أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

والسلام). (١)

وحينما رآى ابن الأشعث أن (روتيبل) يدعو للسلام وحلّ المنازعات بالطرق السلميّة ، كتب إلى الحجّاج يعلمه بذلك. فكتب إليه الحجّاج ، يتهمه بالهدنة والموادعة ، وضعف الرأي ، ويأمره أن يتوغّل في أرض العدو ويهدم حصونهم ويقتل مقاتلتهم ويسبي نسائهم ، ثمّ تبعه بكتاب ثان وثالث يحثّه على الحرب وإلّا فإنّ إسحق بن محمّد (أخاه) أميرا على الجيش. فجمع عبد الرحمن أصحابه وجماعته وقال لهم : (إنّ أميركم كتب إليّ بتعجيل الوغول في أرض العدو ، وهي البلاد الّتي هلك فيها إخوانكم بالأمس وإنّما أنا رجل منكم أمضي إذا مضيتم وآبي إذا أبيتم). (٢)

وقال لهم أيضا : (إنّ الحجّاج لا يبالي سواء قتلنا أو قتلنا وإنّما همّه الوحيد هي «الغنائم» الّتي يحصل عليها من البلدان المفتوحة). ثمّ قرروا بعد ذلك خلع عبد الملك بن مروان والحجّاج بن يوسف الثقفيّ وبايعوا عبد الرحمن بن الأشعث ، وكان ذلك سنة (٨١) (٣) للهجرة.

ثمّ توجه عبد الرحمن بن الأشعث إلى العراق لمحاربة الحجّاج ، وحينما علم الحجّاج بمجئ ابن الأشعث ، كتب إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك ، ويطلب منه ارسال المقاتلين من أهل الشام ، فأرسل عبد الملك إليه «الجنود» ، فسار الحجّاج بجنوده حتّى وصل إلى نهر دجيل ، فدارت معركة بين الطرفين ، قتل فيها ثمانية آلآف رجل من أهل الشام ، فلمّا سمع الحجّاج بذلك هرب ليلا بسفينة إلى البصرة ، فتبعه ابن الأشعث إلى البصرة ، فأنهزم

__________________

(١) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٥ / ١١٦.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٤٦٥. والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٥ / ٣٤٣.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ٣٣٧. وابن تغري بردى ـ النجوم الزاهرة. ج ١ / ٢٠٢. ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ١١٣.

٣٠١

جيش الحجّاج من البصرة ، فدخلها ابن الأشعث ، وبايعه أهل البصرة على حرب الحجّاج ، وخلع عبد الملك بن مروان ، كما بايعه كثير من العلماء والفقهاء والقرّاء ، امثال : (الشعبي) و (سعيد بن جبير) وغيرهما ، ثمّ خندق ابن ألأشعث على البصرة وحصّنها. (١)

وفي اول سنة (٨٢) للهجرة كانت معركة (يوم الزاوية) بين ابن ألأشعث وبين الحجّاج ، قتل خلآلها الكثير من كلا المتحاربين ، وانهزم عبد الرحمن بن الأشعث إلى الكوفة ، وكان أميرها حينذاك (مطر بن ناجية اليربوعي) ، فطرده من قصر ألأمارة ، واستولى على الكوفة (٢) ، ثمّ خطب في عباد اهل الكوفة وقراءهم قائلا : (أيّها الناس ، ألآ ترون هذا الجبار ، وما يصنع بالناس؟ ألا تغضبون لله ألا ترون أنّ السنة قد أميتت ، والأحكام قد عطلت؟ والمنكر قد أعلن والقتل قد فشى ، أغضبوا لله ، واخرجوا معي ، فهل يحلّ لكم السكوت). فلم يزل يحثّ الناس حتّى استجاب له الكثير. (٣) ثمّ جاء الحجّاج بجيوشه الجرّارة قاصدا الكوفة حتّى وصل إلى (دير الجماجم) فدارت فيه معركة ، قتل فيها الكثير من القرّاء والفقهاء والعبّاد وسائر الناس ، وانهزم ابن الأشعث إلى السوس (٤) ، فتبعه الحجّاج ودارت بينهما معركة في (مسكن) انهزم فيها ايضا ابن ألأشعث.

ثم توالت هزائم ابن الأشعث الواحدة تلو الأخرى ، وألتجأ أخيرا إلى (روتيبل) فكتب الحجّاج إلى (روتيبل) يتهدّده ويتوعّده إن هو لم يسلّم ابن الاشعث ، وبعد مدوالات كثيرة تمّ الاتّفاق بين الحجّاج وروتيبل على

__________________

(١) تاريخ ابن خياط ج ١ / ٢٨٠ وابن الجوزي ـ المنظم ج ٦ / ٢٢٦ والذهبي ـ تاريخ الاعلام ج ٦ / ٦.

(٢) المصادر السابقة بالترتيب ج ١ / ٢٨٢ ، ج ٦ / ٢٣١ وج ٦ / ٩.

(٣) ابو حنيفة الدينوري الاخبار الطوال ص ٣١٧.

(٤) ابن الجوزي ـ المنتظم ج ٦ / ٢٤٤.

٣٠٢

تسليم ابن الاشعث لقاء مبلغ كبير (١). ولمّا تم تسليم ابن الاشعث ، وعند وصوله بالقرب من العراق أنزلوه في بناء قديم ، فألقى بنفسه من فوق السطح فمات ، وقيل القى بنفسه (وهو مقيّد بالحديد) مع رجل فماتا سوية (٢).

مات عبد الرحمن بن محمّد بن الاشعث سنة (٨٣) (٣) للهجرة وقيل سنة (٨٤) وقيل سنة (٨٥) (٤) وقطع رأسه عمّارة بن تميم اللخميّ ، وارسله إلى الحجّاج ثم أرسله الحجّاج إلى عبد الملك بن مروان في الشام ، ثمّ أنّ عبد الملك بعث بالرأس إلى أخيه عبد العزيز بن مروان في مصر. فقال بعض الشعراء (٥) :

هيهات موضع جثّة من رأسها

رأس بمصر وجثته بالرخجّ

٣٩ ـ عبد الله بن اسحاق بن الأشعث :

استخلفه عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث أميرا على الكوفة في اوائل سنة (٨٢) للهجرة ، وذلك عند ذهاب ابن الأشعث إلى (دير الجماجم) (٦) لمحاربة الحجّاج بن يوسف الثقفيّ (٧). ثمّ عاد ابن الأشعث إلى

__________________

(١) ابن الجوزي ـ المنتظم ج ٦ / ٢٤٧.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ / ٢٧٩ والذهبي ـ سير أعلام النبلاء ج ٤ / ١٨٤.

(٣) تاريخ ابن خياط ج ١ / ٣٧٥.

(٤) تاريخ اليعقوبي ج ٢ / ٢٧٩ وتاريخ الطبري ج ٦ / ٣٩١ والقاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة ج ٥ / ٥٥ وابن الأثير ـ الكامل ج ٤ / ٥٠٢ والذهبي ـ سير أعلام النبلاء ج ٤ / ١٨٤ وابن العماد ـ الشذرات ج ١ / ٩٤ والزركلي ـ الأعلام ج ٤ / ٩٨.

(٥) تاريخ الطبري ج ٦ / ٣٩١ وتاريخ الأسلام ـ الذهبي ج ٦ / ١٨.

(٦) دير الجماجم : وهي المعركة الّتي دارت رحاها بين الحجّاج وعبد الرحمن بن الأشعث في اوائل سنة (٨٢) للهجرة انهزم فيها ابن الأشعث وقتل فيها الكثير من القراء والفقهاء وأسر الكثير ايضا.

(٧) تاريخ ابن خياط ج ١ / ٢٩٤ وابن اعثم الكوفي ـ الفتوح ج ٧ / ١٣٦.

٣٠٣

الكوفة بعد هزيمته في معركة (دير الجماجم) (١). وعند ما انتصر الحجّاج على ابن الأشعث في معركة دير الجماجم ، وهروب ابن الأشعث إلى السوس.

ذهب الحجّاج إلى الكوفة ودخل قصر الأمارة ، فأنهزم عبد الله بن اسحاق ابن الأشعث من الكوفة.

ثمّ دعا الحجّاج بن يوسف الثقفيّ الناس إلى البيعة ، فبايعه أهل الكوفة ، وكافّة النواحي الأخرى ، كما بايعته قبائل (النخع) وقال الحجّاج مخاطبا قبائل النخع : (يا معشر النخع ، أخبروني عن كميل (٢) بن زياد ، من أيّ قبيلة هو منكم؟ فقالوا له : إنّه من بني الهبان فقال لهم الحجّاج : لا تخرجون من هذا المكان إلّا وتأتوني به وإلا ضربت أعناقكم ، فقال الهيثم ابن الأسود : سآتيك به. ثمّ جيء بكميل بن زياد فقتل صبرا ، قتله أبو الجهم (٣) بن كنانة الكلبيّ ، من بني عامر بن عوف بن عمّ منصور بن جمهور ، وقيل إنّ الّذي قتله هو ابن ادهم الحمصي (٤). وقيل عند ما دخل عبد الملك ابن مروان إلى الكوفة سنة (٧١) للهجرة وذلك بعد قتل مصعب بن الزبير ، أخذت القبائل تأتي إليه مهنّئة له بالنصر ثمّ جاءت قبيلة (كندة) فنظر عبد الملك بن مروان إلى عبد الله بن اسحاق بن الأشعث ثمّ التفت إلى أخيه بشر ابن مروان وقال له : (إجعله من أصحابك). (٥)

__________________

(١) ابن الجوزي ـ المنتظم ـ ج ٦ / ٢٤٤.

(٢) كميل بن زياد : وهو من الصحابة الأجلاء روى عن الإمام عليّ عليه‌السلام وعن عبد الله بن مسعود شهد مع الإمام عليّ عليه‌السلام حرب صفّين وكان من رؤساء الشيعة ، وكان قد بايع عبد الرحمن بن محمّد الأشعث ضد الحجّاج مع اكثر الفقهاء والقراء والعباد ، ثمّ قتله الحجّاج سنة (٨٢) للهجرة وقيل سنة (٨٨) وعمره سبعين سنة وقبره في النجف يزار.

(٣) تاريخ الطبري ج ٨ / ٢٧.

(٤) الذهبي ـ التاريخ الأسلامي ج ٣ / ٢٩٣.

(٥) تاريخ الطبري ج ٦ / ١٦٤.

٣٠٤

٤٠ ـ عمرو بن هاني العنسيّ :

وقيل اسمه (عمير) بن هاني العنسيّ الداراني ، من أهل (داريا) بالشام ، تابعيّ ، من رجال الدولة الأمويّة ، وكنيته : ابو الوليد (١). أستخلفه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ على إمارة الكوفة سنة (٨٢) (٢) للهجرة. وبعد معركة (دير الجماجم) ذهب الحجّاج إلى الكوفة ، ثمّ رجع إلى البصرة ، وأستخلف مكانه ، المغيرة بن عبد الله بن ابي عقيل (٣).

وعمير بن هاني ، ولى جباية خراج دمشق في خلافة عمر بن عبد العزيز. (٤) وكان من الّذين ثاروا على مروان بن محمّد (آخر ملوك بني أميّة) وكان أيضا من كبار المشاركين في ثورة يزيد بن خالد بن عبد الله القسريّ على مروان بن محمّد) (٥).

وكان سعيد بن عبد العزيز يكره عمير بن هاني كرها شديدا ، وقال سعيد على المنبر في يوم بيعة (الناقص) (٦) : (سارعوا إلى هذه البيعة ، فإنّما هي هجرتان : هجرة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهجرة إلى يزيد بن الوليد) (٧).

وقال عمير بن هاني : ولّاني الحجّاج بن يوسف الثقفيّ (الكوفة) فما بعث إليّ

__________________

(١) تاريخ ابن خياط ج ١ / ٣٨٥ وابن أعثم الكوفي ـ الفتوح ج ٧ / ١٤٤ وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق ج ١٩ / ٣٣٥.

(٢) تاريخ ابن خياط ج ١ / ٣٨٥ والذهبي ـ سير أعلام النبلاء ج ٥ / ٤٢١ وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق ج ١٩ / ٣٣٥.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) أبو العرب التميميّ ـ المحن ـ ص ١٤٥ والذهبي ـ سير أعلام النبلاء ج ٤ / ٨١. وابن منظور مختصر تاريخ دمشق ج ١٩ / ٣٣٥.

(٥) أبو العرب التميميّ ـ المحن. ص ١٤٥. والزركلي ـ ترتيب الاعلام على الاعوام. ج ١ / ١٨٥.

(٦) الناقص : هو الخليفة الاموي يزيد بن الوليد بن عبد الملك.

(٧) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ج ٥ / ٤٢٢.

٣٠٥

في شخص أحدّه إلّا حددته ، وما بعث إليّ في شخص أقتله ، إلا تركته ، فبينما انا ذات يوم ، إذ أرسل إليّ جيشا لأذهب به إلى اناس أقاتلهم ، فقلت : (ثكلتك أمّك يا عمير ، كيف بك؟) فلم أزل أكاتب الحجّاج ، حتّى بعث إليّ أن أنصرف ، فقلت : (والله لا أجتمع انا وأنت في بلد أبدا). فجئت وتركته (١).

وقال عمير بن هاني : أرسلني عبد الملك بن مروان ، إلى الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، وذلك عند ما حاصر الحجّاج عبد الله بن الزبير ، وقد نصب الحجّاج على البيت (٢) اربعين منجنيقا (٣).

ورأيت عبد الله بن عمر بن الخطاب يصلّي مع الحجّاج إذا اقيمت الصلاة ، واذا حضر عبد الله بن الزبير إلى المسجد الحرام صلّى معه ، فقلت له : يا أبا عبد الرحمن : أتصلي مع هؤلاء ، وهذه أعمالهم؟!. فقال لي : (يا أخا الشام ، صلي معهم ما صلّوا ، ولا تطع مخلوقا في معصية الخالق (٤). فقلت له : (وما قولك في أهل مكّة (٥))؟. فقال : ما أنا لهم بعاذر. فقلت له : وماذا تقول في أهل الشام؟. ما أنا لهم بحامد ، كلاهما يقتتلون على الدنيا ، يتهافتون في النار ، تهافت الذّباب في المرق.

فقال عمير : فما قولك في هذه البيعة ، الّتي أخذها علينا ابن مروان؟.

فقال عبد الله بن عمر : إنّا كنّا نبايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على السمع والطاعة ، وكان يلقننا : (فيما استطعتم).

قتل بن عمير بن هاني صبرا سنة (١٢٧) (٦) للهجرة في (داريا) أيّام

__________________

(١) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ج ٥ / ٤٢٢ وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق ج ١٩ / ٣٣٦.

(٢) البيت : بيت الله الحرام (الكعبة).

(٣) ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق ج ١٩ / ٣٣٦.

(٤) المصدر السابق.

(٥) نفس المصدر السابق.

(٦) ابو العرب التميميّ ـ المحن ص ١٤٥ والذهبي ـ سير أعلام النبلاء ج ٤ / ٨١ وابن كثير ـ البداية والنهاية ـ ج ١٠ / ٢٦ وابن العماد ـ الشذرات ج ١ / ١٧٣ وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق ج ١٩ / ٣٣٦.

٣٠٦

فتنة الوليد ، لأنّه كان يحرّض على قتله ، وقام ببيعة الناقص قتله ابن مرّة (١) وسمط رأسه ، وجاء به إلى مروان بن محمّد.

٤١ ـ زياد بن جرير بن عبد الله البجليّ :

استخلفه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ أميرا على حرب الكوفة سنة (٨٦) للهجرة ، وبقي الى سنة (٩٤) للهجرة. وكان الحجّاج آنذاك أميرا على العراق ، وعلى المشرق كله (٢). وكان زياد بن جرير أحد قادة الحجّاج في معركة (يوم الزاوية) سنة (٨٢) للهجرة ، والّتي انهزم فيها الحجّاج وكافة جيوشه وقادته (٣). وفي سنة (٧٨) للهجرة ، كان زياد البجليّ أميرا على الكوفة أو (خليفة) الحجّاج بن يوسف الثقفيّ (٤).

وبينما كان الحجّاج ذات يوم من سنة (٨٥) للهجرة ، ومعه زياد بن جرير (وهو أعور). فقال الحجّاج للاريقط : ماذا قلت لابن سمره؟ قال : قلت (٥) :

يا أعور العين فديت العورى

كنت حسبت الخندق المحفورا

يرد عنك القدر المقدورا

ودائرات السوء أن تدورا

وكان الحجّاج قد جعل زياد بن جرير على شرطة الكوفة إلى ان مات

__________________

(١) ابن مرة : الصقر بن حبيب المري وقيل المزني

(٢) تاريخ الطبري ج ٦ / ٤٩١ وابن الجوزي ـ المنتظم ج ٦ / ٢٩٧.

(٣) تاريخ الطبري ج ٦ / ٣٩٣.

(٤) نفس المصدر السابق.

(٥) المصدر أعلاه ج ٦ / ٤٤٧.

٣٠٧

عبد الملك بن مروان (١).

٤٢ ـ المغيرة بن أبي عقيل (٢)

استخلفه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ على إمارة الكوفة (للمرة الثانية) وذلك بعد عزل عمير بن هاني العنسيّ عنها وذلك في سنة (٨٢) للهجرة.

٤٣ ـ عبد الرحمن بن الحجّاج بن يوسف الثقفيّ

وعند ما أحسّ الحجّاج بن يوسف الثقفيّ بدنو آجله ، استخلف ابنه عبد الرحمن على الصلاة في الكوفة ، وقيل استخلف يزيد بن أبي كبشة ، وعلى الخراج يزيد بن أبي مسلم ، ولمّا جاء الوليد أقرّهما على عملهما ، كما واقرّ كافّة عمّال وأمراء الحجّاج ، كان ذلك سنة (٩٥) للهجرة (٣).

٤٤ ـ يزيد بن أبي مسلم

هو : أبو العلاء بن يزيد بن أبي مسلم دينار الثقفيّ ، كان كاتبا للحجّاج ابن يوسف الثقفيّ وكان رحيما ، مشوّها ، وقيل أخو الحجّاج من الرضاعة.

ولمّا شعر الحجّاج بقرب منيّته ، استخلف يزيد بن أبي مسلم على إمارة الكوفة سنة (٩٥) للهجرة (٤).

وقيل إنّ الحجّاج استخلف ابنه عبد الرحمن على الصلاة في الكوفة ، وقيل استخلف يزيد بن أبي كبشة ، وعلى الخراج يزيد بن أبي مسلم ، ولمّا

__________________

(١) تاريخ خليفة بن خياط ج ١ / ٢٩٤.

(٢) وقد تكلّمنا عنه في ص ٢٩٤.

(٣) ابن الجوزي ـ المنتظم ج ٦ / ٣٣٥.

(٤) تاريخ اليعقوبي ج ٣ / ٣٤ وتاريخ الطبري ج ٦ / ٤٩٣ والذهبي ـ سير أعلام النبلاء ج ٤ / ٥٩٣.

٣٠٨

جاء الوليد بن عبد الملك إلى الخلافة ، أقرهم على عملهم ، كما وأقرّ كافة أمراء الحجّاج على أعمالهم). (١)

وقال الوليد بن عبد الملك يوما : (مثلي ومثل الحجّاج وابن أبي مسلم كرجل ضاع منه درهم فوجد دينارا). (٢) وقال الوليد أيضا : (كان عبد الملك يقول : الحجّاج ما بين عيني وأنفي ، وأنا أقول إنّه جلدة وجهي كلّه). (٣)

وبعد ما مات الوليد بن عبد الملك ، وجاء بعده أخوه سليمان ، عزل يزيد بن أبي مسلم عن إمارة الكوفة سنة (٩٦) للهجرة ، وجيء به إلى سليمان وفي عنقه (جامعة) (٤) فنظر إليه سليمان (شزرا) وقال له : (أنت يزيد ابن أبي مسلم)؟ فقال يزيد : نعم ، أصلح الله أمير المؤمنين. فقال سليمان : لعن الله من أشركك في أمانته ، وحكمك في دينه. فقال له ابن أبي مسلم : لا تقل ذلك يا أمير المؤمنين ، فإنّك قد رأيتني والأمور عنّي مدبّرة ، ولو رأيتني والأمور عليّ مقبلة ، لاستعظمت ما استصغرت ، ولاستجللت ما احتقرت). (٥) فقال له سليمان : صدقت ، فاجلس لا أمّ لك. فسأله سليمان قائلا : أترى صاحبك الحجّاج ، لا زال يهوي في نار جهنّم ، أم استقر في قعرها؟ فقال يزيد : لا تقل ذلك يا أمير المؤمنين ، فإنّ الحجّاج عادى عدوّكم ، ووإلى وليّكم ، وبذل مهجته لكم ، فهو في يوم القيامة عن يمين أبيك عبد الملك ، وعن يسار أخيك الوليد ، فاجعله حيث أحببت). (٦) فقال سليمان : قاتله الله ، فما أوفاه لصاحبه ، اذا اصطنعت الرجال فلتضع مثل هذا. فقال

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢٩٠.

(٢) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٦ / ٣٠٩. والجاحظ ـ البيان والتبيين. ج ١ / ٢٩٢.

(٣) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٥ / ٥٥.

(٤) الجامعة : سلسلة من حديد.

(٥) الجاحظ ـ البيان والتبيين. ج ١ / ٣٩٥.

(٦) الشريف المرتضى ـ غرر الفوائد. ج ١ / ٢٩٥ وابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٢ / ١٧٤.

٣٠٩

أحد الجالسين عند سليمان : يا أمير المؤمنين : أقتل يزيد ولا تستبقيه. فقال يزيد بن أبي مسلم : من هذا؟ فقالوا : فلان بن فلان. فقال يزيد : والله لقد بلغني أنّ أمّه ما كان شعرها يوازي أذنها. فضحك سليمان ، وأمر بتخليته. (١)

وجاء رجل إلى يزيد بن أبي مسلم ، فقال له : إنّي رأيت الحجّاج في المنام فقلت له : أخبرني ماذا فعل الله بك؟ قال : قتلني الله بكل قتيل (قتلته) قتلة ، وأنا أنتظر ما ينتظره الموحدّون ثمّ وبعد مرور سنة ، رأيته ثانية فقلت له : ما صنع الله بك؟ فقال : يا عاضّ .. أمّه ، سألتني هذا في العام الماضي وقد أخبرتك. فقال له يزيد : (أشهد أنّك رأيت أبا محمّد (٢) حقّا). (٣)

ولمّا جيء بالشعبي (٤) مكتوفا إلى الحجّاج بعد معركة (يوم الزاوية) رآى يزيد بن أبي مسلم على باب الحجّاج ، فطلب منه أن يتوسط له عند الحجّاج ، فقال له يزيد ليس اليوم يوم شفاعة ، ولكنك إذا دخلت على الحجّاج فاعتذر إليه واعترف له بذنبك ، ثمّ اطلبني شاهدا ، وسوف أشهد لك بما تريد.

فدخل الشعبي على الحجّاج وقال : (أصلح الله الأمير ، خبطتنا فتنة عمياء ، فما كنّا فيها بأبرار أتقياء ، ولا فجّار أقوياء ، وقد كتبت إلى يزيد بن أبي مسلم أعلمه ندامتي على ما فرط منّي ، ومعرفتي بالحق الّذي خرجت منه ، وطلبت منه أن يخبر بذلك الأمير ، ويأخذ لي أمانا منه فلم يفعل). (٥)

__________________

(١) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٦ / ٣١٠.

(٢) ابو محمّد : كنية الحجّاج بن يوسف الثقفيّ.

(٣) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٥ / ٥٦.

(٤) الشعبي : وهو عامر بن شراحيل ، الشعبي ، الحميريّ ، راوية من التابعين ، اتصل بعبد الملك فكان نديمه وسميره ، ثمّ انظم مع كتيبة الثوار الّذين ثاروا مع عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث في حربه مع الحجّاج بن يوسف الثقفيّ. مات سنة (١١٠) للهجرة.

(٥) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٦ / ٢٤٩. وابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٥ / ٣٢.

٣١٠

فالتفت الحجّاج إلى يزيد وسأله : هل صحيح ما يقوله الشعبي؟ فقال له يزيد : نعم ، أصلح الله الأمير ، وما منعني من علمك بذلك سوى انشغال الأمير ، فقال الحجّاج للشعبي : انصرف ، فذهب الشعبي آمنا.

وجيء بامرأة من الخوارج إلى الحجّاج ، وكان عند يزيد بن أبي مسلم ، فكلّم الحجّاج المرأة ، إلّا أنّها لم تجبه وأدارت برأسها عنه ، فقال يزيد : (ويلك ، الأمير يكلّمك)؟ (١) فقالت له المرأة : (بل الويل لك يا فاسق الرديّ). (٢)

وقال عبيد الله بن زياد بن ظبيان : (إيّاكم والطمع ، فإنّه دناءه ، والله لقد كنت على باب الحجّاج وقد خرج منها ، فأردت أن أضربه بالسيف ، فقال لي الحجّاج هل لقيت يزيد بن أبي مسلم؟ قلت : لا ، قال : اذهب إليه فإنّي قد أمرته أن يعطيك عهدك على (الريّ). فطمعت ، وكففت عن قتله ، ولمّا ذهبت إلى يزيد بن أبي مسلم ، فلم أجد عنده (عهد) ولا أيّ شيء آخر ، وإنّما كان الحجّاج حذرا مني). (٣)

ثم عزل يزيد بن أبي مسلم عن العراق سنة (٩٦) للهجرة ، عزله سليمان بن عبد الملك وولّى مكانه (يزيد بن المهلّب) وأمره أن يقتل بني عقيل ويعذّبهم ، وكان على الخراج صالح بن عبد الرحمن. (٤)

وقيل إنّ سليمان بن عبد الملك ، أمر بحبس يزيد بن أبي مسلم ، فبقي يزيد في الحبس طيلة خلافة سليمان ، ولمّا جاء بعده عمر بن عبد العزيز ، أطلق سراح جميع من سجنهم سليمان بن عبد الملك ، ما عدا يزيد بن أبي

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ١٠١.

(٢) الرديّ : عند الخوارج هو الّذي يعلم الحقّ من قولهم ويكتمه (أي أنه كان يؤيد رأي الخوارج سرا).

(٣) التوحيدي ـ البصائر والذخائر. ج ٧ / ٧١.

(٤) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٤ / ٥٩٣.

٣١١

مسلم فإن (الوضّاح بن خيثمة) وقيل (محمّد بن يزيد الأنصاريّ) لم يخرجه من السجن ، ولمّا مات عمر بن عبد العزيز وجاء بعده يزيد بن عبد الملك ، أطلق سراح يزيد من السجن وعيّنه (أميرا) على أفريقية سنة (١٠١) (١) للهجرة.

وحينما وصل يزيد إلى أفريقية ، قرّر أن يسير فيهم ، سيرة الحجّاج في أهل الإسلام الّذين سكنوا (المدن) من السواد ، وأهل الذّمة فأسلم بالعراق ، فإنّ الحجّاج قد ردّهم إلى (قراهم) (٢) ووضع الجزية عليهم على نحو ما كانت تؤخذ منهم وهم كفّار ، فتظلّم أهل أفريقية إليه ، ولكنه لم يلتفت اليهم ، ولم يعرهم أذنا صاغية ، فلمّا رأوه متعصّبا برأيه ، ثاروا عليه وقتلوه ، وأمّروا عليهم (محمّد بن يزيد (مولى الأنصار» ، وكتبوا إلى الخليفة يزيد بن عبد الملك : (إنّنا لم نخلع أيدينا من الطاعة ، ولكن يزيد بن أبي مسلم ، سامنا ما لا يرضاه الله فقتلناه وأمّرنا علينا محمّد بن يزيد). (٣)

فكتب اليهم يزيد بن عبد الملك : إنّني لم أرض بما فعل يزيد بن أبي مسلم ، وأقرّ محمّد بن يزيد على إمارته ، ثمّ عزله بعد عدّة أيّام.

وقيل : لما وصل يزيد بن أبي مسلم إلى أفريقية (أميرا عليها) أخذ يبحث عن محمّد بن يزيد الأنصاريّ ، ولمّا وجدوه ، جاءوا به إلى يزيد ، فلمّا نظر إليه يزيد قال له : (الحمد لله الّذي مكّنني منك بلا عهد ولا عقد ، فطالما سألت الله أن يمكّنني منك).

فأجابه محمّد بن يزيد : أنا والله ، طالما استعذت بالله منك.

فقال يزيد : فو الله ، ما أعاذك الله منّي ، والله لأقتلنّك ، ولو سابقني ملك

__________________

(١) ابن تغري بردى ـ النجوم الزاهرة. ج ١ / ٢٤٥.

(٢) القرى : جمع قرية.

(٣) ابن تغري بردى ـ النجوم الزاهرة. ج ١ / ٢٤٥.

٣١٢

الموت لسبقته ، ثمّ نودي على الجلاد ليقطع رأسه ، فحان وقت صلاة المغرب فخرج يزيد بن أبي مسلم إلى الصلاة ، فصلّى ركعة ، فلمّا سجد في الثانية ، ثار عليه الجند ، فقتلوه ، فتخلص محمّد بن يزيد من القتل (١) ، ثمّ أمّروه عليهم كما ذكرنا.

قتل يزيد بن أبي مسلم بأفريقية سنة (١٠٢) (٢) للهجرة وهو أمير عليها ، قتله الجند.

٤٥ ـ يزيد بن أبي كبشة :

وهو : يزيد بن أبي كبشة السكسكس ، الدمشقي ، وأسم (أبي كبشة) هو : حيوئل بن يسار بن حبي بن قرط السكسكي. (٣)

ولّاه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ (استخلفه) إمارة العراق سنة (٩٥) للهجرة. (٤)

وقيل عند ما مات الحجّاج سنة (٩٥) للهجرة ، أقرّ الوليد بن عبد الملك على يزيد بن أبي مسلم (خليفة الحجّاج) على عمله (إمارة الكوفة) ، ثم عزله وعيّن يزيد بن أبي كبشة. (٥)

وقيل إنّ الحجّاج لمّا شعر بدنو أجله ، استخلف قبل موته يزيد بن أبي

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٧٨. وابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٦ / ٣١١.

(٢) تاريخ خليفة بن خياط. ج ١ / ٣٢٦. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٧ / ٨١. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٧٨. وابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٦ / ٣١١. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٤ / ٥٩٤. وابن تغري بردى ـ النجوم الزاهرة. ج ١ / ٢٤٥. والمستشرق زامباور ـ معجم تاريخ الأسرات الحاكمة في العراق. ج ١ / ٩٩.

(٣) العسقلاني ـ تهذيب التهذيب. ج ٣٢ / ٢٢٨. وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ١٥ / ١٩.

(٤) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٠٠. وتاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢٥٠. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٤ / ٤٤٤. والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٤٤.

(٥) ابن الاثير ـ الكامل ، ج ٤ / ٥٨٤.

٣١٣

كبشة على حرب الكوفة والبصرة والصلاة بأهلها ، وعلى خراجها يزيد بن أبي مسلم ، فأقرهما الوليد بن عبد الملك على عملهما بعد موت الحجّاج ، وكذلك أبقى الوليد كافّة عمال الحجّاج على أعمالهم السابقة. (١)

وكان يزيد بن أبي كبشة على الشرطة (مدير الشرطة) أيّام عبد الملك ابن مروان ، ثمّ عزله عبد الملك ، وعيّن مكانه عبد الله بن يزيد الحكميّ. (٢)

وكان الحجّاج بن يوسف الثقفيّ يؤمن بما يقول العرّافون والمنجّمون ، فأرسل إلى عبيد بن وهب وقال له : (إنّ أهل الكتب يذكرون لي ، بأنّ ما تحت يدي يليه رجل يقال له (يزيد) وقد تذكرت يزيد بن أبي كبشة ، ويزيد بن حصين بن نمير ، ويزيد بن دينار ، فليسوا هناك ، وما هو إلّا يزيد ابن المهلّب). فقال له عبيد : (لقد شرّفتهم وأكرمتهم ، وأنّ لهم لعددا وجلدا ، وطاعة وحظا فأخلف بهم). (٣)

ولمّا مات الوليد بن عبد الملك ، وجاء بعده سليمان بن عبد الملك سنة (٩٦) للهجرة ، أرسل يزيد بن أبي كبشة أميرا على (السند) وعند ما وصل يزيد إلى السند قبض على محمّد بن القاسم (٤) ، وقيّده بالحديد ، وأرسله إلى العراق ، فبكى عليه أهل السند كثيرا ، وقال محمّد : (٥)

أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا

ليوم كريهة وسداد ثغر

ولمّا وصل محمّد بن القاسم إلى العراق ، حبسه صالح بن عبد الرحمن

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢٥٠.

(٢) تاريخ اليعقوبي. ج ٣ / ٢٥.

(٣) المصدر السابق. ج ٦ / ٣٩٤.

(٤) محمّد بن القاسم : بن محمّد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفيّ. أحد قادة الدولة الأموية المشهورين ، فاتح السند وقاتل ملك ذاهر بن صعصعة

(٥) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٥٨٨.

٣١٤

في واسط ، فقال محمّد : (١)

فلئن ثويت بواسط وبأرضها

رهن الحديد مكبّلا مغلولا

فلربّ قينة فارس قد رعتها

ولربّ قرن قد تركت قتيلا

وقال أيضا :

ولو كنت أجمعت القرار لوطئت

إناث أعدت للوغى وثغور

وما دخلت خيل السكاسك أرضنا

ولا كان من عك عليّ أمير

وما كنت للعبد المزونيّ تابعا

فيا لك دهر بالكرام عثور

فأخذ صالح يعذّبه كثيرا ، لأن الحجّاج ، كان قد قتل آدم بن عبد الرحمن (أخا صالح).

وقال حمزة بن بيض يرثي محمّد بن القاسم :

إنّ المروءة والسماحة والندى

لمحمّد بن القاسم بن محمّد

ساس الجيوش لسبع عشرة حجّة

يا قرب ذلك سؤددا من مولد

وقيل : أن الوليد بن عبد الملك ، عند ما ولّى يزيد بن أبي كبشة العراق ، أعطاه صلاحيات الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، وأمره أن يقرّ قتيبة بن مسلم الباهلي على خراسان ، ويأمره بالذهاب إلى فرغانه. (٢)

مات يزيد بن أبي كبشة في السند بعد مضي ثمانية عشر يوما من وصوله إلى السند ، وذلك في خلافة سليمان بن عبد الملك في أواخر سنة (١٠٠) للهجرة. (٣)

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي. ج ٣ / ٢٥. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٥٨٨.

(٢) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ٢٤٩.

(٣) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٤ / ٤٤ والعسقلاني ـ تهذيب التهذيب. ج ٣٢ / ٢٢٩.

٣١٥

٤٦ ـ عبد الرحمن بن أبي كبشة :

وأسم أبي كبشة : حيوئل السكسكي وهو ابن يسار بن حبي بن قرط. (١)

ولّاه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ إمارة الكوفة سنة (٩٥) للهجرة ، وذلك بعد أن فتح الحجّاج (الصغد). (٢) هذا ولم أعثر له على ترجمة وافية.

٤٧ ـ صالح بن عبد الرحمن :

هو : صالح بن عبد الرحمن ، مولى بني تميم ، وكنيته : أبو الوليد. (٣)

ولّاه سليمان بن عبد الملك إمارة الكوفة سنة (٩٦) للهجرة ، وولى يزيد بن المهلّب خراسان حربها وخراجها. (٤)

وقيل : إنّ سليمان بن عبد الملك قد عزل يزيد بن أبي مسلم عن العراق ، وولى عليه يزيد بن المهلّب ، وجعل صالح بن عبد الرحمن أميرا على الخراج. (٥)

وصالح هذا ، كان كاتبا للحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، وصاحب دواوين العراق ، وهو من أصل سبي سجستان. نشأ صالح في (النزال من آل مرّة بني عبيد) وكان فصيحا بالعربية ، ويجيد الإنشاء في اللغتين العربية والفارسية ، (٦)

__________________

(١) ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ١٥ / ١٩.

(٢) الصغد : مدينة في سمرقند ، وفيها منتزه فيه أنهار وبساتين ، وهو أحد متنزهات الدنيا ، وقيل : جنان الدنيا أربع : غوطة دمشق ، وصفد سمرقند ، وهر الأبله ، وشعب بوان. ابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ٢٥٧.

(٣) الترمانيني ـ أزمنة التاريخ الإسلاميّ. ج ١ / ٥٤٢.

(٤) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ٢٥٢. والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٧ / ١١٠. وتاريخ اليعقوبي ج ٢ / ٢٩٦ وأبن الأثير ج ٥ / ٢٣.

(٥) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ١١. وتاريخ الطبري. ج ٦ / ٥٠٦.

(٦) المبرد ـ الكامل. ج ٢ / ١٩٦ والترمانيني ـ أزمنة التاريخ الإسلامي. ج ١ / ٥٤٢.

٣١٦

وكان قد اتّصل بالحجّاج قبل توليته إمارة العراق ، وعند ما جاء الحجّاج إلى العراق ، ولّى صالح كتّاب الديوان ، ثمّ قلّده أمر الديوان ، وكان الديوان آنذاك يكتب باللغة الفارسية ، فنقله صالح إلى العربية ، وذلك سنة (٧٨) للهجرة ، ووضع اصطلاحات للكتّاب والمحاسبين ، فاستغنوا بعد ذلك عن الفارسية. (١)

وقيل : لمّا أراد صالح نقل الديوان إلى العربية ، أعطاه كتّاب الفرس ، ثلاثمائة ألف درهم على أن يترك ترجمته إلى العربية ، فرفض ذلك. (٢) ثمّ ولّاه سليمان بن عبد الملك خراج العراق ، ثمّ أقرّه عمر بن عبد العزيز لمدّة سنة واحدة ثمّ عزله. وكان جميع كتّاب العراق ، هم تلاميذ صالح التميميّ ، حتّى قال فيه عبد الحميد بن يحيى الكاتب : (لله درّ صالح ، ما أعظم منته على الكتّاب). (٣)

وقيل كتب صالح بن عبد الرحمن مع آخر إلى عمر بن عبد العزيز : بأنّ الناس لا يصلحهم إلّا السيف ، فكتب اليهما عمر : (خبيثين من الخبث ، رديئين من الرديء ، تعرضان لي بدماء المسلمين ، ما أحد من الناس إلّا ودماؤكما عليّ أهون من دمه). (٤) وكان يشكّ في صالح بن عبد الرحمن بأنّه خارجي المذهب ، وكان يزيد بن أبي مسلم يكرهه كرها شديدا ، وقد أشار على الحجّاج بن يوسف الثقفيّ أن يأمر صالح بقتل (جوّاب الضبي) (٥) ، وكان يزيد بن أبي مسلم يعتقد بأنّ صالحا إذا قتل (الضبي) فسوف تتبرأ منه الخوارج ، وإن رفض قتله فسوف يقتله الحجّاج. وقيل : عند ما عزل يزيد

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) الترمانيني ـ أزمنة التاريخ الإسلاميّ. ج ١ / ٥٩٦.

(٣) الزركلي ـ الأعلام. ج ٣ / ١٩٢.

(٤) أحمد زكي صفوت ـ جمهرة رسائل العرب. ج ٢ / ٢٧٨.

(٥) جوّاب الضبي : هو أحد رؤساء الخوارج.

٣١٧

ابن أبي مسلم عن العراق سنة (٩٦) للهجرة ، عزله سليمان بن عبد الملك ، وولى مكانه يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة ، وجعل صالح بن عبد الرحمن على الخراج ، وأمره بأن يعذّب آل أبي (١) عقيل ، فأخذ صالح يعذب آل أبي عقيل أنواع العذاب ، وكان الّذي يتولى تعذيبهم عبد الملك بن المهلّب. (٢)

ولمّا وصل محمّد إلى العراق ، عذّبه صالح بن عبد الرحمن ثمّ قتله ، فقال حمزة بن بيض يرثي محمّد بن القاسم : (٣)

إنّ المروءة والسماحة والندى

لمحمّد بن القاسم بن محمّد

ساس الجيوش لسبع عشرة حجّة

يا قرب ذلك سؤددا من مولد

ولمّا جاء عمر بن عبد العزيز إلى الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك ، عزل يزيد بن المهلّب عن العراق وصالح بن عبد الرحمن ، وولّى على الكوفة عبد الحميد بن زيد الخطاب. (٤)

ولمّا تولّى يزيد بن عبد الملك الخلافة سنة (١٠١) للهجرة ، كان صالح ابن عبد الرحمن في الشام ، فكتب عمر بن هبيرة الفزاري (أمير العراق) إلى يزيد بن عبد الملك ، يطلب منه أن يرسل إليه صالح بن عبد الرحمن ليسأله عن الخراج ، فأرسله يزيد إليه وأوصاه به خيرا ، ولكن ابن هبيرة قتله حال وصوله الكوفة. (٥)

قتل صالح بن عبد الرحمن سنة (١٠٣) (٦) للهجرة ، قتله عمر بن هبيرة الفزاري.

__________________

(١) آل أبي عقيل : هم عائلة وأقرباء الحجّاج بن يوسف الثقفيّ.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٥٠٦.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٥٨٨.

(٤) ابن قتيبة ـ المعارف. ص ٣٦٢.

(٥) الزركلي ـ الأعلام. ج ٣ / ١٩٢.

(٦) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٧ / ١١٠. والزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ١ / ١٧٧.

٣١٨

٤٨ ـ يزيد بن المهلّب :

هو : يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة ، واسم (أبي صفرة) هو ظالم بن سراق بن صبيح بن كندي بن عمرو بن عدي بن وائل بن الحارث بن العتيك بن الأسد بن عمران بن الوضّاح بن عمرو بن مزيقياء بن حارثة بن الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن زاد الراكب بن الأزد (١) ، وكنيته : أبو خالد. (٢)

ولقب أبو صفرة ، لأنّه كان يصبغ لحيته بلون أصفر (٣) ، وقيل كانت له بنت اسمها (صفرة) وبها كان يكنى. (٤)

ولّاه سليمان بن عبد الملك إمارة الكوفة سنة (٩٦) للهجرة ، وذلك بعد عزل يزيد ، ثمّ جمع ولاية العراقين سنة (٩٧) للهجرة. (٥)

وكانت حياة يزيد بن المهلّب كلّها معارك وحروب ، واشتهر بالشجاعة والكرم ، والسماح ، والعفو عند المقدرة ، وقال علماء التاريخ : (لم يكن في دولة بني أميّة أكرم من بني المهلّب ، كما لم يكن في دولة بني العباس أكرم من البرامكّة وكان لهم في الشجاعة أيضا مواقف مشهورة. (٦)

وبدأ يزيد بن المهلّب حياته كأمير على خراسان سنة (٨٢) للهجرة ، وذلك خلفا لأبيه (المهلّب بن أبي صفرة) ، ثمّ في سنة (٨٥) للهجرة عزله الحجّاج بن يوسف الثقفيّ عن خراسان ، وولّاها لأخيه (المفضل بن المهلّب) ،

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٥٦٧. وأبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢٠ / ٧٥.

(٢) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٤ / ٥٠٣.

(٣) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢٠ / ٧٦.

(٤) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٥ / ٣٥٠.

(٥) تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢٩٦.

(٦) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٦ / ٢٨٣.

٣١٩

ثم عزل المفضل ، وأرسل الحجّاج إلى خراسان قتيبة بن مسلم الباهلي ، وأمره بحبس كلّ من وجده من آل المهلّب ، ويعذبهم ، ويأخذ أموالهم ، فقال شاعر من أهل خراسان وقيل الأخطل الكبير : (١)

أبا خالد ضاعت خراسان بعدكم

وقال ذوو الحاجات أين يزيد؟

فلا مطر المروان بعد مطرة

ولا أخضر بالمروين بعدك عود

وقيل إنّ سبب عزل الحجّاج ليزيد ، هو أنّ الحجّاج كان يخاف من يزيد خوفا كثيرا واتهمه بأنه زبيري (٢) ، ثمّ حبسه ، وكان فيروز (٣) بن حصين قد أشار على يزيد بن المهلّب ونصحه بأن لا يتعاون مع الحجّاج ، فلم يقبل منه يزيد ، ولم يسمع كلامه ، ولمّا حبسه الحجّاج فيما بعد وأهله معه قال فيروز : (٤)

أمرتك أمرا حازما فعصيتني

فأصبحت مسلوب الإمارة نادما

أمرتك بالحجّاج إذ أنت قادر

فنفسك ولي اللّوم إن كنت لائما

فما أنا بالباكي عليك صبابة

وما أنا بالداعي لترجع سالما

وعند ما جاء قتيبة بن مسلم الباهلي أميرا على خراسان ، قال (لحصين) : ماذا قلت ليزيد بن المهلّب؟ قال : قلت :

أمرتك أمرا حازما فعصيتني

فنفسك أوّل اللوم إن كنت لائما

فإن يبلغ الحجّاج أن قد عصيته

فإنّك تلقى أمره متفاقما

قال قتيبة : بماذا أمرته فعصاك؟ قال : أمرته أن لا يدع صفراء ، ولا بيضاء ، إلّا حملها إلى الأمير.

__________________

(١) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ٢٠٥. وابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٦ / ٢٧٩.

(٢) زبيري : أي من أتباع عبد الله بن الزبير.

(٣) يعرف فيروز بن حصين (يراجع : الكامل ج ٥ / ٥٠٤ وربيع الأبرار ج ٤ / ٣١٢.

(٤) الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٤ / ٣١٢. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٥٠٤.

٣٢٠