أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

١٧ ـ عامر بن مسعود بن خلف :

هو : عامر بن مسعود بن أميّة بن خلف بن وهب بن حذافة ، القرشيّ ، وأمّه بنت أبي بن خلف. (١)

ثار أهل الكوفة سنة (٦٤) للهجرة (بعد وفاة يزيد بن معاوية) فأطاحوا بعمرو بن حريث (خليفة عبيد الله بن زياد في الكوفة) وأمّروا عليهم عامر بن مسعود. (٢)

وبعد مرور شهر على ثورة أهل الكوفة ، بويع في العراق لعبد الله بن الزبير بالخلافة فأقرّ عامر على إمارة الكوفة. (٣) وكان عامر بن مسعود قصير القامة ويلقب ب (دحروجة الجعل) حيث قال فيه عبد الله بن همّام السلوليّ : (٤)

اشدد يديك بزيد إن ظفرت به

واشف الأرامل من دحروجة الجعل

وكان عامر بن مسعود من الّذين شهدوا على حجر بن عدي الكنديّ أمام زياد بن أبيه بأنّه خلع الطاعة ويدعو إلى نكث البيعة ... الخ ، وكانت تلك الشهادة مما تسببت في قتل حجر وجماعته. (٥)

ولمّا انتخب أهل الكوفة (عامر بن مسعود) ليصلّي بهم لحين استتباب الوضع في الكوفة ، وانتخاب أميرا عليها صعد عامر المنبر وخطب الناس قائلا : (إنّ لكلّ قوم أشربة ولذات ، فاطلبوها في مضانّها ، وعليكم بما يحلّ

__________________

(١) ابن حزم ـ جمهرة أنساب العرب. ص ١٦٠.

(٢) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ٥٢. والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٤٢.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٥ / ٥٢٩.

(٤) المصدر السابق ج ٥ / ٥٧٧.

(٥) وقد تكلّمنا عن حجر وجماعته في ص ١٩٢.

٢٢١

ويحمد واكسروا شرابكم بالماء ، وتواروا عنّي بهذه الجدران). فقال عبد الله السلوليّ : (١)

إشرب شرابك وانعم غير محسود

واكسره بالماء لا تعصي ابن مسعود

إنّ الأمير له في الخمر مأدبة

فاشرب هنيئا مريئا غير مرصود

من ذا يحرّم ماء المزن خالطه

في قعر خابية ماء العناقيد

إنّي لأكره تشديد الرواة لنا

فيها ويعجبني قول ابن مسعود

وبقي عامر بن مسعود أميرا على الكوفة ثلاثة أشهر ، عزله بعدها عبد الله بن الزبير ، وأرسل عبد الله بن يزيد الخطميّ الأنصاريّ على الصلاة ، وإبراهيم بن محمّد بن طلحة على الخراج. (٢)

١٨ ـ عبد الله بن يزيد الخطميّ :

وهو عبد الله بن يزيد بن زيد بن حصن الخطميّ ، الأوسيّ ، الأنصاريّ ، المدنيّ ثمّ الكوفيّ ، وكنيته : أبو موسى. (٣) ولّاه عبد الله بن الزبير إمارة الكوفة سنة (٦٤) للهجرة ، وذلك بعد عزل عامر بن مسعود بن خلف. (٤) ثمّ عزله سنة (٦٥) للهجرة وعيّن مكانه عبد الله بن مطيع العدويّ. (٥) (وكان عزله في ٢٥ من شهر رمضان من تلك السنة). وعبد الله ابن يزيد الخطميّ هو أحد الّذين شهدوا بيعة الرضوان ، وكان عمره آنذاك (١٧) (٦) سنة. وقيل : لما برك الفيل على أبي عبيد الله الثقفيّ في (معركة

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ١٤٦.

(٢) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ٥٦. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ١٤٣.

(٣) الذهبي ـ سيرة أعلام النبلاء. ج ٥ / ١٦٧. والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٤٢.

(٤) تاريخ الطبري. ج ٥ / ٥٢٩. والزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ١ / ١٥٠.

(٥) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ٨٧. وتاريخ الطبري. ج ٥ / ٦٢٢.

(٦) الذهبي ـ سيرة أعلام النبلاء. ج ٣ / ١٩٧.

٢٢٢

الجسر) هرب الناس وذهب عبد الله الخطميّ وقطع الجسر وقال : (قاتلوا عن أميركم). ثمّ ذهب إلى المدينة وأخبر الخليفة عمر بن الخطاب بذلك. (١)

وشارك ابن مطيع في حربي (صفّين والنهروان) مع الإمام عليّ عليه‌السلام.

وبعد هلاك يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بستة أشهر ، ذهب المختار ابن عبيد الثقفيّ إلى الكوفة في النصف من شهر رمضان من سنة (٦٤) للهجرة ووصلها أيضا في الثاني والعشرين من الشهر نفسه عبد الله بن يزيد الخطميّ أميرا على الكوفة من قبل عبد الله بن الزبير. فأخذ المختار يدعو إلى الثأر من قتلة الحسين عليه‌السلام ويقول : (جئتكم من عند المهديّ (محمّد بن الحنفية (٢) وزيرا وأمينا). (٣) فوصل الخبر إلى عبد الله بن يزيد بأن المختار يستعدّ للقيام بثورة ضدّ الوضع الحالي في الكوفة ، فقال عبد الله : (إن هم قاتلونا ، قاتلناهم ، وإن تركونا لم نطلبهم ، إنّ هؤلاء القوم يطالبون بدم الحسين بن عليّ فرحم الله هؤلاء القوم ، إنّهم آمنون فليخرجوا ثائرين وليسيروا إلى من قاتل الحسين ، فقد أقبل اليهم ابن زياد ، وأنا لهم ظهير ، هذا ابن زياد ، قاتل الحسين ، وقاتل أخياركم وأماثلكم قد توجّه اليكم ، وقد فارقوه على ليلة من (جسر منبج) فقتاله والاستعداد إليه أولى من أن تجعلوا بأسكم بينكم ، فيقتل بعضكم بعضا ، فيلقاكم عدوّكم وقد ضعفتم وتلك هي أمنيته ... الخ). (٤)

فلمّا فرغ عبد الله بن يزيد من قوله ، قال إبراهيم بن محمّد بن طلحة : (أيّها الناس لا يفرنّكم من السيف مقالة هذا المداهن ، والله لئن خرج علينا

__________________

(١) الذهبي ـ سيرة أعلام النبلاء. ج ٣ / ١٩٨.

(٢) محمّد بن الحنفية : أحد أولاد الإمام عليّ عليه‌السلام من غير فاطمة الزهراء عليها‌السلام.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ١٦٣.

(٤) تاريخ الطبري. ج ٥ / ٥٦٢.

٢٢٣

خارج لنقتلّنه ، ولئن استيقنّا أنّ قوما يريدون الخروج علينا ، لنأخذنّ الوالد بولده ، والمولود بوالده ، والحميم بالحميم ، والعريف بما في عرافته ، حتّى يدينوا للحقّ ويذللوا للطاعة). (١)

ثمّ قام المسيب بن نجيبة (٢) فقطع كلامه وقال : (يا ابن الناكثين أنت

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ١٦٤.

(٢) المسيب بن نجيبة : هو أحد زعماء التوابين ، والتوابون هم : لمّا قتل الإمام الحسين عليه‌السلام في (واقعة كربلاء) سنة (٦٠) للهجرة ورجع جيش عبيد الله بن زياد من معسكره في النخيلة إلى الكوفة ، ندم أهل الكوفة وتلاوموا فيما بينهم لعدم نصرة الحسين عليه‌السلام وخذلانهم له (بعد أن كتبوا له الرسائل الكثيرة ودعوته للمبايعة) وأنّه لا يغسل العار الّذي لحقهم إلا بقتل من قتله أو الموت دونه فاجتمعوا إلى خمسة أشخاص من زعماء الشيعة في الكوفة ، وهم :

١ ـ سليمان بن صرد الخزاعي. ٢ ـ المسيب بن نجيبة الفزاري. ٣ ـ عبد الله بن سعد بن نفيل الأسديّ.

٤ ـ عبد الله بن وال التميميّ. ٥ ـ رفاعة بن شدّاد البجليّ.

فاجتمع هؤلاء الزعماء الخمسة في دار سليمان بن صرد الخزاعي وتدارسوا الأمر فيما بينهم فاتفقوا على أن يكون رئيسهم هو سليمان بن صرد الخزاعي. عندها أخذ سليمان بن صرد يكاتب جماعته والموالين لآل البيت عليهم‌السلام وكتب إلى سعد بن حذيفة بن اليمان في (المدائن) وكتب إلى المثنى بن مخرمة العبدي يدعوهم إلى طلب الثأر بدم الحسين عليه‌السلام والتأهب والاستعداد للقتال ، فكان الناس يجيبوه : بأنهم مستعدون للقتال في أي وقت يشاء ، واستمر سليمان بن صرد بالاستعداد وحث الناس للأخذ بثأر الحسين عليه‌السلام إلى أن مات يزيد بن معاوية سنة (٦٤) للهجرة وثار أهل الكوفة على عمرو بن حريث (خليفة عبيد الله بن زياد على الكوفة) وطردوه من قصر الإمارة ، وطردوا كافة الأمويين الّذين معه. ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ١٥٨.

أما المختار بن عبيد الثقفيّ فلم يكن في بادئ الأمر يدعو الناس إلى نفسه ذلك لأن الأنظار كانت متجهة نحو سليمان بن صرد (وانتخبوه رئيسا كما بيّنا آنفا). ولكن بعد أن قتل سليمان بن صرد قام المختار بن عبيد بثورته. (وسوف نتكلم عن ثورة المختار في حينها).

وخرج سليمان بن صرد الخزاعي وجماعته من الكوفة قاصدين عبيد الله بن زياد فذهبوا أولا إلى كربلاء (حيث مرقد الحسين عليه‌السلام. فلمّا وصلوا إلى القبر الشريف أخذوا يبكون وينوحون وتابوا عنده إلى الله تعالى من خذلانه وعدم نصرته وترك القتال معه وأقاموا حول القبر يوما وليلة وكان من قولهم عند (المرقد الشريف) : اللهم ارحم حسينا ، الشهيد ابن الشهيد ، المهديّ بن المهديّ ، الصديق بن الصديق ، اللهم إنا نشهدك إنا على دينهم وسبيلهم ، وأعداء قاتليهم ، وأولياء محبيهم ، اللهم إنا خذلنا ابن بنت نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٢٢٤

تهددنا بسيفك وغشمك؟ أنت والله أذلّ من ذلك ، إنّا لا نلومك على بغضنا ، وقد قتلنا أباك وجدك). ثمّ وجه كلامه إلى عبد الله بن يزيد وقال له : (أيّها الأمير أما أنت فقد قلت قولا سديدا). ثمّ قام عبد الله بن وال وقال لإبراهيم بن طلحة : (ما اعتراضك فيما بيننا وبين أميرنا؟ ما أنت بأمير علينا إنّما أنت أمير هذه الجزية ، فاقبل على خراجك ولأن أفسدت أمر هذه الأمة ، فقد أفسده والداك وكانت عليهما دائرة السوء). ثمّ تصالح عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمّد فيما بعد.

وكان عبد الله بن الأحمر يحرض الناس على الثورة والذهاب إلى قتال قتلة الحسين عليه‌السلام فقال : (١)

صحوت وودعت الصبا والغوانيا

وقلت لأصحابي : أجيبوا المناديا

وقولوا إذا ما قام يدعو إلى الهدى

وقبل الدعاء : لبيك لبيك داعيا

ويقول في هذه القصيدة أيضا :

ألا وانع خير الناس جدا ووالدا

حسينا لأهل الدين إن كنت ناعيا

__________________

فاغفر لنا ما مضى منا وتب علينا وارحم حسين الشهيد وأصحابه الشهداء والصديقين وإنا نشهدك إنا على دينهم وعلى ما قتلوا عليه وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين). ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ١٧٨.

ثمّ سار سليمان بن صرد بجيشه حتّى وصل إلى (قرقيسياء) على شاطئ الفرات فالتقى بجيش عبيد الله بن زياد (القادم من الشام) وقد كان عدد جيشه ثلاثين ألف مقاتل فحصلت معركة عنيفة بين الطرفين استشهد فيها سليمان بن صرد الخزاعي ، رماه يزيد بن الحصين بسهم فقتله وقتل من أصحابه الكثير ، ولمّا شعر الباقون من جيش سليمان بن صرد بقلة عددهم وكثرة عدوّهم وأنهم لا طاقة لهم على حربهم تركوا ساحة المعركة ورجعوا إلى أماكنهم.

قتل سليمان بن صرد الخزاعي في شهر ربيع الأول من سنة (٦٥) للهجرة وكان عمره (٩٣) سنة. (تأريخ اليعقوبي ج ١ / ٢٠١ وابن الاثير ـ الكامل ج ٤ / ١٨٣.

(١) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ٦١ ، ٦٢. المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٩٣.

٢٢٥

لبيك حسينا مرقل ذو خصاصة

عديم وأيتام تشكي المواليا

فأضحى حسين للرماح دريئة

وغودر مسلوبا لدى الطفّ ثاويا

سقى الله قبرا ضمنّ المجد والتقى

بغربيّه الطفّ الغمام الغواديا

فيا أمّة تاهت وظلّت سفاهة

أنيبوا فارضوا الواحد المتعاليا

مات عبد الله بن يزيد الخطميّ في الكوفة سنة (٧٠) للهجرة وعمره (٨٠) (١) سنة.

١٩ ـ عبد الله بن مطيع العدويّ :

هو : عبد الله بن مطيع بن الأسود بن حارثة ، القرشيّ ، العدويّ ، المدنيّ.

ولد عبد الله على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وله أموال ، وبئر فيما بين السّقيا والأبواء ، تعرف ببئر ابن مطيع ، يرد منها الناس. (٢)

ولّاه عبد الله بن الزبير إمارة الكوفة سنة (٦٥) للهجرة ، وذلك بعد عزل عبد الله بن يزيد الخطميّ عنها. (٣)

وحينما وصل عبد الله بن مطيع إلى الكوفة ، قال لعبد الله بن يزيد : (إن أحببت أن تقيم معي ، أحسنت صحبتك ، وأكرمت مثواك ، وإن لحقت بأمير المؤمنين ، عبد الله بن الزبير ، فبك عليه كرامة ، وعلى من قبله من المسلمين).

ثمّ قال لإبراهيم بن محمّد بن طلحة : (إلحق بأمير المؤمنين).

ثمّ خطب عبد الله بن مطيع في أهل الكوفة فقال : (أما بعد ، فإنّ أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير ، بعثني على مصركم وثغوركم ، وأمر في جباية

__________________

(١) الذهبي ـ سيرة أعلام النبلاء. ج ٣ / ١٩٨. والزركلي ـ ترتيب الأعلام حسب الأعوام. ج ١ / ١٥٠. والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٢٩.

(٢) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ١٤٤.

(٣) نفس المصدر السابق.

٢٢٦

فيئكم ، وألّا أحمل فضل (١) فيئكم عنكم إلّا برضاكم ، ووصيّة عمر بن الخطاب الّتي أوصى بها عند وفاته ، وبسيرة عثمان بن عفّان ، الّتي سار بها في المسلمين ، فاتقوا الله ، واستقيموا ، ولا تختلفوا ، وخذوا على أيدي سفهائكم ، وإلا تفعلوا ، فلوموا أنفسكم ولا تلوموني ، فو الله لأوقعنّ بالسقيم العاصي ، ولأقيمن درء الأصعر المرتاب). (٢)

فقام إليه السائب بن مالك الأشعري فقال : (أمّا ما أمر فيه ابن الزبير ، ألا تحمل فضل فيئنا عنّا إلّا برضانا ، فإن نشهدك ، بأنّنا لا نرضى أن يحمل فضل فيئنا عنّا ، وألّا يقسّم إلّا فينا ، وألّا يسار فينا إلّا بسيرة عليّ بن أبي طالب ، الّتي سار بها في بلادنا هذه حتّى قتل رحمه‌الله ، ولا حاجة لنا في سيرة غيره ممن ذكرت). (٣)

ثم قام يزيد بن أنس وقال : (صدق السائب بن مالك ، ورأينا في رأيه ، وقولنا مثل قوله). فقال عبد الله بن مطيع : نسير فيكم بكلّ سيرة أحببتموها وهويتموها ، ثمّ نزل.

وكان عبد الله بن مطيع ، هو القائد (الثاني) (٤) لجيوش أهل المدينة ، الّذين ثاروا على يزيد بن معاوية بن أبي سفيان (٥) (وذلك بعد مقتل الحسين عليه‌السلام حيث أخذ يزيد وعماله يظلمون الناس ، وانشغل بلهوّه وخموره) فأرسل يزيد جيشا كبيرا بقيادة (مسلم بن عقبة المريّ) فوقعت

__________________

(١) فضل فيئكم : أي عمّا زاد من الخراج ، بعد تقسيم أعطياتكم عليكم.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٦ / ١٠.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) الثاني : وكان القائد الآخر هو : عبد الله بن حنظلة بن الراهب ، وكان على جيش الأنصار.

(٥) فطردوا أميرها عثمان بن محمّد بن أبي سفيان ، وطردوا مروان بن الحكم ، وطردوا كذلك الأمويين الموجودين في المدينة.

٢٢٧

معركة بين الطرفين في مكان يقال له (الحرّة) (١) قتل فيها من آل أبي طالب ، ومن قريش ، ومن سائر الأنصار الخلق الكثير ، ثمّ استباح جيش يزيد (مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ثلاثة أيّام ، ثمّ بايع بعدها أهل المدينة ، على أنهم عبيد ليزيد بن معاوية ، وهرب عبد الله بن مطيع إلى مكّة ، والتحق بعبد الله ابن الزبير (٢). وفي تلك المعركة قال محمّد بن أسلم : (٣)

فإن تقتلونا يوم حرّة وأقم

فنحن على الإسلام أوّل من قتل

ونحن تركناكم ببدر أذلة

وأبنّا بأسياف لنا منكم تفل

وقيل : إنّ عبد الله بن عباس ذهب إلى المدينة أيّام «الحرة» فقال : (من استعمل القوم؟) قالوا : (عبد الله بن مطيع على قريش ، وعبد الله بن حنظلة على الأنصار). فقال ابن عباس : (أميران؟ والله هلك القوم). (٤)

وعند ما بايع أهل العراق لعبد الله بن الزبير بالخلافة ، وكذلك بايعوه في (دمشق) ، كان عبد الله بن مطيع هو القائم بأمر البيعة لعبد الله بن الزبير في (مكّة) وفي ذلك قال فضاعة الأسديّ (وكان قد بايع لابن الزبير ، إلّا أنّه نكث البيعة فيما بعد): (٥)

دعا ابن مطيع للبياع فجئته

إلى بيعة قلبي لها غير آلف

فناولني خشّناك لمّا لمستها

بكفي ليست من أكفّ الخلائف

وكان عبد الله بن مطيع العدويّ ، يطارد الشيعة في الكوفة ، ويخيفهم ويتوعدهم ، وكان المختار بن عبيد الثقفيّ ، يستعد للثورة على بني أميّة في

__________________

(١) وسميت المعركة : (معركة الحرّة).

(٢) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ١٤٧.

(٣) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٧٠.

(٤) ابن قتيبة ـ عيون الأخبار. ج ١ / ١.

(٥) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٨٤. والجاحظ ـ البيان والتبيين. ج ١ / ٩٤.

٢٢٨

الكوفة ، والمطالبة بثأر الحسين عليه‌السلام ، فوجد الفرصة سانحة ، فاتّفق مع أصحابه على أن يقوم بثورته بعد صلاة المغرب ، وأنّ شعارهم : (يا لثارات الحسين). (١) كان ذلك سنة (٦٦) للهجرة.

ثم جمع عبد الله بن مطيع جيشه ، فدارت معركة بينه وبين جماعة المختار ، ولمّا رأى ابن مطيع ضعف جيشه ، التجأ إلى قصر الإمارة ، وغلق الأبواب ، وتحصّن فيه ، ثمّ حصلت مفاوضات بين ابن مطيع والمختار ، وقيل إنّ المختار أعطى لابن مطيع مائة ألف درهم ، وقال له : (أخرج آمنا ، واذهب حيث شئت). (٢) فهرب عبد الله بن مطيع ليلا من قصر الإمارة ، متنكرا بزي امرأة. ثمّ إنّ المختار أعطى الأمان لجماعة ابن مطيع ، واستولى على قصر الإمارة ، فبايعه الناس سنة (٦٦) للهجرة. (٣)

وبعد أن هرب عبد الله بن مطيع ذهب إلى «مكّة» والتحق بعبد الله ابن الزبير ، وبقي معه إلى أن جاء الحجّاج بن يوسف الثقفيّ في خلافة «عبد الملك بن مروان» فحاصر الكعبة ، وضربها بالمنجنيق ، وخرج عبد الله بن مطيع يقاتل أهل الشام ، وهو يقول : (٤)

أنا الّذي فررت يوم الحرّة

والشيخ لا يفرّ إلّا مرّة

فاليوم أجزى كرّة بفرّة

لا بأس بالكرّة بعد الفرّة

قتل عبد الله بن مطيع العدويّ في «الكعبة» سنة (٧٣) (٥) للهجرة مع عبد الله بن الزبير.

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٣٣.

(٢) المصدر السابق. ج ٦ / ٣٨.

(٣) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ١١٢. وابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ١٤٧. وتاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢٥٩.

(٤) ابن عبد ربه ـ العقد الفريد. ج ٤ / ٣٨٩.

(٥) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٤٢. وابن العماد ـ شذرات الذهب. ج ١ / ٣٠٨. وزامباور ـ معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلاميّ. ص ٦٨.

٢٢٩

٢٠ ـ شبث بن ربعيّ :

هو : شبث بن ربعيّ ، التميميّ ، اليربوعيّ ، وكنيته : أبو عبد القدوس ، شيخ أهل الكوفة في زمانه ، ولمّا ادّعت سجاح التميمية بالنبوة كان شبث بن ربعيّ من أنصارها ، ثمّ عاد إلى الإسلام ، وقد ذكره المستشرق (ماسينيون) بأنّه مذبذب. (١)

وكان شبث بن ربعيّ أحد قادة جيوش عبيد الله بن زياد ، في حرب الأمام الحسين عليه‌السلام في واقعة كربلاء. كما وكان احد قادة أصحاب عبد الله ابن مطيع العدويّ «أمير الكوفة». ولمّا علم عبد الله بن مطيع العدويّ ، بأنّ المختار ابن عبيد الثقفيّ يتهيّأ للقيام بثورة ضدّه ، أرسل قادته إلى المناطق الحساسة في الكوفة ، وأرسل شبث بن ربعيّ إلى «السّبخة» وقال له : «اذا سمعت صوت القوم فوجه نحوهم». (٢)

ثمّ تقدّم ابراهيم بن مالك الأشتر نحو جماعة عبد الله بن مطيع فانهزموا عنه ، ثمّ ذهب شبث بن ربعيّ إلى عبد الله بن مطيع وقال له : «إنّ المختار قد ثار ، فاجمع أصحابك وتهيأ لقتاله». (٣)

فأخذ ابن مطيع بتوزيع قادته ، فأرسل شبث بن ربعيّ ومعه ثلاثة آلاف لمحاربة المختار. ولمّا أشتد القتال بين الطرفين ، خرج عبد الله بن مطيع من قصر الإمارة وذهب إلى الكناسة وأستخلف شبث بن ربعيّ على القصر. (٤)

__________________

(١) ماسينون ـ خطط الكوفة. ص ١٤٢.

(٢) تاريخ الطبري ج ٦ / ١٩.

(٣) المصدر السابق. ج ٦ / ٢٢.

(٤) المصدر السابق ج ٦ / ٢٦. والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣٠٨.

٢٣٠

ثمّ تمكّن اصحاب المختار من السيطرة على الكوفة ، فلجأ ابن مطيع إلى القصر فتحصن فيه ، وبقي ثلاثة أيّام محاصرا في القصر ، فقال له شبث بن ربعيّ : «أصلح الله الأمير ، انظر إلى نفسك ، ولمن معك ، فو الله ما عندهم منك ولا عن انفسهم ، والرأي عندي ، أن تأخذ لنفسك من هذا الرجل أمانا لك ولنّا ، ونخرج ولا تهلك نفسك ومن معك». (١) فخرج عبد الله بن مطيع متنكرا ، ففتح أصحابه باب القصر ، وقالوا : يا ابن الأشتر ، آمنون نحن؟.

قال : أنتم آمنون ، فخرجوا فبايعوا المختار. (٢)

وقد بعث المختار جيشا بقيادة إبراهيم الأشتر لمواجهة الجيوش الغازية ، وكانت بقيادة عبيد الله بن زياد ، وعند ما ابتعد ابراهيم عن الكوفة ، أعلن شبث بن ربعيّ وشمر بن ذي الجوشن ومحمّد بن الأشعث وغيرهم ثورتهم على المختار ، مما اضطر المختار إلى دعوة ابراهيم الأشتر بالعودة إلى الكوفة حالا ، فرجع ابراهيم إلى الكوفة ، وأخذ بمطاردة المناوئين ، ثمّ تمكّن اخيرا من السيطرة على الموقف. (٣) وقتل خلال المعركة شمر بن ذي الجوشن ، وهرب شبث بن ربعيّ إلى البصرة ، وألتحق بمصعب بن الزبير.

مات شبث بن ربعيّ بالكوفة حوالي سنة (٧٠) (٤) للهجرة.

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٣٠.

(٢) المصدر السابق. ج ٦ / ٤٤.

(٣) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ١٨٢.

(٤) الزركلي ـ الأعلام. ج ٣ / ٢٢٦. وماسينيون ـ خطط الكوفة. ص ٦٦.

٢٣١

٢١ ـ المختار بن عبيد الثقفيّ :

هو المختار بن عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقده ابن غبرة بن قي بن منبه بن بكر بن هوازن ، وكنيته : أبو اسحاق. (١)

وأسرته من أشراف قبيلة ثقيف في الطائف ، وإنّ قبيلته هذه قد عرفت بأسلامها المبكّر ، وخاصّة عمّه «عروة بن مسعود» الّذي تبع النبيّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة المنورة ، وأخذ على عاتقه نشر الدعوة الأسلامية في ثقيف ، اعتمادا على نسبه فيهم.

وكان أبوه «عبيد» من الصحابة الأجلّاء ، قتل أثناء حربه مع الفرس في معركة «الجسر» سنة (١٤) (٢) للهجرة. وأمّه (دومة بنت عمرو بن صعب) ، اتاها آت في منامها فقال لها : (٣)

ألا إبشرن بالولد

أشبه شيء بالاسد

إذا الرجال في كبد

تغالبوا على بلد

كان له حظّ الاسد

فولد المختار في السنة الّتي هاجر بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينه.

وبعد ذهاب سليمان بن صرد الخزاعي إلى «عين الوردة» كما بيّنا ذلك في ص ٥٦ ، حبس المختار من قبل عبيد الله بن زياد «أمير الكوفة» مدّة ثلاثة اشهر ، وكان اهل الكوفة الموالين لآل البيت عليهم‌السلام على اتّصال دائم بالمختار اثناء وجوده في الحبس. (٤)

ولمّا قتل سليمان بن صرد في معركة «عين الوردة» وتفرق اصحابه ،

__________________

(١) لويس ماسينيون ـ خطط الكوفة. ص ٦٧. وهند غسان ـ حركة المختار. ص ١٨٩.

(٢) ابن العماد ـ شذرات الذهب. ج ١ / ١٦٠.

(٣) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ١٠٣. وتاريخ الطبري. ج ٦ / ٢٠.

(٤) تاريخ الطبري. ج ٥ / ٥٧٣.

٢٣٢

ورجع اهل الكوفة ، كتب اليهم المختار من السجن ، يواسيهم باستشهاد سليمان ، ويحثّهم على المضي في المطالبه بثارات الحسين عليه‌السلام وإنه سوف يخرج من السجن عمّا قريب.

ثم كتب المختار إلى عبد الله (١) بن عمر بن الخطاب بالمدينه ، يطلب منه أن يتشفع له عند عبد الله بن يزيد (امير الكوفة) وابراهيم بن محمّد بن طلحة ليخرجاه من السجن ، فكتب ابن عمر اليهما ، فأطلق سراحه ، بعد أن تعهد لهما ألّا يتعرض لهما بسوء.

وقيل إنّ المختار ، سبق له وأن حبسه عبيد الله بن زياد ، ولم يطلق سراحه إلا بعد قتل الحسين عليه‌السلام سنة ٦٠ للهجرة ، وبعد أن توسط عبد الله ابن عمر في ذلك. (٢) ثمّ ذهب المختار إلى عبد الله بن الزبير في مكّة فبايعه ، وعند ما بايعه قال له : «أبايعك على أن لا تقضي الأمور دون علمي ، وعلى أن اكون أوّل داخل ، واذا ظهرت استعنت بي على افضل عملك». فقال ابن الزبير : (أبايعك على كتاب الله وسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم).

ثم قاتل المختار معه أهل الشام ، أشدّ قتال ، فقال فيه إبن الزبير : «لا أبالي اذا قاتل معي المختار من لقيت ، فإنّي لم أر أشجع منه». (٣)

ويبدو أنّ عبد الله بن الزبير ، قد أدرك غرض المختار ، لذلك لم يولّيه أيّة إمارة ، مما دفع المختار إلى ترك المدينة ، والتوجّه إلى الكوفة يوم الجمعة في الخامس عشر من شهر رمضان من سنة (٦٤) للهجرة ، الموافق ٦ حزيران من سنة (٦٨٤) (٤) للميلاد.

__________________

(١) كان عبد الله بن عمر قد تزوج بأخت المختار.

(٢) تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢٢٤.

(٣) هند غسان ـ حركة المختار. ص ١٨٩.

(٤) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ١٧٠.

٢٣٣

فأخذ الناس يبايعون المختار ، حتّى كثر أصحابه ، وفي تلك الفترة عزل عبيد الله بن يزيد وابراهيم بن محمّد بن طلحة عن الكوفة سنة (٦٦) للهجرة ، فتنفس المختار الصعداء ، وتخلّص من العهود والمواثيق الّتي كان قد أعطاها لعبد الله بن يزيد الخطميّ ، ثمّ ذهب إلى ابراهيم بن مالك الأشتر ، واقنعه بتولية قيادة الجيش ، عندها ثار المختار بالكوفة سنة (٦٦) (١) للهجرة ، ونادى أصحابه : «يا لثارات الحسين» ثمّ انشد المختار يقول : (٢)

قد علمت بيضاء حسناء الطلل

واضحة الخدين عجزاء الكفل

اني غداة الروج مقدام بطل

ثم دارت معركة بين انصار المختار وبين جماعة عبد الله بن مطيع العدويّ ، ثمّ ذهب ابراهيم بن مالك الأشتر إلى قصر الأمارة ، واخرج منه العدويّ ليلا ، لا يعلم به أحد ، واستسلم كلّ من كان في القصر ، ثمّ جاء المختار ، ودخل القصر ، فبايعه الناس ، ثمّ وزع المختار على جميع أصحابه ما بين مائتي درهم الى خمسمائة درهم لكلّ رجل.

وعند ما سمع المختار بمجي جيوش مروان بن الحكم إلى العراق بقيادة عبيد الله بن زياد ، أرسل ابراهيم الأشتر مع سبعة الاف مقاتل ، لمواجهة الجيوش الغازية ، وبعد أن ابتعد ابراهيم عن الكوفة ، أعلن شبث بن ربعيّ وشمر بن ذي الجوشن وجماعة آخرون ثورتهم على المختار ، مما اضطر المختار إلى دعوة ابراهيم الأشتر بالعودة إلى الكوفة حالا ، فعاد ابراهيم إلى الكوفة ، وأخذ بمطاردة المناوئين ، وأستمرت المطاردة أياما ، حتّى تمكنوا من السيطرة على الموقف. (٣)

__________________

(١) محمّد الخضري بك ـ محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية. ج ٢ / ١٣٩.

(٢) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ١٠٣. وتاريخ الطبري. ج ٦ / ٢٠.

(٣) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ١٨٢.

٢٣٤

وقتل خلال المعركة شمر بن ذي الجوشن ، وأسرّ جماعة آخرون ، كان من ضمنهم سرافة بن مرداس «إلّا ان المختار عفا عنه ، وأطلق سراحه في اليوم الثاني» فقال سرافة شعرا نقتطف منه : (١)

ألا أبلغ أبا اسحاق عنّا

نزونا نزوة كانت علينا

خرجنا لا نرى الضعفاء فينا

وكان خروجنا بطرا وحينا

نصرت على عدوّك كلّ يوم

بكلّ كتيبة تنعى حسينا

كنصر محمّد في يوم بدر

ويوم الشعب اذا لاقا حنينا

تقبّل توبة منيّ فإني

سأشكر إن جعلت النقد دينا

ثم أخذ المختار «بعد ذلك يطارد الّذين قتلوا الحسين عليه‌السلام والّذين شاركوا في حربه وقتاله ، فقتل خولى بن يزيد الأصبحي شرّ قتله ، ثمّ أحرقه بالنار ، ثمّ قتل عمر بن سعد مع ابنه «حفص» ، وأرسل برأسيهما إلى محمّد بن الحنفية ، ثمّ تتبع المختار بقية من شارك في قتل الحسين عليه‌السلام فقتل أكثرهم ، وأنهزم أكثر رجالات أهل الكوفة إلى البصرة ، والتحقوا بمصعب بن الزبير. (٢)

ثم رجع ابراهيم الأشتر لمحاربة عبيد الله بن زياد ، ومعه؟ عشرين ألف مقاتل ، فتلاقت الجيوش ، ودارت معركة ضارية بين الطرفين ، قتل فيها عبيد الله بن زياد ، وقتل الحصين بن نمير السكوني ، وأرسل برأس عبيد الله بن زياد إلى الإمام عليّ بن الحسين (زين العابدين) عليه‌السلام وكان يتغدى ، فلمّا رأى رأس إبن زياد تذكر أباه الحسين عليه‌السلام وقال : (سبحان الله ، ما أغترّ بالدنيا ، إلّا من ليس لله في عنقه نعمه ، لقد أدخل رأس أبي عبد الله على أبن زياد

__________________

(١) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ١٥٢.

(٢) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ١٢٤. وتاريخ الطبري. ج ٦ / ٦١.

٢٣٥

وهو يتغدّى) (١).

وقال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : (ما امتشطت فينا هاشميّة ولا اختضبت ، حتّى بعث الينا المختار برؤوس الّذين قتلوا الحسين عليه‌السلام. (٢)

وقيل إنّ أهل الكوفة سألوا محمّد بن الحنفية وطلبوا منه بيان رأيه بالمختار ، فقال : (فو الله فقد وددت أن الله تعالى قد انتصر لنا من عدوّنا بمن شاء من خلقه والسلام). (٣)

ولم تدم الكوفة للمختار طويلا إذ سرعان ما تآمر عليه أهل الكوفة فكاتبوا عبد الله بن الزبير في (مكّة) يحثونه على قتله ، فطلب ابن الزبير من أخيه (مصعب) (٤) أن يذهب إلى الكوفة لمحاربة المختار ، وجاء مصعب بن الزبير وجيشه الجرّار (وأكثرية جيشه من الحاقدين لا على المختار فحسب وإنّما حاقدين على أهل الكوفة الموالين لأهل البيت عليه‌السلام. فالتقى الجيشان في (حروراء) ودارت بينهما حرب ضروس انهزم خلالها المختار ورجع إلى الكوفة وتحصن بقصر الإمارة ولحقه مصعب بن الزبير وحاصر القصر ثلاثة أيّام (وقيل أربعون يوما) وخرج المختار من القصر وأخذ يحارب بكل بسالة وشجاعة وقتل خلال المعركة خلق كثير ثمّ قتل المختار ، قتله عبد الرحمن بن أسد وجيء برأسه إلى مصعب بن الزبير ، فأعطى لحامله ثلاثين ألف درهم. ثمّ بعث بالرأس إلى أخيه عبد الله في مكّة فلم يعط لحامله شيئا وقال له : (خذ الرأس جائزتك). (٥)

__________________

(١) ابن سعد ـ الطبقات ج ٥ / ١٠٠.

(٢) محمّد بن عبد العزيز الكشي. ص ١٢٥.

(٣) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ٩٢.

(٤) كان مصعب أميرا على البصرة حينذاك.

(٥) البراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣١١.

٢٣٦

ثم أخذ مصعب بقتل جميع من كان مع المختار (بعد أن أعطاهم الأمان) وكان عددهم ثلاثة آلاف رجل ، وقيل سبعة آلاف. ثمّ طلب مصعب بإحضار زوجتي المختار وطلب منهما البراءة من المختار أو القتل فتبرأت إحداهن (١) أما الثانية فهي أسماء (٢) بنت النعمان بن بشير الأنصاريّ وقد رفضت البراءة منه وقالت : (شهادة أرزقها ثمّ أتركها؟ كلّا .. إنّها موتة ثمّ الجنة ، والقدوم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليه‌السلام .. والله لا يكون مع ابن هند فأتبعه وأترك ابن أبي طالب. اللهم اشهد ، إنّي متبعة نبيك وابن بنته وأهل بيته). (٣)

فأمر مصعب بقتلها ، وفي ذلك قال عمرو بن أبي ربيعة : (٤)

إنّ من أعجب العجائب عندي

قتل بيضاء حرّة عطبول

قتلت هكذا على غير جرم

إنّ لله درها من قتيل

كتب القتل والقتال علينا

وعلى المحصنات جرّ الذيول

وقال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في ذلك أيضا أبياتا نقتبس منها : (٥)

أتى راكب بالأمر ذي النبأ العجب

بقتل ابنة النعمان ذي الدين والحسب

بقتل فتاة ذات دلّ ستيرة

مهذّبة الأخلاق والخيم والنسب

ومنها :

فلا هنأت آل الزبير معيشة

وذاقوا لباس الذلّ والنكب والكرب

__________________

(١) إحداهن : هي أم ثابت بنت سمرة بن جندب الفزارية.

(٢) أسماء : وقيل اسمها عمرة.

(٣) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ١٩٩. والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣١٢.

(٤) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ٢٠٠. وتاريخ اليعقوبي. ج ١٣ / ١١. وتاريخ الطبري. ج ٦ / ١١٢. والمسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ١٠٠. والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٣١٢.

(٥) تاريخ الطبري. ج ٦ / ١١٣.

٢٣٧

كأنهم إذ أبرزوها وقطعت

بأسيافهم فازوا بمملكة العرب

إلى آخر الأبيات.

هذا وقد ذمّ الناس مصعب على قتل زوجة المختار لأنّه عمل ينافي ما نهى عنه الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نساء المشركين.

قتل المختار في السابع والعشرين من شهر رمضان من سنة (٦٧) (١) للهجرة وقيل سنة (٦٨) (٢) للهجرة ، وقيل إنّ الّذي قتله هما أخوان من بني حنيفة أحدهما (طرفة) وقيل (طريف) والثاني (طرّاف) ابنا عبد الله بن دجاجه. وكانت مدّة إمارته على الكوفة ١٦ شهرا. (٣)

٢٢ ـ السائب بن مالك الأشعري :

هو : السائب بن مالك بن عامر بن هاني بن جهان أو (جهاز) بن كلثوم بن قرعب بن زخر بن زحران بن ناجية بن الجماهر (٤). وقيل هو ابن يزيد ، وقيل ابن زيد ، وكنيته : أبو يحيى (٥).

استخلفه المختار بن عبيد الثقفيّ أميرا على الكوفة سنة (٦٧) (٦) للهجرة وذلك عند ما ذهب المختار إلى المدائن.

وعند ما جاء عبد الله بن مطيع العدويّ أميرا على الكوفة سنة (٦٥) للهجرة من قبل عبد الله بن الزبير ، خطب بالناس ، شارحا لهم سيرته فيهم ،

__________________

(١) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٣٤. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٢٧٨. وصالح خريسات ـ تهذيب الطبري.

ص ٣٦٩.

(٢) ابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ٧٤.

(٣) لويس ماسينيون ـ خطط الكوفة. ص ٦٧.

(٤) ابن حزم ـ جمهرة أنساب العرب. ص ٣٩٨.

(٥) المزي ـ تهذيب الكمال. ج ١٠ / ١٩٢.

(٦) البراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٤٢.

٢٣٨

فقام إليه السائب بن مالك ورد عليه. (١)

ثم قام يزيد بن أنس ، وقال : (صدق السائب بن مالك وبرّ ، رأينا مثل رأيه ، وقولنا مثل قوله). ثمّ قال موجها كلامه إلى السائب : (ذهبت بفضلها يا سائب ، لا يعدمك المسلمون ، أما والله لقد قمت وإنّي لا أريد أن أقوم ، فأقول نحوا من مقالتك ، وما أحبّ أنّ الله ولّى الرد عليه رجلا من أهل المصر ليس من شيعتنا).

ثمّ ذهب أياس بن مضارب بعد ذلك إلى عبد الله بن مطيع ، وقال له : (إنّ السائب من رؤوس أصحاب المختار ، وإنّ المختار سيقوم بالثورة لا محال ، فابعث إليه ، واحبسه إلى أن يستتب الأمر ، فإنّ عيوني (٢) قد أخبرتني بذلك) (٣).

وعند ما كان المختار يحارب عبد الله بن مطيع ، أخذ السائب يحرض جماعته على القتال ويقول : (ويحكم يا شيعة آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّكم قد كنتم تقتلون قبل اليوم ، وتقطع أيديكم وأرجلكم ، وتسمل عيونكم ، وتصلّبون أحياء على جذوع النخل وأنتم إذ ذاك في منازلكم لا تقاتلون أحدا ، فما ظنّكم اليوم بهؤلاء القوم ، إذا انتصروا عليكم؟ فالله الله في أنفسكم وأموالكم وأولادكم ، قاتلوا أعداء الله المحلّين (٤) ، فإن النصر مع الصبر). عندها تشجّع الناس ، وأخذوا يقاتلون ببسالة وضراوة حتّى انهزم أصحاب عبد الله بن مطيع ،

__________________

(١) ذكرنا خطبة ابن مطيع ورد السائب عليه في ص ٢٢٦.

(٢) عيوني : المخبرين ، العملاء.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٦ / ١١.

(٤) المحلّين : جماعة عبد الله بن الزبير ، حيث أن عبد الله قد أحل القتال في الأشهر الحرم.

٢٣٩

ودخل المختار وأصحابه قصر الإمارة. (١)

وعند ما جاء مصعب إلى الكوفة سنة (٦٧) للهجرة ، وحاصر المختار ابن عبيد الثقفيّ في قصر الإمارة ، كان السائب مع المختار ومعه ثمانية عشر قال السائب متمثلا قول عبد الله ابن حذاق : (٢)

هل للفتى من نياب الدهر من واقي

أم هل لحتم إذا ما حم من واقي؟

إلى آخر الأبيات ، فلمّا سمع المختار تلك الأبيات من السائب قال : (والله لو لا ما نحن فيه لحفظت هذه الأبيات ، والله يا سائب : لو كان معي عشرة مثلك لغلبنا مصعب وأصحابه). ثمّ قال المختار : ما الرأي يا سائب؟ فقال السائب : الرأي رأيك يا أبا إسحاق.

فقال المختار : (ويحك يا أحمق ، إنّما أنا رجل من العرب ، رأيت ابن الزبير قد وثب بالحجاز ، ورأيت نجدة وثب باليمامة ، ومروان بن الحكم بالشام ، وكنت فيها كأحدهم ، إلّا إنّي قد طلبت بثأر أهل البيت ، إذ نامت عنه العرب ، فقاتل على حسبك إنّ لم يكن لك نيّة). (٣)

فقال السائب : إنّا لله وإنا إليه راجعون ، ما كنت أن أقاتل على حسبي.

فعندها تمثل المختار بقول غيلان بن سلمة بن معتب الثقفيّ : (٤)

ولو يراني أبو غيلان إذ حسرت

عنّي الهموم بأمر ماله طبق

لقال رهبا ورعبا يجمعان معا

غنم الحياة وهول النفس والشفق

أما تسق على مجد ومكرمة

أو أسوة لك فيمن تهلك الورق

ثم خرج المختار من القصر فحارب حتّى قتل ، وقتل معه السائب بن

__________________

(١) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ١٠٦.

(٢) المصدر السابق. ج ٦ / ١٩٥.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٢٧٣.

(٤) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٦ / ١٩٤. وتاريخ الطبري. ج ٦ / ١٠٧.

٢٤٠