مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ٢

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي

مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ٢

المؤلف:

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي


المحقق: الدكتور خليل إبراهيم خليل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-3820-0

الصفحات: ٧٩٥
الجزء ١ الجزء ٢

والمذهب الثالث وهو أقربها وأنسبها بالتسمية اللغوية ما يفهم من كلام السلف وهو أن إيجاد الاستعارة بالكناية بأن يكون ثم لفظ قصد استعارته بعد المبالغة في التشبيه ، ولكن لا يصرح بذلك اللفظ بل بذكر رديفه الدال عليه الملازم له لينتقل منه إلى ذلك المستعار على قاعدة الكناية في أن ينتقل من اللازم المساوي إلى الملزوم فقولنا أظفار المنية نشبت بفلان ، يقصد بالأظفار فيه أن تكون كناية عن السبع المقصود استعارته للمنية كاستعارة أسد للرجل الشجاع ، فإذا استعمل بهذا القصد فقد صح أنا لم نصرح بالمستعار المقصود الذي هو السبع بل كنينا عنه ونبهنا عليه بمرادفه لينتقل منه إلى المقصود استعارته ، فيتحقق بهذا الاعتبار هنا مستعار منه وهو حقيقة الأسد الذي هو الحيوان المفترس ، والمستعار له وهو المنية ، واللفظ المستعار وهو لفظ السبع الذي لم يصرح به ، ولكن كنينا عنه برديفه ، فلفظ السبع يناسب أن يسمى استعارة على هذا لأنه منقول حكما وكونه بالكناية ومكنيا عنه برديفه أمر واضح على هذا أيضا وبنحو هذا صرح صاحب الكشاف كما فهمه عن الأقدمين حيث قال : إن من أسرار البلاغة ولطائفها يعني أن المقام إذا اقتضى الاستعارة دون الحقيقة لقصد التأكيد والمبالغة لمناسبتها لمدح أو ذم أو يكون ذلك خطاب الذكي دون الغبي ، فإن من لطائف تلك البلاغة التي هي أن يؤتي بالاستعارة المناسبة للمقام أن يسكتوا عن ذكر الشيء المستعار ثم يرمزوا إليه أي : يشيروا إليه بذكر شيء من روادفه المساوية له ، فينبهوا بذلك الرمز على مكانه ، أي : على ثبوت السبع مثلا وتقرر معناه للمنية ، وبه يعلم أن هذه الكناية من قبيل الكناية في النسبة للعلم بأن الأظفار ليست كناية عما يتصور من السبع بل عن إثباته وأنه كان معناه متحققا بالدعوى للمشبه ، وذلك نحو شجاع يفترس أقرانه ، فإن هذا الكلام فيه تنبيه على أن الشجاع ثبتت له الأسدية ورمز إلى ذلك بشيء من روادفه وهو الافتراس المستعمل في إهلاك الأقران.

لا يقال المكنى عنه على هذا هو ثبوت معنى الأسد لا لفظه فلم يكن عنه حتى يسمى استعارة بالكناية بل نقول إنما كنى في الحقيقة عن تشبيه المنية بالأسد فيعود لما ذكر المصنف من أن التخييلية أتى بها للدلالة على التشبيه ؛ لأنا نقول كون الأظفار

٣٦١

كناية عن ثبوت معنى الأسدية للمنية يستدعي تبعية إطلاق لفظ السبع على المنية فبهذا الاعتبار كانت الأظفار كناية عن اللفظ أيضا ؛ لإشعارها به وأما رد كلام المصنف إلى هذا فهو نهاية التكلف ؛ لأن كون التخييلية دليلا على التشبيه كما هو صريح مذهبه لا يستلزم كونه دليلا على ثبوت معنى المشبه به للمشبه المستلزم لاعتبار نقل اللفظ الذي هو مذهب غيره فظاهر مذهبه ينافي ما ذكرت وإن كانت المبالغة في التشبيه تقتضي النقل لكن تصريح المصنف بالتشبيه يبعد كون التخييلية دليلا على النقل.

لا يقال بعد ذلك كله لا يصدق أنه لفظ استعمل في غير معناه فلا يكون مجازا لغويا أيضا ؛ لأنا نقول المجاز اللغوي هو ما استعمل حقيقة أو تقديرا فهذا المذهب أحق من غيره وأقرب لما تقرر تأمل.

فقد ظهر مما ذكر الزمخشري أنه فهم من كلام الأقدمين أن المستعار في المثال لفظ السبع مثلا وقد ترك تصريحا ورمز إليه ببعض روادفه وهذا الكلام ذكره في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ)(١) حيث قال شاع استعمال النقض في إبطال العهد بعد تشبيه العهد بالحبل في كونه وصلة بين المتعاهدين كما يصل الحبل بين متعلقيه ثم نظر بشجاع يفترس أقرانه وقد فهم من كلام الزمخشري أن قرينة الاستعارة بالكناية قد تكون استعارة تصريحية فإن النقض على ما ذكره استعير لإبطال العهد ، وكذا الافتراس استعير لإهلاك الأقران ومع ذلك فكل منهما قرينة وذلك حيث يقتضي الحال أن التشبيه في الأصل للمكنى عنه كالحبل هنا فإن استعارة النقض إنما تعتبر بعد تشبيه العهد بالحبل إذ لم يستعمل النقض مستقلا عن العهد فيكون ضابط القرينة على هذا أن يقال : إن كان للمشبه في المكنى عنها لازم يشبه ما يرادف المشبه به كانت تلك القرينة منقولة استعارة تحقيقية كما فى (يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) وشجاع يفترس أقرانه ، وإن لم يكن للمشبه لازم يشبه الرديف كانت القرينة تخييلية كما في أظفار المنية وإنما صح كون الافتراس والنقض كناية عن الاستعارة المكنى عنها مع استعمالهما في معنى هو لازم المشبه ؛ لأنهما استعملا فيما ادعي أنه نفس أصلهما فكانا كنايتين باعتبار الإشعار

__________________

(١) البقرة : ٢٧.

٣٦٢

المشبه ؛ لأنهما استعملا فيما ادعي أنه نفس أصلهما فكانا كنايتين باعتبار الإشعار بالأصل وبه يعلم أن مذهب السلف لا يقتضي ملازمة التخييلية للمكنى عنها لصحة كون قرينتها عندهم استعارة تصريحية إلا أن يدعي أنها تصريحية باعتبار المعنى المقصود في الحالة الراهنة وتخييلية باعتبار الإشعار بالأصل وعلى ظاهر مذهب المصنف من أن التخييلية استعملت في معناها حقيقة يكون نحو شجاع يفترس أقرانه ليس من المكنى عنها في شيء ، وكذا نحو (يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) بل يكون الافتراس والنقض تصريحيتين تبعيتين والعهد تجريد في الثانية ، والأقران والشجاع تجريد في الأولى ، وذلك يخالف ما دققه الزمخشري فيهما حتى ادعى أن ذلك من لطائف البلاغة ، وإنما كان ذلك من لطائف البلاغة ، لأن التوصل إلى المجاز بالكناية أغرب وأقوى من ذكر نفس المجاز كما لا يخفى ، ثم أشار إلى مثال آخر فيه الاستعارة بالكناية والتخييلية فيها ، مما يكون به قوام الوجه الذي هو أحد القسمين السابقين ، وإنما أتى به مع تقدم مثال آخر فيه للإشارة إلى أن من أمثلة المكني عنها ما يصح أن يكون من التصريحية على ما يقرره بتأويل سيذكره فيه فقال : (وكذا قول زهير صحا) (١) من الصحو وهو الإفاقة من السكر ، استعير هنا للسلو وارتفاع العشق والرجوع عنه بجامع انتفاء ما يغيب عن المراشد والمصالح فصحا بمعنى سلا (القلب عن (حب) سلمى وأقصر باطله) يقال : أقصر عن الشيء إذا أقلع عنه وتركه مع القدرة عليه ، وقصر عنه إذا تركه مع عدم القدرة عليه ، وباطل القلب ميله إلى الهوى ، ومعنى أقصر باطل القلب امتنع عنه وتركه بحاله الأولى فعلى هذا لا يحتاج إلى أن يجعل الكلام من باب القلب ، وأن الأصل : أقصر القلب عن باطله ، ومعلوم أن الاستناد إلى الباطل مجازي بناء على أن الإقصار ترك الشيء مع القدرة عليه (وعرى) القلب (أفراس الصبا ورواحله) أي رواحل الصبا ومعنى تعرية القلب أفراس الصبا أن يحال بينه وبين تلك الأفراس وتزال عنه ، ويحتمل أن يكون نائب فاعل عرى هو الأفراس فيكون المعنى أن أفراس الصبا ورواحله عريت من سروجها

__________________

(١) البيت فى شرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ٥٢) ، وهو لزهير فى ديوانه ص (١٢٤) ، والمصباح ص (١٣٢).

٣٦٣

وآلات ركوبها ، ويكون ذلك كناية عن ترك الانتفاع بها في الأسفار وعلى كل حال فهو مما يلائم المشبه به فيكون تخييلا ، ثم أشار إلى تحقيق معنى الاستعارة بالكناية في البيت وإلى بيان المراد به على تقدير وجود الاستعارة المذكورة فيه بقوله : (أراد) زهير (أن يبين) بهذا الكلام (أنه ترك ما كان يرتكبه) أي : يفعله (زمن) أي في زمن (المحبة) والهوى لسلمى وأضرابها (من الجهل والغي) بيان لما والمراد بالجهل والغي الأفعال التي يعد مرتكبها جاهلا بما ينبغي له في دنياه أو في آخرته ، ويعد بسببها من أهل الغي أي : عدم الرشد لارتكابه ما يعود عليه بالضرر من المعصية وما ينكره العقلاء (وأعرض) عطف على ترك أي : ترك ما تقدم من الجهل والغي وأعرض (عن معاودته) بالعزم على ترك الرجوع إليه (ف) لما أعرض عنه (بطلت آلاته) التي توصل إليه من حيث إنه توصل إليه من الحيل والمنال والمال والإخوان والأعوان ، فالضمير في معاودته وآلاته عائدان على ما في قوله لما كان يرتكبه وهو ظاهر ، وليس قوله : فبطلت آلاته تفسيرا لقوله : وعرى أفراس الصبا وإلا لزام كون الأفراس والرواحل أو تعريتها استعارة حقيقة كما يأتي في الوجه الثاني المقتضي لخروج الكلام عن وجود الاستعارة المكنى عنها فيه ، بل لما كان ترك معاودة الشيء وهجرانه مستلزما لبطلان ما يوصل إليه من حيث إنه يوصل إليه رتب قوله فبطلت آلاته على ذلك الترك ، وأما الأفراس والرواحل وتعريتها أو التعري عنها فعلى حقيقتها ؛ لأنها تخييل ، والتخييل عند المصنف على حقيقته كما تقدم ، فلما أراد زهير ما تقدم لزم كون الصبا بكسر الصاد مع القصر وهو الميل إلى الجهل والفتوة الذي بين أنه أعرض عنه وأهمله فبطلت آلاته بمنزلة جهة من الجهات التي أعرض عنها بعد قضاء الأوطار (فشبه حينئذ) ذلك (الصبا بجهة من جهات المسير) أي من الجهات التي يسار إليها (ك) جهة (الحج و) كجهة (التجارة قضى منها) أي : من تلك الجهة (الوطر) أي : الحاجة الحاملة على ارتكاب الأسفار إليها (ف) لما قضى منها الوطر (أهملت آلاتها) الموصلة إليها طلبا لقضاء الأوطار ؛ لأن اتخاذها لتلك الأوطار وقد قضيت وذلك مثل الأفراس والرواحل والأعوان والأقوات

٣٦٤

السفرية ومزادتها ، ووجه الشبه بينهما الشغل التام بسبب كل منهما لاستيفاء مراد الصبا واستيفاء المراد من الجهة وركوب المسالك الصعبة في كل منهما من غير مبالاة في ذلك الشغل بمهلكة تعرض فيه ، ولا احتراز عن معركة تنال فيه ، حتى قضى بذلك الشغل الوطر فأهمل آلات كل منهما ، فوجه الشبه يدخل فيه قضاء الوطر والإهمال ؛ لأن التشبيه إنما هو باعتبار الفراغ والإهمال بعده ، ويحتمل أن يريد بالصبا ما يدعو إليه من الجرائم فيكون الوجه : الشغل ؛ لاستيفاء تلك الجرائم واستيفاء المراد من الجهة إلخ.

وعلى كل فالمشترك فيه كون الشغل لمطلق الاستيفاء فصار التشبيه المذكور استعارة بالكناية لإضماره في النفس (ف) احتاج إلى قرينة من التخييل ولذلك (أثبت له) أي : للصبا بالمعنيين السابقين بعض ما هو مختص بتلك الجهة ، وأثبت له (الأفراس والرواحل) التي بها قوام الوجه في جهة السير والسفر ، وإنما قلنا إنها قوامه بناء على الغالب ؛ لأن الغالب في الجهة البعيدة التي يحتاج فيها إلى مشاق وهي المشبه بها انعدام السفر فيها بانعدام الآلات لينعدم قضاء الوطر فينعدم الوجه ، أو بناء على السير المعتبر المحقق به الوصول بسرعة ، وإلا فالسير يوجد بدونها فيكون المناسب أن بها كماله لا قوامه كما قال ؛ فصار إثبات الأفراس والرواحل بناء على هذا التشبيه تخييلا ؛ لأنها من خواص المشبه به واستعملت على حقيقتها مع المشبه.

(فالصبا) على هذا التقدير وهو أن يكون هو المشبه (من الصبوة بمعنى الميل إلى الجهل والفتوة) وقد تقدم بيان ذلك يقال : صبا بالقصر وكسر الصاد وصبوة وصبوا أي : مال إلى الجهل والفتوة ، والمراد بالفتوة : الأفعال المرتكبة في حال الشباب ، وتفسير الصبا بما ذكر موجود في الصحاح للجوهري وليس هو الصباء بفتح الصاد والمد بمعنى اللعب مع الصبيان يقال : صبى صباء بالمد كسمع سماعا إذا لعب مع الصبيان ، وإنما لم يكن كذلك ؛ لأنه لا يتأتى فيه التشبيه المذكور إلا على تكلف ، ولم نحترز بقولنا على هذا التقدير عن الاحتمال الآتي ؛ فإنه لا يتأتى فيه التشبيه بالصباء بمعنى اللعب مع الصبيان إلا بتكلف أيضا كما لا يخفى وسنشير إليه.

٣٦٥

(ويحتمل أنه) أي زهيرا (أراد) بالأفراس والرواحل (دواعي النفوس وشهواتها) من عطف المرادف في هذا المحل إذ الدواعي هنا هي الشهوات (والقوى الحاصلة لها في استيفاء اللذات) فإن أراد بالقوى الحاصلة في الاستيفاء ما يحمل على الاستيفاء فهي الشهوات والدواعي المذكورة أيضا ، وإن أراد ما تستعين به النفوس من الصحة والفراغ والتدبير والجهد الروحاني والبدني كان من عطف المباين وعلى كل حال فوجه الشبه بين الدواعي وما ذكر وبين الأفراس والرواحل كون كل منهما آلة لتحصيل ما لا يخلو الإنسان عن المشقة في تحصيله.

(أو الأسباب) أي : يحتمل أن يريد زهير ما ذكر ويحتمل أن يريد بالأفراس والرواحل الأسباب الظاهرية (التي قلما تتآخذ) أي تجتمع من قولك : تآخذت هذه الأمور إذا أخذت بعضها بعضد بعض فاجتمعت أي : لا تجتمع غالبا (في اتباع) أي : عند اتباع أفعال (الغى إلا أوان الصبا) وتلك الأشياء التي لا تجتمع غالبا إلا في وقت الصباء عنفوان الشباب هي مثل المال والمنال والأعوان لكثرة المساعدين من الأقران حينئذ ولوجود جهد الاكتساب للمال إذ ذاك ، وإذا أراد زهير هذا التشبيه (ف) حينئذ (تكون الاستعارة) أي : الاستعارة المعتبرة في البيت وهي استعارة الأفراس والرواحل (تحقيقية) لأن المعنى الذي نقل له لفظ الأفراس والرواحل متحقق عقلا إذا أريد الدواعي لأنها وجودية ولو لم تحس ومتحقق حسا إذا أريد به أسباب اتباع الغي من المال والمنال والأعوان والأقران لوجودها حسّا بالسماع والشهود ، وإنما قلنا لا يصح على هذا الاحتمال ولا على الأول أن يراد بالصباء : اللعب مع الصبيان لأن اللعب مع الصبيان لا يناسبه قوله سلا القلب عن سلمى ولا تناسبه الأفراس والرواحل ولا استعارتها إلا أن يراد باللعب فعل أفعال أهل الهوى والشبان فيعود لمعنى التفسير الأول ، وينبغي أن يعلم أن كون الاستعارة تحقيقية لا ينافي وجود المكنى عنها على ما تقدم في مذهب السلف ، وإنما ذلك على مذهب المصنف ، وإنما زاد هذا المثال مع كونه بناه على أن الاستعارة فيه بالكناية داخلة في القسم الثاني للإشارة إلى أن من الأمثلة ما يمكن فيه اعتبار الأمرين أعنى الاستعارة بالكناية والتحقيقية ، ولذلك

٣٦٦

سماه بعضهم الاستعارة المحتملة فالأمثلة على هذه ثلاثة :

الأول : ما تكون فيه التخييلية هي إثبات ما به كمال وجه الشبه.

والثاني : ما تكون فيه بها قوامه.

والثالث : ما يحتمل التخييلية على أنها قوام أو كمال ويحتمل التحقيقية.

والذي يقع به تمييز المراد قرائن الأحوال ؛ فإن قلت : ما المانع أن تكون كل تخيلية تحقيقية فيقدر في أظفار المنية تشبيه سكرات الموت وموجعاتها بالأظفار ، ويقدر في نطق الحال تشبيه إفهامها المراد بالنطق وفي يد الشمال تشبيه قوة الشمال باليد وعلى هذا القياس فعليه يقال : ما من مثال إلا ويحتمل ، فيرجع في فهم المراد إلى تنصيص المتكلم على مراده أو قرائن الأحوال قلت : تشبيه المنية والحال والشمال بمقابلاتها وهو الظاهر المشهور الموجود كثيرا واستخراج لوازم يشبه بها بعد تلك الشهرة والظهور فيه خفاء وتعسف فتعينت المكنى عنها في أمثالها فافهم.

فصل : اعتراضات على السكاكى

(فصل) تعرض فيه المصنف لبعض كلام السكاكي في الحقيقة والمجاز والبحث معه في ذلك ، وذلك أنه ذكر الاستعارة بالكناية والتخييلية على خلاف ما ذكر فيهما المصنف وعرف الحقيقة والمجاز بما ترد عليه فيه أبحاث فتعرض المصنف لما ذكر ولما يرد عليه فقال (عرف السكاكي الحقيقة اللغوية) احترز بهذا عن الحقيقة العقلية التي هي إسناد الفعل أو معناه لما هو له فليس غرضنا الآن التكلم عليه.

(بالكلمة) أي : عرفها بالكلمة إلخ وهي جنس خرج اللفظ المهمل عنه وغير اللفظ مطلقا (المستعملة) فصل خرج به اللفظ الموضوع قبل الاستعمال فلا يسمى حقيقة ولا مجازا كما تقدم (فيما) أي في المعنى الذي (وضعت هي) أي تلك الكلمة (له) فصل خرج به الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له بكل اصطلاح فإنه مجاز قطعا أو غلط ولما كانت الاستعارة موضوعة قطعا على كل قول وإنما الخلاف في أنها مجاز لغوي أو عقلي على ما

٣٦٧

تقدم بيانه فعلى أنها مجاز عقلي فهي حقيقة لغوية لا يصح إخراجها ، وإنما يخرج المجاز المرسل وعلى أنها مجاز لغوي يحتاج إلى إخراجها إذ لا تخرج بالوضع للاتفاق على وضعها ، لكن وضعها للمشبه بتأويل أي ادعاء أنه من جنس المشبه به الذي وضع له اللفظ أصالة احتاج إلى زيادة قيد لإخراجها ، إذ هي مجاز لغوي على هذا ، وذلك القيد هو أن وضع الحقيقة لا تأويل فيه ولا ادعاء ، ووضع الاستعارة فيه تأويل وادعاء ، فلذلك زاد قيد قوله (من غير تأويل في الوضع) الذي استعملت تلك الكلمة بسببه فخرجت الاستعارة بهذا ؛ لأنها كلمة استعملت فيما وضعت له مع التأويل في ذلك الوضع ، ولا يصدق عليها أنها استعملت فيما وضعت له من غير تأويل في الوضع ، وإلى هذا أشار بقوله (واحترز) السكاكي (بالقيد الأخير) وهو قوله من غير تأويل في الوضع.

(عن الاستعارة) وإنما احتيج إلى الاحتراز عنها بهذا القيد بناء (على أصح القولين) وهو القول بأن الاستعارة مجاز لغوي كما ذكرنا لأنها ولو بولغ في التشبيه فيها حتى ادعى دخول المشبه في جنس المشبه به على ما تقدم لا يقتضي ذلك كونها مستعملة فيما وضعت له حقيقة ، وإنما استعملت في غير ما وضعت له بالأصالة ، فاحتيج إلى الاحتراز عنها كما بينا لتخرج ، إذ هي مجاز لغوي ، فلو دخلت في الحقيقة فسد حدها.

وأما إن بنينا على القول بأنها حقيقة لغوية بناء على أنها استعملت فيما وضعت له حقيقة لأن التصرف وقع أولا في أمر عقلي بأن جعل المشبه نفس المشبه به ، فلما جعل نفسه أطلق اللفظ على ذلك المشبه لا على أنه مشبه بل على أنه نفس المشبه به فقد استعملت في معناها الأصلي فكانت حقيقة لغوية ، فلا يصح الاحتراز عنها بل يجب إدخالها ، وقد تقدم بيان ضعف هذا القول ثم بين وجه خروجها كما ذكرنا بقوله : (فإنها) أي إنما خرجت بهذا القيد المحترز به عنها وهو قولنا : من غير تأويل في الوضع ؛ لأن الاستعارة (مستعملة فيما وضعت له) ولكن لا يصدق عليها أنها استعملت فيما وضعت له من غير تأويل بل فيما وضعت له (بتأويل) أي : بواسطة التأويل بمعنى أن المعنى الذي

٣٦٨

استعملت له إنما صح كونه موضوعا له بتأويل وهو إدخاله فيما وضع له بالادعاء ، والتأويل في الأصل أن يجعل للشيء مآل يؤول إليه ، وقد يطلق على نفس المآل ، ولما كان تفسير الشيء وحمله على غير ظاهره بدليل حاصله جعل معنى للفظ غير أصله فتعقل فيه أن له مبدأ هو أصله ومآلا هو المعنى المحمول عليه أطلق على ذلك الحمل ، وذلك التفسير لفظ التأويل بجامع ما يعقل في كل منهما من ملابسة كون الشيء جعل له مبدأ واستقرار في غيره ، ثم توسع فيه وأطلق على مطلق العدول بالشيء عن أصله إلى غيره كما هنا فإن معنى التأويل في الوضع أن الوضع عدل به عن كونه تغيير اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه الذي هو الأصل إلى أن جعل هو كون اللفظ بحيث يدل على ما جعل داخلا تحت حقيقة غيره بالادعاء ؛ لأن ذلك يصيره كالمطلق عليه بالوضع الحقيقي فإطلاقه على المعنى الأول من الفرعين وهو حمل اللفظ على غير ظاهره لدليل قد صار حقيقة عرفية عند الأصوليين وعلى المعنى الثاني قد صار مشهورا هنا كذلك أيضا ، وقد تقدم أن ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به الذي هو حاصل التأويل هنا يتقرر معه كون اللفظ في المشبه مجازا منقولا له بجعل المشبه به له فردان متعارف وغيره فيعتبر نقل اللفظ عن المتعارف إلى غيره وأنه لو لا ذلك الاعتبار لم يتحقق نقل.

تعريف السكاكى للمجاز اللغوى

(وعرف) السكاكي (المجاز اللغوي) الذي هو المقابل للحقيقة اللغوية التي عرفها أولا (بالكلمة المستعملة) أي : عرفه بأنه هو الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق استعمالا في الغير بالنسبة إلى نوع حقيقتها مع قرينة مانعة عن إرادة معناها في ذلك النوع ، فقوله : بالتحقيق يعني : وضعت له وضعا مصاحبا للتحقيق أي تثبيته وتقريره في أصله بأن يبقى على معناه الذي هو تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه ، فخرج بقوله : " في غير ما وضعت له" الكلمة المستعملة فيما وضعت له حقيقة وأدخل بقيد التحقيق الكلمة المستعملة فيما وضعت له بالتأويل ؛ لأنه إنما أخرج المستعملة في الموضوع التحقيقي

٣٦٩

لا التأويلي ، ونعني بالتأويلي : أن تكون مستعملة فيما هي موضوعة له وضعا مصاحبا للتأويل الذي هو كون اللفظ بحيث يستعمل فيما أدخل بالادعاء في جنس الموضوع له بالتحقيق ولما كان هذا الكلام يشمل ما هو حقيقة كالصلاة تستعمل في عرف اللغة في الدعاء ؛ لأنها يصدق عليها كلمة استعملت في غير ما وضعت له بالتحقيق ؛ لأنها وضعت بالتحقيق لذات الأركان أيضا فهي في الدعاء استعملت في غير الموضوع له في الجملة وهي ذات الأركان احتيج إلى إخراج مثل ذلك بأن يقيد الوضع المنفي بما يفيد معنى في اصطلاح التخاطب بمعنى أن ما استعملها فيه هذا المتكلم غير المعنى الذي وضعت له في اصطلاحه ، ولا شك حينئذ أن نحو الصلاة إذا استعملها اللغوي في الدعاء لا يصدق عليها أنها مستعملة في غير ما وضعت له في اصطلاح اللغوي ضرورة أنها استعملت فيما وضعت له في هذا الاصطلاح أعني اصطلاح اللغة ، وإنما صدق عليها أنها مستعملة في غير ما وضعت هي له باعتبار اصطلاح آخر وهو اصطلاح الشرع ، ولو لا هذا القيد أيضا لخرج مثل لفظ الصلاة إذا استعمله الشارع في الدعاء ؛ لأنه يصدق عليه أنه كلمة استعملت فيما هي موضوعة له في الجملة أي : في اللغة ولما زاد في اصطلاح التخاطب دخل لأنه استعمل في غير ما وضع له في اصطلاح التخاطب وهو اصطلاح الشرع وللاحتياج إلى إخراج وإدخال مثل ما ذكر بالقيد المشار إليه زاد في الحد بعد ما ذكر ما يفيد ذلك وهو قوله استعمالا في الغير بالنسبة إلى نوع حقيقتها ، وكان يكفيه في التعبير عما ذكر أن يقتصر على قوله" بالنسبة إلى نوع حقيقتها" ويجعل الباء متعلقة بالغير في قوله : " غير ما وضعت له" لكن زاد لفظة الاستعمال ليتبين أن المجرور وهو قوله : في الغير متعلق به لطول عهد ذكره مع الغير الأول وادعاء الغير ؛ ليتبين أن قوله بالنسبة متعلق بالغير وعرفه باللام للإشارة إلى أن المراد به الغير المذكور لزيادة البيان ولم يحترز بالتعريف عن شيء ، إذ لا يتوهم غير ذلك ضرورة أنه لا معنى لقولنا المجاز هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له استعمالا في غير آخر بالنسبة إلى نوع حقيقتها فقوله بالنسبة إلى نوع حقيقتها إشارة لمعنى قولنا في اصطلاح التخاطب ؛ لأن معناه أن المجاز

٣٧٠

هو الكلمة المستعملة في غير المعنى الذي هي له موضوعة بشرط أن تكون تلك المغايرة إنما هي بالنسبة إلى النوع الذي كان له حقيقة عند المستعمل لتلك ، فإن كانت حقيقتها النوع الذي هو الشرعية لكون هذا المعنى الذي استعملت فيه غيرا بالنسبة إليه عند المستعمل الذي هو المخاطب بعرف الشرع ـ كان مجازا شرعيا ، وعلى هذا القياس أي : إن كان النوع الذي هو حقيقتها اللغوية كانت مجازا لغويا أو عرفيا كان مجازا عرفيا خاصا أو عاما فأفاد بهذا الكلام أن ثم مغايرة بالنسبة إلى كل نوع فباعتبار كل نوع يثبت التجوز وبالنسبة إلى تلك المغايرة يتم على ما ذكرنا ، ثم لما شمل هذا الحد الكناية ؛ لأنها قد تستعمل في غير معناها بالنسبة إلى نوع حقيقتها زاد في الحد أيضا قوله مع قرينة مانعة عن إرادة الأصل في ذلك النوع من شرعي ولغوي وعرفي ، وقد عرفت بهذا أن ما أفاده قوله استعمالا في الغير بالنسبة إلى نوع حقيقتها حاصله هو ما أفاده قولنا : " في اصطلاح التخاطب" مع كون هذا أوضح وأدل على المراد فلذلك أتى به المصنف بدلا عما ذكر السكاكي كما سنذكره وقولنا إن قوله بالنسبة متعلق بالغير يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون التعلق على ظاهره فيكون التقدير هكذا استعمالا في معنى مغاير للأصل بالنسبة إلى ذلك النوع من الحقيقة.

ثانيهما : أن يكون التعلق معنويا بأن يكون المجرور نعتا للغير فيكون التقدير استعمالا في غير كائنة مغايرته وحاصلة بالنسبة إلى ذلك النوع.

وقولنا : إن التقييد باصطلاح التخاطب عبر به ؛ لأنه أدل وأوضح على المراد لا إشكال فيه إذ لا يخفى ما في قولنا : بالنسبة إلى نوع حقيقتها من الإيهام بل نقول : إن فيه من البحث عند الإنصاف ما يوجب العدول عنه ؛ فإن قوله نوع حقيقتها لا يفيد المراد إلا بتكلف وزيادة تقدير وبيان ذلك أن الصلاة مثلا إذا استعملت في الدعاء فهي فيه حقيقة باعتبار اللغة وهي إذا استعملت في الأركان المخصوصة حقيقة باعتبار الشرع فإذا استعملها الشارع في الأركان فهي نوع من الحقيقة ، وإذا استعملها اللغوي في الدعاء فهي فيه نوع

٣٧١

آخر من الحقيقة ، فاللفظ الواحد هو الموصوف بكونه نوعا من حقيقة باعتبارين فإضافة النوع إلى الحقيقة في قوله بالنسبة إلى نوع حقيقتها يجب أن تكون على معنى بالنسبة إلى نوع هي كونها حقيقة مخصوصة ، وبه يعلم أن الحقيقة أريد بها معنى الحقيقة بزيادة الياء الدالة على المصدرية ، وإضافة الحقيقة يجب أن تكون على معنى إضافة الصفة للموصوف لا على معنى إضافة المغاير ؛ إذ المراد بحقيقتها كونها حقيقة وذلك أن الحقيقة في أصلها لفظ فلو أبقيت الإضافة على أصلها من المغايرة كان المعنى بالنسبة إلى النوع الذي هو لفظ آخر هو حقيقة لهذا اللفظ المجازي ولا معنى له ، لأن اللفظ واحد لكن إذا استعمل في معنى كان فيه حقيقة وفي آخر كان فيه مجازا باعتبار كونه حقيقة في ذلك الآخر في اصطلاح ذلك الاستعمال ، وإذا كان هذا معنى اللفظ لم يفهم منه مجازيته باعتبار كون معناه غير المعنى المخصوص عند المستعمل ، بل غاية ما يدل عليه أنه غير بالنسبة إلى كونه حقيقة في معنى آخر مخصوص ذلك المعنى بكونه كان فيه اللفظ حقيقة عند الشرع أو اللغة أو العرف ، وذلك لا يفيد أنه غير عند المخاطب المستعمل ، فعلى هذا لفظ الصلاة مثلا إذا استعمله اللغوي في الدعاء صدق عليه أنه استعمل فيما يغاير معناه مغايرة كائنة بالنسبة إلى نوع من الحقيقة الثانية له وهي كونه دالا على الأركان عند الشارع فيكون مجازا وهو فاسد فلا بد من زيادة قولنا : عند المستعمل ، فحينئذ لا يصدق عليه أنه غير عند المستعمل فلا يكون مجازا فيخرج عن الحد ، وقولنا : عند المستعمل هو معنى قوله : في اصطلاح التخاطب ، فعبارته لم توف بالمراد إلا بهذه الزيادة التي صرح بها المصنف ، ولا يقال : المعنى أن اللفظ المستعمل في غير ما تحقق أنه معناه في الأصل وعلم أنه مجاز في ذلك الغير يكون باعتبار ذلك المعنى مجازا باعتبار ذلك الأصل ، فإن كان ما كان فيه حقيقة ونقل إلى هذا شرعيا فالمجاز شرعي أو لغويا فلغوي أو عرفيا فعرفي ؛ لأنا نقول هذا يقتضي أن مجازيته معلومة ، وإنما بقي النظر فيما تنسب إليه وكلامنا في تعريف أصل المجاز فلو كان المراد أن اللفظ المقيد بكونه مجازا هو كذا وكذا كان الحد خارجا عن المراد تأمل.

٣٧٢

وقد تقرر بهذا أن الصواب في إفادة المراد هو ما أشار إليه المصنف عدولا عن عبارة السكاكي لا تعبيرا عن معناه بقوله (في غير ما وضعت له بالتحقيق في اصطلاح به التخاطب مع قرينة مانعة عن إرادته) أي إرادة معناها الأصلي في ذلك الاصطلاح ، وقد تقدم في بيان كلام السكاكي ما خرج بقوله : في غير ما وضعت له بالتحقيق ، وتقدم أن قولنا : في اصطلاح التخاطب الذي لم توف به عبارة السكاكي على ما ذكرنا لإخراج نحو الصلاة يستعملها اللغوي في الدعاء فإنه حقيقة ولو استعمل في غير ما وضع له في الجملة لأنه ليس غيرا في اصطلاح التخاطب ، إذ هو معناه في اصطلاح التخاطب ثم لما كانت زيادة قوله بالتحقيق لإدخال ما استعمل مصاحبا للوضع بالتأويل كما ذكرنا وذلك المستعمل بمصاحبة الوضع بالتأويل هو الاستعارة وكان في تلك الزيادة لذلك الإدخال بحث نبه على مقصوده بقيد التحقيق ليترتب على ذلك ما ورد عليه من البحث فقال (وأتى) السكاكي في حده للمجاز اللغوي (بقيد التحقيق) حيث قال في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق (ل) يكون المخرج عن الحد هو ما استعمل في الموضوع بالتحقيق لا ما استعمل في الموضوع بالتأويل وهو الاستعارة فحينئذ يجب أن (تدخل الاستعارة) في تعريف المجاز اللغوي إذ هي مجاز لغوي (على) أصح القولين ك (ما مر) من أنها مستعملة في غير ما وضعت له حقيقة وفيما وضعت له بالتأويل وأن ذلك يحقق كونها مجازا لغويا.

وأما على غير الأصح وهي أنها حقيقة لغوية ومجاز عقلي فلا يصح إدخالها في تعريف المجاز فلا يزاد قيد التحقيق لإدخالها ، ووجه إدخالها بزيادة قيد التحقيق هو ما أشرنا إليه من أن الخارج حينئذ هو اللفظ المستعمل في الموضوع له بالتحقيق وهو الحقيقة اللغوية ، وأما الكلمة المستعملة في الموضوع له بالتأويل فلا تخرج ؛ لأن المنفي هو الوضع الحقيقي لا التأويلي ، وأما لو لم يزد قيد التحقيق كان المنفي الاستعمال في مطلق الوضع ، والاستعارة فيها الاستعمال في مطلق الوضع الصادق بالوضع بالتأويل فتخرج عن تعريف المجاز فيفسد الحد ؛ لأنها لا يصدق عليها أنها كلمة استعملت في غير ما وضعت له لصدق أنها استعملت

٣٧٣

فيما وضعت له في الجملة فكان زيادة قيد التحقيق لإدخالها حيث خصص الإخراج بالحقيقة اللغوية كما بينا.

وفي عبارة السكاكي هنا ما ظاهره فاسد ، وذلك أنه قال : وقولي : " بالتحقيق" احتراز عن أن لا تخرج الاستعارة فظاهره أن المحترز عنه هو عدم خروجها ، وإذا احترز عن عدم خروجها كان مقتضى القيد خروجها ؛ لأن المحترز عنه منفي عن التعريف ، وإذا كان المنفي عن التعريف عدم خروجها كان الثابت في التعريف خروجها إذ لا واسطة بين النقيضين ، ومن المعلوم أن المطلوب بزيادة التحقيق دخولها لا خروجها كما ينافي ما تقدم ، فقد ظهر فساد ظاهر العبارة إلا أن يجاب بحمل كلامه على أن لا زائدة على حد قوله تعالى (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ)(١) إذ المقصود ليعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله ، أو يجاب بأن المحترز عنه محذوف وتجعل أن وما بعدها علة للاحتراز عن المحترز عنه ، ويتم هذا بجعل عن بمعنى لام التعليل ويكون المحترز عنه محذوفا دل عليه لفظ الاحتراز ، أو يحذف مجرورها ثم تقدر لام التعليل بعدها فيكون التقدير والمعنى احترازا عن خروجها وعلة الاحتراز عن الخروج والحامل عليه هو طلب عدم خروجها وذلك بإدخالها ، فكأنه يقول أوقعنا الاحتراز عن خروجها بذلك القيد لئلا تخرج ، وفيه من التعسف والتقدير ما لا يخفى.

ثم أشار إلى ما فيه رد مقتضى زيادة التحقيق ومقتضى زيادة قوله من غير تأويل بقوله (ورد) مقتضى ما ذكره السكاكي في التعريفين ، وهو أنه إنما زاد قيد قوله : " بالتحقيق" لتدخل الاستعارة وقيد قوله : " من غير تأويل" لتخرج عن حد الحقيقة ، وذلك أن مقتضى ذلك أن قيد التحقيق محتاج إليه في التعريف وأنه إن لم يزده في تعريف المجاز خرجت عنه الاستعارة مع أنها مجاز لغوي ، وقيد قوله : " من غير تأويل" محتاج إليه في تعريف الحقيقة وإلا دخلت الاستعارة أي رد مقتضى ما ذكر من الحاجة إلى زيادة قيدي التحقيق

__________________

(١) الحديد : ٢٩.

٣٧٤

ومن غير تأويل (ب) أنه لا يحتاج إلى زيادة القيدين لإدخال الاستعارة وإخراجها بل ذكر الوضع مطلقا كاف في إدخال الاستعارة وإخراجها ل (أن الوضع) وما يشتق منه كالموضوعة والموضوع له (إذا أطلق) ولم يقيد بالتحقيق ولا بالتأويل (لا يتناول الوضع بالتأويل) حتى يحتاج إلى زيادة التحقيق ليكون المنفي عن التعريف هو التحقيقي فيبقى التأويلي وهو الذي للاستعارة فلا تخرج ولا إلى زيادة قوله : " من غير تأويل" لتخرج الاستعارة عن الحقيقة إذ هي موضوعة لكن بالتأويل إنما قلنا لا يتناول التأويلي عند الإطلاق ؛ لأن السكاكي نفسه قد فسر الوضع المطلق بتعيين اللفظ بإزاء المعنى ليدل عليه بنفسه ، وقال : قولي : في تعريف الوضع المطلق بنفسه احتراز عن وضع المجاز ، فإنه تعيين بإزاء معناه ولكن بقرينة ، ولا شك أن دلالة الأسد على الرجل الشجاع على وجه الاستعارة إنما هي بالقرينة والتأويل فلم يدخل وضع الاستعارة في الوضع إذا أطلق حتى يحتاج إلى تقييده بالتحقيق لئلا تخرج عن التعريف كما لا تدخل في وضع الحقيقة حتى يحتاج إلى زيادة من غير تأويل لئلا تدخل في تعريف الحقيقة فذكر الوضع مطلقا في التعريفين يفيد المراد ؛ لأنه نفس الوضع الحقيقي لا أعم منه حتى يفيد فحينئذ لا حاجة إلى تقييد الوضع في تعريف الحقيقة بعدم التأويل ، وفي تعريف المجاز بالتحقيق.

وقول السكاكي : إن المجاز فيه تعيين اللفظ للدلالة بالقرينة يقتضي ظاهره أن المجاز موضوع وأن وضعه شخصى إذ ظاهره أن كل متكلم بالمجاز وضعه للمعنى المنقول إليه بالقرينة وبواسطة تأويل دخوله في جنس المشبه به إن كان استعارة ، وفيه أن المتكرر أنه موضوع بالنوع وأن التأويل يقتضي أن الموجود هو ادعاء انسحاب الوضع الأول على المعنى المنقول إليه وهو التحقيق لا أن ثم وضعا وتعيينا زائدا بعد الادعاء على إطلاق اللفظ على المعنى المجازي اللهم إلا أن يتسامح في إطلاق الوضع على الانسحاب بالادعاء وعلى النقل بالقرينة فيكون مطابقا لما تقدم من التأويل في الوضع وإلا لزم أن ثم وضعا لا تأويل فيه أي : لم يعدل فيه عن أصله بل هو صحيح ، لكن مع القرينة فتأمله.

٣٧٥

وحاصل البحث المشار إليه بالنسبة إلى تعريف المجاز بقوله : ورد إلخ أن الوضع مختص عند الإطلاق بالوضع التحقيقي فلا حاجة إلى زيادة قوله : بالتحقيق فقوله : بالتحقيق زدناه للاحتراز عن الوضع بالتأويل لئلا تخرج الاستعارة ، لا يصح ؛ لأنه إنما يحترز عما تناوله اللفظ ، ولفظ الوضع لم يتناوله ، وأجيب بجوابين :

أحدهما : أن زيادة قوله : بالتحقيق لزيادة الإيضاح ، وذلك أن السكاكي يلاحظ كما ذكر أن الوضع المطلق ليس دالا إلا على الوضع بالتحقيق ولكن زاد لفظ التحقيق ليتضح المراد كل الاتضاح بمنزلة أن يقال : جاء الإنسان الناطق بالتصريح بفصله حتى لا يتطرق إليه إمكان حمله على غير معناه الحقيقي بادعاء قرينة تجوز مثلا ، وعلى هذا يكون قوله للاحتراز معناه لزيادة ظهور الاحتراز الذي كان في لفظ الوضع.

والثاني : أن تلك الزيادة يلاحظ فيها السكاكي أن تكون قرينة على أن اللفظ أريد به أصله ، وهو أن مطلق الوضع المستعمل أريد به الوضع الحقيقي لا الوضع الذي قد يستعمل فيه اللفظ أحيانا حتى صار معروضا للاشتراك بين معنيين أحدهما الأصلي والآخر التأويلي ، فصار قوله : بالتحقيق ليس للإخراج بل ليكون قرينة على أن مطلق الوضع المستعمل أريد به أصله لا لإخراج المعنى الذي عرضت مشاركته ، وهو الذي يؤدي لفساد الحد بمنزلة سائر الألفاظ المشتركة تستعمل في الحد فإنه يحتاج إلى قرينة على أنه أريد المعنى الفلاني لا غيره ، فعلى هذا يكون قوله للاحتراز معناه للاحتراس ، وهو دفع ما تتوهم إرادته لا أن معناه الاحتراز الحقيقي الذي هو لإخراج ما دخل ، والفرق بين الجوابيين أن الأول لوحظ فيه الوضع الحقيقي وأنه هو المراد فزيد لفظ التحقيق كالتفسير لئلا يتوهم نقله إلى المعنى المجازي ، والثاني لوحظ فيه أن مطلق الوضع ربما يصرف لغير أصله من معنى مشارك فزيدت لفظة" بالتحقيق" ليتبين به أن مطلق الوضع أريد به أصله لا ما يعرض له من المعنى المشارك ، ويكون قرينة على المراد كذا قيل.

٣٧٦

ومن أنصف جزم بأن الجوابين يرجعان لشيء واحد ؛ لأن الوضع مسلم له أنه ليس موضوعا للقدر المشترك بين الوضعين حتى يكون متواطئا ، وإلا كان الجواب منع تسليم عدم تناول الوضع بالتأويل فحينئذ إن صح فيه الاشتراك فبالتحقيق قرينة على أن المراد بالوضع المطلق في التعريف أحد معنييه وهو التحقيقي فتكون زيادة لفظة بالتحقيق ضرورية ليتضح المراد اتضاحا محتاجا إليه ، فقد استوى الجوابان في هذا المعنى وعادا إلى أن الزيادة المذكورة لدفع الالتباس الموجود حقيقة ، وإن لم يصح فيه الاشتراك فهو في التأويلي مجاز فالزيادة المذكورة لدفع الحمل على المعنى المجازي بادعاء القرينة فتكون الزيادة لزيادة الوضوح والاحتراس لا للاحتراز وتكون غير ضرورية فالجوابان يعودان لشيء واحد على هذا الاعتبار أيضا ، وحمل الأول على تسليم أنه مجاز في التأويل فيكون القيد لزيادة الإيضاح لا للاحتراز ، وحمل الثاني على ادعاء الاشتراك فيكون الإيضاح لدفع الالتباس لا للاحتراز بناء على أن الاحتراز إخراج ما دخل قصور في كل من الجوابين لبقاء أحد الاحتمالين في كل منهما مع صحة العموم فيهما معا ، فينبغي أن تحمل زيادة الإيضاح حيث ذكر على ما يشمل دفع التجوز والاشتراك إن صح ، فيصير ما أجيب به واحدا وإلا كان فيه تطويل بل وقصور في كل على حدته فليتأمل.

قيل : ويخرج من هذا الجواب أعني الجواب بأن الزيادة ليست لدفع ما دخل بل للاحتراس لدفع إرادة التجوز أو لإزالة الالتباس بنفي الاشتراك بالقرينة جواب عن سؤال آخر ومعنى خروج الجواب بهذا عن جواب سؤال آخر ، أنا نجعل ذلك الجواب بعينه جوابا لذلك السؤال ، فهو باعتبار ذلك السؤال جواب آخر وذلك السؤال هو أن يقال : البحث السابق وجوابه مبنيان على أن الوضع المطلق لا يتناول الوضع بالتأويل ، ونحن نقول : لو سلمنا تناوله إياه لم نحتج إلى زيادة قيد التحقيق في تعريف المجاز ؛ وذلك لأن قوله فيه هو الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له لو اقتصر عليه ولم يزد قوله بالتحقيق لم يتعين أن يراد بالوضع المنفي في تعريف المجاز الوضع بالتأويل بل يقبل اللفظ أن يحمل على الوضع بالتحقيق فيحمل عليه ، ويفيد دخول الاستعارة في المجاز كما قررنا وحمله على الوضع بالتأويل فيكون المعنى أن المجاز هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له بالتأويل فتخرج

٣٧٧

الاستعارة ؛ لأنها مستعملة فيما وضعت له بالتأويل لا فيما لم توضع له بالتأويل تحكم ، وحمل اللفظ على المعنى المرجوح ولا يقال حمله على المعنى الحقيقي لتدخل إذ يصير المعنى أن المجاز : هو الكلمة المستعملة في غير المعنى الحقيقي وهي مستعملة في غير المعنى الحقيقي تحكم أيضا ، فيحتاج إلى زيادة التحقيق ؛ لأنا نقول : المرجح لهذا الحمل موجود وهو كون الوضع إذا أطلق يكون حقيقة في الحقيقي وإذا قبل أن يحمل على ما ذكر ووجد المرجح بأصل الوضع ، وأنه لا وجه لتخصيصه بالوضع التأويلي مع وجود المرجح لتخصيصه بالوضع التحقيقي لم يحتج إلى زيادة لفظ بالتحقيق لئلا تخرج الاستعارة والجواب الخارج مما تقدم أن لفظة بالتحقيق لم تزد لإخراج شيء دخل ، بل نقول : الوضع كم قلت أيها السائل محمول على الوضع بالتحقيق ولو حذف لفظها ، وإنما زيدت لدفع التوهم ولتكون قرينة على أن اللفظ باق على أصله ولم يرد منه المعنى الذي قد يشارك كذا قرر هذا الكلام في هذا المحل ومن تأمل وأنصف علم أن هذا السؤال هو نفس السؤال الأول كما أن الجواب هو نفس الجواب الأول ، وتحقيق ذلك أن قوله : لو سلمنا أن الوضع يتناول الوضع بالتأويل إذا أراد أنه يتناوله على سبيل التواطئ لم يكن معنى لقوله بل يحمل على المعنى الحقيقي ؛ لأنه الأصل وهو الراجح ، وكذا إن كان المعنى أنه يتناوله بالاشتراك الحقيقي إذ لا وجه لترجيح أحد المتواطئين ولا أحد المشتركين ، فتعين الحمل على إرادة أنه يتناول على طريق المجاز المحتاج إلى القرينة ، وأنه إذا أطلق لا يتناوله وإذا حمل على ذلك فهو السؤال السابق بعينه ، وحاصل الجواب فيه على ما حررنا كما تقدم أن التعبير لدفع توهم التجوز وإن أراد السائل أنه في التواطئ والاشتراك يمكن الحمل على ما يصح ، فهو كلام فاسد ؛ لأن الوضع إذا كان متواطئا وقد نفى في تعريف المجاز وجب نفي جميع أفراد ما يصدق عليه ؛ لأن الألفاظ في التعريف تؤخذ على العموم وتعتبر مفاهيمها على العموم وإلا لم يوثق بتعريف لاحتمال أن يحمل على بعض ما يصدق عليه دون بعض ، وإذا كان مشتركا تكافأ فيه الاحتمالان فيكون التقييد محتاجا إليه أيضا ، ولا نسلم أنه يكون حينئذ للاحتراس إذ يصح هو دفع

٣٧٨

التوهم بل هو للاحتراز إذ يصح أن يراد بالمشترك معناه وعلى تقدير أن لا يصح إرادتهما فدفع اللبس واجب فهو للاحتراز أقرب منه للاحتراس إذ لولاه وجد الخلل في التعريف فكون ما ذكر سؤالا مستقلا عما تقدم لم يظهر بعد ، وكذا كون لفظ التحقيق لا يحتاج إليه بعد تسليم الاشتراك غير مسلم وبه يعلم أن رد الجواب الثاني إلى الأول ليطابق السؤال إذ هو مبني على نفي التواطئ والاشتراك واجب فتأمله منصفا.

(و) رد أيضا مقتضي صنيعه في التعريف للمجاز (بأن التقييد باصطلاح التخاطب) الذي ذكر معناه في تعريفه دون الحقيقة (لا بد منه في تعريف الحقيقة) أيضا فما اقتضاه صنيعه في التعريفين من كون القيد الذي هو اصطلاح التخاطب محتاجا إليه في تعريف المجاز ؛ حيث ذكر فيه غير محتاج إليه في تعريف الحقيقة ؛ حيث لم يذكر فيه مردود بأنه محتاج إليه في التعريفين معا ؛ وذلك لأن وجه الحاجة إليه في تعريف المجاز هو أنه لو لم يذكر خرج نحو الصلاة تستعمل باصطلاح الشرع في الدعاء إذ يصدق عليها أنها مستعلمة فيما وضعت له في الجملة مع أنها مجاز ولو لم يذكر أيضا دخل اللفظ المذكور يستعمله اللغوي إذ يصدق عليه أنه استعمل في غير معناه في الجملة أي في اصطلاح الشرع مع أنه حقيقة ، ولو ذكر ذلك القيد لم يصدق عليها بالتقدير الأول أنها مستعملة فيما وضعت له ، بل فيما لم توضع له في ذلك الاصطلاح فدخلت في حد المجاز ، ولم يصدق عليها بالتقدير الثاني أنها استعملت في الغير إذ هي مستعملة في الموضوع في ذلك الاصطلاح وهو اللغة فلم يدخل في حد المجاز بل بقي على أصله من كونه حقيقة ، وإذا كان هو الموجب لذكر ذلك القيد في حد المجاز فكذلك في حد الحقيقة ؛ لأنه إذا لم يذكر دخل في حدها ما أدخل بذكره في حد المجاز وهو الصلاة يستعملها المتكلم باصطلاح الشرع في الدعاء وخرج عن حدها ما أخرج بذكره عن حد المجاز كالصلاة أيضا تستعمل في الدعاء باصطلاح اللغة ، أما دخولها على الأول مع أنها مجاز فلأنه يصدق عليها أنها كلمة استعملت فيما وضعت له باصطلاح التخاطب الذي هو الشرعي ، وأما الثاني فلأنه يصدق عليها أنها كلمة استعملت في غير ما

٣٧٩

وضعت له في الجملة فيصح دخولها في المجاز بهذا الاعتبار وخروجها عن حد الحقيقة ، وإذا زيد في اصطلاح التخاطب خرجت عن المجاز ودخلت في الحقيقة جزما ؛ لأنها فيما وضعت له في اصطلاح التخاطب الذي هو اللغة. فقد تقرر بما بسط أن اصطلاح التخاطب يحتاج التقييد به في التعريفين لئلا يدخل بإسقاطه في أحد التعريفين مع خروج عن الآخر ويخرج عن أحدهما ما دخل في الآخر ، والمطلوب عدم ذلك الدخول والخروج ، وينبغي أن يعلم أن هذا القيد لا يصح بعبارة السكاكي إذ لو قال في تعريف الحقيقة : استعمالا في الموضوع بالنسبة إلى نوع مجازها كان دورا ؛ لأنه عرف المجاز بذكر الحقيقة والحقيقة بذكر المجاز وهو ظاهر ، ويمكن الجواب بأنه استغنى عنه في حد الحقيقة ؛ لأن الحيثية تفيد ما يفيده والحيثية مرعية عرفا ولو لم تذكر في الأمور التي يكون مدلولها واحدا ، وإنما اختلفت فيه بالاعتبار فإذا عرفت تلك الأمور في ذلك الأمر الواحد فإنما يكون نفس أحدها دون الآخر من حيث ما صدق عليه مما عرف به أحد تلك الأمور ، مثلا : اللفظ الواحد يجوز أن يصدق عليه أنه مجاز وحقيقة وكناية ، فكونه مجازا باعتبار كونه موصوفا بما اعتبر في المجاز ، وهو الاستعمال في غير موضوعه الذي هو اللازم فقط ، وكونه حقيقة باعتبار كونه موصوفا بما اعتبر في الحقيقة وهو الاستعمال في نفس الموضوع ، وكونه كناية باعتبار كونه موصوفا بما اعتبر في الكناية وهو الاستعمال في غير الموضوع مع صحة إرادة الموضوع فإذا قيل : المجاز الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له فقط ، كان المراد هو تلك الكلمة من تلك الحيثية وهي كونها في غير الموضوع له فقط ؛ إذ بذلك تخالف نفسها بالاعتبار الآخر وإذا قيل : الحقيقة هي الكلمة المستعملة في الموضوع له كان المراد أنه تلك الكلمة من تلك الحيثية أي : من كونها استعملت في الموضوع له فقط ؛ إذ بذلك يكون غير المجاز والكناية وإن كان واحدا في نفسه ، وإذا قيل : الكناية هي الكلمة المستعملة في غير الموضوع له مع جواز إرادة المعنى الموضوع كان هو تلك الكلمة بعينها من تلك الحيثية أي : من كونه مستعملا في الغير مع صحة الموضوع ؛ إذ بذلك يخالف نفسه موصوفا بمعنى غير الكناية ، فعلى هذا يكون قوله في

٣٨٠