أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي
المحقق: الدكتور خليل إبراهيم خليل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
الصفحات: ٧٩٥
حسن التعليل
(٥٦٢) ومنه : حسن التعليل ؛ وهو أن يدّعى لوصف علة مناسبة له باعتبار لطيف غير حقيقىّ ، وهو أربعة أضرب ؛ لأنّ الصفة إمّا ثابتة قصد بيان علّتها ، أو غير ثابتة أريد إثباتها :
(٥٦٤) والأولى : إما ألّا يظهر لها فى العادة علة ؛ كقوله (١) [من الكامل] :
لم يحك نائلك السّحاب وإنّما |
حمّت به فصبيبها الرّحضاء |
أو يظهر لها علة غير المذكورة ؛ كقوله (٢) [من الرمل] :
ما به قتل أعاديه ولكن |
يتّقى إخلاف ما ترجو الذّئاب |
فإنّ قتل الأعداء فى العادة لدفع مضرّتهم ، لا لما ذكره.
(٥٦٦) والثانية : إما ممكنة ؛ كقوله [من البسيط] :
يا واشيا حسنت فينا إساءته |
نجّى حذارك إنسانى من الغرق (٣) |
فإنّ استحسان إساءة الواشى ممكن ؛ لكن لمّا خالف الناس فيه ، عقّبه بأنّ حذاره منه نجّى إنسانه من الغرق فى الدموع.
(٥٦٧) أو غير ممكنة ؛ كقوله [من البسيط] :
لو لم تكن نيّة الجوزاء خدمته |
لما رأيت عليها عقد منتطق |
وألحق به ما يبنى على الشك ؛ كقوله (٤) [من الطويل] :
كأنّ السّحاب الغرّ غيّبن تحتها |
حبيبا فما ترقأ لهنّ مدامع |
__________________
(١) البيت للمتنبى. الرخصاء : عرق الحمى.
(٢) البيت للمتنبي ، شرح ديوانه ١ / ١٤٤ ، والأسرار ص ٣٣٧ ، والإشارات ص ٢٨١.
(٣) البيت لمسلم بن الوليد ، ديوانه ص ٣٢٨ ، الطراز ٣ / ١٤٠ ، والمصباح ص ٢٤١.
(٤) لأبى تمام. ديوانه ص ٤٢٥ ، والإيضاح ص ٥٢٣ ، والمصباح ص ٢٤٢.
التفريع
(٥٧١) ومنه : التفريع ؛ وهو أن يثبت لمتعلّق أمر حكم بعد إثباته لمتعلّق له آخر ؛ كقوله (١) [من البسيط] :
أحلامكم لسقام الجهل شافية |
كما دماؤكم تشفى من الكلب |
تأكيد المدح بما يشبه الذم
(٥٧٣) ومنه : تأكيد المدح بما يشبه الذّمّ ، وهو ضربان : أفضلهما : أن يستثنى من صفة ذمّ منفية عن الشيء صفة مدح بتقدير دخولها فيها ؛ كقوله [من الطويل] :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
بهنّ فلول من قراع الكتائب (٢) |
أى : إن كان فلول السيف عيبا ، فأثبت شيئا منه على تقدير كونه منه ، وهو محال ، فهو فى المعنى تعليق بالمحال ، فالتأكيد فيه من جهة أنه كدعوى الشيء ببيّنة ، وأنّ الأصل فى الاستثناء هو الاتصال ؛ فذكر أداته قبل ذكر ما بعدها يوهم إخراج شيء ممّا قبلها ، فإذا وليها صفة مدح ، جاء التأكيد.
(٥٧٨) والثانى : أن يثبت لشيء صفة مدح ، ويعقّب بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى له ؛ نحو : «أنا أفصح العرب بيد أنّى من قريش» (٣) وأصل الاستثناء فيه ـ أيضا ـ أن يكون متصلا كالضّرب الأوّل ؛ لكنّه لم يقدّر متصلا ؛ فلا يفيد التأكيد إلا من الوجه الثاني ؛ ولهذا كان الأول أفضل.
__________________
(١) البيت للكميت ، الإيضاح ص ٥٢٣ ، والطراز ٣ / ١٣٥ ، والمصباح ٢٣٨.
(٢) البيت للنابغة الذبيانى ، ديوانه ص ٤٤ ، والإشارات ص ١١١ ، والتبيان للطيى ، والمصباح ص ٢٣٩.
(٣) أورده العجلونى بنحوه فى كشف الخفاء وقال : قال فى اللآلئ : معناه صحيح ، وانظر كشف الخفاء للعجلونى (١ / ٢٠٠ ، ٢٠١).
(٥٨٢) ومنه ضرب آخر ؛ وهو نحو : (وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا)(١) والاستدراك فى هذا الباب كالاستثناء ؛ كما فى قوله (٢) [من الطويل] :
هو البدر إلّا أنّه البحر زاخرا |
سوى أنّه الضّرغام لكنّه الوبل |
تأكيد الذم بما يشبه المدح
(٥٨٤) ومنه : تأكيد الذم بما يشبه المدح ، وهو ضربان :
أحدهما : أن يستثنى من صفة مدح منفية عن الشيء صفة ذمّ له ، بتقدير دخولها فيها ؛ كقولك : فلان لا خير فيه إلا أنه يسيء إلى من أحسن إليه.
وثانيهما : أن يثبت لشيء صفة ذمّ ، ويعقّب بأداة استثناء تليها صفة ذمّ أخرى له ؛ كقوله : فلان فاسق إلا أنه جاهل.
وتحقيقهما على قياس ما مرّ.
الاستتباع
(٥٨٥) ومنه : الاستتباع ؛ وهو المدح بشيء على وجه يستتبع المدح بشيء آخر ؛ كقوله [من الطويل] :
نهبت من الأعمار ما لو حويته |
لهنّئت الدّنيا بأنّك خالد (٣) |
مدحه بالنهاية فى الشجاعة على وجه استتبع مدحه بكونه سببا لصلاح الدنيا ونظامها ، وفيه أنه نهب الأعمار دون الأموال ، وأنه لم يكن ظالما فى قتلهم.
__________________
(١) الأعراف : ١٢٦.
(٢) البيت لبديع الزمان الهمذانى يمدح خلف بن أحمد الصفار ، أمير سجستان وكرمان ، وأورده الرازي فى نهاية الإيجاز ص ٢٩٣.
(٣) البيت للمتنبى من قصيدة يمدح فيها سيف الدولة ، ديوانه ١ / ٢٧٧ ، والإشارات ص ٢٨٤.
الإدماج
(٥٨٦) ومنه : الإدماج ؛ وهو أن يضمّن كلام سيق لمعنى معنى آخر ؛ فهو أعمّ من الاستتباع ؛ كقوله [من الوافر] :
أقلّب فيه أجفانى كأنّى |
أعدّ بها على الدّهر الذّنوبا (١) |
فإنه ضمّن وصف الليل بالطّول الشكاية من الدهر.
التوجيه
(٥٨٨) ومنه : التوجيه ؛ وهو إيراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين ؛ كقول من قال لأعور [من مجزوء الرمل] :
ليت عينيه سواء (٢)
السكاكى : ومنه متشابهات القرآن باعتبار.
الهزل يراد به الجد
(٥٩٠) ومنه : الهزل الذى يراد به الجدّ ؛ كقوله (٣) [من الطويل] :
إذا ما تميمى أتاك مفاخرا فقل |
عدّ عن ذا ، كيف أكلك للضّبّ؟! |
تجاهل العارف
(٥٩٠) ومنه : تجاهل العارف ؛ وهو ـ كما سماه السكاكي ـ : سوق المعلوم مساق غيره لنكتة : كالتوبيخ فى قول الخارجيّة [من الطويل] :
أيا شجر الخابور مالك مورقا |
كأنّك لم تجزع على ابن طريف (٤) |
__________________
(١) البيت للمتنبى ، ديوانه ١ / ١٤٠ ، والإشارات ص ٢٨٥.
(٢) هو لبشار. وصدره :
خاط لى عمرو قباء
(٣) البيت لأبى نواس.
(٤) البيت للمتنبى ، ديوانه ١ / ١٤٠ ، والإشارات ص ٢٨٥.
(٥٩١) والمبالغة فى المدح ؛ كقوله (١) [من البسيط] :
ألمع برق سرى أم ضوء مصباح |
أم ابتسامتها بالمنظر الضّاحى |
أو فى الذم ؛ كقوله (٢) [من الوافر] :
وما أدرى ولست إخال أدرى |
أقوم آل حصن أم نساء؟! |
والتدلّه فى الحبّ فى قوله [من البسيط] :
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا |
ليلاى منكنّ أم ليلى من البشر (٣) |
القول بالموجب
(٥٩٣) ومنه : القول بالموجب ؛ وهو ضربان :
أحدهما : أن تقع صفة فى كلام الغير كناية عن شيء أثبت له حكم ، فتثبتها لغيره من غير تعرّض لثبوته له أو انتفائه عنه ؛ نحو : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)(٤).
(٥٩٤) والثانى : حمل لفظ وقع فى كلام الغير على خلاف مراده ، ممّا يحتمله بذكر متعلّقه ؛ كقوله (٥) [من الخفيف] :
قلت : ثقّلت إذ أتيت مرارا |
قال : ثقّلت كاهلى بالأيادي |
__________________
(١) البيت للبحترى ، من قصيدة يمدح فيها الفتح بن خاقان ، ديوانه ١ / ٤٤٢.
(٢) البيت لزهير ، ديوانه ص ٧٣.
(٣) البيت للحسين بن عبد الله أو العرجى الطراز ٣ / ٨١ ، والمصباح ص ٨٨.
(٤) المنافقون : ٨.
(٥) البيت للحسن بن أحمد المعروف بابن حجاج ، وقيل : لمحمد بن إبراهيم الأسدى. أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٢٨٧.
الاطراد
(٥٩٦) ومنه : الاطّراد ؛ وهو أن تأتى بأسماء الممدوح أو غيره وأسماء آبائه ، على ترتيب الولادة ، من غير تكلّف ؛ كقوله (١) [من الكامل] :
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم |
بعتيبة بن الحارث بن شهاب |
المحسنات اللفظية
وأما اللفظىّ :
فمنه :
(٥٩٧) الجناس بين اللفظين ، وهو تشابههما فى اللفظ :
(٥٩٨) والتامّ منه : أن يتفقا فى أنواع الحروف ، وفى أعدادها ، وفى هيئاتها ، وفى ترتيبها : فإن كانا من نوع ؛ كاسمين ، سمى مماثلا ؛ نحو : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ)(٢).
وإن كانا من نوعين ، سمى مستوفى ؛ كقوله [من الكامل] :
ما مات من كرم الزّمان فإنّه |
يحيا لدى يحيى بن عبد الله (٣) |
(٦٠٢) وأيضا : إن كان أحد لفظيه مركّبا ، سمى جناس التركيب ، فإن اتفقا فى الخطّ ، خصّ باسم المتشابه ؛ كقوله [من المتقارب] :
إذا ملك لم يكن ذا هبه |
فدعه فدولته ذاهبه (٤) |
__________________
(١) البيت لربيعة بن سعد وقيل : لداود بن ربيعة الأسدى ، الإشارات ص ٢٨٨.
(٢) الروم : ٥٥.
(٣) البيت لأبى تمام ، من قصيدة يمدح فيها يحيى بن عبد الله ، ديوانه ٣ / ٣٤٧ ، التبيان ص ١٦٦ ، والإشارات ص ٢٩٠.
(٤) البيت لأبى الفتح البستي على بن محمد ، الطراز ٢ / ٣٦٠ ، والإشارات ص ٢٩٠.
وإلا خصّ باسم المفروق ؛ كقوله (١) [من المديد] :
كلّكم قد أخذ الجا |
م ولا جام لنا |
|
ما الّذى ضرّ مدير ال |
جام لو جاملنا |
(٦٠٣) وإن اختلفا فى هيئات (٢) الحروف فقط ، يسمّى محرّفا ، كقولهم : (جبّة البرد جنّة البرد) ، ونحوه : (الجاهل إمّا مفرط أو مفرّط) ، والحرف المشدّد فى حكم المخفّف ؛ كقولهم : (البدعة شرك الشّرك).
(٦٠٤) وإن اختلفا فى أعدادها ، يسمّى ناقصا ؛ وذلك إمّا بحرف فى الأول ؛ مثل : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ)(٣) ، أو فى الوسط ؛ نحو : «جدّى جهدي» ، أو فى الآخر ؛ كقوله [من الطويل] :
يمدّون من أيد عواص عواصم (٤)
وربّما سمّى هذا مطرّفا.
وإمّا بأكثر ؛ كقولها [من الكامل] :
إنّ البكاء هو الشّفا |
ء من الجوى بين الجوانح (٥) |
وربّما سمى هذا مذيّلا.
(٦٠٨) وإن اختلفا فى أنواعها ، فيشترط ألّا يقع بأكثر من حرف : ثمّ الحرفان : إن كانا متقاربين سمّى مضارعا ، وهو إمّا فى الأوّل ؛ نحو : «بينى وبين كنّى (٦) ليل دامس وطريق طامس» ، أو فى الوسط ؛ نحو : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ
__________________
(١) البيتان لأبى الفتح البستى ، أوردهما محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٢٩١. والجام : الكأس ، ومدير الجام : الساقى.
(٢) من (شروح التلخيص) وفى المتن (هيئة).
(٣) القيامة : ٢٩ ـ ٣٠.
(٤) لأبى تمام ، ديوانه ١ / ٢٠٦ ، والطراز ٢ / ٣٦٢ وعجزه : تصول بأسياف قواض قواضب.
(٥) للخنساء ، أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٢٩٢.
(٦) الكن : المترل. وهذا من كلام الحريرى ، والدامس : الشديد الظلمة.
عَنْهُ)(١) ، أو فى الآخر ؛ نحو : «الخيل معقود بنواصيها الخير» (٢).
وإلا سمّى لاحقا ، وهو ـ أيضا ـ إمّا فى الأوّل ؛ نحو : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)(٣) ، أو فى الوسط ؛ نحو : (ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ)(٤) ، أو فى الآخر ؛ نحو : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ)(٥).
(٦١٠) وإن اختلفا فى ترتيبها ، سمى تجنيس القلب ؛ نحو : «حسامه فتح لأوليائه حتف لأعدائه» ، ويسمّى قلب كلّ ، ونحو : «اللهمّ استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا» (٦) ، ويسمى قلب بعض.
(٦١٢) وإذا وقع أحدهما (٧) فى أوّل البيت ، والآخر فى آخره ، سمّى مقلوبا مجنّحا.
وإذا ولى أحد المتجانسين (٨) الآخر ، سمّى مزدوجا ومكرّرا ومردّدا ؛ نحو : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)(٩).
(٦١٣) ويلحق بالجناس شيئان :
أحدهما : أن يجمع اللفظين الاشتقاق ؛ نحو : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ)(١٠).
والثانى : أن يجمعهما المشابهة ؛ وهى ما يشبه الاشتقاق ؛ نحو : (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ)(١١).
__________________
(١) الأنعام : ٢٦.
(٢) الحديث متفق عليه رواه البخارى فى الجهاد ، ومسلم فى الإمارة.
(٣) الهمزة : ١.
(٤) غافر : ٧٥.
(٥) النساء : ٨٣.
(٦) صحيح ، أخرجه أحمد فى المسند ، وأورده الشيخ الألبانى فى صحيح أبى داود ، وصحيح ابن ماجة.
(٧) أى أحد اللفظين المتجانسين تجانس القلب.
(٨) أى تجانس كان.
(٩) النمل : ٢٢.
(١٠) الروم : ٣٠.
(١١) الشعراء : ١٦٨.
رد العجز على الصدر
(٦١٤) ومنه : ردّ العجز على الصّدر :
وهو فى النّثر : أن يجعل أحد اللفظين المكرّرين أو المتجانسين أو الملحقين بهما فى أوّل الفقرة ، والآخر فى آخرها ؛ نحو : (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ)(١) ، ونحو : (سائل اللئيم يرجع ودمعه سائل) ، ونحو : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً)(٢).
ونحو : (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ.
(٦١٦) وفى النّظم : أن يكون أحدهما فى آخر البيت ، والآخر فى صدر المصراع الأول ، أو حشوه ، أو آخره ، أو صدر المصراع الثانى ؛ كقوله [من الطويل] :
سريع إلى ابن العمّ يلطم وجهه |
وليس إلى داعى النّدى بسريع (٣) |
وقوله [من الوافر] :
تمتّع من شميم عرار نجد |
فما بعد العشيّة من عرار (٤) |
وقوله [من الطويل] :
من كان بالبيض الكواعب مغرما |
فما زلت بالبيض القواضب مغرما (٥) |
وقوله [من الطويل] :
وإن لم يكن إلّا معرّج ساعة |
قليلا فإنّى نافع لى قليلها (٦) |
__________________
(١) الأحزاب : ٢٧.
(٢) نوح : ١٠.
(٣) البيت للأقيشر ، الإشارات ص ٢٣٤ ، والمصباح ص ١٦٥.
(٤) هو للصمة بن عبد الله القشيرى. والعرار : وردة ناعمة صفراء طيبة الرائحة ، الإشارات ص ٢٩٦.
(٥) لأبى تمام القواضب : السيوف القاطعة. البيض : السيوف والنساء الجميلات. والبيت من قصيدة يمدح فهيا أبا سعيد محمد بن يوسف ، ديوانه ٣ / ٣٣٦ ، والإشارات ص ٢٩٦.
(٦) هو لذى الرمة غيلان بن عقبة ، وفى الديوان إلا تعلل ساعة ديوانه ٢ / ٩١٢ ط دمشق ، والإشارات ص ٢٩٦.
وقوله [من الوافر] :
دعانى من ملامكما سفاها |
فداعى الشّوق قبلكما دعاني (١) |
وقوله [من الكامل] :
وإذا البلابل أفصحت بلغاتها |
فانف البلابل باحتساء بلابل (٢) |
وقوله [من الوافر] :
فمشغوف بآيات المثانى |
ومفتون برنّات المثاني (٣) |
وقوله [من السريع] :
أمّلتهم ثم تأمّلتهم |
فلاح لى أن ليس فيهم فلاح (٤) |
وقوله [من المتقارب] :
ضرائب أبدعتها فى السّماح |
فلسنا نرى لك فيها ضريبا (٥) |
وقوله [من الطويل] :
إذا المرء لم يخزن عليه لسانه |
فليس على شيء سواه بخزّان (٦) |
وقوله [من البسيط] :
لو اختصرتم من الإحسان زرتكم |
والعذب يهجر للإفراط فى الخصر (٧) |
__________________
(١) البيت للقاضى الأرجانى.
(٢) هو للثعالبى. البلابل الأولى : الطيور المعروفة. والثانية الهموم. والثالثة : أباريق الخمر. أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٢٩٦.
(٣) آيات المثانى : القرآن ، ورنات المثانى : المزامير ، والبيت للحريرى من مقاماته ص ٥٢١ ، أورده الجرجانى.
(٤) البيت للأرجانى من قصيدة يمدح فيها شمس الملك بن نظام الملك ، أورده الجرجانى فى الإشارات ص ٢٩٧.
(٥) البيت للسرى الرفاء أخذه من قول البحترى :
بلونا ضرائب من قد نرى* |
فما أن رأينا لفتح ضريبا. |
ديوانه ١ / ١٥١ ، والتبيان ١٧٩.
(٦) لامرئ القيس ، ديوانه ص ٩٠ ، والإشارات ص ٢٩٧.
(٧) للمعرّى ، سر الفصاحة ص ٢٦٧ ، والمصباح ص ١١٤.
وقوله [من الكامل] :
فدع الوعيد فما وعيدك ضائرى |
أطنين أجنحة الذّباب يضير؟! (١) |
وقوله [من الطويل] :
وقد كانت البيض القواضب فى الوغى |
بواتر فهى الآن من بعده بتر (٢) |
السجع
(٦٢٤) ومنه : السجع ؛ قيل : وهو تواطؤ الفاصلتين من النثر على حرف واحد ، وهو معنى قول السكاكى : هو فى النّثر كالقافية فى الشعر.
(٦٢٦) وهو ثلاثة أضرب :
مطرّف إن اختلفا فى الوزن ، نحو : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً)(٣).
(٦٢٦) وإلّا ، فإن كان ما فى إحدى القرينتين أو أكثره مثل ما يقابله من الأخرى فى الوزن والتقفية : فترصيع ؛ نحو : (فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه ، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه).
وإلّا فمتواز ؛ نحو : (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ)(٤).
(٦٢٨) وقيل : وأحسن السجع ما تساوت قرائنه ؛ نحو : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ)(٥) ، ثمّ ما طالت قرينته الثانية ؛ نحو : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى
__________________
(١) هو لابن أبى عينية ، أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٢٩٧.
(٢) البيت لأبى تمام من قصيدة يمدح فيها محمد بن حميد الطائى ، فى ديوانه ٤ / ٨٣ ، والإشارات ص ٢٩٨ ، بواتر : قاطعات. بتر : جمع أبتر ، إذا لم يبق من بعده من يستعملها استعماله.
(٣) نوح : ١٣ ، ١٤.
(٤) الغاشية : ١٣ ـ ١٦.
(٥) الواقعة : ٢٨ ـ ٣٠.
ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى)(١) ، أو الثالثة ؛ نحو : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ)(٢). ولا يحسن أن يؤتى بقرينة أقصر منها كثيرا.
(٦٢٩) والأسجاع مبنيّة على سكون الأعجاز ؛ كقولهم : ما أبعد ما فات ، وما أقرب ما هو آت.
قيل : ولا يقال : فى القرآن أسجاع ، بل يقال : فواصل.
وقيل : السّجع غير مختصّ بالنثر ، ومثاله فى النّظم قوله [من الطويل] :
تجلّى به رشدى وأثرت به يدى |
وفاض به ثمدى وأورى به زندي (٣) |
(٦٣٢) ومن السجع على هذا القول ما يسمّى التشطير ؛ وهو جعل كلّ من شطرى البيت سجعة مخالفة لأختها ؛ كقوله [من البسيط] :
تدبير معتصم بالله منتقم |
لله مرتغب فى الله مرتقب |
الموازنة
(٦٣٣) ومنه : الموازنة ؛ وهى تساوى الفاصلتين فى الوزن دون التقفية ؛ نحو : (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)(٤).
(٦٣٤) وإذا تساوى الفاصلتان : فإن كان ما فى إحدى القرينتين أو أكثره مثل ما يقابله من القرينة الأخرى فى الوزن ، خصّ باسم المماثلة ؛ نحو : (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(٥) ، وقوله [من الطويل] :
مها الوحش إلّا أنّ هاتا أوانس |
قنا الخطّ إلّا أنّ تلك ذوابل (٦) |
__________________
(١) النجم : ١ ـ ٢.
(٢) الحاقة : ٣٠ ـ ٣١.
(٣) هو لأبى تمام ، ديوانه ص ١٠٣ ، الإشارات ص ٣٠١ ، والمصباح ١٦٩.
(٤) الغاشية : ١٥ ـ ١٦.
(٥) الصافات : ١٧ ـ ١٨.
(٦) لأبى تمام ، ديوانه ص ٢٢٦ ، التبيان ص ١٧١.
القلب
(٦٣٦) ومنه : القلب ؛ كقوله (١) [من الوافر] :
مودّته تدوم لكلّ هول |
وهل كلّ مودّته تدوم |
وفى التنزيل : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ)(٢) ، (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)(٣).
التشريع
(٦٣٨) ومنه : التشريع ؛ وهو بناء البيت على قافيتين يصحّ المعنى عند الوقوف على كلّ منهما ؛ كقوله (٤) [من الكامل] :
يا خاطب الدّنيا الدّنيّة إنّها |
شرك الرّدى وقرارة الأكدار |
لزوم ما لا يلزم
(٦٤٠) ومنه : لزوم ما لا يلزم ؛ وهو أن يجيء قبل حرف الرّوىّ ـ أو ما فى معناه من الفاصلة ـ ما ليس بلازم فى السجع ؛ نحو : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)(٥) وقوله (٦) [من الطويل] :
__________________
(١) للأرجانى.
(٢) يس : ٤٠.
(٣) المدثر : ٣.
(٤) للحريرى فى مقاماته ص ١٩٢ ، والمصباح ص ١٧٦.
(٥) الضحى : ٩ ـ ١٠.
سأشكر عمرا إن تراخت منيّتى |
أيادى لم تمنن وإن هى جلّت |
|
فتى غير محجوب (١) الغنى عن صديقه |
ولا مظهر الشّكوى إذا النّعل زلّت |
|
رأى خلّتى من حيث يخفى مكانها |
فكانت قذى عينيه حتّى تجلّت |
(٦٤٤) وأصل الحسن فى ذلك كلّه : أن تكون الألفاظ تابعة للمعانى ، دون العكس.
خاتمة : فى السّرقات الشّعريّة ، وما يتّصل بها ، وغير ذلك
(٦٤٧) اتفاق القائلين إن كان فى الغرض على العموم ـ كالوصف بالشجاعة ، والسخاء ، ونحو ذلك ـ فلا يعدّ سرقة ؛ لتقرّره فى العقول والعادات. وإن كان فى وجه الدّلالة ؛ كالتشبيه ، والمجاز ، والكناية ، وكذكر هيئات تدلّ على الصفة ؛ لاختصاصها بمن هى له ـ كوصف الجواد بالتهلّل عند ورود العفاة ، والبخيل بالعبوس مع سعة ذات اليد ـ : فإن اشترك الناس فى معرفته لاستقراره فيهما (٢) ؛ كتشبيه الشجاع بالأسد ، والجواد بالبحر ، فهو كالأول ؛ وإلّا جاز أن يدّعى فيه السبق والزيادة.
وهو (٣) ضربان ؛ خاصّىّ فى نفسه غريب ، وعامى تصرّف فيه بما أخرجه من الابتذال إلى الغرابة ؛ كما مر.
(٦٥٣) فالسرقة والأخذ نوعان : ظاهر ، وغير ظاهر.
(٦٥٣) أما الظاهر : فهو أن يؤخذ المعنى كلّه ، إمّا مع اللفظ كلّه ، أو بعضه ، أو وحده :
__________________
(١) للأرجانى.
(٢) تصحفت فى المتن إلى (محبوب).
(٣) أى فى العقول والعادات ، وقد تصفحت إلى (فيها).
(٤) يعنى النوع الذى لم يشترك الناس فى معرفته.
فإن اخذ اللفظ كلّه من غير تغيير لنظمه : فهو مذموم ؛ لأنه سرقة محضة ، ويسمى نسخا وانتحالا ؛ كما حكى عن عبد الله بن الزبير أنه فعل ذلك بقول معن بن أوس (١) [من الطويل] :
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته |
على طرف الهجران إن كان يعقل |
|
ويركب حدّ السّيف من أن تضيمه |
إذا لم يكن عن شفرة السّيف مزحل |
وفى معناه : أن يبدل بالكلمات كلّها أو بعضها ما يرادفها.
(٦٥٧) وإن كان مع تغيير لنظمه أو أخذ بعض اللفظ ، سمّى : إغارة ومسخا.
(٦٥٨) فإن كان الثانى أبلغ ؛ لاختصاصه بفضيلة : فممدوح ؛ كقول بشّار [من البسيط] :
من راقب النّاس لم يظفر بحاجته |
وفاز بالطّيّبات الفاتك اللهج (٢) |
وقول سلم [من مخلّع البسيط] :
من راقب النّاس مات غمّا (٣) |
وفاز بالّلذة الجسور (٤) |
(٦٥٩) وإن كان دونه : فمذموم ، كقول أبى تمّام [من الكامل] :
هيهات لا يأتى الزّمان بمثله |
إنّ الزّمان بمثله لبخيل (٥) |
__________________
(١) حكى أن عبد الله بن الزبير دخل على معاوية فأنشده هذين البيتين ، فقال له معاوية : لقد شعرت بعدى يا أبا بكر ، ولم يفارق عبد الله المجلس حتى دخل معن بن أوس المزنى ، فأنشد قصيدته التى أولها :
لعمرك وما أدرى وإنى ولأجل |
على أينا تعدو المنية أول |
حتى أتمها ، وفيها هذان البيتان ، فأقبل معاوية على ابن الزبير وقال : ألم تخبرنى أنهما لك فقال :
ـ اللفظ له والمعنى لى ، وبعد فهو أخى من الرضاعة ، وأنا أحق بشعره.
(٢) لبشار فى ديوانه ص ٦٠ ، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٣٠٩.
(٣) فى المتن (همّا).
(٤) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٣٠٩ وعزاه لسلم الخاسر.
(٥) البيت لأبى تمام فى مدح محمد بن حميد ، ديوانه ص ٢٢٦ ، والإشارات ص ٣٠٩.
وقول أبى الطيب [من الكامل] :
أعدى الزّمان سخاؤه فسخا به |
ولقد يكون به الزّمان بخيلا (١) |
(٦٦٢) وإن كان مثله : فأبعد عن الذمّ ، والفضل للأوّل ؛ كقول أبى تمام [من الكامل] :
لو حار مرتاد المنيّة لم يجد |
إلّا الفراق على النّفوس دليلا |
وقول أبى الطيب [من البسيط] :
لو لا مفارقة الأحباب ما وجدت |
لها المنايا إلى أرواحنا سبلا |
(٦٦٤) وإن أخذ المعنى وحده سمى : إلماما وسلخا ، وهو ثلاثة أقسام كذلك :
أولها : كقول أبى تمام [من الطويل] :
هو الصّنع إن يعجل فخير وإن يرث |
فللرّيث فى بعض المواضع أنفع |
وقول أبى الطيب [من الخفيف] :
ومن الخير بطء سيبك عنّى |
أسرع السّحب فى المسير الجهام |
(٦٦٦) وثانيها : كقول البحترى [من الكامل] :
وإذا تألّق فى النّدىّ كلامه ال |
مصقول خلت لسانه من عضبه (٢) |
وقول أبى الطيب [من البسيط] :
كأنّ ألسنهم فى النّطق قد جعلت |
على رماحهم فى الطّعن خرصانا (٣) |
(٦٦٧) وثالثها : كقول الأعرابي (٤) [من الوافر] :
ولم يك أكثر الفتيان مالا |
ولكن كان أرحبهم ذراعا |
وقول أشجع [من المتقارب] :
وليس بأوسعهم فى الغنى |
ولكن معروفه أوسع (٥) |
__________________
(١) البيت للمتنبى فى مدح بدر بن عمار ، ديوانه ٣ / ٣٣٦.
(٢) العضب : السيف القاطع.
(٣) جمع خرص بالضم والكسر ، وهو السنان.
(٤) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٣١٢ ، وفيه الشطر الأول : وما إن كان أكثرهم سواما.
(٦٦٨) وأما غير الظاهر : فمنه أن يتشابه المعنيان ؛ كقول جرير [من الوافر] :
فلا يمنعك من أرب لحاهم |
سواء ذو العمامة والخمار |
وقول أبى الطيب [من الوافر] :
ومن فى كفّه منهم قناة |
كمن فى كفّه منهم خضاب (١) |
(٦٧٠) ومنه : النقل ؛ وهو : أن ينقل المعنى إلى معنى آخر ؛ كقول البحترى [من الكامل]
سلبوا وأشرقت الدّماء عليهم |
محمرّة فكأنّهم لم يسلبوا (٢) |
وقول أبى الطيب [من الكامل] :
يبس النّجيع عليه وهو مجرّد |
من غمده فكأنّما هو مغمد (٣) |
(٦٧١) ومنه : أن يكون الثانى أشمل ؛ كقول جرير [من الوافر] :
إذا غضبت عليك بنو تميم |
وجدت النّاس كلّهم غضابا (٤) |
وقول أبى نواس [من السريع] :
وليس على الله بمستنكر |
أن يجمع العالم فى واحد (٥) |
(٦٧٢) ومنه : القلب ؛ وهو أن يكون معنى الثانى نقيض معنى الأوّل ؛ كقول أبى الشّيص [من الكامل] :
__________________
(١) البيت للمتنبى فى مدح بدر بن عمار ، ديوانه ٣ / ٣٣٦.
(٢) القناة : الرمح.
(٣) البيت للبحترى ، ديوانه ١ / ٧٦ ، والإشارات ص ٧١٣.
(٤) البيت للمتنبى من قصيدة يمدح فيها شجاع بن محمد الطائى ، ديوانه ١ / ٣٣٧ ، والإشارات ص ٣١٣. والنجيع : الدم.
(٥) البيت لجرير من قصيدة يهجو فيها الراعى النميرى ، ديوانه ص ٧٨ ، والإشارات ص ٣١٣ ، وفى المتن (على) بدلا من (عليك).
(٦) البيت لأبى نواس من قصيدة يمدح فيها الفضل بن الربيع ، ديوانه ص ١٤٦ والإشارات ص ٣١٤.
أجد الملامة فى هواك لذيذة |
حبّا لذكرك فليلمنى اللّوّم (١) |
وقول أبى الطيب [من الكامل] :
أأحبّه وأحبّ فيه ملامة |
إنّ الملامة فيه من أعدائه (٢) |
(٦٧٤) ومنه : أن يؤخذ بعض المعنى ، ويضاف إليه ما يحسّنه ؛ كقول الأفوه [من الرمل] :
وترى الطّير على آثارنا |
رأى عين ثقة أن ستمار (٣) |
وقول أبي تمام (٤) [من الطويل] :
وقد ظلّلت عقبان أعلامه ضحى |
بعقبان طير فى الدّماء نواهل |
|
أقامت مع الرّايات حتّى كأنّها |
من الجيش إلّا أنّها لم تقاتل |
فإنّ أبا تمّام لم يلمّ بشيء من معنى قول الأفوه : «رأى عين» ، وقوله : «ثقة أن ستمار» ، ولكن زاد عليه بقوله : «إلا أنها لم تقاتل» ، وبقوله : «فى الدماء نواهل» ، وبإقامتها مع الرايات حتى كأنها من الجيش ، وبها يتمّ حسن الأول.
وأكثر هذه الأنواع ونحوها مقبولة ، بل منها ما يخرجه حسن التصرّف من قبيل الاتّباع إلى حيّز الابتداع ، وكلّما كان أشدّ خفاء كان أقرب إلى القبول.
(٦٨٠) هذا كلّه إذا علم أن الثانى أخذ من الأوّل ؛ لجواز أن يكون الاتفاق من قبيل توارد الخواطر ، أى : مجيئه على سبيل الاتفاق من غير قصد للأخذ.
فإذا لم يعلم ، قيل : قال فلان كذا ، وسبقه إليه فلان ، فقال كذا.
(٦٨٢) وما يتصل بهذا : القول فى الاقتباس ، والتضمين ، والعقد ، والحلّ ، والتلميح :
__________________
(١) أبو الشيص : هو محمد بن رزين الخزاعى ، أورده الجرجانى فى الإشارات ص ٣١٤.
(٢) لأبى الطيب المتنبى فى ديوانه ١ / ١ ، الإشارات ص ٣١٤.
(٣) الأفوه : هو صلاءة بن عمرو ، فى ديوانه ص ١٣٠ ، الإشارات ص ٣١٤. وستمار : ستطعم.
(٤) البيتان لأبى تمام فى قصيدة يمدح فيها المعتصم ، ديوانه ٣ / ٨٢ ، والإشارات ص ٣١٤.
الاقتباس
(٦٨٣) أما الاقتباس : فهو أن يضمّن الكلام شيئا من القرآن أو الحديث ، لا على أنه منه ؛ كقول الحريرىّ : «فلم يكن إلّا (كلمح البصر أو هو أقرب) (١) ، حتى أنشد فأغرب» ، وقول الآخر [من السريع] :
إن كنت أزمعت على هجرنا |
من غير ما جرم فصبر جميل (٢) |
|
وإن تبدّلت بنا غيرنا |
فحسبنا الله ونعم الوكيل (٣) |
وقول الحريرىّ : «قلنا شاهت الوجوه» (٤) وقبّح الّلكع ومن يرجوه ، وقول ابن عباد (٥) [من مجزوء الرمل] :
قال لى : إنّ رقيبى |
سيّئ الخلق فداره |
|
قلت : دعنى وجهك الج |
نّة حفّت بالمكاره (٦) |
(٦٨٥) وهو ضربان ؛ ما ينقل فيه المقتبس عن معناه الأصلى كما تقدّم ، وخلافه كقوله (٧) [من الهزج] :
لئن أخطأت فى مدحي |
ك ما أخطأت فى منعي |
|
لقد أنزلت حاجاتى |
بواد غير ذى زرع |
__________________
(١) اقتباس من النحل : ٧٧.
(٢) اقتباس من يوسف : ١٨.
(٣) اقتباس من آل عمران : ١٧٣.
(٤) هذا من قول النبى صلىاللهعليهوسلم للمشركين يوم حنين ، وهو حديث طويل رواه مسلم فى صحيحه كتاب الجهاد باب ٨١ (غزوة حنين). وأخرجه أحمد وغيره.
(٥) أوردهما الطيى فى التبيان ٢ / ٤٥٥ بتحقيقى ، وعزاهما للصاحب.
(٦) جزء من حديث صحيح رواه البخارى فى الفتن باب ٢ ، والأحكام ٤٣ ، ومسلم فى الإمارة ٣٤ ، ٤١ ، ٤٢ وغيرهما.
(٧) أوردهما الجرجانى فى الإشارات ص ٣١٦ ، وهما لابن الرومى. وقوله : بواد غير ذى زرع اقتباس من سورة إبراهيم آية ٣٧.
(٦٨٦) ولا بأس بتغيير يسير للوزن أو غيره ؛ كقوله (١) [من مخلّع البسيط] :
قد كان ما خفت أن يكونا |
إنّا إلى الله راجعونا |
التضمين
(٦٨٧) وأمّا التضمين : فهو أن يضمّن الشّعر شيئا من شعر الغير ، مع التنبيه عليه إن لم يكن مشهورا عند البلغاء ؛ كقوله [من الوافر] :
على أنّى سأنشد عند بيعى |
أضاعونى وأىّ فتى أضاعوا؟ (٢) |
(٦٩١) وأحسنه ما زاد على الأصل بنكتة ؛ كالتورية والتشبيه فى قوله (٣) [من الطويل] :
إذا الوهم أبدى لى لماها وثغرها |
تذكّرت ما بين العذيب وبارق |
|
ويذكرنى من قدّها ومدامعى |
مجرّ عوالينا ومجرى السّوابق |
(٦٩٣) ولا يضرّ التغيير اليسير. وربّما سمى تضمين البيت فما زاد : استعانة ، وتضمين المصراع فما دونه : إيداعا ورفوا.
العقد
(٦٩٤) وأما العقد : فهو أن ينظم نثر لا على طريق الاقتباس ؛ كقوله (أبى العتاهية) :
ما بال من أوّله نطفة |
وجيفة آخره يفخر؟ |
عقد قول على ـ رضى الله عنه ـ : (وما لابن آدم والفخر ، وإنّما أوّله نطفة ، وآخره جيفة).
__________________
(١) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٣١٦ ، وعزاه لبعض المغاربة ، وفيه اقتباس من سورة البقرة ١٥٦.
(٢) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٣١٨ ، والبيت للحريرى ، وعجزه للعرجى.
(٣) هو صاحب التحبير ، والعجز الأخير للمتنبى. وصاحب التحبير هو ابن أبى الإصبع المصرى ، ولماها : سمرة شفتيها ، ومجر عوالينا : جر الرماح ، الإشارات ص ٣١٨.