مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ٢

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي

مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ٢

المؤلف:

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي


المحقق: الدكتور خليل إبراهيم خليل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-3820-0

الصفحات: ٧٩٥
الجزء ١ الجزء ٢

وهي أربعة كما تقدم فقال (و) أما أمثلة الملحقين اشتقاقا فالأول منها وهو ما يكون فيه الآخر منهما في صدر المصراع الأول (كقوله ضرائب) (١) جمع ضريبة وهي الطبيعة يضرب الرجل عليها أي : يطبع عليها ، وإن شئت قلت ضربت للرجل أي : أوجدت فيه وطبع عليها (أبدعتها) أي : أبدعت تلك الضرائب وأنشأتها في العالم من غير أن يتقدم لك من الناس منشأ فيها (في السماح) أي : في الكرم والعطاء ، فإن قيل : كونها طبائع وكونه أبدعها متنافيان ؛ إذ لا معنى إحداث الطبائع وإنما يتعلق بالإنشاء بالطبعيات لا الطبيعيات ، قلنا : المراد أنك أنشأت آثارها الدالة على أنك طبعت عليها من الإعطاء الأفخم والبذل لكل نفيس أعظم ؛ بدليل قوله في السماح : وتلك الضرائب اختصصت بها (فلسنا نرى لك فيها ضريبا) أي : مثيلا فضرائب في أول المصراع الأول مشتق مما اشتق منه لفظ ضريبا الذي في العجز فبينهما الإلحاق اشتقاقا ومعنى الضريب في الأصل المثل من القداح أي كل واحد منها ؛ لأنه يضرب به في جملتها وهو مثلها في عدم التمييز في المضاربة ، لا يقال : الضرائب والضريب من قبيل المتجانسين ؛ لأن معنى الضرائب الطبائع والضريب المثيل وكلما اختلف معنى اللفظين كانا من قبيل المتجانسين ؛ لأنا نقول الاختلاف في المصدوق لا ينافي الاختلاف في أصل الاشتقاق الذي يقتضي الاتحاد في مفهوم المشتق منه الذي هو المعتبر في المشتقات كما تقدم وجنس الضرب متحد فيهما ، ولو كان في الضرائب بمعنى الإلزام بعد الإيجاد الذي قد يحدث عادة عن الضرب كضرب الطابع على الدرهم وفي الثاني بمعنى التحريك الذي هو هنا أخص من مطلق التحريك الصادق على الضرب فافهم (و) ثانيهما وهو ما يكون فيه المشتق الآخر منهما في حشو المصراع الأول ك (قوله :

إذا المرء لم يخزن عليه لسانه

فليس على شيء سواه بخزان) (٢)

__________________

(١) البيت للسرى الرفاء ، فى ديوانه (١ / ١٥١) ، والتبيان (١٧٩) ، وهو بلا نسبة فى الطراز (٢ / ٣٩٣).

(٢) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ص (٩٠) ، والإشارات ص (٢٩٧) ، وهو فى شرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ١٥٢).

٦٢١

فيخزن في حشو المصراع الأول كما رأيت وهو مشتق مع خزان الذي في العجز من الخزن ، والمعنى أن الإنسان إذا لم يحفظ لسانه على نفسه فلا تثق به في أمرك ؛ لأنه لا يخزن لسانه أي : لا يحفظه بالنسبة إلى غيره من باب أحرى بأن كان الضرر مما يتكلم به عائدا على ذلك الغير ؛ لأنه لم يتحافظ فيما يضره بنفسه فكيف فيما لا يضره بنفسه ، وإنما يضر غيره.

ثم أشار المصنف إلى مثال من أمثلة الملحقين بشبه الاشتقاق قبل استكمال أربعة الملحقين اشتقاقا ولم يأت للملحقين بشبه الاشتقاق إلا به فينبغي لنا أن نسوقه على نمط ما قررنا به الأمثلة السابقة لينتظم الكلام ونكمل أمثلة هذا القسم تكميلا للفائدة ثم نفسر كمال أمثلة الملحقين اشتقاقا فنقول (و) أما أمثلة الملحقين بشبه الاشتقاق فأحدها وهو ما كان فيه الملحق الآخر منهما بشبه الاشتقاق في حشو المصراع الأول ك (قوله : لو اختصرتم من الإحسان) (١) أي : لو تركتم كثرة الإحسان ولم تبالغوا فيه بل أتيتم بما يعتدل منه (زرتكم) ولكن أكثرتم من الإحسان فهجرتكم لتلك الكثرة لخروجها عن الاعتدال (والعذب) أي : ولا غرابة في هجران ما يستحسن لخروجه عن حد الاعتدال الذي لا يطاق ؛ لأن الماء العذب الذي هو مطلوب في أصله قد (يهجر للإفراط في الخصر) أي : في تجاوزه الحد في الصفة المستحسنة منه وهو خصره بفتح الخاء والصاد أي برودته فقوله : اختصرتم مع الخصر بينهما شبه الاشتقاق ؛ لأنه يتبادر كونهما من مادة واحدة وليس كذلك فإن الأول وهو الواقع في الحشو لسبق لو عليه مأخوذ من مادة الاختصار الذى هو ترك الإكثار ، والثاني مأخوذ من خصر أي : برد ، لا يقال لا مادة للخصر ؛ لأنه نفسها إذ هو مصدر فليس هنا شبه اشتقاق بل تجانس إذ لم يؤخذ من شيء حتى يتبادر كونهما من أصل واحد ؛ لأنا نقول يكفي فيه رعاية كونه مأخوذا من الفعل على قول إذ التبادر يكفي فيه التوهم ، وهذا بناء على أن له فعلا ، فإن قلت : فهل هذا البيت مدح أو ذم؟ قلت : يحتملهما ؛ لأنه إن أراد بكثرة الإحسان أنهم أكثروا حتى تحقق منهم جعلهم ذلك في غير المحل سفها فهجرهم لأفعالهم

__________________

(١) البيت للمعرى فى سر الفصاحة ص (٢٦٧) ، والمصباح ص (١١٤).

٦٢٢

السفيهة كان ذما ، وهو الذي يدل عليه لفظ الهجران ، وإن أراد أنهم أكثروا فعجز عن الشكر فاستحيا من الإتيان إليهم بلا قيام بحق الشكر كان مدحا فيشبه أن يكون من التوجيه تأمله ، فإذا ظهر أن هذا المثال من الملحقين بشبه الاشتقاق لا من الاشتقاق كما ذكرنا أن المصنف لم يمثل لذلك النوع إلا بهذا لم يرد ما توهم من أنه تكرار لمثال الملحقين اشتقاقا إذ هو كما قبله وهو قوله

إذا المرء لم يخزن عليه لسانه

فليس على شيء سواه بخزان

في أن الملحق الآخر فيهما في حشو المصراع الأول وذلك ؛ لأن هذا المثال من واد وذاك من واد آخر ، ولو اشتركا في الإلحاق وثاني الملحقين يشبه الاشتقاق وهو ما يكون فيه الملحق الآخر منهما في صدر المصراع الأول كقوله :

ولاح يلحى على جرى العنان إلى

ملهي فسحقا له من لائح لاح (١)

فلاح الأول فعل من اللوحان بمعنى الظهور ، ولاح في العجز اسم الفاعل من لحاه رماه وأبعده.

وثالث الملحقين بشبه الاشتقاق وهو ما يكون فيه الملحق الآخر منهما في صدر المصراع الثاني كقوله :

لعمري لقد كان الثريا مكانه

ثراء فأضحى الآن مثواه في الثرى (٢)

لأن الثراه الأول من الثروة ، وهي : كثرة المال ، والثرى الآخر هو : الأرض ، ويضعف كون هذا المثال من الملحق أن أحدهما وهو الآخر لم يشتق من شيء حتى يتوهم فيهما الاشتقاق فالأقرب فيهما التجانس وقد يقال يكفي في ذلك التبادر كون أحدهما مما يؤخذ من الشيء فيسرى الوهم لآخر ثم رجع المصنف إلى تكميل أمثلة الملحقين اشتقاقا فقال (و) أما الثالث من الملحقين اشتقاقا وهو ما يكون فيه الآخر منهما في آخر المصراع الأول فك (قوله :

__________________

(١) البيت للحريرى.

(٢) البيت بلا نسبة فى المصباح ص (١٦٧).

٦٢٣

فدع الوعيد فما وعيدك ضائري

أطنين أجنحة الذباب يضير) (١)

فبين ضائر ويضير اشتقاق ملحق ، والأول منهما في آخر المصراع ، والثاني في العجز والمعنى أن وعيدك أي : إخبارك بأنك تنالني بمكروه دعه فإنه لا يجديك معي شيئا ؛ لأنه بمنزلة طنين أجنحة الذباب وذلك الطنين لا يبالي به فكذا وعيدك (و) أما الرابع من الملحقين اشتقاقا وهو ما يكون فيه الآخر من الملحقين في صدر المصراع الثاني فك (قوله :

وقد كانت البيض القواضب في الوغى

بواتر وهي الآن من بعده بتر) (٢)

فالبواتر في صدر المصراع الثاني والبتر في العجز وهما مأخوذان من مادة البتر وهو القطع والمعنى : أن السيوف البيض القواضب أي : القواطع من ذاتها كانت في الحروب قواطع لرقاب الأعداء من استعمال الممدوح إياها لمعرفته لذلك وتدربه وشجاعته ، وهي الآن بعد موته بتر أى : مقطوعة الاستعمال إذ لم يبق بعده من يستعملها كاستعماله هذا تمام أمثلة رد العجز على الصدر.

السجع

ثم أشار إلى نوع آخر من البديع اللفظي فقال (ومنه) أي ومن البديع اللفظي (السجع) أي : النوع المسمى بالسجع (وهو) أي : السجع (تواطؤ) أي توافق (الفاصلتين) وهما الكلمتان اللتان في آخر الفقرتين من النثر بمنزلة القافيتين في البيتين (على حرف واحد) أي : توافق الفاصلتين في كونهما على حرف واحد في آخر كل منهما ، وربما يفهم من إضافة التوافق إليهما أن لهما حالتين التوافق وعدمه وفي كلا الحالتين يسميان فاصلتين وهو الأقرب لكلامهم. (وهو) أي : وهذا التفسير (معنى قول السكاكي هو) أي : السجع (في النثر كالقافية في الشعر) ومن المعلوم أن القافية في

__________________

(١) البيت لابن أبى عيينة ، أورده الجرجانى فى الإشارات ص (٢٩٧) ، وفى دلائل الإعجاز ص (٢) ، وهو فى الكامل (٢ / ٣١٨).

(٢) البيت لأبى تمام فى ديوانه (٤ / ٨٣) ، والإشارات ص (٢٩٨) ، وشرح ديوانه ص (٣٥٦) ، وفى نهاية الإيجاز ص (١٣٩).

٦٢٤

الشعر هي لفظ ختمت به البيت إما الكلمة نفسها أو الحرف الآخر منها أو غير ذلك كأن تكون من المحرك قبل الساكنين إلى الانتهاء على ما تقرر من المذاهب فيها ، وعلى كل حال فليست القافية عبارة عن تواطؤ الكلمتين في آخر البيتين فالمناسب في التشبيه بها أن يراد بالسجع في كلامه اللفظ لا توافقه الذي هو مصدر هو وصف لذلك اللفظ أعني موافقة ذلك اللفظ لمثله في الحرف الآخر فيدل على أن السكاكي أراد بالسجع اللفظ هذا التشبيه ويدل عليه أيضا تعبيره عنه بلفظ الجمع حيث قال : إنها أي الأسجاع كالقوافي في الشعر إذ لو أراد المصدر لعبر بالإفراد ؛ لأن المصدر لا يجمع إلا إذا أريد به الأنواع ، وإرادة الأنواع لا يتعلق بها الغرض هنا فتعينت إرادة اللفظ وإذا تقرر هذا تعين أن يكون المراد بقول المصنف وهو معنى قول السكاكي إلخ أن ما ذكرنا هو محصول كلام السكاكي وفائدته بمعنى أن تسمية الفاصلة سجعا إنما هو لوجود التوافق فيها ولو لا ذلك ما سميت ، فعاد الحاصل إلى أن العلة التي أوجبت التسمية هي المسماة في الحقيقة وفي القصد وفيه نظر ؛ لأن الكلام في تحرير الاصطلاح ولا يلزم من كون الشيء علة في التسمية الإصطلاحية كون تلك العلة هي المسماة ، نعم إن تقرر للسكاكي كون التوافق هو المسمى جاز أن يقال وهذا مراده على معنى تقدير المضاف ، أي : توافق الفواصل في النثر كتوافق القوافي في الشعر وهو خلاف الظاهر نعم إن حمل التشبيه على الظاهر اقتضى جريان الخلاف في حد الفاصلة كما جرى في حد القافية ، ولكن هذا ليس بمعهود فلما انفتح باب التأويل في كلام السكاكي جاز حمله على ما ذكر والخطب سهل في مثل هذا فتحصل من ظاهر ما تقرر عند المصنف والسكاكي أن السجع قد يطلق على توافق الفاصلتين ، وقد يطلق على نفس الكلمة الأخيرة من الفقرة لموافقتها للكلمة الأخيرة من فقرة أخرى ومرجع المعنيين واحد وقد عرفت ما فيه إلا أن يقال : إن تسمية التوافق هو الاصطلاح وهو الأصل وتسمية الكلمة على وجه التجوز فتحقق كون المرجع واحدا ؛ لأن المقصود بالذات في التسمية هو التوافق وههنا أربعة ألفاظ ينبغي إحضار مسمياتها ؛ ليزول الالتباس في كثرة دورها على الألسن السجع والفاصلة والقرينة والفقرة فالقرينة قطعة من الكلام جعلت مزاوجة لأخرى والفقرة

٦٢٥

مثلها إن شرط فيها مقارنتها لأخرى ، وإلا كانت أعم سواء كانتا مع تسجيع أو لا كما هو ظاهر كلامهم ، وأما الفاصلة فهي كما تقدم الكلمة الأخيرة من القرينة التي هي الفقرة ، وأما السجع فهو توافق الفاصلتين أو هو نفس الفاصلة الموافقة لأخرى كما هو ظاهر كلام السكاكي كما تقدم.

أضرب السجع

(وهو) أي : السجع ثلاثة أضرب (مطرف) أي : الأول منها يسمى المطرف وإنما يسمى المطرف (إن اختلفتا) أي : اختلفت الفاصلتان اللتان وقع فيهما السجع (في الوزن) لأنه لا يلزم من الاتفاق في الحرف الأخير وهو المسمى بالتقفية هنا الاتفاق في الوزن وذلك (نحو) قوله تعالى حكاية عن نوح على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسّلام (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً* وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) (١) فالفاصلة من القرينة الأولى وقارا ومن الثانية أطوارا وهما مختلفان وزنا كما لا يخفى ، وإنما سمى مطرفا ؛ لأنه خارج في التوغل في الحسن إلى الطرف بخلاف غيره كما يأتي ، أو لأن ما وقع به التوافق وهو الاتحاد بين الفاصلتين إنما هو الطرف وهو الحرف الأخير دون ما يعم وهو الوزن (وإلا) تختلف الفاصلتان وزنا بل اتفقتا فيه كما اتفقتا في التقفية ف (حينئذ) (إن كان ما في إحدى القرينتين) ففي الألفاظ (أو) كان (أكثره) أي : أكثر ما في إحدى القرينتين من الألفاظ (مثل ما يقابله من) الألفاظ في القرينة (الأخرى) والمثلية (في الوزن والتقفية) والمراد بالتقفية هنا كما تقدم التوافق في الحرف الأخير (فترصيع) أي : فالسجع الكائن في الفاصلتين على هذه السورة يسمى ترصيعا تشبيها له بجعل إحدى اللؤلؤتين في العقد في مقابلة الأخرى مثلها فالمعتبر في الترصيع مساواة القرينة للأخرى بعد توافق فاصلتيهما وزنا وتقفية ثم مثل لما فيه المساواة في الجميع بقوله (نحو) قوله (فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه) شبه تزيين السجع بمصاحبة خيار الألفاظ بجعل الحلى مطبوعا بالجواهر فعبر بهذه العبارة على طريق الاستعارة بالكناية (ويقرع الأسماع بزواجر وعظه) شبه الأسماع بأبواب تقرع بالأصابع لتفتح فعبر بما ذكر أيضا على طريق

__________________

(١) نوح : ١٣ ، ١٤.

٦٢٦

الاستعارة بالكناية فلا شك أن قوله فهو لا مقابل له من القرينة الأخرى ، وباقي الألفاظ مساوية لما يقابلها وزنا وتقفية فيطبع مساو ليقرع والأسجاع مساو للأسماع والجواهر مساو للزواجر والفاصلة مساوية للأخرى فهذا مثال لما تساوت فيه جميع المتقابلات ولو بدل الأسماع بالآذان كان مثالا لما تساوى فيه الجل ؛ لأن الآذان لا يساوي الأسجاع تقفية ولو ساواه وزنا وهو ظاهر (وإلا) يكن جميع ما في القرينة من المتقابلات مساويا لما يقابلها ؛ ولأجل ما فيها مساويا وهو صادق بأن يقع الاختلاف في الجل وأن يقع في الكل ، وأن يقع في النصف ، وصادق بكون الاختلاف في الوزن والتقفية معا وبكونه في أحدهما دون الآخر وهذا كله مع فرض الاتفاق في نفس الفاصلتين ؛ لأن الاختلاف هنا إنما يفرض في غيرهما (فمتواز) أي : فهذا النوع من السجع يسمى متوازيا ؛ لتوازي الفاصلتين وزنا وتقفية دون رعاية غيرهما والتسمية يكفي فيها أدنى اعتبار إذ الغرض تمييز أجناس المقاصد بالتسمية ثم مثل لما وقع فيه الاختلاف في نصف القرينتين وهو جميع غير الفاصلتين مهملا لغيره لكفايته فقال وذلك (نحو) قوله تعالى (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) (١) هذه قرينة (وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) (٢) هذه أخرى فلفظ فيها لا يقابله لفظ من الأخرى وسرر وهو نصف ما بقى ؛ لأن العبرة هنا بالألفاظ دون نفس الحروف يقابله من الأخرى أكواب وهو نصف الأخرى وهما مختلفان وزنا وتقفية معا ، كما لا يخفى وقد يختلف النصف المقابل في الوزن فقط ويكون متوازيا كقوله تعالى (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً* فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً) (٣) فالمرسلات مع العاصفات متفقان تقفية ولم يتفقا وزنا ، وكل منهما نصف القرينة كذا قيل وفيه نظر ؛ لأن المعتبر من الوزن هنا الوزن الشعري كما قيل لا الوزن النحوي ، وعليه فهما متوقفان إذ المتحرك في مقابلة المتحرك والساكن في مقابلة الساكن وعدد الحروف المنطوق بها واحد فيهما ، وإن كان وزن المرسلات في النحو المفعلات والعاصفات الفاعلات وقد تختلف التقفية فقط فيما

__________________

(١) الغاشية : ١٣.

(٢) الغاشية : ١٤.

(٣) المرسلات : ١ ـ ٢.

٦٢٧

يعتبر فيه التقابل دون الوزن ، ويكون متوازيا أيضا ، كقولنا : حصل الناطق والصامت أي حصل عندنا اكتساب العبيد واكتساب غيرهم مما لا ينطق وهلك الحاسد والشامت وهو الذي يفرح بنزول المصائب فبين حصل وهلك تخالف في التقفية دون الوزن ، وكذا بين الناطق والحاسد وأما الصامت والشامت فهما فاصلتان لا بد فيهما من التوافق هنا ثم أشار إلى بيان أحسن السجع وإلى مراتبه فقال (قيل وأحسن السجع ما تساوت قرائنه) في اللفظات وأحسن هذا الأحسن أقصره قرينة ؛ لصعوبة إدراكه وعزة اتفاقه ولقرب سجعه من السجع بخلاف التطويل وأحسنه ما كان من لفظين وينتهي الأقصر إلى تسع كلمات وما زاد على ذلك تطويل وشرط الحسن أن لا تكون إحدى القرينتين تكرارا للأخرى وإلا كان تطويلا ، كقوله : طاروا واقين بظهورهم صدورهم وبأصلابهم نحورهم فإن الظهور بمعنى الأصلاب والصدور بمعنى النحور ، ثم مثل لما تساوت قرائنه فقال وذلك (نحو) قوله تعالى (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) (١) هذه قرينة (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) (٢) هذه أخرى (وظل ممدود) هذه أخرى وقد تساوت في كون كل مركبة من لفظين (ثم) يلي ما تساوت قرائنه في الحسن الكائن باعتبار التساوي (ما طالت قرينته الثانية نحو) قوله تعالى (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) (٣) هذه قرينة (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) (٤) هذه الثانية وهي أكثر في الكلمات مما قبلها فهي أطول (أو) طالت قرينته (الثالثة) فهو ما يلي المتساوي في الحسن أيضا (نحو) قوله تعالى (خُذُوهُ) (٥) هذه قرينة (فَغُلُّوهُ) (٦) هذه أخرى وهما متساويان في أن كلا منهما كلمة واحدة ولا عبرة بحرف الفاء المأتي به للترتيب في كونهما من كلمتين (ثم الجحيم صلوه) هذه الثالثة وهي أطول من كل مما قبلها (ولا يحسن أن يولي قرينة) أي لا يحسن أن يؤتى بقرينة

__________________

(١) الواقعة : ٢٨.

(٢) الواقعة : ٣٠.

(٣) النجم : ١.

(٤) النجم : ٢.

(٥) الحاقة : ٣٠.

(٦) الحاقة : ٣٠.

٦٢٨

بعد أخرى موالية لها (أقصر منها) أي من الأولى (كثيرا) وإنما قال كثيرا احترازا مما إذا أتى بالقصرى بعد الطولى ولكن قصر الثانية قليل فإنه لا يضر ، وقد ورد في التنزيل كقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ)(١) فإن الأولى من تسع كلمات بحرفي الجر والاستفهام والثانية من ست ولم يضر فيؤخذ منه أن الزيادة بالثلث لا تضر ، بخلاف ما إذا قصرت الثانية كثيرا فإنه يقبح ؛ لأن السجع قد استوفى أمده في الأولى بطوله فاعتبر ذلك الأمد فصار هو أمده المطلوب في الأخرى ، فإذا أتى بها قاصرة قصرا كثيرا صار السمع كمن يريد الانتهاء إلى غاية ثم يعثر دونها ففاجأه خلاف ما يرتقب وهو مما يستقبح وذلك كما لو قيل خاطبني خليلي وشفاني بكلامه الذي هو كالجوهر النفيس ، فاقتضيت به أحسن تنفيس والذوق السليم شاهد بقبح ذلك ، ثم أشار إلى أمر يرتكب في اكتساب حسن السجع وبين أنه مغتفر حتى صار أصلا فقال (والأسجاع مبنية على سكون الأعجاز) أي الأصل الذي يرتكب ويغتفر لتحصيل الأسجاع ولتكثيرها هو سكون الأعجاز بالوقف ولذلك كثر اكتساب حسن الأسجاع ، ولو اعتبر مع الإعراب قل اكتسابه وقل اتفاقه ، فإذا كانوا يترخصون لحسن المزاوجة في الخروج عن موضوع اللفظ كقولهم الغدايا والعشايا بدلا عن الغدوات لمزاوجة العشايا فلا يغتفر ، والوقف والخروج عن الإعراب لكونه صحيح الاعتبار لاكتساب حسن ازدواج السجع أولى وأحرى ويعني بالأعجاز أواخر فواصل القرائن فإذا اعتبرت ذلك كثر وجود السجع وذلك (كما في قولهم ما أبعد ما فات) لأن ما فات من الزمان ومن الحادث فيه لا يعود أبدا (وما أقرب ما هو آت) لأنه لا بد من بلوغه وحينئذ كأن لم ينتظر فصار كالقريب وهذا من السجع عندهم مبنيا على سكون عجز الفاصلتين باعتبار جعل الوصل في حكم الفصل ولو لا ذلك لم يكن من السجع ؛ لأن تاء فات لو لا الوقف كانت مفتوحة وتاء آت لو أعربت كانت مكسورة فأخذ مما ذكر أن الاستواء في هيئة حرف السجع لا بد منه إعرابا أو سكوتا (قيل ولا يقال في القرآن أسجاع) بمعنى أنه ينهى عنه لا لعدم وجوده في نفس الأمر ؛ بل لرعاية

__________________

(١) الفيل : ١ ـ ٢.

٦٢٩

الأدب ولتعظيم القرآن وتنزيهه عن التصريح بما أصله في الحمام التي هي من الدواب العجم إذ السجع في أصله هو هدير الحمام ، ثم نقل لهذا المعنى فلا يصرح بوجوده في القرآن لما ذكر ولكونه من نغمات الكهنة في كثرة أصل إطلاقه أيضا وقيل إن العلة في أنه لا يقال في القرآن أن الشرع لم يرد فيه الإذن بإطلاقه وفيه نظر ؛ لأن الذي ذكروا أنه يتوقف على الإذن الشرعي هو تسميته تعالى باسم اتصف بمعناه فهذا هو الذي قيل فيه بالتوقف على الإذن الشرعي فلا يسمى إلا بما سمى به نفسه من أسمائه الحسنى ، وأما نحو هذه الألقاب فلم يقل أحد بتوقف إطلاقها في القرآن على الإذن الشرعي مثل التجنيس والترصيع والقلب ونحو ذلك ، ورد بأن القرآن كلام الله فلا يسمى كله ولا جزؤه إلا بما لا إيهام فيه ولا نقصان قياسا على تسميته الذات ، والسجع هدير الحمام ونغمات الكهنة ففيه من النقصان ما يمنع من إطلاقه إلا بإذن ويؤيد هذا ما ورد في الحديث من النهي في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" أسجعا كسجع الجاهلية" (١) فتأمله.

(بل يقال) للأسجاع في القرآن ، وأعني بالأسجاع هنا الكلم الأواخر من الفقر بناء على ما قال السكاكي من أن السجع يطلق على نفس الكلمة (فواصل) أي : الذي يقال في السجع باعتبار القرآن فواصل ولا تسمى باسم الأسجاع تأدبا كما تقدم ، ثم إن مقتضى ما تقدم اختصاص السجع بالنثر حيث قيل إنه في النثر كالقافية في الشعر ، وحيث قيل توافق الفاصلتين إذ الفاصلتان مخصوصتان في أصلهما بالنثر وحيث أطلقتا على ما في الشعر فتوسع (و) لكن (قيل في السجع غير مختص بالنثر) بل يكون فيه كما تقدم وفي النظم (ومثاله من النظم قوله تجلى به رشدي) (٢) أي : ظهر بهذا الممدوح رشدي أي بلوغي للمقاصد بإرشاده وإرفاده وهذه قرينة ذات سجعة في النظم (وأثرت به يدي) أي : صارت يدي بهذا الممدوح ذات ثروة أي كثرة مال لاكتسابها منه جاها وإعطاء ، وإنما قلنا : جاها ؛ لأن اكتساب المال بالجاه أعظم من اكتسابه بالإعطاء ؛ لأن

__________________

(١) رواه النسائى فى" القسامة" ، وأبو داود في" الديات".

(٢) البيت لأبى تمام فى شرح ديوانه ص (١١١) ، والمصباح ص (١٦٩) ، والإشارات (٣٠١) ، وشرح عقود الجمان (٢ / ١٦٠) ، والعمدة (٢ / ٢٣).

٦٣٠

الجاه يفيض على صاحبه من كل جانب وهذه قرينة أخرى في النظم بسجعتها (وفاض به ثمدي) أي : وفاض بالممدوح ثمدي أي مائي القليل إذ الثمد في الأصل هو الماء القليل وهذا الكلام عبارة عن كثرة المال فهذه قرينة بسجعتها كالتأكيد لما قبلها (وأوري به زندي) أي : وصار زندي بهذا الممدوح ذا وري وهذه أيضا سجعة ففي هذا البيت أربع سجعات موقوفة على الدال والورى خروج النار من الزند ويكنى به عن الظفر بالمقصود ؛ لأن الزند إذا لم يكن ذا وري لم ينل منه المراد وإذا كان ذا وري نيل منه ، فأوري على هذا فعل ماض وفاعله زندي فهو موافق لما قبله في كون فاعله غير ضمير المتكلم ، وأما ضبطه بضم الهمزة على أنه مضارع وفاعله ضمير المتكلم فتصحيف ويأباه الطبع أيضا ، والدليل على أنه تصحيف أمران أحدهما عدم مطابقته لما قبله في الفاعل في كونه من طريق الغيبة بسبب كونه ظاهرا فلم يجر الكلام على نمط واحد وجريانه مع إمكانه أنسب لبلاغة الشاعر ، والآخر أن العرف جرى بأن يقال : أوري أنا زندي ؛ على أن يكون المعنى أظفر بالمراد ، وأما إباية الطبع إياه فإن فيه الإيماء إلى ما ينافي المقام ؛ لأن فيه الإيماء إلى أن عنده أصل الظفر بالمراد ثم استعان بالممدوح حتى بلغ المقصود وكون زنده لا ورى له ثم صار بالممدوح ذا وري أنسب لمقام المدح من أنه يخرج نار زنده بإعانة الممدوح مع مباشرته الورى بالتسبب ، فالعبارة الأولى وهي أورى بصيغة المضي تقتضي أنه صار زنده ذا وري بعد انعدامه ، والثانية تقتضي أن له أصل الورى والتسبب وبلغ كماله بالممدوح ولا يخفى أن الأولى على هذا أنسب على أنه يتجه أن يقال معنى أوري على حذف مضاف أصير زندي ذا وري فيستوي الاعتباران في هذا المعنى ، ويحتمل أن يكون وجه التصحيف وإباية الطبع الوجهان معا وهو أقرب من التكلف والتدقيق الذي لا يحتاج إليه والضمائر في تجلي به إلخ عائدة على نصر في البيت قبله وهو قوله :

سأحمد نصرا ما حييت وإنني

لأعلم أن قد جل نصر عن الحمد (١)

__________________

(١) البيت لأبى تمام فى ديوانه ص (١١١).

٦٣١

التشطير

(ومن السجع على هذا القول ما يسمى التشطير) أي : إذا بنينا على القول بأن السجع مخصوص بالنثر فما يوجد في النظم مما يشبهه يعد من المحسنات الشبيهة به ، وإذا بنينا على هذا القول وهو القول بأنه يوجد في الشعر فهو قسمان : ما لا يسمى بالتشطير وهو الذي تقدم. وما يسمى بالتشطير (وهو) أي : السجع المسمى بالتشطير في الشعر هو (جعل كل من شطري البيت سجعة) أي : جعل كل شطر صاحب سجعة (مخالفة لأختها) أي : مخالفة للسجعة التي في الشطر الآخر ومن لازم ذلك أن يكون في كل شطر سجعتان متفقتان ضرورة أن السجع موافقة فاصلة لأخرى في الحرف ، فحيث حكم بأن السجعة في الشطر مخالفة لسجعة الشطر الآخر لزم برعاية شطر السجع أن في كل شطر سجعتين ليتحقق معنى السجع فيه ، فحينئذ تكون سجعتاه مخالفتين لسجعتي الآخر ، فالمراد بالسجعة الجنس الشامل لاثنين من الأفراد فأكثر ، وإنما قررناه على تقدير المضاف أي جعل كل من الشطرين صاحب سجعة لما علم أن السجعة إما توافق فاصلتين أو نفس الفاصلة وبكل تقدير لا يكون الشطر نفس السجعة الذي هو ظاهر العبارة بل هو ذو سجعة ، ويحتمل أن يكون لفظ سجعة منصوبا لا على إسقاط مضاف بل بوصف محذوف أي : جعل الشطر مسجوعا سجعة ويحتمل أن يكون أطلق السجعة على مجموع الشطر الذي وجدت فيه تجوزا من إطلاق الجزء على الكل فيصح الكلام بلا تقدير (كقوله) أي : ومثال ما يسمى من السجع تشطيرا قول أبي تمام يمدح المعتصم حين فتح عمورية (تدبير معتصم) (١) هذه سجعة (بالله منتقم) هذه أختها (لله مرتغب) هذه سجعة الشطر الثاني (في الله مرتقب) هذه أخت التي قبلها ، ولا يخفى أن سجعتي الشطر الأول بالميم وسجعتي الثاني بالباء فهذا تشطير ؛ لأنه جعل سجعتي الشطر الأول مخالفتين لأختيهما من الشطر الثاني وقد وجد السجع في البيت بلا سكون ، وبه يعلم أن العدول إلى السكون في السجع إنما هو عند الحاجة إليه

__________________

(١) البيت لأبى تمام فى ديوانه ص (٢٠) ، والمصباح ص (١٦٨) ، والإشارات ص (٣٠٢) ، وشرح عقود الجمان (٢ / ١٦١) ، والعمدة لابن رشيق (٢ / ١٢٣).

٦٣٢

وصف الممدوح في البيت بأنه ممن يعتصم بالله أي : يتحصن به تعالى ويتوكل عليه ، وينتقم ممن انتقم منه لله ، أي : لأجل أخذ حق الله من ذلك المنتقم منه ويرغب فيما عند الله ويرتقب من الله تعالى ثوابه ويرجوه أن يرفع عنه عذابه فهو خائف راج كما هو صفة المؤمنين.

الموازنة

(ومنه) أي ومن البديع اللفظي (الموازنة) أي النوع المسمى بالموازنة (وهي) أي : الموازنة (تساوي الفاصلتين) والمراد بالفاصلتين هنا ما يعم الفاصلتين في النثر فهما الكلمتان الأخيرتان فيما يعتبر مزاوجا لمقابله فيشمل الكلمتين الأخيرتين في الفقرتين والفقرتان من النثر جزما وهما المرادتان بالفاصلتين فيما تقدم ، وقد سبق أن ذلك الإطلاق هو الأكثر والأصل ويشمل الكلمتين الأخيرتين من المصراعين فعلم بهذا أن الموازنة تكون في النثر وفي النظم معا ؛ ويدل على ذلك الأمثلة الآتية (في الوزن دون التقفية) أي : الموازنة هي أن تتفق الفاصلتان في الوزن ولا يتفقا في القافية وقد تقدم أن المراد بالتقفية هنا حيثما أطلقت اتفاق مزدوجين في الحرف الأخير ولا يختص ذلك بالقافية الشعرية وذلك (نحو) قوله تعالى (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) (١) هذه فقرة (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) (٢) هذه أخرى فالفاصلة في الفقرة الأولى مصفوفة وفي الثانية مبثوثة وهما متفقتان في الوزن الشعري دون التقفية ضرورة مخالفة الفاء في الأولى للثاء في الثانية ولا عبرة بهاء التأنيث في التقفية على ما تقرر ذلك في علم الشعر والتقفية هنا تابعة لذلك.

وقوله دون التقفية يحتمل أن يكون على ظاهره كما قررنا أي : يتفقان في الوزن ولا يتفقان في التقفية فيجب في الموازنة عدم الاتفاق في التقفية ، وعليه فالموازنة لا تصدق على نحو قوله تعالى (سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ* وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ)(٣) لوجود التوافق في التقفية وشرط في الموازنة عدم الاتفاق فيها وتباين اللوازم يقتضي تباين الملزومات

__________________

(١) الغاشية : ١٥.

(٢) الغاشية : ١٦.

(٣) الغاشية : ١٣ ، ١٤.

٦٣٣

ويحتمل أن يكون الكلام على تقدير أي يشترط في الموازنة التوافق في الوزن دون اشتراط التوافق في التقفية وإذا لم يشترط فيه التوافق في التقفية جاز أن تكون مع التقفية وعدمها بشرط اتحاد الوزن وعليه فيكون بينها وبين السجع العموم من وجه ؛ لأنه شرط فيه اتحاد التقفية بلا شرط اتحاد الوزن فيصدقان في نحو سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ؛ لوجود الوزن والتقفية معا وينفرد السجع بنحو (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً* وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً)(١) لوجود التقفية فيكون سجعا دون الوزن فلا يكون موازنة وتنفرد الموازنة بنحو ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة لوجود الوزن فيكون موازنة دون التقفية فلا يكون سجعا.

وأما ابن الأثير فإن صح ما نقل عنه كان السجع أخص مطلقا من الموازنة لأنه شرط في السجع التوافق في الوزن والتقفية وشرط في الموازنة التوافق في الوزن دون أن يشترط الحرف الأخير وهو التوافق في التقفية ، فالموازنة عنده هي ما يقع فيه التوافق في الوزن سواء كان ذلك مع التقفية أو لا فنحو (سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ* وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) سجع وموازنة ونحو شديد وقريب إذا ختم بهما قرينتان لا يكون من السجع ؛ لعدم التقفية ويكون موازنة لوجود الوزن فقد ظهر على هذا أن السجع أخص ؛ لأنه شرط فيه ما في الموازنة وزيادة سواء خص بالنثر أو عم ولكن على هذا يلزم أن نحو (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً* وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) ليس من السجع لعدم الوزن ولا من الموازنة لذلك أيضا فيخرج عن النوعين وهو غاية في البعد فلعل النقل في نسخة الناقل لم يحرر عن ابن الأثير فانظره والله أعلم.

ثم أشار إلى تفصيل في الموازنة نحو الذي تقدم في السجع فقال (فإن كان ما في إحدى القرينتين) من الألفاظ (أو) كان (أكثره) أي : ما في إحدى القرينتين من الألفاظ (مثل ما يقابله من) الألفاظ في القرينة (الأخرى) بمعنى أنا إن وجدنا جميع ما في القرينة مساويا لكل ما يقابله من الأخرى أو لم نجد الجميع مساويا بل وجدنا البعض وكان ذلك البعض أكثر والمساواة تعتبر (في الوزن) ولا يشترط وجود تلك المساواة في التقفية

__________________

(١) نوح : ١٣ ـ ١٤.

٦٣٤

بناء على أن الموازنة تصدق على ما فيه التقفية كما تصدق على غيره (خص) هذا النوع من الموازنة وهو ما تساوى المتقابلات في قرينتيه أو جلها (باسم المماثلة) فقوله : خص جواب إن أي : إن كان ما في إحدى القرينتين مثل جميع المقابل أو مثل جله خص ما كان فيه ذلك باسم المماثلة فيقال هذه الموازنة مماثلة ، ثم الموازنة لا تختص بالنثر كما أشرنا إليه فيما تقدم بل تجري في الشعر خلافا لما توهمه بعضهم من اختصاصها بالنثر ؛ أخذا بظاهر قولهم هي تساوي الفاصلتين ؛ بناء على أن الفاصلتين يختصان بالنثر وقد تقدم أنهما قد يطلقان على ما في الشعر توسعا وخلافا لمن زعم اختصاصها بالشعر ، لأنه أنسب بوزنه باسم الموازنة ولما كانت توجد في القبيلين أعني الشعر والنثر أورد المصنف لهذا النوع منها مثالين مثال من النثر ومثال من الشعر فأشار إلى مثال النثر بقوله (نحو (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ) (١) هذه قرينة (وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٢) هذه مقابلتها فالكتاب من الأولى موازن للصراط من الثانية بخلاف آتيناهما وهديناهما فهذا مثال لما تساوى فيه الجل في الوزن ولم يوجد هنا التساوي في التقفية ومثال التساوي في الكل من النثر قوله تعالى ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة ثم أشار إلى مثاله من النظم فقال (وقوله مها الوحش) (٣) أي : هي مها الوحش في سعة الأعين وسوادها وأهدابها وفي جمال أعضائها فالمها جمع مهاة وهي البقرة الوحشية (إلا أن هاتا) أي : لكن هؤلاء (أوانس) يأنس بهن العاشق دون الوحشيات فزدن في الفضل بهذا المعنى وهن أيضا (قنا الخط) في طول القد واستقامته والقنا جمع قناة وهي الرمح والخط موضع باليمامة ، وهو خط هجر تنسب إليه الرماح المستقيمة (إلا أن تلك) أي : تلك الرماح (ذوابل) جمع ذابل من الذبول ضد النعومة ففضلن الرماح بكونهن نواعم لا ذوابل ، فالنساء هؤلاء كمها الوحش وزدن بالأنس وكالقنا وزدن بالنضارة والنعومة ، فمها من المصراع الأول موازن للقنا من الثاني وأوانس من الأول موازن للذوابل من

__________________

(١) الصافات : ١١٧.

(٢) الصافات : ١١٨.

(٣) شرح عقود الجمان للمرشدي (٢ / ١٦٠) ، وهو لأبى تمام فى ديوانه ص (٢٢٦) ، والتبيان ص (١٧١).

٦٣٥

الثاني وإلا أن فيهما متفق لكن هاتا في الأول وتلك في الثاني غير متوازنين فهذا مثال من الشعر لما تساوى فيه الجل ومثال ما تساوى فيه الكل قول أبي تمام :

فأحجم لما لم يجد فيك مطمعا

وأقدم لما لم يجد عنك مهربا (١)

لا شك أن كل لفظ من المصراع الأول موازن لما يقابله من المصراع الثاني والمعنى أن هذا الأسد لما لم يجد فيك لفوتك عليه طمعا في تناولك فأحجم ولما عرف أنه لا ينجو منك أقدم دهشا ، فإقدامه تسليم منه لنفسه لعلمه بعدم النجاة لا للشجاعة وهذا النوع وهو تساوي الكل هو الأحسن والتزمه في أكثر مديحه بعض الشعراء كأبي الفرج الرومي من شعراء العجم فجل مديحه على المماثلة واقتفى أثره في ذلك الأنورى قيل : إن أكثر شعر الفرس على نمطه.

القلب

(ومنه) أي : ومن البديع اللفظي (القلب) أي النوع المسمى بالقلب وهو أن يكون الكلام بحيث لو عكست قراءته الأولى بأن بدأت بحرفه الأخير ثم بما يليه ثم بما يلي ما يليه وهكذا إلى الحرف الأول كان الحاصل من ذلك العكس هو هذا الكلام بعينه ، وهذا القلب يجري في النظم والنثر (كقوله) أي : ومثاله في النظم قوله :

(مودته تدوم لكل هول

وهل كل مودته تدوم) (٢)

ولا شك أنك لو بدأت بالميم الأخيرة من البيت وقرأت منه البيت إلى أوله لوجدت الحاصل هو الموجود أولا لكن مع تبديل بعض الحركات والسكنات وتخفيف ما شدد أولا وتشديد ما خفف أولا وكل ذلك لا يضر في القلب ، فإن الضبط فيه لا عبرة بما كان منه أولا ؛ لأن التغيير في القلب جائز حتى في قصر الممدود ومد المقصور وحذف الألف وتصييره همزة وتصيير الهمزة ألفا فكل ذلك يصح معه القلب وهذا في القلب الذي يكون في مجموع البيت ويلزم من كونه يرجع بالقراءة من الأخير إلى ما

__________________

(١) البيت للبحترى ، فى شرح عقود الجمان (٢ / ١٦٠) ، والإيضاح ص (٣٣٥).

(٢) البيت للقاضى الأرجانى ، فى شرح عقود الجمان (٢ / ١٦٣).

٦٣٦

قرأ أولا كون مقلوب الشطر الثاني نفس قالب الأول ، ومقلوب الأول هو نفس قالب الثاني ، ليلزم عود البيت كما كان أولا ، وقد يكون القلب في المصراع كقوله :

أرانا الإله هلالا أنارا (١)

فإنك إن صيرت الألف الأخيرة الحاصلة من الوقف همزة وصيرت المقطوعة في أنارا كالوصلية وصيرت الأولى كالوقفية ، وصير المقطوعة في الإله ألفا والألف في هلالا مقطوعة كالهمزة ؛ لأن ذلك جائز كما تقدم وبدلت بعض السكنات والحركات جاء القلب تاما (و) مثاله في النثر قوله تعالى في التنزيل (كُلٌّ فِي فَلَكٍ)(٢) فإنك إن قرأته من الأخير وبدلت بعض الحركات وصيرت المشدد خفيفا والعكس لما تقدم أن المشدد في هذا الباب كالخفيف جاء القلب وكذلك قوله تعالى (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) (٣) وهو ظاهر ، وقد يكون القلب في المفرد كلفظ سلس وهو بفتح اللام وكسرها فالأول مصدر والثاني وصف والفرق بين تجنيس القلب وبين القلب من وجهين أحدهما أن تجنيس القلب يجب أن يذكر فيه اللفظ الذي هو المقلوب مع مقابله ، والآخر أن تجنيس القلب لا يجب أن يكون أحد المتجانسين فيه نفس مقلوب الآخر إذا قرئ من آخره كالقمر والرقم فإن الجمع بينهما تجنيس القلب ولو قرأ أحدهما من آخره على الترتيب لم يكن نفس الآخر بخلاف القلب هنا فيذكر اللفظ المقلوب وحده وحيثما قرئ من آخره كان نفسه كسلس كما تقدم وهذا في المفرد وأما في المركب فقد يذكر المقلوبان معا كما في أرانا الإله هلالا أنارا وقد تقدم في قوله مودته تدوم لكل هول لكن تجنيس القلب أكثره في المفرد مع وجوب ذكر مجانسه بخلاف القلب ، وإذا جوزنا تجنيس القلب في المركب جاز أن يدعى تصادقهما في نحو أرانا الإله هلالا أنارا لوجود المتجانسين قلبا وكلما قرئ أحدهما من أخره صار نفس الآخر تأمله.

__________________

(١) البيت في شرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ١٦٣).

(٢) يس : ٤٠.

(٣) المدثر : ٣.

٦٣٧

التشريع

(ومنه) أي ومن البديع اللفظي (التشريع) أي : النوع المسمى بالتشريع قيل : إن تسميته بهذا لا تخلو من قلة أدب ؛ لأن أصل التشريع تقرير أحكام الشرع وهو وصف الباري أصالة ووصف رسوله نيابة ، فالأولى على هذا أن يسمى ببعض ما سمي بها من غير هذه التسمية ، فإنه يسمى التوشيح وذا القافيتين والتسمية الأخيرة أصرح في معناها والتوشيح في الأصل التزيين باللآلي ونحوها (وهو) أي التشريع الذي هو التوشيح وذو القافيتين (بناء البيت على قافيتين) أو أكثر بحيث (يصح المعنى) والوزن (عند الوقوف) أي مع الوقوف (على كل منهما) أي : كل من القافيتين اللتين بني البيت عليهما وأبلغه ما يكون في جميع القصيدة ، وإنما قلنا أو أكثر ليعلم أن البناء على أكثر يسمى التشريع أيضا ، وإن كان يلزم من البناء على أكثر وجود البناء على قافيتين إلا أنه حيث اقتصر على ذكر القافيتين ربما يتوهم اختصاص التشريع بهما وزدنا بعد قوله : يصح المعنى ، قولنا : والوزن تصريحا ، بما يفهم من قوله على قافيتين إذ البناء على القافية يستلزم صحة الوزن ضرورة أن القافية لا تسمى قافية إلا مع الوزن فعلى هذا لا يرد أنه بقى على المصنف ذكره لأنه مفهوم من ذكر القافية ، وإنما صرحنا نحن لزيادة الإيضاح فالتشريع حينئذ هو أن يبني الشاعر أبيات القصيدة جميعها أو بعضها على قافيتين بحيث يصح المعنى والوزن عند الوقوف على كل منهما على أن يكون الوزن مع خصوص كل من القافيتين من بحر غير بحر الأخرى ، أو من ضرب غير ضرب الأخرى مع كونهما من بحر واحد ، أو يبني الأبيات على قواف متعددة وإنما لم يذكره المصنف ولم يمثل له ؛ لأنه متكلف قليل الوجود ، والموجود كثيرا ، وعليه تبنى القصائد ما يكون من قافيتين (كقوله) أي : ومثال ما يبني على قافيتين قول الحريري :

(يا خاطب الدنيا الدنية إنها

شرك الردى وقرارة الأكدار) (١)

أي مقر الكدورات وبعده :

__________________

(١) الأبيات لأبى القاسم الحريرى فى المقامة الثالثة والعشرين كما فى شرح عقود الجمان (٢ / ١٦٧) ، والمثل السائر (٣ / ٢١٧) ، والمصباح ص (١٧٦) ، والطراز (٢ / ٧٢) ، ومقامات الحريرى ص (١٩٢).

٦٣٨

دار متى ما أضحكت من يومها

أبكت غدا بعدا لها من دار

غاراتها لا تنقضي وأسيرها

لا يفتدي بجلائل الأخطار

فقد جعل لهذه الأبيات وكذا سائر أبيات القصيدة قافيتين إحداهما صاحبة الروي الذي هو الدال فتكون الأبيات هكذا :

يا خاطب الدنيا الدني

ية إنها شرك الردى

دار متى ما أضحكت

من يومها أبكت غدا

غاراتها لا تنقضي

وأسيرها لا يفتدى

وعليها تكون الأبيات من الضرب الثامن من الكامل والأخرى صاحبة الروي الذي هو الراء وبها كمل البيت الذي استشهد به المصنف ، وعليها تكون الأبيات من الضرب الثاني من الكامل أيضا ، والقافية قيل : إنها هي الكلمة الأخيرة من البيت فتكون على الاعتبار الأول هي لفظ الردى في البيت الأول ولفظ غدا في الثاني ولفظ يفتدى في الثالث وتكون على الاعتبار الثاني هي الأكدار في البيت الأول ، ودار في الثاني والأخطار في الثالث ، وقيل : هي من الساكن الأخير في البيت إلى ساكن يليه مع الحرف الذي هو قبل الساكن الأول أو مع حركته ، فهو على الاعتبار الأول من الكاف في شرك الردى أو من حركته في البيت الأول إلى الأخير ومن الكاف أو من حركته في أبكت غدا في الثاني ومن الياء أو من حركته في يفتدي في الثالث ، وعلى اعتبار حركة ما قبل الساكن فلا مدخل لحرفها في القافية بخلاف اعتبار الحرف وعلى الاعتبار الثاني ظاهرة ، وبيان جميع ما قيل فيها وكذا بيان حقيقة الضربين موكول لفن آخر والعادة أن ما يحكي في فن من غيره يوكل بيانه لمكانه حتى إن التعرض له في المحكي فيه إذا لم تتوقف مسائل الفن على تصوير تفاصيله يعد من الفضول المنهي عنه ، وقد علم مما ذكر أن التشريع يكون بالقافيتين أو أكثر ، وقد تقدم أنه لم يعتبر ذا الأكثر ؛ لقلته وتكلفه ، قيل : ومن لطيف ذي القافيتين نوع يوجد كثيرا في الشعر الفارسي وهو الذي تكون فيه الألفاظ الباقية بعد القوافي الأول بحيث إذا جمعت كانت شعرا مستقيم المعنى

٦٣٩

والوزن ولم يبين هل من شرطه أن يكون الباقي من مجموع ما اعتبرت فيه القافيتان شعرا جميعا حتى لا تفضل لفظة تكون حشوا ، أو يكفي في حسن ذلك وجود شعر من الباقي ولو بيتا ولم يشترط في المضموم كونه بإحدى قافيتي الأول ؛ وهو ظاهر لجواز أن يكون بقافية أخرى.

لزوم ما لا يلزم

(ومنه) أي : ومن البديع اللفظي (لزوم ما لا يلزم) أي : النوع المسمى بلزوم ما لا يلزم ويقال له الإلزام والتضمين ؛ لتضمينه قافيته ما لا يلزمها ، والإعنات أي : الإيقاع فيما فيه عنت بفتحتين أي : مشقة وشدة (وهو) أي لزوم ما لا يلزم المسمى بما ذكر (أن يجيء قبل حرف الروى أو) يجيء قبل (ما في معناه) أي : قبل ما في معنى الروي (من الفاصلة) بيان لما ، وأطلق الفاصلة على الحرف الذي هو في معنى الروي وهو الحرف الذي تختم به فاصلة من الفواصل وقوله (ما ليس بلازم في السجع) فاعل يجيء ، يعني أن لزوم ما لا يلزم هو أن تأتي بحرف قبل الروي أو ما يجري مجرى الروي من حرف الفاصلة بحرف لا يلزم ذلك الحرف في السجع ، بمعنى أن القوافي أو الفواصل لو جعلت ذوات أسجاع بأن حولت القوافي عن وزن الشعر وجعلت الفواصل مسجعة لا يلزم الإتيان بهذا الحرف المأتي به قبل ذلك الروي في القافية ، وقيل : ما ختمت به الفاصلة في النثر فعلى هذا لا يقال كان ينبغي أن يقول هو أن يؤتى بحرف لا يلزم في السجع الذي يكون في الفواصل ، ولا يلزم في القوافي التي في الشعر ليوافق قوله قبل حرف الروي أو ما في معناه وهو حرف السجع ، فكأنه يقول : الإتيان بهذين بما لا يلزم قبلهما ؛ لأنه ليس مراده بالسجع الفواصل وإنما مراده أن الفواصل التي هي أعم من السجعة وغيرها وكذا القوافي لزوم ما لا يلزم فيهما هو مجيء حرف آخر قبل ما ختمت هي به لا يلزم ذلك الحرف تلك القوافي ولا تلك الفواصل على تقدير جعلها أسجاعا ، وتحويلها إلى خصوص السجع ومعنى تحويلها إلى السجع جعل جنسها الشامل لغير السجع مخصوصا بالسجعة ، وهذا ولو كان فيه بعض التكلف أحق مما قيل كما سيظهر فمن أورد ما تقدم فلم يفهم مراد المصنف وإن كان ما يذكر هو المتبادر ؛ لأن

٦٤٠