العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٢

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٢

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٤٥

بالسلطنة ، وخطب له بالديار المصرية ، وهو إذ ذاك بالكرك ، فى ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين، ثم أحضر إليها ، واستمر سلطانا إلى أن أظهر التخلى عن الملك ، لما تم عليه من كثرة الحجر من نائبه سلار ، وأستاداره بيبرس الجاشنكير ، حتى قيل إنه منع من خروف مشوى اشتهاه.

وكان تخليه عن الملك ، فى آخر سنة ثمان وسبعمائة ، بعد أن صار بالكرك ، وكان توجه إليها مظهرا لقصد الحج منها ، ولما عرف الأمراء بمصر بإعراضه ، تسلطن عوضه بيبرس الجاشنكير ، وتلقب بالمظفر ، وناب له سلار ، واستوسق (٣) له الأمر ، وأقام الناصر إلى أثناء سنة تسع وسبعمائة ، ثم توجه منها إلى دمشق ، راجيا للملك ، وحرك عزمه على ذلك ، جماعة من المماليك هربوا إليه من مصر ، وراسل الناصر الأفرم نائب دمشق ؛ ليكون معه فتوقف. وقال ما معناه : كيف يكون هذا وقد أمرنا بالطاعة لغيره ـ يعنى المظفر ـ لأن الناصر كان كتب من الكرك لما تخلى عن الملك إلى نواب البلاد ، يأمرهم بالطاعة لمن يتسلطن عوضه ، ثم إن الأفرم خذل وفرّ إلى الشقيف ؛ ووصل إلى الناصر ، قراسنقر المنصورى وغيره من نواب البلاد الشامية ، وسار بمن انضم إليه إلى الديار المصرية ، فوصلها سالما ، وجلس على سرير الملك بها ، فى يوم عيد الفطر من سنة تسع وسبعمائة ، وكان المظفر بيبرس قد توجّه من مصر لقصد الناصر ؛ فبان عن المظفر جماعة من أمرائه ، وقصدوا الناصر ، فخذل المظفر.

ورجع إلى مصر ، بعد أن تفرق عنه عسكره ، ثم أرسل إلى الناصر يطلب منه الأمان ، وأن ينعم عليه بمكان يأوى إليه فى غلمانه ، فأجابه إلى ذلك ، وعين له مكانا ، ثم تغير عن ذلك الناصر بعد قليل ، واستدعى المظفر إليه فقتله ، وأباد الناصر جماعة من أعدائه. وقيل : إنه قبض ـ لما عاد إلى مصر ـ على السماط اثنين وثلاثين أميرا ، وتمهد له الأمر حتى مات ، وهادته الملوك ، وفعل أفعالا جميلة.

منها : جامع أنشأه على شاطئ النيل بمصر ، يعرف الآن بالجامع الجديد ، ومدرسة بالقاهرة ، بين القصرين ، وتعرف بالناصرية ، وقرّر بها دروسا فى المذاهب الأربعة ، والقراءات ، والتفسير ، والعربية ، وطلبة وتصادير وغير ذلك ، وخانقاه للصوفية بسرياقوس ، وغير ذلك ، وحج ثلاث مرات ، الأولى : فى سنة اثنتى عشرة ، والثانية : فى سنة تسع عشرة ، والثالثة : فى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة ، وجهزّ إلى مكة العساكر غير مرة ، لتمهيد أمرها ، ولتأييد من يوليه إمرتها من أولاد أبى نمىّ ، واتفق له من نفوذ

__________________

(٣) وسقه : جمعه وحمله. أى : اجتمع له أمور الحكم. انظر القاموس المحيط (مادة : وسق).

٣٤١

الأمر بمكة والحجاز ، ما لم يتفق لأحد من مملوك الترك بمصر ، وأنجد الملك المجاهد صاحب اليمن بعسكر ، أيام حرب المجاهد ، والظاهر بن المنصور أيوب بن المظفر.

ومن محاسنه : أنه كان معظما لمنصب الشرع ، وقد صحّ لى عن قاضى القضاة عز الدين بن جماعة أنه قال : كان الملك الناصر ـ يعنى المذكور ـ يدعونى فى دار العدل بحضرة الأمراء ، ويذكر لى سرا ما ليس فى السرّية كبير فائدة ، وظهر لى أن الذى يحمله على ذلك ، تعظيم منصب الشرع عند الحاضرين.

ومما اتفق له ولم يتفق لملك من بعده ، أنه أجاز الصفى الحلى على قصيدة مدحه بها بمائة ألف درهم ، وعدد أبياتها مائة بيت.

وولى السلطنة من أولاده لصلبه ثمانية ، وهم : المنصور أبو بكر ، ثم الأشرف كجك ، ثم الناصر أحمد صاحب الكرك ، ثم الصالح إسماعيل ، ثم الكامل شعبان ، ثم المظفر حاجى ، ثم الناصر حسن ، ثم الصالح صالح ، ولم يتفق ذلك لملك سواه ولا لخليفة. وأكثر ما يعرف فى ذلك أربعة لرجل واحد ، وهم : الوليد ، وسليمان ، ويزيد وهشام ، أولاد عبد الملك بن مروان ، وثلاثة ، وهم : الأمين ، والمأمون ، والمعتصم ، أولاد الرشيد العباسى ، والراضى ، والمتقى ، والمطيع ، بنو المقتدر.

ويقال : إن جيش مصر ، كان فى أيام الناصر المذكور ، أربعة وعشرون ألف مقاتل. ولم يتفق ذلك بعده. وسببه : أن الناصر كان يرى تكثير المقاتلة ، فلا يعطى كلا منهم إلا قدر كفايته أو أزيد بقليل ، ولم ير ذلك الولاة بعده ، وأعطوا لكل من يحبونه أضعاف ما كان يعطيه الناصر.

ووجدت بخط الحافظ شهاب الدين أحمد بن أيبك الدمياطى فى وفياته ، ترجمة للملك الناصر هذا ، ذكر فيها من حاله قليلا مما ذكرناه ، ثم قال : وكان من المعرفة لسياسة الملك على أمر عظيم ، لا يكاد أحد يعرف ما فى باطنه. وكان كثير التحيل ، يقرب من يقرب ممن يختاره من مماليكه إلى منزلة لم يبلغها أحد ، ثم يسلبه تلك النعمة فى ساعة واحدة ، ويهلكه غير محتفل به. انتهى.

وقال ابن شاكر فى ترجمته : وكان راتبه من اللحم لمطبخه ولمماليكه وغيرهم : ستة وثلاثين ألف رطل مصرى ، وبالغ فى شراء الخيل ، حتى اشترى بيت الكرمدى بمائتى ألف. وبالغ فى شراء المماليك ، حتى اشترى بخمسة وثلاثين ألف درهم. انتهى. يعنى : الواحد من المماليك.

٣٤٢

توفى فى ليلة الخميس حادى عشرى ذى الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، بقلعة الجبل ، وحمل فى محفة ليلة الجمعة ثانى عشرى الحجة ، إلى المدرسة المنصورية بالقاهرة فغسل بها ، وصلى عليه ، ودفن عند أبيه.

وذكر ابن شاكر الكتبى فى تاريخه : أنه توفى تاسع عشر الحجة.

وذكر الشريف الحسينى ، أنه توفى فى يوم الأربعاء العشرين من ذى الحجة ، والأول أصوب إن شاء الله ، لأن ابن أيبك الدمياطى ، ذكره فى وفياته ، وهو بذلك أعرف. وله من العمر ثمان وخمسون سنة ، تنقص نحو عشرين يوما.

٣٧٣ ـ محمد بن قيس بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار :

ذكره ـ هكذا ـ الذهبى فى التجريد. وقال : من مهاجرة الحبشة ، أورده (س) (١).

٣٧٤ ـ محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف المطلبى المكى :

أرسل عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وروى عن أبى هريرة وعائشة.

وروى عنه : ابنه حكيم ، وعبد الله بن كثير ، وعمر بن محيصن.

وثقه أبو داود ، وروى له فى المراسيل.

وروى له الترمذى ، والنسائى ، ومسلم ، ولم يصرح المزى فى التهذيب بأنه مكى ، إنما قال : حجازى. نعم قال الذهبى فى مختصر التهذيب : إنه مكى.

٣٧٥ ـ محمد بن قيس المكى :

روى عن عمرو بن قيس السلوى. روى عنه : هشام بن حسان. ذكره ـ هكذا ـ ابن حبان فى الطبقة الثالثة من الثقات.

__________________

٣٧٣ ـ انظر ترجمته فى : (الإصابة ٦ / ٣٠ ، التجريد ٢ / ٦٦).

(١) المصنف ينقل بالنص ، والرمز (س) أوضح الذهبى فى مقدمة التجريد أنه يعنى : أبو موسى المدينى.

٣٧٤ ـ انظر ترجمته فى : (سير أعلام النبلاء ٢ / ٦٠٠ ، ٦١٦ ، تهذيب الكمال ٢٦ / ٣١٧ ، تاريخ الدورى ٢ / ٥٣٥ ، تاريخ خليفة ٣٢٣ ، تاريخ البخارى الكبير الترجمة ٦٦٥ ، المعرفة ليعقوب ٣ / ٧٥ ، الجرح والتعديل الترجمة ٢٨٠ ، ثقات ابن حبان ٥ / ٣٦٩ ، رجال صحيح مسلم ١٦١ ، الجمع لابن القيسرانى ٢ / ٤٧٦ ، الكاشف الترجمة ٥٢٠٣ ، تجريد أسماء الصحابة الترجمة ٦٦٨ ، تاريخ الإسلام ٤ / ٣٠١ ، ميزان الاعتدال الترجمة ٨٠٩٣ ، جامع التحصيل الترجمة ٧٠٥ ، نهاية السول ٣٤٨ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٤١٢ ، التقريب ٢ / ٢٠٢ ، خلاصة الخزرجى الترجمة ١٦٦٠٥).

٣٤٣

٣٧٦ ـ محمد بن كثير :

المقرئ بالحرم الشريف. هكذا وجدته بخط ابن عبد الحميد ، فى عدة طباق ، على جماعة سمع عليهم ، منهم : عز الدين الفاروثى بمكة ، فى حدود سنة تسعين وستمائة.

٣٧٧ ـ محمد بن كحل العزى ، المكى ، يلقب بالجمال :

كان أبوه من موالى السيد عز الدين حميضة بن أبى نمى ، صاحب مكة. ولذلك قيل له : العزى ، ونشأ ملائما لجماعة من أعيان الأشراف وغيرهم ، وظهرت منه خصال جميلة ، واشتهر ذكره ، وصار مقبول الشهادة عند الحكام ، وغيرهم. ورزق جانبا من الدنيا وعدة أولاد ، وكان زيدى المذهب ، وينسب إليه الغلو فيه ، مع قوة فى الرمى بالنشاب ، وكان طويل الشكالة ، غليط الجسم ، شديد السمرة.

توفى فى المحرم سنة عشرين وثمانمائة. وقد جاوز الثمانين بسنة أو بسنتين. وكان على ذهنه فوائد من أخبار بنى حسن ولاة مكة وغيرهم.

٣٧٨ ـ محمد بن كمال بن على بن أبى بكر ، الهندى الدهلوى ، شمس الدين الحنفى :

هكذا وجدته منسوبا بخط شيخنا ابن سكر. ووجدت بخطه أيضا : أنه سمع على شيختنا أم الحسن فاطمة بنت الحرازى. وكان أحد الطلبة بدرس يلبغا.

وكان يؤم بمقام الحنفية نيابة عن إمامه ، شبخنا الشيخ شمس الدين محمد بن محمود بن محمود الخوارزمى ، المعروف بالمعيد ، ولازمة مدة ، وأخذ عنه علم العربية وغيرها.

وكان جاور بمكة سنين كثيرة متأهلا بها ، حتى توفى فى طاعون كان سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة. وكانت وفاته قبل شهر رجب.

* * *

من اسمه محمد بن محمد بن أحمد

٣٧٩ ـ محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم أبى بن بكر الطبرى ، أبو عبد الله بن الشيخ أبى اليمن :

سمع من أبيه وعمه وشيخنا ابن صديق وغيرهم من شيوخنا.

__________________

٣٧٧ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٨ / ٢٩٤ ، وفيه : «محمد بن كجك»).

٣٧٨ ـ على هامش نسخة ابن فهد : «محمد بن كمال بن على بن أبى بكر بن حسن بن يعقوب بن شهاب بن عمر بن عبد الرحمن.

٣٧٩ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٩ / ٢).

٣٤٤

وناب فى الإمامة عن أبيه حينا ، واخترمته المنية ، وهو فى عشر الثلاثين. وكانت وفاته فى جمادى الأولى من سنة سبع وثمانمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة. وهو سبط الفقيه جمال الدين بن البرهان الطبرى ، المقدم ذكره.

٣٨٠ ـ محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبى بكر بن محمد بن إبراهيم بن أبى بكر الطبرى ، المكى ، الإمام رضى الدين أبو السعادات بن الإمام محب الدين أبى البركات الشافعى :

إمام مقام الخليل عليه‌السلام بالمسجد الحرام. ولد فى سنة سبعين وسبعمائة فى هلال ذى الحجة ، أو قبل ذلك بمكة.

وسمع بها على الجمال محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد المعطى شيئا من الثقفيات.

وسمع من الجمال محمد بن عمر بن حبيب الحلبى ـ فيما بلغنى ـ شيئا من سنن ابن ماجة ، وعنى بحفظ القرآن والفقه.

وناب عن أبيه فى الإمامة فى مدة سنين ، ثم نزل أبوه عن الإمامة له قبيل وفاته. فشاركه فيها عمه الشيخ أبو اليمن محمد بن أحمد الطبرى ، السابق ذكره ، مدة سنين ، وشاركه فيها بعد أبى اليمن ، ابنا عمه أبى اليمن ، الإمامان : أبو الخير ، وعبد الهادى.

وكان يصلى وقتا ، وعمه وأولاده وقتا. ونزل قبل وفاته بثلاثة أيام أو أكثر ، عما بيده من الإمامة لابنه محب الدين محمد ، وهو فى مبدأ سن الشبوبية. وفقه الله.

ولم يعش له ولد ذكر كما عاش ابنه محب الدين هذا. ولعله ما رزق ذكرا سواه ، ورزق عدة بنات ، زوج منهن ثلاثا ، ومات بعضهن قبل ذلك.

وكان يتخيل من الناس كثيرا ، ولا يأكل من طعام بعض بناته تخيلا.

وكان أبوه قد أوصى لبعضهن بثلث ماله ، فعاد ذلك عليه بنفع. وكان بيد أبيه عدة منازل بمكة ومنى. وقل احتيال ولده المذكور بعمارة ما صار إليه من ذلك ، فخربت وقل نفعه بها ، فتعب لذلك.

توفى ليلة الأحد سلخ جمادى الأولى ـ والظاهر أنها ليلة مستهلّ جمادى الآخرة ـ سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة بمكة. وصلى عليه عقيب صلاة الصبح فى الساباط المتصل بقبة المقام ، ودفن بالمعلاة. وكان الجمع وافرا وقت تشييعه ودفنه.

__________________

٣٨٠ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٩ / ٢).

٣٤٥

وكان قد انقطع بمنزله قبل موته بشهرين أو أكثر ، لما عرض له من الضعف بعسر الإراقة ، ثم تعلل بغير ذلك ، ورام تقديم ابنه فى الإمامة فى مدة انقطاعه ، فما تم له قصد.

وكان أبى تزوج بأمه ، وقام بكثير من مصالح المذكور.

وأمه هى أم الحسن فاطمة بنت الشيخ أبى العباس أحمد بن محمد بن عبد المعطى ، الآتى ذكره. وعاشت بعده وعظمت عليها البلية بوفاته ، فإن أخته شقيقته أم الحسين ماتت قبله ، ثم تلتها أخته لأمه ، أم هانئ ، وهى أختى لأبى ، رحمهم‌الله أجمعين.

٣٨١ ـ محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يعقوب بن أبى بكر الطبرى المكى ، أبو المكارم بن الفقيه جمال الدين ، المعروف بابن البرهان الطبرى :

سمع بمكة من الحجى ، والزين الطبرى وعبد الوهاب الواسطى وغيرهم ، وبالقاهرة من فتح الدين القلانسى ، والقاضى عز الدين بن جماعة ، فى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ، وما عرفت متى مات ، إلا أنه كان حيا فى سنة ثمان وخمسين وسبعمائة.

٣٨٢ ـ محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يعقوب الطبرى أبو المحاسن ابن البرهان المكى، أخوه :

سمع بمكة من الحجى ، والزين الطبرى ، وعبد الوهاب الواسطى : بعض الترمذى. وبالقاهرة من : القلانسى ، وابن جماعة فى التاريخ السابق. وما علمته حدث ، وله اشتغال فى العلم.

وتوفى سنة ست وثمانين وسبعمائة بمكة. ودفن بالمعلاة.

٣٨٣ ـ محمد بن محمد بن أحمد بن الحسن بن عتبة بن إبراهيم بن أبى خداش ابن عبد المطلب بن هاشم القرشى الهاشمى ، إمام المسجد الحرام :

هكذا نسبه ابن المقرى ، وفى هذا النسب نظر ، لأن فيه سقطا وتخبيطا ، وصوابه : محمد بن محمد بن أحمد بن الحسن بن عتبة بن إبراهيم بن أبى خداش بن عتبة بن أبى لهب ، واسمه : عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم. كما ذكر صاحب الجمهرة أبو محمد بن حزم الحافظ النسابة ، كما نسب أباه محمد بن أحمد ، المقدم ذكره.

__________________

٣٨٢ ـ انظر ترجمته فى : (جمهرة الأنساب ٦٧).

٣٤٦

وقد حدث هذا ، عن بحر بن نصر بن سابق الخولانى.

٣٨٤ ـ محمد بن محمد بن أحمد بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة ، يكنى أبا السعود بن أبى الفضل بن القاضى شهاب الدين ، المعروف بابن ظهيرة :

سمع بمكة من شيخنا ابن صديق وغيره من شيوخنا ، وسمع بالقاهرة بقراءتى على شيختنا مريم بنت الأذرعى ، وحفظ كتبا علمية ، وحضر دروس شيخنا القاضى جمال الدين بن ظهيرة، ثم اخترمته المنية ، وهو ابن عشرين سنة أو نحوها فى سنة اثنتين وثمانمائة بمكة.

٣٨٥ ـ محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبى بكر بن محمد بن إبراهيم ، قاضى مكة ومفتيها ، نجم الدين أبو حامد بن القاضى جمال الدين ابن الشيخ محب الدين الطبرى المكى الشافعى :

ولد فى شوال سنة ثمان وخمسين وستمائة ، كما وجدت بخط جدّى أبى عبد الله الفاسى ، وقيل فى سنة تسع وخمسين.

وأجاز له فى استدعاء مؤرخ بهذه السنة : نجم الدين سليمان بن خليل ، والحافظ ابن مسدى ، والكمال محمد بن عمر بن خليل ، وأبو عبد الله بن الخادم ، والتاج بن عساكر ، وجماعة ، منهم : عم جدّه يعقوب بن أبى بكر الطبرى ، وسمع عليه جامع الترمذى ، وأبو اليمن بن عساكر ، وسمع عليه صحيح مسلم بفوت وغير ذلك ، وعلى العز أحمد بن إبراهيم الفاروثى ، خطيب دمشق ، مسند الشافعى ، وفضائل القرآن لأبى عبيد ، وجزء البانياسى ، والحاوى فى الفقه عن مؤلفه الإمام عبد الغفار بن عبد الكريم ابن عبد الغفار القزوينى ، وبحثه عليه.

وسمع على جدّه المحب سنن أبى داود ، وتفقه عليه ، ودرس وأفتى مدة ، وولى قضاء مكة بعد أبيه مدة ، تزيد على خمسة وثلاثين عاما حتى مات ، وحدث.

وسمع منه جماعة ، منهم : البرزالى ، وذكره فى معجمه وقال : كان شيخا فاضلا ، فقيها مشهورا بمعرفة الفقه ، يقصد بالفتوى من بلاد اليمن والحجاز.

وحكى عن العفيف المطرى أنه قال : كان صدوقا معظما كبيرا ، رأسا فى الفقهاء الشافعية ، مع النظر الفائق ، والشعر الرائق ، ولم يخلق بعده فى الحرمين مثله. وذكر أنه

__________________

٣٨٤ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٩ / ٥).

٣٤٧

توفى فى ضحوة يوم الجمعة ثانى جمادى الآخرة سنة ثلاثين وسبعمائة ، ودفن بالمعلاة بعد العصر، وقد رثاه جماعة من أهل مكة بقصائد ، نذكر شيئا منها فى تراجمهم ، ويقال : إن الجن بكته ، ومدحه غير واحد ، منهم : النجم الطوفى العالم المشهور ، بثلاثة أبيات لها موجب ، وهو أنه حضر بالمدينة النبوية ، عند قاضيها عمر بن أحمد بن الخضر الأنصارى الشافعى المعروف بالسراج فى درسه ، فتكلم معه فى العلم ، فلم ينصفه السراج ، ثم قدم النجم الطوفى إلى مكة عند قاضيها نجم الدين الطبرى ، وتكلم معه فى العلم فأنصفه وأكرمه ، فقال فى الرجلين :

سراج بالمدينة ثم نجم

بمكة أصبحا متناقضين

فهذا ما علمت له بزين

وهذا ما علمت له بشين

فأطفأه المهيمن من سراج

وأبقى النجم نور المشرقين

أخبرنى بذلك بعض مشايخنا عن العفيف المطرى. وقد أخبرنى شيخنا العلامة القاضى جمال الدين بن ظهيرة ، أن الشيخ عفيف الدين عبد الله بن الزين الطبرى ، أخبره أن القاضى نجم الدين كان جالسا فى جمع حفل ، فقام رجل من المجلس فأنشد :

يا أيها الجمع المنظم شمله

بشيوخه وكهوله وشبابه

هل فيكم من منتم إلا له

أو فيكم متجمل إلا به

ومن محفوظات القاضى نجم الدين : المحرر للرافعى.

وبلغنى : أنه دخل إلى اليمن ، مع جدّه الشيخ محب الدين الطبرى ، وأن الملك المظفر أو غيره من الأعيان ، التمس من الشيخ محب الدين نسخة من المحرر فقال : ليس معى منه نسخة ، وإنما ابنى هذا ـ يعنى القاضى نجم الدين يحفظه ، وهو يمليه عليكم ، فأملاه عليهم القاضى نجم الدين ، ثم عارضوا ما أملاه عليهم على نسخة ظفروا بها ، فلم يجدوا خلافا إلا بالعطف بالواو والفاء ، فى مسائل قليلة.

هذا ما بلغنى فى هذه الحكاية بالمعنى.

ورأيت جوابا للقاضى نجم الدين الطبرى ، على فتيا يحسن ذكرها لما فيه من الفائدة بالنسبة إلى أهل مكة. ونص السؤال بعد البسملة : ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين ، وعلماء المسلمين ، فسح الله فى مدتهم ، ونفع ببركتهم : فى رجل باع من رجل مبيعا بدراهم مسعودية ، فى نخلة ، ونقدها يخالف نقد مكة المشرفة ، هل يلزمه نقد نخلة أو نقد مكة ، ولو أنه شرط له حالة البيع ، نقد مكة وجوازها ، فبطلت تلك السكة الأولى ، وظهرت سكة أخرى. هل يلزمه القديمة أم الجديدة؟.

٣٤٨

فلو أنه شرط له جواز مكة ، الذى سيظهر بعد ، على ما جرت به عادة مكة ، هل يصح ذلك؟. ويلزمه من السكة الجديدة أم لا يصح؟.

ولو أن المديون أشهد على نفسه فى ظاهر الأمر ، بما يلزمه جميع ما يدعيه خصمه ، والأمر فى الباطن على خلاف ذلك ، هل يحل له أخذ ذلك ، بناء على إقرار خصمه فيما بينه وبين الله عزوجل ، أم هو حرام عليه؟.

وإذا كان الشهود عالمين بباطن الحال ، وأشهدهم المديون بما يعضد خصمه ، مع علمهم بأن الأمر على خلاف ما أشهدهم به ، هل تجوز لهم الشهادة أم لا؟.

أفتونا مأجورين مثابين إن شاء الله ، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.

ونص الجواب :

الجواب ـ والله الموفق ـ : أنهما إذا تبايعا فى نخلة ، ولم يعينا نقد مكة ، لزم نقد نخلة ، وإن عيناه فحدثت سكة غير التى كانت حالة البيع ، فلا تلزم إلا السكة التى كانت حالة البيع ، ولو شرطا السكة التى ستحدث ، كعادة مكة ، لم يصح ذلك ، وكان البيع باطلا ، ولو أشهد المديون على نفسه بما يلزمه فى ظاهر الشرع مطلوب خصمه ، ولا مستند له فى الباطن ؛ فلا يحل لخصمه إلا ما كان حلالا له قبل إشهاده ، ومتى أخذ منه غير ذلك ، كان حراما عليه، ومتى علم الشهود خلاف ما أشهدهم المشهد ، حرمت عليهم الشهادة. والله سبحانه أعلم.

وكتب محمد بن محمد الطبرى ، حامدا مصليا مسلما. انتهى.

وقد كتب بموافقته على الجواب : الرضى إبراهيم بن محمد الطبرى إمام المقام ، والشيخ شهاب الدين أحمد بن قاسم الحرازى ، والفقيه على بن إبراهيم بن محمد بن حسين البجلى ، وأخوه عمر بن إبراهيم بن محمد بن حسين البجلى ، والفقيه على بن محمد الحكمى ، رحمهم‌الله تعالى.

ومن شعر القاضى نجم الدين الطبرى ، ما أنشدناه القاضى شهاب الدين أحمد بن ظهيرة ، أجاز عنه إجازة :

أشبيهة البدر التمام إذا انتهى

حسنا وليس البدر من أشباهك

مأسور حسنك إن يكن مستشفعا

فإليك فى الحسن البديع بجاهك

٣٤٩

أشفى أسى أعيى الأساة دواؤه

وشفاه يحصل بارتشاف شفاهك

فصليه واغتنمى بقاء حياته

لا تقتليه جوى بحق إلهك

ومن شعره ما رويناه عنه بهذا الإسناد ، فى مدح الشريف أبى نمى محمد بن أبى سعد الحسنى ، صاحب مكة ، وكتب ذلك عنه ، القاضى عز الدين بن جماعة ، قال :

أمفرقا جمع الخزائن إذ غدا

كرما لمفترق المحامد يجمع

أنا من ولاه لبيتكم طبع وما

ذو الطبع فى حال كمن يتطبع

أعددت حبكم وسيلتى التى

ما راح يفزع من إليها يفزع

وحلت حلاك لمنطقى فنظمتها

دررا بها تاج الفخار مرصع

فإذا دفعت إلى الخطوب رجوتها

بالله ثم بحد عزمك تدفع

وإذا رأيت غمام خطب مطبقا

بى من سواك رجوته بك يقشع

فإذا أتانى الضيم منك وأصبحت

من فيض جودك غلتى لا تنقع

فبمن ألوذ وأين مثلك آخر

فى القوم يستسقى حياه فيهمع

أنا من أطال لك المديح وما له

فى كسب شىء غير ودك مطمع

وفرت مالك وهو غير موفر

ووقفت عنه وفيه كل يكرع

وحميت نفسى ورده مع أننى

ظام إليه وهو طام مترع

كيلا يقال مودة موصولة

بحقير دنيا حيث يقطع تقطع

فأقل ما لى لا عدمتك أننى

أحمى المضرة حيث لا أنا أنفع

أأكون ممن لا يزال بجهده

يرعاك وهو بما يشاء يروع

حاشا لمثلك أن يضيع حافظا

ما زال فيك ثناؤه يتضوع

ولئن فعلت ولا أراك وحق ما

لا كان منك بحالة يتوقع

فلتخبرن بما يقال إذا غدت

مدحى تشنف من حواه المجمع

ولتسمعن وقيت كل رذيلة

ما قد يسرك أنه لا يسمع

ممن إذا أنشدت مدحك قال لى

أين الصنيع ومثل ذا بك يصنع

ما بعد مدحك واعتقادك فيهم

فإذا خفضت فمن لديهم يرفع

أما فمى فوحق جدك لا يرى

أبدا لغير مديحكم يتطلع

يا ماجدا لا منع يوجد عنده

أبدا وليس لديه جود يمنع

أيليق أن تثنى العنان مخيبا

فى القصد من قدام بابك يقرع

وكان أكبر أولاد الملك الكامل ، وملك الملك المسعود مكة ـ شرفها الله تعالى ـ وبلاد الحجاز مضافة إلى اليمن ، واتسعت المملكة للملك الكامل.

٣٥٠

ولقد حكى من حضر الخطبة يوم الجمعة بمكة ، لما وصل الخطيب الدعاء للملك الكامل ، قال : صاحب مكة وعبيدها ، واليمن وزبيدها ، ومصر وصعيدها ، والشام وصناديدها ، والجزيرة ووليدها ، سلطان القبلتين ، ورب العلامتين ، وخادم الحرمين الشريفين ، أبو المعالى محمد الملك الكامل ناصر الدين ، خليل أمير المؤمنين. انتهى من تاريخ ابن خلكان.

وكان من خبر الملك الكامل فيما يتعلق بملكه لمكة ، أنها لم تزل فى ولايته ، من حين مات ابنه الملك المسعود صاحب اليمن ومكة بها ، فى سنة ست وعشرين إلى سنة تسع وعشرين.

فلما كان فى هذه السنة ، نازعه فيها الملك المنصور نور الدين عمر بن على بن رسول صاحب اليمن ، وكان بعد أن دعا لنفسه بالسلطنة ببلاد اليمن وكان قبل ذلك يظهر أنه نائب للملك الكامل باليمن ؛ لأن الملك المسعود بن الملك الكامل ، كان استناب الملك المنصور هذا ، على بلاد اليمن ، لما توجه منها لقصد دمشق ، حين سمع بموت عمه الملك المعظم. فمات الملك المسعود بمكة. وبقى الملك المنصور باليمن ، يظهر الطاعة للكامل ، إلى أن تمكن من إظهار الدعوة لنفسه ببلاد اليمن ، كما يأتى فى ترجمته.

فعند ذلك بعث إلى مكة فى سنة تسع وعشرين ، أميرا يقال له : ابن عبدان مع الشريف راجح بن قتادة. وبعث معهما خزانة كبيرة ، فنزلوا الأبطح ، وحصروا الأمير الذى بمكة ، من جهة الملك الكامل. وكان يقال له : الطغتكين ، وأرسل الشريف راجح ابن قتادة إلى من مع طغتكين. وذكرهم إحسان نور الدين إليهم ، أيام ولايته على مكة ، نيابة عن الملك المسعود ، فمال إليهم رؤساؤهم.

فلما أحس بذلك طغتكين ، هرب إلى ينبع ، وعرف الكامل الخبر ، فجهز جيشا كثيفا من مصر ، وأمر الشريف أبا سعد ، صاحب ينبع ، والأمير شيحة أمير المدينة ، أن يكونا مع عسكره ، ففعلا.

فلما وصل العسكر إلى مكة ، قابلوا راجح بن عبدان ، فقتل ابن عبدان ، وانكسر أهل مكة ، واستولى عليها طغتكين ، وأظهر حقده فى أهلها.

فلما كانت سنة اثنتين وثلاثين ، أرسل السلطان نور الدين بخزانة كبيرة إلى راجح ، على يد ابن النصيرى ، وأمره باستخدام الجند ، ليمنعوا العسكر المصرى الواصل إلى مكة

٣٥١

من دخولها ، فوصل ابن النصيرى إلى راجح ، فى وقت لم يمكنه فيه استخدام من يقوى على مقاومة العسكر المصرى ، وكان العسكر المصرى خمسمائة فارس ، فيه خمسة من الأمراء ، مقدمهم الأمير جفريل ، ففر راجح وابن النصيرى إلى اليمن.

فلما كانت سنة ثلاث وثلاثين ، أرسل السلطان نور الدين عسكرا مقدمهم الشهاب ابن عبدان ، ومعه خزانة إلى راجح ، ليستخدم بها عسكرا ، ففعل. فلما صاروا قريبا من مكة ، خرج إليهم العسكر المصرى ، فالتقوا بمكان يقال له : الخريفين بين مكة والسرين (١) فانهزمت الأعراب ، وأسر ابن عبدان ، وبعث به جفريل إلى الديار المصرية مقيدا.

فلما كانت سنة خمس وثلاثين ، توجه السلطان نور الدين إلى مكة فى ألف فارس ، وأطلق لكل جندى يصل وإليه من أهل مصر المقيمين بمكة ، ألف دينار وحصانا وكسوة ، فمال إليه كثير من الجند ، وأرسل إلى راجح بن قتادة ، فواجهه فى أثناء الطريق ، وحمل إلى راجح النقارات والكسوات ، واستخدم عنه.

٣٨٦ ـ محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد المعطى الأنصارى الخزرجى المكى ، يلقب قطب الدين ، ويعرف بابن الصفى :

سمع بمكة من أبيه ، وأحمد بن سالم ، والكمال بن حبيب الحلبى وغيرهم.

وحفظ «الحاوى» فى الفقه ، واشتغل بالعلم بمكة ، على الشيخ عبد الله الكردى فى الحاوى ، وبالقاهرة على شيخنا العلامة سراج الدين ابن الملقن.

وبلغنى أنه أجاز بالتدريس ، ولم يزل بالقاهرة حتى توفى بها ، فى أول سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ، شهيدا مطعونا ، سامحه الله.

٣٨٧ ـ محمد بن محمد بن أحمد بن على بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن أحمد بن ميمون بن راشد القسطلانى القيسى ، أمين الدين أبو المعالى بن الشيخ قطب الدين بن الشيخ أبى العباس القسطلانى المكى الشافعى :

سئل عن مولده ، فذكر أنه فى سلخ جمادى الآخرة ، سنة خمس وثلاثين سبعمائة

__________________

(١) سرّين : بلفظ تثنية السر الذى هو الكتمان مجرورا أو منصوبا : بليد قريب من مكة على ساحل البحر ، بينها وبين مكة أربعة أيام أو خمسة قرب جدّة. انظر : معجم البلدان (سرين).

٣٨٦ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٩ / ٦).

٣٥٢

وستمائة ، بدار العجلة بمكة ، وقد عنى به أبوه ، واستجاز له من جماعة من شيوخه بمكة ، والشام ، ومصر ، وبغداد ، وأسمعه الكثير على جماعة.

وقد تفرد بإجازة جدّه لأبيه أبى العباس القسطلانى ، وحدث بها عنه ، وجده لأمه الإمام تقى الدين عمر بن محمد القسطلانى إمام المالكية ، وسمع على ابن أبى حرمى ، صحيح البخارى وغير ذلك ، وعلى شعيب بن يحيى الزعفرانى [.......](١) وعلى ابن بنت الجميزى : الثقفيات ومشيخته ، والأربعين له ، تخريج الرشيد العطار ، وغير ذلك ، وعلى ابن أبى الفضل المرسى : الموطأ ، رواية يحيى بن يحيى ، وصحيح ابن حبان ، وعلى أبى محمد بن عبد الله بن لب الشاطبى : الموطأ. وحدث.

سمع منه الأعيان ، منهم : النجم أبو بكر بن عبد الحميد ، ومات قبله بأزيد من عشرة أعوام ، والحافظان : قطب الدين الحلبى ، وعلم الدين البرزالى ، وذكره فى معجمه وترجمه : بالإمام العالم الفقيه ، وقال : كان شيخا جليلا كبير القدر ، فقيها فاضلا ، شيخ الحديث بالحرم بمكة ، والمدرسة المظفرية.

وذكر أنه توفى ليلة الأربعاء ، مستهل المحرم ، سنة أربع وسبعمائة ودفن بالمعلاة.

٣٨٨ ـ محمد بن محمد بن أحمد بن الأنصارى ، المصرى الأصل ، المكى المولد والدار ، المعروف والده بابن جن البير :

ورث عن أبيه بعض دنيا وأذهبها ، ثم توفى غريقا فى البحر المالح ببلاد اليمن ، فى سنة عشر وثمانمائة ، سامحه الله تعالى.

وأخبرنى بعض الناس أنه رآه فى المنام ، فسأله عن حاله ، فذكر عفو الله عنه ، وسأله عن سبب ذلك ، فقال : بالجوع. انتهى بالمعنى وكان ابتلى بفاقة شديدة ، وكان يجوع لأجلها. من أصحابه ثلاثمائة فارس ، وسار راجح مسايرا للسلطان على الساحل ، ثم تقدم إلى مكة. فلما تحقق جفريل وصول الملك المنصور ، أحرق ما كان معه من الأثقال ، وتقدم إلى الديار المصرية ، فلما كان بالمدينة النبوية ، بلغه الخبر بوفاة الملك الكامل. وكانت بعد العصر يوم الأربعاء ثانى عشرى شهر رجب ، سنة خمس وسبعمائة وستمائة بدمشق. وأخفوا موته إلى يوم الجمعة وقت الصلاة ، ثم أعلنوا ذلك ، حتى ترحموا عليه على السدة بين المنبر بالجامع بدمشق ، ودعا بها لولده الملك العادل ، صاحب الديار المصرية.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

٣٨٨ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٩ / ٢٧).

٣٥٣

وفى أخبار الملك الكامل كثرة كثيرة ، وفيما ذكرنا منها كفاية ؛ إذ القصد الاختصار ، وسيأتى ذكر ولده الملك المسعود فى حرف الياء.

٣٨٩ ـ محمد بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الدمشقى ، المعروف بابن الشماع :

سكن مكة مع أبيه القاضى أمين الدين بن الشماع مدّة سنين ، ثم بعد موته ، سكن اليمن بزبيد مدة سنين.

وكان يتردد إلى مكة ، وأدركه بها الأجل ، فى أحد الربيعين من سنة ثلاث عشرة وثمانمائة ، ودفن بالمعلاة.

٣٩٠ ـ محمد بن أبى بكر محمد بن أيوب بن شاذى بن مروان الملك الكامل ، ناصر الدين أبو المعالى بن الملك العادل سيف الدين أبو بكر صاحب الديار المصرية والشامية [......](١) ومكة المشرفة :

ذكر ابن خلكان : أن والده الملك العادل ، لما تمهدت له البلاد ، قسمها بين أولاده ، فأعطى أولاده ، فأعطى الملك الكامل الديار المصرية والملك المعظم عيسى البلاد الشامية ، والملك الأشرف موسى البلاد الشرقي ، والملك الأوحد نجم الدين أيوب ميافارقين (٢) ، وتلك النواحى ، ثم إن جماعة كثيرة من الأمراء بالديار المصرية ، منهم

__________________

٣٩٠ ـ انظر ترجمته فى : (السلوك للمقريزى ١ / ٢٦٧ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٢٣٥ ، ابن الوردى ٢ / ١٧٨ ، ابن إياس ٨ / ٨٢ والأعلام ٧ / ٢٩ ، مرآة الزمان ٨ / ٧٠٥ ـ ٧٠٩ ، عقود الجمان لابن الشعار ٧ / الورقة ٢٤٠ ، التكملة للمنذرى الترجمة ٢٨٢٢ ، ذيل الروضتين ١٦٦ ، وفيات الأعيان ٩٢ ، ٧٩ ، تاريخ ابن العبرى ٢٠٥ ، الحوادث الجامعة ١٠٧ ، المختصر ٣ / ١٦٨ ـ ١٦٩ ، تاريخ الإسلام الورقة ١٦٦ ـ ١٦٧ (أيا صوفيا : ٣٠١٢) ، العبر : ٥ / ١٤٤ ، الوافى بالوفيات ١ / ١٩٣ ـ ١٩٧ ، نثر الجمان للفيومى ٢ / الورقة ٩٣ ـ ٩٤ الورقة ٢٨ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٢٢٧ ، حسن المحاضرة ٢ / ٣٣ ـ ٣٨ ، شذرات الذهب ٥ / ١٧١ ـ ١٧٣ ، سير أعلام النبلاء ٢٢ / ١٢٧).

(١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

(٢) ميّافارقين : بفتح أوله ، وتشديد ثانيه ثم فاء ، وبعد الألف راء ، وقاف مكسورة ، وياء ، ونون ، وهى أشهر مدينة بديار بكر ، قالوا : سميت بميابنت لأنها أول من بناها ، وفارقين هو الخلاف بالفارسية يقال له : بارجين. لأنها كانت أحسنت خندقها فسميت بذلك. انظر : معجم البلدان (ميافارقين).

٣٥٤

عماد الدين أحمد بن المشطوب ، اتفقوا مع الملك الفائز سابق الدين إبراهيم بن الملك العادل ، وانضموا إليه ، وظهر للملك الكامل منهم أمور تدل على أنهم عازمون على تفويض السلطنة إليه ، وخلع الملك الكامل ، واشتهر ذلك بين الناس.

وكان الملك الكامل يداريهم ، لكونه فى قبالة العدو ، ولا يمكنه المعافرة والمنافرة ، وطول روحه معهم ، ولم يزل على ذلك حتى وصل إليه الملك المعظم صاحب دمشق ، فأطلعه الملك الكامل على صورة الحال فى الباطن ، وأن رأس هذه الطائفة ، ابن المشطوب المذكور. فجاءه يوما على غفلة إلى خيمته ، واستدعاه ، فخرج إليه وقال : أريد أن أتحدث معك سرا فى خلوة ، فركب فرسه وسار معه وهو جريدة ، وكان المعظم جرد جماعة ممن يعتمد عليهم ويثق بهم. وقال لهم : اتبعونا ، ولم يزل المعظم يشاغله بالحديث ، ويخرج معه من شىء إلى شىء ، حتى أبعد عن المخيم ، ثم قال : يا عماد الدين هذه البلاد لك ، ونشتهى أن تهبها لنا ، ثم أعطاه شيئا من النفقة ، وقال لأولئك المجردين : تسلموه حتى تخرجوه من الرمل ، فلم يسعه إلا امتثال الأمر ، لانفراده وعدم القدرة على الممانعة فى تلك الحال ، ثم عاد إلى أخيه الكامل ، وعرفه صورة ما جرى ، ثم جهز أخاه الملك الفائز إلى الموصل ، لإحضار النجدة منها ، فمات بها.

وكان ذلك خديعة لإخراجه من البلاد.

فلما خرج هذان الشخصان من العسكر ، تحللت عزائم من بقى من الأمراء الموافقين لهما ، ودخلوا فى طاعة الكامل كرها لا طوعا. فلما استراح خاطر الملك الكامل ، من جهة هذا العدو ـ وهم الفرنج الذين نازلوه بدمياط ـ وتفرغ للأمر الذين كانوا متحاملين عليه ، نفاهم عن البلاد ، وبدد شملهم وشردهم ودخل القاهرة وشرع فى عمارة البلاد ، واستخرج الأموال من جهاتها ، وكان سلطانا عظيم القدر ، جميل الذكر محبا للعلماء ، متمسكا بالسنة النبوية ، حسن الاعتقاد ، معاشرا لأرباب الفضائل ، حازما فى أموره ، لا يضع الشىء إلا فى موضعه ، من غير إسراف ولا إقتار.

وكان ييبت عنده كل ليلة جماعة من الفضلاء ويشاركهم فى مباحثهم وبنى بالقاهرة دار حديث ، ورتب لها وقفا جيدا.

وكان قد بنى على ضريح الإمام الشافعى قبة عظيمة ، ودفن أمه عنده ، وأجرى إليها ماء من النيل ، ومدده بعيد ، وغرم على ذلك جملة عظيمة.

ولما مات أخوه الملك المعظم صاحب الشام ، وقام ولده الملك الناصر صلاح الدين

٣٥٥

داود مقامه ، خرج الملك الكامل من الديار المصرية ، قاصدا أخذ دمشق منه. وجاء أخوه الملك الأشرف مظفر الدين موسى ، واجتمعا على أخذ دمشق ، بعد فصول جرت يطول شرحها ، وذلك فى أول شعبان ، سنة خمس وعشرين وستمائة ، فلما ملكها دفعها لأخيه الملك الأشرف ، وأخذ عوضها من بلاد الشرق : حرّان والرّها (٣) وسروج (٤) والرقة (٥) ورأس عين (٦). وتوجه إليها بنفسه فى تاسع شهر رمضان المعظم من السنة.

وفى شوال سنة ست وعشرين وستمائة ، كان الملك الكامل مقيما بحران ، بعساكر الديار المصرية ، وجلال الدين خوارزم شاه ، يوم ذاك يحاصر خلاط (٧) ـ وكانت لأخيه الملك الأشرف ـ ثم رجع إلى الديار المصرية ، وتجهز فى جيش عظيم ، وقصد آمد (٨)

__________________

(٣) الرّهاء : بضم أوله ، والمد ، والقصر : مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام بينهما ستة فراسخ سميت باسم الذى استحدثها ، وهو الراهاء بن البلندى بن مالك بن دعر. وقال قوم : إنها سميت بالرها بن الروم بن نبطى بن سام بن نوح ، عليه‌السلام. انظر : معجم البلدان (الرهاء).

(٤) سروج : بلد من أرض الجزيرة وبمقربة من ملطية ، وهى رستاق كثير القرى والكروم فى بطن بين جبال ، ومن سروج إلى حصن كيفا ستة فراسخ ، ثم إلى سميساط سبعة فراسخ ، ثم إلى ملطية عشرة فراسخ ، ثم إلى زبطرة خمسة فراسخ. انظر : الروض المعطار ٣١٥ ، ٣١٦ ، ابن حوقل ٢٠٧ ، الكرخى ٥٥.

(٥) الرقة : مدينة بالعراق مما يلى الجزيرة ، وكل أرض إلى جانب واد ينبسط عليها الماء عند المدّ فهى رقة ، وبه سميت المدينة. والرقة واسطة بلاد مضر ، ومن مدنها الرها وسروج وشمساط ورأس العين وغيرها ، والرقة على شارعة الفرات فى الشمال منه ، وعليها سوران ، وهى فى فحص يبعد عن الجبال على مسافة أكثر من يومين ، وفى شرقيها جبلان يسميان المنخرين. انظر : الروض المعطار ٢٧٠ ، ٢٧١ ، معجم ما استعجم (الرقة).

(٦) رأس عين : ويقال رأس العين ، والعامة تقوله هكذا ، وهى مدينة كبيرة مشهورة من مدن الجزيرة بين حران ونصيبين ودنيسر ، وبينها وبين نصيبين خمسة عشر فرسخا وقريب من ذلك بينها وبين حران ، وهى إلى دنيسر أقرب. بينهما نحو عشرة فراسخ. انظر : معجم البلدان (رأس عين) ، الروض المعطار ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ابن جبير ٢٤٢ ، ٢٤٤ ، ابن حوقل ٢٠٠ ، الكرخى ٥٣).

(٧) خلاط : من مدن أرمينية ، وتقول : ما خالطت فلانا وأنت تريد : ما سرت معه إلى خلاط. انظر : الروض المعطار ٢٢٠ ، ابن حوقل ٢٩٧ ، نزهة المشتاق ٢٦٧ ، معجم البلدان ، معجم ما استعجم (خلاط).

(٨) آمد : مدينة من كور الجزيرة من أعمال الموصل والجزيرة ما بين دجلة والموصل ، وآمد بمقربة من ميافارقين ، وهى مدينة كبيرة حصينة على جبل غربى دجلة ، ومن آمد إلى ميافارقين خمسة فراسخ. انظر : الروض المعطار ٣ ، ٤ ، ٥.

٣٥٦

فى سنة تسع وعشرين وستمائة ، فأخذها مع حصن كيفا (٩) وتلك البلاد ، من الملك المسعود ابن الملك الصالح ، من بنى أيوب.

ولما مات الملك الأشرف ، جعل ولىّ عهده أخاه الملك الصالح إسماعيل بن الملك العادل ، فقصده الملك الكامل ، وانتزع منه دمشق ، بعد مصالحة جرت بينهما ، وذلك فى تاسع جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وستمائة ، وأبقى عليه بعلبك (١٠) وأعمالها ، وبصرى (١١) ، وأرض السواد وتلك البلاد.

ولما ملك البلاد الشرقية وآمد وتلك النواحى ، واستخلف فيها ولده والملك الصالح نجم الدين أيوب ، واستخلف ولده الأصغر الملك العادل سيف الدين أبا بكر بالديار المصرية. وكان الملك الكامل سير ابنه الملك المسعود إلى اليمن.

٣٩١ ـ محمد بن محمد بن أبى بكر بن محمد بن إبراهيم ، نور الدين الطبرى المكى :

روى عن ابن البناء : جامع الترمذى ، وحدث. سمع منه أبو العباس بن الظاهرى الحافظ ، حديثا سمعه منه بجنين.

وكتبه عنه فى أربعينية البلدانية ، ولم أدر متى مات ، غير أنه أجاز فى استدعاء مؤرخ بسنة اثنتين وستين وستمائة ، فاستفدنا من هذا ، حياته إلى هذا التاريخ ، الاستدعاء بخط أبى العباس الميورقى. وكتب تحت خطه : فقيه مدرس. وذكر ما يدل على أنه ولى القضاء نيابة عن عمه القاضى فخر الدين إسحاق بن أبى بكر الطبرى ، الحاكم بمكة واليمن ، وما عرفت هل نيابة المذكور عن عمه باليمن أو بمكة؟ والله أعلم.

__________________

(٩) حصن كيفا : ويقال كيبا ، وهى بلدة وقلعة عظيمة مشرفة على دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر من ديار بكر. انظر : معجم البلدان (حصن كيفا).

(١٠) بعلبك : بالفتح ثم السكون وفتح اللام والباء الموحدة والكاف مشددة مدينة قديمة بينها وبين دمشق ثلاثة أيام وقيل : اثنا عشر فرسخا من جهة الساحل. وهو اسم مركب من بعل اسم صنم بك أصله من بكّ عنقه أى دقها وتباك القوم أى ازدحموا فأما أن يكون نسب الصنم إلى بك وهو اسم رجل أو جعلوه يبك الأعناق هذا إن كان عربيا وإن كان عجميا فلا اشتقاق. انظر معجم البلدان (بعلبك).

(١١) بصرى : فى موضعين ، بالضم ، والقصر : إحداهما بالشام من أعمال دمشق ، وهى قصبة كورة حوران ، مشهورة عند العرب قديما وحديثا ، وبصرى أيضا : من قرى بغداد قرب عكبراء. انظر : معجم البلدان (بصرى).

٣٥٧

ومولده فى بكرة السادس والعشرين من ذى القعدة سنة ثلاث وستمائة. نقلت مولده من خط شيخنا ابن سكر. وذكر أنه نقله من خط المحب الطبرى.

٣٩٢ ـ محمد بن محمد بن أبى بكر الرازى ، أبو عبد الله المكى :

سمع من ابن البنا ، وحدث عنه : سمع منه الحافظان : أبو العباس بن الظاهرى ، والشريف أبو القاسم الحسينى ، وذكره فى وفياته.

وذكر أنه توفى فى ثالث رجب سنة خمس وستين وستمائة بقوص ـ من صعيد مصر الأعلى ـ فيما بلغه.

٣٩٣ ـ محمد بن محمد بن ثابت الأنصارى ، المراكشى الأصل ، المكى المولد والدار :

كان فراشا بالمسجد الحرام.

وتوفى فى عشر السبعين وسبعمائة ، وكان أبوه يؤدب الأطفال بالمسجد الحرام.

٣٩٤ ـ محمد بن محمد بن حسين بن على بن أحمد بن عطية بن ظهيرة القرشى المخزومى ، أبو الخير بن أبى السعود ، يلقب بالقطب :

سمع من بعض شيوخنا بمكة ، وكان يحضر معنا درس شيخنا الشريف عبد الرحمن الفاسى ويقرأ عليه فى بعض كتب الفقه وحصل كتبا حسنة.

وولى إمامة المالكية بالمسجد الحرام ، بعد وفاة القاضى نور الدين على بن أحمد النويرى ، من جهة أمير مكة ، أربعة أشهر وأياما ، ثم عزل عن ذلك ، لما وصل الخبر من الديار المصرية ، بولاية ابنى المتوفى ، وبقى ذلك فى نفسه ، مع حب ولاية قضاء المالكية بمكة ، حتى اخترمه الحمام دون المرام ، فى يوم النفر الثانى من سنة أربع عشرة وثمانمائة ، فى آخر النهار بمكة ، ودفن فى صبيحة اليوم الرابع عشر من ذى الحجة فى هذه السنة بالمعلاة ، عن أربعين سنة أو أزيد بيسير.

٣٩٥ ـ محمد بن محمد بن حسين بن على بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومى ، المكى ، قاضى مكة ، كمال الدين أبو البركات بن أبى السعود :

ولد فى سنة خمس وستين وسبعمائة ، وحضر فى سنة سبع وستين ، على القاضى عز الدين بن جماعة ، شيئا من «منسكه» وغيره. وسمع بعد ذلك من غير واحد.

__________________

٣٩٥ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٩ / ٧٧).

٣٥٨

وولى قضاء مكة ، ونظر الأوقاف بها والربط ، بعد موت شيخنا القاضى جمال الدين ابن ظهيرة ، وباشر ذلك بها أحد عشر شهرا ، ثم عزل عن ذلك بقاضى القضاة محب الدين أحمد بن القاضى جمال الدين بن ظهيرة. وباشر ذلك فى العشر الأخير من ذى القعدة سنة ثمانى عشرة ، إلى خامس شوال سنة تسع عشرة ، ثم باشر ذلك أبو البركات ، إلى أوائل ذى الحجة من هذه السنة. ثم باشر ذلك بعد عزله ، القاضى محب الدين. واستمرّ أبو البركات معزولا حتى مات.

وكان قبل ذلك ينوب فى الحكم بمكة ، عن القاضى جمال الدين بن ظهيرة ، ثم حصل بينهما كدر كثير ، أوجب سعيه على القاضى جمال الدين فى المنصب غير مرة ، ثم توالفا ظاهرا لا باطنا ، حتى مات القاضى جمال الدين ، وهو على نيابته.

وأول نيابته عنه فى ربيع الآخر سنة ثمان وثمانمائة ، عقيب وصوله من مصر ، بولاية القاضى جمال الدين ، وباشر عنه مع نيابة الحكم ، نيابة الحسبة بصولة مهيبة ، واشتهر ذكره ، ثم تغير خاطره على مستنيبه ، لاستنابته لولده القاضى محب الدين فى الخطابة والحكم ، ولسعيه لولده فى مرسوم بالنيابة ، وحمل ذلك القاضى أبا البركات ، على السعى فى مرسوم بالنيابة ، ونظر بعض الأوقاف ، وأتاه هذا المرسوم ، وهو متوجه لمصر فى حوائج ندبه لأجلها صاحب مكة ، وبلغه فى الطريق عزل مستنيبه ، وما نال بمصر قصدا فى أمر مستنيبه ، وذلك فى سنة عشر وثمانمائة ، وعاد فيها مع الحجاج إلى مكة.

ولما عاد مستنيبه إلى القضاء فى سنة اثنتى عشرة وثمانمائة ، استناب القاضى أبا البركات فى الحكم والحسبة ، فلما كان الموسم من هذه السنة ، حصل بينهما كدر ؛ لأن ولدا للقاضى أبى البركات ، سعى لنفسه فى نيابة القاضى جمال الدين ، فى جميع وظائفه ، ولأبيه فى نيابة الحكم ونظر الأوقاف بمكة ، وتخيل القاضى أبو البركات ، أن القاضى جمال الدين لا يعينه على قصده ، فنافره وانقطع عنه ، ولكنه باشر الحكم والحسبة ، حتى جاء عزل القاضى جمال الدين ، فى ربيع الآخر ، من سنة ثلاث عشرة وثمانمائة ، بالقاضى عز الدين النويرى.

وسعى بعض الناس فى أن يستنيب القاضى أبا البركات ، لأنه كان قد زوج بعض أولاده ، على أخت القاضى عز الدين ، فلم يقبل وظهر من أبى البركات شماتة بقريبه وميل عليه.

فلما عاد القاضى جمال الدين فى موسم هذه السنة ، لم يستنب القاضى أبا البركات ،

٣٥٩

فسعى لأبى البركات ابنه فى القضاء وغيره من الوظائف ، يبذل فيما قيل ، فأجيب سؤاله. ثم فطن الأعيان بمصر لذلك فأنكروه ، وأعيد القاضى جمال الدين.

وكان ابن أبى البركات ، قد أرسل لأبيه بالتوقيع المنسوخ ، وعرفه بعود القاضى جمال الدين. فذكر ذلك أبو البركات للناس ، وتوقع أن توقيع القاضى جمال الدين بعوده وصل إليه ، ثم عرف أن هذا التوقيع لم يصل ، فندم على إخباره بعزل نفسه ، وذلك فى ربيع الآخر سنة أربع عشرة وثمانمائة ، وقويت الوحشة بينه وبين القاضى جمال الدين بعد ذلك.

فلما كان المحرم ، سنة ست عشرة وثمانمائة ، حصل بينهما صلح بسعى بعض جماعة أمير مكة ، وحضر الأمير هذا الصلح ، ودخل فيه ابن القاضى جمال الدين ، وصهره القاضى الحنبلى بمكة.

وكان أبو البركات قد حلف بالطلاق من زوجتيه ، أنه لا ينوب عن القاضى جمال الدين ، فألزمه الساعى فى الصلح بمخالعتها ، ففعل ذلك ، وناب عن القاضى جمال الدين ، وجدد عقده على زوجتيه ، وحكم بعدم طلاقهما حاكم يرى أن اليمين لا تعود بعد الطلاق ، إذا وقع المحلوف عليه فى العصمة الثانية. وتوالفا ظاهرا لا باطنا ، ثم حصل بينهما بعد أيام الحج من هذه السنة منافرة ، ثم اجتمعا وتوالفا ، حتى مات القاضى جمال الدين ، فى رمضان سنة سبع عشرة وثمانمائة.

وكان من خبر القاضى أبى البركات بعد ذلك ما سبق ذكره.

ومات بمكة معزولا ، فى ليلة الأربعاء الثانى والعشرين من ذى الحجة ، سنة عشرين وثمانمائة ، بعلة ذات الجنب ، ودفن فى صبيحتها بالمعلاة ، وخلف عدة أولاد ، ودنيا من العقار والنقد ، وغير ذلك.

وقد ناب فى الحسبة بمكة ، عن جده لأمه ، القاضى شهاب الدين أحمد بن ظهيرة ، الآتى ذكره.

٣٩٦ ـ محمد بن محمد بن سالم بن على بن إبراهيم الحضرمى ألأصل ، المكى المولد والدار ، يلقب بالضياء ، ويعرف بابن سالم :

سمع بالمدينة على الزبير بن على الأسوانى : الشفاء للقاضى عياض ، عن ابن تامتيت

__________________

٣٩٦ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٩ / ٨٣).

٣٦٠