد الله بن عمر مع الضحّاك ، أما النضر

__________________

(١) ابن اثير ـ الكامل. ج ٥ / ٣٣٥ و٣٣٧.

(٢) نفس المصدر أعلاه.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٣٢١.

٤٣٦

فقد ذهب إلى الشام ليلتحق بمروان بن محمّد.

ولمّا وصل النضر إلى القادسيّة ، لقيه ملحان الشيبانيّ (خليفة الضحّاك على الكوفة) فدارت بينهما معركة قتل فيها ملحان ، قتله النضر.

وقال ابن خدرة ، يرثي ملحان الشيبانيّ وعبد الملك (١) بن علقمة : (٢)

كائن كملحان من شار أخي ثقة

وابن علقمة المستشهد الشاري (٣)

من صادق كنت أصفيه مخالصتي

فباع داري بأعلى صفقة الدار

إخوان صدق أوجبهم وأخذلهم

أشكو إلى الله خذلاني وإخفاري

مات النضر بن سعيد الحرشي سنة (٢٠٠) للهجرة. (٤)

٩١ ـ الضحّاك بن قيس الشيبانيّ :

هو : الضحّاك بن قيس بن الحصين بن عبد الله بن ثعلبة بن زيد بن مناة بن عمرو بن عوف بن ربيعة بن ملحم بن ذهل ، الخارجيّ ، وكنيته : أبو سعيد (٥). استولى على الكوفة سنة (١٢٧) (٦) للهجرة.

والضحّاك بن قيس : هو فقيه الخوارج ورئيسهم ، فبعد أن مات (سعيد ابن بهدل) زعيم الخوارج ، استخلف من بعده الضحّاك ، فبايعه (الشراة) فذهب إلى الموصل فاحتلّها ، ثمّ واصل سيره حتّى وصل إلى (النخيلة) في

__________________

(١) عبد الملك : هو أحد قادة الخوارج ، قتله منصور بن جمهور أثناء حربه مع عبد الله بن عمر بن عبد العزيز.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٣٢٨.

(٣) الشاري : نسبة إلى الشراة ، وهم الخوارج.

(٤) البراقي ـ تاريخ الكوفة ، ص ٢٤٥.

(٥) ابن حزم الأندلسي ـ جمهرة أنساب العرب. ج ٦ / ٣٢٢. والجاحظ ـ البيان والتبيين. ج ١ / ٣٤٣.

(٦) تاريخ خليفة بن خياط. ج ٢ / ٥٧٠. وصالح خريسات ـ تهذيب تاريخ الطبري. ص ٤٥٣. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٥٧.

٤٣٧

شهر رجب من سنة (١٢٧) للهجرة. (١)

وعند ما علم عبد الله بن عمر بن عبد العزيز والنضر بن سعيد الحرشي (٢) ، تصالحا ووحّدا صفوفهما ، واتّفقا على محاربة العدو المشترك (الضحّاك) ، ثمّ بدأ القتال بين الطرفين ، فقتل عاصم بن عمر بن عبد العزيز وجعفر بن العباس الكنديّ ، ثمّ هرب عبد الله بن عمر إلى واسط ، وقد سبقه في هروبه النضر بن سعيد الحرشي إلى واسط أيضا ، عندها أصبحت الكوفة خالية ، فدخلها الضحّاك دون مقاومة تذكر.

فبايعه كثير من أهل الكوفة (٣) ، كما وبايعه عبيد الله بن العباس الكنديّ ، وصار من أصحابه ، ثمّ استخلف الضحّاك على الكوفة (حسان الحروري) لمدّة شهر واحد ثمّ عزله ، واستخلف (ملحان الشيبانيّ) ، ثمّ ذهب الضحّاك إلى واسط لمحاربة عبد الله بن عمر والنضر بن سعيد الحرشي ، فلمّا وصل إلى واسط ، اتّفق ابن عمر والحرشي على إيقاف القتال فيما بينهما ومحاربة الضحّاك ، فأخذ النضر وجنوده يعبرون النهر ، فيقاتلون الضحّاك مع ابن عمر ثمّ يعودون إلى أماكنهم ، واستمروا على تلك الحال أربعة شهور.

وأثناء المعارك قتل عبد الملك (٤) بن علقمة ، فقال حبيب بن خدرة (مولى بني هلال) يرثيه : (٥)

وقاتلة ودمع العين يجري

على روح ابن علقمة السلام

__________________

(١) تاريخ خليفة بن خياط. ج ٢ / ٥٦٧.

(٢) عبد الله بن عمر والنضر الحرشي ، هما أميرا الكوفة المتنازعان على إمارتها.

(٣) ابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١٠ / ٢٥.

(٤) عبد الملك : أحد قادة الضحّاك.

(٥) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٣٢٢.

٤٣٨

أأدرك الحمام وأنت سار

وكلّ فتى لمصرعه حمام؟

فلا رعش اليدين ولا هدان

ولا وكلّ اللّقاء ولا كهام

وما قتل على شار بعار

ولكن يقتلون وهم كرام

طغام الناس ليس لهم سبيل

شجاني بابن علقمة الطغام

ولمّا رآى منصور بن جمهور شجاعة وبسالة أصحاب الضحّاك ، ذهب إلى عبد الله بن عمر وقال له : إنّ هؤلاء شجعان ، لا يخافون ولا يبالون بالموت ، فأرى أن نعطيهم الأمان ليذهبوا ويحاربوا مروان بن محمّد (آخر ملوك بني أميّة) فنتخلص منهم ، فلم يوافق ابن عمر على رأيه ، عندها ذهب منصور بن جمهور ، والتحق بجيش الضحّاك وبايعه. (١)

ثمّ ذهب ابن عمر بعد ذلك في آخر شهر شوال من سنة (١٢٧) للهجرة ، فبايع الضحّاك أيضا ، وكذلك بايعه سليمان بن هشام بن عبد الملك ، وصلّيا خلفه ، فقال شاعر الخوارج : (٢)

ألم تر أنّ الله أظهر دينه

وصلت قريش خلف بكر بن وائل

وبعد أن استتبّت الأمور لمروان بن محمّد ، أرسل يزيد بن عمر بن هبيرة أميرا على العراق ، فلمّا سمع المثنى بن عمران العائذة بمجيء ابن هبيرة ، خرج إليه ومعه منصور بن جمهور ، فحدثت بينهما معركة انتهت بمقتل المثنى وانهزم منصور بن جمهور ، ثمّ جاء يزيد بن عمر ، فدخل الكوفة ، وطرد منها الخوارج.

ثمّ ذهب يزيد بن عمر إلى واسط لمحاربة عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، واستخلف على الكوفة عبد الرحمن بن بشير العجلي ، وذلك سنة (١٢٧) للهجرة.

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٣٢٣.

(٢) ابن حزم الأندلسي ـ جمهرة أنساب العرب. ج ١ / ٣٢٢. والجاحظ ـ البيان والتبيين. ج ١ / ٣٤٣.

٤٣٩

وبعد أن تصالح الضحّاك مع عبد الله بن عمر (كما ذكرنا سابقا) ذهب الضحّاك لمحاربة مروان بن محمّد ، وعند وصوله إلى (كفر توتا) من أرض الجزيرة ، دارت معركة بينه وبين مروان بن محمّد ، قتل فيها الضحّاك ، وذلك سنة (١٢٨) (١) للهجرة ، وبعث مروان بن محمّد برأس الضحّاك فطافوا به في مدائن الجزيرة.

وعند ما ذهب يزيد بن عمر بن هبيرة إلى حرب الضحّاك بن قيس الشيبانيّ ، قال الشاعر الذائع الصيت (بشار بن برد) قصيدة طويلة ، يثير فيها الحماس بالرجال المقاتلين ، نقتطف منها الأبيات الآتية : (٢)

إذا كنت في كل الأمور معاتبا

صديقك لم تلق الّذي لا تعاتبه

فعش واحدا أو صل أخاك فإنه

مفارق ذنب مرة ومجانبه

إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى

ضمئت وأي الناس تصفو مشاربه

ومن ذا الّذي ترضى سجاياه كلها

كفى المرء نبلا أن تعد معايبه

يخاف المنايا إن ترحلت صاحبي

كأنّ المنايا في المقام تناسبه

فقلت له : إنّ العراق مقامه

وخيم ، إذا هبت عليك جنائبه

ومنها :

رويدا تصاهل بالعراق جيادنا

كأنّك بالضحّاك قد قام نادبه

وسام لمروان ، ومن دونه الشجا

وهول كلحّ البحر ، جاشت غواربه

أحلت به أمّ المنايا بناتها

بأسيافنا ، إنّا ردى من نحاربه

ومنها :

بعثنا لهم موت الفجاءة ، إنّنا

بنو الموت ، خفّاق علينا سبائبه

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٣٣٩. وتاريخ الطبري. ج ٧ / ٣٤٥. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٦٦. وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١٠ / ٢٨.

(٢) بطرس البستاني ـ منتقيات أدباء العرب. ص ٢٢.

٤٤٠