أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

وحينما وصل يزيد بن المهلّب إلى واسط ، طالبه الحجّاج بأموال خراسان ، كما طالبه بدفع مبلغ سبعة آلاف ألف درهم ، ثمّ نادى الحجّاج جلاوزته ، وأمرهم بتقييده ومن ثمّ إيداعه السجن ، ثمّ تمكّن يزيد بن المهلّب من الهرب من السجن (بعد أن رشى السجّان) وذهب إلى فلسطين ، واستجار بسليمان بن عبد الملك فأجاره (١) ، كان ذلك سنة (٩٠) للهجرة.

وقيل إنّ يزيد بن المهلّب ، عند ما كان في السجن ، أخذ الحجّاج يعذبه كثيرا ، فطلب منه يزيد أن يخفف عنه العذاب ، فيعطيه عن كلّ يوم مائة ألف درهم ، فتعجب الحجّاج من جوده وهو في تلك الحال. (٢)

ولمّا سمع الحجّاج بهروب يزيد بن المهلّب ، ولجوءه إلى سليمان بن عبد الملك ، كتب إلى الوليد بن عبد الملك يعلمه بخبر ابن المهلّب ، فكتب الوليد إلى أخيه سليمان وألّح عليه بإرسال ابن المهلّب إليه ، وحينما رآى سليمان إصرار أخيه بطلب ابن المهلّب (٣) ، أخذ سليمان بابنه (أيوب) وقيّده بسلسلة واحدة مع يزيد بن المهلّب ، وأرسلهما إلى أخيه الوليد ، وكتب إليه يقول : (لقد أرسلت اليك يزيد بن المهلّب ، فابدأ بأيوب قبله ، ثمّ اجعل يزيد ثانيا ، واجعلني ثالثا إن شئت والسلام). (٤)

ولمّا جيء بيزيد وأيوب بتلك الحالة ، خجل الوليد ، وعفا عن يزيد ، ثمّ كتب إلى الحجّاج بأن لا يكتب إليه بشأن يزيد بن المهلّب مرّة ثانية.

ثمّ مات الوليد بن عبد الملك سنة (٩٦) للهجرة ، وجاء بعده أخوه سليمان بن عبد الملك ، وأراد سليمان أن يعيّن يزيد بن المهلّب أميرا على

__________________

(١) ابن بكار ـ الأخبار الموفقيات. ص ٢٩٨. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٦ / ٢٩٥.

(٢) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٦ / ٢٧٩.

(٣) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ٢١٤. ومحمّد أبو الفضل ـ قصص العرب. ج ١ / ٢٢٩.

(٤) نفس المصدر السابق.

٣٢١

العراق ، إلّا أنّ يزيد اعتذر إليه ، فولّاه خراسان (حربها وخراجها) كما كان أوّل مرّة ، وعيّن صالح بن عبد الرحمن مولى تميم أميرا على العراق. (١)

وذهب يزيد بن المهلّب إلى خراسان ، فأخذ يعذّب (عمال) قتيبة بن مسلم الباهلي وكلّ من تعاون معه ، قتلا وحبسا ، فقال عبد الله بن همّام السلوليّ : (٢)

خذ العفو واصفح يا يزيد فإنّي

رأيت ثواب الله خيرا وأفضلا

ولا تسمعنّ قول الوشاة فإنّهم

يودون لو يسقى الرعاف المثملا

خف الله في قوم ثووا مذ خفتهم

يرجون عدلا من لدنك مؤملا

وأنت ثمال يا يزيد فلا تكن

عليهم عذابا بالبلاء موكلا

وأرسل أبو الحرباء الغنوي من سجنه إلى ابن المهلّب بقصيدة نقتطف منها : (٣)

يا ابن المهلّب لا تسمنا خطة

قد كنت تكرهها وأنت أسير

إنّ الفضيلة كاسمها أكرومة

ولها حبور بيّن وسرور

واصفح بعفوك عن ذنوب سراتنا

إنّ المسامح ذنبه مغفور

فعفا عنهم.

ثمّ مات سليمان بن عبد الملك سنة (٩٩) للهجرة ، وجاء بعده عمر بن عبد العزيز ، فكتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن المهلّب يدعوه لمبايعته ، فجاء ابن المهلّب إلى العراق ، وقبل وصوله إلى البصرة ، فوجئ برسول عدي ابن أرطأة ، يدعوه للذهاب إلى واسط ، فذهب ابن المهلّب إلى واسط ، فطلب

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢٩٦ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢٣.

(٢) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ١ / ٢٠٦.

(٣) المصدر السابق. ج ٧ / ٢٨٥. ـ تاريخ الطبري. ج ٦ / ٥٤٦.

٣٢٢

منه ابن أرطأة أن يسلّمه الأموال الّتي جباها في بلاد خراسان وجرجان وطبرستان ، فقال ابن المهلّب بأنّ الأموال قد صرفت على جنود المسلمين في تلك البلدان ، عندها أخذه أسيرا إلى عمر بن عبد العزيز ، فحبسه عمر. (١)

ومرض عمر بن عبد العزيز ، مرضه الّذي مات فيه ، وما زال ابن المهلّب في سجنه ، ففكر يزيد بالهرب من السجن خوفا من يزيد بن عبد الملك إذا تولى الخلافة ، لأمر قديم كان بينهما ، ثمّ هرب بن المهلّب من السجن ، وكتب إلى عمر بن عبد العزيز يبيّن له أسباب هروبه من السجن. (٢)

وعند هروب ابن المهلّب من سجن عمر بن عبد العزيز في (حصن حمص) مرّ بطريقه على إعرابية فأهدت له عنزا فقبلها وقال لابنه (معاوية) كم عندك من مال؟ فقال ابنه : ثمانمائة درهم. قال : ادفعها إليها ، فقال له أبنه : إنّها لا تعرفك وترضى باليسير ، فقال أبوه : إن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي وإن كان يرضيها اليسير فأنا لا أرضى إلّا بالكثير. (٣)

وعند ما كان يزيد بن المهلّب في السجن ، دخل عليه الفرزدق فرآه مقيدا بالحديد فأنشد يقول : (٤)

أصبح في قيدك السماحة وال

جود وحمل الديات والحسب

لا بطر إن ترادفت نعم

وصابر في البلاد محتسب

فقال له يزيد بن المهلّب : ويحك ، ماذا صنعت؟ لقد أسأت إليّ ، فقال

__________________

(١) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ٣١٩.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٥٦٤.

(٣) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ١ / ٢٠٦.

(٤) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٤ / ٥٠٤.

٣٢٣

الفرزدق : ولم ذاك؟! قال يزيد : أتمدحني وأنا على هذه الحالة؟ قال الفرزدق : رأيتك رخيصا ، فأحببت أن أسلف فيك بضاعتي ، فرمى إليه يزيد بخاتمه وقال له : لقد اشتريته بألف دينار ، وهو ربحك إلى أن يأتيك رأس المال.

ووصل يزيد بن المهلّب إلى البصرة (بعد هروبه من السجن) وكان أميرها عدي بن أرطأة ، والأمير على الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن ، فكتب ابن المهلّب إلى عدي يقول : إنّك حبست أهلي ومالي وأصحابي ، وليس لهم ذنب ، وإنّما أنا المطلوب فخلّي عنهم ، وأطلق سراحهم ، وإنّي أعاهدك بأن لا أدخل البصرة حتّى يأذن لي أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك ، فرفض ابن أرطأة طلبه.

ثمّ حدثت معركة بين الطرفين ، أسفرت عن هزيمة عدي بن أرطأة ، وألقي عليه القبض فأودع السجن. (١)

ثمّ اجتمع أهالي البصرة ، وبايعوا يزيد بن المهلّب ، وسلّموه بيت المال ، فوجد فيه عشرة آلاف درهم ، فوزعها يزيد على الناس ، ثمّ كتب إلى عمّاله في الأهواز وفارس وكرمان ومكران ، والسند والهند ، وسائر البلدان ، ثمّ اجتمع الناس في الجامع ، فخطب فيهم وقال : (أيّها الناس ، أنا رجل منكم ، أعاني ما تعانون منه ، وأحامي بما تحامون عليه ولست أقول بأنّي خليفة ، ولكني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى جهاد أهل الشام ، محرقي البيت الحرام ، فإنّ جهادكم أفضل من جهاد الترك والديلم ، ألا فاسمعوا وأطيعوا يرحمكم الله). (٢)

ولمّا سمع يزيد بن عبد الملك بمبايعة يزيد بن المهلّب ، أرسل أخاه (مسلمة) وابن أخيه (العباس بن الوليد بن عبد الملك) لمحاربة المهلّب ،

__________________

(١) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٨ / ٩.

(٢) نفس المصدر السابق.

٣٢٤

فساروا والتقت الجيوش في (فم الفيل) (١) فوقعت معركة ضارية بين الطرفين قتل فيها ثلاثة آلاف فارس ، وكان يزيد بن المهلّب وسط القتلى ، فقال رجل من أهل الشام : (٢)

ألا ترى بطشة الله الّتي بطشت

بابن المهلّب أن الله ذو نقم

فما الجياد من البلقاء منطلقا

شهرا يغلغل في الاسان والنجم

فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم

كأنهم من ثمود الحجر أو إرم

وقال الشاعر ثابت (٣) بن قطنة يرثي يزيد بن المهلّب : (٤)

كلّ القبائل بايعوك على الّذي

تدعو إليه طائعين وساروا

حتّى إذا حضر الوغى وجعلتهم

نصب الأسنة أسلموك وطاروا

إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن

عارا عليك وبعض قتل عار

وقال ثابت بن قطنة أيضا يرثي ابن المهلّب : (٥)

أبى طول هذا اللّيل أن يتصرّما

وهاج لك الهمّ الفؤاد المتيما

أرقت ولم تأرق معي أمّ (٦) خالد

وقد أرقت عيناي حولا محرّما

وقال ابن قطنة يرثيه أيضا : (٧)

ألا يا هند طال عليّ ليلي

وعاد قصيره ليلا تماما

كأنّي حين حلقت الثريا

سقيت لعاب أسود أو سماما

__________________

(١) فم الفيل : يعرف هذا.

(٢) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٨ / ١٩.

(٣) ثابت بن قطنة : من شعراء خراسان وفرسانهم.

(٤) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٦ / ٣٠٧.

(٥) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٨٨.

(٦) أم خالد : زوجة يزيد بن المهلّب.

(٧) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٦٠٣.

٣٢٥

وقد وفد جماعة من قضاعة على يزيد بن المهلّب ، فقال رجل منهم : (١)

والله ما ندري إذا ما فاتنا

طلب اليك من ذا الّذي نتطلب

ولقد ضربنا في البلاد فلم نجد

أحدا سواك إلى المكارم ينسب

فاصبر لعادتنا الّتي عودتنا

أو لا فارشدنا إلى من نذهب

فأعطاه ألف دينار ، ولمّا كان العام القادم جاء إليه ذلك الرجل فقال : (٢)

ما لي أرى أبوابهم مهجورة

وكأنّ بابك مجمع الأسواق

حابوك أم هابوك أم شاموا الندى

بيديك فاجتمعوا من الآفاق

إنّي رأيتك للمكارم عاشقا

والمكرمات قليلة العشاق

فأعطاه عشرة آلاف درهم.

وقيل لما ذهب يزيد بن المهلّب إلى الحجّ اعطى الحلّاق الف درهم فتعجب الحلاق ودهش فقال : سأذهب وأبشر أمّي بهذا. فقال يزيد : أعطوه ألفا أخرى فقال الحلاق : إمرأتي طالق ، ان حلقت رأس أحد بعدك. فقال ابن المهلّب : أعطوه ألفين آخرين (٣).

وقيل باع وكيل ليزيد بن المهلّب (بطيخا) بأربعين ألف درهم ، جاءه من بعض مزارعه ، ولمّا سمع يزيد بذلك قال لوكيله : (جعلتنا بقّالين)!! أما كان في عجائز الأزد من توزّعه عليهن)؟ (٤)

فمدحه (عمر بن لجأ) وقيل المغيرة شاعر آل المهلّب فقال : (٥)

آل المهلّب قوم إن نسبتهم

كانوا الأكارم آباءا وأجدادا

__________________

(١) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ١ / ٣٠٥.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ج ٤ / ٥٠٤.

(٤) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ج ٦ / ٢٨٣.

(٥) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ج ٦ / ٢٨٣. والأبشيهي ـ المستطرف من كل فن مستظرف ج ١ / ٣٠٧.

٣٢٦

كم حاسد لهم يعيا بفضلهم

وما دنا من مساعيهم ولا كادا

إنّ العرانين تلقاها محسدة

ولا ترى للئام الناس حسّادا

إنّ المكارم أرواحا يكون لها

آل المهلّب دون الناس أجسادا

ومن المعروف عن يزيد أبن المهلّب ، أنّه لم يبني قصرا في حياته ، أسوة بالأمراء ، ورؤساء القبائل. فسئل ذات مرّة عن سبب ذلك ، فأجاب : (منزلي ، دار الأمارة ، أو الحبس) (١). وكان يزيد بن المهلّب يتمثل بقول حصين بن الحمام في حروبه (٢) :

تاخرت أستبقي الحياة فلم أجد

لنفسي حياة مثل ان أتقدما

وقال يزيد بن المهلّب : (الحياة أحبّ شيء إلى الأنسان ، والثناء الحسن أحبّ اليّ من الحياة ، ولو أنّي أعطيت مالم يعطه أحد ، لأحببت أن تكون لي أذن اسمع بها ما يقال غدا ، إذا متّ كريما). (٣)

وقيل ليزيد بن المهلّب : ما هو أحسن ما مدحت به؟ قال : قول زياد الأعجم : (٤)

فتى زاده السلطان في الحمد رغبة

إذا غيّر السلطان كلّ خليل

وكما وجد من يمدح آل المهلّب فهناك من ذمّهم وهجاهم ، فقد بعث يزيد بن عبد الملك بهلال بن أحوز المازني ، وأمره أن يقتل كلّ من وجده من آل المهلّب ، ومن بلغ منهم سن الرشد ، في جميع البلاد.

وفي هلال هذا قال جرير يمدحه (٥) :

__________________

(١) أبن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد ج ١ / ١٠٣ و٣٠٣.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) الزمخشري ـ ربيع الأبرار ج ٤ / ١٦٠ و٢٢٨.

(٤) نفس المصدر السابق.

(٥) المسعودي ـ مروج الذهب ج ٣ / ٢٠١ والمبرد ـ الكامل ج ٣ / ٢٢٤.

٣٢٧

أقولها من ليلة ليس طولها

كطول الليالي ليت صبحك نورا

أخاف على نفسي ابن أحوز إنّه

جلى كلّ هم في النفوس فأسفرا

فلم يبق منهم راية تعرفونها

ولم يبق من آل المهلّب عسكرا

وقال جرير أيضا يهجو آل المهلّب ، ويمدح يزيد بن عبد الملك (١) :

يا رب قوم وقوم حاسدين لكم

ما فيهم بدل منكم ولا خلف

آل المهلّب جزّ الله دابرهم

أمسوا رمادا فلا أصل ولا طرف

ما نالت الأزد من دعوى مضلّهم

إلا المعاصم والأعناق تختطف

والأزد قد جعلوا المنتوف قائدهم

فقتلهم جنود الله وانتسفوا

وكما ذكرنا قبل قليل ، فقد وقعت معارك دامية بين جيش يزيد بن المهلّب وجيش مسلمة بن عبد الملك ، قتل خلالها يزيد بن المهلّب ، بعد أن تخلّى عنه اكثر أصحابه ، إذ لاذوا بالفرار ، ثمّ جيء برأس يزيد بن المهلّب ، وبرؤوس أخوته الباقين إلى مسلمة بن عبد الملك ، فقال : (أترى هؤلاء القوم قد خرجوا (ثاروا) علينا ، كانوا يظنّون أنّ الخلافة فيهم؟ لئن كانوا ظنّوا ذلك فلقد ظنّوا إفكا وزورا). فأنشأ جرير يقول : (٢)

آل المهلّب جزّ الله دابرهم

أضحوا رفاتا فلا أصل ولا طرف

إنّ الخلافة لم تخلق ليملكها

عبد لأزدية في خلقها عنف

ثم صلب يزيد بن المهلّب ، وصلب خنزير معه ، احتقارا له. فقال شاعر من اهل الشام : (٣)

حتّى رآه عباد الله في ذقل

منكس الرأس مقرونا بخنزير

ثم امر يزيد بن عبد الملك بأن يطاف برأس يزيد بن المهلّب في كافة

__________________

(١) المسعودي ـ مروج الذهب ج ٣ / ٢٠٠.

(٢) أبن اعثم الكوفي ـ الفتوح ج ٨ / ٢١.

(٣) نفس المصدر السابق.

٣٢٨

مدن الشام ثمّ بعد ذلك جيء بالراس وبقية رؤوس اخوته ونصبت على باب توماء في دمشق.

قتل يزيد بن المهلّب سنة (١٠٢) (١) للهجرة ، وعمره (٤٩) سنة.

٤٩ ـ حرملة بن عمير اللخميّ :

استخلفه يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة أميرا على الكوفة سنة (٩٦) للهجرة ، وقيل سنة (٩٧) وذلك عند ما ذهب ابن المهلّب إلى خراسان في خلافة سليمان بن عبد الملك وبقي حرملة أشهرا ثمّ عزله ابن المهلّب وولى مكانه بشر (بشير) بن حسّان النهديّ أو (المهريّ). (٢)

وقيل إنّ يزيد بن أبي كبشة ولّاه الكوفة إلى أن مات الوليد. (٣)

٥٠ ـ بشير بن حسّان النهديّ :

وقيل إنّ اسمه بشر بن حسان المهريّ. استخلفه يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة أميرا على الكوفة سنة (٩٧) للهجرة وذلك بعد عزل حرملة بن عمير اللّخميّ عنها. (٤) ثمّ عزل عن إمارة الكوفة واستخلف مكانه (سفيان ابن حريش الخولاني) وبقي هذا حتّى مات سليمان بن عبد الملك. (٥)

__________________

(١) تاريخ ابن خياط ج ٢ / ٤٧١ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ / ٣١١ وابن الجوزي ـ المنتظم ج ٧ / ٨١ وابن الأثير ـ الكامل ج ٥ / ٨٣ وابن العماد ـ شذرات الذهب ج ١ / ١٢٤ وصالح خريسات ـ تهذيب تاريخ الطبري ـ ص ٤٣٠.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٥٢٦. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢٥ أو ٢٣.

(٣) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٤١٤.

(٤) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٥٢٩. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢٥.

(٥) تاريخ ابن خياط. ج ٢ / ٣٨٨.

٣٢٩

٥١ ـ سفيان بن حريش الخولانيّ :

استخلفه يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة على إمارة الكوفة سنة (٩٧) (١) للهجرة وذلك بعد عزل أميرها السابق بشير بن حسّان النهديّ وبقي سفيان بن حريش الخولاني أميرا على الكوفة إلى أن مات سليمان بن عبد الملك. (٢) لم أعثر له على ترجمة وافية.

٥٢ ـ الجرّاح بن عبد الله الحكميّ :

وهو : الجرّاح بن عبد الله بن جعادة بن أفلح بن درّه بن حدقة بن فضة ، وكنيته : أبو عقبة الحكميّ ، الدمشقي ، وأصله من اليمن وسكن الشام. (٣) وقيل كنيته : أبو عطية. (٤)

الجرّاح بن عبد الله الحكميّ من القادة الشجعان البارزين في عصر الخلفاء : (عبد الملك بن مروان ، الوليد بن عبد الملك ، سليمان بن عبد الملك ، عمر بن عبد العزيز ، يزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك). وكان أميرا على : (واسط ، البصرة ، سجستان ، أرمينيا ، أذربيجان وخراسان) لعدّة سنوات. (٥) استخلفه يزيد بن المهلّب أميرا على الكوفة سنة (٩٩) للهجرة وذلك عند ما ذهب ابن المهلّب إلى خراسان. (٦)

وفي معركة (دير الجماجم) الّتي وقعت بين الحجّاج بن يوسف الثقفيّ وبين عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث سنة (٨٢) للهجرة كانت كتيبة القرّاء

__________________

(١) المصدر السابق. ج ١ / ٤٢٩.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٥٢٩ ، وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٢٥.

(٣) ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ٦ / ١٥.

(٤) الزركلي ـ الأعلام. ج ٢ / ١١٥.

(٥) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٦ / ٢٧٩.

(٦) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٤٢٧. والذهبي ـ سيرة أعلام النبلاء. ج ٥ / ١٩٠.

٣٣٠

(كتيبة كميل بن زياد) مع ابن الأشعث فأرسل لها الحجّاج ثلاث كتائب بقيادة الجرّاح الحكميّ ، ورغم الحملات الكثيرة والكثيفة على كتيبة القرّاء لم يتمكّن الجرّاح من قتل أيّ شخص منهم. (١) وفي معركة (دير الجماجم) أيضا خرج عبد الله بن رزّام الحارثي إلى كتيبة الحجّاج فطلب مبارزته ، فخرج إليه رجل فقتله ثمّ كرّر ذلك ثلاثة أيّام يقتل كلّ يوم رجلا من شجعان جيش الحجّاج ، وفي اليوم الرابع طلب المبارزة أيضا ، فقال الحجّاج للجراح الحكميّ : (أخرج إليه) فخرج إليه الجرّاح ، فقال له عبد الله الحارثي (وكان صديقا له) : ويحك يا جراح لماذا خرجت إليّ ، فقال الجرّاح : قد ابتليت بك ، فقال له عبد الله الحارثي : سوف أنهزم أمامك وترجع أنت إلى الحجّاج فيرضى عنك ، وأما أنا فسوف أحتمل ما يقوله الناس في هزيمتي حبّا لسلامتك فإنّي لا أحبّ أن أقتل من قومي مثلك. فحمل عليه الجرّاح فانهزم الحارثي أمامه ثمّ تلاحقت حملات الجرّاح على الحارثي وهو يهرب أمامه ، وكان الجرّاح في حملته الأخيرة قد صمم فعلا على قتل الحارثي ، فلمّا رآى غلام الحارثي ذلك قال للحارثي : إنّ الجرّاح يريد قتلك ، عندها أخذ الحارثي عمودا فضرب الجرّاح على رأسه فسقط على الأرض ثمّ قال الحارثي لغلامه : أسكب الماء على وجهه ليستفيق ، ولمّا أفاق الجرّاح قال له الحارثي : (بئس ما جزيتني أردت بك العافية وأردت بي المنية). (٢)

وعند ما ذهب الجرّاح إلى خراسان أميرا عليها سنة (١٠١) للهجرة كتب إلى عمر بن عبد العزيز : (إنّي قدمت خراسان ووجدت قوما قد أبطرتهم الفتنة فهم ينزون فيها نزوا أحبّ الأمور اليهم أن تعود ليمنعوا حقّ الله عليهم فليس يكفهم الّا السيف والسوط وكرهت الإقدام على ذلك إلّا

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٣٥٠.

(٢) المصدر السابق. ج ٦ / ٥٥٩.

٣٣١

بإذنك). (١)

فكتب إليه عمر بن عبد العزيز : (يا ابن أمّ الجرّاح ، أنت أحرص على الفتنة منهم لا تضربنّ مؤمنا ولا معاهدا سوطا إلّا في حقّ واحذر القصاص فإنك صائر إلى من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وتقرأ كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها). (٢)

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الجرّاح : (أنظر من صلّى قبلك إلى القبلة فضع عنه الجزية). فلمّا سمع الناس بذلك أخذوا يدخلون في الإسلام أفواجا فقيل للجرّاح : إنّ الناس قد دخلوا في الإسلام تهرّبا من الجزية فاختنهم بالختان. فكتب الجرّاح بذلك إلى عمر بن عبد العزيز ، فكتب إليه عمر يقول : (إنّ الله بعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم داعيا ولم يبعثه خاتنا). (٣) وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الجرّاح عند ما كان أميرا على خراسان : (أما بعد .. فإن استطعت أن تدع مما أحلّ الله لك ما يكون حاجزا بينك وبين ما حرّم الله فافعل فإن من استوعب الحلال كله تاقت نفسه إلى الحرام). (٤)

وقيل : إنّ الجرّاح الحكميّ قال : (تركت الذنوب حياء أربعون سنة ثمّ أدركني الورع). (٥) وقيل إنّ الجرّاح إذا مرّ في جامع دمشق يميل برأسه عن القناديل لطوله. (٦)

وقال الزرقي : (كان الجرّاح يد الله على خراسان كلّها حربها وصلاتها

__________________

(١) المصدر السابق. ج ٦ / ٥٦٠.

(٢) المصدر اعلاه. ج ٦ / ٥٦١.

(٣) نفس المصدر السابق. ج ٦ / ٥٦١.

(٤) الآبي ـ نثر الدر. ج ٢ / ١٢٩.

(٥) الذهبي ـ سيرة أعلام النبلاء. ج ٥ / ١٩٠.

(٦) نفس المصدر أعلاه.

٣٣٢

ومالها). (١)

وفي سنة (١١١) للهجرة تفرغ الجرّاح للغزو والفتح ، فقد ذهب لمحاربة الخزر (الترك) وكانت معارك كثيرة بينه وبينهم ، وقيل إنّه قال لأصحابه في اليوم الّذي قتل فيه : (أيّها القادة ، وأمراء الأجناد ، فيم اهتمامكم؟ غدوتم أمراء وترحون شهداء ، اللهم إذا رفعت عنّا النصر فلا تحرمنا الصبر والأجر). ثمّ قال : (٢)

لم يبق إلّا حسبي وكفني

وصارم تلذّه يميني

وقال الفرزدق : (٣)

لقد صبر الجرّاح حتّى مشت به

إلى رحمة الله السيوف الصوارم

قتل الجرّاح الحكميّ في برج (أردبيل) بخراسان سنة (١١٢) (٤) للهجرة ، قتله الخزر (الترك).

٥٣ ـ عبد الحميد بن عبد الرحمن :

هو : عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب الأعرج ، القرشيّ ، وكنيته : أبو عمر.

ولّاه عمر بن عبد العزيز إمارة الكوفة سنة (٩٩) (٥) للهجرة ، بعد عزل

__________________

(١) الزركلي ـ الأعلام. ج ٢ / ١١٥.

(٢) ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ٦ / ١٩.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) ابن حبان ـ الثقات. ج ٤ / ١١٢. والآبي ـ نثر الدر. ج ٢ / ١٢٩. وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ٦ / ١٨. وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١٤٠. والزركلي ـ الأعلام. ج ٢ / ١١٥. ومحمد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ١٤٤.

(٥) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ٣٤١. وتاريخ ابن خياط. ج ١ / ٢٣٣. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٤٦. وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١٣٩. وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ١٤ / ١٧٣.

٣٣٣

يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة.

وفي أيّام عمر بن عبد العزيز ، وعند ما كان عبد الحميد بن عبد الرحمن أميرا على الكوفة ثار جماعة من الخوارج بالعراق سنة (١٠٠) للهجرة ، فكتب إليه عمر بن عبد العزيز أن يدعوهم للعمل بكتاب الله وسنّة نبيه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكتب اليهم عبد الحميد ، إلّا أنّهم لم يسمعوا ، ولم يطيعوا ، عندها أرسل اليهم عبد الحميد جيشا فحاربهم ودارت معركة بين الطرفين ، أسفرت عن هزيمة جيش عبد الحميد ، ولمّا سمع عمر بانهزام جيش عبد الحميد ، أرسل مسلمة بن عبد الملك ومعه جيش من أهل الشام ، فوصل مسلمة ، وحارب الخوارج وهزمهم شرّ هزيمة.

وكتب عمر بن عبد العزيز بكتاب إلى عبد الحميد جاء فيه : (قد بلغني ما فعل جيشك جيش السوء ، وقد بعثت بمسلمة بن عبد الملك ، فخل بينه وبينهم). (١)

وعند ما بويع ليزيد بن المهلّب في البصرة ، قبض عبد الحميد بالكوفة على خالد بن يزيد بن المهلّب وحمال بن زمر ، فحبسهما ، ثمّ أرسلهما إلى الشام فحبسهما يزيد بن عبد الملك حتّى ماتا في حبسهما ، ثمّ أرسل يزيد بن عبد الملك الأموال إلى الكوفة ووعدهم بالزيادة. (٢)

ولمّا جاء يزيد بن المهلّب بجيشه قاصدا الكوفة ، خرج عبد الحميد إلى (النخيلة) وعسكر بها وجعل الرصد والعيون على أهل الكوفة لئلا يلتحقوا بجيش ابن المهلّب ، ثمّ جاء مسلمة بن عبد الملك فعزل عبد الحميد عن الكوفة ، وولى عليها محمّد بن عمرو بن الوليد بن عقبة وذلك سنة (١٠١) (٣)

__________________

(١) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ٣٥٧. وتاريخ الطبري. ج ٦ / ٥٥٥.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٧٣.

(٣) الطبري. ج ٦ / ٥٩٣. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٨٠.

٣٣٤

للهجرة. وقيل سنة (١٠٢) (١) للهجرة.

وخرج ابن عبدل (٢) ذات يوم من عند الأمير عبد الحميد ، فشاهد رجلا على باب الأمير ، وكان أعرجا ، يطلب الاستئذان له بالدخول على الأمير ، فقال ابن عبدل ، وكان هو الآخر أعرجا ، وكان رئيس الشرطة أعرجا (٣) أيضا فقال : (٤)

ألق العصا ودع التخامع (٥) والتمس

عملا فهذي دولة العرجان

لأميرنا وأمير شرطتنا معا

يا قومنا لكليهما رجلان

فإذا يكون أميرنا ووزيرنا

وأنا فإن الرابع الشيطان

ولمّا سمع عبد الحميد بهذه الأبيات ، بعث إلى ابن عبدل مائتي درهم ، وطلب منه أن يكف عنه.

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن : (أما بعد ، فإنّ أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وظلم وجور في أحكام الله ، وسنة خبيثة سنّها عليهم عمّال السوء ، وإنّ قوام الدين ، العدل والإحسان ، فلا يكوننّ شيء أهمّ اليك من نفسك ، فإنّه لا قليل من الأثم ، ولا تحمل خرابا على عامر ، وخذ منه ما أطاق وأصلحه حتّى يعمر ، ولا يؤخذن من العامر إلّا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض ... ولا تعجل دوني بقطع ولا صلب حتّى تراجعني فيه ، وانظر من أراد الذريّة أن يحجّ ، فعجل له مائة ليحجّ بها والسلام). (٦)

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) ابن عبدل : وهو الحكم بن عبدل بن جبله ، شاعر أموي.

(٣) رئيس شرطة الكوفة : هو القعقاع بن سويد ، وقيل سهيل الأشعري.

(٤) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢ / ٤٠٦.

(٥) التخامع : العرج.

(٦) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٥٦٩. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٦١.

٣٣٥

وكتب عبد الحميد إلى عمر بن عبد العزيز : (إنّ رجلا قد شتمك ، فأردت أن أقتله). فكتب إليه عمر بن عبد العزيز : (لو قتلته لأقدتك به ، فإنه لا يقتل بشتم أحد ، إلّا رجل شتم نبيا). (١)

وقيل ذهب بلال بن أبي موسى الأشعري إلى الشام ، فدخل المسجد ، وأخذ يصلي ويكثر منها ، فرآه عمر بن عبد العزيز ، فقال للعلاء بن المغيرة بن البنداد : (إن كان سرّ هذا مثل علانيته ، فهو رجل أهل العراق بلا منازع). فقال له العلاء : سوف آتيك بخبره ، فذهب العلاء وكان بلال يصلّي ، فقال له : أسرع في صلاتك فإن لي اليك حاجة ففعل ، فقال له العلاء : أنت تعرف منزلتي عند أمير المؤمنين وإنّه لا يردّ لي طلبا ، فكم تعطيني إذا أشرت عليه بتوليتك العراق؟ فقال بلال : (أعطيك عمالتي سنة) (٢) ، فقال له العلاء : أكتب لي بذلك عهدا ، فكتب له ، وختمه بخاتمه. فذهب العلاء إلى عمر بن عبد العزيز ، وأخبره بحقيقة بلال ، عندها كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن (أمير الكوفة) : (إذا ورد عليك كتابي هذا فلا تستعن على عملك بأحد من آل أبي موسى). (٣) وقيل إنّه كتب إليه : (أما بعد ، فإنّ بلالا غرّنا بالله فكدنا نغترّ به فسبكناه ، فوجدناه خبثا كلّه والسلام). (٤)

وحينما كان عبد الحميد بن عبد الرحمن أميرا على (المدينة) من قبل عمر بن عبد العزيز كتب إليه عمر يقول : (إنّه يخيّل إليّ ، لو كتبت اليك ، أن تعطي رجلا شاة لكتبت اليّ تقول : أضأنا أو معزا؟. ولو كتبت اليك

__________________

(١) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ٣٦٤. وابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٤ / ٤٣٦.

(٢) عمالتي سنة : أي أجرتي (راتبي) وكان قدرها آنذاك عشرين ألف ألف درهم.

(٣) آل أبي موسى الأشعري. (أحمد زكي ـ جمهرة رسائل العرب. ج ٢ / ٢٧٥).

(٤) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ٣٩٠. والمبرد ـ الكامل. ج ٢ / ٥٢.

٣٣٦

بأحدهما لكتبت إليّ ، أذكرا أو أنثى ، ولو كتبت اليك بأحدهما ، لكتبت إليّ أصغيرا أو كبيرا؟ فإذا كتبت اليك في مظلمة ، فنفذ أمري ولا تراجعني فيها). (١)

وكتب إليه عمر بن عبد العزيز أيضا : (قسّم في ولدي عليّ بن أبي طالب عشرة آلاف دينار ، فكتب إليه عبد الحميد : إنّ عليا قد ولد في عدة قبائل من قريش ، ففي أي ولده؟

فكتب إليه عمر بن عبد العزيز : لو كتبت اليك في شاة تذبحها ، لكتبت إليّ : أسوداء هي أو بيضاء ، فإذا أتاك كتابي هذا فاقسم في ولد عليّ من فاطمة (رضوان الله عليهم) ، عشرة آلاف دينار ، فطالما تخطتهم حقوقهم ، والسلام). (٢)

مات عبد الحميد في حرّان سنة (١١٠) للهجرة ، وقيل سنة (١١٥) (٣) في خلافة هشام بن عبد الملك.

٥٤ ـ عدي بن أرطأة :

هو : عدي بن أرطأة وقيل ابن أبي أرطأة الفزاري ، وكنيته : أبو وائلة ، من أهل دمشق.

ولّاه الخليفة عمر بن عبد العزيز إمارة العراقين (الكوفة والبصرة) سنة (٩٩) (٤) للهجرة وأمره بمحاربة يزيد بن المهلّب ، وأن يأخذ منه جميع

__________________

(١) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٣ / ٩. والجاحظ ـ البيان والتبيين. ج ٢ / ٨٠.

(٢) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ١٨٤.

(٣) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٥ / ١٤٩. وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ١٤ / ١٧٣. والزركلي ـ الأعلام. ج ٣ / ٢٨٦. والزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ١ / ١٨١.

(٤) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ٣١٩ / و٣١٢.

٣٣٧

الأموال الّتي جباها من بلاد (خراسان ، وجرجان ، وطبرستان) (١). وكان عدي يقيم في (واسط). وذكر ابن الأثير بأن عمر بن عبد العزيز قد ولّاه البصرة فقط.

وبعد موت عمر بن عبد العزيز ، أقرّه يزيد بن عبد الملك على إمارة العراقين سنة (١٠١) للهجرة ، وأمره بحبس آل المهلّب ، ومواليهم ، ويعذّبهم أشدّ عذاب. (٢)

وعند ما وصل يزيد بن المهلّب إلى البصرة ، كتب إلى عدي بن أرطأة قائلا : (إنّك حبست أخوتي وأهل بيتي بلا ذنب ، وأنا المطلوب ، فأخرجهم من حبسهم ، وأعاهدك الله بأنّي لا أدخل البصرة حتّى يأذن لي يزيد بن عبد الملك). فرفض عدي ابن أرطأة طلبه ، ثمّ جرت بينهما معركة انتهت بهزيمة ابن أرطأة ، ولجوءه إلى قصر الإمارة في البصرة ، ثمّ بعد ذلك ألقي عليه القبض ، وجيء به إلى يزيد بن المهلّب ، فأمر بحبسه.

وقبل ابتداء الحرب بين الطرفين ، قال عدي ابن أرطأة لأصحابه : سوف أعطيكم الأرزاق من مالي الخاصّ ، وبعد الانتهاء من حرب ابن المهلّب سوف أكتب إلى أمير المؤمنين ، وسوف تحصلون على ما تحبّون ، ثمّ أعطاهم مبلغا من المال فقسّموه بينهم ، فأصاب كلّ واحد منهم (درهمان) فقط ، فقال الفرزدق في ذلك : (٣)

أظنّ رجال الدرهمين يقودهم

إلى الموت آجال لهم ومصارع

وأكسيهم من قرّ في قعر بيته

وأيقن أنّ الموت لابد واقع

وجاء يزيد بن المهلّب ، وعسكر قرب (المربد) وجاء ابن أرطأة ومعه

__________________

(١) المصدر السابق. ج ٨ / ٨١. وابن الأثير ـ الكامل. ج / ٤٣.

(٢) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٨ / ٨٤.

(٣) المصدر السابق. ج ٨ / ٨٥.

٣٣٨

أهل الشام ، وقلّة من اهل البصرة ، وحمل بعضهم على بعض ، ثمّ تقدّم غلام لحبيب بن المهلّب اسمه (دارس) وكان فارسا شجاعا ، فأخذ يرتجز ويقول (١)

أنا غلام الأزد أسمي دارس

ليث غضوض هرت خنابس

إنّ تميما ساء ما يمارس

إذا التقينا فارس وفارس

ثمّ حمل دارس (هذا) على أهل البصرة ، ففرّقهم يمنة ويسرة ، وقتل منهم جماعة وجرح منهم الكثير ، فقال الفرزدق :

تفرّقت الخيلان إذ صاح دارس

ولم يصبروا تحت السيوف الصوارم

جزى الله قيسا عن يزيد ملامة

وخصّ بها الأدنين أهل الملاوم

ثمّ جيء بعدي بن أرطأة مقيدا بالحديد إلى يزيد بن المهلّب ، فقال له عدي : يا أبا خالد ، إنّك قدرت ومننت فتلك شيمتك ، وإن عاقبت فيما كسبت يداي ، فإنّ بقائي متصل ببقائك .. الخ) فقال ابن المهلّب : زجّوه في السجن ، وعذّبوه كما عذّب إخوتي وأهل بيتي. ثمّ بايع الناس يزيد بن المهلّب على كتاب الله وسنّة نبيه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (٢)

وقد اشتهر ملوك بني أميّة بظلم الناس ، ومعاملتهم بقسوة ، عدا عمر ابن عبد العزيز ، فقد اشتهر بعدالته ، وحسن رعيته للناس ، وكان يكاتب كافة الأمراء والولاة في الأقطار ، يوصيهم الرفق بالناس ، والسير بهم بالعدل ، وكان عدي بن أرطأة يجالس القراء والفقهاء ، ويشاورهم في بعض الأمور ، فكتب إليه عمر بن عبد العزيز ذات يوم : (غرّني منك مجالسة القرّاء ، وعمامتك السوداء ، فلمّا بلوناك ، وجدناك على خلاف ما أمّلناك ،

__________________

(١) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٨ / ٥.

(٢) المصدر اعلاه. ج ٨ / ٨.

٣٣٩

قاتلكم الله ، أما تمشون بين القبور). (١)

وكتب عدي بن أرطأة (أمير الكوفة) إلى عمر بن عبد العزيز ، يخبره بسوء طاعة أهل الكوفة ، فكتب إليه عمر يقول : (لا تطلب طاعة من خذل عليا ، وكان إماما مرضيا). (٢)

وقال عدي بن أرطأة لأياس بن معاوية : أرشدني إلى بعض القرّاء لكي أعينهم في بعض المناصب ، فقال له أياس : القرّاء قسمان : قسم يعملون للآخرة ، ولا يعملون لك ، والقسم الآخر يعملون للدنيا ، فماذا ترجو منهم إذا أمكنتهم منها ، ولكن عليك بأهل البيوتات الّذين يستحيون لأحسابهم فولّهم. (٣)

وكان عدي بن أرطأة ، قد تزوج بامرأة من أهل الكوفة ، واشترطت عليه أن تسكن في دارها ، ثمّ أراد أن ينقلها إلى دار أخرى ، فخاصمته إلى شريح القاضي. (٤)

واليك أيّها القارئ الكريم ما دار من حوار بين عدي وبين القاضي شريح : دخل عدي إلى القاضي فقال : أين أنت أصلحك الله؟ (٥)

قال شريح : بيني وبينك الحائط.

قال عدي : إنّي رجل من أهل الشام

قال شريح : نائي الدار ، سحيق المزار

قال عدي : قد تزوجت عندكم

قال شريح : بالرفاء والبنين

__________________

(١) ابن قتيبة ـ عيون الأخبار. ج ١ / ٥٧. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٥ / ٥٣.

(٢) ابن قتيبة ـ عيون الأخبار. ج ١ / ١٧ وابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٤ / ٢٠.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) شريح القاضي : قاضي الكوفة.

(٥) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٣ / ١٠. ومحمّد الخضري بك ـ تاريخ الأمم الإسلامية. ج ٢ / ٨.

٣٤٠