مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ٢

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي

مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ٢

المؤلف:

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي


المحقق: الدكتور خليل إبراهيم خليل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-3820-0

الصفحات: ٧٩٥
الجزء ١ الجزء ٢

فيه من الأوصاف ، إلا إن كان الكرم عيبا وهو محال بخلاف قولنا أنا أفصح الناس بيد أني من بني فلان الفصحاء ، فلا معنى للتعليق فيه فإن قلت : ما المانع أن يقدر في المثال وشبهه إلا أن يكون كوني من بني فلان مخلا بالفصاحة ، فيثبت لي إخلال بها ، فحينئذ يفيد التأكيد من الوجه الأول أيضا؟ قلت : يمنع من ذلك كون ذلك غير معتبر في استعمال البلغاء ، وإلا لصرح به يوما ما ولو قيل : أنا أفصح الناس إلا أني من بني فلان إن كان ذلك مخلا بالفصاحة ، كان ركيكا ، بخلاف التعليق بعد العموم كما تقدم.

فإن قلت قد بين المصنف أن إفادة التأكيد بالوجه الثاني متوقف على كون الأداة للاستثناء ؛ ليستشعر أصله من الاتصال فيستشعر أنه ما عدل عنه إلا لعدم إمكانه ، فيجيء التأكيد وهو متوقف على تأويل ، نحو : أنا الناس أفصح إلا أني من بني فلان على تقدير العموم ، أي : لا شيء يخل بفصاحتي ، وإذا قدر كذلك أفاد التأكيد بالوجه الأول أيضا ؛ لأنه إن لم يقدر العموم هكذا فإما يقدر عموم الإثبات أي : لي كل موجب للفصاحة إلا هذا ، وهو تناقض وإن لم يقدر العموم أصلا كان من باب ذكر المدح بعد المدح ، كأن يقال : أنا أفصح الناس وأنا لي موجب زيادة الفصاحة ، وليس هذا من تأكيد المدح بما يشبه الذم في شيء. قلت من حيث إن الأداة أداة الاستثناء يراعى لها ما يصحح أصلها من الاتصال ، فيقدر العموم فتفيد بالوجه الثاني.

ومن حيث إن العموم لم يوجد في اللفظ ألغى تقديره المصحح للإفادة بالوجه الأول ؛ لما فيه من التحمل كما تقدم. فلم تفد بالأول تأمل. وقد أطلت هنا لما رأيت من الحاجة لهذه المباحث في تحقيق المحل والله الموفق.

(ولهذا) أي : ولأجل أن التأكيد في هذا الضرب الذي هو أن يثبت لشيء صفة مدح ، وتعقب تلك الصفة بآلة الاستثناء بعدها صفة مدح لذلك الشيء ، إنما يكون ذلك التأكيد من الوجه الثاني فقط ، وهو الإشعار بأنه طلب صفة ذم ، فلم يجدها ، فاضطر لاستثناء صفة مدح (كان) أي ولأجل ذلك كان الضرب (الأول) المفيد للتأكيد من الوجهين أحدهما ما ذكر ، والآخر ما تقدم ، وهو ما فيه من كون التعليق فيه كدعوى الشيء ببينة (أفضل) ، أي لأجل ذلك كان الأول أفضل من الثاني (ومنه) أي

٥٨١

من تأكيد المدح بما يشبه الذم (ضرب آخر) يعود إلى الأول في المعنى ، ولو كان خلافه في الصورة التركيبية. وسنبين ذلك. وهذا الضرب الذي قلنا أنه يعود إلى الأول ، هو أن يؤتي بالاستثناء مفرغا بأن لا يذكر المستثنى منه ، ويكون العامل مما فيه معنى الذم ويكون المستثنى مما فيه معنى المدح والمستثنى هنا هو المعمول لهذا الفعل الذي فيه معنى الذم ؛ لأن الغرض وجود التفريغ ، وذلك (نحو) قوله تعالى حكاية عن سحرة فرعون : (وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا) (١) أي ما تعيب يا فرعون إلا هذه المنقبة ، التي هي أصل المناقب والمفاخر كلها وهو الإيمان بالله تعالى يقال نقم منه وانتقم : إذا عابه في شيء وكرهه لأجل ذلك الشيء.

وكون الإيمان أصل المناقب وقاعدة النجاة والشرف الدنيوي والأخروي مما لا يخالف فيه عاقل ، فلا يضر كون فرعون يعتقده عيبا بالنسبة لكفره ، فقد أتى في المثال بأداة استثناء بعدها صفة مدح هي الإيمان ، والفعل المنفي مما فيه معنى الذم ؛ لأنه من العيب فهو من تأويل لا عيب فينا إلا الإيمان ، إن كان عيبا قيل أن الاستثناء هنا متصل حقيقة إذ التقدير ما تعيب شيئا منا إلا الإيمان ، بخلافه فيما تقدم ، فإنه منقطع ، أو في حكم المنقطع وفيه أنه إن جعل متصلا حقيقة خرج المثال عما نحن بصدده ، إذ ليس فيه تأكيد المدح بما يشبه الذم إذ حاصل المعنى أنك ما عبت فينا أمرا من الأمور إلا الإيمان ، جعلته عيبا وليس بعيب في نفسه ، كما تعتقد ، فهو بمنزلة ما لو قيل : ما أنكرت من أفعال زيد إلا مواصلة فلان ، وليست مما ينكر فالنزاع إنما هو في المستثنى هل هو كما اعتقده المخاطب أو لا؟ وليس منه تأكيد المدح بما يشبه الذم في شيء ؛ لأنه لم يستثن مدحا أكد به مدحا هو نفي العيب ، وإنما استثنى أمرا مسلم الدخول ، وبقي النزاع فيه هل هو كم زعمه المخاطب أم لا بخلاف قولنا لا عيب عندنا إلا الإيمان إن كان عيبا فهو بمنزلة :

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب (٢)

__________________

(١) الأعراف : ١٢٦.

(٢) البيت للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص (٤٤) ، والإشارات ص (١١١) ، والمصباح ص (٢٣٩) ، والإيضاح ص (٣١٤).

٥٨٢

فالتأويل على الانقطاع متعين يفيد هذا الضرب ما يفيده الأول من التأكيد بالوجهين وهما أن فيه من التعليق ما هو كإثبات الشيء ببينة ، وأن فيه الإشعار بطلب ذم فلم يجده فاستثنى المدح وهو ظاهر (والاستدراك) المفهوم من لفظ لكن (في هذا الباب) أي : في باب تأكيد المدح بما يشبه الذم يفيده (ك) ما يفيده (الاستثناء) لأنهما أعني الاستثناء والاستدراك من واد واحد ، إذ كل منهما لإخراج ما هو بصدد الدخول ، وهما أو حقيقة فإنك إذا قلت في الاستدراك : زيد شجاع لكنه بخيل فهو لإخراج ما أوهم ثبوت الشجاعة دخوله ؛ لأن الشجاعة تلائم الكرم كما أنك إذا قلت في الاستثناء : جاء القوم إلا زيدا ، فهو لإخراج ما أوهم عموم الناس دخوله ، وإن كان الإيهام في الأول بطريق الملاءمة والثاني بطريق الدلالة ، التي هي أقوى ، فإذا أتى بصفة مدح ثم أتى بآلة استدراك بعدها صفة مدح ، أشعر الكلام بأنه لم يجد حالا يستدركه على الصفة المدحية غير ملائم لها ، الذي هو الأصل ، فأتى بصفة مدح مستدركة على أخرى ، فيجيء التأكيد كما تقدم في الضرب الثاني في الاستثناء ولم يكتف عن ذكر الاستدراك بخلاف إلا فيمكن أن تختص بهذا الحكم لصحة جعلها استثناء بالتأويل. كما تقدم.

وإن كانت بحسب الظاهر المراد بمعنى لكن ثم مثل للاستدراك المفيد لتأكيد المدح بما يشبه الذم ، فقال : وذلك (كما في قوله) أي : بديع الزمان الهمذاني يمدح خلف بن أحمد : (هو البدر) (١) رفعة وشرفا (إلا أنه البحر زاخرا) أي مرتفعا متراكم الأمواج كرما. (سوى أنه الضرغام) أي الأسد شجاعة وقوة (لكنه الوبل) جمع وابل وهو المطر الغزير ، ولم يكتف بوصفه بكونه بحرا في الكرم عن كونه وبلا فيه ؛ لأن الوبلية تقتضي وجود العطاء ، والبحرية تقتضي التهيؤ للأخذ من كل جانب ، فالكرم المستفاد من البحرية كالقوة والمستفاد من الوبلية كالفعل.

فلم يكتف بالأول عن الثاني فقوله إلا أنه البحر وسوى أنه الضرغام يجري فيهما ما جرى فيما تقدم وهو بيد أني من قريش إذ هما استثناء من الضرب الثاني وقوله

__________________

(١) البيت لبديع الزمان الهمذانى ، وهو بلا نسبة فى مفتاح العلوم ص (٢٢٦) ، وعقود الجمان (٢ / ١٠٩).

٥٨٣

لكنه الوبل استدراك يفيد من التأكيد ما يفيده الاستثناء في الضرب الثاني وقد بينا وجه إفادة الاستدراك لتأكيد المدح بما يشبه الذم ، وإنه يكون بالوجه الذي يفيده به الضرب الثاني من الاستثناء ، ويعلم مما تقدم في الاستثناء في الضرب الثاني وجه كونه لا يفيد إلا بأحد الوجهين ، وهو إشعاره بأنه طلب استدراك ذم فلم يجده فاضطر إلى استدراك مدح وأنه لا يفيد بالأخرى الذي هو وجود تعليق يكون كإثبات الشيء بحجة ، لتوقفه على تقدير الاتصال ، وهو ممنوع في الضرب الثاني لكونه محمولا على الاستدراك فضلا عما هو نص في الاستدراك وذلك ظاهر.

تأكيد الذم بما يشبه المدح

(ومنه) أي ومن البديع المعنوي (تأكيد الذم بما يشبه المدح) أي : النوع المسمى بذلك (وهو ضربان) كما تقدم في تأكيد المدح بما يشبه الذم.

(أحدهما) مثل الأول في تأكيد المدح بما يشبه الذم فهو (أن يستثنى من صفة مدح منفية عن الشيء صفة ذم) ثابتة (له) أي لذلك الشيء (بتقدير) أي : بواسطة تقدير أو على تقدير (دخولها) أي دخول صفة الذم (فيها) أي في صفة المدح ، ومعلوم أن نفي صفة المدح ذم ، فإذا أثبت صفة ذم بعد هذا النفي الذي هو ذم جاء التأكيد كما تقدم في تأكيد المدح وذلك (كقولك فلان لا خير فيه إلا أنه يسيء إلى من أحسن إليه) فقد نفيت صفة مدح وهي الخيرية ، ثم استثنيت بعد هذا النفي الذي هو ذم صفة هي كونه يسيء لمن أحسن إليه فيجري فيه ما تقدم في الضرب الأول في تأكيد المدح ؛ لأنه لما كان فيه تقدير الاتصال لوجود العموم على أن يكون المعنى : لا خير فيه إلا الإساءة للمحسن إن كانت خيرا كان فيه تعليق بالمحال فيكون كإثبات الذم بالبينة ، وكان فيه أيضا من كون الأصل في الاستثناء الاتصال الإشعار بأنه طلب الأصل وهو استثناء المدح ليقع الاتصال فلما لم يجده استثنى ذما فجاء فيه ذم على ذم بوجه أبلغ.

(وثانيهما) أي وثاني الضربين هنا كالثاني في تأكيد المدح فهو (أن يثبت للشيء صفة ذم وتعقب) تلك الصفة (بأداة استثناء تليها) أي : تلي تلك الأداة (صفة ذم أخرى كقولك : فلان فاسق إلا أنه جاهل) والاتصال الذي يكون معه التعليق بالمحال لا

٥٨٤

يوجد فيها أيضا كما تقدم فلا يفيد التأكيد بالوجه الأول كما في الضرب الأول ، وإنما يفيده بالثاني وهو أن الاستثناء لما كان أصله الاتصال فالعدول عن الاتصال إلى الانفصال يشعر بأنه طلب استثناء المدح فلم يجده فأتى بالذم بوجه أبلغ فقد تبين أن الضرب الأول يفيد بالوجهين والثاني يفيد من وجه واحد كما تقدم مع بسطه وتحرير أبحاثه (تحقيق) وجه إفادت (هما) التأكيد يجري ذلك التحقيق والتقدير (على قياس ما مر) أي : على الاعتبار والنظر لما مر في تأكيد المدح بما يشبه الذم كما أشرنا إليه وتقدم ما أغنى عن إعادة جميعه والاستدراك هنا كالاستثناء إذ الاستثناء المنقطع كالاستدراك ، فإذا قلت : فلان بخيل لكنه كاذب كان من تأكيد الذم بما يشبه المدح.

الاستتباع

(ومنه) أي : ومن البديع المعنوي (الاستتباع) أي النوع المسمى بالاستتباع (وهو المدح بشيء على وجه يستتبع المدح بشيء آخر كقوله : نهبت) (١) أي : أخذت على وجه القهر والاختطاف (من الأعمار ما لوحويته) أي : لو اشتمل عليه عمرك (لهنئت الدنيا) أي : لقيل للدنيا هنيئا لكي (بأنك) فيها (خالد) فمدلول الكلام بالذات هو أنه نهب أعمار من وصف تلك الأعمار أنه لو حواها صار بها خالدا في الدنيا ، ولما ذكر أن الدنيا تهنأ بذلك الخلود فهم أن فيه صلاح الدنيا فمدلول الكلام بالقصد الأول ، لأنه مقتضى النسبة الخبرية هو أنه (مدحه بالنهاية في الشجاعة) ؛ لأن اغتيال النفوس وأخذها قهرا إنما يكون بالشجاعة ولما وصف أعمار تلك النفوس بأنها لو اجتمعت لناهبها كانت خلودا دل ذلك على أن القتل ليس أمرا اتفاقيا يمكن لغير المتناهي في الشجاعة بل القتل عنده لما فيه من قوة الشجاعة صار متناولا حيثما أريد كتناول الأمور الطبيعية فلما جعل قتلاه بحيث يخلد وارث أعمارهم صار نهاية في الشجاعة ثم لما جعل خلود تهنأ به الدنيا كان المدح نهاية الشجاعة ، (على وجه) هو كون الخلود تهنأ به الدنيا (استتبع) أي استلزم (مدحه بكونه) أي : بكون الممدوح (سببا لصلاح الدنيا و) حسن (نظامها) ؛ لأن المراد بتهنئة الدنيا تهنئة أهلها فلو لم تكن

__________________

(١) البيت للمتنبي فى ديوانه (١ / ٢٧٧) ، وفى الإشارات ص (٢٨٤) ، والإيضاح ص (٣١٦).

٥٨٥

لهذا الممدوح فائدة لأهل الدنيا ما هنئوا ببقائه ؛ إذ لا تهنئة لأحد بشيء لا فائدة له فيه وكون القصد هو المدح الأول والثاني تابع ظاهر مما قررنا وظاهر بالذوق السليم أيضا.

قال على بن عيسى الربعي زيادة على ما ذكر من الوجهين (وفيه) أي وفي البيت وجهان آخران من المدح مدلولان بالاستلزام أحدهما يعني هو ما أفاده (أنه نهب الأعمار دون الأموال) لأن ذلك يستلزم كونه ممدوحا بعلو الهمة وأن همته تتعلق بمعاني الأمور فالأموال يعطيها ولا ينهبها والأرواح ينهبها فالعدول عن الأموال إلى الأعمار إنما يكون لعلو الهمة وذلك مما يمدح به ولا يقال لا يلزم من الإخبار بنهب الأعمار العدول عن الأموال لصحة الجميع بينهما فلا يدل الكلام على المدح بعلو الهمة ؛ لأنه لا مفهوم للقب ولا حصر يفيد التخصيص ؛ لأنا نقول تخصيص الأعمار بالذكر والإعراض عن الأموال مع أن النهب أصله أن يتسلط على الأموال يفيد التخصيص ؛ لأنهم يعتبرون مفهوم اللقب من جهة أن تخصيصه بالذكر إنما يكون فى محاورة البلغاء وخطابياتهم لفائدة وليس إلا إخراج ما سواه عن الحكم ، وإلا كان الصواب أن يقول مثلا : نهبت كل شيء للأعداء ، وحيث عدل إلى تخصيص الأعمار بالذكر اعتبر له المفهوم عند البلغاء في محاوراتهم فكأنه يقول : ما نهبت إلا الأعمار دون الأموال لعلو همتك ، ولا يضر إلغاء أئمة الأصول مفهوم اللقب ؛ لأن القائلين بذلك قالوا به بالنسبة لاستفادة الأحكام الشرعية التي ينبغي أن تحصل عن ظن قريب من اليقين ، وأما اعتبارات البلغاء التي يكفي فيها أدنى رمز فيصح فيها ما ذكر ؛ لأن الخطاب فيما بينهم كذلك يتفاهم.

(و) الوجه الثاني من المدح (أنه لم يكن ظالما في قتلهم) لأن الظالم لا سرور للدنيا ببقائه بل سرورها بهلاكه ، ومعلوم أن كونه ليس بظالم مدح فهم من التهنئة لاستلزامها إياه فالمدح الأول لازم عما جعل هو الأصل والثاني لازم عما جعل مستتبعا فافهم.

الإدماج

(ومنه) أي ومن البديع المعنوي (الإدماج) أي النوع المسمى بالإدماج وهو لغة الإدخال ومنه أدمج الشيء في ثوبه إذا لفه فيه (وهو) أي الإدماج اصطلاحا (أن يضمن كلام سيق لمعنى آخر) بمعنى أن الكلام الذي سيق لمعنى يجعل متضمنا لمعنى آخر فقوله

٥٨٦

يضمن على صيغة المبني للمفعول ، والنائب هو كلام ، وقوله سيق لمعنى نعت لكلام.

وقوله : معنى آخر المفعول الثاني ليضمن فهو منصوب به بعد أن رفع به المفعول الأول بالنيابة ، وشمل قوله معنى آخر ما يكون مدحا وما يكون غيره ، (فهو) لأجل شمول المعنى المضمن المدح وغيره (أعم من الاستتباع) ؛ لأن المعنى المستتبع أي : المضمن للكلام المساق للمعنى المقصود أولا يشترط فيه أن يكون مدحا ، فاختص الاستتباع بالمدح ، وشمل الإدماج المدح وغيره فكان الإدماج أعم من الاستتباع ، وقيل : إن الاستتباع هو أن يذكر معنى على وجه يستتبع معنى آخر ، فيكون معناه ومعنى الإدماج واحد ، فيستغنى بأحدهما عن الآخر.

ثم مثل للإدماج بالمثال الذي يختص به عن الاستتباع فقال (كقوله) أي كقول المتنبي (أقلب فيه) (١) أي في ذلك الليل (أجفاني) ، ودل التعبير بالمضارع على تكرر تقليب الأجفان ليلا وهو دليل على السهر ، وأشار بقوله (كأني أعد بها على الدهر الذنوبا) إلى أن هذا التكرار في غاية الكثرة للعلم بكثرة الذنوب التي يعدها على الدهر.

والمقصود من الكلام وصف الليل بالطول مع السهر ؛ لأن معه يظهر الطول ، وأكد ذلك الطول وبينه بأن كثرت فيه تقليب الأجفان كثرة أوجبت له كونه في منزلة نفسه إذا كان يعد الذنوب على الدهر فكأن هنا يحتمل أن يراد بها الشك أى : أوجبت كثرة التقلب لي الشك في أني أعد الذنوب ويحتمل التشبيه أي أشبه نفسي في التقليب بنفسي في عد الذنوب وقد تقدم نظير ذلك والمقصود : ذنوب الدهر عليه لا ذنوبه في الدهر إذ لا معنى لعدها على الدهر ثم بين وجه الإدماج كما هو ظاهر بقوله (فإنه) أي : إنما قلنا : إن في البيت إدماجا ؛ لأن الشاعر (ضمن وصف الليل بالطول) وهو المعنى المسوق له الكلام أولا (الشكاية) أي : ضمن المعنى المذكور الشكاية (من الدهر) لكثرة ما أصابه به من عدم استقامة الحال وتلك الشكاية بها حصل الإدماج ؛ إذ هي المعنى

__________________

(١) البيت للمتنبى ، فى ديوانه (١ / ١٤٠) ، وشرح التبيان (١ / ١٠٢) ، والإشارات ص (٢٨٥).

٥٨٧

المضمن ولا يخفى بالذوق السليم كونها غير مقصودة أولا ، كما لا يخفى من التركيب فلو صرح بالمعنى المضمن أولا لم يكن ذلك من الإدماج كما قيل في قوله (١) :

أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا

وأسعفنا فيمن نحب ونكرم

فقلت لهم نعماك فيهم أتمها

ودع أمرنا إن المهم المقدم

فإنه قيل : إن هذا الكلام مسوق للتهئنة بالوزارة لبعض الوزراء وأن الدهر أسعد في تلك الوزارة وأن الشاعر يحبها وضمن ذلك التشكي من الدهر في عدم إسعافه هو في نفسه فكانت الشكاية فيه إدماجا وهو سهو ؛ لأنه صرح أولا بالشكاية بل قيل : لو جعلت التهئنة مدمجة كان أقرب ولا ينافي ذلك كون المقصود بالذات هو التهنئة ؛ لأن القصد الذاتي لا ينافي إفادة ذلك المقصود بطريق الإدماج بأن يؤتى به بعد التصريح بغيره فافهم.

التوجيه

(ومنه) أي ومن البديع المعنوي (التوجيه) أي النوع المسمى بالتوجيه ويسمى أيضا محتمل الضدين (وهو) أي التوجيه (إيراد الكلام) أي الإتيان بالكلام (محتملا) (لوجهين مختلفين) على حد سواء والمراد بالاختلاف التضاد والتنافي كالمدح والذم والسب والدعاء ولا يكفي فيه مجرد كون المعنيين متغايرين فلو قيل : رأيت العين في موضع يحتمل على السواء أن يراد رأيت العين الجارية وعين الذهب والفضة لم يكن من التوجيه ؛ لأن المعنيين متغايران ولا تضاد بينهما وإنما التوجيه (كقول من قال لأعور : ليت عينيه سواء) (٢) فإنه محتمل على السواء لمعنيين متضادين أحدهما أن يكون دعاء عليه والآخر أن يكون دعاء له ؛ لأنه يحتمل أن يراد طلب تصحيح العين العوراء فيكون دعاء له أو تعوير الصحيحة فيكون دعاء عليه هذا شطر بيت من بيتين هما قوله :

خاط لي عمرو قباء

ليت عينيه سواء

فاسأل الناس جميعا

أمديح أم هجاء

__________________

(١) البيتان لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر ، وهما فى الإيضاح ص (٣١٧).

(٢) البيت لبشار بن برد ، وهو فى الإيضاح ص (٣٠٨).

٥٨٨

روي أن رجلا أعطى لخياط اسمه عمرو ثوبا ليخيطه له فقال له الخياط لأخيطنه بحيث لا تعلم أقباء هو أم غيره فقال له هذا الشاعر لئن فعلت ذلك لأقولن فيك شعرا لا يدرى أهجاء أم غيره ، فلما خاط له القباء قال الشاعر ما ذكر. ولا يفهم من كونه أحسن إليه في الخياطة أنه دعاء له لأنه جزاء الإحسان لاحتمال أن يكون أفسد الخياطة بالإبرة فدعا عليه أو هو توجيه باعتبار ما يفهم من صورة اللفظ لا بالنظر للقرينة وسمى الدعاءين مديحا وهجاء ؛ لأن المدعو له يستحق أن يمدح بموجب الدعاء والمدعو عليه بالعكس قال (السكاكي ومنه) أي من التوجيه (متشابهات القرآن باعتبار) وهو احتمال تلك المتشابهات في الجملة لوجهين مختلفين وتفارق تلك المتشابهات التوجيه باعتبار آخر وهو عدم استواء الاحتمالين يعنى لأن أحد المعنيين المتشابهين قريب وهو غير مراد والآخر بعيد وهو المراد بالقرينة وإنما قلنا إن المتشابهين منهما قريب وبعيد لما ذكر السكاكي نفسه من أن أكثر متشابهات القرآن من قبيل التورية والإيهام ومعلوم أن التورية التي هي الإيهام إنما تتصور في معنى قريب وبعيد كما تقدم ويجوز أن يكون وجه المفارقة بين التوجيه والمتشابهات هو أن المعنيين في المتشابهات لا يجب تضادهما بخلاف التوجيه كما تقدم. وفي هذا الكلام خبط لا يخفى ؛ لأنهم اشترطوا في التوجيه استواء المعنيين في القرب والبعد فكيف يصح أن تكون المتشابهات بوجه توجيها مع كون أحد المعنيين في المتشابهات بعيدا هو المراد كما في قوله تعالى (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ)(١) و (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٢) فالمعنى المجازي وهو البعيد منهما هو المراد كما تقدم وأيضا قد ذكر السكاكي أن المتشابهات على الإطلاق من التوجيه باعتبار وذكر بعد أن أكثرها له معنى قريب وبعيد وهو يقتضي أن الذي يكون توجيها من المتشابهات باعتبار هو البعض لا الكل. نعم إن صح أن بعض المتشابهات يحتمل الضدين على السواء كانت من التوجيه الصرف لا أنها منه باعتبار فقط وكذا إن صح أن التوجيه لا يشترط فيه استواء الاحتمالين وهو بعيد من كلامهم تأمل.

__________________

(١) الذاريات : ٤٧.

(٢) طه : ٥.

٥٨٩

الهزل الذى يراد به الجد

(ومنه) أي ومن البديع المعنوي (الهزل الذي يراد به الجد) وتسميته أغنت عن تعريفه فيكفي فيه المثال ولذلك لم يعرفه واقتصر على المثال فقال وذلك كقوله : (١)

إذا ما تميمي أتاك مفاخرا

فقل عد عن ذا أين أكلك للضب

فهذا كلام هزل في أصله لأنه لو أتاك إنسان مفاخرا وخاطبته غير مفاخر في مجلس ممن تريد المطايبة معهم والمضاحكة قلت إذا أتاك فلان مفاخرا فقل له اترك عنك هذا أين أكلك للضب كان هزلا ؛ لأنه إنما يقصد به الضحك والمطايبة ولكن مقصود الشاعر به الجد وهو ذم التميمي بأكل الضب وأنه لا مفاخرة له مع كونه يرتكب أكل الضب الذي يعافه أشراف الناس ، وبهذا التقرير يندفع ما يتوهم من أن كونه هزلا مع كونه أريد به الجد متنافيان ؛ لأن الهزلية باعتبار أصل استعماله والجدية باعتبار الحالة الراهنة وقوله عد : أمر من عداه جعله يتعدى الشيء أي عد نفسك عن هذه المفاخرة بتركها وحدثنا عن أكلك للضب. وأين : يسأل بها عن المكان ولكن كثيرا ما يكون السؤال عن المكان كناية عن صاحبه فالمراد بالسؤال عن مكان أكل الضب السؤال عن نفس الأكل والقصد التعيير به والحمل على الإقرار به.

تجاهل العارف

(ومنه) أي ومن البديع المعنوي (تجاهل العارف) أي النوع المسمى بذلك (وهو) أي وهذا النوع يسمى باسمين أحدهما هو ما تقدم والآخر (كما سماه) أي : على ما سماه (السكاكي) هو (سوق المعلوم مساق) أي سوقا كسوق (غيره) بأن يعبر عنه بما يدل في الأصل على أنه غيره معلوم (لنكتة) أي لفائدة ، فإن عبر عن المعلوم بعبارة المجهول لا لنكتة كأن يقال أزيد قائم أم لا؟ حيث يعلم أنه قائم لم يكن من هذا الباب في شيء ، والعبارة الثانية أفضل لوجهين.

__________________

(١) البيت لأبى نواس ، فى الإيضاح ص (٣١٩) ، ولكن ورد (كيف) بدلا من (أين).

٥٩٠

أحدهما : ما أشار إليه السكاكي من أنه يقع في قول الله تعالى كما فى قوله سبحانه (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى)(١) قال : فلا أحب أن يقال فى الكلام المنسوب إلى الله تعالى تجاهل العارف يعني بخلاف غير هذه العبارة فإنها أقرب إلى الأدب ولفظ الغير فيها وإن كان عبارة عن المجهول لكن دلالته أستر لعمومه والآخر أنه أكمل في الدلالة على المقصود. وظاهر عبارة المصنف أن هذا الثاني تعريف للأول إلا أن السكاكي اختار تسمية المعنى به وهو قريب مما ذكرنا ثم أشار إلى أمثلة النكتة المشروطة في هذا النوع بقوله : وذلك (كالتوبيخ في قول الخارجية : أيا شجر الخابور) (٢) وهو موضع من ديار بكر ، وبكر من عظماء الجاهلية (مالك مورقا) أي : أي : شيء ثبت لك في حال كونك مورقا أي : مخرجا لأوراقك ناضرا أي : ناعما لا ذابلا يقال أورق الشجر صار ذا ورق (كأنك لم تجزع على ابن طريف) فإنها علمت أن الشجر لا علم له بابن طريف ولا بهلاكه فتجاهلت وأظهرت أنها كانت تعتقد علمه بابن طريف ومآثره وأنه يجزع عليه كغيره جزعا يوجب ذبوله وأن لا يخرج ورقه فلما أورق وبخته على إخراج الورق وأظهرت أنها حينئذ تشك في جزعه فإذا كان الشجر يوبخ على عدم الجزع فأحرى غيره فالتجاهل هنا المؤدي إلى تنزيل ما لا يعلم منزلة العالم صار وسيلة للتوبيخ على الإيراق ووسيلة إلى أن مآثره بلغت إلى حيث يعلم بها الجمادات ، ولو أتت بما يدل على أنه لا يعلم بابن طريف وأنه من جملة الجمادات ما حسن التوبيخ ولا اتضح ظهور المآثر حتى للجمادات فافهم.

(و) ك (المبالغة في المدح كقوله) أي كما في قوله :

(ألمع برق سرى أم ضوء مصباح

أم ابتسامتها بالمنظر الضاحي) (٣)

__________________

(١) طه : ١٧.

(٢) البيت لليلى بنت طريف ، فى الإشارات ص (٢٨٦) ، والمصباح ص (٢٥) ، والدرر (٢ / ١٦٣) ، والأغانى (١٢ / ٨٥ ، ٨٦) ، والحماسة الشجرية (١ / ٣٢٨) ، والإيضاح ص (٣١٩).

(٣) البيت للبحترى ، فى ديوانه (١ / ٤٤٢) ، والإشارات ص (٢٨٦).

٥٩١

وأراد بالمنظر الوجه والضاحي هو الظاهر حسا ومعنى فإنه يعلم أن ليس ثم إلا ابتسامها فلما تجاهل وأظهر أنه التبس عليه الأمر فلم يدر هل ذلك اللمعان المشاهد من أسنانها عند الابتسام لمع برق سرى أم هو ضوء مصباح أم هو ضوء ابتسامتها الكائنة في منظرها الضاحي أفاد التجاهل المنزل منزلة الجهل غاية المدح وأنها بلغت إلى حيث يتحير في الحاصل منها ويلتبس المشاهد منها (أو) كالمبالغة (في الذم كقوله) أي كما في قوله

(وما أدري وسوف إخال أدري

أقوم آل حصن أم نساء) (١)

فإنه يعلم أن آل حصن رجال لكن تجاهل وأظهر أنه التبس عليه أمرهم في الحال ولو كان سيعلم في المستقبل فلم يدر هل هم رجال أم نساء؟ فتجاهله المنزل منزلة جهله فيه إظهار بأنهم حيث يلتبسون بالنساء في قلة غنائهم وضعف فائدتهم فكان في التجاهل إظهار لنهاية الذم وأنهم في منزلة النساء وقوله : وسوف الخ جملة اعتراضية بين أدري ومعموله وهو قوله : أقوم آل حصن الخ وكونها بالواو يدل على أن الاعتراض قد يكون بالواو ومعادلته بين النساء والقوم تدل على أن القوم لا يتناول النساء بل هو مخصوص بالرجال (و) ك (التوله) أي : التحير والدهش (في الحب) كما (في قوله بالله يا ظبيات القاع) (٢) القاع المستوي من الأرض وبالله استعطاف للظبيات المناديات ليستمعن (قلن لنا ليلاي منكن أم ليلى من البشر) فإنه يعلم أن ليلى من البشر فتجاهل وأظهر أنه أدهشه الحب حتى لا يدري هل هي من الظبيات الوحشية أم من البشر؟ فلذلك سأل الظبيات عن حالها ، ويجوز أن يكون هذا المثال لنكتة المبالغة في مدحها بالحسن حيث صارت إلى حال الالتباس بالظبيات وفي إضافته ليلى إلى نفسه أولا ثم التصرح باسمها ثانيا استلذاذ لا يخفى. وهذه النكت مبنية كما أشرنا إليه على أن

__________________

(١) البيت لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص (٧٣) ، والدرر (٢ / ٢٦١) ، (٤ / ٢٨) ، وشرح شواهد الإيضاح ص (٥٠٩).

(٢) البيت للمجنون ، فى ديوانه ص (١٣٠) ، وللعرجى فى شرح التصريح (٢ / ٢٩٨) ، ونسب لغيرهما ، ونسب لذى الرمة فى خزانة الأدب (١ / ٩٧).

٥٩٢

التجاهل حكمه حكم الجهل وإلا فلو بنى على العلم الحقيقي ما تحققت نكتة بل يصير الكلام مما لا يلتفت إليه ثم ما مثل به المصنف أنموذج أي أمثلة يسيرة وطرف قليل من نكت تجاهل العارف وفي القاموس نموذج بفتح النون مثال الشيء والأنموذج بالهمزة تصحيف يعني ومع كونه تصحيفا جرى على الألسن ، وإنما قلنا إنها أنموذج من نكت التجاهل لأنها أكثر من أن تنضبط بالقلم فمنها التعريض كما في قوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) تعريضا بأنهم على الضلال. ومنها التحقير كقوله : لمعروف ما هذا؟! إشارة إلى أنه أحقر من أن يعرف. ومنها غير ذلك من الاعتبارات البلاغية المستفادة من تتبع تراكيب الشعراء أو غيرهم.

القول بالموجب

(ومنه) أي ومن البديع المعنوي (القول بالموجب) أي النوع المسمى بالقول بالموجب (وهو) أي : القول بالموجب (ضربان : أحدهما أن تقع صفة في كلام الغير) حال كون تلك الصفة الواقعة في كلام الغير (كناية عن شيء) أي : دالة على شيء من وصف ذلك الشيء المذكور أنه (أثبت له حكم) تقتضيه فيه تلك الصفة وتناسبه (فتثبتها) أي فتثبت أنت في كلامك تلك الصفة (لغيره) أي : لغير ذلك الشيء الذي جعلها غيرك دالا عليه للإيماء إلى أن ذلك الحكم مسلم لزومه لتلك الصفة ، ولكن لا يفيدك أيها المخاطب ؛ لأن الصفة المستلزمة له إنما هي لغير من عبرت بها عنه ، فقد قيل بموجب تلك الصفة وهو استلزامها للحكم ، لكن هو لغير من عبر بها عنه ويشترط في كونه قولا بالموجب أن ثبتت الصفة لغير المقصود أولا (من غير تعرض) أي أن تثبتها بلا تعرض (لثبوته له) أي لثبوت ذلك الحكم لهذا الغير الذي أثبتها أنت (أو نفيه عنه) أي : ومن غير تعرض لنفي الحكم لذلك الشيء بل تثبت الصفة ولا تتعرض للحكم بوجه ، فلو تعرضت للحكم إثباتا أو نفيا خرج الكلام عن القول بالموجب فإذا قال القائل : ليخرجن القوي من هذا البيت الضعيف معبرا بصفة القوة عن نفسه مثبتا لمدلولها حكم الإخراج فإن أثبت الصفة للغير ولم تتعرض للحكم وقلت : القوي أنا كان الكلام من القول بالموجب ، وإن قلت يخرجك القوي الذي هو أنا لم يكن من

٥٩٣

القول بالموجب في شيء ، ثم مثل لما استكمل الشروط بقوله وذلك (نحو) قوله تعالى (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) (١) فقد حكى الله تعالى عن المنافقين كلاما وقعت فيه صفة هي لفظ الأعز حال كونها كناية عن فريق المنافقين ، كما أن الأذل في زعمهم كناية عن فريق المؤمنين ، وأثبت فيه لفريق المنافقين الذي هو المكني عنه حكم الإخراج من المدينة لعزته في زعمهم ، فأثبت الله تعالى في الرد عليهم العزة التي هي مضمون تلك الصفة لغير فريقهم بقوله : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) فقد رد عليهم بأن العزة تناسب الإخراج كما قلتم لكن ليست لكم بل العزة لله ثم لرسوله ثم للمؤمنين لا لفريقكم ، ويلزم منه إثبات الذلة للمنافقين ولزم ثبوت العزة كون صاحبها هو المخرج بكسر الراء وثبوت الذلة كون صاحبها المخرج بفتحها ولم يتعرض لإثبات الحكم ولا لنفيه ولكن فهم بالالتزام فكان الكلام من القول بالموجب وقوله أن تقع صفة إن أريد اللفظ كما هو الظاهر فالضمير في تثبتها يعود عليها من حيث المعنى لا على طريق الاستخدام إذ لا يشترط إثبات لفظها كما يفهم من الآية وإن أريد المعنى كان الضمير على ظاهره ويلزم التوسع في كون المعنى كناية ثم المراد بالكناية هنا اللفظ الدال على المعنى بوجه من الإجمال كما دل الأعز على فريق مخصوص في استعمالهم لا الكناية المصطلح عليها وهو اللفظ المستعمل لينتقل منه إلى اللازم مع جواز إرادة الملزوم وإذ لا لزوم بين مفهوم الأعز وفريق المنافقين ، ويحتمل أن يراد بها معناها المعهود ويكفي في اللزوم اعتقادهم اللزوم وادعاؤهم ذلك وقد تقدم أن اللفظ المشتق يكون كناية باعتبار مفهومه عن اللازم الذي هو المصدوق ولا ينافي ذلك كون الحكم هنا للعزة وبسببها ؛ لأن المحكوم عليه هو المصدوق بخصوصه وإن كانت العزة سبب ثبوت الحكم له فافهم.

(و) الضرب (الثاني) من ضربي القول بالموجب هو (حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده) بمعنى أن الغير أطلق لفظا على معنى وحمله غير من أطلقه لذلك المعنى على معنى آخر لم يرده المتكلم الأول ولكن إنما يحمله على خلاف المراد حال

__________________

(١) المنافقون : ٨.

٥٩٤

كون خلاف المراد (مما يتحمله) ذلك اللفظ بأن يكون اللفظ صالحا لما حمل عليه ولو لم يرد ، وإلا كان الحمل عبثا لا بديعا ، وحمله على الخلاف المحتمل (بذكر متعلقه) أي متعلق ذلك اللفظ والمراد بالمتعلق هنا ما يناسب المحمول عليه سواء كان متعلقا اصطلاحيا كالمفعول أو لا فالأول (كقوله :

قلت ثقلت إذ أتيت مرارا

قال ثقلت كأهلي بالأيادي) (١)

وبعده :

قلت طولت قال لا بل تطول

ت وأبرمت قال حبل ودادي

فقوله : ثقلت وقع في كلام الغير وهو بمعنى حملتك المؤنة والمشقة الباطنية والظاهرية بإتياني مرارا عديدة فحمله المخاطب فيما حكى عنه المتكلم على التثقيل على كاهلي بالأيادي والمنن بذكر متعلقه وهو المفعول مع المجرور ، أعني : قوله كاهلي بالأيادي والكاهل ما بين الكتفين والأيادي : النعم جعل إتيانه نعما عديدة حتى ثقلت كاهله ولا يخفى ما في أبرمت من مثل ما ذكر في ثقلت ؛ لأن المراد به التضييق وحمله على أحكام الوداد والتطول في البيت بمعنى الإنعام ، والثاني : وهو ما ذكر فيه المتعلق من غير أن يكون مفعولا ولا مجرورا كقوله :

لقد بهتوا لما رأوني شاحبا

فقالوا به عين فقلت وعارض

أرادوا بالعين إصابة العائن وحمله على إصابة عين المعشوق بذكر الملائم وهو العارض من الأسنان التي هي كالبرد ، فكأنه قال : صدقتم في عينها وعارضها لا عين العائن ووجه كون هذا الضرب من القول بالموجب ظاهر كالأول ؛ لأنه اعترف بما ذكر المخاطب لكن المعنى غير مراد ولما لم يصرح بنفي المراد صار ظاهره إقرارا بما قيل وذلك ظاهر وقد فهم من البيتين أن الحمل على خلاف المراد يكون بإعادة المحمول كما في البيت الأول ، وبدونه كما في الثاني وأما قوله (٢) :

__________________

(١) البيت للحسن بن أحمد المعروف بابن حجاج الهازل ، وقيل لمحمد بن إبراهيم الأسدى. أورده محمد بن على الجرجاني فى الإشارات ص (٢٨٧).

(٢) الأبيات منسوبة لأكثر من شاعر ، فقد نسبت لابن الرومى ، وأبى العلاء ، وهى بلا نسبة فى الإشارات ص (٢٨٨).

٥٩٥

وإخوان حسبتهم دروعا

فكانوها ولكن للأعادي

وخلتهم سهاما صائبات

فكانوها ولكن في فؤادي

وقالوا قد صفت منا قلوب

لقد صدقوا ولكن من ودادي

فالبيت الأخير منه من هذا المعنى ؛ لأنه حمل قولهم صفت منا قلوب على صفوها من وداده بذكر المتعلق والبيتان قبله ليسا من هذا المعنى ، ولكن ما فيهما قريب منه ، إذ ليس فيهما حمل صفة ذكرت في كلام الغير على معنى آخر وإنما فيهما ذكر صفة ظنت على وجه ، فإذا هي على خلافه فيشبهان هذا المعنى بما فيهما من كون المعنى فيهما في الجملة على الخلاف.

الإطراد

(ومنه) أي ومن البديع المعنوي (الاطراد) أي النوع المسمى بالاطراد وهو في الأصل : تتابع أجزاء الماء واطرادها نقل للكلام السلس المنسبك السبك الحسن ، فصارت أجزاؤه في حسن تتبعها وعدم تكلفها كأجزاء الماء في اطرادها عرفه بقوله (وهو أن يؤتى بأسماء الممدوح أو غيره) والمناسب أن يقال باسم الممدوح أو غيره إذ لا تعدد هنا لاسم الممدوح أو غيره (و) يؤتى بأسماء (آبائه) والمراد هنا بالأسماء اثنان فما فوق بدليل المثال (على ترتيب الولادة) أي : يؤتى بأسماء الآباء على ترتيب الولادة بذكر الأب ثم أبى الأب ثم كذلك (من غير تكلف) في السبك في نظم اللفظ ونفي التكلف يرجع فيه إلى الذوق السليم ، فلا يكون ذكره من التعريف بخفي وقيل المراد بحسن السبك أن لا يفصل بين الأسماء بالنسبة الثبوتية ، وعليه فليس بخفي وفيه نظر ؛ لأن استفادة هذا المعنى من حسن السبك خفي بنفسه وذلك (كقوله

إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم

بعتيبة بن الحارث بن شهاب) (١)

هذا مثال لما ذكر فيه غير الممدوح وسنمثل بالحديث الشريف المشتمل على ذكر اسم الممدوح ، يقال للقوم إذا ذهب عزهم وتضعضع أي : ضعف وانكسر حالهم قد ثل عرشهم ويقال : ثلهم إذا أهلكهم والعرش يطلق على العز ويجمع بعروش ويعني الشاعر إن يفتخروا بقتلك ويفرحوا به فلا يعظم علينا افتخارهم ؛ لأن عندنا ما يخفف

__________________

(١) هو للعباس بن مرداس فى ديوانه ص (٣٦) ، وهو لربيعة الأسدى فى لسان العرب (١٣ / ٤٦٤) (يمن).

٥٩٦

أذى افتخارهم وهو أنك أثرت في عزهم وهدمت أساس مجدهم بقتل رئيسهم ، فكأنك أخذت بثأر نفسك قبل قتلك ، فلا افتخار لهم في الحقيقة لا يقال تتابع الإضافات يخل بالفصاحة كما تقدم ، وهو يشمل الإضافات المتصلة والمنفصلة وإذا كان تتابع الإضافات مخلا بالفصاحة ، فكيف يعد من البديع ؛ لأنا نقول إنما يخل بالفصاحة إن كان فيه ثقل واستكراه كما تقدم أول الكتاب ، وأما إن سلم من الثقل والاستكراه حسن ولطف كما تقدم أيضا والبيت من هذا القبيل مع أنه ليس فيه إلا إضافتان وكيف يخل بالفصاحة إذا سلم من الثقل كما في الحديث الشريف وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم) (١) فإنه غاية في الحسن والسلاسة هذا تمام ما ذكره من أنواع الضرب المعنوي والمرجع فيما يستبدع من أنواعه إلى ما يستحسنه ذو الطبع السليم من البلغاء وليس كل من ادعى حسن شيء كان مدعاه بديعا وقد عد من جملتها الاطراد والظاهر أنه من اللفظي ؛ لأن مرجعه إلى حسن السبك كذا قيل ، وقد يقال بل إلى حسن السبك في معنى مخصوص وهو النسب فللمعنى دخل فيه تأمله.

المحسنات اللفظية

ثم شرع في اللفظي فقال (وأما) الضرب (اللفظي) من الوجوه المحسنات للكلام (ف) أقسام أيضا (منه) أي من الضرب اللفظي (الجناس بين اللفظين) أي : النوع المسمى بالجناس بكسر الجيم (وهو) أي الجناس (تشابههما) أي اللفظين (في اللفظ) أي في التلفظ والنطق بهما لكون المسموع فيهما متحد الجنسية كلا أو جلا ، وإنما فسرنا اللفظ بالتلفظ لأنه لو حمل على ظاهره كان التقدير هو تشابه اللفظين في اللفظ ولا يخفى ما فيه ويحتمل أن يطلق اللفظ على ذاتهما أي حروفهما فيكون المعنى تشابه اللفظين في حروفهما ثم التشابه المذكور لا بد فيه من اختلاف المعنى كما دلت عليه الأمثلة فكأنه يقول : هو أن لا يشتبها إلا في التلفظ فيخرج ما إذا اشتبها في المعنى فقط نحو الأسد والسبع فإنهما اشتبها في المعنى دون اللفظ ، وليس المعنى أن لهما معنيين اشتبها

__________________

(١) رواه البخاري ومسلم.

٥٩٧

فيرد أن المعنى متحد والتشابه يقتضي التعدد كما قيل بل المعنى أن اللفظين متشابهان في معنى واحد بمعنى أن المعنى في هذا هو المعنى في ذاك كما يقال اشترك الطرفان في وجه الشبه فلا يرد ما ذكر ، وأما التشابه في اللفظ والمعنى كأسد ينطق به مرتين بمعناه فلا يحتاج إلى التعرض لإخراجه ؛ لأن التعدد فيه باعتبار التشخص ، ولا عبرة به ، وخرج بقوله : تشابههما في اللفظ المفسر بما ذكر تشابه لفظين في مجرد العدد مع اختلاف الوزن كضرب مبنيا للمفعول وعلم مبنيا للفاعل ، وكذا التشابه في الوزن دون التلفظ ويلزم منه التشابه في العدد كضرب وقتل مبنيين للفاعل ، ثم المعتبر كما أشرنا إليه في التشابه في التلفظ أن يكون مجموع اللفظ كمجموع اللفظ ، أو يكون ما به التشابه معتبرا لتعدده تعددا يستحسن كما تفيده الأمثلة ، فلا يرد أن يقال التشابه المذكور صادق بالتشابه في لام الكلمة أو عينها أو فائها نعم الاتكال في التعريف على قرينة منفصلة مما يبحث فيه.

أقسام الجناس

ثم أشار إلى أقسام هذا الجناس وهي خمسة التام والمحرف والناقص والمقلوب وما يشمل المضارع ، واللاحق ، وفي كل منها تفصيل يأتي وذلك أن اللفظين إن اتفقا في كل شيء فهو التام ، وإن اختلفا في الهيئة فقط فهو المحرف ، وإن اختلفا في زيادة بعض الحروف فهو الناقص ، وإن اختلفا في نوع من الحروف فهو ما يشمل المضارع ، واللاحق وإن اختلفا في ترتيب الحروف فهو المقلوب ، بدأ بالتام منه فقال :

الجناس التام

(والتام منه) أي والتام من الجناس هو (أن يتفقا) أي اللفظان (في أنواع الحروف) الموجودة في كل منهما وكل حرف من الحروف الهجائية التسعة والعشرين نوع برأسه فالألف نوع وتحته أصناف ؛ لأنه إما مقلوب عن واو أو عن ياء أو أصلي والباء كذلك ؛ لأنها إما مدغمة أو لا ، مشددة أو لا وعلى هذا القياس فلا يرد أن يقال النوع تحته أصناف والحروف الهجائية إنما كان تحتها أشخاص لا أصناف والجواب ما ذكر وقد يجاب وهو أبعد من التكلف بأن المراد بالنوع هو النوع اللغوي ولا يشترط

٥٩٨

فيه وجود أصناف تحته واشتراط الاتفاق في أنواع الحروف الموجودة في اللفظين على المقابلة يخرج ما اتفقا في بعض الأنواع دون بعض كيفرح ويمرح لاختلافهما في الميم والفاء ، وإنما قلنا : على المقابلة ليعلم أن الحرف الذي ليس له مقابل من أحد اللفظين لا يعتبر في الاتفاق النوعي هنا فلا يخرج بهذا القيد وإنما يخرج بقوله (و) في (أعدادها) أي يشترط أيضا الاتفاق في أعداد الحروف بأن يكون مقدار حروف أحد اللفظين هو مقدار حروف الآخر فيخرج نحو الساق والمساق ؛ لأن الميم لا يقابلها شيء في المقابل بل هي مزيدة فلم يتفق عدد الحروف في اللفظين ، ولو أخرج نحو هذا بالاتفاق في أنواع الحروف الموجودة ما بعد أيضا (و) في (هيآتها) أي يشترط أيضا الاتفاق في هيآت الحروف والهيئة للحرف هي حركته أو سكونه فيخرج به نحو البرد بفتح الباء والبرد بضمها لاختلاف الهيئة التي هي حركة الباء ، فإذا كانت هيئة الحرف حركته المخصوصة أو سكونه كانت هيئة اللفظ كيفية حاصلة له باعتبار الحركات والسكنات وهو كونه ذا تحرك مخصوص وحده أو مع سكون مخصوص سواء اتفقت أنواع الحروف أو اختلفت فنحو ضرب وقتل مبنيين للفاعل متحدان في الهيئة ؛ إذ هي على وزن فعل بفتح الفاء والعين ولا عبرة باللام في الهيئة ؛ لأن هيئتها عرضة للتغير ؛ إذ هي محل إعراب ووقف ونحو ضرب وضرب على أن يكون الأول مبنيا للمفعول والثاني للفاعل أو العكس مختلفان في الهيئة إذ هي في أحدهما على وزن فعل بضم الفاء وكسر العين وفي الآخر بفتحهما ، وهما متحدان في الحروف فالاتحاد في الهيئة لا يستلزم الاتحاد في الحروف كما أن الاتحاد في الحروف لا يستلزم الاتحاد في الهيئة. نعم الاتحاد في الهيئة يستلزم الاتحاد في العدد بناء على أن الهيئة كيفية تعرض للفظ باعتبار كثرته وقلته وصفة حروفه (و) في (ترتيبها) أي يشترط أيضا الاتفاق في ترتيب الحروف بأن يكون المقدم والمؤخر في أحد اللفظين هو المقدم والمؤخر فيخرج نحو الحتف والفتح ، وقد تبين بهذا أن التام من الجناس له شروطه أربعة الاتفاق في أنواع الحروف ، والاتفاق في أعدادها ، والاتفاق في هيئتها ، والاتفاق في ترتيبها ثم فيه تفصيل أشار إليه بقوله : (فإن كانا) أي اللفظان المتفقان في جميع ما تقدم وهما المتجانسان الجناس التام (من نوع

٥٩٩

واحد) من أنواع الكلمة التي هي اللفظ المفرد المستعمل وأنواعه الاسم والفعل والحرف وذلك (ك) أن يكونا (اسمين) معا أو يكونا فعلين معا أو يكونا حرفين معا (سمى) الجناس الحاصل بين اللفظين اللذين هما من نوع واحد (مماثلا) أخذا من المماثلة التي هي الاتحاد في النوع جريا على اصطلاح المتكلمين في المماثلة والمستحق أن يسمى بالمماثل جريا على ذلك الاصطلاح كل من المتجانسين لا الجناس بينهما ، لكن لا حجر في الاصطلاح ثم الجناس الذي في الاسمين إما في الجمعين كقوله :

حدق الآجال آجال

والهوى للمرء قتال (١)

فالآجال الأول جمع إجل بكسر الهمزة وهو القطيع من بقر الوحش والثاني جمع أجل بفتحها وهو أمد العمر. وإما في مفرد وجمع كقوله

وذي ذمام وفت بالعهد ذمته

ولا ذمام له في مذهب العرب (٢)

فالذمام الأول مفرد بمعنى العهد والثاني جمع ذمة وهي البئر القليلة الماء. وإما في مفردين (نحو) قوله تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) (٣) أي القيامة (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) أي وقتا يسيرا من ساعات الأيام الدنيوية والساعة اصطلاحا هي جزء من أربعة وعشرين جزءا يتجزأ بها زمان الليل والنهار ، لليل منها اثنا عشر وللنهار منها مثلها عددا ، وتختلف ساعات كل منهما طولا وقصرا باعتبار طول كل منهما وقصره فيدخل في الطول من ساعات أحدهما ما خرج من ساعات الآخر وهو إيلاج أحدهما في الآخر المشار له بقوله تعالى (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ)(٤) والساعة في الآية يحتمل أن يراد بها هذه الاصطلاحية ويحتمل أن يراد بها أقل ما يطلق عليه اسم الساعة من الزمان لغة ، وهو أقرب فالساعة التي هي القيامة متحدة مع الساعة التي هي مقدار من الزمان في الاسمية ، وقد اتفق اللفظان في الأوجه السابقة إذ لا عبرة باللام التعريفية ؛ لأنها في حكم الانفصال فكان الجناس بينهما مماثلا.

__________________

(١) البيت لأبى سعيد عيسى بن خالد المخزومى ، فى الإيضاح ص (٣٢٣).

(٢) البيت للحريرى ، وهو فى شرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ١٤).

(٣) الروم : ٥٥.

(٤) فاطر : ١٣.

٦٠٠