العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٢

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٢

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٤٥

بها (١) من أبى الحسن بن البنا : جامع الترمذى ، وصحب الشيخ شهاب الدين السهروردى بمكة ، وقرأ عليه كتابه : عوارف المعارف ، وحدث وأفتى ودرس.

ووجدت بخط الميورقى : أنه درس بمدرسة المالكية التى لابن الحداد المهدوى بالشبيكة ، أسفل مكة.

ووجدت بخط جدى أبى عبد الله الفاسى : أنه درس بالمنصورية بمكة ، ولم يذكر هل ذلك فى الفقه أو الحديث؟ والظاهر أن ذلك فى الحديث ؛ لأن درس الفقه بهذه المدرسة ، هو على مذهب الإمام الشافعى ، ومدرسه المحب الطبرى.

ووجدت بخط الميورقى ما يؤيد ذلك ؛ لأنه ترجمه بإمام الحديث بالمدرسة النورية بمكة ، والنورية : هى المنصورية ؛ لأن نور الدين المنسوبة إليه : هو السلطان الملك المنصور صاحب اليمن والمدرسة المشار إليها ، ولا معنى لإمام الحديث بها ، إلا مدرسه فيها.

وولى الإمامة بعد أبيه ـ على ما وجدت بخط الميورقى ، والقطب القسطلانى فى تاريخ وفاة أبى البركات والد ضياء الدين هذا ـ واستمر على ذلك حتى مات.

وقد أثنى عليه غير واحد من الفضلاء ، منهم : الشريف أبو القاسم الحسينى فى وفياته ، فقال : كان شيخا فاضلا ، وفقيها حسنا ، وله نظم جيد ، انتهى.

وذكره المحب الطبرى ، فى مشيخة الملك المظفر ، فقال : إمام المالكية بالحرم الشريف ، ومفتيها ومدرسها ، قرأ وأقرأ وأفاد واستفاد ، وروى الكثير ، وارتحل إلى مدينة السلام ، وغيرها من البلاد. وغلب عليه الفقه والفتيا ، وإظهار الخمول والتواضع.

وذكره جدى فى تعاليقه ، فقال : كان من فضلاء أهل زمانه علما ونزاهة وعفافا ، وكان عالما بالأصول والفقه والعربية والحديث. سمع وحدث ودرس بالمنصورية إلى حين وفاته ، وكان شاعرا حسنا ، انتهى.

ومما بلغنا من أخباره الحسنة ، أنه لما حضره الأجل ، أمر أهله أن لا يبكوا عليه إذا مات ، ففعلوا ذلك ، وكان عبد له عند موته غائبا عنه بمكة ، فى حاجة يقضيها ، فلما جاء العبد إليه ، وعرف بموته ، صرخ العبد باكيا ، فأسكت العبد ، وعد ذلك كرامة لمولاه.

__________________

(١) على هامش نسخة ابن فهد : «من الشرف محمد بن عبد الله وأبى الفضل النرسى صحيح مسلم بسماعه فى مجالس آخرها عشر شوال سنة اثنتين وستين وستمائة».

٣٢١

ومما حكى لنا من كراماته ، أنه كان يقول لأهله : أين عينى تراكم بعد ثمان؟ ، فكانوا يتعجبون من قوله ، ولا يعرفون مراده ، فلما مضت ثمان سنين من موته ، وجدوا حالهم فى الدنيا ، قد تغير وذهب منهم ما كان خلفه لهم من الميراث ، أو غالبه بالبيع وغيره ، بتولى ولده «أحمد» ذلك ، وكان أحمد هذا ولى الإمامة بعده ، ومات بعد ثمان سنين من موت أبيه ، وأنزل فى قبر أبيه ، وكان الذى أنزل «أحمد» فى القبر ، أخوه عمر ، فرأى أباه ضياء الدين القسطلانى هذا ، جالسا فى قبره ، فتغير لذلك عقل عمر ، هذا معنى ما بلغنا فى ذلك.

ومن شعره :

الناس خدام من أثرى وإن أمروا

وهم عدو لمن قد خانه القدر

ذنب المقل كطود لا يحركه

ريح التنصل مهما جاء يعتذر

وصاحب المال مكروم وإن عظمت

منه الإساءة مقبول ومغتفر

تبارك الله مازال الورى خدما

لذى اليسار وإن لم يحصل الوطر

ومن شعره أيضا :

حسدونى وليس عندى مما

حسدونى عليه غير الكفاف

ولحونى على انفرادى عنهم

وانفرادى أن لا أرى من أصافى

بذلوا أوجها رجاء ازدياد

وحمانى عن بذل وجهى عفافى

قل لمن أعمل المطى مجدا

راجيا للغنى بقطع الفيافى

أنا فى نعمة وأحمد ربى

روضتى مسجدى وزهرى طوافى

لا أبالى ما صان وجهى قليل

أن ينال الغنى العدو المنافى

ومن شعره أيضا :

لا يدرك السودد العالى بلا نصب

ما المجد فى طول أكمام وأردان

وليس يرفع ذا جهل سمو أب

ولو علت قدماه رأس كيوان

إن رمت نيل المعالى فاستفد أدبا

جودا وحلما وصفحا عن أذى الجانى

فمر تقى المجد وعر ليس تدركه

إلا بعفو وإغضاء وإحسان

وبذل مال لمنتاب له أمل

راج بذاك محبا كان أو شانى

سيان عندك فى بذل الندى أبدا

قاص أتاك لنيل البر أو دانى

حسب العدو إذا أبدى خضاعته

ذل السؤال على مطلوبه الفانى

٣٢٢

وله شعر سوى ما ذكرناه ، وقد كتب عنه من شعره : القطب القسطلانى وأبو العباس الميورقى ، والرضى بن خليل وغيرهم. وكتب عنه الميورقى أشياء مفيدة منها : دعاء ألهمه الإمام ضياء الدين القسطلانى هذا لقضاء الدين ، وقد رأيت أن أذكره لما فى ذلك من الفائدة.

قال الميورقى ـ مما وجدت بخطه ـ حدثت إمام المالكية بالحرم الشريف ، عن منامة عجيبة لى رأيتها فى الرزق ، بوج الطائف ، فى تلك الشدائد التى اتفقت بعد الخمسين والستمائة ، قمت منها وأنا قد حفظت شيئا عجيبا ، ما كنت سمعته قط.

فقال لى الإمام بالحرم الشريف ، مفتى المالكية : ارتكبنى ـ بمكة شرفها الله تعالى ـ دين فقدم رجل بمال كثير للصدقة ، فلم أتعرض له ، ولا هو أيضا سأل عن أمثالى. فبت مهموما ، فإذا فى النوم بشيخ قد قال لى : اكتب ، وإن الله قد خار لك فى ذلك المال ، فما يصلح لأمثالك ، فكتب عنه ما لم أسمعه قط قبل تلك الليلة : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ، وهب لى من رزقك الحلال الواسع المبارك ، ما تصون به وجوهنا عن التعرض إلى أحد من خلقك ، واجعل لنا اللهم إليه طريقا سهلا من غير نصب ، ولا تعب ، ولا منة ، ولا تبعة ، وجنبنا اللهم الحرام حيث كان وأين كان وعند من كان ، وحل بيننا وبين أهله ، واقبض عنا أيديهم ، واصرف عنا قلوبهم ، حتى لا تتقلب إلا فيما يرضيك ولا تستعين برحمتك إلا على ما تحب ، يا أرحم الراحمين.

قال : فاستيقظت وأنا أحفظه ، فلزمت الدعاء سنة بعد صلاة الصبح ، فإذا بسلطان تونس قد بعث لى من بيت مال المسلمين ألف دينار ، فبلغ الدعاء إلى مدرس المالكية بقوص ، الشيخ الصالح العالم أبى الحسن على بن وهب المعروف بابن دقيق العيد ، رضى الله عنه ، وكان عليه دين أثقل ظهره ، مثل ما كان علىّ ، فكاتبنى فى الرؤيا ، وطلب منى الدعاء.

قال : فكتبت إليه بذلك ، فدعا به أيضا نحو السنة ، وكتب لى بقضاء دينه من حيث لا يحتسب ، أو كما حدثنى به ، حتى انتشر هذا الدعاء فى العصر ، وبقى العمل به عند الفضلاء ، حتى سمعت بعض هداة العصر ، يعظمه ، فسألته عن أصله ، فقال : لا أدرى ، وأظنه نبويا. قيل إن المالكى يرويه. انتهى ما وجدته بخط الميورقى.

وذكر لى بعض أقاربى : أن عنده تأليفا للإمام ضياء الدين القسطلانى هذا ، فى رجال الموطأ لمالك.

٣٢٣

وما ذكرناه فى نسبه هو المعتمد ؛ لأنه يناسب الشيخ تاج الدين القسطلانى ، أخى الشيخ قطب الدين القسطلانى ، على ما ذكر الذهبى ؛ لأنه ذكر فى ترجمة الضياء هذا : أنه يجتمع هو والشيخ تاج الدين القسطلانى ، فى جدهما الأعلى الحسن بن عبد الله بن أحمد بن ميمون ، وإنما نبهت على ذلك ، لأنى وجدت بخط بعض الطلبة ، نقلا عن خط الميورقى ما يخالف ذلك ؛ لأنه كتب عن الضياء القسطلانى هذا أبياتا.

وقال : القرشى المنتسب إلى خالد بن الوليد. وقال : لم يصح عندنا إلى الآن ، ولعله صح عند أبى البركات ـ يعنى والد الضياء ـ والله أعلم.

وكانت وفاة الضياء القسطلانى ، فى يوم الأربعاء ثامن عشرى شوال ، سنة ثلاث وستين وستمائة ، ودفن فى صبيحة يوم الخميس. هكذا وجدت وفاته بخط القطب القسطلانى ، والشريف أبى القاسم الحسينى فى وفياته وغيرهما ، وكذا هى فى حجر قبره بالمعلاة ، إلا أن فيه يوم الاثنين ، مكان يوم الأربعاء. والله أعلم.

وما ذكرناه فى مولده وقدومه إلى مكة ، ذكره القطب الحلبى ، نقلا عن شيخه القطب القسطلانى ، وكذا وجدت مولده بخط القطب القسطلانى.

ووجدت بخط أبى الفتح بن سيد الناس ، فيما انتخبه من معجم الحافظ ابن مسدى : أن الضياء القسطلانى ، ولد فى أواخر سنة تسع وتسعين وخمسمائة.

٣٤٦ ـ محمد بن عمر بن مسعود بن على اليمنى ، المكى ، يلقب بالجمال ويعرف بالتعكرى :

سمع فى سنة خمس وثلاثين وسبعمائة ، من الزين الطبرى ، وعثمان بن الصفى ، والآقشهرى : سنن أبى داود ، بفوت ، وسمع فى سنة ست وثلاثين وسبعمائة ، على الحجى ، والزين الطبرى : الجزء الأول من جامع الترمذى ، من تجزئة ثلاثة ، بفوت غير معين ، ومن جماعة بعد ذلك ، وما علمته حدث.

وذكر لى شيخنا أبو بكر بن قاسم بن عبد المعطى : أنه حفظ التنبيه ، والألفية ، ومنهاج البيضاوى ، وأنه اشتغل على القاضى تقى الدين الحرازى. انتهى.

وباشر الجمال التعكرى هذا ، فى الحرم الشريف ، وناب فى الحسبة بمكة عن قاضيها أبى الفضل النويرى حتى توفى.

وكانت وفاته ـ على ما أخبرنى به والدى أعزه الله تعالى ـ فى محرم سنة ست وثمانين وسبعمائة.

٣٢٤

٣٤٧ ـ محمد بن عمر بن يوسف بن عمر بن نعيم الأنصارى ، أبو عبد الله القرطبى ، الفقيه المالكى المقرى :

أخذ القراءات بالمغرب عن جماعة ، منهم : أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبيد الله الحجرى ، وبمصر عن أبى القاسم الشاطبى ، وبدمشق من أبى جعفر العتكى ، وسمع منهم ومن أبى القاسم بن موقا ، وأبى الفضل بن الدليل وغيرهما بالإسكندرية ، ومن أبى القاسم البوصيرى ، وأبى عبد الله الأرتاحى ، وأبى محمد بن برى بمصر ، وبمكة من أبى المعالى عبد المنعم بن عبد الله الفراوى ، وأقرأ بعد وفاة الشاطبى ، وروى عنه قصدتيه ، رواهما عنه الحسن بن عبد الكريم الغمارى ، سبط زيادة ، وهو خاتمة أصحابه.

وقد أجاز لشيخنا بالإجازة : ابن السلار ، وابن عوض.

قرأ عليه القطب القسطلانى رحمه‌الله ، ختمة واحدة بالمدينة. وسمع منه ، وقد سمع عليه جماعة من الأعيان ، منهم : الحافظ عز الدين أبو الفتح بن الحاجب الأمينى ؛ وذكره فى معجمه ، وقال بعد أن نسبه كما ذكرنا : كان شيخ الحرمين فى زمانه ، لزهده وعلمه ورفعة مكانه ، وذكر أنه كان كثير الاعتكاف والمجاورة لبيت الله الحرام ، وزيارة قبر نبيه عليه‌السلام. انتهى. وقد أم بالحرم الشريف النبوى.

وتوفى فى مستهل صفر ، سنة إحدى وثلاثين وستمائة ، ودفن بالبقيع.

هكذا أرخ وفاته المنذرى ، والرشيد العطار ، وابن مسدى ، والحافظ الذهبى فى تواليفه.

ووجدت بخط جدى أبى عبد الله الفاسى : أنه توفى سنة تسع وعشرين وستمائة. وذكر أن شيخه قطب الدين القسطلانى أملاه عليه ، وهذا مخالف لما ذكره الجماعة ، وهو وهم ، والله أعلم.

ووجدت بخط جدى الشريف أبى عبد الله الفاسى ، أشياء حسنة منقولة عن القرطبى هذا ، فحسن ببالى إثباتها هنا.

__________________

٣٤٧ ـ انظر ترجمته فى : (ترتيب المدارك ٤ / ٧٢٤ ـ ٧٢٦ ، الصلة ٢ / ٥١٠ ـ ٥١٢ ، العبر ٣ / ١٣٢ ، دول الإسلام ١ / ٢٤٩ ، الوافى بالوفيات ٤ / ٢٤٥ ، الديباج المذهب ٢ / ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، النجوم الزاهرة ٤٥ / ٢٦٨ ، نفح الطيب ٢ / ٦٠ ، ٦١ ، شذرات الذهب ٣ / ٢١٣ ، شجرة النور ١ / ١١٢ ، سير أعلام النبلاء ١٧ / ٣٧٢).

٣٢٥

منها : أن جدى قال : أخبرنى الشيخ الإمام رضى الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ابن إبراهيم الطبرى ، إمام مقام إبراهيم عليه‌السلام قال : أخبرنى الإمام الزاهد تقى الدين أبو العباس أحمد بن عبد الواحد بن مرا الحورانى : أن الشيخ القرطبى ، وهو الإمام علم العلماء والزهاد ، أبو عبد الله محمد بن عمر بن يوسف الأنصارى ، الفاسى المولد ، القرطبى الأصل ، رأى النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المنام ، فسأله أن يعلمه كلمات فى الاستخارة ، فعلمه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الكلمات : اللهم رب محمد ، أسألك بترابه الطيب الطاهر ، وما ضمه من أعضائه ، ورفعته به إلى ملكوتك الأعلى ، أن تعزم لى على أحب الأمور إليك منى ، ولا تكلنى إلى نفسى طرفة عين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، يقوله ثلاثا. انتهى.

وقال جدى : أنشدنا شيخنا قطب الدين رحمه‌الله ، قال : أنشدنا شيخنا أبو عبد الله محمد بن عمر بن يوسف القرطبى الأصل ، الفاسى المولد ، رحمه‌الله ورضى عنه (١).

لو كنت أعقل ما أطبقت مقلتى

وكان دمعى على الخدين يستبق

كأننى شمعة يبدو توقدها

لمن أراد اهتداء وهى تحترق

ووجدت بخطه : سمعت شيخنا أبا بكر محمد بن أحمد القسطلانى رحمه‌الله يقول : كان شيخنا أبو عبد الله القرطبى ، إذا جاءه أحد من الأشراف ، يقوم له قائما ، ولا يزال قائما حتى يقضى ذلك الشريف حاجته ، أو ينصرف ، أو يجلس ، وله أخبار مع السلطان الملك الكامل فى حق شرفاء المدينة وتعظيمهم. انتهى.

وبلغنى أن سبب كثرة تعظيم الشيخ أبى عبد الله القرطبى للأشراف : أنه مات منهم شخص ، فتوقف عن الصلاة عليه ؛ لكونه كان يلعب بالحمام ، فرأى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المنام ، ومعه ابنته السيدة الزهراء فاطمة رضى الله عنها ، وهى معرضة عن القرطبى فاستعطفها ، فقالت تعاتبه : أما يسع جاهنا مطيرا؟.

وبلغنى : أنه بعد هذه الرؤيا ، سافر مع بعض الأشراف إلى مصر ، لقصد قضاء حوائجهم هناك ، فإن الكامل صاحب مصر ، كان يأتى إليه ويزوره.

فكان الشيخ أبو عبد الله يخدهم بنفسه ، فلما وصلوا إلى مصر ، سعى فى حوائجهم حتى قضيت سريعا.

وذكر جدى حكايتين فى تعظيم القرطبى هذا ، لذرية الأولياء :

__________________

(١) البيتان فى التحفة اللطيفة (٢ / ٥٥٧). وفيها : «وكان دمعى على الحديث يستبق» ، وفى الثانى : «كأنه شمعة يبدو».

٣٢٦

إحداهما : أنه لما توجه إلى الحجاز ، على طريق الصعيد ، قصد بقنا ، بنت سيدى الشيخ عبد الرحيم القنائى ، زوجة الشيخ أبى الحسن بن الصباغ ليزورها ، فسلم عليها وهى فى حجابها ، فلما أراد الانفصال أرسلت إليه بسجادة ، وفيها أقراص خبز ، وقطع سكر ، وقوالب جبن ، ثم رآه بعض من كان معه ، يدق الخبز ، فتعجب من ذلك لشدة الرخص ، فسأل عن ذلك الشيخ ، فقال : هذا أدقه يكون شفاء يستشفى به ، وكحلا للأعين.

والأخرى : أنه لما بلغه موت الشيخ عبد الرزاق ، صاحب الشيخ أبى مدين ، قصد عزاء أصحاب الشيخ وولده بالإسكندرية ، فسمع أصحاب الشيخ عبد الرزاق بمجىء القرطبى معزيا فخرجوا للقائه ، فاجتمعوا خارج الإسكندرية. وكان مع أصحاب الشيخ عبد الرزاق ولد له صغير. فسلم القرطبى على ولد الشيخ وقبل قعر قدمه ، وقال له : إكراما لأبيك. انتهى بالمعنى.

ومما يحسن ذكره هنا ، ذكر شىء من حال الشيخ عبد الرزاق المذكور فى هذه الحكاية ، فمن ذلك : أن جدى قال : وأخبرنى ـ يعنى أبا عبد الله محمد بن شعيب بن عبد الله الفشتانى ـ أن الشيخ أبا عثمان ـ يعنى الورياجلى ـ خرج من مدينة فاس وبلادها ، قاصدا سيدنا أبا مدين رضى الله عنه ، ليصحبه. قال : فلما قدم بجاية ، جاء إلى منزل الشيخ ، فأستأذن عليه ، فكلمه من وراء الباب ولم يظهر له ، وقال له : عليك بعبد الرزاق ، وكان عبد الرزاق فى الإسكندرية ، فسافر من ثم إلى الإسكندرية ، وصحب عبد الرزاق ، ونال منه نصيبه ، نفع الله بهم ، ثم رجع إلى مدينة فاس ، وانتفع به ، وأشهر من ظهر من أصحابه ، أبو محمد الفشتانى.

ورأيت على قبر سيدنا عبد الرزاق بالإسكندرية ـ وقبره مشهور بالديماس ـ توفى سنة خمس وتسعين وخمسمائة.

وقال رحمه‌الله : سمعت الشيخ أبا العباس أحمد بن الإمام العارف القدوة أبى الحسن الشاذلى رحمه‌الله ، يقول غيره مرة : كنت أتكرّر إلى قبر سيدى أبى محمد عبد الرزاق ، صاحب أبى مدين ، ومهما عرض لى أمر جئته. قال رحمه‌الله : فعرضت لى حاجة ضرورية. قال : فجئت إلى قبره ، وقرأت ما تيسر من القرآن ، وذكرت حاجتى. قال : ثم التفت إلى القبر ، وكان عليه الرمل ، فإذا عليه مكتوب : أحمد قضيت حاجته. انتهى.

ولهم ثلاثة قرطبيون علماء ، عاصر بعضهم المذكور ، وبعضهم تأخر عنه ، وهم : أبو

٣٢٧

العباس أحمد بن عمر القرطبى صاحب «المفهم» المتوفى فى ذى القعدة سنة ست وخمسين وستمائة ، شيخ الدبوسى ، وزينب بنت عبد السلام بالإجازة ، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبى بكر بن فرح ـ بالحاء المهملة ـ الأنصارى القرطبى ، مؤلف «التفسير» و «التذكرة» المتوفى فى أوائل سنة إحدى وسبعين وستمائة ، بمنية ابن خصيب (٢) من صعيد مصر ، وأبو العباس أحمد بن فرح ـ بالحاء المهملة ـ القرطبى.

٣٤٨ ـ محمد بن عمر بن الشيخ [.....](١) أبو عبد الله الدبسى :

توفى يوم الأربعاء تاسع عشر جمادى الأولى سنة خمسين وستمائة.

كتبت هذه الترجمة من خط عبد الله بن عبد الملك المرجانى ، إلا أنه وقع فى خطه : خمس وستمائة ، وهو سبق قلم ، يدل عليه أنه حكى عن أبيه عن الدلاصى عنه ، الحكاية المتقدمة فى المقدمة ، فى فضل مقبرة المعلاة وأهلها ، ولا يستقيم حكايتها بهذا الإسناد ، إلا أن يكون الدبسى توفى سنة خمسين ـ بياء بعد السين ـ وأما بإسقاطها فلا ؛ لأن الدلاصى صرح فى الإسناد بسماعه من الدبسى.

نعم لو لم يصرح بذلك ، على أنه يصح أن يكون توفى سنة خمس ـ بلا ياء ـ وتكون رواية الدلاصى لها بواسطة ، ثم بنفسه لوثوقه به. والله أعلم. ولم يتعرض المرجانى لضبط الدبسى ، وأظنه بالباء الموحدة ، نسبة إلى الدبس. والله أعلم.

٣٤٩ ـ محمد بن عمرو بن العاص بن وائل السهمى :

قال العدوى : صحب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتوفى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو حدث.

وذكر الواقدى : أنه شهد صفين ، وقاتل فيها ، ولم يقاتل فيها أخوه عبد الله. وكذلك قال الزبير بن بكار ، وقال : لا عقب له.

وذكره ابن قدامة وقال : كان شجاعا شاعرا ، وهو الذى يقول يوم صفين :

__________________

(٢) منية ابن الخصيب : بينها وبين مدينة القيس نصف يوم ، وهى فى الضفة الشرقية من النيل. انظر : الروض المعطار ٥٤٨ ، رحلة ابن جبير ٥٧ ، ابن بطوطة ٤٨ ، معجم البلدان (منية ابن الخصيب).

٣٤٨ ـ (١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

٣٤٩ ـ انظر ترجمته فى : (الإصابة ترجمة ٧٨١٢ ، الاستيعاب ترجمة ٢٣٦٨ ، أسد الغابة ترجمة ٤٧٥٩).

٣٢٨

ولو شهدت جمل مقامى ومشهدى

الأبيات المشهورة. وذكرها له أبو عمر ، وبينهما اختلاف فى بعض ألفاظها. وذكرها الزبير بن بكار أيضا فقال : حدثنى عمر بن أبى بكر المؤملى عن زكريا بن عيسى ، عن ابن شهاب قال : إن محمد بن عمرو بن العاص ، شهد القتال يوم صفين ، وكان أهل الشام يوم صفين ، خمسة وثلاثين ألفا ، وكان أهل العراق عشرين أو ثلاثين ومائة ألف. فلما التقوا بصفين ، قال محمد بن عمرو فى ذلك أبيات شعر ، وأبلى ذلك اليوم :

ولو شهدت جمل مقامى ومشهدى

بصفين يوما شاب فيه الذوائب (١)

غداة أتى أهل العراق كأنهم

من البحر لج موجه متراكب

وجئناهم نمشى كأن صفوفنا

شهاب حريق رفعته الجنائب (٢)

فقالوا لنا إنا نرى أن تبايعوا

عليا فقلنا بل نرى أن تضاربوا

فطاروا إلينا بالرماح كماتهم

وطرنا إليهم بالأكف قواضب (٣)

إذا ما أقول استهزموا عرضت لنا

كتائب منهم وارجحنت كتائب

فلا هم يولون الظهور فيدبروا

فرارا كفعل الخادرات الذوائب (٤)

قال ابن شهاب : وأنشدت عائشة رضى الله عنها أبياته هذه. فقالت : ما سمعت شاعرا أصدق شعرا منه.

٣٥٠ ـ محمد بن عمرو بن موسى بن محمد بن حماد ، المكى ، الحافظ أبو جعفر العقيلى. مؤلف كتاب «الضعفاء» :

سمع بمصر : أحمد بن داود المكى ، والمقدام بن داود الرعينى ، وجماعة.

__________________

(١) فى الاستيعاب ترجمة ٢٣٦٨ :

بصفين يوما شاب منها الذوائب

(٢) فى الاستيعاب ترجمة ٢٣٦٨ :

وجئناهم تمشى كأن صفوتنا

سمائب جون رقفتها الجنائب

(٣) فى الاستيعاب ترجمة ٢٣٦٨ :

وطرنا إليهم فى الأكف قواضب

(٤) فى الاستيعاب ترجمة ٢٣٦٨ :

فلا هم يولون الظهور فيدبروا

ونحن كما هم نلتقى ونضارب

٣٥٠ ـ انظر ترجمته فى : (تذكرة الحفاظ ٣ / ٥٠ ، الرسالة المستطرقة ١٠٨ ، شذرات الذهب ٢ : ٢٩٥ ، الفهرس التمهيدى ٤٠٣ ، مخطوطات الظاهرية ٢٣٦ ، الأعلام ٣١٩ / ٦).

٣٢٩

وروى عن إسحاق الدبرى ، وبشر بن موسى الأسدى ، ومحمد بن إسماعيل الترمذى وجماعة.

ذكره مسلم بن قاسم ، فقال : ثقة جليل القدر عظيم الخطر ، عالم بالحديث ، ما رأيت أحدا من أهل زماننا ، أعرف بالحديث منه ، ولا أكثر جمعا. وكان حسن التأليف ، عارفا بالتصنيف. وذكر أنه امتحنه مع جماعة من أصحابه ، فى أحاديث من مروياته ، بدلوا فيها ألفاظا ، وزادوا ألفاظا ، وتركوا منها أحاديث صحيحة ، فلما قرأها عليه ، فطن لذلك ، وأخذة منه الكتاب والقلم ، وأصلحها من حفظه.

توفى فى ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة بمكة ، كما ذكر ابن زبر فى وفياته ، وذكر أنه شهد جنازته.

٣٥١ ـ محمد بن عياض الزهرى :

ذكره ـ هكذا ـ الذهبى فى التجريد ، وقال : ذكره الحاكم فى مستدركه فى الصحابة ، قال : رفعت إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى صغرى ، وأنا فى خرقة.

* * *

من اسمه محمد بن عيسى

٣٥٢ ـ محمد بن عيسى بن سالم بن على بن محمد الأزدى الدوسى اليمنى الشريشى منشأ ، ثم المكى الدار ، الفقيه الإمام مفتى الحرمين ، المفتى جمال الدين أبو أحمد ، المعروف بابن خشيش (بخاء معجمة) الشافعى :

وجدت سماعه على ابن أبى الفضل المرسى لأجزاء من صحيح ابن حبان ، ولعله سمعه كله ، وعلى محمد بن على بن الحسين الطبرى ، أربعى المحمدين للجيانى ، وحدث وأجاز.

وذكر أبو العباس الميورقى(١) فيما وجدت بخطه ، أنه رأى بخطه فى إجازة : أن مولده سنة إحدى وستمائة. وذكر أنه قال له بمنى فى سنة سبعين ، وقد سأله عن حاله : ما

__________________

٣٥١ ـ انظر ترجمته فى : (التحفة اللطيفة ٢ / ٥٥٨).

٣٥٢ ـ انظر ترجمته فى : (بغية الوعاة ٨٨ ، الأعلام ٦ / ٣٢٣).

(١) على هامش نسخة ابن فهد : «رأيت بخط أبى العباس الميورقى ما صورته : توفى محدث مكة بعد السبعين والستمائة جمال الدين محمد بن عيسى بن خشيش اليمنى ، مولده سنة إحدى وستمائة. ورأيت بخط الميورقى أيضا ما مثاله : توفى مفتى الحرمين ابن خشيش بالمدينة فى رجب سنة أربع وسبعين وستمائة».

٣٣٠

حال ما سنه سبعون؟. وذكر أنه توفى بالمدينة سنة أربع وسبعين وستمائة ، وترجمه : بالإمام المدرس المفتى بمكة ـ شرفها الله تعالى ـ الفرضى النحوى اللغوى الأصولى.

وذكر لى شيخنا القاضى جمال الدين بن ظهيرة : أن عنده كتابا حسنا فى الفقه ، يسمى : «المقتضب» لابن خشيش هذا ، قرأه عليه الرضى بن خليل العسقلانى.

ومن مؤلفاته : نظمه للتنبيه للشيخ أبى إسحاق الشيرازى ، وشرحه لذلك فى أربعة مجلدات ، وقفا برباط ربيع بمكة المشرفة ، وأسند فيه أحاديث كثيرة الاستدلال بها عن جماعة.

٣٥٣ ـ محمد بن عيسى بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الحميد بن عبد الله بن أبى عمر بن حفص بن المغيرة المخزومى :

أمير مكة ، هكذا نسبه صاحب الجمهرة. وذكر أنه ولى مكة للمعتمد ، بعد عزل ابن عمه أبى عيسى محمد بن يحيى المخزومى ، فقتل أبو المغيرة أبا عيسى ، ودخل مكة ورأسه بين يديه. انتهى.

والمعتمد : هو المعتمد على الله أحمد بن جعفر المتوكل العباسى. ولى الخلافة بعد ابن عمه المهتدى ، أبى إسحاق محمد بن الواثق بن المعتصم ، لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب ، سنة ست وخمسين ومائتين ، حتى مات سنة تسع وسبعين ومائتين ، فهذه أيامه. ولم يبين ابن حزم السنة التى ولى أبو المغيرة فيها مكة. وما عرفت أنا ذلك ، والذى عرفته من تاريخ ولايته على مكة ، سنة ثلاث وستين ومائتين ؛ لأن الفاكهى قال فى الترجمة ، التى ترجم عليها بقوله ، تجريد الكعبة : فكانت الكسوة على الكعبة على ما وصفنا ، حتى كانت سنة ثلاث وستين ومائتين ، فورد كتاب من أحمد الموفق بالله ، على محمد بن عيسى ، وهو يومئذ على مكة ، يأمره بتجريد الكعبة.

فقرأ الكتاب فى دار الإمارة ، لتسع ليال بقين من ذى الحجة ، ثم أمر بإحضار التجار والعامة ، حتى سمعوا ذلك ، يأمره بتجريد الكعبة ، وأن يقسم كسوتها التى تطرح عليها ، على ثلاثة أثلاث ، ثلث للقرشيين ، لقرابتهم من النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وثلث للحجبة ، وثلث على أهل الحلة من أهل مكة. فأمر العامل بتجريدها ، فجردت يوم الخميس ، لثمان ليال بقين من ذى الحجة.

__________________

٣٥٣ ـ انظر ترجمته فى : (جمهرة أنساب العرب ٤٩ ، الكامل لابن الأثير ، تاريخ الطبرى حوادث سنة خمس وستين ومائتين وما بعدها).

٣٣١

ثم قال : فصار إلى القرشيين ثلثهم ، وصار إلى الحجبة ثلثهم ، وبقى ثلث العامة ، على يدى صاحب المعونة ، ليقسمه بينهم. انتهى.

وما ذكرناه من كلام الفاكهى ، يشعر بأن أبا المغيرة ولى مكة ، عن أبى أحمد الموفق.

وذكر ابن الأثير ، ما يدل على أنه وليها بعد ذلك لصاحب الزنج ؛ لأن ابن الأثير قال فى أخبار سنة خمس وستين ومائتين : وفيها كانت موافاة أبى المغيرة عيسى بن محمد المخزومى إلى مكة لصاحب الزنج. انتهى.

وما ذكره ابن الأثير ، فى اسم أبى المغيرة وأبيه ، عكس ما ذكره ابن حزم فى ذلك ، ولعله سقط من كتاب ابن الأثير «ابن» بين ابن المغيرة وعيسى. وبذلك يتفق ما ذكره ، مع ما ذكره ابن حزم ، الله أعلم.

وصاحب الزنج ، وهو على بن أحمد العلوى ، بزعمه ؛ لأنه كان ينتمى إلى يحيى بن زيد بن علىّ بن الحسين بن علىّ بن أبى طالب ، وهو ممن أكثر فى الأرض الفساد. وأخبار فى ذلك مشهورة.

وذكر ابن الأثير شيئا من حال أبى المغيرة ؛ لأنه قال فى أخبار سنة ست وستين ومائتين: وفيها قدم محمد بن أبى الساج مكة ، فحاربه ابن المخرومى فهزمه محمد. واستباح ماله ، وذلك يوم التروية. انتهى.

وقال أيضا فى أخبار سنة ثمان وستين ومائتين : وفيها صار أبو المغيرة إلى مكة ، وعاملها هارون بن محمد الهاشمى ، فجمع هارون جمعا احتمى بهم ، فصار المخزومى إلى مشاش (١) فغور ماءها ، وأتى جدة ، فنهب الطعام ، وأحرق بيوت أهلها. وصار الخبز فى مكة أوقيتين بدرهم ، ثم قال : وحج بالناس فيها هارون بن محمد بن إسحاق الهاشمى ، ابن أبى الساج على الأحداث والطريق.

وقال فى أخبار سنة تسع وستين ومائتين : وفيها وجه ابن أبى الساج جيشا بعد ما انصرف من مكة ، فسيره إلى جدة. وأخذ المخزومى مركبين فيهما مال وسلاح. انتهى.

٣٥٤ ـ محمد بن عيسى بن الزين محمد بن الأمين محمد بن القطب القسطلانى ابن أبى العباس القسطلانى المكى :

سمع من عثمان بن الصفى الطبرى : سنن أبى داود بفوت ، وما علمته حدث ، وما

__________________

(١) يتصل بجبال عرفات جبال الطائف ، وفيها مياه كثيرة أوشال ، وعظائم قنى منها المشاش ، وهو الذى يجرى بعرفات ويصل إلى مكة.

٣٣٢

عرفت متى ولد ، ولا متى مات تحقيقا ؛ إلا أنى أظن ، أنه مات فى عشر السبعين وسبعمائة بمكة. وكانت أمه بنت أخت الشيخ ضياء الدين الحموى.

٣٥٥ ـ محمد بن عيسى بن محمود العلوى الهندى الأصل ، المكى المولد والمنشأ :

ذكره لى شيخنا أبو بكر بن قاسم بن عبد المعطى. وذكر أنه صحبه اثنتى عشرة سنة ، ودخل إلى بلاد السودان ، وحصل دنيا ، ثم ذهبت منه.

ومات بالمدينة النبوية سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة.

٣٥٦ ـ محمد بن عيسى بن يزيد الجلودى ، أمير مكة :

ذكر الذهبى فى تاريخ الإسلام : أن محمد بن جعفر الديباجة ، لما خلع نفسه ، ودخل فى طاعة المأمون ، خرج به عيسى الجلودى إلى العراق ، واستخلف على مكة ابنه محمد. وكان ذلك فى أواخر سنة مائتين.

٣٥٧ ـ محمد بن غالب بن يونس بن محمد بن غالب الأنصارى الأندلسى الجيانى ، شمس الدين أبو عبد الله ، المعروف بابن شعبة :

سمع من أحمد بن عبد الدايم مشيخته ، تخريج ابن الظاهرى ، وحدث بها وبالأربعين للنووى عنه. ثم رأيت له ثبتا بسماعات كثيرة على جماعة كثيرين ، منهم : أحمد بن أبى الخير الحداد الدمشقى ، سمع عليه المعجم الكبير للطبرانى.

وذكره القطب الحلبى فى تاريخ مصر ، وقال : أخذ النحو عن العلامة محمد بن أبى الفضل الثعلبى ، وقال : كان دينا ثقة ورعا زاهدا ، اجتمعت به بمكة سنة ثلاث وسبعمائة.

ووجدت بخط جدى أبى عبد الله الفاسى ، أنه توفى فى أول شهر الله المحرم ، سنة اثنتين وسبعمائة. وهذا أصح إن شاء الله تعالى ، لأن جدى أقعد بمعرفته لسكونه بالحجاز.

وأما مولده ، فذكر القطب ، أنه فى سنة سبع وعشرين ، وقيل : سنة خمس وثلاثين بجيان. وكتب عنه جدى بيتين لغيره وهما :

__________________

٣٥٥ ـ انظر ترجمته فى : (التحفة اللطيفة ٢ / ٥٥٩).

٣٥٧ ـ انظر ترجمته فى : (الدرر الكامنة ٤ / ١٣٣).

٣٣٣

ومن يحمد الدنيا لعيش يسره

فذاك لعمرى عن قليل يلومها

إذا أقبلت كانت على المرء فتنة

وإن أدبرت كانت كثير همومها

٣٥٨ ـ محمد بن غانم بن صهبانة بن حمزة بن بلدح بن أبى الفرج بن أبى الليل ابن يحيى بن عبد الله بن محمد تغلب بن عبد الله الأكبر بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب ، الحسنى البلدحى ، الشريف شرف الدين أبو غانم بن أبى محمد المكى:

مولده ـ على ما ذكر الدمياطى فى معجمه ـ فى ليلة الاثنين رابع عشر جمادى الأولى ، سنة ثمان وستمائة. وسمع من سليمان بن خليل ، مجلدات من صحيح البخارى ، وقرأ عليه وعلى صهره محمد بن على بن الحسين الطبرى : أربعى المحمدين للجيانى وغير ذلك ، وكتب الطباق ، وكان له شعر. سمع عليه منه الحافظ الدمياطى.

أنشدنا الشيخان : إبراهيم بن السلار ، ومحمد بن محمد بن عبد الله المقدسى ، إذنا مكاتبة من الشام ، أن الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطى ، أنشدهما إجازة مكاتبة من مصر ، وتفردا بها عنه ، قال : أنشدنا الشريف الفاضل محمد بن غانم ابن صهبانة لنفسه :

أترى المطى بما نحاول تشعر

أم راقها ما نحن فيه فتسكر

أم قد تفرست المطى فتنثنى

فى حالنا فبدا لها ما تستر

يا سعد إن لألاء برق لاح من

أرض العراق فراعها لا تنفر

لا تزجرنها تستزدها سرعة

فلومض هذا البرق زجر آخر

خذها بتجذاب البرى من جلعد

ضخم وجعلدة أمون تحضر

ومنها :

وإلى أمير المؤمنين فنصها

نصا فإنك بالمراد ستظفر

وذكر الحافظ الدمياطى : أنه ولد ليلة الاثنين ، الرابع عشر من جمادى الأولى سنة ثمان وستمائة بمكة.

وقد ذكره ابن رافع فى ذيل تاريخ بغداد ، وساق نسبه إلى على بن أبى طالب رضى الله عنه هكذا.

ومنه نقلته ونقلت مولده والأبيات ، ولم يذكر متى مات.

وقد وجدت بخطه طبقة السماع لأربعى الجيانى على الطبرى ، بقراءته بالحرم

٣٣٤

الشريف ، وتاريخها يوم الخميس تاسع شوال سنة ثلاث وخمسين وستمائة ، فيستفاد من هذا ، حياته فى هذا التاريخ.

٣٥٩ ـ محمد بن غانم بن مفرج بن محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن عبيد بن حمزة بن بركات بن عبد الله بن شيبة بن نبيه بن شيبة بن شعيب بن وهب بن عثمان ابن أبى طلحة بن عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار :

هكذا وجدته منسوبا فى حجر قبره بالمعلاة. وفيه : أنه توفى يوم الأحد سابع عشرى ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وستمائة.

٣٦٠ ـ محمد بن غانم بن محمد بن عطية بن ظهيرة القرشى المخزومى :

سمع من عيسى الحجى ، والزين الطبرى ، ومحمد بن الصفى ، وبلال عتيق ابن العجمى ، والجمال المطرى : بعض الترمذى ، وعلى الآقشهرى : الموطأ ، رواية يحيى بن يحيى. وما علمته حدث.

وسألت عنه شيخنا القاضى جمال الدين بن ظهيرة ، فذكر أنه انتقل من مكة إلى اليمن ، وأقام بها حتى مات فى حدود سنة تسعين وسبعمائة ، بزبيد.

٣٦١ ـ محمد بن غانم بن يوسف بن إدريس بن غانم بن مفرج الشيبى الحجبى المكى :

سمع على الحجى ، والآقشهرى ، وموسى الزهرانى : جامع الترمذى ، بفوت ثلاثة مجالس من أوله ، وعلى الآقشهرى : الموطأ ، رواية يحيى بن يحيى ، سنة خمس وثلاثين وسبعمائة ، وعلى المقرى برهان الدين المسرورى : جزءا جمعه القاضى شمس الدين بن العماد الحلبى ، جوابا لسائل سائل عن قوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ) ، بإجازة منه. وحدث به شيخنا ابن سكر ، وأجاز له سنة نيف وستين وسبعمائة ، ولم أدر متى مات.

وبلغنى أنه ولى فتح الكعبة ، نيابة عن يوسف بن أبى راجح الشيبى ، إما فى آخر عشر الثمانين وسبعمائة ، وإلا فى أوائل عشر التسعين وسبعمائة.

وبلغنى أن منجما أخبره بدمشق ، أنه يلى فتح الكعبة ، ففرح ، وقال : استقلالا أو نيابة؟. قال له المنجم : لا أدرى.

٣٦٢ ـ محمد بن فتح الله الطائفى :

كان إماما بقرية السلامة (١) ، وله ترداد كثير إلى مكة ، ويقيم بها أوقاتا كثيرة ، وكان

__________________

٣٦٢ ـ (١) السّلامة : بلفظ السلامة ضد العطب : قرية من قرى الطائف بها مسجد للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفى جانبه قبّة فيها قبر ابن عبّاس وجماعة من أولاده ومشهد للصحابة ، رضى الله عنهم. انظر : معجم البلدان (السلامة).

٣٣٥

كثير الزيارة للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى طريق الماشى.

توفى فى أوائل سنة ثمان وتسعين وسبعمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة ، وقد بلغ الستين أو جاوزها. وسبب موته : أنه سقط فى البئر التى عند باب الحزورة. وكان خيرا.

٣٦٣ ـ محمد بن فرج المكى ، يلقب بالجمال ، ويعرف بابن بعلجد :

كان بتردد إلى اليمن كثيرا ، فى دولة ابن سيده الشريف أحمد بن عجلان بن رميثة ، لتوليه لأمر العلم الذى ينفذه صاحب اليمن كل سنة إلى مكة ، وحصل دنيا ، وتقرب منها بقربات ، منها : الرباط الذى بقرب باب الحزورة ، والسبيل الذى عند عين بازان بالمسعى. وله على ذلك وقف ، وتاريخ وقف الرباط ، سنة سبع وثمانين وسبعمائة. كذا فى حجر فيه.

وفى حجر آخر : أنه وقفه على الفقراء المنقطعين بمكة فى شهر رجب سنة ثمان وثمانين وسبعمائة ، وشرط النظر فيه لنفسه مدة حياته ، ومن بعده لأولاده الذكور ، ومن بعدهم لقاضى مكة الشافعى ، وعمر بعض الرباط ، المعروف برباط السبيل بالمدينة النبوية ، وهو رباط القاضى كمال الدين ، المعروف بابن السهروردى. وفارق مكة لما قتل محمد بن أحمد بن عجلان ، فى موسم سنة ثمان وثمانين وسبعمائة.

وولى عوضه إمرة مكة : عنان بن مغامس ، ثم التأم على محمد بن عجلان بن رميثة ، لما تباين محمد بن عجلان وعنان ، وألف بين كبيش بن عجلان ، ومحمد بن عجلان ، حتى اجتمعا بجدة ، وصار شريكهما فى الأمر بها والرأى ، وأنفق هو وكبيش على بنى حسن ، أموالا جزيلة بجدة ليمكنوهم من إخراج عنان وأصحابه من مكة ، وخرجوا من جدة بعد نهبها قاصدين مكة ، ففارقهم جماعة من رءوس الأشراف وانحازوا إلى عنان ، وأقام مع آل عجلان بوادى مر ، حتى جاء الخبر بولاية على بن عجلان لإمره مكة ، عوض عنان ، وأنفق حينئذ هو وكبيش على القواد العمرة والحميضات وبعض الأشراف أموالا جزيلة.

وسار مع العسكر إلى مكة ، فقتل كبيش فى جماعة من القواد والعبيد ، فى سلخ شعبان سنة تسع وثمانين ، ورجع ابن بعلجد فيمن رجع ، إلى الموضع الذى توجهوا منه إلى مكة ، وأقاموا به ، حتى وصل على بن عجلان من الديار المصرية متوليا لإمرة مكة.

__________________

٣٦٣ ـ انظر ترجمته فى : (التحفة اللطيفة ٢ / ٥٦١).

٣٣٦

فدخلها ابن بعلجد ، هو وآل عجلان ، خلا محمد بن عجلان ، فإنه توجه إلى جدة لحفظها ، فى موسم سنة تسع وثمانين ، وصار ابن بعلجد متوليا لتدبير أمر علىّ بمكة مدة قليلة ، ثم اخترمته المنية فى الحادى والعشرين من المحرم سنة تسعين وسبعمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة.

وفى حجر قبره : أنه توفى فى هذا التاريخ من سنة تسع وثمانين وسبعمائة ، وهو غلط بلا ريب ، سبق إليه قلم الكاتب ، فليعلم ذلك.

٣٦٤ ـ محمد بن فرج المكى ، القائد جمال الدين :

كان أبوه مولى لبعض الأعراب المعروفين بالتبيتات :

ولد المذكور بمكة ، ونشأ بها وبباديتها ، وخدم السيد محمد بن محمود بن أحمد بن رميثة سنين كثيرة. وكثر إقباله عليه ، لما رأى فيه من الأمانة والصدق والمروءة والعقل والأدب. فلما مات لاءم السيد حسن بن عجلان بن رميثة صاحب مكة ، فعظم إقباله عليه ، ودخل معه فى أمور خاصة لم يدخلها غيره ، وقطع عليه بأشياء بغير مشاورته. فأمضاها الشريف حسن ، فكثر اعتباره عند الناس لذلك. واستفاد نقدا وعقارا وإبلا وغير ذلك. وكانت فيه مروءة وعصبية كثيرة لأصحابه. وفيه تواضع ، وينسب لتشيع.

وتوفى فى ليلة نصف شعبان سنة سبع وعشرين وثمانمائة ، بقرب الواديين ؛ وكان أتى إليه من مكة ، لما تحقق بولاية السيد على بن عنان بن مغامس بن رميثة الحسنى لإمرة مكة ، عوض السيد حسن.

وكان هيأ لنفسه قبرا بناه بالمعلاة ، وفى غيبته عن مكة ، أدخل فيه ابن لمقدم العسكر الواصل إلى مكة ، مع على بن عنان ، ثم امتنع أبوه من دفنه فيه.

٣٦٥ ـ محمد بن فرقد بن هوشاب ، ظهير الدين الشيبانى الإسكندرى ، نزيل مكة العمرى:

كان يكتب العمر ويبيعها. هكذا ذكره القطب الحلبى.

ووجدت بخط سليمان بن خليل العسقلانى : أنه سمع بقراءة ظهير الدين هذا ، على أبى الحسن بن البنا ، خمسة عشر جزءا من جامع الترمذى ، فى مجالس آخرها فى العشر الأول من جمادى الأولى سنة عشرين وستمائة ، بالحرم الشريف ، ولعله قرأ الكتاب كله ، فإن سليمان بن خليل ، سمعه بكماله ، وحدث به عن ابن البنا.

٣٣٧

أخبرنى أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الدمشقى ، بقراءتى عليه ، تجاه الكعبة ، أن الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور الحلبى ، أجازه مكاتبة ، وتفرد بها عنه. قال : أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن على القسطلانى ، قال : أنشدنى الفقيه محمد بن فرقد بن هوشاب الشيبانى الإسكندرى ، قال : أنشدنى أبو بكر بن أبى عبد الله الهاشمى الواعظ :

يا نعمة تدرا إلى شاكر

تعمه جودا وإحسانا

أفضل منها عند بيت الذى

ما شاء فى عالمه كانا

وكيف لا وهى التى لم تزل

تسعد دنيانا وأخرانا

٣٦٦ ـ محمد بن أبى الفتح الواسطى ، ، المحدث أبو عبد الله ، ويعرف بالنقاش :

ذكره ـ هكذا ـ ابن الحاجب الأمينى فى معجمه ، وقال : سمع الكثير ، وطاف البلاد ، وجال فى الآفاق. وكان طوافه على مذهب الصوفية والسياح ، لا على مذهب المحدثين ، وكان يسمع فى ضمن ذلك.

وجاور بمكة شرفها الله ، مدة سنين ، سمعت عليه بها. وكان معه بعض أصول سماعاته العالية ، وأثباته وقفت عليها ، وشاهدت خطوط عدة مشايخ وحفاظ ، سمع بقراءتهم وأثبتوا له. وسمعت من بعض الطلبة ، أنه كان يدعى أكثر مما سمع ، والله أعلم بحاله.

توفى بمكة. انتهى.

٣٦٧ ـ محمد بن فضيل :

٣٦٨ ـ محمد بن قاسم بن قاسم بن مخلوف الحسنى الصقلى ، الشريف أبو عبد الله ، المعروف بالبنزرتى المالكى ، نزيل الحرمين الشريفين :

هكذا أملى علىّ نسبه.

وذكر لى أنه ولد سنة ست وثلاثين وسبعمائة ، وأنه سمع بدمشق : جامع الترمذى ، وسنن أبى داود ، على عمر بن أميلة ، وعلى محمود بن خليفة المنبجى : سنن النسائى بفوت معين ، فى أصل السماع ، وعلى إبراهيم بن عبد الله الزيتاوى : سنن ابن ماجة بنابلس.

__________________

٣٦٧ ـ هكذا فى الأصل الاسم بلا ترجمة ، وترك بعده بياض.

٣٣٨

وقد رأيت أصل سماعه له لما ذكر ، خلا سنن ابن ماجة ، فإنى لم أر أصله فيها ، ورأيت فوته معينا فى سنن النسائى ، وهو من كتاب الصيام إلى كتاب الزكاة.

وقد حدثنا بسنن أبى داود وجامع الترمذى لما قرأتهما بمكة على شيخنا القدوة ، شهاب الدين بن الناصح ، وحدثنا ببعض سنن النسائى ، لما قرأ ذلك على شيخنا ابن صديق ، وحدثنا بسنن ابن ماجة بمفرده ، واعتمدنا على قوله فى ذلك ؛ لأنه ثقة خير دين.

كان له إلمام بالحديث من كثرة قراءته ، وعلى ذهنه منه فوائد. وله حظ وافر من العبادة ، مع حسن الطريقة.

وكان قدم إلى المدينة ، فى حدود سنة سبعين وسبعمائة ، وسكنها مدة سنين ، ولازم قراءة الحديث النبوى عند الحجرة النبوية ، وصار يتردد إلى مكة ، فأدركه الأجل ، فى شوال سنة أربع وتسعين وسبعمائة ودفن بالمعلاة ، وشهدت الصلاة عليه ودفنه.

٣٦٩ ـ محمد بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرزاق الجمحى المكى :

حدث عن أبى حمة محمد بن يوسف الزبيدى ، وسمع من ابن منصور الجوّاز المكى.

سمع منه الحافظ أبو بكر الإسماعيلى ، سنة ست وتسعين ومائتين ، روى عنه فى معجمه.

٣٧٠ ـ محمد بن أبى القاسم بن أحمد بن عبد الصمد الخزرجى ، المعروف باليمانى :

كان له اشتغال بالعلم ، مع قراءة حسنة بالمحراب. وكان رام الإمامة بمقام الحنفية بالمسجد الحرام ، بعد خاله أبى الفتح الحنفى ، وتهيّأ له ذلك من جهة السلطان صاحب مصر ، فمنعه من ذلك قاضى مكة أبو الفضل النويرى ، لأمر فيه اقتضى ذلك ، سامحه الله.

وتوفى فى آخر سنة أربع وتسعين وسبعمائة بدمشق ، بعد أن أقام بديار مصر مدة سنين.

٣٧١ ـ محمد بن أبى القاسم ، المعروف بابن الأجل الدمشقى ، يلقب شمس الدين :

نزيل مكة. ذكر أنه ولد سنة ثلاثين وسبعمائة ، وأنه قرأ الفقه على العلامة فخر الدين

__________________

٣٧١ ـ ستأتى ترجمته فى باب الكنى الترجمة (٣١١٩).

٣٣٩

المصرى الشافعى ، وقاضى القضاة تقى الدين السبكى وغيرهما. وكان فقيها فاضلا ، وعلى ذهنه فوائد.

كانت له دنيا فتركها ، وآثر الإقامة بمكة على طريقة حميدة ، حتى توفى بها. وكان عنده زهد وتخيل من الناس ، وانحراف عنهم ، وملك دنيا طائلة ، ثم ذهبت منه ، وانقطع بمكة نحو خمسة عشر سنة قبل موته. ثم مات فى النصف الثانى من ربيع الأول سنة خمس وثمانمائة. ودفن بالمعلاة.

٣٧٢ ـ محمد بن قلاوون الصالحى :

الملك الناصر بن الملك المنصور ، صاحب الديار المصرية والشامية والحجازية ، وغير ذلك من البلاد الإسلامية ، ذكرناه فى هذا الكتاب ، لأنه عمر أماكن بالمسجد الحرام والحجر والمقام وزمزم ، وسقاية العباس ، وعمل للكعبة بابا حلاه بخمسة وثلاثين ألف درهم وثلاثمائة درهم. وأجرى إلى مكة عينا من جهة جبل ثقبة (١) فى مجرى عين بازان ، وعمل مطهرة بالمسعى ، مقابلة لباب بنى شيبة.

ولى السلطنة ثلاث مرات ، الأولى : نحو سنة. والثانية : نحو عشر سنين. والثالثة : نحو اثنتين وثلاثين سنة. وصورة الحال فى ذلك : أنه بويع بالسلطنة بعد قتل أخيه الأشرف خليل ، فى المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة ، وهو ابن تسع سنين ، واستمر إلى أن خلع فى المحرم سنة أربع وتسعين.

وولى عوضه نائبه الملك العادل كتبغا المنصورى ، مملوك أبيه ، وبعث الناصر المذكور إلى الكرك ، ليتعلم هناك القرآن والخط. فلبث هناك إلى أن قتل المنصور حسام الدين لاجين(٢)المنصورى ، الذى انتزع الملك من كتبغا ، ولما قتل لاجين ، بويع الناصر المذكور

__________________

٣٧٢ ـ انظر ترجمته فى : (السلوك للمقريزى القسمان الأول والثانى من الجزء الثانى ، ابن الوردى ٢ / ٣٣٠ ، فوات الوفيات ٢ / ٢٦٣ ، ابن إياس ١ / ١٢٩ ، الدرر الكامنة ٤ / ١٤٤ ، وليم مولير ٦٥ ، ٩٥ ، النجوم الزاهرة ٨ / ٤١ ، ١١٥ ، ٩ / ٣).

(١) ثقبة : بالتحريك : جبل بين حراء وثبير بمكة وتحته مزارع. انظر : معجم البلدان (ثقبة).

(٢) لاجين (المنصور) حسام الدين بن عبد الله المنصورى : من ملوك البحرية بمصر والشام ، وهو الحادى عشر من ملوك الترك ، ويسمى «لروك» الحسامى. كان مملوكا للمنصور قلاوون ، وإليه نسبته. وتقدم إلى أن ولى نيابة السلطنة فى أيام العادل «كتبغا» ثم خلع العادل وولى السلطنة سنة ٦٩٥ ه‍ وتلقب بالملك بالمنصور. قتله بعض مماليك الأشرف خليل فى قصره. كانت مدته سنتان وأحد عشر شهرا. انظر ترجمته فى : (مورد اللطافة ٤٩ ، ابن إياس ١ / ١٣٦ ، النجوم الزاهرة ٨ / ٨٥ ، الأعلام ٥ / ٢٣٨).

٣٤٠