أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

وفي تلك المعارك قال أيضا عبد الرحمن بن الحكم (أخو مروان) :

أرى أحاديث أهل المرج قد بلغت

أهل الفرات وأهل الفيض والنيل

واستمرت المعارك عشرين ليلة ، قتل خلالها الضحّاك بن قيس ، وقتل فيها أيضا هاني بن قبيصة النميري ، وعند ما سقط هاني جريحا قال : (١)

تعست ابن ذات النوف أجهر على مرى

يرى الموت خيرا من فرار وألزما

ولا تتركني بالحشاشة إنّني صبور

إذا ما النكس مثلك أحجما

وفي هذه المعركة (مرج راهط) قال زفر بن الحارث الكلابي ، وقد قتل ابناه فيها : (٢)

لعمري لقد أبقت وقيعة راهط

بمروان صدعا بيّنا متنائيا

فلم ير مني زلّة قبل هذه

فراري وتركي صاحبيّ ورائيا

أيذهب يوم واحد إن أسأته

بصالح أيّامي وحسن بلائيا

أنترك كلبا لم تنله رماحنا

وتذهب قتلى راهط وهي ما هيا

وقد تنبت الخضراء في دمن الثرى

وتبقى حزازات النفوس كما هيا

فلا صلح حتّى ندعس الخيل بالقنا

وتثأر من أبناء كلب نسائيا

وقيل إنّ عدد ما كان مع الضحّاك من الرجال يوم (مرج راهط) ثلاثون ألفا ، وكان مع مروان بن الحكم ثلاثة عشر ألفا وأكثرهم رجّاله. (٣)

وقيل قتل الضحّاك سنة (٦٤) (٤) للهجرة. وقيل سنة (٦٥) (٥) للهجرة ، وخطب الضحّاك بن قيس يوما في مسجد الكوفة ، وهو جالس ، فقام إليه

__________________

(١) ابن الكلبيّ ـ جمهرة النسب. ج ٢ / ١٦.

(٢) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٢٦. وابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٤ / ٣٩٧.

(٣) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٢٤٤.

(٤) ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ١١ / ١٣١.

(٥) ابن حبان ـ الثقات. ج ٣ / ١٩٩.

٢٠١

كعب بن عجره وقال له : (لم أر كاليوم قط إمام قوم مسلمين يخطب قاعدا) (١). وقيل عزل الضحّاك عن إمارة الكوفة في شهر ربيع الأول من سنة (٥٧) (٢) للهجرة ، عزله معاوية بن أبي سفيان. وقيل : إنّ الضحّاك بن قيس لما وصل إلى الكوفة ، سأل عن قبر زياد بن أبيه ، فدلوه عليه ، ولمّا وقف على قبره قال : (٣)

أبا المغيرة والدنيا مفجعة

وإنّ من غرّت الدنيا لمغرور

قد كان عندك للمعروف معرفة

وكان عندك للنكراء تنكير

لو خلّد الخير والإسلام ذا قدم

إذن لخلدك الإسلام والخير

وقيل إنّ هذه الأبيات لحارثة بن بدر يرثي بها زياد بن أبيه.

١٣ ـ عبد الرحمن بن أمّ الحكم :

هو عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله بن ربيعة ، وقيل : هو عبد الرحمن ابن عبد الله بن أبي عقيل الثقفيّ ، وأمّه (أم الحكم) أخت معاوية بن أبي سفيان. (٤) ولد بالطائف.

ولّاه (خاله) معاوية بن أبي سفيان إمارة الكوفة سنة (٥٧) (٥) للهجرة ، وقيل سنة (٥٨) (٦) ، ثمّ عزله سنة (٥٨) للهجرة ، وعيّن مكانه النعمان بن

__________________

(١) ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ١١ / ١٣١.

(٢) محمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ٨٩.

(٣) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٣ / ٢٤١.

(٤) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ٥١٩. والزركلي ـ الأعلام. ج ٣ / ٣١٢.

(٥) تاريخ خليفة بن خياط. ج ١ / ٢٦٩. وابن بكار ـ الأخبار الموفقيات. ص ٢٩٨. ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ٨٩. والزركلي ـ الأعلام. ج ٤ / ٨٤.

(٦) تاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١٦٣. ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ٩٠.

٢٠٢

بشير الأنصاريّ (١).

وكان جدّه عثمان بن عبده ، يحمل لواء المشركين في معركة (حنين) قتله الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

وعبد الرحمن بن أمّ الحكم ، هو الّذي قتل عمرو بن الحمق (٢) في الجزيرة ، وقيل إنّ أوّل رأس حمل في الإسلام ، كان رأس عمرو بن الحمق. (٣)

وحينما وصل عبد الرحمن إلى الكوفة ، أخذ يعامل أهلها ، معاملة سيئة ، فغضب عليه أهل الكوفة ، وطردوه ، وقالوا له : (إلحقّ بخالك) (٤).

وعند ما رجع عبد الرحمن إلى الشام ، قال له خاله معاوية : سأوليك خيرا منها ، فولّاه إمارة مصر ، وعند ما وصل إلى مصر ، لقيه معاوية بن خديج (٥) فقال له : (ارجع إلى خالك ، فو الله لا تسير فينا سيرتك في إخواننا أهل الكوفة). فرجع عبد الرحمن إلى خاله أيضا ، (فحنّ قلب خاله إليه) فولّاه الجزيرة ، وبقي عليها إلى أن مات معاوية. (٦)

وذهب معاوية بن خديج إلى الشام ، فدخل على معاوية بن أبي سفيان ، وكانت عنده أخته (أم الحكم) ، فقالت : من هذا يا أمير المؤمنين؟

قال معاوية : هذا معاوية بن خديج.

فقالت أم الحكم : لا مرحبا به ، (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه). (٧)

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١٣٦.

(٢) عمرو بن الحمق : صحب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزل الكوفة ، وشهد مع عليّ عليه‌السلام المشاهد كلها.

(٣) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٦ / ٢٥.

(٤) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٤ / ٢٢٢.

(٥) معاوية بن خديج : شهد فتح مصر والإسكندرية وولي الإمارة على غزو المغرب عدّة مرات.

(٦) ابن بكار ـ الأخبار الموفقيات. ص ٢٩٨.

(٧) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٤ / ٢٢٢.

٢٠٣

فرد عليها معاوية بن خديج : (على مهلك يا أم الحكم ، أما والله لقد تزوجت فما أكرمت ، وولدت فما أنجبت ، أردت أن يلي ابنك الفاسق علينا ، فيسير كما سار في إخواننا من أهل الكوفة ، ما كان الله ليريه ذلك ، ولو فعل ذلك لضربناه ، ضربا يطأطأ منه ، وإن كره ذلك (١) الجالس). (٢) فالتفت معاوية إلى أخته ، وقال لها : كفى ، (اسكتي).

وطلبت (أم الحكم) من أخيها معاوية أن يزوج ابنها عبد الرحمن من إحدى بناته فقال لها معاوية : (إنه ليس لهن بكفؤ). فقالت له أخته : لقد زوجني أبو سفيان من أبي عبد الرحمن ، وأبو سفيان خير منك ، وأنا خير من بناتك. فقال لها معاوية : (يا أخية ، إنّما فعل ذلك أبو سفيان ، لأنّه كان آنذاك يشتهي الزبيب (٣) ، وقد كثر عندنا الآن الزبيب ، فلن نزوج إلا كفؤنا) (٤) (كفئنا).

ومدح عبد الله بن الزبير (٥) عبد الرحمن بن أمّ الحكم (أمير الكوفة) فلم يعطه شيئا ، عندها هجاه ابن الزبير وقال : (٦)

تبقّلت لمّا أن أتيت بلادكم

وفي مصرنا أنت الهمام القلمس (٧)

ألست ببغل (٨) أمّه عربية

أبوك حمار أدبر الظهر ينخس

وكان بنو أميّة إذا شاهدوا عبد الرحمن يلقبونه ب (البغل) حتّى غلب

__________________

(١) ذلك الجالس : يقصد به معاوية.

(٢) الجاحظ ـ البيان والتبيين. ج ٢ / ١٠٨.

(٣) كان أبو عبد الرحمن يسكن بالطائف ، وفي الطائف تكثر البساتين والعنب ، وكان فيها الزبيب كثيرا.

(٤) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٤ / ٢٤٣.

(٥) عبد الله بن الزبير : هو شاعر ، وليس عبد الله بن الزبير بن العوّام.

(٦) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٤ / ٢٤٩.

(٧) القلمس : البحر ، الرجل الكريم ، السيد العظيم ، الداهية.

(٨) البغل : هو حيوان (وسط) بين الخيل والحمير ، يتكون من تزاوج الفرس مع الحمار ويستخدم في حمل الأشياء الثقيلة ، وفي المناطق الجبلية ، وهو حيوان عقيم.

٢٠٤

عليه هذا اللقب ، وأخذ عبد الرحمن يشتم كلّ من ذكر (بغلا) ظنا أنهم يقصدونه. (١)

وقتل رجل من بني الأشيم من جماعة عبد الله بن الزبير ، قتله جماعة من علقمة بن قيس الأعشى ، فتوسط عبد الرحمن بن أمّ الحكم لحلّ النزاع بينهما ، وكان يميل إلى أهل القاتل ، فقال لعبد الله بن الزبير : (خذ من بني عمّك ديتين لقتيلك).

فرفض ابن الزبير ، فغضب عليه عبد الرحمن ، وذهب إلى الشام ، وذهب عبد الله بن الزبير هو الآخر إلى الشام ، ولكن على طريق غير الطريق الّذي سلكه ابن أمّ الحكم.

ولمّا وصل عبد الله إلى دمشق استجار بيزيد بن معاوية ، فطلب يزيد من عبد الله أن يهجو عبد الرحمن ، فقال عبد الله قصيدة طويلة نقتطف منها : (٢)

أبى اللّيل بالمران (٣) أن ينصرما

كأنّي أسوم العين نوما محرّما

إلى الله أشكو لا إلى الناس إنّني

أقصى بنات الدر (٤) ثديا مصرما

وسوق نساء يسلبون ثيابها

يهادونها همدان رقا وخشعما (٥)

على أي شيء يالؤي (٦) بن غالب

تجيبون من أجرى عليّ وألجما

وهاتوا فقصوا آية تقرأونها

أحلّت بلادي أن تباح وتظلما

__________________

(١) ابو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني ج ١٤ / ٢٤٩.

(٢) المصدر السابق. ج ١٤ / ٢١٨.

(٣) المران : أسم مكان على بعد ليلتين من مكّة على طريق البصرة.

(٤) الدّر : اللبن (الحليب).

(٥) همدان وخشعم : قبيلتان عربيتان من أهل اليمن.

(٦) لؤي بن غالب : يعني معاوية وعشيرته.

٢٠٥

وإلّا فأقصى (١) الله بيني وبينكم

وولّيّ كثير اللؤم من كان ألأما

وقد شهدتنا من ثقيف رضاعة

وغيّب عنها الحوم قوام (٢) زمزما

ومنها :

وأنتم بني حام بن نوح أرى لكم

شفاها كأذناب المشاجر (٣) ورّما

فإن قلت خالي من قريش فلم أجد

من الناس شرا من أبيك (٤) وألأما

وكنتم سقيطا (٥) في ثقيف ، مكانكم

بني العبد ، لا توفي دماؤكموا دما

ولمّا سمع عبد الرحمن بهذه الأبيات غضب على ابن الزبير فهدم داره ، فعوضه معاوية وأعطاه ألف درهم.

مات عبد الرحمن بن أمّ الحكم في خلافة عبد الملك بن مروان. (٦)

١٤ ـ النعمان بن بشير الأنصاريّ :

وهو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس بن زيد بن مالك ابن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاريّ ، الخزرجي ، وكنيته : أبو عبد الله المدنيّ ، وقيل أبو محمّد. (٧)

ولّاه معاوية بن أبي سفيان إمارة الكوفة سنة (٥٩) للهجرة ، وذلك بعد عزل عبد الرحمن بن أمّ الحكم عنها ، ثمّ أقرّه يزيد بن معاوية سنة (٦٠)

__________________

(١) أقصى : أبعد.

(٢) قوّام : أي القائمون على زمزم ، المتولون سقاية الحاج منها.

(٣) المشاجر : وهي أعواد الهودج.

(٤) أبوه : هو عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن الحرث الثقفيّ.

(٥) السقيط : الأحمق الناقص العقل.

(٦) ابن بكار ـ الأخبار الموفقيات. ص ٢٩٨. والزركلي ـ الأعلام. ج ٣ / ٣١٢.

(٧) ابن بكار ـ الأخبار الموفقيات. ص ٢٢٨. وتاريخ الطبري. ج ٣ / ٤٩. وابن حبان ـ الثقات. ج ٣ / ٤٠٩. وأبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٦ / ٢٨. وابن حجر العسقلاني ـ تهذيب التهذيب. ج ٢٩ / ٤١٤.

٢٠٦

للهجرة ، ثمّ عزله ، وبعث بدله عبيد الله بن زياد. (١)

ولد النعمان بن بشير في المدينة ، وهو أوّل مولود في الإسلام ، ولد في المدينة من الأنصار ، وهو ابن أخت الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة (٢) ، وله (١١٤) حديثا اتفقا له على خمسة ، وانفرد البخاريّ بحديث واحد ، ومسلم بأربعة أحاديث.

وكان النعمان بن بشير (عثمانيّا) حضر مع معاوية حرب صفّين ، ولم يكن مع معاوية من الأنصار غيره ، وكان من المقربين إلى معاوية ، وكذلك عند يزيد بعده.

والنعمان بن بشير من المعروفين بالشعر سلفا وخلفا ، فجدّه شاعر ، وأبوه شاعر ، وعمّه شاعر ، وأخوه شاعر ، وأولاده وأحفاده شعراء. (٣)

وأوّل شعر قاله النعمان (وهو في حداثة سنّه) وذلك عند ذهابه مع أقرانه إلى الأردن ، فأهدت لهم امرأة من بني القين تسمّى (ليلى) هدية فقال : (٤)

يا خليلي ودّعا دار ليلى

ليس مثلي يحل دار الهوان

إنّ قينية تحلّ محبّا

وحفيرا فجنبني ترفلان (٥)

لا تؤاتيك في المغيب إذا ما

حال من دونها فروع قنان (٦)

إن ليلى ولو كلّفت بليلى

عافها عنك عائق غير وان

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٥ / ٣٤٨. وابن حبان ـ الثقات. ج ٣ / ٤١٠. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٤١٢. وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١٣١.

(٢) عبد الله بن رواحة : استشهد في معركة اليرموك مع جعفر الطّيار وآخرون وقبره في كرك بالأردن.

(٣) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٦ / ٤١.

(٤) نفس المصدر السابق.

(٥) محبّ وحفير وترفلان : أسماء أماكن في الشام.

(٦) قنان : أسم جبل بأعلى نجد.

٢٠٧

وبعد سنين طوال ذهبت ليلى القينيّة إلى (حمص) وكان النعمان بن بشير أميرها فدخلت عليه ، فعرفها ، وأنشأ يقول : (١)

ألا استأذنت ليلى فقلنا لها لجي

ومالك لا تدخلين بسلام

فإنّ أناسا زرتهم ثمّ حرّموا

عليك دخول البيت غير كرام

فأكرمها النعمان طيلة بقائها في حمص ، ثمّ رحلت.

وكانت ابنته (حميدة) قد تزوجت من الحارث بن خالد المخزومي ، وقيل المهاجر بن عبد الله بن خالد ، فهجته وقالت : (٢)

كهول دمشق وشبّانها

أحبّ إليّ من الجاليه (٣)

صماحهم (٤) كصماح التيو

س أعيا على المسك والغاليه (٥)

وقمل يدبّ دبيب الجراد

أكاريس أعيا على الفاليه

فطلّقها زوجها ، ثمّ تزوّجها روح بن حاتم الجذاميّ ، فهجته أيضا ، وخاطبت أخاها الّذي زوّجها من روح فقالت : (٦)

أضلّ الله حلمك من غلام

متّى كانت مناكحنا جذام

أترضى بالأكارع والذنابي

وقد كنّا يقرّ لنا السنام

فطلقها روح ، وقال لها : سلّط الله عليك زوجا يشرب الخمر ، ويتقيء في حجرك ، فتزوجت بعده (الفيض بن أبي عقيل الثقفيّ) ، فكان يسكر ويقيء في حجرها. وكانت تقول : (أجيبت فيّ دعوة روح).

__________________

(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٦ / ٤١.

(٢) المصدر السابق. ج ١٦ / ٥٣.

(٣) الجاليه : القوم الّذين رحلوا عن بلادهم (أجلوهم).

(٤) الصماح : العرق المنتن (الصنان).

(٥) الغالية : نوع من العطور.

(٦) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٦ / ٥٣.

٢٠٨

وقالت تهجو الفيض : (١)

وهل أنا إلّا مهرة عربية

سليلة المراس تجللها بغل

فإن نتجت مهرا كريما فبالحرى

وإن كان إقراف فما أنجب الفحل

وعند ما انتخب الإمام عليّ عليه‌السلام خليفة للمسلمين ، بعد مقتل عثمان بن عفّان ، بايعته جميع الأنصار ، ما عدا نفر قليل ، كان من جملتهم النعمان بن بشير الأنصاريّ ، امتنعوا عن البيعة ، فقال النعمان : (٢)

لقد طلب الخلافة من بعيد

وسارع في الضلال أبو تراب (٣)

معاوية الإمام وأنت منها

على وتح بمنقطع السراب

والنعمان ، هو الّذي أخذ قميص عثمان ، وذهب به إلى معاوية في الشام فوضع على المنبر ، وأمر معاوية بمشاهدة القميص (وعليه الدماء) وظل الشاميّون يبكون على القميص سنة كاملة ، ومعاوية كان يلبسه أحيانا ليزيد في حماسهم ، حتّى آلوا على أنفسهم ان لا يناموا على فراش حتّى يقتلوا قتلة عثمان ، أو يموتوا. (٤)

وجاءت الأنصار ، ومعهم النعمان بن بشير إلى معاوية ، فمنعوهم من الدخول عليه حتّى يؤذن لهم ، ثمّ جاء عبد الملك بن مروان ودخل على معاوية ، وأخبره بأن الأنصار على الباب ، فقال عمرو بن العاص (وكان جالسا عند معاوية) : ما هذا اللّقب الّذي جعلوه نسبا؟! أرددهم إلى أنسابهم. (٥)

__________________

(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٦ / ٥٤.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٤ / ٥٦٢.

(٣) أبو تراب : كنية الإمام عليّ عليه‌السلام كنّاه بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان أعداء الإمام عليه‌السلام يتصورون بأنّ هذه الكنية انتقاصا له.

(٤) تاريخ الطبري. ج ٤ / ٥٦٢.

(٥) طه حسين ـ الآدب الجاهليّ ص / ١٥٥

٢٠٩

فنادى المنادي : من كان بالباب من ولد عمرو بن عامر فليدخل ، فدخلوا. ثمّ نادى مرّة أخرى : من كان ها هنا من الأوس والخزرج فليدخل. فلمّا سمع النعمان بذلك غضب وقال : (١)

يا سعد (٢) لا تعد الدعاء فما لنا

نسب نجيب به سوى الأنصار

نسب تخيّره الإله لقومنا

أثقل به نسبا على الكفار

إنّ الّذين ثووا ببدر منكم

يوم القليب هم وقود النار

فرجع النعمان ومن معه من الأنصار ثمّ بعد ذلك أرسل إليه معاوية فرده ، وقضى حوائجه وحوائج جماعته.

وكان يزيد بن معاوية هو الآخر يكره الأنصار ، فطلب من الأخطل (٣) أن يهجوهم فقال (٤) :

وإذا نسيت ابن الفريعة (٥) خلته

كالجحش بين حمارة وحمار

لعن الإله من اليهود عصابة

بالجزع بين صليصل وصدار (٦)

قوم اذا هدر العصير

رأيتهم حمر عيونهم المسطار (٧)

خلّوا المكارم لستم من أهلها

وخذوا مساحيكم (٨) بني النجّار (٩)

إنّ الفوارس يعرفون ظهوركم

أولاد كل مقبّح أكّار (١٠)

__________________

(١) ابو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني ج ١٦ / ٤٨ وطه حسين ـ في الأدب الجاهلي ص ١٥٥

(٢) سعد : حاجب معاوية ، واسمه سعد بن دره.

(٣) الأخطل : واسمه غياث بن غوث وهو شاعر هجاء من شعراء الدولة الأموية

(٤) ابن بكار ـ الأخبار الموفقيات ص ٢٢٨ وابو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني ج ١٦ / ٣٥

(٥) ابن الفريعة : كنية حسّان بن ثابت (شاعر الرسول) والفريعة : أمّه.

(٦) صليصل وصدار : أسم مكان قرب المدينة.

(٧) المسطار : الخمرة الّتي اعتصرت من العنب حديثا.

(٨) المسحاة : آلة حديد تستعمل للحراثة.

(٩) بني النجار : إحدى قبائل المدينة يشتغلون بالزراعة والفلاحة.

(١٠) أكار : الزراع ، الحراث.

٢١٠

ذهبت قريش بالمكارم كلّها

واللؤم تحت عمائم الأنصار

فلمّا سمع النعمان بن بشير بهذه الأبيات ، ذهب إلى معاوية ، فخلع عمامته عن رأسه وقال : يا امير المؤمنين : أترى لؤما؟

فقال معاوية : بل أرى كرما وخيرا ، فماذا دهاك!! قال النعمان : زعم الأخطل بأن اللؤم تحت عمائم الأنصار. فقال له معاوية : (لك لسانه فأقطعه) (١). وجيء بالأخطل حالا ، فطلب ان يدخلوه على يزيد بن معاوية اولا ، فأدخلوه فطمأنه يزيد ثمّ دخل على أبيه ، وطلب منه إخلاء سبيل الأخطل ، لأنّه شاعرهم الّذي يمدحهم ، فأطلق معاوية سراحه وأسترضى النعمان.

وعند ما كان النعمان بن بشير أميرا على (الكوفة) ، امره معاوية بزيادة رواتب أهل الكوفة عشرة دنانير لكل واحد منهم فلم يدفعها لهم النعمان ، وذلك لأنّه يكرههم لحبهم لعليّ بن أبي طالب.

وخطب النعمان بن بشير ذات يوم فصاح أهل الكوفة : (ننشدك الله والزيادة). فقال لهم النعمان : اسكتوا. فقام إليه عبد الرحمن بن همّام السلوليّ فقال (٢) :

زيادتنا نعمان لا تحبسّنها

خف الله فينا والكتاب (٣) الّذي تتلو

فإنك قد حمّلت منّا أمانة

بما عجزت عنه الصلاخمة (٤) البزل (٥)

فلا يك باب الشرّ تحسن فتحه

لدينا ، وباب الخير أنت له قفل

__________________

(١) ابو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني ج ١٦ / ٢٩ ، ٣٦.

(٢) المصدر السابق. ج ١٦ / ٣١.

(٣) الكتاب : كان النعمان بن البشير إذا خطب على منبر الكوفة يكثر من قراءة القرآن ، كان يقول : لا ترون على منبركم هذا أحدا من بعدي يقول سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال.

(٤) الصلاخمة : الجمال الصلبة الشديدة.

(٥) البزل : جمع بازل وهو الجمل الّذي انشق نابه.

٢١١

وأنت امرؤ حلو اللسان بليغه

فما له عند الزيادة لا يحلو؟!

وقبلك قد كانوا علينا أئمة

يهمهم تقويمنا وهم عصل (١)

إذا نصبوا (٢) للقول فقالوا فأحسنوا

ولكن حسن القول خالفه الفعل

يذمّون دنياهم وهم يرضعونها

أفاويق (٣) حتّى ما يدر لهم ثعل (٤)

وعزل النعمان بن بشير الأنصاريّ عن أمارة الكوفة ، عزله معاوية بن أبي سفيان ، فولّاه القضاء في دمشق ، ثمّ ولّاه إمارة (حمص) فبقى فيها إلى ان قتل (٥). وقيل ذهب أعشى همدان إلى النعمان بن بشير الأنصاريّ عند ما كان أميرا على (حمص) فخطب النعمان في الناس قائلا : (يا أهل حمص ، هذا ابن عمّكم ، من أهل العراق والشرف ، جاء يسترفدكم فماذا ترون)؟. قالوا : (اصلح الله الامير إنّما الأمر اليك). فقال النعمان : قد حكمنا له على أنفسنا بدينارين من كلّ واحد منا ، فأعطاه من بيت المال أربعين ألف دينار ، حيث كان عدد اصحاب النعمان عشرون ألف (٦). وكان النعمان يفتخر ويقول (٧) :

ومن ذا يعادينا من الناس معشر

كرام وذو القرنين منّا وحاتم

__________________

(١) عصل : جمع أعصل : وهو المعوج الّذي فيه صلابة وشدة.

(٢) نصبوا للقول : أي تهيئوا له.

(٣) أفاويق : أسم اللبن الّذي يجتمع في الضرع بين الحلبتين ، يقصد : أنّهم يرضعونها ثمّ يتركونها فيرضعونها ثانية.

(٤) الثعل : ضلف زائد في أضلاف الناقة.

(٥) أبن بكار ـ الأخبار الموفقيات ص ٢٢٨.

(٦) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ج ٣ / ٤١٢.

(٧) الآلوسي ـ بلوغ الأدب ج ١ / ١٧٨.

٢١٢

١٥ ـ عبيد الله بن زياد :

وكنيته : أبو حفص (١).

ولّاه معاوية بن أبي سفيان إمارة البصرة سنة (٥٥) للهجرة ، وكان عمره (٢٢) سنة. وكان عبيد الله ، غلاما ، سفيها ، جبانا ، سفاكا للدماء ، وبقي أميرا على البصرة حتّى مات معاوية (٢).

ولما سمع يزيد بن معاوية بأن الحسين بن عليّ عليه‌السلام قد أرسل ابن عمّه مسلم (٣) بن عقيل إلى الكوفة ، أمر عبيد الله بن زياد ، بالتوجّه (حالا) إلى الكوفة لمعالجة الموقف (٤). فذهب ابن زياد إلى الكوفة سنة (٦٠) للهجرة ، وقد جمعت له ولاية (المصرين) (٥). فتمكن عبيد الله من إلقاء القبض على مسلم بن عقيل (بعد أن تفرّق عنه أصحابه ، ولم يبق معه أحد) (٦). وجيء بمسلم بن عقيل إلى قصر الإمارة وأصعدوه إلى أعلى القصر ، فقطعوا رأسه ، ورموه إلى الناس ، ثمّ أتبعوه بجسده ، ثمّ بعث عبيد الله برأس مسلم إلى الشام ، وصلب جسده بالكوفة. فكان مسلم بن عقيل : أوّل قتيل صلبت جثته من بني هاشم ، وأوّل رأس حمل من رؤوسهم إلى الشام (٧).

__________________

(١) الذهبي ـ سيرة أعلام النبلاء ج ٣ / ٥٤٥ وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق ج ١٥ / ٣١٢.

(٢) تاريخ الطبري ج ٥ / ٢٩٩ والذهبي ـ سير أعلام النبلاء ج ٣ / ٥٤٥ وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق ج ١٥ / ٣١٤.

(٣) مسلم بن عقيل بن أبي طالب من ذوي الرأي والعلم والشجاعة كان يقيم في مكّة ، ولمّا كتب أهل الكوفة إلى الإمام الحسين عليه‌السلام يدعوه للمجيء اليهم ومبايعتهم إيّاه أرسله الحسين عليه‌السلام إلى الكوفة ليتعرّف على احوالها ، فقتل ، وله مزار كبير بجانب مسجد الكوفة.

(٤) تاريخ الطبري ج ٥ / ٣٤٨.

(٥) العسكري ـ الأوائل ص ٢٩٩.

(٦) قيل إنّ عدد الّذين بايعوا مسلم بن عقيل من اهل الكوفة قد بلغ ثمانية عشر ألف رجل.

(٧) المسعودي ـ مروج الذهب ج ٣ / ٦٠.

٢١٣

ثمّ قتل هاني (١) بن عروة. وصلب ايضا ، وفي ذلك قال الشاعر (٢) :

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى هاني في السوق وابن عقيل

تري جسدا قد غيّر الموت لونه

ولفح دم قد سال كلّ مسيل

ثم جاء الحسين عليه‌السلام إلى كربلاء فحوصر فيها من قبل جيوش عبيد الله بن زياد وكان القائد العام على تلك الجيوش هو : عمر بن سعد بن أبي وقّاص ، وبعد معركة غير متكافئة في العدّة والعدد ، قتل الحسين عليه‌السلام مع جميع أصحابه وأولاده وأخوته في تلك المعركة ، والّتي سميت ب (واقعة كربلاء) أو (يوم الطفّ) ، فأهتزّ لها ضمير العالم الأنساني ولا زالت تلك الذكرى خالدة في نفوس المسلمين وغيرهم ، وستبقى خالدة إلى يوم الدين.

أما بنو أمية ومن ساندهم في تلك الواقعة فستبقى وصمة عار في تاريخهم (الأسود) إلى قيام الساعة.

ثم بعد ما قتل الحسين عليه‌السلام وجميع أصحابه ، قطعوا رؤوسهم ، وحملوها على الرماح إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة ، ومع الرؤوس كان آل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا إلى ابن مرجانة يتقدّمهم شمر بن ذي الجوشن (وقيل غيره) فيقول مخاطبا عبيد الله بن زياد (٣) :

أوقر ركابي فضة أو ذهبا

إنّي قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أمّا وأبا

وخيرهم إذ ينسبون نسبا

وعند ما أدخلت السبايا والرؤوس إلى عبيد الله بن زياد بالكوفة ،

__________________

(١) هاني بن عروة : وهو من أشراف أهل الكوفة ، قتل مع مسلم بن عقيل ، وكان هاني قد اتفق مع مسلم بن عقيل على قتل عبيد الله بن زياد عند زيارته له في بيته ولمّا جاء عبيد الله إلى بيت هاني بن عروة لم يقتل عبيد الله لأنّه يعتبر ذلك من قبيل الغدر.

(٢) ابن سعد ـ الطبقات ج ٤ / ٤٢ وتاريخ الطبري ج ٥ / ٣٥٠.

(٣) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد ج ٤ / ٣٨١ ومحسن الأمين العاملي ـ في رحاب أهل البيت ج ٣ / ١٤٤ وابن العماد ـ الشذرات ص ٢٧٤.

٢١٤

كانت السيدة زينب بنت الأمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قد جلست متنكرة بين السبايا فقال عبيد الله بن زياد : من هذه الجالسة؟ فلم تكلّمه ، فقال : ثلاثا ، وهي لا تكلّمه ، فقيل له : إنّها زينب بنت فاطمه (١).

فقال عبيد الله بن زياد : الحمد لله الّذي فضحكم ، وقتلكم ، وأكذب أحدوثتكم. فقالت له زينب (عليها‌السلام) : الحمد لله الّذي أكرمنا بمحمّد ، وطهرنا تطهيرا ، لا كما تقول ، وإنّما يفتضح الفاسق ، ويكذب الفاجر.

فقال لها ابن زياد : فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ قالت عليه‌السلام : كتب عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتختصمون عنده ، فغضب ابن زياد وقال : لقد شفى الله غيظي من طاغيتك ، والعصاة المردة من أهل بيتك. فبكت (سلام الله عليها) وقالت : (لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبرزت أهلي وقطعت فرعي ، فإن يشفيك هذا فقد اشتفيت.

فقال لها ابن زياد : هذه (شجاعة) لعمري لقد كان أبوك شجاعا. وقيل إنّه قال : هذه (سجّاعة).

فقالت له (عليها‌السلام) : ما للمرأة والسجاعة (٢)!!

ثم نظر أبن زياد إلى الإمام عليّ بن الحسين (زين العابدين عليه‌السلام) فقال له : ما أسمك؟. قال : عليّ بن الحسين. قال ابن زياد : أولم يقتل عليّ بن الحسين؟. فسكت الإمام عليه‌السلام ولم يجبه. فقال له ابن زياد : مالك لا تتكلّم؟

فقال الإمام عليه‌السلام : كان لي أخ يقال له أيضا (عليّ) قتله الناس. قال ابن زياد : إنّ الله قتله. فسكت الإمام عليه‌السلام ولم يجبه أيضا. فقال له ابن زياد : مالك لا تتكلّم!! فقال الإمام عليه‌السلام : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها)(٣) ، (وَما كانَ

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل ج ٤ / ٨٢.

(٢) تاريخ الطبري ج ٥ / ٤٥٧ وابن الأثير ـ الكامل ج ٤ / ٨٢.

(٣) سورة الزمر ـ الآية : ٤٢

٢١٥

لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)(١)

فقال ابن زياد : أنت والله منهم. ثمّ أمر بقتله ، فتعلقت به السيدة زينب عليه‌السلام وقالت يابن زياد : حسبك منّا ، أما رويت من دمائنا؟! وهل أبقيت منا أحدا؟. ثمّ قالت له : اسألك بالله ، ان كنت مؤمنا ، فاقتلني معه إذا قتلته. فعفا عنه (٢). وممّا قيل في رثاء الحسين عليه‌السلام نذكر هذه الأبيات (٣) :

فإنّ قتيل الطفّ من آل هاشم

أذلّ رقابا من قريش فذلت

فإن يتبعوه عائذ البيت يصبحوا

كعاد تعمت عن هداها فضلت

ألم تر أنّ الأرض أضحت مريضة

بقتل حسين والبلاد اقشعرت

فلا يبعد الله الديار وأهلها

وإن أصبحت منهم برغمي تخلت

وقال مسلم بن قتيبة يرثي الحسين عليه‌السلام :

عين جودي بعبرة وعويل

واندبي إن ندبت آل الرسول

واندبي تسعة لصلب عليّ

قد أصيبوا وخمسة لعقيل

وابن عمّ النبيّ عونا أخاهم

ليس بما ينوب بالمخذول

وسمّي النبيّ غودر فيهم

قد علوه بصارم مصقول

واندبي كهلهم فليس إذا ما

عد في الخير كهلهم كالكهول

ولمّا وصل خبر مقتل الحسين عليه‌السلام إلى المدينة خرجت بنت لعقيل بن أبي طالب مع نسوة من آل البيت (عليهم‌السلام) وهي تقول : (٤)

ماذا تقولون إن قال النبيّ لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

__________________

(١) سورة آل عمران ـ الآية : ١٤٥

(٢) ابن الأثير الكامل ج ٤ / ٨٢

(٣) ابو الفرج الأصبهاني ـ مقاتل الطالبيين ص / ١٢٢

(٤) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٥ / ٢٤٥. وتاريخ الطبري. ج ٥ / ٤٦٧. والمسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٦٨.

٢١٦

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

نصف أسارى ونصف ضرجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بشر في ذوي رحم

ثم أمر عبيد الله بن زياد بحمل الرؤوس ، وآل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا إلى يزيد بن معاوية في الشام ، وعند ما أدخلت عترة آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا ، وهم مكبّلين بالحبال ، فرح يزيد فرحا شديدا وقال :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لعبت هاشم بالملك فلا

ملك جاء ولا وحي نزل

وفي زمن عبيد الله بن زياد ، جاء مرداس (ابو بلال الخارجيّ) ومعه أربعون رجلا ، فأرسل عبيد الله إليهم أسلم بن زرعة الكيلاني ، ومعه ألفي رجل ، فدارت معركة بين الطرفين ، في مكان يقال له (آسك) انهزم فيها أسلم واصحابه. فقال أحد شعراء الخوارج في ذلك (١) :

أألف مؤمن منكم زعمتم

ويقتلهم بآسك أربعونا

كذبتم ليس ذاك كما زعمتم

ولكن الخوارج مؤمنونا

هم الفئة (٢) قد علمتم

على الفئة الكثيرة ينصرونا

وقيل إنّ عبد الله بن مغفل ، قد مرض فعاده عبيد الله بن زياد وقال له : هل توصي شيئا؟

فقال له ابن مغفل : (لا تصلّي عليّ ، ولا تقم على قبري) (٣).

ولمّا مات يزيد بن معاوية بن أبي سفيان سنة (٦٤) للهجرة ، وكذلك مات ابنه معاوية «الثاني» بعد أربعين يوما من وفاة أبيه يزيد ، كان عبيد الله ابن زياد في البصرة ، فخطب بالناس وأعلمهم بموت يزيد وابنه ولم يكن

__________________

(١) أحمد شلبي ـ موسوعة التاريخ الأسلامي ج ٢ / ٢٦٨.

(٢) الفئة القليلة : تورية ، إشارة إلى الآية الكريمة (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة).

(٣) الذهبي ـ سيرة أعلام النبلاء ج ٣ / ٥٤٥.

٢١٧

بعدهما ولي عهد ، وأنّ الأمر أصبح شورى ، عندها بايعه أهل البصرة.

فكتب عبيد الله بن زياد إلى عمرو بن حريث «خليفته على الكوفة» يطلب منه أن يأمر أهل الكوفة أن يحذوا حذو أهل البصرة ، ولمّا سمع أهل الكوفة بذلك ثاروا وطردوا عمرو بن حريث ، وولّوا عليهم أميرا لحين استتباب الوضع. (١)

وعند ما علم أهل البصرة بثورة أهل الكوفة ، ثاروا هم أيضا ، وعيّنوا أميرا هو (عبد الله بن الحارث) فذهب عبيد الله إلى بيت المال في البصرة ، وأخذ كل ما فيه ، ثمّ ذهب إلى سعد بن الأطول بن عبد الله وطلب منه أن يحميه من أهل البصرة ، فقال له سعد : (عشيرتي ليست بالبصرة ، عشيرتي بالشام). (٢) عندها هرب ابن زياد إلى الشام ، تاركا أمّه بالبصرة ، ونجا بنفسه ، فهجاه ابن مفرغ بقصيدة نقتطف منها : (٣)

أعبيد هلا كنت أوّل فارس

يوم الهياج دعا بحتفك داع

أسلمت أمك والرماح تنوشها

يا ليتني لك ليلة إلا فزاع

إذ تستغيث وما لنفسك مانع

عبد تردّده بدار ضياع

هلا عجوزك إذ تمدّ بثديها

وتصيح ألا تنزعنّ قناعي

ليس الكريم بمن يخلّف أمه

وقناته في المنزل الجعجاع

كم يا عبيد الله عندك من دم

يسعى ليدركه بقتلك ساع

وقال أيضا :

أقرّ بعيني أنّه عقّ أمّه

دعته فولّاها أسته وهو يهرب

وقال : عليك الصبر كوني سبية

كما كنت أو موتي ، فذلك أقرب

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٥ / ٥٠٤.

(٢) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٧ / ٥٧. وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١٣٦.

(٣) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٧ / ٢٨٠.

٢١٨

وقد هتفت هند : بماذا أمرتني

ابن (١) لي وحدثني إلى أين أذهب؟

فقال : اقصدي للأزد في عرصاتها

وبكر فما إنّ عنهم متجنب

إلى آخر القصيدة.

ولمّا وصل عبيد الله بن زياد إلى (دمشق) ذهب إلى مروان بن الحكم ، ومعه مائة رجل من الأزد ، وأقنعه بأنه (أي مروان) أولى الناس بالخلافة من ابن الزبير ، ثمّ بايعه ، فجمع مروان الأمويين والمروانيين ، وتمّت له البيعة وذلك في سنة (٦٤) للهجرة ، ثمّ سار بجيشه نحو الضحّاك بن قيس الفهريّ ، فدارت معركة بين الطرفين ، قتل فيها الضحّاك ، وتمّت البيعة لمروان بن الحكم في دمشق. (٢)

ثم توجه عبيد الله بن زياد إلى العراق في جيش كبير ، فكانت له معركة مع التوابين (٣) انتصر فيها عليهم ، وقتل زعيمهم سليمان بن صرد الخزاعي سنة (٦٥) (٤) للهجرة ، وسميت تلك المعركة ب (عين الوردة).

وفي سنة (٦٦) للهجرة ، ثار المختار بن عبيد الثقفيّ بالكوفة ، مناديا : يا لثارات الحسين ، فالتف حوله الكثير من المؤيدين والمناصرين ، ومن الناقمين على بني أميّة ، فأرسل إبراهيم بن مالك الأشتر في عشرين ألف لقتال عبيد الله بن زياد ، فالتقت الجيوش في منطقة (الزاب) وحصلت معركة عنيفة بين الطرفين قتل فيها عبيد الله بن زياد ، وأرسل برأسه إلى الإمام عليّ بن الحسين (زين العابدين) عليه‌السلام في المدينة ، ولمّا وضع الرأس بين يديه ، كان

__________________

(١) أبن لي : بين ، وضح.

(٢) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ٤٢.

(٣) التوابون : جماعة من أهل الكوفة ، ثاروا يطالبون بثأر الحسين عليه‌السلام وسوف نتكلم عنهم عند ترجمة عبد الله الخطميّ.

(٤) الخطيب البغدادي ـ تاريخ بغداد. ج ١ / ٢٠١. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ١٨٣.

٢١٩

الإمام عليه‌السلام يتغدّى ، فذكر أباه الحسين عليه‌السلام وترحّم عليه ، ثمّ قال : (جيء برأس أبي عبد الله إلى ابن زياد وهو يتغدّى ، وأتينا برأس عبيد الله بن زياد ونحن نتغدّى) (١). وقتل مع عبيد الله بن زياد : حصين بن نمير ، وشرحبيل بن ذي الكلاع ، وانهزم الشاميّون شرّ هزيمة ، كان ذلك سنة (٦٧) (٢) للهجرة بالخازر.

وبعد ما قتل عبيد الله بن زياد هجاه ابن مفرغ الحميرّيّ فقال : (٣)

إنّ الّذي عاش ختارا (٤) بذمته

وعاش عبدا قتيل الله بالزاب

العبد للعبد لا أصل ولا طرف (٥)

ألوت به ذات أضفار وأنياب

إنّ المنايا إذا ما زرن طاغية

هتكن عنه ستورا بين أبواب

ما شقّ جيب ولا ناحتك نائحة

ولا بكتك جياد عند أسلاب

لا يترك الله أنفا تعطسون به

بني العبيد شهودا غير غياب

أقول بعدا وسحقا عند مصرعه

لأبن الخبيثة وابن الكودن (٦) الكابي (٧)

١٦ ـ عمرو بن حريث : (٨)

استخلفه عبيد الله بن زياد أميرا على الكوفة سنة (٦٠) للهجرة.

وهذه للمرة الثالثة يستخلف عمرو بن حريث على الكوفة.

__________________

(١) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ١٠٠.

(٢) ابن العماد ـ شذرات الذهب. ج ١ / ٧٤.

(٣) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٨ / ٢٨٦.

(٤) ختارا : الختار : الغادر.

(٥) الطرف : الشريف.

(٦) الكودن : البرذون الهجين أو البغل.

(٧) الكابي : المنكب على وجهه.

(٨) وقد تكلّمنا عن عمرو بن حريث في ص ٦٣. ج / ١. من هذا الكتاب.

٢٢٠