مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ٢

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي

مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ٢

المؤلف:

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي


المحقق: الدكتور خليل إبراهيم خليل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-3820-0

الصفحات: ٧٩٥
الجزء ١ الجزء ٢

(٣١٠) وإما عقليّ ؛ نحو : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ)(١) ؛ فإنّ المستعار منه كشط الجلد عن نحو الشاة ، والمستعار له كشف الضوء عن مكان الليل ، وهما حسّيّان ، والجامع ما يعقل من ترتّب أمر على آخر.

(٣١٦) وإما مختلف ؛ كقولك : " رأيت شمسا" وأنت تريد إنسانا كالشمس فى حسن الطلعة ، ونباهة الشأن.

(٣١٦) وإلا (٢) فهما إمّا عقليان ؛ نحو : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا)(٣) ؛ فإنّ المستعار منه الرقاد ، والمستعار له الموت ، والجامع عدم ظهور الفعل ؛ والجميع عقلىّ.

(٣١٨) وإمّا مختلفان ، والحسى هو المستعار منه ، نحو : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ)(٤) ؛ فإنّ المستعار منه كسر الزجاجة ، وهو حسىّ ، والمستعار له التبليغ ، والجامع التأثير ؛ وهما عقليان ، وإمّا عكس ذلك ؛ نحو : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ)(٥) ؛ فإن المستعار له كثرة الماء ؛ وهو حسىّ ، والمستعار منه التكبّر ، والجامع الاستعلاء المفرط ؛ وهما عقليان.

(٣٢١) وباعتبار اللفظ قسمان ؛ لأنه إن كان اسم جنس فأصليّة ؛ كأسد وقتل ؛ وإلا فتبعيّة (٦) ؛ كالفعل ، وما اشتقّ (٧) منه ، والحرف :

__________________

(١) يس : ٣٧.

(٢) أى : وإن لم يكن الطرفان حسيين.

(٣) يس : ٥٢.

(٤) الحجر : ٩٤.

(٥) الحاقة : ١١.

(٦) أى : وإن لم يكن اللفظ المستعار اسم جنس فالاستعارة تبعية.

(٧) وفى نسخة : (وما يشتق منه) ، والمراد به اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة.

٢١

فالتشبيه فى الأولين (١) لمعنى المصدر ، وفى الثالث (٢) لمتعلّق معناه (٣) ؛ كالمجرور فى : (زيد فى نعمة) ؛ فيقدّر فى : (نطقت الحال) و: (الحال ناطقة بكذا) : للدّلالة بالنّطق ، وفى لام التعليل ؛ نحو : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً)(٤) : للعداوة والحزن بعد الالتقاط ، بعلّته الغائية.

(٣٣٤) ومدار قرينتها فى الأولين على الفاعل ؛ نحو : " نطقت الحال بكذا" ، أو المفعول ؛ نحو : [من الرمل] :

قتل البخل وأحيا السّماحا

ونحو (٥) [من البسيط] :

نقريهم لهذميّات نقدّ بها

أو المجرور ؛ نحو : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٦).

(٣٣٦) وباعتبار آخر ثلاثة أقسام :

مطلقة : وهى ما لم تقرن بصفة ولا تفريغ ، والمراد (٧) : المعنوية ، لا النعت النحوىّ.

ومجرّدة : وهى ما قرن بما يلائم المستعار له ؛ كقوله (٨) [من الكامل] :

غمر الرّداء إذا تبسّم ضاحكا

غلقت لضحكته رقاب المال

__________________

(١) أى : الفعل وما يشتق منه.

(٢) أى : الحرف.

(٣) وهو مثلا الابتداء فى من.

(٤) القصص : ٨.

(٥) البيت للقطامي. اللهذم : السنان القاطع. القد : القطع. وعجز البيت : ما كان خاط عليهم كل زراد. سرد الدرع وزردها : نسجها.

(٦) التوبة : ٣٤.

(٧) أى : المراد بالصفة.

(٨) البيت لكثير.

٢٢

ومرشّحة : وهى ما قرن بما يلائم المستعار منه ؛ نحو : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ)(١).

(٣٣٩) وقد يجتمعان فى قوله (٢) [من الطويل] :

لدى أسد شاكى السّلاح مقذّف

له لبد أظفاره لم تقلّم

(٣٤٠) والترشيح أبلغ ؛ لاشتماله على تحقيق المبالغة ، ومبناه على تناسى التشبيه ، حتّى إنه يبنى على علوّ القدر ما يبنى على علوّ المكان ؛ كقوله (٣) [من المتقارب] :

ويصعد حتّى يظنّ الجهول

بأنّ له حاجة فى السّماء

(٣٤٣) ونحوه : ما مرّ من التعجّب والنهى عنه ؛ وإذا جاز البناء على الفرع مع الاعتراف بالأصل ـ كما فى قوله (٤) [من المتقارب] :

هى الشّمس مسكنها فى السّماء

فعزّ الفؤاد عزاء جميلا

فلن تستطيع إليها الصّعودا

ولن تستطيع إليك النزولا

فمع جحده (٥) أولى.

المجاز المركّب

(٣٤٧) وأما المركّب : فهو اللفظ المستعمل فيما شبّه بمعناه الأصلّى تشبيه التمثيل ؛ للمبالغة ؛ كما يقال للمتردّد فى أمر : " إنّى أراك تقدّم رجلا ، وتؤخّر أخرى" ، وهذا التمثيل على سبيل الاستعارة ، وقد يسمّى التمثيل مطلقا ، ومتى فشا استعماله كذلك ، سمّى مثلا ؛ ولهذا لا تغيّر الأمثال.

__________________

(١) البقرة : ١٦.

(٢) تقدم تخريجه.

(٣) البيت لأبى تمام ، ديوانه ص ٣٢٠ ، والمصباح ١٣٨ ، والإشارات ص ٢٢٥.

(٤) البيتان لعباس بن الأحنف ديوانه ص ٢٢١ ، والمصباح ١٣٩ ، وأسرار البلاغة ٢ / ١٦٨.

(٥) أى المشبه.

٢٣

[فصل](١)

(٣٥٤) قد يضمر التشبيه فى النفس ؛ فلا يصرّح بشيء من أركانه سوى المشبّه ، ويدلّ عليه : بأن يثبت للمشبّه أمر يختصّ بالمشبّه به ، فيسمّى التشبيه استعارة بالكناية ، أو مكنيّا عنها ، وإثبات ذلك الأمر للمشبّه استعارة تخييلية ؛ كما فى قول الهذليّ (٢) [من الكامل] :

وإذا المنيّة أنشبت أظفارها

ألفيت كلّ تميمة لا تنفع

(٣٥٧) شبّه المنيّة بالسبع فى اغتيال النفوس بالقهر والغلبة ، من غير تفرقة بين نفّاع وضرّار ، فأثبت لها الأظفار التى لا يحمل ذلك فيه بدونها ، وكما فى قول الآخر (٣) :

ولئن نطقت بشكر برّك مفصحا

فلسان حالى بالشّكاية أنطق

شبّه الحال بإنسان متكلّم فى الدّلالة على المقصود ؛ فأثبت لها اللسان الذى به قوامها فيه. وكذا قول زهير (٤) [من الطويل] :

صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله

وعرّى أفراس الصّبا ورواحله

أراد أن يبيّن أنه ترك ما كان يرتكبه زمن المحبّة من الجهل ، وأعرض عن معاودته فبطلت آلاته ، فشبّه الصّبا بجهة من جهات المسير ؛ كالحجّ والتجارة ، قضى منها الوطر ؛ فأهملت آلاتها ، فأثبت لها الأفراس والرواحل ، فالصّبا من الصّبوة بمعنى الميل إلى الجهل والفتوّة ؛ ويحتمل أنه أراد بالأفراس والرواحل : دواعى النفوس ، وشهواتها ، والقوى

__________________

(١) فى بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية.

(٢) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٢٢٨ ، والهذلى هو أبو ذؤيب ، خويلد بن خالد بن محرث شاعر مخضرم ، والبيت من قصيدة له يرثى فيها بنيه ، وقد هلكوا فى عام واحد ، مطلعها :

أمن المنون وريبها تتوقّع*

والدهر ليس بمعتب من يجزع

(٣) البيت لمحمد بن عبد الله العتبى ، وقيل : لأبى النضر بن عبد الجبار ، أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٢٢٨.

(٤) لزهير فى ديوانه ص ١٢٤ ، والطراز ١ / ٢٣٣ ، والمصباح ١٣٢.

٢٤

الحاصلة لها فى استيفاء اللذات ، أو الأسباب التى قلّما تتآخذ (١) فى اتباع الغى ، إلا أوان الصّبا ؛ فتكون الاستعارة تحقيقية.

فصل

(٣٦٧) عرّف السكاكى الحقيقة اللغوية بالكلمة المستعملة فيما وضعت له ، من غير تأويل فى الوضع ؛ واحترز بالقيد الأخير عن الاستعارة ، على أصح القولين ؛ فإنها مستعملة فيما وضعت له بتأويل.

(٣٦٩) وعرّف المجاز اللّغوى بالكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له بالتحقيق ، فى اصطلاح به التخاطب ، مع قرينة مانعة عن إرادته ، وأتى بقيد «التحقيق» ؛ لتدخل الاستعارة ؛ على ما مرّ.

وردّ : بأن الوضع إذا أطلق لا يتناول الوضع بتأويل ، وبأنّ التقييد باصطلاح التخاطب لا بدّ منه فى تعريف الحقيقة.

(٣٨٣) وقسّم المجاز اللغوى إلى الاستعارة وغيرها. وعرّف الاستعارة بأن تذكر أحد طرفى التشبيه ، وتريد به الآخر ، مدّعيا دخول المشبّه فى جنس المشبّه به. وقسّمها إلى المصرّح بها ، والمكنى عنها.

وعنى بالمصرّح بها : أن يكون المذكور هو المشبّه به ، وجعل منها تحقيقيّة ، وتخييليّة : وفسّر التحقيقيّة بما مرّ ، وعدّ التمثيل منها : وردّ : بأنه (٢) مستلزم للتركيب المنافى للإفراد.

(٣٩٦) وفسّر التخييلية بما لا تحقّق لمعناه حسّا ولا عقلا ، بل هو صورة وهميّة محضة ؛ كلفظ" الأظفار" فى قول الهذليّ (٣) ؛ فإنه لما شبّه المنيّة بالسّبع فى الاغتيال ، أخذ

__________________

(١) فى (متن التلخيص) و (ط) الحلبى : (تأخذ).

(٢) أى التمثيل.

(٣) يشير إلى قول أبى ذؤيب الهذلى فى عينيّته المشهورة :

وإذا المنية أنشبت أظفارها*

ألفيت كلّ تميمة لا تنفع

٢٥

الوهم فى تصويرها بصورته واختراع لوازمه لها ، فاخترع لها صورة مثل الأظفار ، ثم أطلق عليها لفظ الأظفار : وفيه تعسّف ، ويخالف تفسير غيره لها بجعل الشيء للشيء ، ويقتضى أن يكون الترشيح تخييليّة ؛ للزوم مثل ما ذكره فيه.

(٤٠٤) وعنى بالمكنّى عنها : أن يكون المذكور هو المشبّه ، على أن المراد «لمنيّة» السبع ؛ بادّعاء السّبعية لها ؛ بقرينة إضافة الأظفار إليها.

وردّ : بأن لفظ المشبّه فيها مستعمل فيما وضع له تحقيقا ، والاستعارة ليست كذلك ، وإضافة نحو (الأظفار) قرينة التشبيه.

(٤١١) واختار ردّ التبعيّة إلى المكنّى عنها ، بجعل قرينتها مكنيّا عنها ، والتبعيّة قرينتها ، على نحو قوله فى المنية وأظفارها.

وردّ : بأنه إن قدّر التبعية حقيقة ، لم تكن تخييلية ؛ لأنها مجاز عنده ، فلم تكن المكنّى عنها مستلزمة للتخييلية ؛ وذلك باطل بالاتفاق ؛ وإلّا فتكون استعارة ، فلم يكن ما ذهب إليه مغنيا عما ذكره غيره.

فصل

(٤٢٢) حسن كل من التحقيقيّة والتمثيل : برعاية جهات حسن التشبيه ، وألّا يشمّ رائحته لفظا ؛ ولذلك يوصّى أن يكون الشبه بين الطرفين جليّا ؛ لئلا يصير إلغازا ؛ كما لو قيل : «رأيت أسدا» وأريد إنسان أبخر ، و «رأيت إبلا مائة لا تجد فيها راحلة» (١) ، وأريد الناس.

(٤٢٩) وبهذا ظهر : أن التشبيه أعمّ محلّا ، ويتصل به أنه إذا قوى الشبه بين الطرفين حتى اتحدا ـ كالعلم والنور ، والشّبهة والظلمة ـ لم يحسن التشبيه ، وتعيّنت الاستعارة.

والمكنى عنها ـ كالحقيقية ، والتخييلية ـ حسنها بحسب حسن المكنى عنها.

__________________

(١) قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة أخرجه البخارى عن ابن عمر ، كتاب الرقاق باب رفع الأمانة ، ومسلم ك فضائل الصحابة وابن ماجه وأحمد.

٢٦

فصل

(٤٣٣) وقد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها بحذف لفظ أو زيادة لفظ ؛ كقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ)(١) ، (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٢) ، وقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٣) أى : أمر ربّك ، وأهل القرية ، وليس مثله شيء.

(الكناية)

(٤٣٩) الكناية : لفظ أريد به لازم معناه ، مع جواز إرادته معه ؛ فظهر أنها تخالف المجاز من جهة إرادة المعنى الحقيقى للّفظ مع إرادة لازمه. وفرّق : بأن الانتقال فيها من اللازم ، وفيه من الملزوم : وردّ : بأنّ اللازم ما لم يكن ملزوما لم ينتقل منه ؛ وحينئذ : يكون الانتقال من الملزوم [إلى اللازم](٤).

(٤٤٨) وهى ثلاثة أقسام :

الأولى : المطلوب بها غير صفة ولا نسبة :

فمنها : ما هى معنى واحد ؛ كقوله [من الكامل] :

والطّاعنين مجامع الأضغان (٥)

ومنها : ما هو مجموع معان ؛ كقولنا ـ كناية عن الإنسان ـ : " حى مستوى القامة ، عريض الأظفار".

وشرطهما الاختصاص بالمكنّى عنه.

__________________

(١) الفجر : ٢٢.

(٢) يوسف : ٨٢.

(٣) الشورى : ١١.

(٤) من شروح التلخيص.

(٥) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٢٤٠ ، وصدره : الضاربين بكل أبيض مخذم.

٢٧

(٤٥١) والثانية : المطلوب بها صفة :

فإن لم يكن الانتقال بواسطة : فقريبة واضحة ؛ كقولهم ـ كناية عن طول القامة : «طويل نجاده» ، و «طويل النجاد» ، والأولى ساذجة ، وفى الثانية تصريح مّا ، لتضمّن الصفة الضمير ، أو خفية ؛ كقولهم ـ كناية عن الأبله ـ : «عريض القفا».

وإن كان بواسطة : فبعيدة ؛ كقولهم : «كثير الرماد» كناية عن المضياف ؛ فإنه ينتقل من كثرة الرماد إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدور ، ومنها إلى كثرة الطبائخ ، ومنها إلى كثرة الأكلة ، ومنها إلى كثرة الضّيفان ، ومنها إلى المقصود.

(٤٥٨) الثالثة : المطلوب بها نسبة ؛ كقولهم [من الكامل] :

إنّ السّماحة والمروءة والنّدى

فى قبّة ضربت على ابن الحشرج (١)

فإنه أراد أن يثبت اختصاص ابن الحشرج بهذه الصفات ؛ فترك التصريح بأن يقول : «إنه مختصّ بها ، أو نحوه» ، إلى الكناية ، بأن جعلها فى قبة مضروبة عليه. ونحو قولهم : «المجد بين ثوبيه ، والكرم بين برديه».

(٤٦٢) والموصوف فى هذين القسمين قد يكون غير مذكور ؛ كما يقال فى عرض من يؤذى المسلمين : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» (٢).

أما القسم الأول ـ وهو ما يكون المطلوب بالكناية نفس الصفة ، وتكون النسبة مصرحا بها ـ : فلا يخفى أن الموصوف بها (٣) يكون مذكورا لا محالة ، لفظا أو تقديرا.

(٤٦٤) قال (٤) السكاكيّ : «الكناية تتفاوت إلى تعريض ، وتلويح ، ورمز ، وإيماء وإشارة ، والمناسب للعرضية : التعريض ، ولغيرها ـ إن كثرت الوسائط ـ : التلويح ، وإن قلّت ـ مع خفاء ـ : الرمز ، وبلا خفاء : الإيماء والإشارة».

__________________

(١) البيت لزياد الأعجم. المصباح ص ١٥٢ ، والطراز ص ١٧٨ ، والإيضاح ص ٤٦٢.

(٢) حديث صحيح أخرجه الشيخان فى الإيمان وغيرهما.

(٣) من (شروح التلخيص) وفى (متنه): (فيها).

(٤) من شروح التلخيص.

٢٨

ثم قال : «والتعريض قد يكون مجازا ؛ كقولك : «آذيتنى فستعرف» وأنت تريد إنسانا مع المخاطب دونه ، وإن أردتهما جميعا كان كناية ، ولا بدّ فيهما من قرينة».

فصل

(٤٧٣) أطبق البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح ؛ لأن الانتقال فيهما من الملزوم إلى اللازم ، فهو كدعوى الشيء ببيّنة ، وأنّ الاستعارة أبلغ من التشبيه ؛ لأنها نوع من المجاز.

الفنّ الثالث : علم البديع

(٤٨٣) وهو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام ، بعد رعاية المطابقة ، ووضوح الدّلالة : وهي (١) ضربان : معنوىّ ، ولفظى :

المحسّنات المعنويّة

أما المعنوىّ : فمنه :

(٤٨٦) المطابقة : وتسمّى الطباق ، والتضادّ أيضا ، وهى الجمع بين متضادّين ، أى : معنيين متقابلين فى الجملة ، ويكون بلفظين : من نوع : اسمين ؛ نحو : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ)(٢) ، أو فعلين ؛ نحو : (يُحْيِي وَيُمِيتُ)(٣) ، أو حرفين ؛ نحو : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ)(٤)

__________________

(١) من (شروح التلخيص) وفى المتن (هو).

(٢) الكهف : ١٨.

(٣) آل عمران : ١٥٦.

(٤) البقرة : ٢٨٦.

٢٩

أو من نوعين ؛ نحو : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)(١).

(٤٨٨) وهو ضربان : طباق الإيجاب ؛ كما مر.

وطباق السلب : نحو : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ* يَعْلَمُونَ)(٢) ، ونحو : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ)(٣).

(٤٨٩) ومن الطباق نحو قوله [من الطويل] :

تردّى ثياب الموت حمرا فما أتى

لها اللّيل إلّا وهى من سندس خضر (٤)

(٤٩١) ويلحق به نحو : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)(٥) ؛ فإن الرحمة مسبّبة عن اللين ، ونحو قوله [من الكامل] :

لا تعجبى يا سلم من رجل

ضحك المشيب برأسه فبكى (٦)

ويسمى الثانى إيهام التضادّ.

المقابلة

(٤٩٤) ودخل فيه ما يختصّ باسم المقابلة ؛ وهى أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو أكثر ، بما يقابل ذلك على الترتيب ، والمراد بالتوافق خلاف التقابل ؛ نحو : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً)(٧) ، ونحو قوله (٨) [من البسيط] :

__________________

(١) الأنعام : ١٢٢.

(٢) الروم : ٦ ـ ٧ ، وتمام الآية السابعة(يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) وبين لا يعلمون ويعلمون طباق سلب بالنفى وعدمه.

(٣) المائدة : ٤٤.

(٤) البيت لأبى تمام.

(٥) الفتح : ٢٩.

(٦) البيت لدعبل.

(٧) التوبة : ٨٢.

(٨) البيت لأبى دلامة ، وقيل أبو لأمة ، فى المصباح ص ١٩٣ ، الإيضاح ص ٤٨٦ ، والإشارات ص ٦٣.

٣٠

ما أحسن الدّين والدّنيا إذا اجتمعا

وأقبح الكفر والإفلاس بالرّجل

ونحو : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى)(١) ، المراد باستغنى : أنه زهد فيما عند الله تعالى كأنه مستغن عنه ؛ فلم يتّق ، أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة ؛ فلم يتّق.

(٤٩٦) وزاد السكاكى : وإذا شرط هنا أمر ، شرط ثمّة ضدّه ؛ كهاتين الآيتين ؛ فإنه لما جعل التيسير مشتركا بين الإعطاء والاتقاء والتصديق ، جعل ضدّه مشتركا بين أضدادها.

مراعاة النظير

(٤٩٨) ومنه : مراعاة النظير ، ويسمّى التناسب والتوفيق ، وهو جمع أمر وما يناسبه لا بالتضاد ؛ نحو : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ)(٢) ، وقوله [من الخفيف] :

كالقسىّ المعطّفات بل الأس

هم مبريّة بل الأوتار (٣)

(٤٩٩) ومنها (٤) : ما يسمّيه بعضهم : تشابه الأطراف ؛ وهو أن يختم الكلام بما يناسب ابتداءه فى المعنى ؛ نحو : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(٥) ، ويلحق بها نحو : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ)(٦) ، ويسمّى إيهام التناسب.

__________________

(١) الليل : ٥ ـ ١٠.

(٢) الرحمن : ٥.

(٣) البيت للبحترى.

(٤) أى من مراعاة النظير.

(٥) الأنعام : ١٠٣.

(٦) الرحمن : ٥ ـ ٦.

٣١

الإرصاد

(٥٠١) ومنه : الإرصاد ، ويسميه بعضهم : التّسهيم ؛ وهو أن يجعل قبل العجز من الفقرة أو من البيت ما يدل عليه إذا عرف الروىّ ، نحو : (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(١) ، وقوله [الوافر] :

إذا لم تستطع شيئا فدعه

وجاوزه إلى ما تستطيع (٢)

المشاكلة

(٥٠٤) ومنه : المشاكلة ؛ وهى ذكر الشيء بلفظ غيره ؛ لوقوعه فى صحبته ، تحقيقا أو تقديرا :

فالأول : نحو قوله (٣) [من الكامل] :

قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه

قلت : اطبخوا لى جبّة وقميصا

ونحو : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ)(٤).

(٥٠٨) والثانى : نحو : (صِبْغَةَ اللهِ)(٥) ، وهو مصدر مؤكّد ل (آمَنَّا بِاللهِ*) أى : تطهير الله ؛ لأنّ الإيمان يطهّر النفوس ، والأصل فيه : أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم فى ماء أصفر يسمّونه : (المعموديّة) ، ويقولون : إنّه تطهير لهم ؛ فعبّر عن الإيمان بالله ب «صبغة الله» للمشاكلة بهذه القرينة.

__________________

(١) العنكبوت : ٤٠.

(٢) البيت لعمرو بن معد يكرب.

(٣) البيت لأبى الرقعمق الأنطاكى ، المصباح ص ١٩٦ ، والإيضاح ص ٤٩٤.

(٤) المائدة : ١١٦.

(٥) البقرة : ١٣٨.

٣٢

المزاوجة

(٥١١) ومنه : المزاوجة ؛ وهى أن يزاوج بين معنيين فى الشرط والجزاء ؛ كقوله (١) [من الطويل] :

إذا ما نهى النّاهى فلجّ بى الهوى

أصاخت إلى الواشى فلجّ بها الهجر

العكس

(٥١٤) ومنه : العكس ؛ وهو أن يقدّم جزء فى الكلام على جزء ، ثم يؤخّر ، ويقع على وجوه :

منها : أن يقع بين أحد طرفى جملة وما أضيف إليه ؛ نحو : عادات السادات سادات العادات.

ومنها : أن يقع بين متعلقى فعلين فى جملتين ؛ نحو : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ)(٢).

ومنها : أن يقع بين لفظين فى طرفى جملة نحو : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ)(٣).

الرجوع

(٥١٧) ومنه : الرجوع ؛ وهو العود إلى الكلام السابق بالنقض لنكتة ؛ كقوله [من البسيط] :

قف بالدّيار الّتى لم يعفها القدم

بلى وغيّرها الأرواح والدّيم (٤)

__________________

(١) البيت للبحترى ، ديوانه ص ٨٤٤ ، التبيان للطيى ٢ / ٤٠٠ بتحقيقى ويروى (أصاخ) بدل (أصاخت).

(٢) يونس : ٣١.

(٣) الممتحنة : ١٠.

(٤) البيت لزهير ديوانه ص ١٤٥ ، الجرجانى فى الإشارات ص ٢٧١.

٣٣

التورية

(٥١٨) ومنه : التورية ، وتسمّى الإيهام أيضا ؛ وهى أن يطلق لفظ له معنيان ، قريب وبعيد ، ويراد البعيد ؛ وهى ضربان :

مجرّدة : وهى التى لا تجامع شيئا مما يلائم القريب ؛ نحو : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(١).

ومرشّحة ؛ نحو : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ)(٢).

الاستخدام

(٥٢١) ومنه : الاستخدام ؛ وهو أن يراد بلفظ له معنيان أحدهما ، ثمّ بالآخر الآخر ، أو يراد بأحد ضميرين أحدهما ، ثم بالآخر الآخر :

فالأوّل : كقوله (٣) [من الوافر] :

إذا نزل السّماء بأرض قوم

رعيناه وإن كانوا غضابا

والثانى : كقوله (٤) [من الكامل] :

فسقى الغضى والسّاكنيه وإن هم

شبّوه بين جوانحى وضلوعي

اللف والنشر

(٥٢٣) ومنه : اللف والنشر ؛ وهو ذكر متعدّد على التفصيل أو الإجمال ، ثم ما لكلّ واحد من غير تعيين ؛ ثقة بأن السامع يردّه إليه.

__________________

(١) طه : ٥.

(٢) الذاريات : ٤٧.

(٣) البيت لجرير أو لمعاوية بن مالك.

(٤) البيت للبحترى.

٣٤

(٥٢٣) فالأول : ضربان ؛ لأن النشر إمّا على ترتيب اللف ؛ نحو : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ)(١). وإما على غير ترتيبه ؛ كقوله (٢) [من الخفيف] :

كيف أسلو وأنت حقف وغصن

وغزال لحظا وقدّا وردفا

(٥٢٦) والثاني : كقوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى)(٣) أى : قالت اليهود : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا. وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى ؛ فلفّ لعدم الالتباس ؛ للعلم بتضليل كل فريق صاحبه.

الجمع

(٥٢٨) ومنه : الجمع ؛ وهو أن يجمع بين متعدّد فى حكم واحد (٤) ؛ كقوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا)(٥) ، ونحو (٦) [من الرجز] :

إنّ الشّباب (٧) والفراغ والجده

مفسدة للمرء أى مفسده

__________________

(١) القصص : ٧٣.

(٢) البيت لابن حيوس ديوانه ٢ / ٤٧ ، والإيضاح ص ٥٠٤ ، والمصباح ص ٢٤٧. والحقف : الجملة من الرمل.

(٣) البقرة : ١١١.

(٤) من (شرح التلخيص).

(٥) الكهف : ٤٦.

(٦) البيت لأبى العتاهية ، ديوانه ص ٤٤٨ من أرجوزته ذات الأمثال ، والطراز ٣ / ١٤٢ ، والمصباح ٢٤٧.

(٧) تصحفت فى (ط) إلى (الشاب).

٣٥

التفريق

ومنه : التفريق ؛ وهو إيقاع تباين بين أمرين من نوع ، فى المدح أو غيره ، كقوله (١) [من الخفيف] :

ما نوال الغمام وقت ربيع

كنوال الأمير وقت سخاء

فنوال الأمير بدرة عين

ونوال الغمام قطرة ماء

التقسيم

(٥٢٨) ومنه : التقسيم ؛ وهو ذكر متعدد ، ثم إضافة ما لكلّ إليه على التّعيين ؛ كقوله (٢) [من البسيط] :

ولا يقيم على ضيم يراد به

إلّا الأذلّان عير الحى والوتد

هذا على الخسف مربوط برمّته

وذا يشجّ فلا يرثى له أحد

الجمع مع التفريق

(٥٢٨) ومنه : الجمع مع التفريق ؛ وهو أن يدخل شيئان فى معنى ، ويفرق بين جهتى الإدخال ؛ كقوله (٣) [من المتقارب] :

فوجهك كالنّار فى ضوئها

وقلبى كالنّار فى حرّها

الجمع مع التقسيم

ومنه : الجمع مع التقسيم ؛ وهو جمع بين متعدّد تحت حكم ، ثم تقسيمه ، أو العكس :

__________________

(١) البيتان للوطواط ، الإشارات ص ٢٧٤ ، والطراز ٣ / ١٤١ ، المصباح ٢٤٧ بلا عزو.

(٢) للمتلمس. عير : حمار.

(٣) البيت لرشيد الدين الوطواط ، أورده الجرجانى فى الإشارات ص ٣٧٤.

٣٦

فالأول : كقوله (١) [من البسيط] :

حتّى أقام على أرباض خرشنة

تشقى به الرّوم والصّلبان والبيع

للسّبى ما نكحوا والقتل ما ولدوا

والنّهب ما جمعوا ، والنّار ما زرعوا

والثانى : كقوله (٢) [من البسيط] :

قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم

أو حاولوا النّفع فى أشياعهم نفعوا

سجيّة تلك منهم غير محدثة

إنّ الخلائق ـ فاعلم ـ شرّها البدع

الجمع مع التفريق والتقسيم

(٥٢٨) ومنه : الجمع مع التفريق والتقسيم ؛ كقوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)(٣) ، (٥٣٣) وقد يطلق التقسيم على أمرين آخرين :

أحدهما : أن تذكر أحوال الشيء مضافا إلى كلّ ما يليق به ؛ كقوله (٤) [من الطويل] :

سأطلب حقّى بالقنا ومشايخ

كأنّهم ومن طول ما التثموا مرد

ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا

كثير إذا شدّوا قليل إذا عدّوا

والثانى : استيفاء أقسام الشيء ؛ كقوله تعالى : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً)(٥).

__________________

(١) البيتان للمتنبى ، ديوانه ٢ / ٢٢٤ ، والإيضاح ص ٥٠٥ ، والمصباح ٢٤٨ ، خرشنة : اسم بلد.

(٢) البيتان لحسان بن ثابت فى ديوانه ص ٢٣٨ ، والطراز ٣ / ١٤٤ ، والمصباح ص ٢٤٩.

(٣) هود : ١٠٥ ـ ١٠٨.

(٤) البيتان للمتنبى.

(٥) الشورى : ٤٩ ـ ٥٠.

٣٧

التجريد

(٥٣٦) ومنه : التجريد ؛ وهو أن ينتزع من أمر ذى صفة آخر مثله فيها ؛ مبالغة لكمالها فيه ، وهو أقسام :

منها : نحو قولهم : لى من فلان صديق حميم ، أى : بلغ فلان من الصداقة حدّا صحّ معه أن يستخلص منه آخر مثله فيها.

ومنها : نحو قولهم : لئن سألت فلانا ، لتسألنّ به البحر.

ومنها : نحو قوله [من الطويل] :

وشوهاء تغدو بى إلى صارخ الوغى

بمستلئم مثل الفنيق المرحّل (١)

ومنها : نحو قوله تعالى : (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ)(٢) أى : فى جهنم ، وهى دار الخلد.

ومنها : نحو قوله [من الكامل] :

ولئن بقيت لأرحلنّ بغزوة

تحوى الغنائم أو يموت كريم (٣)

وقيل : تقديره : أو يموت منى كريم. وفيه نظر.

ومنها : نحو قوله [من المنسرح] :

يا خير من يركب المطىّ ولا

يشرب كأسا بكفّ من بخلا (٤)

ومنها : مخاطبة الإنسان نفسه ؛ كقوله [من البسيط] :

لا خيل عندك تهديها ولا مال

فليسعد النّطق إن لم يسعد الحال (٥)

__________________

(١) البيت لأبى لأمة ، الإيضاح ص ٢ / ٥ ، والمصباح ص ٢٣٧. الشوهاء : الفرس القبيح المنظر. تعدو : تسرع. صارخ : مستغيث. مستلئم : لابس لأمة ؛ وهى الدرع. الفنيق : الفحل المكرم. المرحل : من : رحل البعير : أشخصه عن مكانه وأرسله.

(٢) فصلت : ٢١.

(٣) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٢٧٨ وعزاه للحماسى.

(٤) البيت للأعشى.

(٥) البيت للمتنبى.

٣٨

المبالغة

(٥٤٦) ومنه : المبالغة المقبولة ، والمبالغة : أن يدّعى لوصف بلوغه فى الشدّة أو الضعف حدّا مستحيلا أو مستبعدا ؛ لئلا يظنّ أنه غير متناه فيه (١).

(٥٤٧) وتنحصر فى : التبليغ ، والإغراق ، والغلوّ ؛ لأن المدّعى : إن كان ممكنا عقلا وعادة : فتبليغ ؛ كقوله (٢) [من الطويل] :

فعادى عداء بين ثور ونعجة

دراكا فلم ينضح بماء فيغسل

وإن كان ممكنا عقلا لا عادة : فإغراق ؛ كقوله (٣) [من الوافر] :

ونكرم جارنا ما دام فينا

ونتبعه الكرامة حيث مالا

وهما مقبولان ؛ وإلا (٤) فغلوّ ؛ كقوله (٥) [من الكامل] :

وأخفت أهل الشّرك حتّى إنّه

لتخافك النّطف الّتى لم تخلق

والمقبول منه أصناف ؛ منها : ما أدخل عليه ما يقرّبه إلى الصحة ؛ نحو : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ)(٦).

ومنها : ما تضمّن نوعا حسنا من التخييل ؛ كقوله (٧) [من الكامل] :

عقدت سنابكها عليها عثيرا

لو تبتغى عنقا عليه لأمكنا

__________________

(١) أى فى الشدة أو الضعف.

(٢) البيت لامرئ القيس ديوانه (١) ص ١٥٦ ، (ب) ص ٨٨ ، والإشارات ص ٢٧٨ ، والمصباح ص ٢٢٤.

(٣) البيت لعمرو بن الأيهم التغلبى ، الإشارات ص ٢٧٩ ، والمصباح ص ٢٢٤.

(٤) بأن كان غير ممكن عقلا ولا عادة.

(٥) البيت لأبى نواس ديوانه ص ٤٥٢ ، والطراز ٢ / ٣١٤ ، والمصباح ص ٢٢٩.

(٦) النور : ٣٥.

(٧) البيت للمتنبى فى ديوانه ، الإشارات ص ٢٧٩ السنابك : حوافر الخيل. العثير : الغبار. العنق : نوع من السير.

٣٩

(٥٥٤) وقد اجتمعا فى قوله (١) [من الطويل] :

يخيل لى أن سمر الشهب فى الدجى

وشدت بأهدابى إليهن أجفاني

ومنها : ما خرج مخرج الهزل والخلاعة ؛ كقوله (٢) [من المنسرح] :

أسكر بالأمس إن عزمت على الش

رب غدا إن ذا من العجب

المذهب الكلامي

(٥٥٩) ومنه : المذهب الكلامي ؛ وهو إيراد حجة للمطلوب على طريق أهل الكلام ؛ نحو : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(٣) ، وقوله (٤) [من الطويل] :

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة

وليس وراء الله للمرء مطلب

لئن كنت قد بلغت عنى جناية

لمبلغك الواشى أغش وأكذب

ولكننى كنت امرءا لى جانب

من الأرض فيه مستراد ومذهب

ملوك وإخوان إذا ما مدحتهم

أحكم فى أموالهم وأقرب

كفعلك فى قوم أراك اصطفيتهم

فلم ترهم فى مدحهم لك أذنبوا

__________________

(١) وهو للقاضى الأرجانى ، أورده الجرجانى فى الإشارات ص ٢٨٠.

(٢) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٢٧٩ بلا عزو.

(٣) الأنبياء : ٢٢.

(٤) الأبيات للنابغة يعتذر إلى النعمان. ديوانه ص ٧٢ ، والمصباح ص ٢٠٧ ، والإيضاح ص ٥١٧.

٤٠