مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ٢

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي

مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ٢

المؤلف:

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي


المحقق: الدكتور خليل إبراهيم خليل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-3820-0

الصفحات: ٧٩٥
الجزء ١ الجزء ٢

كلفظ الأسد في قولنا : رأيت أسدا يرمي فإنه استعمل في الرجل الشجاع للمشابهة بينه وبين الحيوان المفترس المعلوم في الجرأة ، وإطلاق لفظ الاستعارة على اللفظ المستعار من المعنى الأصلي للمجاز من إطلاق المصدر على المفعول ؛ كالنسج بمعنى المنسوج ، وأصل الإطلاق التجوز ثم صار حقيقة عرفية (وكثيرا ما تطلق الاستعارة) في العرف أيضا على غير اللفظ المستعار الذي هو المفعول ؛ وذلك بأن يطلق لفظها (على استعمال اسم المشبه به في المشبه) وعلى هذا يكون مطلقا على فعل المتكلم الذي هو المصدر وهو الاستعمال ، وذلك هو الأقرب إلى الأصل في الإطلاق ، وبرعاية هذا الإطلاق أعني : إطلاقه على المعنى المصدري يصح الاشتقاق من لفظ الاستعارة كما هو شأن كل مصدر ، بخلاف إطلاق لفظ الاستعارة على نفس اللفظ المستعار ، فإنه لا يصح فيه الاشتقاق ؛ لأن المفعول لا يشتق منه ؛ إذ هو بمثابة الجوامد بخلاف المصدر. وإذا صح الاشتقاق من لفظ الاستعارة على إرادة المعنى المصدري به فيشتق منه لمتعلقاته وهي المشبه به ، والمشبه ، واللفظ والمستعمل للفظ ؛ فيقال : للمشبه : مستعار له ، لأنه هو الذي أتى باللفظ الذي هو لغيره وأطلق عليه ، فصار كالإنسان الذي استعير له الثوب من صاحبه وألبسه ويقال للمشبه به : مستعار منه ، إذ هو كالإنسان الذي استعير منه ثوبه وألبسه غيره ؛ حيث أتى منه بلفظه وأطلق على غيره. يقال للفظ : مستعار ، لأنه أتى به من صاحبه لغيره ، كاللباس المستعار من صاحبه للابسه. وينبغي أن يقال على هذا للإنسان المستعمل للفظ في غير معناه الأصلي : مستعير ، لأنه هو الآتي باللفظ من صاحبه كالآتي باللباس من صاحبه ولكن هذا الاشتقاق ـ أعني : الاشتقاق للمستعمل ـ لم يجر به العرف ، وإلى هذا أشار بقوله : (فهما) ـ أي : المشبه به ، والمشبه. ويقال فيهما : (مستعار منه ، ومستعار له) تشبيها للأول بصاحب الثوب ، وللثاني بلابسه من صاحبه كما بينا (واللفظ) أي : لفظ المشبه به يقال فيه : (مستعار) تشبيها له باللباس المستعار من صاحبه لغيره كما بينا.

وبهذا يعلم أنه في هذا الإطلاق أيضا مجاز صار حقيقة عرفية ، وعلى هذا فهو مشترك عرفي ، والأول أكثر وهو الذي يجري في التعاريف. فإن قيل : ما موجب كون

٢٦١

المعنى المجازي لا بد فيه من علاقة بينه وبين المعنى الأصلي ، ولم لا يصح أن يطلق اللفظ على غير معناه الأصلي بلا علاقة ، ويكتفى فيه بالقرينة الدالة على المراد قلنا : إطلاق اللفظ على غير معناه الأصلي ونقله له على أن يكون الأول أصلا والثاني فرعا تشريك بين المعنيين في اللفظ ، وتفريع لأحد الإطلاقين على الآخر ، وذلك يستدعى وجها لتخصيص المعنى الفرعي بالتشريك والتفريع دون سائر المعاني ، وذلك الوجه هو المناسب ، وإلا فلا حكمة في التخصيص ، فيكون تحكما ينافي حسن التصرف في التأصيل والتفريع. ولا يقال : المشترك لا مناسبة فيه فيكون تحكما ؛ لأنا نقول : لا تفريع فيه ولا تشريك بالقصد الأولى. وأيضا من حكمة الوضع أمران :

أحدهما : الرمز إلى المعنى باللفظ مع ضرب من الخفاء في الدلالة عند الحاجة للإخفاء.

والآخر : الإشارة إليه به مع الوضوح فيها عند اقتضاء المقام للوضوح ، وهذا المقصد إنما يكون في رعاية الانتقال من معنى لآخر ، لأن فيه يتصور الخفاء تارة دون أخرى كما تقدم ، وإنما ينتقل من معنى لما بينه وبينه مناسبة ، والمناسبة هي العلاقة ، فوضع المجاز لاعتبار العلاقة لإفادة هذا المقصد فإن قيل : الانتقال في المجاز من معنى لآخر لمناسبة قد يدعي ظهوره في المرسل ، لأن فيه الانتقال من ملابس لملابسه على ما يأتي ، وذلك بأن يختلج في صدر السامع المعنى الأصلي عند اختطاف اللفظ ثم يتصرف بالقرينة إلى غيره ، ويجد أقرب الأشياء إليه ملابسة المعنى بالقرينة ، فالملابسة صححت الاستعمال وأعانت على الفهم ، لأنه كثيرا ما يلتفت الذهن إلى ما في أطراف الشيء ، والقرينة أعانت أيضا على الفهم وأكدته ، وعينت المراد ، وأما مجاز الاستعارة مما بمعنى الانتقال فيه فإنك إن استعملت الأسد لم ينتقل منه إلى الرجل الشجاع من حيث إنه رجل شجاع ، إذ ليس لازما للأسد وملابسا له ، وإنما ينتقل منه إلى وصف الشجاع ، ولم يقصد ، إذ لا مشابهة بينه وبين معروضه ، ولو قصد كان من المجاز المرسل ـ قلنا : الانتقال من الأسد إلى لازمه الذي هو نفس الشجاع الذي هو عارضه ولازمه ، ولما كان ملابسا أيضا وعارضا للرجل ـ انتقل منه إلى الرجل الموصوف ؛ لأنه لا يراد هنا

٢٦٢

اللزوم العقلي ، بل مطلق الملابسة المصححة لمطلق الانتقال ، ولو في أحيان ، وذلك كاف في الإعانة على فهم المراد مع القرينة ، فصار وجه شبه في التشبيه المبني عليه الاستعارة كالآلة للانتقال في مجاز الاستعارة ، فليتأمل.

أمثلة المرسل

ثم أشار إلى أمثلة المرسل ، وإلى أنواع علاقته فقال : (والمرسل) الذي تقدم أنه هو المجاز الذي ليست علاقته المشابهة (كاليد) التي وضعت في الأصل للجارحة المعلومة فإنها تستعمل مجازا مرسلا (في النعمة) والعلاقة كون اليد كالعلة الفاعلية للنعمة في أن العلة الفاعلية يترتب عليها المفعول وجودا كما يترتب وصول النعمة إلى المقصود بها عن حركة اليد ، ويترتب وجودها بوصف كونها نعمة على الغير بالفعل ، ولا شك في تحقق الملابسة بين العلة الفاعلية ومفعولها المقتضية للانتقال ، وكذا ما هو مثلها في الترتب ، فإن المترتب على الشيء ينتقل الذهن منه إليه ، وإنما قلنا : هو كالعلة الفاعلية ، ولم نقل : هي نفس العلة ؛ لأن المرتب عليه وصف اليد وحركتها ، لا نفس اليد ، والمرتب أيضا وصول النعمة واتصافها بكونها نعمة ، لا نفس وجودها في ذاتها ، لكن الملابسة الفهمية موجودة كما لا يخفى في الترتب الوصفي كما في الذاتي.

ويحتمل أن تعتبر اليد للنعمة كالعلة الصورية ، إذ بها تظهر كما يظهر المعلول بصورته ، أو كالعلة المادية لترتبها على اليد كما يترتب الشيء من مادته.

وعلى كل حال فالعلاقة هنا تعود إلى السببية الفاعلية ، أو الصورية ، أو المادية.

قيل : إن التجوز في اليد عن النعمة يشترط فيه الإشارة إلى المنعم ، فيقال : لزيد يد عندي ، ولا يقال : في البلد يد ، وورد عليه أن الإشارة إلى المنعم إن كان لكونه قرينة لم يختص ذكر المنعم بكونه قرينة ، وإن كان لشيء آخر فلا وجه لصحة أن يقال : عندي الأيادي التي لا يقام لها بالشكر من غير ذكر المنعم ويكون مجاز قطعا.

(و) كاليد أيضا إذا استعملت في (القدرة) فإنها فيها مجاز مرسل ؛ وذلك لأن آثار القدرة وسلطانها تظهر باليد غالبا مثل البطش والضرب والقطع والأخذ وغير ذلك كالدفع والمنع فينتقل من اليد إلى الآثار الظاهرة بها ومن الآثار إلى القدرة التي هي

٢٦٣

أصلها ، فهي مجاز عن الآثار ، والآثار يصح إطلاقها مجازا عن القدرة ، ولا مانع من انبناء تجوز على آخر تقديرا.

فالعلاقة كون اليد كالعلة الصورية للقدرة وآثارها ؛ إذ لا تظهر إلا بها ، كما لا يظهر المصور إلا بصورته ، أو كون القدرة كالعلة المادية لآثار اليد ؛ لأنها أصلها كالمادة للصورة ، ولا شك أن العلة تستلزم معلولها في الجملة ، ويفهم منها أو تفهم منه ، فكذا ما هو بمنزلة أحدهما في الترتب المقتضي للانتقال والفهم ، وإن لم تكن هنا علة مادية ولا صورية لاستقلال كل من القدرة واليد والآثار في حقيقة ذاته فقد عادت العلاقة هنا أيضا إلى معنى السببية (و) ك (الرواية) التي وضعت في الأصل للبعير الذي يحمل المزادة ؛ وهي سقاء من ثلاثة جلود تجمع أطرافها طلبا لتحملها كثرة الماء ، فإنها مجاز مرسل إذا استعملت (في المزادة) التي هي سقاء الماء ولا تستعمل الرواية إلا فيه ، والجمع : مزايد ، كسطيحة وسطائح وزنا ومعنى ، وأما المزود الذي هو إناء الطعام للسفر ، وجمعه : مزاود فلا يستعمل فيه الرواية الذي هو اسم البعير الحامل للماء والعلاقة كون البعير حاملا مجاورا لها عند الحمل ، والمتجاوران ينتقل من أحدهما إلى الآخر ، ويحتمل أن ترد هذه العلاقة إلى مطلق السببية كما قبلها بأن يجعل البعير بمنزلة العلة المادية للمزادة ؛ لأن المزادة لا وجود لها بوصف كونها مزادة في العادة إلا بحمل البعير لها ؛ فصار توقفها بهذا الوصف على البعير كتوقف الصورة على المادة في أن لا وجود لأحدهما إلا مع مصاحبه.

والتوقف في الجملة يصحح الانتقال والفهم. ولما أشار بالمثال إلى بعض أنواع العلاقة ؛ وهي ما يكون كالعلاقة السببية في التوقف والانباء على ما قررناه شرع في التصريح ببعض أنواع العلاقة البيانية فقال :

علاقة الجزئية والكلية

(ومنه) أي : ومن المجاز المرسل ما كانت علاقته ملابسة الجزء للكل ؛ وهو قسمان :

أحدهما : (تسمية الشيء باسم جزئه).

٢٦٤

وثانيهما العكس أعني : تسمية الجزء باسم الكل ولا يخفى ما في العبارة من التسامح ، لأن ظاهرها أن المجاز نفسه هو تسمية الشيء باسم الجزء ، وقد علمت أن المجاز هو اللفظ الذي كان للجزء وأطلق على الكل للملابسة ، ولكن لما كان سبب كونه مجازا معتبرا تسمية الكل به لكونه اسما لجزئه تجوز في جعل التسمية نفس المجاز ، فالأول وهو الذي صحة كونه مجازا إنما هي باعتبار كونه اسما للكل لكونه اسما لجزئه (كالعين) التي هي الجارحة المخصوصة في أصلها فإنها تستعمل مجازا مرسلا (في الربيئة) والربيئة : اسم الشخص الرقيب ، والعين جزء منه ، وقد أطلق اسم جزئه عليه ، ولكن لا يصح إطلاق كل اسم جزء على الكل وإنما يطلق اسم الجزء الذي له مزيد اختصاص بتحقق ما صار به ذلك الكل حاصلا بوصفه الخاص ، فإن الربيئة إنما تحقق كونه شخصا رقيبا بالعين ؛ إذ لولاها انتفت عنه الرقيبية ، فلذلك يقال فيه : يجب قتل العين واتخاذ الحذر منه ، ولا يقال : يقتل يد ، ولا يقتل رجل مرادا بهما الرقيب وقيل : إن الإسناد إلى العين لهذا المعنى من المجاز العقلي وإن جعل الكل ينسب إلى الجزء لكثرة الملابسة ؛ وفيه بعد.

(و) أما (عكسه) أي : عكس ما كان في تسمية الشيء باسم جزئه ؛ وهو ما كان في تسمية الجزء باسم الكل ف (كالأصابع) الموضوعة للأعضاء المعلومة ، فإنها تستعمل (في) أجزائها التي هي (الأنامل) مجازا مرسلا ، كقوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ)(١) أي : أنامل أصابعهم ، للعلم بأن جعل الأصابع بتمامها في الآذان غير واقع ، وقيل : إن هذا من باب نسبة الفعل الذي في نفس الأمر للكل لجزئه ، ولا يسمى مجازا ؛ كقولك : ضربت زيدا ، ومسحت بالمنديل ، فلا يكون مجازا ولو لم تضرب كلا ، ولا مسحت بالكل ، وفيه تعسف ؛ لأن نسبة مطلق الجعل إلى الأصابع كثيرا ما يراد به الكل ، فلو لا الآذان لجرى على الأصل. وأما نحو الضرب فلا يخلو من تصوره على الكل فجعل من باب الحقيقة ، وإلا لم يخل كلام عن مجاز غالبا ، وهو مذهب مردود ، ولا يخفى صحة الانتقال بعلاقة الجزئية والكلية.

__________________

(١) البقرة : ١٩.

٢٦٥

علاقة السببية

(وتسمية) أي : ومن المجاز تسمية (الشيء باسم مسببه) والتسامح هنا وفيما بعده كما تقدم وذلك (نحو) قولهم : (أمطرت السماء نباتا) أي : أمطرت غيثا ، ولما كان النبات مسببا عن الغيث سموا الغيث بالنبات الذي هو اسم مسببه. وقد ذكر في الإيضاح من أمثلة تسمية السبب باسم المسبب قولهم : أكل فلان الدم. وهو بحسب الظاهر سهو ؛ إذ الدم اسم السبب وأطلق على مسببه الذي هو الدية الحاصلة عن الدم ، وزاده إشكالا بقوله في تفسيره : أي : الدية المسببة عن الدم ؛ فبين أن الدية التي أطلق عليها الدم مسببة ، والكلام في العكس ؛ أي : في إطلاق اسم المسبب على السبب ؛ كما في : أمطرت السماء نباتا ، لا في إطلاق اسم السبب على المسبب كما ذكر في أكل الدم. وأجيب بأن المعنى على اعتبار العلة الحاملة وهي سبب فأطلق عليها اسم المسبب ؛ لأن الدية رجاؤها هو السبب في الإقدام على الدم ، فأطلق الدم الذي هو المسبب باعتبار العلة الحاملة على السبب الذي هو الدية ، وإن كان الواقع في الخارج ترتب الدية على الدم ؛ لأن العلة الغائية يتأخر وجودها عن مسببها. ولا يخفى ما فيه من التعسف ؛ لأنه اعتبار عقلي بين الرجاء والإقدام ، وهو خلاف مدلول اللفظ ، مع ما فيه من الخروج إلى الاعتبارات العقلية المحضة التي لا يراعيها البلغاء. وأجيب أيضا بأن المعتبر هو الأكل وأخذ الدية ، ولا شك أن الأكل مسبب أطلق على السبب الذي هو الأخذ وهو في التعسف كالأول ، مع زيادة أن الدم لم يتعرض لوجه إطلاقه حينئذ على الدية مع أن الكلام في ذلك ، لا في الأخذ والأكل.

اعتبار ما كان

(أو ما كان عليه) أي : ومن المجاز المرسل عند الجمهور خلافا لمن جعل وجود المعنى فيما مضى كافيا في الإطلاق الحقيقي تسمية الشيء باسم الذي أطلق على الشيء باعتبار الحال الذي كان عليه أولا ، وليس ذلك الحال الذي باعتباره أطلق اللفظ موجودا الآن وذلك (نحو) قوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ)(١) فقد أطلق اليتامى

__________________

(١) النساء : ٢.

٢٦٦

على البالغين ؛ لأن إيتاء المال بعد البلوغ ، وإطلاق ذلك على البالغين إنما هو باعتبار الوصف الذي كانوا عليه قبل البلوغ ، لأنه محل اليتم ، وليس موجودا الآن ، إذ لا يتم بعد البلوغ. ولا يخفى أيضا صحة الانتقال لعلاقة ما كان عليه المسمى كما في السببية ، لأن الوصف مشعر بالموصوف في الجملة ، والموصوف كالسبب المؤدي للشيء ، لأن الصغر يئول إلى البلوغ إلا لعارض.

اعتبار ما سيكون

(أما ما يئول إليه) أي : ومن المجاز المرسل تسمية الشيء بالاسم الذي يطلق على ذلك الشيء باعتبار ما يئول إليه يقينا ، أو ظنا ، لا احتمالا ، وأما في الحال فلم يوجد سبب التسمية ، ولا شك أن الارتباط موجود بين الحال وما يئول إليه صاحبه ، وذلك مصحح للانتقال المصحح للتجوز ، وذلك (نحو) قوله تعالى حكاية : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) (١) أي : أعصر عنبا يؤول إلى أن يصير خمرا بعد العصر ، فقد سمي العنب باسم الحال الذي سيحدث ويؤول إليه المسمى ، وإنما لم أقدر أعصر عصيرا يصير خمرا ، لأنه يحتاج إلى تكلف في نسبة العصر إلى العصير ، كنسبة القتل إلى القتيل فإنه لا يصح إلا بالتزام أن الفعل يقارن تعلقه وصف المفعول به ، كما يقال في المفعول المطلق ، والتحقيق أن المفعول يتعلق به الفعل قبل وصفه بالمشتق ، ويترتب عليه صحة الاشتقاق ، وعليه يكون التقدير في أعصر خمرا أستخرج عصيرا يصير خمرا والتقدير الأول يغني عن التأويل ، فليتأمل.

ومما يشبه الإطلاق بحسب التأويل إطلاق اللفظ على الشيء لكونه في قوة الاتصاف بمعنى ذلك اللفظ ؛ كقولك : هذا الخمر مسكر في الدن (٢) ، واتصافه بذلك على وجه الاحتمال كاف على ظاهر كلامهم ؛ وفيه مخالفة لما ذكر في العلاقة الآلية.

__________________

(١) يوسف : ٣٦.

(٢) الدّنّ : ما عظم من الرواقيد (ويشبه ما يعرف عندنا بالزير أو ما هو أكبر) والجمع دنان.

٢٦٧

الحالية والمحلية

(أو) تسمية الشيء باسم (محله) أي : ومن المجاز المرسل تسمية الشيء باسم المكان الذي يحل فيه ذلك الشيء ؛ ومن ذلك (نحو) قوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) (١) فإن النادي اسم لمكان الاجتماع ولمجلس القوم ، وقد أطلق على أهله الذين يحلون فيه.

فالمعنى : فليدع أهل نادية ؛ أي : أهل مجلسه لينصروه ؛ فإنهم لا ينصرونه ، والانتقال من النادي إلى أهله موجود كثيرا فصح التجوز بذلك الاعتبار.

(أو) تسمية الشيء باسم (حاله) عكس الذي فرغ منه ؛ بمعنى أن من المرسل تسمية المكان باسم ما يحل فيه ويقع في ضمنه (نحو) قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ)(٢) أي : في الجنة) (هُمْ فِيها خالِدُونَ) والرحمة في الأصل : الرقة والحنانة ؛ والمراد بها في جانب الله تعالى لازمها الذي هو الإنعام ، واستعمل في الجنة لحلوله على أهل الجنة فيها. ثم إن الإنعام أمر اعتباري ؛ إذ هو عبارة عن تعلق القدرة بإيجاد المنعم به وإعطائه للمنعم عليه ، وليس حالا في الجنة حقيقة وإنما الحال بها حقيقة متعلقة ؛ فهذا مجاز مرسل عن مجاز ضمني وهو إرادة المنعم به بالإنعام الذي هو الرحمة.

علاقة الآلية

(أو) تسمية الشيء باسم (آلته نحو) قوله تعالى حكاية عن السيد إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)(٣)). أي : ذكرا حسنا) فقد أطلق اللسان الذي هو اسم لآلة الكلام والذكر على نفس الذكر ؛ لأن اللسان آلته. ولا يخفى أن الانتقال من الحال إلى المحل ، ومن الآلة إلى ما هي له آلة صحيح ؛ فصح التجوز في هذين أيضا. ولما كان فيهما نوع خفاء ؛ لأن استعمال الرحمة في الجنة واللسان في الذكر ليس من المجاز العرفي العام فسر المراد بهما. فإن قيل : قد ذكر المصنف في مقدمة هذا الفن أن مبني المجاز إنما هو على الانتقال من الملزوم إلى اللازم

__________________

(١) العلق : ١٧.

(٢) آل عمران : ١٠٧.

(٣) الشعراء : ٨٤.

٢٦٨

كما أن الكناية بالعكس ، وبعض أنواع علاقته على ما ذكرها المصنف لا يفيد اللزوم بحيث يكون مدلول اللفظ الأصلي لا ينفك عن معناه المجازي ، بل أكثرها لا يفيد ذلك ؛ فإن معنى اليتامى لا يستلزم معناه المجازي الذي هو البالغون ، وكذا العنب لا يستلزم الخمر ، وكذا النادي لا يستلزم أهله لصحة خلوه عنهم ، وكذا الرحمة لا تستلزم الجنة لصحة وقوعها في غيرها كما في الدنيا ، وكذا اللسان لا يستلزم مطلق الذكر لصحة السكوت ، هذا إذا اعتبر اللزوم في الوجود الذي هو الأصل في الفهم ، وإن اعتبر اللزوم فيما لم يتحقق إلا في نحو الكل مع الجزء. قلنا : قد تقدم أيضا أن المعنى باللزوم هنا اللزوم في اعتقاد المخاطب ولو العرف ، ولو في بعض الأحيان ؛ لئلا يقع التنافر والبعد بين المنتقل منه وإليه. ولا شك أن هذا اللزوم حاصل بين كل شيئين بينهما ارتباط ما لصحة الانتقال في بعض الأحيان من أمر لآخر بينهما التصاق ما وارتباط ما ، ولو جزئيا ، ولو لعرف ؛ ولو لآلة ؛ ولذلك يحتاج في الفهم في المجاز غالبا إلى معونة القرينة.

وبقولنا : قد تقدم أيضا أن المعنى باللزوم هنا إلخ يعلم أنه تقدم ما يغني عن هذا السؤال والجواب ؛ فافهم.

ولما فرغ من القسم الأول من قسمي المجاز ، وهو الذي تكون علاقته غير المشابهة ، ويسمى المرسل كما تقدم أشار إلى الثاني وهو الذي تكون علاقته المشابهة ، ويسمى استعارة كما تقدم أيضا ، وهو أكثر القسمين مباحث ؛ ولذلك أخره ليتفرغ لبسطه فقال :

الاستعارة

(والاستعارة) قد تطلق فتعرف بأنها مجاز ، أي : لفظ استعمل في غير معناه الأصلي بشرط أن تكون العلاقة بين ما استعمل فيه الآن وبين ذلك الأصلي المشابهة ، والمراد بكون علاقته المشابهة كون السبب الذي من أجله قصد له مستعمله هذا المعنى الذي ليس بأصلي له هو نفس المشابهة ؛ بمعنى أنه لو لا المشابهة ما نقله مستعمله إلى هذا المعنى الثاني ؛ لأن وجود المشابهة في نفس الأمر إذا لم يقصد الوصل بها لا يكفي في تسمية المجاز استعارة ، ولذلك يكون المجاز مرسلا ولو وجدت المشابهة إذا لم يقصد

٢٦٩

جعلها علاقة ، فإن المشفر ـ الذي هو في الأصل شفة البعير ـ إذا نقل عن هذا المعنى الذي هو الشفة المقيدة بكونها للبعير ، وأطلق على شفة أخرى من حيث إنها مطلق شفة كشفة الإنسان ، لا بقيد كونها للإنسان بل من حيث إنها شفة كان مرسلا ، وإن وجدت المشابهة بينها وبين شفة البعير في الغلظ والانحلال عن اللثة مثلا. وهو من باب إطلاق اسم المقيد على المطلق ، والمقيد شفة البعير ، والمطلق شفة الإنسان ، لأن الغرض أن الإطلاق لا من حيث التقييد بكونها للإنسان وإلا كان من إطلاق المقيد على المقيد.

وإذا أطلق المشفر على شفة الإنسان لا من حيث إنها مطلق شفة ، بل من حيث إن شفة هذا الإنسان فيها من الغلظ والانحلال مثلا ما أشبهت به شفة البعير كان استعارة لانبناء الإطلاق على التشبيه ؛ وبهذا يعلم أن اللفظ الواحد يجوز أن يكون باعتبار ما يصدق عليه على وجه التجوز استعارة ؛ لإفادته أن معناه شبه بمعناه الأصلي ، ومجازا مرسلا لإفادته معنى مطلق باعتبار أصله فاللفظ الواحد يكون استعارة ومرسلا باعتبارين ، ومعلوم أن مفهومه مختلف بالاعتبارين ، ومصدوقه هو المتحد ؛ فإن كان المشفر استعارة كان مفهومه شفة تستلزم غلظا وانحلالا هما كنفس غلظ وانحلال شفة البعير ، وإذا كان مرسلا فمفهومه مطلق الشفة المستلزمة لكونها من حيث الإطلاق بعض معنى أصلها ، والمصدوق في الخارج متحد في بعض الأوقات. وإنما قلنا في بعض الأوقات لأن شفة الإنسان يجوز أن لا يكون فيها وجه شبه فيصدق فيها الإرسال دون الاستعارة. لا يقال : المفهوم من الإرسال مطلق الشفة وأما استلزامها لما ذكر فهو رعاية واعتبار للعلاقة ، لأنا نقول متى لم تفهم العلاقة ولو باللزوم صارت حقيقة عرفية ؛ وكذا الاستعارة متى لم تفهم المشابهة صارت حقيقة عرفية ، وإنما قلنا فيهما بالاستلزام لما ذكر ، ولم نقل : إن ما ذكر داخل فيما نقل له اللفظ ؛ لأن المنقول له اللفظ في الاستعارة هو الطرف المشبه وحده ، ولا يدخل فيه وجه الشبه إلا تبعا ؛ حيث يكون داخلا في مفهوم الطرفين ، وسيأتي تحقيقه ، والمنقول إليه في المرسل هو نفس المطلق ، والعلاقة هي السبب.

ومثل المشفر : المرسن ؛ الذي هو في الأصل مكان الرسن من البعير أو الدابة مطلقا ، فإذا استعمل في مطلق الأنف كأنف الإنسان من حيث إنه مطلق باعتبار المقيد الذي هو

٢٧٠

أنف الدابة فهو مرسل ، وإذا استعمل في أنف الإنسان للمشابهة كأن يكون فيه اتساع وتسطيح كأنف الدابة فهو استعارة ؛ فيكون لفظا واحدا يصح فيه الإرسال والاستعارة في مصدوق واحد باعتبارين والمفهوم مختلف ، كما تقدم في المشفر ، وذلك ظاهر.

ثم هذا التعريف للاستعارة إنما هو إذا أطلقت ، كما تقدم و (قد تقيد بالتحقيقية) فيكون تعريفها : ما استعمل في غير ما وضعت له لعلاقة المشابهة مع تحقق ما استعملت فيه نفس الأمر ، فتتميز عن المكنى عنها والتخييلية (لتحقق معناها) حينئذ ؛ أي : حين استعملت فيه وعنى بها (حسا أو عقلا) دونهما.

والمراد بالتحقق الحسي : أن يكون معناها مما يدرك بإحدى الحواس الخمس فيصح أن يشار إليه إشارة حسية بأن يقال : نقل اللفظ لهذا المعنى الحسي ، وبالتحقق العقلي : أن لا يدرك بالحواس ولكن يكون متحققا في نفسه بحيث يدركه العقل ثابتا ثبوتا لا يصح للعقل نفيه والحكم ببطلان معناه في نفس الأمر باعتبار نظره ؛ أعني : نظر العقل خاصة ، بخلاف الأمور الوهمية فإن العقل يحكم ببطلانها دون الوهم ؛ فتصح الإشارة إليه إشارة عقلية بأن يقال : هذا الشيء المدرك الثابت عقلا هو الذي نقل له اللفظ.

أما خروج التخييلية بالتحقق فظاهر على مذهب السكاكي كما يأتي إن شاء الله تعالى في قوله :

وإذا المنية أنشبت أظفارها (١)

لأن الأظفار عنده استعيرت لصورة وهمية لا حقيقة لها ، وأما على مذهب المصنف فالمراد بالأظفار حقيقتها ، فلا يصح إخراجها إلا أن يعتبر أن الاستعارة إنما هي باعتبار إثباتها للمنية ؛ فيكون وهميا.

وأما خروج المكني عنها فلأنها عند المصنف هي إضمار التشبيه في النفس ، والإضمار أمر وهمي كما قيل ؛ وفيه بحث ؛ لأن الإضمار وإن كان اعتباريا ؛ لأنه عبارة

__________________

(١) البيت لأبي ذؤيب فى تهذيب اللغة (١١ / ٣٨٠) ، (١٤ / ٢٦٠) ، وكتاب الصناعتين ص (٢٨٤) ، وللهذلى فى لسان العرب (١٢ / ٧٠) (تمم) ، والإيضاح ص (٢٦٤) بتحقيق الدكتور / عبد الحميد هنداوى.

٢٧١

عن عدم الإظهار ، لكن لا يخرج بذلك عن تحققه عقلا ، وإلا خرجت الاعتباريات التي تتصف بها المعقولات والمحسوسات عن صحة الاستعارة التحقيقية فيها ، فتختص بالأمور الوجودية ؛ ولا قائل به ؛ فإنها من جملة ما تجري فيه العدميات.

وأما عند السكاكي : فالمنية أريد بها الطرف الآخر على ما يأتي وهو حقيقي ، بل حسي ؛ فلا يصح إخراجها على مذهبه ، ولكن هذا مبني على الأمر الظاهر في مذهبه ، والتحقيق أنه أراد أن المنية أريد بها الطرف الآخر وهو الأسد ادعاء لا حقيقة ، فتكون المكني عنها على مذهبه وهمية لا حقيقية أيضا ؛ لأن كون المنية أسدا غير محقق عقلا ، وفي كونها غير حقيقية ولو على هذا الاعتبار نظر ، لأن المعنى الذي أطلق عليه اللفظ محقق ، وإدخاله في جنس الأسد لو كان يكون به المعنى وهميا كانت كل استعارة وهمية ، فإن الأسد إذا أطلق على الرجل باعتبار الشجاعة لم يطلق عليه حتى أدخل في جنس الأسد ، فتكون وهمية ، وقد تقدم أنها تحقيقية فافهم.

(كقوله) أي : ومثال المتحقق حسا قوله : (لدى أسد شاكي السلاح) (١) أي : تام السلاح ؛ وهو مأخوذ من الشوكة. يقال رجل ذو شوكة ، أي : ذو إضرار ؛ فأصله : شاوك ، ثم أخرت العين فصار منقوصا ، فقيل : شاكي ، وفسرت شوكة السلاح بتمامه ، لأن تمام السلاح معناه كونه أهلا للإضرار به ، فيكون معنى تمامه : شدة حده ، وجودة أصله ، ونفوذه عند الاستعمال ، ويحتمل أن يكون تفسيرها بالتمام ؛ لأن طول السلاح وتمامه يدل على قوة مستعملة فيفهم منه أنه ذو شوكة ، ونسب إلى السلاح لاستلزامه هذا المعنى في صاحبه ، والخطب في ذلك سهل.

(مقذف) اسم مفعول من قذفه رمى به ؛ وهو يحتمل معنيين :

أحدهما : أنه قذف به في الحروب ورمى به فيها حتى صار عارفا بها فلا تهوله فيوصف بالنبالة في تلك الحروب وجسامة ؛ أي : قوة وعظمة خطر فيها من قولهم : هذا الأمر جسيم ؛ أي : عظيم.

__________________

(١) البيت لزهير بن أبى سلمى من معلقته المشهورة ، فى ديوانه ص (٧٣) ، وشرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ٤٠ ، ٤٨) ، والإيضاح ص (٢٥٧).

٢٧٢

وثانيهما : أنه قذف في تلك الحروب بسبب اللحم الذي فيه الدال على قوته ، وبسبب عقله الدال على أنه أهل لها فصار من جملة من له جسامة بسببها قذف في الحروب ؛ ونبالة بسببها يقوم لها ، وهذا الوجه يخالف الأول في معنى الجسامة ، وفي ترتيب النبالة ، والجسامة في الأول على القذف ، وتقدمهما على الثاني ، ويحتمل أن يكون اسم فاعل ، ويكون المعنى : أن هذا الأسد من الرجال قذف باللحم ورمي به عند تقطيع أجسام الأعداء فصار من جملة المعدودين من أهل الجسامة ؛ أي : القوة الأسدية التي بها توصل وتمكن من تقطيع لحم الحيوانات ، والرمي به عنها ، ومن أهل النبالة التي بها يتوصل إلى ذلك التقطيع ، فإن القوة تحتاج إلى حيلة التوصل ، ألا ترى أن الأسد يحتاج إلى تحيل وتخيل يتمكن بهما من المراد ؛ ولذلك قيل إن الوجه الأول أعني : كون مقذف بصيغة اسم المفعول باحتماليه على ما تقدم ملائم للمستعار له ؛ فيكون تجريدا ، والثاني : أعني : كونه بصيغة اسم الفاعل على ما تقدم ملائم للمستعار منه فيكون ترشيحا ، ولا يخلو كونه ترشيحا من تمحل ما.

وقد علم مما قررنا أن الجسامة والنبالة لا تختص بتقدير كونه اسم فاعل ، ولا بكونه اسم مفعول ، بل تجري في الاحتمالين ؛ تأمله.

ولا شك أن الأسد في المثال مستعار لما يصدق عليه الرجل الشجاع وهو أمر متحقق حسا.

(وقوله) أي : مثال المتحقق عقلا قوله تعالى في تعليم العباد دعاءه : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (١) فإن الصراط المستقيم في الأصل هو الطريق الذي لا اعوجاج به حتى يوصل إلى المطلوب ، واستعير لمعنى متحقق عقلا ؛ وهو القواعد المدلولة بالوحي ليؤخذ بمقتضاها اعتقادا وعملا ، ولا شك أن تلك القواعد أمر معنوي وهو المسمى بالدين الحق ؛ ولهذا فسر : (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) بقوله : (أي : الدين الحق) ووجه الشبه : التوصل إلى المطلوب بكل منهما.

__________________

(١) الفاتحة : ٦.

٢٧٣

قال المصنف في الإيضاح : فالاستعارة ما تضمن تشبيه معناه بما وضع له ، ومعنى تضمن اللفظ تشبيه معناه بشيء إفادة ذلك التشبيه بواسطة القرينة ، وبالنظر إلى المعنى من حيث إنه لا يصلح أن يستعمل فيه إلا بعلاقة المشابهة ، وعلى تقدير صلاحية سواه فالقرينة مانعة من ذلك.

ثم قال : والمراد بمعناه ما عنى به اللفظ واستعمل اللفظ فيه ، يعني : لا المعنى الذي وضع له اللفظ وضعا مقيدا بكونه أصليا ، ولا يضر ببيان هذه الإرادة في التعريف ؛ لأن هذا هو المراد عند الإطلاق ، فالتنبيه عليه لزيادة البيان.

ثم قال : فعلى هذا أي : على ما ذكر من أن الاستعارة ما تضمن تشبيه معناه بما وضع له يخرج عن تفسيرها ما استعمل فيما وضع له ؛ نحو : زيد أسد ، ورأيت زيدا أسدا ، ومررت بزيد أسدا ؛ لأن لفظ الأسد في هذه الأمثلة وإن تضمن تشبيه معناه بشيء بواسطة إجرائه على غير معناه لا يصدق عليه على وجه يصح أنه ضمن تشبيه معناه بما وضع له ، وإنما قلنا : لا يصدق عليه ما ذكر على وجه يصح فلا يدخل لأن المعتمد في دلالة الكلام ما يصح ؛ وبيان عدم صحته أنه لو دخل والغرض أنه مستعمل في معناه الذي وضع له كان التقدير أن لفظ الأسد فيها تضمن تشبيه معناه الذي وضع له بمعناه الذي وضع له ؛ فيكون معنى الأسد في تلك الأمثلة مشبها بنفسه ، ضرورة أن معناه هو المستعمل فيه اللفظ ، وهو الموضوع له ذلك اللفظ ، وفي ضمن ذلك أنه مشبه ، وهو في نفس الأمر مشبه به ، وحاصله أن قولنا : تضمن هذا اللفظ تشبيه ما وضع له يقتضي ـ إذا حمل على الصحة التي هي أصل العبارة ـ أن هنا معنى استعمل فيه اللفظ وآخر وضع له ليصح تشبيه أحدهما بالآخر ، فإذا كان ما استعمل فيه هو معناه الذي وضع له اتحد المشبه والمشبه به ، وهو فاسد فأخذ من التفسير السابق أن نحو الأسد في هذه الأمثلة خارج بطريق اقتضاء التعبير المغايرة ، فيكون هذا الخارج من التشبيه ، لا من الاستعارة.

٢٧٤

ويفهم من تعريف الاستعارة تضمن تشبيه معناه بما وضع له أنه لا يصح تشبيه معناها بالمعنى المجازي ؛ إذ لم يوضع له ، فلا يصح معنى النقل في الاستعارة من المجاز ؛ وهو ظاهر إن لم يصر حقيقة عرفية بالشهرة.

ويرد على ما قرر أن المشترك إذا شبه بعض معانيه ببعض واستعمل في المشبه صدق عليه أنه لفظ استعمل في معناه الذي وضع له متضمنا لشبهه الذي وضع له ؛ ضرورة أنه وضع لهما معا وليس فيه تشبيه الشيء بنفسه فيكون اللفظ مستعملا فيما وضع له مشبها بما وضع له لا يقتضي تشبيه الشيء بنفسه حتى يتكل عليه في إخراج نحو ما تقدم عن التعريف ، وقد أجبت عنه بما هو غير مرضي ، ولكن هذه مناقشة في مجرد اقتضاء ما ذكر لتشبيه الشيء بنفسه ، وإلا فلا يخفى خروج نحو : زيد أسد عن التعريف ، إذ ليس فيه تشبيه معناه بما وضع له ، بل فيه تشبيه غيره بمعناه ؛ ومسألة المشترك داخلة في الاستعارة لصدق حدها عليه ؛ حيث يستعمل بتلك الحيثية ، تأمل.

ثم قال : على أنا لا نحتاج في إخراج تلك الأمثلة إلى اقتضاء التشبيه المغايرة بين المعنى وما وضع له فتخرج تلك الأمثلة ، وإلا لزم تشبيه الشيء بنفسه ؛ لأن ما في قولنا : ما تضمن تشبيه معناه بما وضع له لا نريد بها لفظ تضمن حتى نحتاج إلى الإخراج لما ذكر ـ وإن صح الإخراج به أيضا ـ وإنما نريد به المجاز بقرينة تقسيم المجاز إلى الاستعارة وغيره ، فإذا أردنا تعريف الاستعارة من القسمين بعد التقسيم أخذ في حدها الجنس الجامع لقسمي المجاز دون ما هو أبعد ؛ لخروجه عن تعريف مطلق المجاز ، وإذا كان المناسب أن يؤخذ جنس هو المجاز ، لأنه هو الأقرب للنوع الذي أريد تمييزه عن مقابله ، فما تكون عبارة عنه فيخرج نحو : الأسد في الأمثلة السابقة ؛ لأنه حقيقة ؛ إذ هو مستعمل فيما وضع له ، والمجاز مستعمل في غير ما وضع له ويدل على أنه مستعمل فيما وضع له إجراؤه على ما لا يصدق عليه فوجب تقدير أداة التشبيه ليصح الكلام ، وإلا كان كذبا ، وحذف الأداة لإفادة التشبيه البليغ ، وعلى هذا يكون معنى قولنا : زيد أسد أنه كالأسد ، فيكون المحمول كونه شبيها بالأسد ، لا كونه ذاتا هي نفس الأسد مبالغة أو حقيقة ، وفرق بين المعنيين. ا ه كلامه مع بسط ، وفيه بحث ، لأن إخراج تلك

٢٧٥

الأمثلة مبني على أن الأسد فيها مستعمل في معناه الذي هو الحيوان المعروف ، وأن الأداة مقدرة قبل الأسد ، ونحن لا نسلم أن الأداة مقدرة حتى يكون المراد بالأسد معناه الحقيقي ؛ لأن المقدر كالمذكور فيلزم انتفاء المبالغة في التشبيه ، وحيث كان المراد بنحو هذا التركيب إجراء الأسدية على زيد قضاء لحق المبالغة المقصودة وجب كون الأسد منقولا لمعنى هو المشبه ثم أجرى على زيد ، فالمراد بالأسد ذات مصدوقة للشجاع ، ثم أخبر بمفهومها عن زيد ، وإذا تحقق هذا صدق أن الأسد لفظ تضمن تشبيه معناه وهو ذات مصدوقة للشجاعة بما وضع له أصالة وهو الحيوان المفترس ، ولا يقال : فقد جمع بين المشبه وهو زيد والمشبه به وهو الأسد المعروف ، والاستعارة يجب فيها جحد المشبه ؛ لأنا نقول : المشبه هو ذات اتصفت بالشجاعة ولم يذكر لفظها وقد ذكر المشبه به مكانها فأخبر بمعناها عن زيد وأما زيد فليس مشبها به إلا من حيث كونه ذاتا صدقت عليها الشجاعة وبتلك الحيثية أخبر عنه ، وأما من حيث إنه شخص عين بهذا العلم فليس مشبها وإنما قلنا : إن المنقول له الأسد هو الذات المصدوقة للشجاعة لا مفهوم الشجاع لأنه بحسب الظاهر فاسد ، ضرورة أن الاستعارة مبنية على تشبيه أحد الطرفين بالآخر في وجه ثم ينقل لفظ المشبه به إلى المشبه ، ومفهوم الشجاع وجه شبه خارج عن الطرف المنقول إليه من طرفي التشبيه ، ولو أدخل مفهوم الشجاعة على المنقول إليه لزم صحة الاستعارة في المشبه مع عدم صحة التشبيه فيه ؛ ضرورة أن التشبيه لا يصح مع إدخال الوجه في الطرف المشبه ، وإلا لزمت الحاجة إلى وجه آخر ؛ وهو باطل ، ولكن هذا إنما هو في جمهور التشبيه وجله ، وإلا فقد يكون الوجه داخلا في مفهوم الطرفين فيلزم دخوله في المستعار له ، لكن تكون الدلالة عليه باللفظ المستعار تبعا ، إذ الأصل في النقل أن يكون للطرف بخصوصه لا من حيث الوجه فافهم.

وإذا تبين هذا ظهر أن الاستدلال على حذف الأداة بكون الأسد أجرى على زيد ومعلوم أن الإنسان لا يكون أسدا فتعين تقدير الأداة مبنى على أساس تبين انهدامه ، وهو أن يراد بالأسد معناه الأصلي ، فعلى هذا إذا قلنا : زيد أسد فهو بمنزلة رأيت أسدا يرمي في كونه استعارة ، وأنه لفظ نقل من المشبه به إلى المشبه ، وإنما يتعين كونه

٢٧٦

تشبيها لو كان بحيث لو جعل في مكانه المشبه لم يصح ، فإن إسناد التشبيه هو أن لا يصح إيقاع المشبه موضع لفظ المشبه به ، وسواء حينئذ كان السطح بحيث تأتى في تقدير الأداة ، كقوله تعالى : (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ)(١) أولا يمكن إلا بالتأويل والنظر إلى المعنى كقوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ)(٢) إذ لو جعل مكان البحرين المؤمن والكافر اللذين هما المشبهان ، أو قلبهما ، وقيل في غير القرآن مثلا وما يستوي المؤمن والكافر لم يصح مع قوله : (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) إلى آخر الآية ؛ فتعين أن يكون تشبيها من جهة المعنى ، لا استعارة ، أي : المؤمن والكافر كالبحرين هذا عذب إلخ ، وههنا إن جعل لفظ المشبه مكان لفظ المشبه به صح أن يكون التقدير زيد ذات صدقت عليها الشجاعة كالأسد ، ويدل على أن الأسد منقول للمشبه وهو المجترئ تعلق المجرور به ؛ لأن المنقول إليه مشتق بخلاف لفظ الأسد في الأصل ، وذلك كقوله :

أسد علي وفي الحروب نعامة (٣).

أي : مجترئ على كاجتراء الأسد ، وفي الحروب هو نعامة ، أي : جبان ؛ لأن النعامة من أجبن الحيوانات ، ومثل هذا قوله :

والطير أغربة عليه (٤).

أي : باكية عليه ؛ فإن الأغربة جمع غراب ، وهو جامد في الأصل ، وإنما صح تعلق المجرور به باعتبار المعنى المنقول إليه وهو باكية ، وإنما نقل لفظ الأغربة إلى معنى الباكية لأن الغراب يشبه الباكي الحزين ؛ إذ يزعمون أن الغراب يعلم بالموت ، ومن لازم ذلك التحزن ، فقد تقرر أن هذا مثل : زيد أسد ليصح أن يكون استعارة ، وقد بينا ـ كما بسطه في المطول ـ أنه لا يرد عليه أن فيه الجمع بين طرفي التشبيه ، لأنا حققنا أن المنقول إليه لفظ الاستعارة هو المعنى المخبر به لا زيد ، وفيما تقرر نظر من وجهين.

__________________

(١) النمل : ٨٨.

(٢) فاطر : ١٢.

(٣) البيت لعمران بن حطان مفتى الخوارج ، شعر الخوارج ص (٦٤).

(٤) بعض بيت لأبى العلاء من قصيدة يرثى بها الشريف الطاهر الموسوى ؛ مطلعها :

أودى فليت الحادثات كفاف

حال المسيف وعنبر المستاف

٢٧٧

أحدهما : أن ما ذكر في الاستدلال على أن أسدا في قولنا : زيد أسد استعمل في غير معناه الأصلي ثم حمل على زيد ليكون استعارة ؛ وهو تعلق المجرور به لنقله إلى المشتق وهو المجترئ ؛ إذ لو بقي على أصله كان جامدا فلا يصح التعلق به ـ يرد عليه أن الأسد استعمل في مفهوم المجترئ على أن يكون المجترئ هو المشبه كما هو ظاهر العبارة ، فهو فاسد كما تقدم ، لأن المستعار له هو الطرف المشبه ، والمجترئ وجه شبه ، ولا يدخل في الطرف حيث لا يكون داخلا في المفهوم كما هنا ، وإلا طلب وجه آخر لصحة التشبيه فتتبعه الاستعارة ، ولا وجه سوى الاجتراء ، وإذا بطل التشبيه على هذا الاعتبار بطلت الاستعارة المبنية عليه وإن استعمل في مصدوقه لم يتعلق به المجرور إلا باعتبار وصفه التابع المدلول عليه بالالتزام ، فحينئذ يصح التعلق إذا أريد به المعنى الأصلي لوجود الوصف فيه بالتبع أيضا ، لا يقال : أي مانع من أن يعتبر الوجه ثالثا للطرفين في التشبيه ، ثم يستعار لفظ المشبه به إلى المشبه مع الوصف ، فلا يقال : فهم الوصف بطريق اللزوم ؛ لأنا نقول : هو خلاف ما صرحوا به من أن المنقول له هو الطرف من غير إدخال الوصف في الدلالة إلا على طريق اللزوم أو التبع ؛ حيث يكون داخلا في مفهوم الطرفين ، وأيضا إن نقل اللفظ إلى مفهوم الوصف من غير رعاية الموصوف لزم كونه هو المشبه ؛ وهو فاسد ، وإن نقل له مع الموصوف كما فرض في البحث لم يصح التعلق بالمجموع لمجرد الطرف ، وإنما يصح التعلق حينئذ باعتبار يضمن الوصف ، والأسد في الوصف يتضمنه ، أو يدل عليه بطريق اللزوم الواضح فيصح التعلق به أيضا. وقد يجاب عن هذا بأن المراد بالتعلق التعلق المعنوي لا النحوي ؛ بمعنى أن المجرور إنما يناسب المشبه لا المشبه به ، فإن قوله : أسد علي لا يصح فيه أنه هو الأسد الحقيقي الذي كان مجترئا علي ، بل المعنى : أنه إنسان مجترئ علي.

وثانيهما : أن هذا الاستدلال يفيد أن نحو : زيد أسد يختار فيه كونه استعارة لا تشبيها بليغا ، وقد بين ذلك بأن الأداة إن قدرت لم توجد المبالغة ، وإن لم تقدر فقد وجد نقل اللفظ إلى معنى آخر تحقيقا لحق المبالغة فيقال : هب أن فيه المبالغة فلا يقتضي

٢٧٨

ذلك كون اللفظ استعارة إلا لموجب نقل اللفظ ، لكن النقل المدعى غير مسلم وإن أمكن بحسب الظاهر ؛ وذلك أن صورة الذي سميناه تشبيها بليغا من باب ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به وذلك يكفي فيه إجراء اللفظ في الصورة الظاهرة.

وثم مرتبة أخرى وهو سوقه مسلما لا مدعى ، فقولك ـ مثلا ـ زيد أسد فيه ادعاء دخول المشبه في المشبه به ، والصورة الظاهرة كافية في ذلك ، وقولك : رأيت أسدا يرمى فيه إظهار تسليم الدخول بواسطة جحد المشبه في التركيب بالكلية ؛ ولا شك أن المرتبة الثانية أقوى من الأولى فهي أولى بالاستعارة ؛ والأولى ينبغي أن تسمى تشبيها بليغا ؛ ولا يسع المستدل إنكار المرتبتين لذكر المشبه في الأولى على وجه يصح فيه تقدير أداته لفظا ، وذكر المشبه به في الثانية على وجه لا يصح فهم المشبه معه إلا بالتأمل في القرائن فكأنه سلم دخوله في الجنس ولذلك حذف.

ومقصر الاستعارة على المرتبة الثانية لا يجهل معنى الأولى ، ولكن يرى أن الثانية أولى بالاستعارة ؛ وحينئذ يعود الاستدلال إلى البحث في المذهب الاصطلاحي ، ولا حجر في المذاهب الاصطلاحية ، لا سيما وقد ظهر وجهه فكأن المستدل يقول : لم لم يجعل من الاستعارة لإمكانها؟ فيقال : اقتصر على الثانية للأولوية المذكورة فجعل الأسد لمعناه مع إمكان نقله في هذا التركيب ؛ وذلك أن حاصل التشبيه البليغ الادعاء ، والادعاء لا يخرج الشيء عن أصل ، فروعي فيه تقدير الإدارة في نفس الأمر ، واكتفى بالادعاء بالصورة الظاهرة المفيدة لمطلق المبالغة ، فأبقى كل لفظ على معناه كما قدمنا ، بخلاف المرتبة الثانية فقد صير فيها المشبه من مسميات اللفظ فروعي ؛ فجعل اللفظ منقولا. ولا حجر في الاصطلاح.

وإذا تبين أن الأمر اصطلاحي فمن رأى إدخال المرتبة الأولى فله ذلك ؛ ويجب عليه أن يزيد ما يفهم به دخولها ، ومن لم ير ذلك أشار إلى إخراج ما ذكر بأن شرط الاستعارة أن لا يذكر المشبه على وجه يتمكن التشبيه فيه ؛ ومن ثم كان الخلف لفظيا ؛ إذ حاصله أن هنا تركيبا أجرى فيه المشبه على المشبه به وادعى دخول المشبه في جنس المشبه به ؛ وهل يجعل فيه لفظ المشبه به استعارة ويسمى به نظرا للادعاء؟ أو لا يسمى

٢٧٩

ولا يقدر النقل ولو أمكن ؛ نظرا إلى أن الأولى بها ما هو أعلى؟ فقد اتفق على المعنى واختلف في التسمية اصطلاحا بتقدير النقل وعدمه ، وأما الحاصل من المعنى في نفس الأمر فمسلم من الفريقين ، فالاستدلال على هذا بحث في أمر اصطلاحي تبين وجهه ؛ وعليه لا يبقى تشبيه بليغ إلا باعتبار الصورة اللفظية كما تقدمت الإشارة إلى نحو ذلك في صدر هذا الفن من غير اعتبار إدعاء دخول المشبه في جنس المشبه به أصلا لما [ذكر](١) فتأمل في هذا المقام والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل.

هل الاستعارة مجاز لغوى أم عقلى؟

ثم لما اختلفوا في الاستعارة : هل هي مجاز لغوي أو عقلي ؛ أشار إلى ذلك ؛ وإلى توجيه القولين فقال : (ودليل أنها مجاز لغوي) أي : ودليل كون الاستعارة مجازا لغويا (كونها موضوعة) أي : كون اللفظ المسمى بالاستعارة موضوعا (للمشبه به لا) أنه موضوع (للمشبه ولا) أنه موضوع (ل) معنى (أعم منهما) أي : أعم من المشبه والمشبه به ، فإذا لم يوضع للمشبه ، ولا للقدر المشترك بين المشبهين الذي هو أعم منهما المستلزم لكون إطلاقه على كل منهما حقيقة كان استعماله في المشبه مجازا لغويا ؛ إذ يصدق عليه حينئذ أنه لفظ استعمل في غير ما وضع له ؛ وهذا هو معنى المجاز اللغوي ـ مثلا ـ لفظ أسد في قولنا : رأيت أسدا يرمي السهام موضوع للسبع ، وإن استعمل الآن في غيره فليس موضوعا لما استعمل فيه وهو مصدوق الرجل الشجاع ولا لأعم من مصدوق الرجل الشجاع ، والسبع المعروف وهو القدر المشترك بينهما كالحيوان المجترئ.

وإنما قلنا كذلك لأنه لو وضع للقدر المشترك بينهما كان استعماله في كل منهما حقيقة ؛ لاستعمال الحيوان الموضوع للقدر المشترك بينهما وبين غيرهما من أنواع الحيوانات ؛ فإنه حقيقة في كل منها ، حيث يستعمل فيها من حيث الحيوانية بحيث لم يوضع لمصدوق الرجل الشجاع ، ولا للقدر المشترك الأعم من الرجل الشجاع

__________________

(١) ما بين المعكوفتين زيادة من عندنا ليستقيم الكلام.

٢٨٠