أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

إذا سقيت بلدة من بلاد

سيقت إليها فسحت سجالا

وأسلمت نفسي لمن أسلمت له

الأرض تحمل صخرا ثقالا

دحاها فلمّا استوت شدّها

سواء وأرسى عليها الجبالا

وقيل إنّ سعيد بن زيد هو من (البدريين) فقد جاء من الشام بعد معركة (بدر) ، فكلّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فضرب بسهمه ، وأجره. (١) وكتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم (أمير المدينة) أن يأخذ البيعة لابنه يزيد ، فقال رجل من جند الشام لمروان : لماذا تأخّرت عن أخذ البيعة ليزيد؟ فقال له مروان : إلى أن يجيء سعيد بن زيد فيبايع ، فإنه سيّد أهل البلد ، وإذا بايع سعيدا ، فسوف يبايع الناس. (٢)

وقيل إنّ سعيد قال : (٣)

أربّا واحدا أم ألف ربّ

أدين إذا تقسمت الأمور؟

ومن شعر سعيدا بن زيد أنه قال : (٤)

تلك عرساي تنطقان على عمد

لي اليوم قول زور وهتر

سألتاني الطلاق إن رآنا ما

لي قليلا قد جئتماني بنكر

فلعلي إنّ بكثر المال عندي

ويعرّي من المغارم ظهري

وترى أعبد لنا وأواق

ومناصيف من خوادم عشر

وتجرّ الأذيال في نعمة زو

ل تقولان ضع عصاك لدهر

وي كأن من يكن له نشب

يحبب ومن يفتقر بعش عيش خر

ويجنب سرّا النجيّ ولكن

أخا المال محضر كلّ سر

__________________

(١) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ١ / ١٣٥.

(٢) المصدر السابق ، ج ١ / ١٤٠.

(٣) الزركلي ـ الأعلام. ج ٣ / ١٠٠.

(٤) الجاحظ ـ البيان والتبيين. ج ١ / ٢٣٥.

١٦١

مات سعيد بن يزيد بن عمرو بالعقيق (١) سنة (٥٠) للهجرة (٢) ، وقيل سنة (٥١) (٣) وقيل سنة (٥٢) (٤) ، وقيل مات بالكوفة (إذ يقول أهل الكوفة : بأنّ سعيد بن زيد مات عندهم بالكوفة في خلافة معاوية بن أبي سفيان ، وصلى عليه المغيرة بن شعبة «أمير الكوفة») (٥). وكان عمره بضع وسبعون سنة.

٣ ـ عبد الله بن عمرو بن العاص

هو عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم ابن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك القرشيّ ، السهميّ ، وكنيته : أبو محمّد وقيل أبو عبد الرحمن وقيل : أبو نصير. (٦)

ولّاه معاوية بن أبي سفيان إمارة الكوفة سنة (٤٠) للهجرة وقيل سنة (٤١) لمدّة قصيرة ، ثمّ عزله وولّاها المغيرة بن شعبة. (٧)

__________________

(١) العقيق : وهو الوادي الّذي صنعه مسيل الماء ، وقيل إنّ في بلاد العرب أربعة أعقة وهي أودية عادية عملتها السيول ، وقيل : العقيق الّذي يبعد عن المدينة عشرة فراسخ وفيه عيون ونخل وبساتين ، قال أعرابيّ يصف العقيق :

أيا نخلتي بطن العقيق أما نص

جني النخل والتين انتظاري جناكما؟

لقد خفت أن لا تنفعاني بطائل

وإن تمنعاني مجتنى ما سواكما

لو أن أمير المؤمنين على الغنى

يحدث عن ظليكما لاصطفاكما

ياقوت الحموي ـ معجم البلدان. ج ٦ / ٢٠١.

(٢) تاريخ الطبري ـ المنتخب من ذيل المذيل. ص ٥١٣ وعبد القادر البغدادي ـ خزانة الأدب. ج ٦ / ٤١٧.

(٣) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٢٥٨ وابن العماد ـ شذرات الذهب. ج ١ / ٥٧.

(٤) عبد القادر البغدادي ـ خزانة الأدب. ج ٦ / ٤١٧.

(٥) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٣ / ٢٩٤.

(٦) الكنديّ ـ ولاة مصر. ص ٢٩ والنووي ـ تهذيب الأسماء. ج ١ / ٢٨١. والذهبي ـ تاريخ الأسلام. ج ٥ / ١٦١. والذهبي سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٧٩.

(٧) ابن خياط ـ خليفة بن خياط. ج ١ / ١٣٤. والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٥ / ١٦٥. والترمانيني ـ أحداث ـ التاريخ الإسلاميّ. ج ١ / ٥٠١. وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١٣٤.

١٦٢

وقيل : لما سمع المغيرة بن شعبة بأن عبد الله بن عمرو قد تعيّن أميرا على الكوفة ذهب إلى معاوية في الشام وقال له : (استعملت عبد الله بن عمرو على الكوفة وأباه على مصر فتكون أنت بين فكّي الأسد) ، فعزله معاوية واستعمل بدله المغيرة بن شعبة. (١)

ثمّ سمع عمرو بن العاص بما قال المغيرة لمعاوية ، فذهب إلى معاوية وقال له هل استعملت المغيرة على الكوفة؟ فقال معاوية : نعم. فقال عمرو : وجعلته على الخراج أيضا؟ فقال معاوية : نعم. فقال عمرو : (تستعمل المغيرة على الخراج فيختال المال ، فيذهب فلا تستطيع أن تأخذ منه شيئا ، استعمل على الخراج من يخافك ويهابك ويتّقيك). فعزل المغيرة عن الخراج ، وولّاه على الصلاة فقط. وبعد عدة أيّام تلاقيا عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة فقال عمرو للمغيرة : (أنت الّذي أشرت على أمير المؤمنين في عبد الله).

قال : نعم ، فقال عمرو : (خذها فهذه بتلك). (٢)

أسلم عبد الله قبل إسلام أبيه وكان كثير العلم وقد روى الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال أبو هريرة : (ما كان أحد مني أكثر حديثا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب وأنا لا أكتب). (٣) وهاجر هو وأبوه إلى المدينة المنورة قبل فتح مكّة ، وكان أبوه أكبر منه بأحد عشر سنة فقط ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفضله على أبيه عمرو بن العاص. (٤)

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٥ / ١٦٦.

(٢) أي واحدة بواحدة حسب المثل المشهور.

(٣) النووي ـ تهذيب الأسماء واللغات. ج ١ / ٢٨١.

(٤) الذهبي ـ تذكرة الحفاظ. ج ١ / ٤٢. والترمانيني ـ أحداث التاريخ الإسلاميّ. ج ١ / ٥٠١.

١٦٣

وعند ما بويع الإمام عليّ عليه‌السلام بالخلافة في المدينة كتب إلى معاوية بمبايعته فعندها استشار معاوية أصحابه في الأمر فقالوا له : عليك بعمرو بن العاص فكتب معاوية إلى عمرو بن العاص يستشيره بذلك فجمع عمرو ولديه عبد الله ومحمّد وقال لهما : أرسل عليّ بن أبي طالب جريرا إلى معاوية بالبيعة وأن معاوية يستشيرني فماذا تريان؟ فقال ابنه عبد الله (وكان أكبر من محمّد) : (أرى والله أنّ نبي الله قبض وهو عنك راض والخليفتان من بعده كذلك وقتل عثمان وأنت غائب ، فأقم في منزلك فلست مجعولا خليفة ولا نريد على أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة أوشكتما أن تهلكا فتستويان فيها جميعا وأرى أن تكفّ يدك وتجلس في بيتك حتّى يجتمع الناس فنبايعه) (١).

وفي سنة (٣٦) للهجرة وعند ما حوصر الخليفة عثمان بن عفّان في داره خرج عمرو بن العاص ومعه ابناه (عبد الله ومحمّد) وعند خروجه قال : (والله يا أهل المدينة ما يقيم بها أحد فيدركه قتل هذا الرجل إلّا ضربه الله عزوجل بذلّ ومن لم يستطع نصره فليهرب). (٢)

ولمّا وصل عمرو بن العاص إلى الشام بايع معاوية بن أبي سفيان واتفقا على محاربة الإمام عليّ بن أبي طالب. (٣)

ولمّا قتل الصحابي الجليل عمّار بن ياسر في معركة صفّين ، كان عبد الله بن عمرو وأبيه مع معاوية ، فقال عبد الله لأبيه عمرو : (يا أبت قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا وقد قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال؟) قال له أبوه : وماذا قال؟ فقال عبد الله : ألم تكن معنا ونحن في المسجد والناس ينقلون

__________________

(١) نصر بن مزاحم ـ وقعة صفّين. ج ١ / ٣٩. وابن قتيبة ـ عيون الأخبار. ج ١ / ٢٤٤.

(٢) نفس المصدرين السابقين.

(٣) تاريخ الطبري. ج ٤ / ٥٥٨.

١٦٤

حجرا ولبنة لبنة وعمّار ينقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين فغشا عليه ، فأتاه رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : (ويحك يا ابن سميّة .. الناس ينقلون حجرا واحدا ولبنة واحدة وأنت تنقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين رغبة منك في الأجر ، ويحك ، مع ذلك تقتلك الفئة الباغية). (١)

وقيل إنّ عمرو بن العاص طلب من ابنه (عبد الله) أن يخرج معه ويقاتل عليّ بن أبي طالب في معركة (صفّين) فقال له أبنه عبد الله (يا أبة .. كيف تأمرني أن أخرج فأقاتل وقد سمعت من عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليّ ما سمعت)؟ فقال له أبو عمرو : ناشدتك بالله ، أتعلم أن آخر ما كان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اليك حيث أخذ يدك ووضعها في يدي ، فقال : (أطع عمرو بن العاص ما دام حيّا) قال عبد الله : نعم ، فقال أبوه : فإني آمرك أن تقاتل. (٢)

وقيل إنّ عبد الله بن عمرو قال عند ما كان مع أبيه في حرب صفّين : (ما لي ولصفّين؟ ما لي ولقتال المسلمين؟ لودّدت أنّي مت قبلها بعشرين سنة أما والله على ذلك ما ضربت بسيف ولا رميت بسهم). (٣)

واستخلف عمرو بن العاص ابنه عبد الله على مصر وذهب هو إلى المدينة إلى الخليفة عثمان بن عفّان ليتباحث معه حول عزل عبد الله بن سعد عن (الصعيد) (٤). فرفض عثمان طلبه وعين عبد الله بن سعد على (مصر) كلّها ، ولمّا جاء عبد الله بن عمرو ليصلّي بالناس صلاة الفجر (باعتباره خليفة أبيه) قيل له إنّ عبد الله بن سعد قد صلّى بالناس ، فذهب عبد الله بن

__________________

(١) نصر بن مزاحم ـ وقعة صفّين. ج ١ / ٣٩. وتاريخ الطبري. ج ٥ / ٤١.

(٢) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٩٢.

(٣) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٥ / ١٦٦.

(٤) الصعيد : صعيد مصر.

١٦٥

عمرو إلى عبد الله بن سعد وقال له : (هذا دسّك وبغيك)؟ فقال له ابن سعد : (ما فعلت وقد كنت أنت وأبوك تحسداني على الصعيد فتعال معي حتّى أولّيك الصعيد وأولّي أباك أسفل الأرض ولا أحسدكما عليه). (١) ولمّا مات أبوه عمرو ولّاه معاوية بن أبي سفيان إمارة مصر سنة (٤٣) للهجرة وبقي فيها سنتين ثمّ عزله عن مصر وولّى مكانه معاوية بن خديج سنة (٤٤) للهجرة (٢). ولمّا مات معاوية بن أبي سفيان امتنع عبد الله بن عمرو عن مبايعة يزيد بن معاوية. (٣) وقيل لعبد الله بن عمرو : حدثنا عمّا شاهدته من معاملة المشركين لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (جاء عقبة بن أبي معيط ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الكعبة ، فلوى ثوبه في عنقه وخنقه خنقا شديدا ، فقام أبو بكر فدفعه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال .. (يا قوم ... أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ... إلى قوله إنّ الله لا يهدي من هو مسرف كذّاب). (٤)

ومن أقوال عبد الله بن عمرو : (من سئل عمّا لا يدري ، فقال لا أدري ، فقد أحرز نصف العلم).

وقال أيضا : (أحرث لدنياك كأنّك تعيش أبدا واحرث لآخرتك كأنّك تموت غدا). (٥) وهذا الحديث محرّف ، والأصل هو ما قاله الإمام عليّ عليه‌السلام : (يابن آدم ، اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا).

وقيل : عند ما مات عمرو بن العاص ترك لابنه عبد الله أموالا عظيمة

__________________

(١) الكنديّ ـ ولاة مصر. ص ٣٥.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٥ / ١٨١.

(٣) الزركلي ـ الأعلام. ج ٥ / ١٨١.

(٤) صحيح البخاريّ. ج ٥ / ٥٨. وتاريخ الطبري. ج ٢ / ٣٣٣.

(٥) ابن قتيبة ـ عيون الأخبار. ج ١ / ٢٤٤.

١٦٦

وعبيد وخدم ، وترك له بستانا في الطائف تسمّى (الوهط) قيمتها ألف ألف درهم.

مات عبد الله بن عمرو بالطائف سنة (٥٥) للهجرة (١). وقيل سنة (٦٣) للهجرة (٢). وقيل سنة (٦٥) للهجرة (٣). مات في مصر ، وقيل سنة (٦٧) للهجرة (٤) مات في مكّة ، وقيل سنة (٦٨) وقيل سنة (٦٩) (٥) ، وقيل سنة (٧٣) للهجرة (٦) ، وهذا ضعيف وكان عمره (٧٢) سنة.

هذا وقد اختلف المؤرخون في سنة وفاة عبد الله بن عمرو بن العاص ، وكذلك اختلفوا في الأماكن الّتي دفن فيها (كما بيّنا ذلك آنفا) ، ورغبة في توضيح ذلك للقارئ الكريم ، نورد ما ذكره المؤرخون بهذا الصدد :

١. مات عبد الله بن عمرو في مصر سنة (٦٣) للهجرة وقيل سنة (٦٥) ، وقيل مات في مكّة سنة (٦٧) للهجرة وقيل مات بالطائف سنة (٥٥) وقيل مات في (فلسطين) سنة (٦٥) وعمره (٧٢) سنة وقيل مات سنة (٧٣) للهجرة وهو ضعيف (النووي ـ تهذيب الأسماء. ج ٢٨٢ / ١).

٢. قيل مات في مصر سنة (٦٥) للهجرة ودفن في داره ذلك لأنّ الحرب كانت قائمة بين مروان بن الحكم وبين عبد الله بن الزبير. (الذهبي ـ تذكرة الحفاظ. ج ١ / ٢٤٠).

__________________

(١) النووي ـ تهذيب اللغات والأسماء. ج ١ / ٢٨٢.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) ابن حبان ـ الثقاة. ج ٣ / ٢١١. وابن الجوزي ـ تلقيح فهوم أهل الأثر. ج ١ / ١٠٧. والذهبي ـ تذكرة الحفاظ. ج ١ / ٤٢. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٩٤. وابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ٧٣.

(٤) النووي ـ تهذيب اللغات والأسماء. ج ١ / ٢٨٢.

(٥) المصدر السابق.

(٦) نفس المصدر السابق.

١٦٧

٣. قيل مات عبد الله بن عمرو في (ليالي الحرّة) سنة (٦٣) للهجرة وقيل مات في مصر سنة (٦٥) ودفن في داره وقيل مات في الطائف وقيل مات في مكّة. أما أولاده فيقولون : مات في الشام. (الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٩٤).

٤. مات عبد الله في الشام سنة (٦٥) للهجرة وقال بعضهم مات في مكّة وقال آخرون مات في الطائف ، وأما أهل مصر فيقولون : مات في مصر ، وأما أولاده فيقولون مات في الشام وكان عمره (٧٢) سنة.

(عبد الرحمن بن الجوزي ـ تلقيح فهوم أهل الأثر. ص ١٠٧).

٥. مات عبد الله في مصر وقيل في عجلان (وهي قرية من قرى الشام) بالقرب من غزة في بلاد فلسطين ، مات في ولاية يزيد بن معاوية بن أبي سفيان في (ليالي الحرّة) سنة (٦٣) للهجرة وكان عمره (٧٢) سنة وقيل سنة (٦٥) ويزعم البعض أنه مات سنة (٦٩) للهجرة. (ابن حبان ـ الثقات. ج ٣ / ٢١١).

٤ ـ المغيرة بن شعبة (١)

أعيد تعيينه أميرا على الكوفة من قبل معاوية بن أبي سفيان سنة (٤٠) او سنة (٤١) للهجرة. وذلك بعد عزل عبد الله بن عمرو بن العاص.

٥ ـ عبد الله بن عامر

هو عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشيّ الأموي العبشمي ، وكنيته : أبو عبد الرحمن ،

__________________

(١) وقد كتبنا ترجمته في الجزء الأول ص ٦٩ ، فيرجى الملاحظة.

١٦٨

وهو ابن خال الخليفة عثمان بن عفّان ، وأبوه (عامر) ابن عمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (البيضاء بنت عبد المطلب) (١).

استخلفه المغيرة بن شعبة أميرا على الكوفة سنة (٤٤) للهجرة وذلك عند ذهاب المغيرة إلى الشام ، وذكر اليعقوبي (٢) في تأريخه ، بأن معاوية بن أبي سفيان قد ولّاه إمارة الكوفة بعد المغيرة بن شعبة ، وهذا خلاف ما ذكره أكثر المؤرخين ، بأنّ زياد بن أبيه هو الّذي وليّ الكوفة بعد وفاة المغيرة ، وأنّ زيادا أصبح أمير (العراقين) حيث جمع له معاوية إمارتي (الكوفة والبصرة) (٣).

وفي سنة ٢٩ للهجرة عزل أبو موسى الأشعري عن إمارة البصرة ، وعزل أيضا عثمان بن أبي العاص عن إمارة فارس ، عزلهما الخليفة عثمان بن عفّان ، وولّى عبد الله بن عامر إمارتي البصرة وفارس ، ثمّ ذهب عبد الله بن عامر إلى الشام فزوّجه معاوية بابنته (هند) (٤) ، وكان عمر عبد الله آنذاك (٢٥) سنة (٥).

وعند ما عزل أبو موسى الأشعري عن إمارة البصرة ، وولّيها عبد الله ابن عامر ، قال أبو موسى لأهل البصرة : (قد أتاكم فتى من قريش ، كريم الأمّهات ، والعّمات ، والخالات ، يقول بالمال فيكم هكذا).

وعند ما جاء عبد الله بن عامر إلى البصرة أميرا عليها صعد المنبر يوم الجمعة ، فارتجّ عليه (٦) فتأثر كثيرا ، ولمّا كانت الجمعة القادمة ، قال لزياد بن أبيه : (قل لأحد هؤلاء أن يخطب بالناس. فقال زياد لأبي الهمام بن القليم

__________________

(١) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ١٨. وابن العماد ـ شذرات الذهب. ج ١ / ١٨٨.

(٢) تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢١٩.

(٣) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٢١٠.

(٤) تاريخ الطبري. ج ٥ / ٥٤. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ١٨.

(٥) نفس المصدر السابق.

(٦) ارتج عليه : أي تلعثم ، ولم يدري ما يقول.

١٦٩

المازني .. قم ، واخطب بالناس ، فصعد المنبر وقال (الحمد لله الّذي خلق السماوات والأرض في ستّة أشهر). فقيل له : (إنّها ستّة أيّام) فقال : (ما عظّمت من عظمة الله وأمره فهو أفضل» (١).

واشتهر عبد الله بن عامر بفتوحاته العسكرية ، فقد افتتح (سجستان) و (ابر شهر) و (طوس) و (طخارستان) و (نيسابور) و (الطالقان) ، وغيرها في بلاد خراسان ، وبقي أميرا على البصرة إلى أن قتل عثمان بن عفّان ، حيث عزله الإمام عليّ عليه‌السلام سنة (٣٦) للهجرة (٢).

وشارك عبد الله في معركة (الجمل) مع عائشة ، ولم يحضر معركة (صفّين). ثمّ لمّا آلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان (بعد الصلح) سنة (٤١) للهجرة ولّاه معاوية إمارة البصرة لمدّة ثلاث سنوات ثمّ عزله. فذهب إلى المدينة وبقي فيها (٣). وذهب عيينة بن مرداس المعروف ب (ابن فسوه) إلى عبد الله ابن عامر ـ عند ما كان أميرا على البصرة ـ فلم تهتم به حاشيته وأغفلوا أمره فقال : (٤)

كأنيّ ونضوي عند باب ابن عامر

من الصرّ ذئبا ففرة غرتان

فبتّ وضير الشتاء يلفني

وقد مسّ ساعدي وبناني

فما أوقدوا نارا ولا أحضروا قرى

ولا اعتذروا من عسرة بلسان

ولمّا سمع عبد الله بشعره ، أقسم بأن لا يغلق له باب فكانت أبوابه بعد ذلك مفتوحة ليل نهار.

وقيل : أن عبد الله بن عامر اشترى دار خالد بن عقبة بن أبي معيط

__________________

(١) البلاذري ـ أنساب الأشراف. ج ١ / ٣١٠.

(٢) ابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ١٨٨.

(٣) الزركلي ـ الأعلام. ج ٤ / ٢٢٨.

(٤) ابن منقذ ـ لباب الألباب. ص ١٢٧ ـ ١١٩.

١٧٠

بسبعين ألف درهم ، وعند اللّيل سمع بكاء آل خالد فسأل عن سبب بكائهم فقيل له : إنّهم يبكون على دارهم الّتي بيعت فأمر عبد الله بردها اليهم مع ثمنها. (١)

وجاء رجل إلى عبد الله بن عامر فقال له : (يا قمر البصرة ، وشمس الحجاز ، وابن ذروة العرب ، وترب بطحاء مكّة ، نزعت بي الحاجة وأكدت بي الآمال إلا بفنائك فامنحني بقدر الطاقة والوسع ، لا بقدر المحتدّ والشرف والهمّة). فأمر له عبد الله بعشرة آلاف ، ثمّ سكت ، فقال الأعرابي : بما ذا؟ تمرة أو رطبة أو بسرة؟. فقيل له : بل دراهم. فصعق الرجل ثمّ قال : (ربّ إنّ ابن عامر يجاودك فهب له ذنبه في مجاودتك). (٢)

وكان عبد الله بن عامر قد أرسل جيشا بقيادة قطن بن عمرو الهلالي ، فصادفهم بالطريق سيل كثير ، فقال قطن لجنوده : (من عبر فله ألف درهم).

فعبروا جميعهم فأعطاهم قطن بما وعدهم فيه وكانت أربعة آلاف ألف درهم ، ولمّا سمع عبد الله بن عامر بذكرها استكثرها ، فكتب إلى عثمان بن عفّان يخبره بذلك ، فأجازها عثمان فقال : (ما كان معونة في سبيل الله فجائزة). ثمّ صارت الجائزة : اسم العطية .. فقال الكنديّ : (٣)

فداء الأكرمين بني هلال

على علاتهم أهلي ومالي

هم سنّوا الجوائز في معدّ

فصار سنة أخرى الليالي

رماحهم تزيد على ثمان

وعشرة عند تركيب النصال

وخرج رجلان من المدينة إلى البصرة ، قاصدان عبد الله بن عامر لطلب المساعدة وكان أحدهما من أولاد عبد الله بن جابر الأنصاريّ

__________________

(١) ابن منقذ ـ لباب الألباب. ص ١٢٧ ـ ١١٩.

(٢) الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٣ / ٧٠٢.

(٣) العسكري ـ الأوائل. ص ٢٩٤.

١٧١

والآخر من ثقيف ، ولمّا وصلا بالقرب من البصرة ، قال الأنصاريّ للثقفي : (يا أخا ثقيف ، إنّي لمّا صليت فكرت فاستحييت من ربّي أن يراني طالب رزق من غيره). ثمّ تابع كلامه فقال : (اللهم رازق ابن عامر ارزقني من فضلك). (١) ثمّ رجع إلى المدينة. أما الثقفيّ ، فقد وصل إلى البصرة ، وبقي أياما على باب ابن عامر حتّى أذن له ، فلمّا دخل على ابن عامر ، رحّب به كثيرا وسأله عن ابن جابر (حيث أعلم به) فأخبره بما كان بينهما فبكى ابن عامر وقال : (والله ما قالها أشرا ولا بطرا ولكن رأى مجرى الرزق ، ومخرج النعمة ، فعلم أنّ الله عزوجل هو الّذي فعل ذلك فسأله من فضله). (٢) ، ثمّ أعطى للثقفي أربعة آلاف وكسوة ، وأرسل ضعفها إلى الأنصاريّ. فخرج الثقفيّ وهو يقول : (٣)

إمامة ما سعى الحريص بزائد

فتيلا ولا عجز الضعيف بضائر

خرجنا جميعا من مساقط رؤوسنا

على ثقة منّا بجود ابن عامر

فلمّا أنخنا الناعجات ببابه

تأخّر عنّي اليثربي (٤) ابن جابر

وقال : ستكفيني عطية قادر

على ما يشاء اليوم للخلق قادر

فإنّ الّذي أعطى العراق ابن عامر

لربّي الّذي أرجو لسدّ مفاقري

فلمّا رآني قال : ابن جابر

وحنّ لمّا حنّت عراب الأباعر

فأضعف عبد الله إذ غاب حظّه

على حظّ لهفان من الحرص فاغر

وعند ما كان عبد الله بن عامر أميرا على سجستان من قبل عبد الله ابن الحارث (القباع) في خلافة عبد الله بن الزبير ، كان معه الشاعر عمير بن

__________________

(١) القاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٥ / ٢٦٦.

(٢) المصدر السابق.

(٣) نفس المصدر السابق. وابن منقذ ـ لباب الألباب. ص ١٤٣.

(٤) اليثربي : يثرب : اسم المدينة قديما.

١٧٢

سنان بن عمرو الملقب (أبو عفراء) ، ولمّا دارت الحرب بين المسلمين و (رتيبل) (١) قتل (رتيبل) قتله (أبو عفراء) فقال : (٢)

فلو لا ضربتي روتيبل فاضت

أسارى منكم قملي السّبال

دلفت له برجل (٣) العنز لما

تواكلت الفوارس والرجال

لأرت مجدها أبدا تميما

إذا عدّ المآثر والفعال

ولمّا أخذ الناس يتطاولون بالكلام على الخليفة عثمان بن عفّان ، أرسل عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان وإلى عبد الله بن عامر وإلى عبد الله بن سعد ابن سرح وإلى سعيد بن العاص وإلى عمرو بن العاص بن وائل السهميّ ، فجمعهم ليشاورهم في بعض الأمور الآنية والمستعجلة ، وقال لهم : (إنّ لكل امرئ وزراء ونصحاء ، وإنّكم وزرائي ونصحائي ، وأهل ثقتي ، وقد عمل الناس ما قد رأيتم ، إلى أن أعزل عمالي (٤) ، وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبّون ، فاجتهدوا رأيكم ، وأشيروا عليّ) (٥).

فقال عبد الله بن عامر : (رأي لك يا أمير المؤمنين ، أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك وأن تجمرهم في المغازي حتّى يذلّوا لك ، فلا يكون همّة أحدهم إلّا نفسه وما هو فيه من دبرة دابتة ، وقل فروه) (٦).

وكتب عثمان بن عفّان إلى عبد الله بن عامر ، يأمره بأن يرسل إليه جيشا لنصرته ، فطلب ابن عامر من الخطيب عليّ بن أصمع بن مظهر بن

__________________

(١) رتيبل : ملك كابل ـ صاحب الترك.

(٢) البلاذري ـ أنساب الأشراف. ج ١ / ٣١٦.

(٣) رجل العنز : يقصد سيفه ، لأنّه فيه اعوجاج.

(٤) عمالي : الأمراء ـ الولاة.

(٥) تاريخ الطبري. ج ٥ / ٩٤.

(٦) نفس المصدر السابق.

١٧٣

رباح ، أن يقرأ كتاب عثمان على الناس ، فذكره الفرزدق عرضا فقال : (١)

وإلّا رسوم الدار قفرا كأنّها

كتاب تلاه الباهلي ابن أصمعا

وفي سنة (٤٥) للهجرة ، عزل عبد الله بن عامر عن إمارة البصرة ، عزله عنها معاوية بن أبي سفيان ، وعيّن مكانه زياد بن أبيه.

مات عبد الله بن عامر سنة (٥٧) للهجرة وقيل سنة (٥٩) في عرفات ، ودفن فيها (٢). ولمّا سمع معاوية بموته قال : (بمن نفاخر ، وبمن نباهي بعده؟). (٣)

٦ ـ عتيبة بن النهّاش

وهو عتيبة بن النهّاش (٤) وقيل (النهّاس) العجلي.

عند ما كان المغيرة بن شعبة أميرا على الكوفة ، زاره زياد بن أبيه ، فظنّ المغيرة بأنّ زيادا جاء يزاحمه على إمارة الكوفة ، فذهب إلى معاوية بن أبي سفيان في الشام ، واستخلف على الكوفة عتيبة بن النهّاش العجلي ، وذلك سنة (٤٥) للهجرة (٥). ولمّا وصل المغيرة إلى الشام ، ودخل على معاوية ، طلب منه أن يعفيه عن إمارة الكوفة ، فقال له معاوية (بعد أن عرف السبب) ارجع إلى إمارتك ، أما زياد فقد جعلناه أميرا على البصرة.

وقيل ذهب (الحطيئة) (٦) إلى المدينة أيّام كان سعيد بن العاص أميرا

__________________

(١) جمع الوزير ابن المغري ـ الإيناس بعلم الأنساب. ص ١٥٢.

(٢) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٣ / ٥١٤. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٢١. وابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ٦٥.

(٣) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٢١. والزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ٢ / ١٣٩.

(٤) النهّاش : الكثير النهب. الأسد. الذئب.

(٥) تاريخ الطبري. ج ٥ / ٢١٧.

(٦) الحطئية : اسمه : جرول بن أوس بن مالك العبسيّ ، وكنيته أبو مليكة ـ شاعر هجاء ومداح مخضرم جاهلي وإسلامي ، وهو غني عن التعريف.

١٧٤

عليها فذهب إلى بيت عتيبة بن النهّاش العجلي ، وطلب منه معونة (عطاء) ، فقال له عتيبة : (ما أنا بعامل فأعطيك ولا في مالي زيادة عن قومي فأعود به عليك). فخرج (الحطيئة) غاضبا ، فقال له أصحابه (أي أصحاب عتيبة) لقد عرّضتنا ونفسك للشرّ ، فقال عتيبة : وكيف ذاك؟ فقالوا له : إنّه (الحطيئة) وسوف يهجونا أشدّ هجاء ، فطلب منهم أن يأتوا به ، وعند ما رجع الحطيئة قال له عتيبة : لم كتمتنا نفسك؟ كأنّك تريد الحجّة علينا ، أجلس يا حطيئة ، فلك منا ما يسرك (١). ثمّ سأله عتيبة وقال له : من أشعر الناس؟ قال الحطيئة الّذي يقول :

ومن يجعل المعروف من دون عرضة

يفره ومن لا يتق الشتم يشتم

يعني : زهير بن أبي سلمى. فقال عتيبة : ثمّ من يأتي بعده؟ فقال الحطيئة : الّذي يقول :

من يسأل الناس يحرموه

وسائل الله لا يخيب

يقصد به : عبيد بن الأبرص. فقال عتيبة : ثمّ من يأتي بعدهما؟ فقال الحطيئة : (أنا).

عندها أمر عتيبة أحد أفراد حاشيته بأن يأخذ الحطيئة إلى السوق ويشتري له كل ما يطلبه ، فاشترى الحطيئة : الأكسية (٢) والكرابيس (٣) الغلاظ ، والأقبية (٤) ولم يشتر غيرها. فقيل له : إنّ عتيبة قد أمر بشراء الكثير لك ، فقال الحطيئة : (لا حاجة في أن يكون له على قومي يد أعظم من هذه).

ثم عاد الحطيئة ، وكان عتيبة جالسا ، فقال له عتيبة : (هذا مقام العائذ

__________________

(١) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ١ / ٢٨٣.

(٢) الأكسية : الملابس الخشنة (لرفيعة).

(٣) الكرابيس : ثياب من القطن (بيضاء) خشنة الملبس.

(٤) الأقبية : قماش من القطن (وهذه كلها رخيصة الثمن).

١٧٥

بك يا أبا مليكة من خيرك وشرك).

فقال له الحطيئة : (كنت قد قلت بيتين فاستمع اليهما): (١)

سألت فلم تبخل ولم تعط طائلا

فسيان لا ذم عليك ولا حمد

وأنت أمرئ لا الجود بك سجية

فتعطي ولا يعدى على النائل الوجد (٢)

وبعد معركة (دير الجماجم) سنة (٨٢) للهجرة جيء بعتيبة بن النهّاش أسيرا إلى الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، فقال له الحجّاج : أنت عتيبة بن النهّاش؟ فقال : نعم أصلح الله الأمير ، أنا عتيبة بن النهّاس ، فقال له الحجّاج : بايعت عدوّنا عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث؟ قال : نعم ، بايعته أيّها الأمير خوفا على نفسي وأهلي وولدي ، ولم أقاتل معه أحدا فليشملني عفوك ورضاك ، فقال الحجّاج : يا عبد النخع ، أمقعد في الجماعة وصحيح في الفتنة؟ لقد فعلت بعثمان ما فعلت ثمّ عفا عنك يزيد وابنه معاوية بن يزيد ، ومروان بن الحكم ، وأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان ، ثمّ جئت إلى العراق فعفوت عنك ، ورفعت منزلك وأنّك قد نظرت وسمعت إلى مطر بن ناجية اليربوعي وهو من أعراب بني تميم يشتمني على المنبر ويشتم عبد الملك بن مروان فنهضت معه أيدت رأيه ثمّ التفت الحجّاج إلى يزيد بن هبيرة المحاربي وقال له : يا يزيد خذه اليك اضرب عنقه. (٣)

وقيل عند ما جاء الحطيئة إلى عتيبة بن النهّاش قال : (٤)

لا أعد الأقتار عدما ولكن

فقد من رزئته الأعوام

وفي سنة (٣٥) للهجرة كان عتيبة بن النهّاش أميرا على (حلوان) من

__________________

(١) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢ / ١٦٨.

(٢) الوجد : السعة واليسار.

(٣) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ١٤٢.

(٤) أبو الفضل إبراهيم ـ قصص العرب. ج ١ / ١٩٩.

١٧٦

قبل الخليفة عثمان بن عفّان. (١)

قتل عتيبة بن النهّاش سنة (٨٢) للهجرة (٢) ، قتله الحجّاج بن يوسف الثقفيّ.

٧ ـ عروة بن المغيرة :

هو عروة بن المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن ثقيف ، وكنيته : أبو يعفور (٣).

استخلفه أبوه (المغيرة) على إمارة الكوفة سنة (٥٠) للهجرة أثناء مرضه الّذي توفي فيه. (٤)

وفي سنة (٧٥) (٥) للهجرة استخلفه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ على إمارة الكوفة وذلك عند ما ذهب الحجّاج إلى البصرة ليحثّهم على قتال الأزارقة (وكان الحجّاج بن يوسف الثقفيّ يشتو في البصرة ويصيف بالكوفة).

وفي سنة (٧٦) للهجرة ذهب الحجّاج إلى البصرة واستخلف على الكوفة عروة بن المغيرة وذلك بعد انهزام شبيب الخارجيّ عن الكوفة.

وحينما علم شبيب الخارجيّ بذهاب الحجّاج إلى البصرة عاد إلى الكوفة (مرة ثانية) فكتب عروة بن المغيرة إلى الحجّاج يخبره بذلك ثمّ جاء شبيب ووصل إلى قرية (حربي) ثمّ واصل سيره حتّى وصل إلى (عقرقوف)

__________________

(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٣ / ١٨٦. وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ٧ / ٢٢٧.

(٢) ابن الأعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ١٤٢.

(٣) ابن بكاء ـ الأخبار الموفقيات. ص ٥٤٥.

(٤) تاريخ خليفة بن خياط. ج ١ / ٢٤٧.

(٥) تاريخ الطبري. ج ٥ / ٢١٠. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٣٨٠. والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٤ / ٣٥٤. وابن بكار ـ الموفقيات. ص ٥٤٥.

١٧٧

عندها أخذ المغيرة يبعث بالرسائل الواحدة تلو الأخرى إلى الحجّاج يطلب منه المجيء إلى الكوفة بالسرعة ووصل الحجّاج عصرا ونزل شبيب في (السبخة) مساء ثمّ ذهب شبيب إلى قصر الإمارة فحاصر الحجّاج فيه ثمّ ذهب شبيب إلى القادسية ودارت معركة بين الجانبين قتل خلالها الكثير من كلا الجانبين (١).

وفي سنة (٧٧) للهجرة عاد شبيب إلى الكوفة ونزل في (حمّام أعين) فخرج إليه الحجّاج ومعه أهل الشام وجعل عروة بن المغيرة في ثلاثمائة رجل من أهل الشام ظهيرا له ثمّ اقتتلوا قتالا شديدا ثمّ هرب شبيب (٢).

وعند ما جاء عبد الملك بن مروان إلى العراق لمحاربة مصعب بن الزبير ، كان عروة بن المغيرة قريبا من مصعب (وقد تخلّى عنه أصحابه ، وتركوه وحيدا في المعركة) فقال مصعب لعروة : أخبرني عن الحسين بن عليّ ، كيف صنع بامتناعه عن النزول على حكم ابن زياد وعزمه على الحرب.

فقال المغيرة : (٣)

إنّ الأولى بالطفّ من آل هاشم

تأسوا فسنوا للكرام التآسيا

فقال عروة : علمت بأن مصعب لا ينهزم ، ولا يتنازل ، ولا يسلم نفسه حتى يقتل.

مات عروة بن المغيرة بعد التسعين ، (٤) وقيل بضع وثمانين.

__________________

(١) الزركلي ـ الأعلام. ج ٣ / ٢٢٩.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٦ / ٢٧٠.

(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٣٢٧ وأبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٩ / ١٢٩.

(٤) الذهبي ـ تاريخ الأعلام. ج ٦ / ١٥٢. وابن حجر العسقلاني ـ تقريب التهذيب. ص ٣٣٠.

١٧٨

٨ ـ جرير بن عبد الله البجليّ :

هو جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم ابن عويف ، بن خزيمة بن حرب بن عليّ بن مالك بن سعيد بن نذير بن قسر ، البجليّ ، القسريّ ، وكنيته : أبو عبد الله ، وقيل أبو عمرو (١) ، لقوله : (٢)

أنا جرير كنيتي أبو عمرو

أضرب بالسيف وسعد في القصر

استخلفه المغيرة بن شعبة على إمارة الكوفة سنة (٥٠) للهجرة ، وقيل استخلف ابنه عروة بن المغيرة ، وذلك عند مرضه الّذي مات منه (٣).

أسلم جرير على يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة (١٠) للهجرة ، فأكرم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقدمه وقال : (إذا جاءكم كريم فأكرموه). وروى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث كثيرة ، وقيل أسلم في السنة الّتي مات فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بعد نزول آية الوضوء (٤).

وكان جرير جميل الصورة ، حتّى قال فيه الخليفة عمر بن الخطاب : (جرير يوسف هذه الأمة). وقال فيه أيضا : (نعم السيد كنت في الجاهلية ونعم السيد أنت في الإسلام) (٥).

وعند ما جاء جرير بن عبد الله من اليمن ، أرسله عمر إلى العراق سنة (١٤) للهجرة مع جيش مكوّن من القبائل ، وجعله أميرا عليهم ، ولمّا وصل بالقرب من الكوفة كتب إليه المثنى بن حارثة الشيبانيّ كتابا جاء فيه : (أقبل إليّ إنّما أنت لي مدد) (٦).

__________________

(١) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٢٤. والمنتخب من ذيل المذيل ـ تاريخ الطبري. ص ٦٧٥.

(٢) نفس المصدرين السابقين.

(٣) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٢٤٧.

(٤) ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ٦ / ٣٤.

(٥) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٣ / ١٨٧. والعسقلاني ـ نزهة الألباب. ج ٢ / ٢٤٧.

(٦) ابن حبان ـ الثقات. ج ٢ / ٢٠٤.

١٧٩

فقال جرير : (إنّي لست فاعلا ، إلا أن يأمرني بذلك أمير المؤمنين فأنت أمير ، وأنا أمير) (١). ثمّ ذهب جرير نحو الجسر ، فلقيه مهران بن باذان عند النخيله ، فوقعت بينهما معركة ، قتل فيها مهران ، وقد اشترك في قتله كلّ من المنذر بن الحسّان ، وجرير بن عبد الله ، وقد اختصما في سلبه ، فأخذ جرير السلاح ، وأخذ المنذر المنطقة (٢).

وجرير : هو سيّد قبيلة بجيلة ، وفيهم قال الشاعر : (٣)

لو لا جرير هلكت بجيلة

نعم الفتى وبئس القبيلة

وقيل : تفاخر جرير (أيّام الجاهلية) مع خالد بن أرطأة الكلبيّ ، فذهبا إلى الأقرع بن حابس (وكان عالم العرب في زمانه) ليكون حكما بينهما ، فقال الأقرع لخالد : قل ما عندك ، فقال : (٤) (ننزل بالبراح ، ونطعن بالرماح ، ونحن فتيان الصباح).

ثم التفت إلى جرير وقال له : هات ما عندك ، فقال : (نحن أهل الذهب الأصفر ، والأحمر المعتصر ، نخيف ولا نخاف ، ونطعم ولا نستطعم ، ونحن حيّ اللقاح ، نطعم ما هبّت الرياح ، نضمن الدهر ونصوم الشهر ، ونحن الملوك لقسر) (٥).

فقال الأقرع لجرير : (واللّات والعزّى لو نافرت قيصر ملك الروم وكسرى عظيم الفرس والنعمان ملك العرب لنفرت عليهم) (٦). وقال عمر بن خشارم البجليّ في تلك المفاخرة :

__________________

(١) ابن حبان ـ الثقات. ج ٢ / ٢٠٤.

(٢) تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ١٣٤.

(٣) القلقشندي ـ نهاية الأدب. ص ١٦٤. وابن العماد ـ شذرات الذهب. ج ١ / ٥٨.

(٤) الآلوسي ـ بلوغ الأرب. ج ١ / ٣٠١.

(٥) المصدر السابق.

(٦) نفس المصدر السابق.

١٨٠