أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

شاكر) ، فسمعه (أبو شاكر) هذا فحقد عليه.

وكما ذكرت سابقا فقد كان خالد القسريّ ناصبيّا ويلعن الإمام عليّ عليه‌السلام ويحبّ ، بل ويجازي ويعطي كلّ من يسبّ الإمام عليّ ، حتّى ذكر بأنّه دخل عليه فراس بن جعدة بن هبيرة وبيده (نبق) فقال له خالد : إلعن عليّ ولك في كل نبقة دينار. ففعل فأعطاه خالد في كلّ نبقة دينار. (١)

وكان لخالد (عامل) أسمه (خالد بن آهي) فكان خالد يقول : والله إنّ خالد بن آهي أفضل أمانة من عليّ بن أبي طالب. (٢)

وقد لعن خالد القسريّ الإمام عليّ عليه‌السلام ذات يوم وعرّفه تعريفا تامّا ، إذ قال : عليّ بن أبي طالب أبن عمّ محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب وزوج ابنته فاطمة ، وأبو الحسن والحسين. (٣) وكان قصده من ذلك أن لا تخطأه اللعنة.

ويقال إنّ خالدا القسريّ هو أخو هشام بن عبد الملك من الرضاعة ، فقال له هشام ذات يوم : إن وليت الخلافة فسوف أوليك العراق ، وعند ما ولي هشام الخلافة ، ذهب إليه خالد وقال له : (لقد كانت لك الولاية اليك أشوق منك اليها وأنت لها أزين منها لك ومثلك ومثلها إلّا كما قال الأحوص (٤) بن محمّد). (٥)

وتزين طيب الطيب طيبا

إذ تمسيه أين مثلك أينا

وإذا الدّرّ زاد حسن وجوده

كان للدّرّ حسن وجهك زينا

__________________

(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢٢ / ١٨ ـ ١٦.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) نفس المصدر اعلاه.

(٤) الأحوص : هو عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن ثابت الأنصاريّ ، والأحوص لقبه وليس اسمه.

(٥) الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٣ / ٥١٢.

٣٨١

واستغل خالد القسريّ منصبه كأمير للكوفة ، شأنه في ذلك شأن من سبقه من الأمراء الأمويين فاشترى ضياعا كثيرة ، وبنى له دارا كبيرة في دمشق تعرف بدار اليزيديّ ، وبلغت وارداته في السنة (عشرة آلاف ألف درهم) وأخذ يتردد كثيرا على هشام بن عبد الملك ، حتّى قيل أنّه كان يتطاول على هشام ، فخطب في الكوفة ذات يوم وقد جاء في خطبته : (والله ما إمارة العراق مما يشرّفني). (١)

فلمّا سمع هشام بن عبد الملك غضب عليه وكتب إليه يقول : (بلغني يابن النصرانية إنّك تقول : إنّ إمارة العراق ليست مما يشرفك ، صدقت والله ، ما شيء يشرّفك وكيف تشرّف وأنت دعي إلى بجيلة ، القبيلة ، القليلة ، الذليلة ، أما والله إنّي لأضن أنّ أوّل ما يأتيك ضغن من قيس فيشد يديك إلى عنقك). (٢) ثمّ عزله ، وقيل : إنّ جماعة أرادوا قتل الوليد بن يزيد ، فطلبوا من خالد القسريّ أن يشاركهم في قتله فرفض ذلك ثمّ ذهب إلى الوليد وقال له : يا أمير المؤمنين دع الحجّ هذا العامّ ، وقال له الوليد : ممّن تخاف؟

اذكر لي أسمائهم. فقال خالد : قد نصحتك ولن أبوح بأسمائهم. فقال له الوليد : إذن سوف أبعث بك إلى عدوّك يوسف بن عمر ، عندها أرسله ليوسف بن عمر فعذّبه حتّى قتله. (٣) وقيل عزل خالد القسريّ عن العراق سنة (١٢٠) (٤) للهجرة عزله هشام بن عبد الملك ، وعيّن مكانه يوسف بن عمر.

__________________

(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢٢ / ٢٥.

(٢) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٨ / ٨٣.

(٣) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٥ / ٤٣٠.

(٤) صالح خريسات ـ تهذيب تاريخ الطبري. ص ٤٢٢. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٠٠. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢١٩. وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ٧ / ٣٧٠. وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١٤٠. والترمانيني ـ أحداث التاريخ الإسلاميّ. ج ١ / ٧٥٣. ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ١٥٢.

٣٨٢

وجلس خالد القسريّ يوما مع أصحابه وخواصّه وطلب منهم أن يحدثوه عن الحبّ أحاديث لا فحش فيها ، فقال أبو حمزة اليماني : كان فتى من العرب يسمّى (مالك بن نصر) وكانت له ابنة عمّ يحبّها وتحبّه يقال لها (الرباب) وكانت جميلة وذات عقل وكمال ، فبينما هما ذات يوم يتناجيان أخذ مالك يبكي ، فسألته (الرباب) عن سبب بكائه فقال لها : أخاف أن أموت وتتزوجين بعدي فتعاهدا سوية على أن لا يتزوج أيّ منهما إذا مات مدى الحياة ، ثمّ خرج مالك مع قتيبة بن مسلم الباهلي إلى خراسان ، وفي إحدى المعارك طعن برمح فسقط عن فرسه وهو يقول : (١)

ألا ليت شعري من غزال تركته

إذا ما أتاه مصرعي كيف يصنع؟

أيلبس أثواب السواد تسليّا

على مالك أم فيه للبعل (٢) مطمع؟

فلو أنّني كنت المؤخّر بعده

لما لبثت نفسي عليه تقطع

ثمّ مات مالك من أثر طعنته تلك وحزنت عليه الرباب حزنا شديدا كاد أن يؤدي بحياتها ، وكانت لا تهدأ من النوح والبكاء عليه ، فرّق لها أهلها وعزّ أمرها فزوجوها ظنّا منهم أن يكون في ذلك سببا لسعادتها ، ولمّا كانت الليلة الّتي ستزفّ بها الرباب إلى عريسها نامت هنيئة فرأت في منامها مالكا وهو واقف أمام الباب وهو يقول : (٣)

حييت ساكن هذا الدار كلّهم

إلّا الرباب فإنّي لا أحييها

استبدلت بدلا غيري وقد علمت

أنّ القبور تواري من ثوى فيها

فاستيقضت الرباب مذعورة وقصّت على أمّها ما رأته فهدئتها أمّها ،

__________________

(١) سعيد الكرمي ـ قول على قول. ج ٥ / ٢٧٥.

(٢) البعل : الزوج.

(٣) سعيد الكرمي ـ قول على قول. ج ٥ / ٢٧٥.

٣٨٣

ثمّ نامت الرباب وإذا بخيال مالك يعود اليها ثانية وهو يقول : (١)

قد كنت أحسبها للعهد راعية

حتّى تموت وما جفّت مآقيها

أمست عروسا وأمسى مسكني جدثا

حتّى تموت فإنّي لا ألاقيها

أمسيت في حفرة يبلى الحديد بها

لا يسمع الصوت نفسا من يناديها

فانتبهت الرباب من نومها مذعورة ومزّقت ثياب عرسها وعاهدت الله أن لا يجتمع رأسها مع رأس رجل ما عاشت ، ثمّ حزنت حزنا شديدا وماتت بعد ذلك بقليل.

قتل خالد بن عبد الله القسريّ سنة (١٢٦) (٢) للهجرة ، قتله يوسف بن عمر ودفن في ناحية (الحيرة) وكان عمره ستين سنة ، وقال فيه أبو الأشعث العبسيّ : (٣)

ألا أنّ خير الناس حيّا وميتا

أسير ثقيف عندهم في السلاسل

٦٥ ـ عبد الملك بن جزء بن حدرجان :

هو : عبد الملك بن جزء بن حدرجان الأزدي ، وهو من أهل فلسطين. (٤)

استخلفه خالد بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة سنة (١٠٦) (٥) للهجرة ، ثمّ عزله واستخلف مكانه إسماعيل بن أوسط البجليّ.

وكان عبد الملك بن حدرجان في مكّة ، وقد التقى به حميد بن مسلم

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٤٨. وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ٧ / ٣٧٠. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٥ / ٤٣٠. وابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ١٦٩.

(٣) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٥ / ٤٣٢.

(٤) تاريخ خليفة بن خياط. ج ٢ / ٥٣٥.

(٥) نفس المصدر السابق.

٣٨٤

الأزدي ، فدار الحديث بينهما عن يوم (عين الوردة) (١) فقال عبد الملك : من أعجب ما رأيت في ذلك اليوم (بعد هلاك القوم) أنّ رجلا (٢) جاء وهجم عليّ بسيفه ، فخرجنا إليه وقد عقر وهو يقول : (٣)

إنّي من الله إلى الله أفرّ

رضوانك اللهم أبدي وأسرّ

فقلت له : ممن أنت؟ قال : من بني آدم. فقلنا له : ممن؟ قال : (لا أحبّ أن أعرفكم ، ولا أن تعرفوني ، يا مخربي البيت الحرام). (٤)

ثم هجم عليه الناس فقتلوه ، فو الله ما رأيت رجلا قط أشجع منه. ثمّ دمعت عينا حميد بن مسلم ، فسأله عبد الملك : هل بينك وبينه قرابة؟ فأجابه حميد : لا ، هو رجل من مضر ، كان لي صديقا. فقال عبد الملك بن حدرجان : لا أرقأ الله دمعك ، أتبكي على رجل من مضر ، قتل على ضلالة؟

فقال حميد : لا والله ، ما قتل على ضلالة ، ولكنه قتل على بيّنة من ربّه وهدى ، فقال له عبد الملك : أدخلك الله مدخله. فأجابه حميد : آمين ، وأدخلك الله مدخل حصين بن نمير (٥) ، ثمّ لا أرقأ الله لك عليه دمعا ، ثمّ افترقا.

٦٦ ـ إسماعيل بن أوسط البجليّ :

استخلفه خالد بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة ، وذلك بعد

__________________

(١) عين الوردة : وهي المعركة الّتي حدثت بين التوابين وبين عبيد الله بن زياد سنة ٦٤ للهجرة ، وقد قتل فيها سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبه الفزاري وجماعة آخرين.

(٢) الرجل : هو عبيدة بن سفيان المزنيّ.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٥ / ٦٠٧.

(٤) نفس المصدر السابق.

(٥) حصين بن نمير الكوفي : وهو أحد قادة عبيد الله بن زياد ، قتله المختار بن عبيد الثقفيّ.

٣٨٥

عزل عبد الملك بن جزء بن حدرجان الأزدي. (١) وهو من مدينة حمص من أهل الشام.

وإسماعيل هذا من أعوان الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، ومن عتاة أصحابه ، وهو ثقفي أيضا. وبعد أن انتصر الحجّاج في معركة (دير الجماجم) أخذ الحجّاج يقتل كلّ من اشترك مع عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث في حروبه ، لذلك أخذ يطارد ويبحث عن الأشخاص الّذين حاربوه ، وكان من جملة هؤلاء (سعيد بن جبير) (٢) فأوعز الحجّاج إلى إسماعيل بن أوسط وإلى الملتمس بن الأحوص ، وإلى جماعة آخرين من ثقات أصحابه ، وطلب منهم أن يأتوه بسعيد بن جبير أينما وجدوه ، فأخذوا يسألون عنه هنا وهناك ، إلا أنّه لا أحد يرشدهم إليه.

وذات يوم مرّوا بصومعة فيها راهب ، فسألوه عن سعيد بن جبير ، فقال الراهب : أمّا سعيد بن جبير فإنّي لا أعرفه ، ولكنّي شاهدت البارحة شخصا أوصافه كذا وكذا ، توضأ من هذه البئر ، وصلّى ركعتين ، ثمّ سار في هذه البرية ، فأخذوا يتعقبون أثره ، حتّى وجدوه ساجدا ، فسلموا عليه ، فردّ السلام عليهم بعد الفراغ من صلاته ، ثمّ قالوا له : إنّ الحجّاج يطلبك ولا بدّ من الذهاب معنا ، ثمّ رجعوا إلى الدير وقد حلّ الظلام فقال لهم الراهب : ادخلوا الدير وأغلقوا الباب ، فإنّ المكان فيه سباع ، ووحوش ضارية فدخلوا الدير ، وأمتنع سعيد بن جبير عن الدخول إلى الدير ، فسألوه عن

__________________

(١) تاريخ خليفة بن خياط. ج ١ / ٣٥٨. والزركلي ـ الأعلام. ج ٢ / ٣١.

(٢) سعيد بن جبير : كوفي ، وهو أحد الأعلام البارزين في الفقه والتفسير والحديث ، ثار مع عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث على الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، وبعد معركة (دير الجماجم) هرب سعيد بن جبير إلى مكّة فقبض عليه خالد بن عبد الله القسريّ (أمير مكّة آنذاك) وأرسله إلى الحجّاج فقتله وكان عمره (٤٩) سنة وقيل (٥٠) سنة. (ابن سعد ـ الطبقات. ج ٦ / ٢٧٥ ، وياقوت الحموي ـ معجم الأدباء. ج ٣ / ١٦٣ ، وابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ١٠٨).

٣٨٦

السبب فقال : لا أحبّ أن ادخل منزلا لا يصلّي فيه أهله الصلاة الخمس ، فادخلوا أنتم ، وإنّي أعطيكم عهد الله وميثاقه أن لا أترك مكاني هذا حتّى الصباح فتركوه ، ولمّا مضى من اللّيل بعضه ، وإذا بأسد ولبوة (١) ، قد توجها نحو سعيد بن جبير فقربا منه وهما يزئران ، ثمّ بعد ذلك ابتعدا عنه قليلا ، ثمّ ربضا على الأرض فصاح الراهب : أنظروا يا قوم إلى صاحبكم!! أنظروا إلى سعيد بن جبير قائما يصلّي والأسد واللبوة رابضان بالقرب منه ، فتعجبوا من ذلك وقال بعضهم لبعض : بأيّ وجه نلقى الله غدا إذا ذهبنا بهذا الرجل إلى الحجّاج وقد يقتله؟ ولمّا أصبح الصباح خرج الراهب من صومعته وأسلم على يد سعيد بن جبير ، ثمّ جاءت جماعة الحجّاج وقالوا لسعيد : أيّها الرجل الصالح ، إنّ الحجّاج أخذ علينا الأيمان المغلظة أن نأتيه بك إذا وجدناك فأمرنا بالذي ترغب وتشاء ، فقال سعيد : إذا كنتم قد حلفتم ، وأعطيتم المواثيق ، فلا بدّ من الذهاب إلى الحجّاج. ولمّا وصلوا إلى (واسط) حيث كان الحجّاج هناك ، دخل عليه إسماعيل بن الأوسط (٢) ، وأخبره بأنّ سعيد بن جبير على الباب ، ثمّ حدثه بما رآى فغضب الحجّاج وقال لإسماعيل : أخرج وآتني به ، فلمّا دخل سعيد بن جبير على الحجّاج قال له الحجّاج : (لا مرحبا بك يا رأس النفاق). (٣) فقال سعيد : المنافق من كان من شيعة المنافقين ، فقال الحجّاج : صدقت يا شقي. قال : بل أنا سعيد بن جبير!! قال الحجّاج : بل أنت شقي ابن كسير. قال سعيد : كانت أمّي أعرف بي منك. قال الحجّاج : لقد شقيت أمّك حين ولدتك. قال سعيد : (العلم يعلمه غيرك). ثمّ وبعد محاورة طويلة بين الحجّاج وسعيد بن جبير ، قال الحجّاج : اضربوا عنقه.

__________________

(١) اللبوة : أنثى الأسد.

(٢) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٧ / ٣٢٢.

(٣) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ١٦١.

٣٨٧

وقيل : إنّ الحجّاج ندم بعد ذلك على قتل سعيد بن جبير وكان لا يهدأ له قرار ، ويستيقظ من نومه مرعوبا وهو يقول : ما لي ولسعيد بن جبير!!.

مات سعيد بن أوسط البجليّ سنة (١١٧) (١) للهجرة.

٦٧ ـ عبد الله بن عمرو البجليّ :

استخلفه خالد بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة في سنة (١١٧) للهجرة تقريبا وذلك بعد عزل إسماعيل بن أوسط البجليّ عنها ، ثمّ عزله وولّى أخاه عاصم بن عمرو البجليّ. (٢)

٦٨ ـ عاصم بن عمرو البجليّ :

استخلفه خالد بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة وذلك بعد عزل أخيه عبد الله بن عمرو البجليّ ، ثمّ عزله واستخلف مكانه ضبيس بن عبد الله البجليّ. (٣)

٦٩ ـ ضبيس بن عبد الله البجليّ :

استخلفه خالد بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة وذلك بعد عزل عاصم بن عمرو البجليّ. ثمّ عزله ، واستخلف مكانة نوف الأشعري. (٤)

__________________

(١) الذهبي ـ التاريخ الإسلاميّ. ج ٧ / ٣٢٢.

(٢) تاريخ خليفة بن خياط. ج ٢ / ٥٣٦.

(٣) تاريخ ابن خياط. ج ٢ / ٥٣٦.

(٤) المصدر السابق. ج ١ / ٣٥٨.

٣٨٨

٧٠ ـ نوف الأشعري :

استخلفه خالد بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة ، وذلك بعد عزل ضبيس بن عبد الله البجليّ ، ثمّ عزله ، واستخلف زياد بن عبيد الله الحارثي. (١)

٧١ ـ زياد بن عبيد الله الحارثي :

وهو : زياد بن عبيد الله بن قطن بن زياد بن الحارث بن ربيعة بن كعب وينتهي نسبه إلى قحطان الحارثي. (٢) وكنيته : أبو يحيى ، استخلفه خالد ابن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة ، وذلك بعد عزل نوف الأشعري ، ثمّ عزل خالد القسريّ عن إمارة العراقين سنة (١٢٠) (٣) للهجرة.

وعند ما جاء يوسف بن عمر أميرا على الكوفة سنة (١٢٠) للهجرة ، كان أميرها آنذاك زياد بن عبيد الله الحارثي ، فسأله يوسف بن عمر : من أنت؟ قال : زياد النجراني ، فخلى سبيله ، ثمّ أرسل على طارق (خليفة خالد القسريّ) فحبسه. (٤)

وزياد الحارثي هو : خال الخليفة العباسي (أبو العباس السفّاح) ، ذهب إلى الشام واتّصل بخالد بن عبد الله القسريّ ، ولمّا تولّى خالد إمارة العراق من قبل هشام بن عبد الملك سنة (١٠٥) للهجرة ، ذهب زياد الحارثي إلى

__________________

(١) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٥٨.

(٢) ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ٩ /؟

(٣) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٥٨.

(٤) ابن بكار ـ الأخبار الموفقيات. ص ٢٩٥.

٣٨٩

الكوفة فولّاه خالد (المعونة) في (الريّ) (١) ثمّ ولّاه الشرطة.

وقيل : إنّ خالد القسريّ قال لزياد الحارثي : (إذا سمعت بي قد ولّيت العراق فالحق بي). (٢) ولم تمض أيّام حتّى ولي خالد القسريّ العراق والمشرق كلّه فذهب زياد إلى الكوفة ودخل على خالد فرحّب به كثيرا وأعطاه ستمائة دينار ، ثمّ بقي زياد أياما في الكوفة يتردد خلالها على خالد.

وذات يوم أخبره خالد بأنّه قد ولّاه خراج (الريّ) وذلك بعد سنة (١٠٥) للهجرة (٣) ، وعند ما حوصر يزيد بن عمر بن هبيرة في (واسط) من قبل الجيوش العباسية ، كان زياد الحارثي وزياد بن صالح الحارثي مع ابن هبيرة ، وقالا لابن هبيرة : دعنا نذهب إلى أبي جعفر المنصور لنصلح بينكما ، وحينما ذهبا إلى أبي جعفر المنصور طلبا العفو والأمان لهما ولم يفعلا شيئا لأبن هبيرة ، كان ذلك سنة (١٣٢) (٤) للهجرة.

ولمّا بويع أبو العباس السفّاح بالخلافة في الكوفة سنة (١٣٢) للهجرة ، ولّاه إمارة مكّة والمدينة والطائف واليمامة بعد موت أميرها السابق داود بن عليّ ، ثمّ أقرّه أبو جعفر المنصور على ولايته ، عند ما جاء بعد أخيه السفّاح إلى الخلافة. (٥) وقيل مات داود بن عليّ سنة (١٣٣) للهجرة (أمير المدينة) فولّى أبو العباس السفّاح مكانه خاله زياد الحارثي. وأضاف له مكّة والطائف واليمامة. (٦) كما وحجّ بالناس في هذه السنة (أعني سنة ١٣٣

__________________

(١) الريّ : عاصمة خراسان وهي كبرى مدنها.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٢٧.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) المصدر اعلاه. ج ٧ / ٤٥٤.

(٥) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٤٤٨.

(٦) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٣٢١. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٤٤٨.

٣٩٠

للهجرة) هو زياد الحارثي. (١)

وفي شهر رجب من سنة (١٤١) للهجرة غضب أبو جعفر المنصور على زياد الحارثي فعزله عن المدينة ومكّة والطائف واليمامة ، ثمّ صادر أمواله وحبسه وكان سبب ذلك اتّهامه بمحاباته لمحمّد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (النفس الزكية) وأخيه إبراهيم ، وعدم اهتمامه بالقبض عليهما. (٢) وولّى مكانه محمّد بن خالد القسريّ ، وقال زياد الحارثي لما عزله المنصور : (٣)

ولو أنّي بليت بهاشمي

خؤولته بنو عبد المدان

صبرت على عداوته ولكن

تعالي فانظري بمن ابتلاني؟!

وفي سنة (١٤٤) للهجرة أمر أبو جعفر المنصور بحبس عبد الله بن الحسن (المحض) (٤) ، وأولاده وأخوته فحصلت مشادّة كلاميّة بين عبد الله وبين أبي جعفر المنصور وأراد المنصور أن يقتله فتدخل زياد الحارثي وقال لأبي جعفر المنصور : (هبه لي يا أمير المؤمنين ، فأنا آتيك بولديه). (٥) وجيء إلى زياد بن عبد الله الحارثي عند ما كان أميرا على المدينة بسلال خبيص ، هدية (٦) فظنّ زياد أنّها رطبا ، فقال : ضعوها وادعوا مساكين المسجد ليأكلوا منها. ولمّا فتحت السلال وإذا بها الخبيص يابس ، فغضب زياد وقال : اذهبوا بهؤلاء (٧) إلى السجن ، فقالوا : ولم أصلح الله الأمير؟!. قال : (لأنّكم تقيلون (٨)

__________________

(١) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٣٢٢.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٥٠٧. ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ١٧٣.

(٣) الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٣ / ٤٠.

(٤) المحض : لأن جد عبد الله لأبيه هو الحسن بن عليّ عليه‌السلام وجده لأمه هو الحسين بن عليّ عليهما‌السلام.

(٥) تاريخ الطبري. ج ٧ / ٥٢٣.

(٦) الخبيص : الحلوى المخبوصة.

(٧) هؤلاء : الّذين جاؤوا بالخبيص اليابس ، لأنهم استهزئوا بالمصلين وبزياد الحارثي.

(٨) القيلولة : النوم في الظهيرة ، أو الاستراحة في الظهيرة (الاضطجاع).

٣٩١

في المسجد وتصلون بغير وضوء).

وقيل : إنّه قال : (اضربوا كل واحد منهم عشرة أسواط ، فقد بلغني أنّهم يفسون في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (١) فقالوا : (نحلف بالله ألّا ندخل المسجد أبدا). (٢)

٧٢ ـ طارق بن أبي زياد :

وكان طارق بن أبي زياد (خليفة) خالد بن عبد الله القسريّ على الكوفة. وعند ما (٣) أراد هشام بن عبد الملك أن يعزل خالد القسريّ عن العراق ، كتب إلى يوسف بن عمر : (سر سرا ، أميرا على العراق ، وأشفني من أبن النصرانية (٤) وعماله). (٥)

وحينما علم طارق (نائب خالد القسريّ) ذهب إلى (واسط) لملاقاة خالد هناك ، فقال له خالد : كيف جئت بدون موافقتي؟ فأخبره طارق بخبر مجيء يوسف بن عمر أميرا على العراق بدلا منه ، فقال له خالد : وما هو الرأي يا طارق؟ قال طارق : أرى أن تذهب إلى الخليفة هشام بن عبد الملك (بنفسك) وتعتذر منه عمّا سمعه عنك ، وإذا رآك استحيا منك ، وزال منه ما كان عليك في نفسه وأنت لك منزلة عنده.

فقال خالد : لا يمكنني الذهاب إلى الخليفة قبل أخذ موافقته. قال طارق : فأرسلني إليه حتّى آتيك بموافقته ، فقال خالد : ولا هذا أيضا. قال

__________________

(٩) الآبي ـ نثر الدر. ج ٣ / ٢٩٤.

(١٠) التوحيدي ـ البصائر والذخائر. ج ٤ / ١٧٨.

(١١) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٥ / ٤٣٠.

(١٢) ابن النصرانية : هو خالد القسريّ.

(١٣) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٥ / ٤٣٠.

٣٩٢

طارق : أذهب (أنا) إلى الخليفة وأضمن له ما فاته من أموال عن السنين الماضية ، وآتيك بعهدك. فقال خالد : وكم هو المال؟ قال طارق : مائة ألف ألف. فقال خالد : ومن أين آتي بهذا المبلغ وأنا لا أملك عشرة آلاف درهم؟. قال طارق : أتحمّل أنا وسعيد (١) بن راشد أربعين ألف ألف ، وأبان والزيني عشرين ألف (٢) ألف ، وباقي المبلغ نوزعه على (العمّال) (٣) الآخرين ، فرفض خالد أيضا ، عند ذلك بكى طارق وودّع خالد القسريّ وقال له : هذا آخر ما نلتقي بالدنيا ، ثمّ رجع إلى الكوفة. (٤)

ولمّا وصل يوسف بن عمر إلى (النجف) في شهر جمادي الآخرة من سنة (١٢٠) للهجرة ، طلب إحضار طارق فجيء به ، فلمّا رآه يوسف بن عمر ، أمر بضربه خمسمائة سوط ، وقيل مات طارق من التعذيب! (٥)

ثم جاء يوسف بن عمر إلى الكوفة ، فذهب إلى الجامع فصلّى فقرأ : (إذا وقعت الواقعة) ، ثمّ قرأ : (وسأل سائل) ثمّ أرسل إلى خالد القسريّ وأصحابه فحبسهم. (٦)

ومرّ طارق (صاحب شرطة خالد القسريّ) (٧) بأبن شبرمة (٨) ، وكان طارق في موكب عظيم فلمّا رآه ابن شبرمة ، تنفس الصعداء وقال :

__________________

(١) سعيد بن راشد : كان يتقلد سقي الفرات.

(٢) أبان والزيني : أحد الأمراء التابعين للكوفة ، وكان أميرا على واسط.

(٣) العمال : المقصود بهم أمراء البصرة وواسط وعمال الخراج.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢٢٢.

(٥) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٧ / ١٠٣.

(٦) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢٢٣. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٥ / ٤٣١.

(٧) وقد ذكر صاحب العقد الفريد : بأن طارق كان واليا على البصرة عند مروره بموكبه على ابن شبرمة.

(٨) أبن شبرمة : هو عبد الله بن شبرمة بن حسّان الضبي وكنيته : أبو شبرمة الكوفي ، ولي القضاء لهشام بن عبد الملك في الكوفة. ولد سنة (٧٢) للهجرة ومات سنة (١٤٤) للهجرة.

٣٩٣

أراها (١) وإن كانت تحبّ كأنّها

سحابة صيف عن قريب تقشع

ثمّ قال : (اللهم لي ديني ولهم دنياهم). ثمّ عيّن ابن شبرمة بعد ذلك قاضيا في الكوفة ، فقال له ابنه : أتذكر يوم مرّ بك طارق في موكبه وقلت ما قلت؟ فقال أبوه : (يا بنيّ إنّهم يجدون مثل أبيك ، ولا يجد مثلهم أبوك ، إنّ أباك أكل من حلوائهم ، وحطّ في أهوائهم). (٢)

وكان طارق (أمير الكوفة) قد ختن ولده فأهدوا له : ألف عتيق ، وألف وصيف ، وألف جارية ، ما عدا الثياب والأموال. (٣)

٧٣ ـ يزيد بن خالد القسريّ :

هو يزيد بن خالد بن عبد الله القسريّ (٤). كان مع أبيه (خالد) في العراق (٥). ولّاه هشام بن عبد الملك إمارة (العراقين) سنة (١٢٠) للهجرة مكان أبيه خالد القسريّ ، وولّى في هذه السنة نصر بن سيّار بلاد خراسان بأجمعها. (٦)

ولمّا ولّي يزيد بن خالد القسريّ إمارة الكوفة ، سار بهم سيرة الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، فأخذ أموال الناس دون حقّ ، وقتل الرجال بلا رحمة ، ولا هوادة ، حتّى شكاه الناس إلى هشام بن عبد الملك فعزله. وولّى

__________________

(١) ابن قتيبة ـ عيون الأخبار. ج ١ / ٥٦. وابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ١ / ٨١. والجاحظ ـ البيان والتبيين. ج ٣ / ١٤٦.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٥ / ٤٣١.

(٤) وقد مرّ نسبه عند ذكر نسب أبيه خالد القسريّ ص ١٦٧.

(٥) أبو الفرج الأصفهاني ـ الاغاني. ج ١ / ٢٢. وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ٧ / ٣٦٩. والمزن ـ تهذيب الكمال. ج ٩ / ١٠٨.

(٦) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٨ / ١٠٧.

٣٩٤

مكانه يوسف بن عمر ، وأمره أن يأخذ يزيد بن خالد القسريّ فيعذّبه أشدّ عذاب ويأخذ منه الأموال الّتي جباها من أهل العراق. (١) فجاء يوسف بن عمر ونزل في (الحيرة) ، وجيء بيزيد بن خالد من البصرة ، فأخذ منه أموالا كثيرة ، وأخذ يعذّبه ليعترف بالأموال الباقية ، وهدّده بالقتل إن لم يدفعها. فقال له يزيد بن خالد : لا تسرع بقتلي ، فإن لي بذمة زيد بن عليّ ابن الحسين ، ومحمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب ، وداود بن عليّ بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، وإبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف ، وأيوب بن سلمة بن عبد الله المخزومي (وكان هؤلاء جميعهم حينذاك في الشام عند هشام بن عبد الملك). فكتب يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك ليعلمه بذلك ، فدعاهم هشام ، فأنكروا ما ادعاه يزيد بن خالد ، ثمّ بعد ذلك أرسلهم هشام إلى يوسف بن عمر ليجمع بينهم ويتوصل إلى حقيقة الأمر. ولمّا وصلوا إلى الكوفة ، سألهم يوسف بن عمر عن الأموال الّتي استودعها لديهم يزيد بن خالد القسريّ ، فأنكروا ذلك ، ثمّ أحضر يزيد بن خالد فقال له يوسف بن عمر : هؤلاء القوم ، الّذين ادعيت إنّك استودعتهم الأموال ، فماذا تقول؟ فقال يزيد بن خالد : (ما لي عندهم قليل ولا كثير ولا دعوة ولا طلبة). فغضب يوسف بن عمر فأودعه السجن ، وأخذ يعذّبه حتى مات. (٢)

هذا وقد ذكر أكثر المؤرخين بأنّ يزيد بن خالد القسريّ قد قتل في

__________________

(١) وذكر البعقوبي بتاريخه أن هشام بن عبد الملك أرسل يوسف بن عمر إلى الكوفة وأمره أن يقبض على خالد بن عبد الله القسريّ (وليس أبنه يزيد) وأن يأخذ منه ستّة وثلاثين ألف ألف درهم. (تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٣٢٣).

(٢) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٨ / ١١٠.

٣٩٥

دمشق ، وذلك عند ما ثار أهل الغوطة (١) ، وولّوا عليهم يزيد بن خالد فحاصروا مدينة دمشق ، وكان أميرها آنذاك (زامل بن عمرو) فأرسل اليهم مروان بن محمّد (آخر ملوك بني أميّة) جيشا بقيادة أبا الورد بن الكوثر بن زفر بن الحارث ، ومعه عمرو بن الوضّاح في عشرة آلاف مقاتل ، فحدثت معركة بين الطرفين ، أسفرت عن هزيمة أصحاب يزيد القسريّ ، ثمّ ألقي القبض على يزيد فقتلوه (٢) ، ثمّ صلب على باب الفراديس بدمشق وبعثوا برأسه إلى مروان بن محمّد في حمص ، ثمّ نهبوا عسكره وأحرقوا (المزة) وقرى من اليمانية.

وقيل أيضا بأنّ يزيد بن خالد القسريّ هو الّذي قتل يوسف بن عمر في سجنه بدمشق ثأرا لأبيه. (٣)

٧٤ ـ يوسف بن عمر :

هو : يوسف بن عمر بن محمّد بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود الثقفيّ ، وهو ابن عم الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، وكنيته : أبو عبد الله. (٤)

ولّاه هشام بن عبد الملك إمارة الكوفة سنة (١٢٠) للهجرة ، وذلك بعد عزل خالد بن عبد الله القسريّ عنها. (٥)

__________________

(١) الغوطة : وهي ضاحية من ضواحي دمشق ، مشهورة ببساتينها ومروجها وطيب هوائها.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٣٢٩. وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١١٣. والزركلي ـ الأعلام. ج ٩ / ٢٣٤. والزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ١ / ١٨٥. وتاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٧٤.

(٣) ابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ١٧٢. والزركلي ـ الأعلام. ج ٩ / ٣٢٠. وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١١٣.

(٤) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٨ / ١٠٨. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٥ / ٤٤٢.

(٥) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٥٨. وابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٨ / ١٠٧. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٢٠١. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢١٩. وابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٧ / ١٠١. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٥ / ٤٤٢. وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١٤١. والترمانيني ـ أحداث التاريخ الإسلاميّ. ج ١ / ٧٥٣.

٣٩٦

وقد كتب هشام بن عبد الملك كتابا بخط يده (لم يطّلع عليه أحد) إلى يوسف بن عمر وكان (أميرا على خراسان) يأمره بالذهاب إلى العراق حتّى يصل الكوفة ، فيقبض على خالد بن عبد الله القسريّ ، ويأخذ منه ستّة وثلاثين ألف ألف درهم. (١)

ولمّا وصل يوسف بن عمر إلى الكوفة ، فدخل المسجد ، وجاء خالد القسريّ ليصلّي بالناس فمنعه يوسف بن عمر ، وأخرجه من المسجد ، ثمّ صلّى يوسف بالناس ، وقرأ في الركعة الأولى : (إذا وقعت الواقعة) ، وقرأ في الركعة الثانية (سأل سائل بعذاب واقع) ثمّ قبض على خالد القسريّ وأصحابه ، وعذّبه عذابا شديدا.

وقيل كان خالد القسريّ جالسا على دكّة دكّان ، فجذبه يوسف حتّى سقط على وجهه. (وقال بعض الحاضرين : قد فعل خالد بعمر بن هبيرة ، مثلما فعله به يوسف بن عمر ، فمن ولي فليحسن) (٢).

وكان يوسف بن عمر ، قصير القامة (. جدا) ذو لحية طويلة (جدا) تصل إلى أسفل سرته ، وكان يضرب به المثل في الحمق ، وكان إذا أراد أن يخيط له ثوبا ، فيشتري القماش ويذهب به إلى الخياط ، فاذا قال له الخياط : بإنّ القماش قليل ، ويحتاج إلى قماش اكثر ، أكرمه ، وإن قال له : بأن القماش كثير ، أهانه ، لأنّه يشعر بقصره.

وقد سار يوسف بن عمر بأهل الكوفة كسيرة ابن عمّه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ في قسوته ، وتعذيبه للناس طيلة إمارته على الكوفة ، وخطبته في أهل الكوفة بعد مقتل زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام خير دليل على قساوته ولؤمه ، وحقده ، فقد جاء فيها : (يا أهل المدرة

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٣٢٣.

(٢) صالح خريسات ـ تهذيب تاريخ الطبري ص / ٤٤٩.

٣٩٧

الخبيثة ، إنّي والله ما تقرّن بي الصعبة ولا يقطع لي الشنآن ، ولا أخوّف بالذنب ، هيهات ، حبيت بالساعد الأشد ، أبشروا يا أهل الكوفة بالصغار والهوان ، لا عطاء لكم عندنا ولا رزق ، ولقد هممت أن أضرب بلادكم ودوركم ، وأحرمكم أموالكم ، أما والله ما علوت منبري إلا أسمعتكم ما تكرهون عليه ، فإنّكم أهل بغي وخلاف ، ما منكم إلّا من حارب الله ورسوله إلّا حكيم بن شريك المحاربي ، ولقد سألت أمير المؤمنين أن يأذن لي فيكم ، ولو أذن لقتلت مقاتلتكم ، وسبيت ذراريكم). (١)

وكان زيد بن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام قد ثار بالكوفة سنة (١٢١) للهجرة ، وقد تسرّع في ثورته ، حيث ضايقه يوسف بن عمر كثيرا ، وقال عند ما ثار : (٢)

شرّده الخوف وأزرى به

كذلك من يكره حرّ الجلاد

محتفي الرجلين يشكو الوجى

تنكبه أطراف مرو حداد

وقد كان له في الموت راحة

والموت حتم في رقاب العباد

فأرسل إليه يوسف بن عمر جيشا لمحاربته ، فوقعت معركة بين الطرفين ، انهزم فيها أصحاب زيد بن عليّ ، وبقي يحارب في جماعة قليلة وهو يقول : (٣)

أذلّ الحياة وعزّ الممات

وكلا أراه طعاما وبيلا

فإن كان لا بدّ من واحد

فسيري إلى الموت سيرا جميلا

وأثناء المعركة جاء سهم فأصابه في جبهته ، فجيء إليه بطبيب لينزع السهم فقال الطبيب لزيد : إذا انتزعت السهم فسوف تموت. فقال له زيد :

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٧ / ١٩١.

(٢) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٢٠٦. والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٣٤.

(٣) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٢٠٧. وابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٦ / ١١٠.

٣٩٨

الموت أحسن مما أنا فيه. فانتزع السهم ، فمات زيد في ساعته ، وذلك في يوم الجمعة من شهر صفر من سنة (١٢١) للهجرة ، وقيل سنة (١٢٢) ، ثمّ دفن في ساقية وأجري الماء فيها لكيلا يعرف قبره. (١) وذهب ذلك الطبيب إلى يوسف بن عمر ، فدلّه على موضع قبره (٢) ، فاستخرجه يوسف بن عمر فقطع رأسه وأرسله إلى الشام إلى هشام بن عبد الملك ، وصلب جثته (عريانا) على جذع نخلة في كناسة الكوفة ، وصلب معه : معاوية بن إسحاق ، وزياد الهندي ونصر بن خزيمة العبسيّ ، وبقي مصلوبا إلى خلافة الوليد بن يزيد ، وقيل بقي مصلوبا خمس سنين عريانا.

ولمّا ثار أبنه يحيى بن زيد في (الجوزجان) كتب الوليد بن يزيد إلى يوسف بن عمر : (أما بعد ، فإذا أتاك كتابي هذا ، فانظر عجل أهل العراق ، فاحرقه ، وانسفه في اليم نسفا والسلام). (٣)

فأنزله يوسف ، وأحرقه بالنار ، ثمّ ذراه في نهر الفرات (٤) ، وفي هذا قال شاعر من بني أميّة يخاطب آل أبي طالب :

صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة

ولم أر مهديّا على الجذع يصلب

وقال الفضل بن العباس بن عبد الرحمن بن ربيعة يرثي زيد بن عليّ بقصيدة نقتطف منها : (٥)

__________________

(١) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٨ / ١٣٦. وأبو الفرج الأصبهاني ـ مقاتل الطالبيين. ص ١٤٤. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢٧٢.

(٢) وقيل إنّ الّذي أرشدهم إلى قبره ، فلاح بنطي كان يسقي زرعه رآهم حين دفنوه ، وقيل مملوكا سنديا كان لزيد بن عليّ أخبرهم به ، وقيل غير ذلك.

(٣) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٨ / ١٣٦.

(٤) المصدر الاوّل السابق. وأبو الفرج الأصبهاني ـ مقاتل الطالبيين. ص ١٤٤. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢٧٢.

(٥) أبو الفرج الأصبهاني ـ مقاتل الطالبيين. ص ١٤٩.

٣٩٩

ألا يا عين لا ترقي وجودي

بدمعك ليس ذا حين الجمود

غداة ابن النبيّ أبو حسين

صليب بالكناسة فوق عود

يظلّ على عمودهم ويمسي

بنفسي أعظم فوق العمود

تعدّى الكافر الجبار فيه

فأخرجه من القبر اللحيد

فظلّوا ينبشون أبا حسين

خضيبا بينهم بدم جسيد

وقال أبو ثميلة الأبار يرثي زيدا بقصيدة نقتطف منها :

والناس قد أمنوا وآل محمّد

من بين مقتول وبين مشرّد

نصب إذا ألقى الظلام ستوره

رقد الحمام ، وليلهم لم يرقد

يا ليت شعري والخطوب كثيرة

أسباب موردها وما لم يورد

ما حجّة المستبشرين بقتله

بالأمس أو ما عذر أهل المسجد؟

ثمّ ثار بعد زيد بن عليّ ابنه (يحيى) ، فلمّا سمع يوسف بن عمر ، أرسل حريث بن أبي الجهم في طلبه ، فذهب يحيى إلى المدائن ، ثمّ إلى الريّ ، وهناك قبض عليه نصر بن سيّار ، فقيده وحبسه ، وكتب إلى يوسف بن عمر يعلمه بذلك ، فكتب هذا إلى الوليد يخبره أيضا ، فكتب إليه الوليد بإطلاق سراح يحيى بن زيد وجماعته.

ثمّ أخذ يحيى بن زيد وجماعته ينتقلون من مكان لآخر ، وجواسيس نصر بن سيّار تلاحقهم ، إلى أن وصلوا إلى أرض (الجوزجان) فبعث نصر ابن سيار إلى سلم بن حوز في ثمانية آلاف فارس من أهل الشام ، فدارت معركة بينه وبين يحيى بن زيد استمرت ثلاثة أيّام ، قتل خلالها أصحاب يحيى جميعهم ، وأثناء المعركة جاء سهم ، فأصاب يحيى في جبهته ، فمات على أثر ذلك سنة (١٢٥) (١) للهجرة ، فقطعوا رأسه ، وأرسلوه إلى نصر بن سيّار ،

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢٧١.

٤٠٠