أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

دعاه يزيد والرماح شوارع

فلم يستجب بل راغ روغة ثعلب

فلو كان شهم النفس أو ذا حفيضة

رآى ما رأى عيسى (١) بن مصعب

وقال شاعر آخر : (٢)

نجّى حشاشته وأسلم شيخه

لمّا رأى وقع الأسنة حوشب

وكان حوشب جالسا عند الحجّاج بن يوسف الثقفيّ فقال له : إنّ قيس بن عباد ترأبي (٣) المذهب ، كثير الفتن ، ولم تكن فتنة في العراق إلّا وكان قيس صاحبها كما وكان مع عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث في كافة حروبه ، وعند ما قتل ابن الأشعث كان قيس قد اعتزل في داره فأرسل إليه الحجّاج شرطته فقبضوا عليه وقتله. (٤)

وكان أيوب بن الفرية من الّذين اشتركوا في معركة (دير الجماجم) مع عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث في حربه مع الحجّاج ، وكان أيوب هذا يحضر في مجلس حوشب بن يزيد (أمير الكوفة) ، فقال حوشب لمن حوله : انظروا إلى هذا الواقف معي ، وغدا أو بعد غد ، يأتي كتاب الأمير ، لا أستطيع إلا نفاذه. (٥)

وبينما كان ابن الفرية ذات يوم عند حوشب إذا جاءه كتاب من الحجّاج يقول فيه : (أما بعد ، فإنك قد صرت كهفا لمنافقي أهل العراق ، ومأوى لهم ، فإذا نظرت في كتابي هذا ، فابعث إليّ بابن الفرية ، مشدودة يده

__________________

(١) عيسى بن مصعب : طلب منه أبوه مصعب أن يترك القتال ويذهب إلى عمّه في مكّة ، ولكنه رفض فقتل مع أبيه.

(٢) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٧ / ٣٩.

(٣) ترابي المذهب : أي من أصحاب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

(٤) تاريخ الطبري. ج ٥ / ٢٨١.

(٥) المصدر السابق ج ٦ / ٣٨٥.

٢٨١

إلى عنقه). (١) عندها أرسله (حوشب) إلى الحجّاج فقتله وذلك سنة (٨٤) للهجرة.

وكان (خراش) بن حوشب بن يزيد الشيبانيّ ، رئيس شرطة يوسف ابن عمر في الكوفة سنة (١٢٢) للهجرة ، وهو الّذي نبش قبر زيد بن عليّ ابن الحسين بن عليّ بن أبي طالب وصلبه (بالكناسة) (٢) عاريا ، فقال فيه السيد الحميريّ : (٣)

بت ليلي مسهدا

ساهر الطرف مقصدا

ولقد قلت قولة

وأطلت التبلدا

لعن الله حوشبا

وخراشا ومزيدا

ويزيدا فإنه

كان أعتى وأعتدا

ألف ألف وألف أل

ف من اللعن سرمدا

إنّهم حاربوا الإل

ه وآذوا محمّدا

شركوا في دم

الطهر زيدا تعندا

ثمّ عالوه فوق جذ

ع صريعا مجردا

يا خراش بن حوشب

أنت أشقى الورى غدا

وكان عبد الله بن الزبير ، قد أرسل عبد الرحمن بن عتبة بن أياس أميرا على مصر (وذلك بعد عزل أميرها السابق سعيد بن يزيد بن علقمة الفهريّ) وذهب معه كثير من الخوارج الّذين كانوا مع عبد الله بن الزبير في مكّة من أهل مصر وغيرها وكان فيهم حوشب بن يزيد الشيبانيّ. (٤)

__________________

(١) نفس المصدر أعلاه.

(٢) الكناسة : أسم محلة مشهورة في الكوفة ، وفيها ساحة للمزبلة ، أو هي كانت مزبلة.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٧ / ١٩٠.

(٤) الكنديّ ـ الولاة في مصر. ص ٦٤.

٢٨٢

وكان (الكميت (١)) قد مدح الحكم بن الصلت خليفة يوسف بن عمر على إمارة الكوفة ، بقصيدة مطلعها منها : (٢)

طربت وهاجك الشوق الحثيث

فأمر له الحكم بجائزة ، وفي أثناء ذلك جيء بأبان (٣) بن الوليد مقيدا بالحديد فطالبه الحكم بن الصلت بأموال ادّعى بأنّها مستحقة عليه ، فقال الكميت للحكم : خذ جائزتي عوضا عن دين (إبان). فقال إبان للكميت : يا أبا المستهل : ما حلّ عليّ دين بعد. فقال الكميت للحكم : أبي تسخر!! أصلح الله الأمير؟! فقال حوشب بن يزيد الشيبانيّ (وكان جالسا في المجلس) : (أصلح الله الأمير أتشفّع حمار بني أسد في عبد بجيلة)؟

فرد عليه الكميت قائلا : (فو الله ما فررنا عن آبائنا حتّى قتلوا ، ولا نكحنا حلائل آبائنا بعد أن ماتوا) (٤). فسكت حوشب خجلا.

وقيل إنّ السليك بن السلكة ، خرج يوما للغزو ، فرآى بيتا كبيرا ، فقال لأصحابه : انتظروني في مكان كذا ، عسى أن أجد في ذلك البيت ما ينفعنا ، فذهب إليه فإذا هو بيت يزيد بن رويم الشيبانيّ ، فدخل البيت من خلفه ، وفي هذه الأثناء جاء ابن ليزيد ليلا ومعه إبله ، فغضب يزيد وقال لأبنه : (هلّا عشيتها)؟ فقال له ابنه : إنّها رفضت العشاء. فقال يزيد : (العاشية تهيج الآبية) (٥). ثمّ أخذ يزيد الإبل وعاد بها إلى مرعاها ، فأخذت الإبل

__________________

(١) الكميت : بن زيد بن خنيس ، شاعر مقدم ، عالم بلغات العرب ، خبير بأيامها ، كان في أيّام بني أميّة ولم يدرك الدولة العباسية ، وكان معروفا بتشيعه لآل البيت (عليهم‌السلام) وقصائده الهاشميات من خير شعره.

(٢) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٧ / ٣٨.

(٣) وكان الكميت مداحا لأبان بن الوليد البجليّ ، وكان إبان محبا له ومحسنا إليه.

(٤) ويقال أن حوشب نكح جارية أباه بعد موته.

(٥) ومعنى هذا المثل : أن الإبل الّتي رفضت العشاء ، سرعان ما تعود إلى الطعام إذا رأت إبلا أخرى تتعشى.

٢٨٣

تأكل من مرعاها ، وجلس هو يتناول عشائه معها. فتبعه السليك ، فضربه بالسيف من خلفه فقتله ، ثمّ أخذ الإبل ورجع إلى أصحابه وقد كادوا ييأسون منه فقال : (١)

وعاشية رح بطان ذعرتها

بضرب قتيل وسطها يتسيف

كأنّ عليه لون ورد محبّر

إذا ما أتاه صارخ متلهف

فبات لها أهل خلاء فناؤهم

ومرّت بهم طيرا فلم يتعيفوا

وجاء الأخطل إلى الكوفة ، فذهب إلى حوشب بن رويم الشيبانيّ ، وقال له : (إنّي تحملت ديتين لأحقن بهما دماء قومي) ، فزجره حوشب (طرده) ، فذهب بعد ذلك إلى (سبّار بن البزيعة) فاعتذر إليه سبّار ، ثمّ ذهب أخيرا إلى (عكرمة الفياض) (وكان كاتبا لبشر بن مروان) فسأله وأخبره بما قال حوشب وسبّار ، فقال عكرمة : (أما أنا فلا أنهرك ، ولا أعتذر اليك ، ولكنّي أعطيك إحداهما عينا والأخرى عرضا) ، فقال الأخطل قصيدة طويلة نقتطف منها الأبيات الآتية : (٢)

والناس همهم الحياة وما أرى

طول الحياة يزيد خير خبال

وإذا افتقرت إلى الذخائر ، لم تجد

ذخرا يكون كصالح الأعمال

ومنها : ابن ربعيّ (٣) كفاني سيبه

ضغن العدو بونوة البخّال

أغليت حين تواكلتني وائل

إنّ المكارم عند ذلك غوالي

ولقد شفيت غليلي من معشر (٤)

نزلوا بعقوة حية قتّال

__________________

(١) الزمخشري ـ المستقصى من أمثال العرب. ج ١ / ٢٣٢.

(٢) مجيد طرّاد الكبيسي ـ شرح ديوان الأخطل. ص ١٤٧.

(٣) ابن ربعيّ : هو عكرمة بن الفياض.

(٤) المعشر : هو حوشب وسبّار.

٢٨٤

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عديّ (١) بن أرطأة : (سلام عليك ، أما بعد ، فإياك (وبلالا) (٢) بلال السوء ، (وعيينة بن أسماء) (٣) و (حوشب بن يزيد) فإنّهم من بقايا السوء ، فلا تستعن بهم على شيء من عملك ، والسلام عليك). (٤)

٣٢ ـ البراء بن أبي قبيصة الثقفيّ :

استخلفه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ أميرا على الكوفة وذلك بعد عزل حوشب بن رويم الشيبانيّ ، ثمّ عزله واستخلف على الكوفة عبد الرحمن بن عبد الله بن عامر الخصرميّ. (٥)

وعند ما كان البراء بن أبي قبيصة أميرا على أصبهان سنة (٧٧) للهجرة ، كتب إلى الحجّاج يخبره بثورة مطرف بن المغيرة بن شعبة ، فأرسل إليه الحجّاج الإمدادات ، وطلب من عديّ بن زياد الأمير على (الريّ) أن يذهب مع البراء بن أبي قبيصة ومحاربة مطرف بن المغيرة ، وعند ما التقا الجيشان حدثت معركة بين الطرفين انتهت بمقتل مطرف بن المغيرة ، وقتل أكثر جماعته ، وانهزم الباقون ، ثمّ أرسل برأس مطرف إلى الحجّاج. (٦)

وكان الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، قد بعث البراء بن أبي قبيصة إلى المهلّب (٧) بن أبي صفرة ، يستحثّه على محاربة الخوارج ، وكتب إلى الحجّاج

__________________

(١) عدي بن أرطأة : كان أمير البصرة آنذاك.

(٢) بلال : ابن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري.

(٣) عيينة بن أسماء : بن خارجة الفزاري.

(٤) الحميدي ـ مواقف وعبر. ج ١٥ / ٨٤.

(٥) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٨٥.

(٦) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٤٣٦.

(٧) المهلّب بن أبي صفرة : وأبو صفرة : اسمه : ظالم بن سراق من أزد العنبك وخلف أولادا بلغ عددهم ثلاثمائة ـ ولد ، وقال عنه عبد الله بن الزبير (هو سيّد العراق). وهو أمير خراسان من قبل عبد الملك بن مروان ، وصاحب الحروب والفتوح. وحمى البصرة من الخوارج ، حتّى سميت (بصرة المهلّب) ولد المهلّب عام الفتح (فتح مكّة) ومات سنة (٨٢) للهجرة.

٢٨٥

يقول : (وإنّك لتحبّ بقائهم ، لتأكل بهم) (١). وقيل إنّه كتب إليه يقول : (أما بعد ، فإنّك والله لو شئت فيما أرى ، لقد اصطلحت هذه الخارجة المارقة ، ولكنّك تحبّ طول بقائهم ، لتأكل الأرض حولك ، ولقد بعثت اليك البراء بن أبي قبيصة لينهضك اليهم ، فانهض اليهم ، إذا قدم عليك بجميع المسلمين ، ثمّ جاهدهم أشدّ الجهاد ، وإيّاك والحيل والأباطيل والأمور الّتي ليست عندي بساغة ولا جائزة ، والسلام). (٢)

ولمّا وصل البراء إلى المهلّب وشاهد بعينه الحملات الّتي يشنّها المهلّب مع أبنائه على الخوارج في القتال ، قال للمهلب : (رأيت قوما والله ما يعينك عليهم إلّا الله).

ثم أعطى المهلّب للبراء عشرة آلاف درهم ، وحمّله وكساه ، ورجع البراء إلى الحجّاج ومعه كتاب المهلّب ردا على كتاب الحجّاج ، ويستشهد فيه بما رآه البراء بن أبي قبيصة في حربه مع الخوارج جاء فيه : (إنّي منتظر بهم إحدى ثلاث : موت ذريع ، أو جوع مضر ، أو اختلاف في أهوائهم). (٣)

وفي سنة (٨٢) للهجرة وعند ما وقعت معركة (يوم الزاوية) بين الحجّاج وبين عبد الرحمن ابن الأشعث ، استبسل فيها العراقيون حتّى انهزمت جيوش الحجّاج وانهزمت زعماء قريش وثقيف ، وكان فيهم البراء

__________________

(١) المبرد ـ الكامل. ج ٣ / ٣٧٣.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٣٠١.

(٣) المبرد ـ الكامل. ج ٣ / ٣٧٤.

٢٨٦

ابن أبي قبيصة ، فقال عبيد بن موهب (كاتب الحجّاج): (١)

فرّ البراء وابن عمّه مصعب

وفرّت قريش غير آل سعيد

٣٣ ـ شبيب الخارجيّ :

هو : شبيب بن يزيد بن نعيم بن قيس بن عمرو بن الصلت ، الشيبانيّ ، الخارجيّ ، وكنيته : أبو الضحّاك. (٢)

دخل شبيب الشيبانيّ إلى الكوفة يوم الثلاثاء في السابع والعشرين من شهر جمادي الآخرة من سنة (٧٦) للهجرة. (٣)

وشبيب ، هو رئيس الخوارج في الجزيرة ، وبطل من أبطال العالم ، وأشدّ الثائرين على بني أميّة (٤) ، وكان داهية ، طمّاحا إلى السيادة. ثار بالموصل سنة (٧٦) للهجرة وقتل صالح بن مسرح ، فبايعه (١٢٠) شخصا فقويت معنويته ، ثمّ خرج من الموصل قاصدا الكوفة ، فأرسل إليه الحجّاج ابن يوسف الثقفيّ خمسة من خيرة قادته ، على فترات متعدّدة ، فقتلهم شبيب تباعا واحدا بعد الآخر ، ثمّ جاء الحجّاج من البصرة إلى الكوفة ، فدخلها قبل مجيء شبيب ، ودخل قصر الإمارة وتحصّن فيه ، كان ذلك سنة (٧٧) للهجرة.

ثمّ موصل شبيب وأمّه (جهيرة) وزوجته (غزالة) إلى الكوفة صباحا ، فوجدوا باب القصر مغلقا ، فقتل الحرس ، واقترب من الباب وأراد فتحه

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٣٤٢.

(٢) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٤ / ١٤٧.

(٣) اليعقوبي. ج ٢ / ٢٧٤. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٦ / ١٨١. والذهبي ـ تاريخ الأعلام. ج ٥ / ٣٢٩.

(٤) الزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ١ / ١٥٤.

٢٨٧

فلم يتمكّن ، فضرب شبيب الباب بعمود كان في يده فثقبه (١) وقيل بقي ذلك الثقب إلى أن خرّب قصر الإمارة.

وكانت (غزالة) زوجة شبيب ، قد نذرت بأنّها إذا دخلت الكوفة فسوف تصلي في المسجد ركعتين ، تقرأ في كلّ ركعة سورة البقرة وآل عمران ، فجاءت غزالة ومعها سبعين فارسا ودخلت المسجد ، فصلت فيه الغداة ، ووفّت نذرها ، فقال أهل الكوفة في تلك السنة : (٢)

وفّت الغزالة نذرها

يا ربّ لا تغفر لها

وكانت غزالة هذه ، فارسة ، شجاعة ، هرب الحجّاج بن يوسف الثقفيّ منها في بعض حروبه مع شبيب ، فعيّره الناس في ذلك ، فقال حطان بن عمران السدوسي : (٣)

أسد عليّ وفي الحروب نعّامة

فتخاء تنفر من صفير الصافر

هلّا برزت إلى غزالة في الوغى

بل كان قلبك في جناحي طائر؟

وكانت أمّه (جهيرة) (٤) بطلة شجاعة ، تحارب مع المحاربين.

ولمّا عجز الحجّاج عن محاربة شبيب الخارجيّ ، كتب إلى عبد الملك بن مروان ، يطلب منه المساعدة قائلا : (الغوث ، الغوث ، فإن شبيب بن يزيد ، قد هتك الحريم وأيتم الأولاد ، وأرمل الأزواج).

فأرسل إليه عبد الملك ألف رجل من أهل الشام ، ثمّ جاء الحجّاج ، ومعه أربعة آلاف مقاتل من أهل الشام ، فدارت معركة عنيفة في وسط

__________________

(١) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٢ / ٤٥٤.

(٢) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ١٣٩. وابن العماد ـ شذرات الذهب. ج ١ / ٣١٦.

(٣) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٥٢. والذهبي ـ تاريخ الأعلام. ج ٥ / ٣٢٩. وابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ٣١٦. والجاحظ ـ البيان والتبيين. ج ١ / ٣٦٥.

(٤) جهيرة : وقيل اسمها جهينة.

٢٨٨

السوق ، وحملت غزالة ومن معها من النساء ، وبقي القتال مستمرا إلى اللّيل ، فانهزم الحجّاج ، وتحصن بقصر الإمارة ، وقتلت في تلك المعركة (غزالة) (١) وكذلك (جهيرة) وقتل أيضا (مصاد) أخو شبيب. وعند اللّيل هرب شبيب إلى (الأنبار) فتبعه أصحاب الحجّاج إلى هناك ، فهرب شبيب إلى كرمان ، فلاحقته جيوش الحجّاج ، وعند ما أراد شبيب أن يعبر جسر نهر (دجيل) (٢) سقط مع فرسه في الماء ، فقال له بعض أصحابه : (أغرقا يا أمير المؤمنين)؟

فقال شبيب : (ذلك تقدير العزيز العليم) ، ثمّ غرق شبيب في الماء ، وذلك لثقل الحديد (من درع وغيره) ثمّ أخرج من الماء (ميتا) وأرسل إلى الحجّاج فأمر الحجّاج بشق بطنه واستخراج قلبه. (٣)

مات شبيب الخارجيّ (غرقا) سنة (٧٧) للهجرة وقيل سنة (٧٨) (٤) للهجرة. وقال أحد الأسرى عند ما جيء به إلى الحجّاج : (٥)

أبرء إلى الله من عمرو ومن شيعته

ومن عليّ ومن أصحاب صفّين

ومن معاوية الغاوي وشيعته

لا بارك الله في القوم الميامين

وقيل عند ما هرب الحجّاج من شبيب الخارجيّ ، وتحصّن في قصر الإمارة ، جاء شبيب ووقف على باب القصر ونادى : (يا عدوّ الله ، يا ابن أبي زعال ، يا أخا ثمود ، أخرج الينا). وكان الحجّاج يسمعه ، ويقول لأصحابه : (لا تكلّموهم ، فلعلّ الله أن يكفينا أمرهم). فسمعه رجل من الخوارج

__________________

(١) رضوان دعبول ـ تراجم أعلام النساء. ص ٣١٧. (قتلها خالد بن عتاب الرياحي).

(٢) نهر دجيل : ويوجد نهران بهذا الإسم : أحدهما في الأهواز ويصب في الخليج الفارسيّ ، والثاني في الأنبار.

(٣) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٤ / ١٤٩.

(٤) تاريخ خليفة بن خياط. ج ١ / ٣٥٥. وتاريخ اليعقوبي. ج ٣ / ٢٠. وابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ٨٣. والزركلي ـ الأعلام. ج ٣ / ٣٢٩ ، وترتيب الأعلام على الأعوام. ج ١ / ١٥٤.

(٥) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ٩٢.

٢٨٩

فقال : (١)

لعمري لقد نادى شبيب وصحبه

على الباب لو أنّ الأمير يجيب

فأبلغ أمير المؤمنين نصيحة

وذو النصح لو يصغي إليه قريب

أتذكر إذ دارت عليك رماحنا

يمكنّ والكلبيّ ثمّ غريب

فلا صلح ما دامت منابر أرضنا

يقوم عليها من ثقيف خطيب

فإنّك إن لم ترض بكر بن وائل

يكن لك يوم بالعراق عصيب

فلا خير إن كانت قريش عداتنا

يصيبون منّا مرّة ونصيب

فإن يك منكم كان مروان وابنه

وعمرو ومنكم هاشم وحبيب

فمنّا سويد والبطين وقعنب

ومنّا أمير المؤمنين شبيب

ومنّا سنان الموت وابن عويمر

ومرّة فانظر أين ذاك يغيب

وكان تعداد جيش الحجّاج حوالي خمسين ألف مقاتل ، وكان عدد جيش شبيب ألف فارس. (٢)

٣٤ ـ عتاب بن ورقاء الشيبانيّ :

وعتاب بن ورقاء هو : من بني رياح ، يربوعي ، تميمي ، من أهل الكوفة ، وكنيته : أبو ورقاء. (٣)

استخلفه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ على إمارة الكوفة سنة (٧٧) للهجرة ، وأمره أن يذهب إلى محاربة شبيب الخارجيّ (٤) ، وقيل أرسله

__________________

(١) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ٨٨.

(٢) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٤ / ١٤٩.

(٣) ابن بكارى ـ الأخبار الموفقيات. ص ٥٢٩. والتوحيدي ـ البصائر والذخائر. ج ١ / ١٢٥.

(٤) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٥ / ٣٣١.

٢٩٠

لمحاربة شبيب سنة (٧٦) (١) للهجرة.

وكان عتاب بن ورقاء أميرا على أصبهان سنة (٦٥) للهجرة في خلافة عبد الله بن الزبير ، وقيل إنّ الّذي ولّاه أصبهان هو مصعب بن الزبير (أخو عبد الله بن الزبير) وتولّى عتاب أيضا إمارة المدائن. (٢)

وعند ما كان عتاب أميرا على أصبهان ، جاء الخوارج اليها فحاصروها ، فأخذ عتاب يقاتلهم على باب المدينة ، ويرمون الخوارج بالنبال والحجارة من خلف السور ، وكان مع عتاب رجل من حضرموت يقال له (أبو هريرة) فكان هذا يحمل على الخوارج ويقول : (٣)

كيف ترون يا كلّاب النار

شدّ أبي هريرة الهرار

يهرّكم بالليل والنهار

يا أبن أبي الماحوز (٤) والأشرار

كيف ترى حربي على المضمار

ولمّا طال الحصار على عتاب بن ورقاء ، خطب في أصحابه قائلا : (أيّها الناس ، قد نزل بكم من الجهد ما ترون ، وما بقي إلّا أن يموت أحدكم على فراشه ، فيدفنه أخوه إن استطاع ، ثمّ يموت هو فلا يجد من يدفنه ، ولا يصلي عليه ، والله ما أنتم بقليل ، وإنّكم الفرسان ، فاخرجوا بنا إلى هؤلاء ، وبكم قوّة وحياة).

ثمّ أنّ الخوارج بعد أن قتل ابن ماحوز أو (ماجور) جعلوا عليهم (قطري بن الفجاءه) أميرا. (٥)

__________________

(١) ابن بكار ـ الأخبار الموفقيات. ص ٥٢٩. وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ٨ / ٢٦١. والزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ١ / ١٥٤.

(٢) نفس المصادر السابقة.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٢٨٦.

(٤) ابن الماحوز : أمير الخوارج.

(٥) ابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ٨ / ٢٦١.

٢٩١

وكان أعشى همدان (١) ، متفرّغا ومنقطعا إلى عتاب بن ورقاء ، وكان ينادمه ، فقال عتاب لأعشى همدان ذات يوم : (يا أبا المصبّح ، لئن أصبت إمرة (إمارة) إنّها خاصّة لك ، خاتمي في يدك تقضي في أمور الناس).

وعند ما تولّى عتاب إمارة أصبهان ، ذهب إليه الأعشى ، وذكّره بما قال فتنكّره عتاب ، ولم يهتم ويعتني به ، فقال الأعشى : (٢)

تمنيني إمارتهم تميم

وما أمّي بأمّ بني تميم

وكان أبو سليمان خليلي

ولكن الشرّاك من الأديم

أتينا أصبهان فأهزلتنا

وكنّا قبل ذلك في نعيم

أتذكر يا خويلد إذ غزونا

وأنت على بغيلك ذي الوشوم؟

ويركب رأسه في كلّ وعث

ويعثر في الطريق المستقيم

وليس عليك إلا طيلسان

نصيبيّ وإلا سحق نيم (٣)

وخطب عتاب بن ورقاء ذات يوم فقال : (هذا كما قال الله تبارك وتعالى : (إنّما يتفاضل الناس بأعمالهم ، وكل ما هو آت آت). فقال له الجالسون : إنّ هذا ليس من كتاب الله. قال عتاب : ما ظننت إلّا أنّه من كتاب الله). (٤)

وخطب أيضا ذات مرة ، وحثّ الناس على الجهاد ، فقال : (هذا كما قال الله تعالى في كتابه العزيز : (٥)

كتب القتل والقتال علينا

وعلى الغانيات جرّ الذيول

__________________

(١) أعشى همدان : وهو عبد الرحمن بن عبد الله شاعر اليمانيين بالكوفة وفارسهم في عصره ، وأحد الفقهاء الغزاة.

(٢) التوحيدي ـ البصائر والذخائر. ج ٨ / ١٩٧.

(٣) سحق نيم : بقايا فروة بالية.

(٤) محمود مقديش ـ نزهة الأنظار. ج ١ / ١٩٧.

(٥) سعيد الكرمي ـ قول على قول. ج ٤ / ٣١.

٢٩٢

وكان سليم بن سعد بن جابر أميرا على بعض الولايات قبل مجيء الحجّاج ، وكان سليم كثير الضيافة والأجارة (١) ، فلمّا جاء الحجّاج إلى العراق حاسبه وطلب منه أموالا كثيرة عجز سليم عن تسديدها ، فباعه الحجّاج فاشتراه عتاب بن ورقاء بسبعين ألف ، ثمّ أطلق سراحه. (٢)

وعند ما جاء شبيب الخارجيّ إلى الكوفة لمحاربة الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، فأرسل إليه الحجّاج جيشا من أهل الكوفة قوامه خمسين ألف مقاتل بقيادة عتاب بن ورقاء (أمير الكوفة) وعند ما التقى الجيشان ، قال عتاب : (هذا يوم كثر فيه العدد ، وقلّ فيه الغناء ، وآلهفي على خمسمائة من رجال تميم). (٣)

ثم دارت معركة بين الطرفين قتل فيها عتاب (٤) بن ورقاء ، (بعد أن تفرقت عنه رجال أهل الكوفة) ثمّ داسوه بالخيل ، وانهزم جيش عتاب عن بكرة أبيه ، راجعين إلى الكوفة ، فاستولى شبيب الخارجيّ على كلّ ما كان في المعسكر من أموال وعتاد ومؤونة (٥) ، وكان تعداد جيش شبيب الخارجيّ حوالي ستمائة رجل (٦). وسميت تلك المعركة بإسم (معركة عتاب).

وقيل لما قتل عتاب ، جاء شبيب الخارجيّ ، فشاهده صريعا ، تألّم له وتأثّر عليه فقال له أحد الخوارج : يا أمير المؤمنين ، أتتوجّع لكافر!؟ ثمّ دعا

__________________

(١) الأجارة : اللجوء.

(٢) البلاذري ـ أنساب الأشراف. ج ١ / ٢٥٥.

(٣) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٥ / ٣٣١.

(٤) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٥ / ٣٣١. وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ٩ / ١٧. وابن العماد ـ شذرات الذهب. ج ١ / ٣١٦. والزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ١ / ١٥٤.

(٥) ابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ٩ / ١٧.

(٦) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٥ / ٣٣١.

٢٩٣

شبيب بإيقاف القتال ، وهرب من الكوفة ليلا. (١)

٣٥ ـ المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفيّ :

وكنيته : أبو عبد الله ، ويلقب بأبي صفيّة. (٢)

بعد انتهاء الحجّاج بن يوسف الثقفيّ من حروبه مع شبيب الخارجيّ وقتله في أواخر سنة (٧٧) للهجرة ، عاد الحجّاج إلى البصرة ، فاستخلف على الكوفة المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل في أوائل سنة (٧٨) للهجرة ، وقيل إنّ الحجّاج استخلف على الكوفة في هذه السنة عبد الرحمن الخصرميّ ، ثمّ عزله وجعل مكانه المغيرة بن عبد الله. (٣) وفي سنة (٨٦) للهجرة ، كان المغيرة بن عبد الله على صلاة الكوفة وعلى الحرب بها كان زياد بن جرير بن عبد الله البجليّ. (٤)

كما أنّ يوسف بن عمر (أمير الكوفة) قد استخلف المغيرة بن عبد الله على إمارة الكوفة سنة (١٢٦) للهجرة ، غير أنّ المغيرة لم يبق في إمارته تلك سوى أسبوعا واحدا ، حيث هرب يوسف بن عمر من الكوفة عند سماعه بمقتل الخليفة الوليد بن يزيد. (٥)

وممّا يحكى عن المغيرة بن عبد الله ، أنه كان شديد البخل ، فمن بخله أنه إذا جيء إليه بالطعام وعليه (الجدي) (٦) فلا يمسّه هو ولا أيّ أحد ممن حضر مائدته. وذات يوم ، حضر مائدته أعرابيّ فمدّ يده وأخذ يسرع

__________________

(١) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٤ / ١٤٩.

(٢) ابن حجر العسقلاني ـ نزهة الألباب. ص ٢٢٦.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٣١٩. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٦ / ١٩٩. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٤٤٨.

(٤) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٤٢٦. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٦ / ٢٧٣.

(٥) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٥٨.

(٦) الجدي : الخروف.

٢٩٤

بتناول الطعام ، فقال له المغيرة : (يا أعرابيّ إنّك لتأكل الجدي بغضب وعصبية كأنّ أمّه نطحتك!!) فقال الأعرابي : (أصلحك الله أيّها الأمير ، وأنت تشفق عليه كأنّ أمّه أرضعتك). ثمّ أخذ الأعرابي بيضة كانت بين يديه فقال : (خذها فإنّها بيضة الصقر) ثمّ خرج الأعرابي ولم يحضر مائدة المغيرة بعد ذلك.

٣٦ ـ عبد الرحمن الخصرميّ :

هو : عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عامر الخصرميّ ، حليف بني أميّة. (١)

استحلفه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ أميرا على الكوفة في أوائل سنة (٧٨) للهجرة ثمّ عزله واستخلف مكانه المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل. (٢)

وكذلك استخلفه الحجّاج أميرا على الكوفة (مرّة ثانية) في أواخر سنة (٨١) (٣) للهجرة وذلك عند ذهاب الحجّاج إلى البصرة لمحاربة عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث ، وبعد انتصار الحجّاج على ابن الأشعث ، في معركة (يوم الزاوية) وقتل الكثير من أصحاب ابن الأشعث من القرّاء والفقهاء ، ثار أهل الكوفة في أوائل سنة (٨٢) للهجرة ومعهم مطر بن ناجية اليربوعي ، فهجموا على قصر الإمارة وطردوا عبد الرحمن من القصر وطردوا كل من كانوا معه من أهل الشام وكان عددهم أربعة آلاف. (٤)

وكان عبد الله (جدّ عبد الرحمن) شريفا ، شجاعا يصل رحمه وقومه ،

__________________

(١) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ٤٥. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٥٢.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٣١٩. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٦ / ١٩٩. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٤٤٨.

(٣) نفس المصدر أعلاه.

(٤) البراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٢٢.

٢٩٥

ويقال كان له إثنا عشر ولدا وستّة بنات ، وقد ولد عبد الرحمن وكان عمر أبيه (١٣) (١) سنة ، وسأل الخليفة عمر بن عبد العزيز يوما فقال : أخبروني عن عبد الرحمن بن عبد الله ، فقيل له : (يكافئ الأكفاء ويعادي الأعداء وهو أمير يفعل ما يشاء ويقدّم إن وجد من يساعده). (٢)

__________________

(١) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ٤٥.

(٢) أبن الأثير ـ الكامل. ج ٥ / ٥٢.

٢٩٦

٣٧ ـ مطر بن ناجية (١) اليربوعي :

وهو : من بني يربوع من تميم ، ثائر من الشجعان ، كان أيّام إمارة الحجّاج يتولّى (المعونة) في الكوفة (٢) ، ثار بالكوفة سنة (٨٢) (٣) للهجرة.

وعند ما جاء الحجّاج بن يوسف الثقفيّ سنة (٧٧) للهجرة لمحاربة شبيب الخارجيّ ، كان مطر بن ناجية اليربوعي على ميمنة الجيش ، وكان خالد بن عتاب بن ورقاء على ميسرته ، ثمّ وبعد أن انهزم شبيب الخارجيّ تتبّع مطر بن ناجية وخالد بن عتاب فلول جيش شبيب المنهزم حتّى وصلوا إلى جسر المدائن. (٤)

وبعد معركة (يوم الزاوية) الّتي انتصر فيها الحجّاج على ابن الأشعث وأخذ الحجّاج يطارد ويقتل كلّ من اشترك في تلك المعركة بما فيهم القراء والفقهاء وكبار السنّ ، وحينما سمع أهل الكوفة بذلك هجموا على قصر الإمارة وأعلنوا ثورتهم على بني أميّة فخلعوا عبد الملك بن مروان وطردوا (عبد الرحمن الخصرميّ) (خليفة الحجّاج على الكوفة) وكان يقود تلك الثورة (مطر بن ناجية اليربوعي) ومعه جماعة من بني تميم ، وكان ذلك في

__________________

(١) ناجية : وبنو ناجية ينتسبون اليها وسميت ناجية لأنها سارت في طريق مقفر مع أبيها فعطشت في الطريق فقال لها أبوها الماء بين يديك (وهو يريها السراب موهما إياها بأنه ماء) حتّى وصلت إلى الماء فشربت منه فسميت (ناجية). واسمها الحقيقي (ليلى) بنت جرم بن ريان وهي زوجة سامة بن لؤي بن غالب ، وذهب سامة إلى البحرين على أثر نزاع حصل بينه وبين أخيه كعب وفي الطريق عضته أفعى وهو على بعيره فمات فرثاه أخوه كعب فقال :

عين جودي لسامة بن لؤي

علقت ساق سامة العلاقة

رب كأس هرقتها ابن لؤي

حذر الموت لم تكن مهراقة

(٢) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٦٥. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٤٦٨.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٢٧٥.

٢٩٧

أوائل سنة (٨٢) للهجرة. (١)

وبعد أن دخل ابن ناجية قصر الإمارة واستولى على زمام الأمور في الكوفة خطب في الناس فسبّ عبد الملك بن مروان ولعن الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، وأثناء خطبته انكسر المنبر فسقط ابن ناجية على الأرض وكان ابن الأقيشر (٢) واقفا أثناء ذلك فقال : (٣)

خلعوا أمير المؤمنين وبايعوا

مطرا لعمرك بيعة لا تظهر

واستخلفوا مطرا فكان كقائل

بدل لعمرك من يزيد أعور

أبني تميم ما لمنبر ملككم

ما يستقر قراره يتمرمر

إنّ المنابر أنكرت أستاهكم

فادعوا خزيمة يستقر المنبر

وبعد الانتهاء من خطبته وزّع على الناس (٢٠٠) درهم لكل واحد ، وعند ما وصل عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث إلى الكوفة بعد هزيمته في معركة (يوم الزاوية) خرج أهل الكوفة يستقبلونه ثمّ ذهبوا به إلى قصر الإمارة فمنعهم مطر بن ناجية من الدخول إلى القصر وغلق الأبواب ، عندها أمر ابن الأشعث بالصعود إلى القصر بواسطة السلالم وصعدوا إلى القصر واستولوا عليه وجيء بمطر بن ناجية إلى أبن الأشعث فحبسه ثمّ أطلق سراحه بعد ذلك وأصبح مطر من جماعته. (٤)

مات مطر بن ناجية سنة (٨٢) للهجرة. (٥)

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٤٦٨.

(٢) ابن الأقيشر : واسمه المغيرة بن عبد الله بن معرض ، وقد غلب لقبه على أسمه.

(٣) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١١ / ٢٧١.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٤٦٨.

(٥) الزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ١ / ١٥٧.

٢٩٨

٣٨ ـ عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث :

هو : عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث بن قيس الكنديّ ، أمير شجاع ، ومن قادة الحجّاج بن يوسف الثقفيّ. (١)

دخل عبد الرحمن إلى الكوفة في أوائل سنة (٨٢) للهجرة وطرد أميرها مطر بن ناجية اليربوعي. (٢)

تميّزت حياة هذا الأمير كلّها بالمعارك والحروب سواء كانت مع الخوارج أو الأزارقة أو مع الحجّاج بن يوسف الثقفيّ وسنذكرها على وجه الإيجاز في الصفحات الآتية.

كان الحجّاج بن يوسف يكرهه كرها شديدا ويقول : (ما رأيته قط إلّا وأردت قتله). (٣) ، وكان عبد الرحمن بن الأشعث هو الآخر يكره الحجّاج كرها كثيرا ويقول : (سأبذل جهدي كي أزيل الحجّاج عن سلطانه).

وكتب عبد الملك بن مروان إلى أخيه بشر بن مروان (أمير الكوفة) أن يبعث خمسة آلاف مقاتل من أهل الكوفة لمحاربة الخوارج ، الأزارقة وأن يؤمّر عليهم رجلا معروفا عنده بالشجاعة ، وبعد أن ينتهي من حربهم ، يبعثه أميرا على (الريّ) (٤). فاختار عبد الرحمن بن الأشعث.

وجاء المهلّب بن أبي صفرة يوصي عبد الرحمن قائلا : (يا ابن أخي خندق على نفسك وعلى أصحابك ، فإنّي عالم بالخوارج ولا تفتر ، وإنّهم

__________________

(١) القاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٥ / ٥٥. والزركلي ـ الأعلام. ج ٤ / ٩٨.

(٢) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٢٨٢. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٦ / ٢٣١.

(٣) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٥ / ٣٤٣.

(٤) الريّ : عاصمة خراسان وهي أكبر مدنها.

٢٩٩

سباع العرب). فقال له عبد الرحمن : (أنا أعلم بهم منك ، وهم أهون عليّ من ضرطة الجمل) ، ولمّا سمع الخوارج ذلك الكلام قال شاعرهم : (١)

يا طالب الحقّ لا تستهو بالأمل

فإنّ من دون ما تهوى مدى الأجل

واعمل لربك واسأله مثوبته

فإنّ تقواه فاعلم أفضل العمل

واغز المخانيث في الماذي معلمة

كيما تصبح غدوا ضرطة الجمل

ولمّا اشتدّ القتال بين الأزارقة وبين عبد الرحمن بن الأشعث قتل قطري بن الفجائة خمسمائة رجل من أصحاب ابن الأشعث ، عندها ولّى ابن الأشعث منهزما فقال فيه الشاعر : (٢)

تركت ولداننا تدمي نحورهم

وجئت منهزما يا ضرطة الجمل

وفي سنة (٨٠) للهجرة ولّاه الحجّاج إمارة (سجستان) وأمره بمحاربة (روتيبل) ملك كابل (صاحب الترك). فخرج عبد الرحمن بن الأشعث من الكوفة ومعه فرسان العراق حتّى وصل إلى فارس ، فحصلت معركة بينه وبين (هميان بن عديّ السدوسيّ) العامل على خراسان ، فقتل ابن الأشعث الكثير من أصحاب (هميان) وأرسل برؤوسهم إلى الحجّاج. (٣)

ثمّ واصل ابن الأشعث سيره حتّى وصل إلى (كرمان) فكتب إلى (روتيبل) يهدّده ويتوعّده بالقتل والسبي ، وأخذ الأموال ، فكتب (رتيبل) ردّا إلى ابن الأشعث يقول : (أيّها الأمير إنه لم يدعني إلى قتال أصحابك إلّا ما حملوني عليه ، وما بدأوني به من الغدر وسوء السيرة ، ولو لا ذلك لم أفعل ما فعلت وأنا نازل ما أحببت وغير مخالف أيّها الأمير فيما أردت

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٦ / ١٧٢.

(٢) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٥ / ١٤٢.

(٣) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٥ / ١١٥.

٣٠٠