أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

وهذا بعث بالرأس إلى الوليد بن يزيد بالشام ، ثمّ صلب الجسد (بلا رأس) على باب الجوزجان ، وبقي مصلوبا إلى أن جاءت (المسودة) (١) فأنزلوه ، وغسلوه ، ثمّ دفنوه ، ثمّ إن أهل خراسان لبسوا السواد عليه حتّى صار زيا لهم.

وفي سنة (١٢٣) للهجرة أرسل يوسف بن عمر إلى الشام الحكم بن الصلت ، ليواجه الخليفة هشام بن عبد الملك ، ويطلب منه أن يعزل نصر بن سيّار عن إمارة خراسان ويضّمها إليه ، إلّا أنّ هشام لم يلتفت إليه. (٢)

ولمّا آلت الخلافة إلى الوليد بن يزيد ، ذهب يوسف بن عمر إلى الوليد في الشام ، واشترى منه (نصر بن سيّار وعماله) فأعاد الوليد إمارة خراسان إلى يوسف بن عمر وضمها إلى العراق ، كان ذلك سنة (١٢٥) للهجرة.

وفي سنة (١٢٦) للهجرة ، قرّر الوليد بن يزيد ، عزل يوسف بن عمر عن العراق ، وعن إمارة الكوفة بالذات ، وتوليتها إلى عبد الملك بن محمّد بن الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، فلمّا سمع يوسف بذلك ، ذهب إلى الشام ، ومعه الهدايا النفيسة ، والأموال الطائلة والأمتعة ، والأواني الذهبية ، ما لم يحمله مثله من العراق ، واستخلف على الكوفة ابن عمّه (يوسف بن محمّد بن الحكم الثقفيّ) ، ولمّا وصل يوسف بن عمر إلى الشام ، ومعه تلك الأموال ، والهدايا الثمينة ، قال الوليد (إرجع إلى عملك) (٣) أيّ إلى إمارتك.

وقيل إنّ يوسف بن عمر ، كان أحمق عربي ، أمر ونهى في دولة

__________________

(١) المسودة : جماعة العباسيين ، دعاة العباسيين.

(٢) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٢٥.

(٣) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٨ / ١٣٨. والمسعودي ـ المروج. ج ٣ / ٢١٦. وأبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٧ / ٤٩.

٤٠١

الإسلام حتّى ضرب به المثل فقيل (آتيه من أحمق ثقيف). (١)

ويحكى أنّ حجّاما أراد أن يحجمه ، فارتعدت يداه ، فقال لحاجبه : قل لهذا البائس : لا تخف.

وقال محذم (كاتب يوسف بن عمر) : بعثني يوسف إلى هشام بن عبد الملك ، ومعي ياقوتة حمراء كانت (للرائعة) وهي جارية خالد القسريّ ، كان قد اشتراها بثلاثة وسبعين ألف دينار ، وأرسل معي أيضا حبّة لؤلؤ (أكبر حبّة عرفت في ذلك الوقت) فدخلت على هشام ، ودنوت منه ، فلم أشاهد وجهه من طول السرير ، وكثرة الفراش ، فأخذ هشام الحبّة والياقوتة وقال لي : (أكتب وزنها) ، فقلت له : يا أمير المؤمنين : هما أعظم من أن يكتب بوزنهما ومن أين يوجد مثلهما؟ فقال هشام : صدقت. (٢)

وقيل : خطب يوسف بن عمر يوما فقال : (اتّقوا الله ، فكم من مؤمّل أملا لا يبلغه ، وجمع مالا لا يأكله ، ومانع عمّا سوف يتركه ، ولعلّ من باطل جمعه ، ومن حقّ منعه ، أصابه حراما ، وأورثه عددا ، فاحتمل أجره ، وباء بوزره ، وورد على ربّه ، آسفا ، لاهفا ، قد خسر الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين). (٣)

وكان يوسف بن عمر شديد البغض لآل البيت (عليهم‌السلام) حتّى أنّه كان لا يترك أحدا يعرف بموالات بني هاشم ومودة أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا بعث إليه وحبسه عنده في (واسط).

عزل يوسف بن عمر عن إمارة الكوفة سنة (١٢٦) للهجرة ، عزله

__________________

(١) الزمخشري ـ المستقصى في أمثال العرب. ج ١ / ٤٠.

(٢) الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٤ / ٣٤.

(٣) الجاحظ ـ البيان والتبيين. ج ١ / ٢٨٥. ـ الدينوري ـ الأخبار الطوال. ص ٣٣٧. ـ تاريخ الطبري. ج ٧ / ٢٧٠. وصالح خريسات ـ تهذيب تاريخ الطبري. ص ٤٤٩. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٥١. وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١٤١. والترمانيني ـ أحداث التاريخ الإسلاميّ. ج ١ / ٧٨٥.

٤٠٢

يزيد بن الوليد وولّى مكانه منصور بن جمهور.

ولمّا سمع يوسف بن عمر بعزله هرب إلى (البلقاء) عن طريق السماوة ، فلبس ملابس النساء ، ولمّا علم يزيد بن الوليد بوصول يوسف إلى (البلقاء) أمر بالبحث عنه والقبض عليه ، ففتشوا عنه ، فوجدوه بين نسوة قد ألقين عليه عباءة ، وجلسن حواليه حاسرات ، فجرّوه من رجله ، وجيء به إلى يزيد بن الوليد ، وفي طريقه ، لقيه أحد الحرّاس ، فأخذ بلحيته ونتفها ، ثمّ أدخل على يزيد بن الوليد ، ولمّا أدخل على يزيد ، قال يوسف وقد قبض على لحيته : (نتفت والله يا أمير المؤمنين لحيتي ، فما بقي منها شعره). (١) فأمر يزيد بحبسه.

وبقي يوسف بن عمر في الحبس إلى مجيء مروان بن محمّد وذلك سنة (١٢٧) للهجرة ، وقيل سنة (١٢٦) للهجرة ، وذهب يزيد بن خالد القسريّ مع جماعة من أصحابه إلى السجن فقتلوا يوسف بن عمر ، وقطعوا رأسه ، وشدوا حبلا في رجليه ، وأخذ الصبيان يجرونه في شوارع دمشق ، وقد شاهدته امرأة كانت مارّة في الطريق فقالت : (لأيّ سبب قتل هذا الصبي المسكين). (٢)

وقال بعضهم : بأنّه رآى يوسف بن عمر يجرّ بحبل من مذاكيره بشوارع دمشق. ثمّ رآى بعد ذلك يزيد بن خالد القسريّ (قاتل يوسف) يجرّ بحبل هو الآخر من مذاكيره في شوارع دمشق في ذلك المكان. (٣) وقيل

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٢٧٥.

(٢) لأنها تصورت بأنه طفل صغير ، وذلك لقصره.

(٣) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٧ / ١١١.

٤٠٣

إنّ الّذي قتل يوسف بن عمر هو : مولى ليزيد بن خالد القسريّ ، ثأرا لأبيه خالد (١) ، وكان عمر يوسف أكثر من ستين سنة.

قيل قتل يوسف بن عمر سنة (١٢٦) للهجرة ، وقيل سنة (١٢٧). (٢)

٧٥ ـ الحكم بن الصلت :

هو : الحكم بن الصلت بن أبي عقيل بن مسعود الثقفيّ ، وهو ابن عمّ الحجّاج بن يوسف الثقفيّ. (٣)

استخلفه يوسف بن عمر على إمارة الكوفة سنة (١٢٢) (٤) للهجرة وأقام يوسف بن عمر في (الحيرة) حيث كان ابن عمر وكثير من أمراء الكوفة يذهبون إلى الحيرة أو إلى (واسط) ويقيمون فيها وذلك لقربها من الكوفة ، ولوجود بقايا قصور النعمان بن المنذر ، وفيها بقايا معالم حضارة المناذرة الّتي لا زالت شاخصة للعيان إضافة إلى طيب هوائها ، وكثرة المزارع والبساتين فيها ، ولربّما هناك سبب آخر (وحسبما أعتقده) وهو أن الكوفة كثيرة الانتفاضات والثورات ، فتخوفا من ذلك يقيمون في (الحيرة) ويستخلفون على إمارة الكوفة (أشخاصا يثقون بهم) تفاديا للمواجهة المباشرة مع الثوار.

وفي هذه السنة (أيّ سنة ١٢٢ للهجرة) قام زيد بن عليّ بن الحسين عليه‌السلام بثورته في الكوفة كما ذكرت ذلك في ص (٣٩٨) فبعث الحكم

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١٠٩.

(٢) ابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ١٧٢. والزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ٩ / ٣٢٠.

(٣) تاريخ خليفة بن خياط. ج ١ / ٣٥٨. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٤٤٢. وعبد القادر بدران ـ تهذيب تاريخ دمشق. ج ٤ / ٣٩٥.

(٤) نفس المصدر أعلاه.

٤٠٤

إلى يوسف بن عمر بالحيرة ، يخبره بثورة زيد ، فأرسل له يوسف جيشا ، فقتله ، ودفن في ساقية ، وأجري فيها الماء ، ثمّ أخرج من الساقية ، وقطع رأسه وأرسل إلى الشام ، ثمّ أرسل إلى المدينة وصلب فيها ، وجاء شاعر من شعراء الأنصار ووقف أمام الرأس وقال : (١)

ألا يا ناقص الميثا

ق أبشر بالذي ساكا

نقضت العهد والميثا

ق قدما كان قد ماكا

لقد أخلف إبليس ال

ذي قد كان مناكا

فقيل له : ويحك ، أتقول هذا لزيد؟! فقال : إنّ الأمير غضبان ، فأردت أن أرضيه ، فرد عليه أحد شعرائهم قائلا : (٢)

ألا يا شعار السوء

لقد أصبحت أفاكا

أشتم ابن رسول الله

يرضي من تولّاكا؟!

ألا صبّحك الله

بخزي ثمّ مسّاكا

ويوم الحشر لا شكّ

بأن النار مثواكا

وقيل إنّ الّذي أرشد إلى قبر زيد بن عليّ هو : (خراش بن حوشب ابن يزيد الشيبانيّ) وكان رئيس شرطة زيد ، وهو الّذي نبش قبره وصلبه ، فقال السيد الحميريّ : (٣)

بت ليلي مسهدا

ساهر الطرف مقصدا

ولقد قلت قولة

وأطلت التبلدا

لعن الله حوشبا

وخراشا ومزيدا

ويزيدا فإنّه

كان أعتى وأعندا

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٧ / ١٩٠.

(٢) المصدر السابق.

(٣) نفس المصدر السابق.

٤٠٥

ألف ألف وألف أل

ف من اللّعن سرمدا

إنّهم حاربوا الإل

ه وآذوا محمّدا

شركوا في دم

الطهر زيدا تعنّدا

ثمّ عالوه فوق جذ

ع صريعا مجرّدا

يا خراش بن حوشب

أنت أشقى الورى غدا

وفي سنة (١٢٣) للهجرة ، وقيل سنة (١٢٥) (١) للهجرة ، كتب يوسف ابن عمر إلى هشام بن عبد الملك ، بأن يعيّن الحكم بن الصلت أميرا على خراسان ، بدلا من نصر بن سيّار ، حيث أنّ ابن الصلت له علم ودراية بأحوال أهل خراسان ، كما وسبق له أن تولّى أعمالا جسيمة فيها.

ولمّا وصل الكتاب إلى هشام بن عبد الملك ، بعث إلى (مقاتل بن عليّ السغّدي) الّذي جاء لتوّه من خراسان ، فسأله عن الحكم بن الصلت ، وعن الأعمال الّتي وليها بخراسان. فقال مقاتل : إنّه لم يتولّ ولاية خراسان قط ، وإنّما تولّى قرية صغيرة يقال لها (الفارياب) والّتي لا يتجاوز خراجها على سبعين ألف درهم ، وإنّ الحارث بن سريح قد عصر (فرك) أذنه ، ثمّ أطلقه وقال له : (أنت أهون من أن أقتلك) (٢). فكتب هشام بن عبد الملك إلى يوسف بن عمر : (إنّ الحكم قد جاء إلينا ، وهو على ما وصفت ، وله سعة في الّذي من جهتك ، فأجعله عاملا عندك) (٣).

وكان الكميت بن زيد ، مدّاحا لإبان (٤) بن الوليد البجليّ ، وكان إبان محبّا ومحسنا إليه ، وقد اتهم إبان بعدم تسديد المبالغ المستحقه عليه إلى بيت

__________________

(١) ابن الاثير ـ الكامل ـ ج ٥ / ٢٥٢.

(٢) ابن الجوزي ـ المنتظم ـ ج ٧ / ٢٢٥. وابن الاثير ـ الكامل ـ ج ٥ / ٢٥٢.

(٣) عبد القادر بدوان ـ تهذيب تاريخ دمشق ـ ج ٤ / ٣٩٥.

(٤) إبان : كان أميرا على واسط من قبل يوسف بن عمر.

٤٠٦

مال الكوفة ، فحبسه الحكم بن الصلت ، وقد جاء الكميت إلى الكوفة فمدح الحكم بن الصلت بقصيدته (١) الّتي أولها :

طربت وهاجك الشوق الحثيث

ولمّا فرغ من إلقائها ، أمر له الحكم بجائزة ، وفي تلك الأثناء جيء بإبان ابن الوليد وهو مقيّد بالحديد ، فطالبه الحكم بالأموال ، فنظر الكميت إلى إبان ، وهو على تلك الحال ، فدمعت عيناه ، وقال للحكم : أصلح الله الأمير ، إجعل جائزتي لإبان ، واحتسبها من المبلغ ، فقال له إبان : يا أبا المستهل (٢) : (ما حلّ عليّ شي بعد). فقال الكميت للحكم : أبي تسخر؟ أصلح الله الأمير!!.

فقال الحكم : (كذب ، قد حلّ عليه المال ، ولو لم يحلّ لأحتسبنا له مما يحلّ) (٣). فقال حوشب بن يزيد الشيبانيّ (وكان خليفة الحكم) : أصلح الله الامير ، أتشفّع حمار بني أسد ، في عبد بجيلة؟! فقال له الكميت : (لئن قلت ذاك ، فو الله ، ما فررنا عن آبائنا حين قتلوا ، ولا نكحنا حلائل آبائنا بعد أن ماتوا). (٤) فسكت حوشب خجلا ، فقال له الحكم : (ما كان تعرّضك للسان الكميت). (٥)

وكان الحكم بن الصلت قد استخلفه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ على إمارة البصرة سنة (٧٥) للهجرة ، وأمره أن يضيّق على خالد بن عبد الله بن أسيد بن أميّه ، ولمّا علم خالد بذلك هرب من البصرة قبل أن يدخلها

__________________

(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني ـ ج ١٧ / ٣٨.

(٢) ابو المستهل : كنية الكميت ، والمستهل ابنه.

(٣) ابو الفرج الاصبهاني ـ الاغاني ـ ج ١٧ / ٣٩.

(٤) كان حوشب قد فرّ عن أبيه في بعض الحروب فقتل أبوه ، ونجا هو ، ويقال أيضا إنه وطيء جارية لأبيه بعد وفاته.

(٥) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٧ / ٣٩.

٤٠٧

الحكم. (١)

وتغدى الحكم مع أحد (عماله) فتناول العامل من بين يديه (درّاجة) (٢) فغضب الحكم عليه ، وعزله عن عمله ، فقال فيه الفرزدق : (٣)

قد كان بالعرض صيد لو قنعت به

فبه غنى لك عن دراجة الحكم

وقتل الحكم مع جماعة من آل الحجّاج ، قتلهم صالح بن عبد الرحمن الكاتب. (٤)

٧٦ ـ حوشب بن يزيد بن رويم الشيبانيّ : (٥)

وكان خليفة الحكم بن الصلت على إمارة الكوفة ، في إمارة يوسف بن عمر على العراق. هذا ولم نعثر على ترجمة وافية له.

٧٧ ـ يوسف بن محمّد بن الحكم :

هو : يوسف بن محمّد بن يوسف الثقفيّ ، وهو ابن أخي الحجّاج بن يوسف الثقفيّ وابن عم يوسف بن عمر الثقفيّ ، وخال الخليفة الوليد بن يزيد. (٦)

استخلفه يوسف بن عمر الثقفيّ على إمارة الكوفة سنة (١٢٦) (٧) للهجرة وذلك عند ما ذهب يوسف لمقابلة الوليد بن يزيد ، وقيل إنّ يوسف

__________________

(١) الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٢ / ٦٦٨.

(٢) درّاجة : نوع من الطيور ، لحمه لذيذ جدا.

(٣) الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٤ / ٤٥٠.

(٤) الزركلي ـ الأعلام. ج ٢ / ٢٦٦.

(٥) وقد تكلّمنا عنه في ص ٢٧٩ من هذا الكتاب.

(٦) صالح خريسات ـ تهذيب تاريخ الطبري. ص ٤٤٦. والزركلي ـ الأعلام. ج ٩ / ٣٢٥.

(٧) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٥٨. وتاريخ الطبري. ج ٧ / ٢٣٣. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢٧٣.

٤٠٨

ابن عمر ذهب إلى الشام سنة (١٢٥) (١) للهجرة.

وكان يوسف هذا قد أرسله الوليد بن يزيد أميرا على مكّة والمدينة والطائف في سنة (١٢٥) للهجرة ، ثمّ سلّمه محمّد وإبراهيم ابني هشام بن إسماعيل المخزومي فأخذهما معه إلى المدينة ، وأخذ يشهّر بهما ، وقال لأهل المدينة بأنّهما سرقا الأموال ، ثمّ حبسهما عنده ، ثمّ كتب إليه الوليد بعد ذلك أن يرسلهما إلى يوسف بن عمر (أمير العراق) ولمّا وصلا إلى الكوفة ، أخذ يوسف بن عمر يعذبهما عذابا شديدا ، ثمّ قتلهما (٢).

وفي سنة (١٢٥) للهجرة ، حجّ بالناس يوسف بن محمّد ، وعن شبيب ابن شيبة التميميّ (الأهتمي) أنّه قال : (حججت سنة (١٢٥) للهجرة وقد تعرفت في مكّة على عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن عباس ، وسألته (بعد أن اطمأنّ لي : ما رأيك فيمن هو الآن على الموسم؟) (٣). فقال لي : عن الصلاة خلفه تسألني؟ أم كرهت أن يتأمر على آل الله من ليس منهم؟ فقلت : عن كلا الأمرين ، فقال : (إنّ هذا عند الله لعظيم ، فأمّا الصلاة ففرض لله ، تعبّد به خلقه ، فأقيما فرض عليك في كلّ وقت مع كلّ أحد ، وعلى كلّ حال فإنّ الّذي ندبك لحج بيته ، وحضور جماعته لم يخبرك في كتابه بأن لا يقبل منك نسكا إلّا مع أكمل المؤمنين إيمانا ، رحمة منه لك ، ولو فعل ذلك بك ، ضاق الامر عليك ، فأسمح يسمح لك) (٤).

عزل يوسف بن محمّد عن الكوفة واستخلف مكانه محمّد بن عبيد الله

__________________

(١) تاريخ خليفة بن خياط. ج ٢ / ٥٤٦.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٢٢٦. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٥٢. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢٧٣. وصالح خريسات ـ تهذيب تاريخ الطبري. ص ٤٤٦.

(٣) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٥ / ١٠٧.

(٤) نفس المصدر السابق.

٤٠٩

الثقفيّ (١).

٧٨ ـ محمّد بن عبيد الله الثقفيّ :

استخلفه يوسف بن عمر على إمارة الكوفة سنة (١٢٦) للهجرة ، وذلك بعد عزل أميرها السابق يوسف بن محمّد الثقفيّ ، ثمّ عزله وعيّن مكانه زياد بن صخر اللخميّ. (٢) هذا ولم نعثر على ترجمة وافية له.

٧٩ ـ المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفيّ : (٣)

استخلفه يوسف بن عمر على إمارة الكوفة سنة (١٢٦) للهجرة ، غير أنّ المغيرة لم يتمتع في إمارته هذه سوى اسبوعا واحدا ، حيث هرب يوسف ابن عمر من الكوفة عند سماعه بمقتل الخليفة الوليد بن يزيد.

٨٠ ـ منصور بن جمهور :

هو : منصور بن جمهور بن حصن بن عمرو الكلبيّ من بني كلب بن وبرة ، وقيل الأزدي ، من سكان (المزّه) بضواحي دمشق ، دمشقي الاصل (٤).

ولّاه يزيد بن الوليد بن عبد الملك إمارة الكوفة سنة (١٢٦) (٥) للهجرة ، وذلك بعد عزل اميرها السابق يوسف بن عمر ، وقيل إنّ منصور

__________________

(١) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٥٨.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) وقد تكلّمنا عنه في ص ١١٠.

(٤) الترمانيتي ـ التاريخ الاسلامي ـ ج ١ / ٨٩١.

(٥) تاريخ بن خياط. ج ٢ / ٥٥٩. والطبري. ج ٧ / ٢٧٠. وابو الفرج الاصبهاني ـ الاغانى. ج ١٤ / ٢٢١. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٥١. وابن الاثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢٩٧. والذهبي ـ تاريخ الاسلام. ج ٥ / ٣٠٣. وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١٠٩. والترمانيني ـ احداث التاريخ الاسلامي. ج ١ / ٧٨٥.

٤١٠

افتعل (زوّر) عهدا على إمارة الكوفة دون علم يزيد بن الوليد ، فجاء إلى الكوفة ، وبقي أربعين يوما. وعيّن على شرطته (رئيسا) الحجّاج بن أرطأة (القاضي ، الفقيه) (١).

ولم يكن منصور هذا من أهل الدين ، وإنّما صار مع يزيد بن الوليد بن عبد الملك لرأيه في (الغيلانيّة) ، وحميه لقتل خالد بن عبد الله القسريّ (الّذي قتله يوسف بن عمر) ولهذا السبب كان منصور بن جمهور ممن شاركوا في قتل الوليد بن يزيد. (٢)

وعند ما ولّاه يزيد بن الوليد (العراق) قال له : (اتّق الله ، واعلم إنّني إنّما قتلت الوليد بن يزيد لفسقه ، ولما أظهره من الجور ، فلا ترتكب مثل ما قتلناه عليه). (٣)

وكان يزيد بن الوليد ، قد اتفق مع منصور بن جمهور ، وجماعة آخرين على قتل الوليد بن يزيد ، ولمّا ذهبوا إلى قصر الوليد وحاصروه ، أغلق الباب وقال : (٤)

دعوا لي سليمى والطلاء وقينة

وكأسا ألا حسبي بذلك مالا

إذا ما صفا عيشي برملة عالج

وعانقت سلمى لا أريد بدالا

خذوا ملككم لا ثبّت الله ملككم

ثباتا يساوي ما حييت عقالا

وخلوا عناني قبل عير وما جرى

ولا تحسدوني أن أموت هزالا

ثمّ دخل منصور بن جمهور وجماعته إلى القصر ، فقتلوا الوليد بن

__________________

(١) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٦٩.

(٢) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٨ / ١٤٠.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٢٧٠. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢٩٥.

(٤) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٢٤٦. وأبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٧ / ٧٩.

٤١١

يزيد ، وقطعوا رأسه ، وذهبوا به إلى يزيد بن الوليد. (١)

ثمّ إنّ منصور بن جمهور ، ذهب إلى الكوفة ، وعند وصوله إلى (عين التمر) كتب إلى قادة أهل الشام ، الموجودين في الحيرة ، يخبرهم بمقتل الوليد ، وتأميره على العراق ، ويأمرهم بالقبض على يوسف بن عمر وكافة عماله. (٢)

ولمّا وصل منصور بن جمهور إلى الكوفة في أوائل شهر رجب من سنة (١٢٦) للهجرة ذهب إلى مسجد الكوفة ، وخطب في الناس ، فذمّ الوليد ابن يزيد ويوسف بن عمر.

ثمّ ذهب إلى بيت المال ، وأخرج جميع ما فيه من أموال ، ووزعها على أهل الكوفة ، وأطلق سراح جميع المسجونين من (العمال) (٣) وأهل الخراج الّذين حبسهم يوسف بن عمر ، ثمّ تمّت البيعة ليزيد بن الوليد في العراق. (٤)

وعند ما سمع يوسف بن عمر بعزله ومجيء منصور بن جمهور ، انهزم إلى الشام وتمّ القبض عليه (كما ذكرنا ذلك في ص ٤٠٣).

وفي سنة (١٢٦) (٥) للهجرة ، عزل منصور بن جمهور عن العراق ، عزله يزيد بن الوليد وعيّن مكانه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز.

وعند ما ثار عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر (الطّيار) بن أبي طالب بالكوفة سنة (١٢٧) للهجرة ، بايعه أهل الكوفة ، وكان فيهم منصور ابن جمهور وإسماعيل بن عبد الله القسريّ (أخو خالد القسريّ) فحدثت معركة بين ابن معاوية هذا وبين عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، فهرب

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢٨٨ ، وأبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٧ / ٨٠.

(٢) العمال : الأمراء.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢٩٧.

(٤) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٧١. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٥٢. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٣٠٢.

(٥) تاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١١٠. والترمانيني ـ أحداث التاريخ الإسلاميّ. ج ١ / ٧٨٥.

٤١٢

منصور بن جمهور. (١)

وعند ما جاء يزيد بن عمر بن هبيرة (أميرا على العراق) أرسل ابنه (داود) ومعه معن بن زائدة لمحاربة عبد الله بن معاوية ، وكان منصور بن جمهور وسليمان بن هشام بن عبد الملك مع عبد الله بن معاوية ، وعند ما التقى الجيشان ، انهزم ابن معاوية ، وانهزم منصور بن جمهور إلى (السند) فلحقه معن بن زائدة ، إلّا أنّه لم يتمكن من اللّحاق به ، فرجع معن.

ولمّا وصل منصور بن جمهور إلى السند ، استولى عليها ، ونزل في المعسكر (أي جعل مقرّ إقامته في المعسكر) وسماّها (المنصورية) وقيل سماّها (المنصورة). (٢)

وعند ما تولّى أبو العباس السفّاح الخلافة سنة (١٣٢) (٣) للهجرة أقرّ منصور بن جمهور على إمارة (السند) مكافأة له على تركه الأمويين ، وميله إلى العباسيين. وعند ما استولى أبو مسلم الخراساني على خراسان ، عيّن عبد الرحمن بن مسلم العبدي أميرا على السند. (٤)

ولمّا وصل (العبدي) إلى السند امتنع منصور بن جمهور من تسليمه الإمارة فأرسل أبو جعفر المنصور جيشا بقيادة موسى بن كعب لمحاربته ، فوقعت معركة بين الطرفين ، انهزم خلالها منصور بن جمهور ، ومات عطشا في الرمال ما بين السند وسجستان سنة (١٣٣) للهجرة (٥).

__________________

(١) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٥٧.

(٢) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٦٩.

(٣) الترمانيني ـ أحداث التاريخ الإسلاميّ. ج ٢ / ٨٥٧.

(٤) نفس المصدر اعلاه.

(٥) الزركلي ـ الاعلام. ج ١ / ١٨٩.

٤١٣

٨١ ـ عبيد الله بن العباس الكنديّ :

استخلفه يوسف بن عمر على إمارة الكوفة ، وذلك بعد عزل زياد بن صخر اللّخميّ ثمّ عزله وعيّن مكانه (المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفيّ). (١)

ثمّ استخلفه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز على إمارة الكوفة سنة (١٢٦) للهجرة وعيّن (رئيسا للشرطة) عمر بن الغضبان القبعثري) ، وقيل إنّ عبيد الله هذا استخلفه منصور بن جمهور على إمارة الكوفة سنة (١٢٦) للهجرة ، أو وجده أميرا عليها فأقرّه. (٢)

ولمّا ثار زيد بن عليّ بالكوفة ، كان يوسف بن عمر في (الحيرة) وخليفته على الكوفة (الحكم بن الصلت) وعلى الشرطة عمرو بن عبد الرحمن ، وكان معهم عبيد الله بن العباس في جماعة من أهل الشام ، وحينما علم عبيد الله بمجيء زيد بن عليّ إلى مسجد الكوفة ، ذهب إليه مع جماعته من أهل الشام ، فحدثت بينهما معركة انهزم فيها عبيد الله بن العباس الكنديّ وأصحابه ، حتّى وصلوا إلى دار عمرو بن حريث. (٣)

وعند ما تولّى عبد الله بن عمر بن عبد العزيز إمارة الكوفة سنة (١٢٦) للهجرة عيّن العمال ، ووزّع الأرزاق والعطايا على أهل الكوفة ، اعترض قادة الجيش من الشاميين في توزيع الأرزاق على أهل الكوفة ، وقالوا : إنّ هذه الأموال هي من فيئنا وليس لأهل الكوفة حقّ بها ، فثار أهل الكوفة في وجه القادة الشاميين وحصلت بينهما مناورات ، وذهب أهل الكوفة إلى قصر الإمارة ، ليطردوا عبيد الله بن العباس (أمير الكوفة) إلّا أنّ

__________________

(١) تاريخ خليفة بن خياط. ج ٢ / ٥٣٦. وتاريخ الطبري. ج ٧ / ٣١٩.

(٢) تاريخ خليفة بن خياط. ج ١ / ٣٧٠. وتاريخ الطبري. ج ٧ / ٢٨٠. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٣٠٢.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٧ / ١٨٠.

٤١٤

قادة الجيش الشاميين اعتذروا لأهل الكوفة ، وحلفوا لهم بأنهم لم يقولوا شيئا مما سمعوه ، وكان عبد الله بن عمر آنذاك في الحيرة. (١)

ولمّا جاء الضحّاك بن قيس الشيبانيّ إلى الكوفة سنة (١٢٧) للهجرة ، وقعت معركة بينه وبين عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، قتل خلال المعركة جعفر بن العباس الكنديّ (أخو عبيد الله) ، ثمّ دخل الضحّاك مدينة الكوفة واستولى عليها ، فخاف عبيد الله على نفسه من بطش الضحّاك ، فذهب إليه فبايعه ، صار في عسكره ، فقال أبو عطاء السندي يعيّره على مبايعته للضحّاك ، لأنّ الضحّاك قتل أخاه (جعفر) عند بدء المعارك كما ذكرنا : (٢)

قل لعبيد الله لو كان جعفر

هو الحي لم يجنح وأنت قتيل

ولم يتبع المراق والثار فيهم

وفي كفه عضب الذباب صقيل

إلى معشر أرادوا أخاك وأكفروا

أباك فماذا بعد ذاك تقول؟!

ولمّا سمع عبيد الله هذه الأبيات غضب وقال :

فلا وصلتك الرحم من ذي قرابة

وطالب وتر والذليل ذليل

تركت أخا شيبان يسلب بزّه

ونجّاك خوّار العنان مطول

ولمّا قتل جعفر (أخو عبيد الله بن العباس) وعاصم (أخو عبد الله بن عمر بن عبد العزيز) قالت أمّ البرذون الصفريّة : (٣)

نحن قتلنا عاصما وجعفرا

والفارس الضبي حين أصحرا

ونحن جئنا الخندق المقعرا

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٢٨٤.

(٢) تاريخ الطبرى. ج ٧ / ٣٢٠. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٣٣٦.

(٣) تاريخ الطبرى ج ٢ / ٣١٩.

٤١٥

٨٢ ـ عبد الله بن عمر بن عبد العزيز :

وهو ابن الخليفة عمر بن عبد العزيز ، ولّاه يزيد بن الوليد بن عبد الملك إمارة الكوفة سنة (١٢٦) (١) للهجرة ، وذلك بعد عزل منصور بن جمهور ، وقال له يزيد : (سر إلى العراق ، فإن أهله يميلون إلى أبيك).

ولمّا وصل عبد الله بن عمر إلى الكوفة عيّن (العمال) (٢) في أماكنهم ، وأعطى الناس أرزاقهم وأعطياتهم ، فاعترض قادة الجيش من الشاميين على عبد الله بن عمر في توزيع الأرزاق والأعطيات على أهل الكوفة ، وقالوا له : (لماذا تقسم على هؤلاء فيئنا وهم عدوّنا؟!). (٣)

فقال ابن عمر لأهل الكوفة : (إنّي أريد أن أردّ فيئكم عليكم ، وقد علمت أنّكم أحقّ به فنازعني هؤلاء).

وعلى أثر ذلك اجتمع أهل الكوفة في (الجبانة) احتجاجا على ما سمعوه من قادة الجيش الشامي ، وحصلت منازعات بين الطرفين ، أصيب خلالها بإصابات طفيفة من كلا الجانبين ، ثمّ إنّ أهل الشام اعتذروا لأهل الكوفة بعد ذلك.

وفي سنة (١٢٧) (٤) للهجرة ثار بالكوفة عبد الله بن معاوية ، فبايعه أهل الكوفة ثمّ تمكّن عبد الله بن عمر من إغراء أحد قادة جيش ابن معاوية ، فعمد إلى حيلة تمكّن بها من هزيمة جيش ابن معاوية ، حيث تركوه

__________________

(١) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٨٢. وأبو الفرج الأصبهاني ـ مقاتل الطالبيين. ص ١٦٦. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٥٢. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٣٠٢. وابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٧ / ١١٠.

(٢) وعيّن على شرطة الكوفة : عمر بن الغضبان القبعثري.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٣٠٢.

(٤) المصدر السابق. ج ٥ / ٣٢٤.

٤١٦

يحارب لوحده ، ثمّ هرب بعد ذلك إلى خراسان. (١)

وفي هذه السنة أيضا ، أعني سنة (١٢٧) للهجرة ، استولى الضحّاك بن قيس الشيبانيّ على الكوفة ، وهرب عبد الله بن عمر إلى (واسط) وكذلك هرب اليها النضر بن سعيد الحرشي ، فلحق بهما الضحّاك إلى واسط ، واستخلف على الكوفة (ملحان الشيبانيّ) فدارت معارك عنيفة بين الضحّاك من جهة ، وبين عبد الله بن عمر والنضر الحرشي من جهة أخرى. (٢) ثمّ ذهب عبد الله بن عمر إلى الضحّاك في شهر شوال من سنة (١٢٧) للهجرة ، فصالحه وبايعه وكذلك بايعه سليمان بن هشام بن عبد الملك ، وقيل صلّيا (٣) خلف الضحّاك ، فقال الشاعر : (٤)

ألم تر أنّ الله أظهر دينه

وصلّت قريش خلف بكر بن وائل

ثمّ قال عبد الله بن عمر وسليمان بن هشام بن عبد الملك للضحاك ، إذا ذهبت إلى محاربة مروان بن محمّد فإنّا معك ، عندها رجع الضحّاك إلى الكوفة ، وبقي عبد الله بن عمر في واسط.

وفي سنة (١٢٩) للهجرة ، وقيل سنة (١٢٨) للهجرة ، كتب مروان بن محمّد إلى يزيد بن عمر بن هبيرة (٥) يأمره بالمسير إلى العراق لمحاربة الخوارج (وكان أمير الكوفة آنذاك المثنى بن عمران العائذي) خليفة الضحّاك الشيبانيّ ، ولمّا وصل يزيد بن هبيرة إلى (عين التمر) فلقيه المثنى العائذي ، فاقتتلوا قتالا شديدا لعدّة أيّام ، فقتل المثنى ، وقتل الكثير من قادة

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٣٣٤.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق. ج ٥ / ٣٣٣

(٤) المصدر اعلاه. ج ٥ / ٣٤٨

(٥) كان ابن هبيرة آنذاك في قرقيسياء.

٤١٧

الضحّاك ، وانهزم الخوارج إلى الكوفة ، ومعهم منصور بن جمهور وجمعوا من بها من الخوارج ، ثمّ ذهبوا إلى ابن أبي هبيرة ، فقاتلهم (ثانية) أياما ، انهزم بعدها الخوارج ، ثمّ ذهب يزيد بن عمر بن هبيرة إلى الكوفة ، ومنها ذهب إلى واسط (١) لمحاربة عبد الله بن عمر. ولمّا علم الضحّاك بن قيس ما حلّ بأصحابه أرسل (عبيدة بن سوار التغلبي) لمحاربة ابن هبيرة فنزل في (الصراة) (٢) ، وقيل التقى عبيدة بن سوار مع ابن هبيرة في البصرة فكانت مقتلة عظيمة بين الطرفين ، قتل فيها (عبيدة بن سوار) ثمّ استبيح عسكره ، عندها استولى يزيد بن عمر بن هبيرة على العراق كلّه. (٣) ثمّ ذهب يزيد بن هبيرة إلى واسط ، فقبض على عبد الله بن عمر فحبسه (٤) ، ثمّ أرسله مع ابنه إلى مروان بن محمّد فحبسهما حتّى ماتا في الحبس. (٥)

٨٣ ـ عبيد الله بن العباس الكنديّ : (٦)

استخلفه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز سنة (١٢٦) للهجرة.

٨٤ ـ عاصم بن عمر بن عبد العزيز :

هو : عاصم بن عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ، وأمّه : هي بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.

استخلفه أخوه عبد الله على إمارة الكوفة أواخر سنة (١٢٦) للهجرة ،

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٣٣٤ و٣٥٤.

(٢) نفس المصدر أعلاه.

(٣) نفس المصدر أعلاه.

(٤) نفس المصدر أعلاه.

(٥) ابن العماد ـ شذرات الذهب. ج ١ / ١٧٥.

(٦) وقد كتبنا عنه في ص ٤١٤.

٤١٨

في خلافة إبراهيم بن الوليد ، ثمّ عزله. (١) ثمّ أعاده مرّة ثانية على إمارة الكوفة ، وذلك بعد الانتهاء من أمر عبد الله بن معاوية الّذي ثار بالكوفة سنة (١٢٧) (٢) للهجرة وطرد عاصم من الكوفة.

وعند ما جاء عبد الله بن عمر إلى الكوفة (أميرا) جعل مقر إقامته في (الحيرة) ويستخلف أميرا على الكوفة ، شأنه في ذلك ممن سبقه من أمراء الكوفة ، حيث يكونون بعيدين عن الكوفة الكثيرة الانتفاضات والثورات ، وتفاديا للمواجهة مع الثائرين.

وكان عبد الله بن عمر شديد التعصّب لقبيلتي مضر وربيعة ، فأغدق عليها العطايا ولم يعط شيئا إلى جعفر بن نافع بن القعقاع بن ثور الذهلي وعثمان بن الخيبري (أخي تيم اللّات بن ثعلبة) ولم يساو بهما ، فذهبا إلى عبد الله بن عمر (في الحيرة) وأغلظا معه الكلام ، فغضب ابن عمر عليهما ، وأمر بإخراجهما من مجلسه ، فخرجا مغضبين من عنده ، وخرج معهما تمامة بن حوشب بن رويم الشيبانيّ تضامنا معهما ، ثمّ رجعوا إلى الكوفة ، فلمّا دخلوا الكوفة ، نادوا : يا آل تيم اللّات ، اليوم يومكم ، فلبت النداء كافة القبائل الموجودة في الكوفة ، من آل تيم اللّات ، وأخذت الاجتماعات تتوالى ، ثمّ ذهبوا جميعا إلى الحيرة ، حتّى وصلوا إلى دير هند. (٣)

فلمّا سمع عبد الله بن عمر بتحشدهم ، أرسل أخاه (عاصم) فأتاهم في دير هند فألقى نفسه بينهم ، وقال لهم : (هذي يدي لكم فاحكموا) فخجلوا منه ، وكبر في نفوسهم ، ثمّ شكروه ، ورجعوا إلى الكوفة. وفي المساء ، بعث

__________________

(١) تاريخ خليفة بن خياط. ج ١ / ٣٧٠. وتاريخ الطبري. ج ٧ / ٣٢٠.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٣٢٠. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٣٢٥.

(٣) دير هند : وهو أحد الأديرة الثلاث الموجودة في الحيرة ، وهو دير هند بنت النعمان بن المنذر (أحد ملوك المناذرة).

٤١٩

عبد الله بن عمر بمئات الآلاف من الدراهم إلى قادة ربيعة وأمرهم أن تقسّم في قومهم. (١)

ولمّا استولى الضحّاك بن قيس الشيبانيّ (الخارجيّ الحروري) على الكوفة ، قتل عاصم بن عمر (أخو عبد الله) وجعفر بن العباس الكنديّ (أخو عبيد الله بن العباس) وهزمت جيوش عبد الله بن عمر ، قالت أمّ البرذون الصّفرّية : (٢)

نحن قتلنا عاصما وجعفرا

والفارس الضبي حين أصحرا

ونحن جئنا الخندق المقعرا

ثمّ رثا عبد الله أخاه عاصما فقال : (٣)

رمى غرضي ريب الزمان فلم يدع

غداة رمى للقوس في الكفّ منزعا

رمى غرض الأقصى فأقصد عاصما

أخا كان لي حرزا ومأوى ومفزعا

فإن تك أحزان وفائض عبرة

إذا عبيطا من دم الجوف منقعا

تجرعتها من عاصم واحتسبتها

إذا عبيطا من دم الجوف منقعا

فليت المنايا كنّ خلّفن عاصما

فعشنا جميعا أو ذهبنّ بنا معا

وقال ابن عمر بن عبد العزيز ، يرثي أخاه عاصما : (٤)

فإن يك حزن أو تجرّع غصة

أمارا نجيعا من دم الجوف منقعا

تجرّعته في عاصم واحتسبته

لأعظم منه ما أحتسي وتجرعا

قتل عاصم بن عمر بن عبد العزيز سنة (١٢٧) للهجرة. (٥) ومن شعر

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٣٢٠.

(٢) المصدر السابق. ج ٤ / ١٩.

(٣) المصدر اعلاه. ج ٧ / ٣٢٠.

(٤) المبرد ـ الكامل. ج ٤ / ١٩.

(٥) الذهبي ـ أحداث التاريخ الإسلاميّ. ج ٦ / ١٤١.

٤٢٠