أمراء الكوفة وحكامها

محمّد علي آل خليفة

أمراء الكوفة وحكامها

المؤلف:

محمّد علي آل خليفة


المحقق: ياسين صلواتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-5604-61-3
الصفحات: ٧٧٧

وأنّ رسول الله يدعو إلى التقى

وأنّ رسول الله ليس بشاعر

على ذلك أحيا ثمّ أبعث موقفا

وأنوي عليه ميتا في المقابر

وعند ما ضرب عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، الإمام عليّ بن أبي طالب ، وهو يؤدّي الصلاة في مسجد الكوفة ، انهزم عبد الرحمن فتبعه الناس ، فأخذ المرادي يبعد الناس عنه بسيفه فتقدم إليه المغيرة بن نوفل ، ورماه بقطيفته ، ثمّ قبض عليه ، وطرحه أرضا ، وكان المغيرة" أعسر اليد" وجلس على صدره ، ثمّ جاء الناس ، وأخذوا السيف منه ، ثمّ أخذوا عبد الرحمن بن ملجم إلى الإمام عليّ عليه‌السلام (١) ، فنظر إليه الإمام عليه‌السلام ثمّ قال لولديه" الحسن والحسين عليهما‌السلام" : (رفقا بأسيركما) ، ثمّ قال عليه‌السلام : (ألا لا تقتلن بي قاتلي ، انظروا إذا أنا متّ من ضربته فاضربوه ضربة بضربة ، ولا تمثلوا بالرجل ، فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور) (٢).

وكان الربيع بن العاص بن عبد العزّى بن عبد شمس" وهو ابن أخت خديجة الكبرى" قد تزوج من زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فولدت له ولدا سماه" عليّا" وبنتا سماها" إمامة" ، وقد تزوج الإمام عليّ عليه‌السلام بأمامة بعد وفاة فاطمة الزهراء عليه‌السلام فولدت له" محمّد الأوسط" ، وبعد استشهاد الإمام عليّ عليه‌السلام أخذها عمّها عبد الرحمن بن محرز بن حارثة بن ربيعة إلى المدينة ، ولمّا سمع معاوية بن أبي سفيان بذلك ، كتب إلى مروان (٣) بن الحكم ، أن يخطبها له ، فطلبها مروان لمعاوية ، فقالت" إمامة" : بأن أمرها موكول بيد المغيرة بن نوفل ، فذهب مروان إلى المغيرة خاطبا منه" أمامة" فقال له

__________________

(١) المبرد ـ الكامل. ج ٣ / ١٩٩.

(٢) ابن أبي الحديد ـ شرح نهج البلاغة. ج ٦ / ١٧.

(٣) مروان بن الحكم : كان أمير المدينة آنذاك.

١٤١

المغيرة : بأنه قد تزوجها ، وأن صداقها أربعمائة دينار. فكتب مروان إلى معاوية يعلمه ما حدث (١).

وقيل إنّ الإمام عليّ عليه‌السلام قد أوصى المغيرة بن نوفل أن يتزوج إمامة بنت الربيع لكيلا يتزوجها معاوية (٢).

ثمّ إنّ معاوية بن أبي سفيان ، أرسل المغيرة بن نوفل إلى" الصفراء" فمات هناك وماتت إمامة في الصفراء أيضا (٣).

وكان المغيرة بن نوفل ، قد ولي القضاء في المدينة في خلافة عثمان بن عفّان (٤) ، وشهد حرب صفّين (٥) مع الإمام عليّ عليه‌السلام ، وله أحاديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد أخبره أبي بن كعب الأنصاري : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : (لا تقوم الساعة حتّى يحسر الفرات على تلّ من ذهب ، فيقتتل الناس عليه ، فيقتل تسعة أعشارهم) (٦).

وعن عليّ بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب أنّه قال : (إنّ كعبا أخذ بيد المغيرة بن نوفل فقال : (اشفع لي يوم القيامة) فانتزع المغيرة يده من يده وقال : (وما أنا ، إنمّا أنا رجل من المسلمين) قال فأخذ بيده فغمزها غمزا شديدا وقال : (ما من مؤمن من آل محمّد ، إلّا وله شفاعة يوم القيامة) ثمّ قال : أذكر هذا بهذا).

وقيل إنّ كعب الأحبار قال للمغيرة بن نوفل : (والّذي نفسي بيده

__________________

(١) البلاذري ـ أنساب الأشراف. ج ١ / ٤٠٠.

(٢) ابن قتيبة ـ المعارف. ص ١٢٧.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) الذهبي ـ تاريخ الأعلام. ج ٤ / ١٢٤.

(٥) ابن قتيبة ـ المعارف. ص ١٢٧.

(٦) البسوي" الفسوي" ـ المعرفة والتاريخ. ج ١ / ٤١٦.

١٤٢

ليبدأ محمّد بالشفاعة يوم القيامة بالأقرب فالأقرب) (١).

وكان المغيرة بن نوفل مع الإمام الحسين عليه‌السلام عند مجيئه إلى كربلاء ، فمرض في الطريق ، فطلب من الحسين عليه‌السلام أن يسمح له بالرجوع إلى المدينة.

ولمّا قتل الحسين عليه‌السلام في كربلاء ، وسمع المغيرة به قال (٢) :

أحزنني الدهر وأبكاني

والدهر ذو صرف وألوان

أخبروني عن تسعة قتلوا

بالطف أضحوا رهن أكفان

وستة ليس لهم شبه

بني عقيل خير فرسان

والمرء عون وأخيه مضى

كلاهما هيّج أحزاني

من كان مسرورا بما نالنا

وشامتا يوما آن

__________________

(١) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ٢٣.

(٢) الآمدي ـ المؤتلف والمختلف. ص ٣٦٩.

١٤٣
١٤٤

الجزء الثاني

أمراء الكوفة في العصر الأموي

١٤٥
١٤٦

١ ـ معاوية بن أبي سفيان

هو معاوية بن أبي سفيان (صخر) بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، وأمه : هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، وكنيته أبو عبد الرحمن. (١)

دخل مسجد الكوفة (بعد الصلح مع الإمام الحسن بن عليّ عليه‌السلام).

وتمّت له البيعة في المسجد في الخامس والعشرين من ربيع الأول من سنة (٤١) ه (٢) ، وقيل بويع بالخلافة في شهر ذي القعدة من سنة (٤٠) ه ورجع إلى الشام سنة (٤١) ه. (٣)

وأثناء وجود معاوية في الكوفة ثار عليه عبد الله بن الحوساء في (النخيلة) فأرسل معاوية اليه خالد بن عرفطة العذري مع جماعة من أهل الكوفة فقتل ابن أبي الحوساء في شهر جمادي من سنة (٤١) ه. (٤)

وكان الخليفة عمر بن الخطاب قد ولّاه الشام بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان وبقي واليا عليها طيلة خلافة عمر ، ولمّا جاء عثمان بن عفّان إلى الخلافة أقرّه على ولاية الشام. ولمّا آلت الخلافة إلى الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بعد عثمان بايعه المهاجرون والأنصار ما عدا معاوية فإنّه

__________________

(١) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٤ / ٣٦٢ وابن أبي الحديد ـ شرح نهج البلاغة. ج ١ / ٣٣٤.

(٢) تاريخ الطبري. ج ٥ / ١٦٣ والمسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٤٢٦.

(٣) تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢١٧.

(٤) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٢٠٣.

١٤٧

أعلن العصيان واستقل بالشام ولم يبايع الإمام عليّ بالخلافة وأخذ يطالب بدم عثمان بن عفّان. ثمّ جرت بينه وبين الإمام عليّ عليه‌السلام مكاتبات كثيرة نذكر منهما كتابين فقط ، أحدهما للإمام عليّ عليه‌السلام والآخر لمعاوية ، فقد كتب الإمام عليّ عليه‌السلام إلى معاوية يقول : بسم الله الرحمن الرحيم : (سلام عليك ، أما بعد ، فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام ، لأنّه بايعني الّذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا به فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يعود وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإذا اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا وإن خرج عن أمرهم خارج ردّوه إلى ما خرج عنه فإن أبى قاتلوا على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولّاه الله ما تولّى وأصلاه جهنّم وساءت مصيرا ، وإنّ طلحة والزبير بايعاني ثمّ نقصا بيعتهما وكان نقضهما كردهما فجاهدتهما بعد ما أعذرت اليهما حتّى جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم كارهون ، فادخل فيما دخل فيه المسلمون أحبّ الأمور إليّ قبولك العافية وقد أكثرت في قتلة عثمان فإن أنت رجعت عن رأيك وخلافك ودخلت فيما دخل فيه المسلمون ثمّ حاكمت القوم إليّ حملتك وإياهم على كتاب الله وأما تلك الّتي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرء قريش من دم عثمان ، واعلم أنّك من الطلقاء (١) الّذين لا تحلّ لهم الخلافة ولا يدخلون في شورى وقد بعثت اليك وإلى من قبلك (جرير ابن عبد الله) وهو من أهل الإيمان والهجرة فبايعه ولا قوّة إلّا بالله). (٢)

وعند ما وصل جرير بن عبد الله البجليّ إلى الشام سلّم الكتاب إلى معاوية بن أبي سفيان فكتب معاوية إلى عمرو بن العاص كتابا جاء فيه :

__________________

(١) الطلقاء : وهم الّذين أطلقهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند فتح مكّة كانوا كفارا منهم معاوية وأبوه أبي سفيان.

(٢) ابن قتيبة ـ الإمامة والسياسة. ج ١ / ٩٦.

١٤٨

(أمّا بعد .. فإنه كان من أمر عليّ وطلحة والزبير وعائشة ما قد بلغك فقد سقط الينا مروان في رافضة أهل البصرة وقد قدّم عليّ جرير بن عبد الله في بيعة عليّ وحبست نفسي عليك حتّى تأتيني فاقدم على بركة الله). (١)

فأرسل عمرو بن العاص إلى ولديه عبد الله ومحمّد واستشارهما في كتاب معاوية فقال له ابنه (عبد الله) : (أيّها الشيخ إنّ رسول الله قبض وهو عنك راض ومات أبو بكر وعمر وهما راضيان عنك فإنك إن تفسد دينك بدنيا يسيرة تصبها مع معاوية فتضطجعان غدا في النار). (٢)

أما ابنه (محمّد) فقد قال : (بادر هذا الأمر فكن فيه رأسا قبل أن تكون ذنبا) ، عندها أنشد عمرو وقال (٣) :

تطاول ليلي من هموم الطوارق

وخوف الّتي تجلو وجوه العوائق

فإنّ ابن هند سالني أن أزوره

وتلك الّتي فيها نبات البوائق

أتاه جرير من عليّ بخطة

أمرت عليه العيش من كلّ دانق

فإنّ نال منه ما يؤمل ردّه

فإن لم ينله ذلّ ذلّ المطابق

فو الله ما أدري وإنّي لهكذا

أكون ومهما قادني فهو سائقي

أأخدعه فالخدع فيه دنية

أم أعطه من نفسي نصيحة وامق

أم أجلس في بيتي وفي ذاك راحة

لشيخ يخاف الموت في كلّ شارق

وقد قال عبد الله قولا تعلّقت

به النفس إن لم يقتلني عوائق

وخالفه فيه أخوه محمّد

وإنّي لصلب العود عند الحقائق

فلمّا سمع ابنه عبد الله شعر أبيه قال : (بال الشيخ على عقبيه وباع دينه

__________________

(١) نصر بن مزاحم ـ وقعة صفّين. ج ١ / ٣٩ ، وتاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ١٨٤.

(٢) نفس المصدر الاوّل والثانى. ج ٢ / ١٨٥.

(٣) المصدر الاول السابق. ج ١ / ٤٠ والثاني نفسه.

١٤٩

بدنياه) (١).

ثمّ ذهب عمرو بن العاص إلى معاوية وتداولا الأمر ثمّ بات عمرو تلك الليلة عند معاوية وهو يقول (٢) :

معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل

به منك دنيا فانظرن كيف تصنع

فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة

أخذت بها شيئا يضرّ وينفع

وما الدين والدنيا سواء وإنّني

لأخذ ما أعطي ورأسي مقنع

ولكننّي أعطيك هذا وإنّني

لأخدع نفسي والمخادع يخدع

أأعطيك أمرا فيه للملك قوّة

وأبقى إن زلت النعل أخدع

وتمتعي مصرا فاربح بصفقة

وأن نرى القنوع يوما لمولع

فوافق معاوية على شروط عمرو بن العاص ، وأشهدا الشهود ، وختم الشروط بخاتمه ، فبايعه عند ذاك عمرو بن العاص ، وتعاهدا على هذا الوفاء. (٣) ثمّ كتب معاوية بن أبي سفيان إلى الامام عليّ عليه‌السلام جوابا على كتابه جاء فيه : (سلام عليك اما بعد فلعمري لو بايعك الّذين ذكرت وانت بريء من دم عثمان لكنت كأبي بكر وعمر وعثمان ، ولكنك اغريت بدم عثمان ، وخذلت الانصار ، فاطاع بك الجاهل ، وقوي بك الضعيف ، وقد ابى أهل الشام إلّا قتالك ، حتّى تدفع اليهم قتلة عثمان فإن فعلت كانت شورى بين المسلمين ، وإنّما كان الحجازيون هم الحكام على الناس والحقّ فيهم ، فلمّا فارقوه كان الحكام على الناس اهل الشام ، ولعمري ما حجتك على اهل الشام كحجتك على اهل البصرة ، ولا حجتك عليّ كحجتك على طلحة والزبير إن كانا بايعاك ، فلم ابايعك أنا ، فأمّا فضلك في الاسلام ، وقرابتك من

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ١٨٥.

(٢) المصدر السابق. ج ٢ / ١٨٦.

(٣) نصر بن مزاحم ـ وقعة صفّين. ج ١ / ٤٩ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ / ١٨٦.

١٥٠

رسول الله ، فلست أدفعه). (١) ثمّ جاءت معركة (صفّين) (٢) ولو لا رفع المصاحف (وبايعاز من عمرو بن العاص لكان معاوية وجيشه في خبر كان). وقد قال الإمام عليّ عليه‌السلام لمعاوية قبل بدء القتال (أبرز لي واعف الفريقين من القتال فأيّنا قتل صاحبه كان له الأمر) (٣). فقال عمرو بن العاص لمعاوية : (لقد أنصفك الرجل). فقال له معاوية : (لعلّك طمعت (٤) فيها يا عمرو).

وقد اشتهر معاوية بن أبي سفيان بالدهاء والحيلة والمكر حتّى قال الإمام عليّ عليه‌السلام في ذلك : (والله ما معاوية بأدهى منّي ، ولكنّه يغدر ويفجر ، ولو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ولكن لكلّ غدرة فجرة ، ولكلّ فجرة كفرة ، ولكل كافر لواء يعرف به يوم القيامة ...). (٥)

وعن سعيد بن العاص أنّه قال : (سمعت معاوية يقول : لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني ، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت). قيل له : وكيف يا أمير المؤمنين؟ قال : (كانوا إذا مدّوها جلبتها ، وإذا خلّوها مددتها). (٦)

وبعد مقتل الإمام عليّ عليه‌السلام تلكأ معاوية في تولية عمرو بن العاص على مصر فكتب عمرو إلى معاوية قصيدة طويلة نقتطف منها الأبيات

__________________

(١) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٤ / ٣٣٣.

(٢) معركة صفّين : وقد تكلّمنا عنها.

(٣) نصر بن مزاحم ـ وقعة صفّين. ج ٦ / ٤٤١. وابن عماد ـ شذرات الذهب. ج ١ / ٢١٤. وابن قتيبة ـ الإمامة والسياسة. ج ١ / ١١٠. وتاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ١٨٦.

(٤) طمعت فيها : أي في الخلافة ـ نصر بن مزاحم ـ وقعة صفّين. ج ٦ / ٤٤١.

(٥) محمّد عبدة ـ شرح نهج البلاغة. ج ١ / ٤٤١ ، وتاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢٢٥.

(٦) ابن قتيبة ـ عيون الأخبار. ج ١ / ٩ ـ وتاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢١٢.

١٥١

التالية : (١)

معاوية ، الفضل لا تنس لي

وعن منهج الحقّ لا تعدل

نصرناك من جهلنا ، يابن هند

على السيد الأعظم الأفضل

وما كان بينكما نسبة

فأين الحسام من المنجل

وأين الثريا وأين الثرى

وأين معاوية من عليّ

عندها ولّاه معاوية مصر.

وقيل إن ملك الروم أرسل قارورة (قنينة) إلى معاوية بن أبي سفيان وقال له : (ابعث لي فيها من كلّ شيء) فطلب معاوية من عبد الله بن عباس أن يعلمه بما ذا يملأها؟ ، فقال له ابن عباس (أملأها ماء) (٢) ، فلمّا رأى ملك الروم ذلك قال : (لله أبوه ما أدهاه)!! (٣)

وعند ما آل الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان (بعد الصلح) (٤) فقد أتبع سياسة تختلف من كلّ الوجوه عمّا كانت عليه أيّام الخلافة الراشدة ، حيث كان كتاب الله والسنة النبوية هما اللّذان يسودان المجتمع الإسلاميّ ، فيأخذ كلّ ذي حقّ حقّه ويعطي ما عليه ، وإن تأخّر في واجب كانت عليه (الدرّة) (٥) ، وكان المسلمون لا يتأوّلون القرآن تأوّلا يخرجه عن حقيقته الّتي تدعو الناس إلى التآزر والتحابب.

فكان معاوية وبنو أميّة من بعده أخذوا يتأوّلون القرآن حسب رغباتهم وأهوائهم ، وخير دليل على ذلك ما فعله زياد بن أبيه ، عند ما قتل

__________________

(١) جورج جرداق ـ الإمام عليّ صوت العدالة الإنسانية. ص ٢٦٨.

(٢) اشارة إلى الآية الشريفة : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ).

(٣) الآبي ـ نثر الدر. ج ١ / ٤١٧.

(٤) بعد الصلح : أي الصلح مع الإمام الحسن ، وقد تكلّمنا عنه في ص ٨٦.

(٥) الدرّة : العصا (درة عمر).

١٥٢

ذلك الأعرابي وهو يعلم علم اليقين بأنّ الأعرابي بريء لكنه قال : (إنّ في قتلك صلاح للرعية). (١) وكذلك في اتّهام حجر بن عدي الكنديّ (٢) وجماعته مما تسبب في قتلهم.

وكان معاوية ، هو أوّل خليفة في الإسلام ، بايع لولده (يزيد) بالخلافة وأوّل من وضع البريد ، وأوّل من خطب وهو جالس ، وأوّل من عمل المقصورة في المساجد وأوّل من أتخذ الخصيان في خدمته. (٣)

وكان معاوية قد الحقّ نسب زياد بن أبيه ، بابيه أبي سفيان ، ثمّ عينه أميرا على البصرة ، ثمّ على الكوفة والبصرة (العراقين) ، كما انه عهد بولاية العهد إلى ابنه يزيد (كما ذكرنا آنفا) والكلّ يعرف من هو يزيد ... يزيد الّذي قتل الحسين إبن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخذ عياله سبايا إلى الشام ، واستباح المدينة (٤) ... إضافة إلى لهوه ، وعبثه ، ومجونه ، وصبيانه ، وفي ذلك قال عبد الرحمن بن همّام السلوليّ : (٥)

فإن تأتوا برملة أو بهند

نبايعها أميرة مؤمنينا

إذا ما مات كسرى قام كسرى

نعدّ ثلاثة متناسقينا

فيا لهفا لو أنّ لنا أنوفا

ولكن لا نعود كما عنينا

إذا لضربتم حتّى تعودوا

بمكّة تلعقون السحينا

خشينا الفيض حتّى لو شربنا

دماء بني أميّة ما روينا

لقد ضاعت رعيتكم وأنتم

تصيدون الأرانب غافلينا

__________________

(١) الخضري بك ـ محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية. ج ٢ / ١٢٠.

(٢) حجر بن عدي : سوف نتكلم عنه عند ترجمة زياد بن أبيه.

(٣) السيوطي ـ تاريخ الخلفاء. ص ٢٢٨.

(٤) كانت وقعة الحرة سنة (٦٣) للهجرة وقتل فيها أولاد المهاجرين والأنصار (٣٠٦) وقتل فيها من الصحابة أيضا.

(٥) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٤ / ٢٢٦ والمسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٢٨.

١٥٣

وكان معاوية قد تزوج (ميسون) (١) بنت حميد بن بجدل الكلابيّة ، وذلك تقرّبا إلى يمانية الشام (دون القيسيّة) فجاء بها إلى دمشق ، وأسكنها في إحدى قصوره المطلّة على (الغوطة) وكانت ميسون قبل ذلك تعيش مع أهلها في بيت من الشعر وتحيا حياة بدويّة ، ساذجة بسيطة فجلست ذات يوم لوحدها ، فتذكّرت أهلها واقرانها وزاد بها الحنين إلى مسقط رأسها حيث الخيام وحيث الفضاء الرحب فقالت : (٢)

لبيت تخفق الأرواح فيه

أحبّ إليّ من قصر منيف

ولبس عباءة وتقرّ عيني

أحبّ إليّ من لبس الشفوف

وبكر يتبع الأضعان صعب

أحبّ إليّ من بغل زفوف

وكلب ينبح الأضياف دوني

أحبّ إليّ من هزّ الدفوف

وخرق من بني عمي ثقيف

أحبّ إليّ من علج (٣) عنيف

فقال لها معاوية (وكان يتصنّت اليها) : (ما رضيتيني يا بنت بجدل حتّى جعلتيني علجا عنيفا ، إلحقي بأهلك) فطلقها فذهبت إلى أهلها ومعها أبنها يزيد. وقيل أنه قال لها : (كنت فبنت) (٤) فأجابته ميسون : (لا والله ما سررنا إذ كنّا ، ولا أسفنا إذبنّا). (٥) وقيل إنّ معاوية سبق وقال لها : (أنت في ملك عظيم ، وما تدرين ما قدره قبل اليوم في العباءة) فقالت الأبيات المذكورة. (٦)

وقيل جاء (جارية بن قدامة السعديّ) إلى معاوية ، فقال له معاوية : من أنت؟ قال : جارية بن قدامة ، فقال له معاوية : (وما عسيت أن تكون؟

__________________

(١) ميسون : وهي شاعرة من شاعرات العرب وهي أم يزيد.

(٢) عمر رضا كحالة ـ أعلام النساء. ج ٣ / ١٤٢١.

(٣) علج : رجل جاف ، الشديد في معالجة الأمور ، وحمار الوحش.

(٤) البينونة : الطلاق.

(٥) عبد القادر عمر البغدادي ـ خزانة الأدب. ج ٨ / ٥٠٦.

(٦) نفس المصدر السابق.

١٥٤

هل أنت إلّا نحلة)؟ قال جارية : (لا تقل ، فقد شبهتني بها حامية اللسعة ، حلوة ألبصاق ، والله ما معاوية ، إلا كلبة تعاوي الكلاب ، وما أميّة إلا تصغير أمّة). (١)

وقيل دخل شريك بن الأعور على معاوية ، وكان دميما ، فقال له معاوية : (إنّك لدميم ، والجميل خير من الدميم ، وإنّك لشريك وما لله شريك ، وإن أباك لأعور والصحيح خير من الأعور فكيف أصبحت سيّد قومك!!؟ (٢) فأجابه : إنّك يا معاوية ، وما معاوية إلا كلبة عوت فأستعوت الكلاب ، وإنّك لأبن صخر بن حرب والسهل خير من الحرب ، وإنّك لأبن أميّة وما أميّة إلا (أمّة) صغرت فكيف صرت (امير المؤمنين)؟! ثمّ خرج شريك وهو يقول : (٣)

أيشتمني معاوية بن حرب

وسيفي صارم ومعي لساني

وحولي من ذوي يزن ليوث

ضراغمة تهشّ إلى الطعان

يعيّر بالدمامة من سفاه

وربات الجمال من الغواني

وذهب ذات يوم (عتبة) (٤) و (عنبسة) (٥) ابنا أبي سفيان إلى أخيهما معاوية وأثناء جلوسهما عنده ، حصل بينهما خلاف ، فتشاجرا فانحاز معاوية بجانب (عتبة) وأخذ يلوم أخاه (عنبسة) ويسيء إليه بالكلام ، فقال (عنبسة) : (وأنت أيضا يا أمير المؤمنين)؟! (٦) فقال معاوية : (يا عنبسة ... إنه عتبة بن هند).

__________________

(١) السيوطي ـ تاريخ الخلفاء. ص ٢٢٦.

(٢) الكرمي ـ قول على قول. ج ٣ / ٣٢٩.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) عتبة : وأمّه هند بنت عتبة بن ربيعة.

(٥) عنبسة : وأمه ابنة أبي أزيهر الدوسي.

(٦) تاريخ الطبري. ج ٥ / ٣٣٣.

١٥٥

فقال عنبسة : (١)

كنّا بخير صالحا ذات بيننا

قديما فأمست فرقت بيننا هند

فإن تك هند لم تلدني فإنني

لبيضاء ينميها غطارفة نجد

أبوها أبو الأضياف في كلّ شتوة

ومأوى ضعاف لا تنوء من الجهد

جفيناته ما إن تزال مقيمة

لمن خاف غوري تهامة أو نجد

وقال معاوية ذات يوم لجلسائه : من هو افصح الناس؟

فقام له رجل من جرم فقال : (قوم تباعدوا عن فراتية العراق ، وتيامنوا عن كشكة تميم ، وتياسروا عن كسكة بكر ، ليس فيهم غمغمة قضاعة ، ولا طمطمانية حمير (٢)). فقال معاوية : من هم؟!. قال الرجل : هم قومي.

وقيل : أرسل معاوية كتابا إلى ملك الروم بدأه بعبارة : (إلى طاغية الروم). ولمّا قرأ ملك الروم الكتاب قال للرسول : (ما لذي الفخر بالرسالة ، والمتسمّى بخلافة النبوة والسفه؟ ما أظنكم ولّيتم هذا الامر إلا بعد إعذار (٣) ولو شئت لكتبت : (من ملك الروم إلى غاصب أهل بيت نبيه والعامل بما يكفره عليه كتابه ولكني أتجالك (٤) عن ذلك). (٥)

وجيء بخراج العراق إلى معاوية في الشام فحمله (خصي) فقال الخصيّ لمعاوية : (يا سيّدي ، أعطني منه شيئا) ، فقال له معاوية : ويحك وماذا تعمل به؟ لأنّك اذا متّ وتركته فسوف تكوى به يوم القيامة.

فقال الخصي : (يا مولاي إن كان هذا حقّا فإنّ جلدك لا يشترى يوم

__________________

(١) تاريخ الطبري. ج ٥ / ٣٣٣

(٢) الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٤ / ٢٧٣.

(٣) الإعذار : عذر الرجل ـ إذا أفسد دينه وكثرت ذنوبه.

(٤) أتجالك : أترفع.

(٥) الآبي ـ نثر الدرر. ج ٢ / ١٩٥ والخضري بك ـ محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية. ج ٢ / ١٩٥.

١٥٦

القيامة بفلس). (١)

وكتب معاوية إلى (بسر بن أرطأة) العامري أن يذهب إلى المدينة ومعه ثلاثة آلاف رجل فيطرد أهلها ويهدّد كلّ من مرّ به وينهب مال كلّ من لم يكن في طاعة معاوية ، فذهب بسر ونفّذ كلّ ما أمره به معاوية حتّى وصل إلى المدينة وكان أميرها آنذاك (أبو أيّوب الأنصاريّ) فترك الأنصاريّ المدينة فدخلها بسر وصعد المنبر فقال : (يا أهل المدينة مثل السوء لكم قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان فكفرت بنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع ، شاهت الوجوه) ، ثمّ مازال يشتم حتّى نزل. (٢)

ومن النوادر الّتي حصلت لمعاوية أيّام حكمه نذكر منها : (بينما كان معاوية في مجلسه ، وأهل الشام حوله ، إذ أقبل عقيل بن أبي طالب فقال لهم معاوية : أتعرفون (أبا لهب) الّذي قال الله في حقه : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) من هو؟. فقال أهل الشام : لا.

فقال معاوية : (هو عم هذا) وأشار إلى عقيل.

فسمعه عقيل فقال في الحال : (أتعرفون امرأته الّتي قال الله فيها : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) من هي؟

فقالوا : لا. قال عقيل : (هي عمة هذا) (٣) وأشار بيده إلى معاوية.

ويحكى أيضا : أنّ رجلا من أهل الكوفة ذهب إلى دمشق أيّام معاوية وكان راكبا بعيره فأدّعى رجل من أهل دمشق وقال : (هذه ناقتي) وقد أخذت منيّ بصفّين فرفع الأمر إلى معاوية وقدّم الدمشقي خمسين

__________________

(١) الآبي ـ نثر الدرر. ج ٢ / ٢٠٦.

(٢) تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ١٩٧.

(٣) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٦ / ١٥٦.

١٥٧

شاهدا يشهدون بأنّ الناقة له فقضى معاوية على الكوفي وأمره بتسليم البعير إلى صاحبه.

فقال الكوفي : (أصلحك الله إنه جمل وليس (بناقة). فقال معاوية : هذا حكم قد مضى.

وبعد أن تفرّقوا أمر معاوية بإحضار الكوفي فسأله عن ثمن بعيره فأعطاه ضعف ثمنه وقال له : (أبلغ عليّا إنّي أقاتله بمائة ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل). (١)

ويقال : إنّ معاوية لما يئس من مرضه الّذي مات فيه قال : (٢)

فيا ليتني لم أعن في الملك ساعة

ولم أك في اللذّات أعشى النواظر

وكنت كذي طمرين عاش ببلغة

من الدهر حتّى زار أهل المقابر

مات معاوية بن أبي سفيان سنة (٥٩) ه (٣) للهجرة وعمره (٨٢) سنة وقيل مات سنة (٦٠) ه (٤) للهجرة وعمره (٧٧) سنة في أوّل شهر رجب وقيل مات سنة (٦١) ه (٥) وعمره (٨٠) سنة وكانت مدّة ولايته تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وعشرون يوما. (٦)

٢ ـ سعيد بن زيد بن عمرو

وهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن

__________________

(١) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٣٢.

(٢) المصدر السابق ج ٣ / ٥٠.

(٣) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٢٢٠.

(٤) اليعقوبي. ج ٢ / ٢١٣ وابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ٦٥ ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ٩٢.

(٥) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٣.

(٦) تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٢٢٦.

١٥٨

قرط بن رذاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشيّ العدويّ وكنيته : أبو الأعور. (١) ولّاه معاوية بن أبي سفيان إمارة الكوفة سنة (٤١) للهجرة. (٢) وسعيد بن زيد من المسلمين الأوائل فقد أسلم هو وزوجته (فاطمة بنت الخطاب) وذلك قبل دخول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم ، وقبل إسلام عمر بن الخطاب وهاجر مع زوجته وشهد المعارك كلّها مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) ، وعند ما آخى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين المهاجرين والأنصار في المدينة فقد آخى بين سعيد بن زيد وبين طلحة بن عبيد الله ، وقيل آخى بين سعيد وبين أبي بن كعب. (٤) وقيل بين سعيد وبين رافع بن مالك الزرقي. (٥) وقيل أنّه شهد حصار دمشق وفتحها فولّاه أبو عبيدة الجرّاح عليها وهو أوّل من عمل نيابة دمشق من هذه الأمّة. وله أحاديث قليلة ، فقد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٣ / / (الكمأة من المن الّذي أنزله الله على بني إسرائيل وماؤها شفاء للعين). (٦)

وكان سعيد بن زيد من الّذين بايعوا الإمام عليّ عليه‌السلام بالخلافة سنة (٣٦) ه بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفّان ، كما وبايعه جميع من كان بالمدينة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (٧)

وعند ما مات عمر بن الخطاب نزل في قبره عثمان بن عفّان وسعيد بن جبير وصهيب بن سنان وعبد الله بن عمر وقد بكى عليه سعيد بن زيد

__________________

(١) البراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٤١.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٢ / ١٢٥ والمزنيّ ـ تهذيب الكمال. ج ١٠ / ٤٤٩.

(٤) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٣ / ٢١٦.

(٥) المصدر السابق ج ٣ / ٢٩٢.

(٦) الذهبي ـ سيرة أعلام النبلاء. ج ١ / ١٢٥.

(٧) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٣ / ٣١ ، ٣٧٢.

١٥٩

بكاء مرّا ، وقال له قائل : (يا أبا الأعور ، ما يبكيك) فقال : (على الإسلام أبكي ، إنّ موت عمر ثلم الإسلام ثلمة لا ترتق إلى يوم القيامة). (١)

وكان عمر بن الخطاب قد تزوّج من (عاتكة) بنت زيد بن عمر (أخت سعيد) وذلك بعد زواجها الأوّل من عبد الله بن أبي بكر ، وكان عبد الله هذا يحبّها كثيرا ، وقد أعطاها أرضا على أن لا تتزوّج من بعده ، وعند ما تزوّجها عمر بن الخطاب أرسلت (عائشة) إلى (عاتكة) تقول (٢) : (أن ردّي علينا أرضنا).

ثم قالت عائشة : (٣)

آليت لا تنفكّ عيني قريرة

عليك ولا ينفكّ جلدي أصفرا

وكانت (عائشة) قد قالت عند ما مات أخوها عبد الله (٤)

آليت لا تنفكّ نفسي حزينة

عليك ولا ينفكّ جلدي أغبرا

وعن عبد الله بن ظالم أنّه قال لما بويع معاوية بن أبي سفيان بالخلافة أمر الخطباء أن يلعنوا عليّ بن أبي طالب على المنابر ، فقال سعيد بن زيد : (ألا ترون إلى هذا الرجل الظالم يأمر بلعن رجل من أهل الجنة) (٥).

وقيل عن زيد بن عمرو (أبو سعيد) كان يراقب الشمس فإذا زالت استقبل الكعبة فصلّى ركعة وسجد سجدتين. وأنشد الضحّاك بن عثمان الجذاميّ لزيد هذه الأبيات (٦) :

وأسلمت وجهي لمن أسلمت له

المزن تحمل عذبا زلالا

__________________

(١) ابن سعد ـ الطبقات. ج ٣ / ٣١ ، ٣٧٢.

(٢) المصدر السابق ج ٦ / ٢٦٥.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) نفس المصدر اعلاه.

(٥) ابن أبي الحديد ـ شرح نهج البلاغة. ج ١٣ / ٢٢٠.

(٦) الذهبي ـ سيرة أعلام النبلاء. ج ١ / ١٣١.

١٦٠