مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ٢

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي

مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ٢

المؤلف:

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي


المحقق: الدكتور خليل إبراهيم خليل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-3820-0

الصفحات: ٧٩٥
الجزء ١ الجزء ٢

وبينها بما ، فيقال مثلا : زيد قائم كما أن عمرا قائم لئلا يقع اللبس بينها وبين كأن التى هى من أخوات إن ، وكأن هذه قيل : إنها تكون مع الخبر المشتق للشك وتكون مع غيره للتشبيه على أصلها ، فإذا قلت : كأن زيدا أسد فهو لتشبيه زيد بالأسد ، وإذا قلت : كأن زيدا قائم فالمعنى على أنك تشك فى قيامه ؛ لأن قائم صادق على زيد ، وهو نفسه خارجا ، ولا معنى لتشبيه الشيء بنفسه ، وقيل : إنها فى مثل ذلك للتشبيه أيضا بتقدير موصوف ، أى : كأن زيدا شخص قائم ، ولما استغنى عن الموصوف روعى فى الخبر الذى هو وصف فى الأصل ما يناسب اسم كأن لجريانه عليه بحسب الظاهر ؛ ولذلك إذا اتصل به الضمير روعى فيه الاسم فيقال : كأنك قمت وكأن زيدا قام ولا يخفى ما فى هذا التقدير من التكلف المخرج للكلام عما يفهم منه بداهة ، وأيضا إن أريد بالشخص نفس زيد كان من تشبيه الشيء بنفسه كما قال ذلك القائل ، وإن أريد شخص آخر لم يفد وصف زيد بالقيام ، لا على وجه الشك ولا على وجه آخر بمنزلة ما لو قلت : كأن زيدا عمرو الواقف فإنه لا يفيد إلا أن زيدا يشبه عمرا الموصوف بالقيام ، ويحتمل أن يشبهه فى حال جلوسه لطول قامته ، والكلام لا يراد به إلا وصف زيد بالقيام من غير تحقق ، فالحق أن كأن تكون للظن القريب من الشك فى المشتق ، بل وفى الجامد كقولك : كأن زيدا أخوك ، وكأنه قائم ، وهذا المعنى كثير وروده فى كلام المولدين.

(و) من جملة أداة التشبيه لفظ (مثل) كقولك : زيد مثل عمرو (وما فى معناه) ، أى : معنى مثل مما يشتق من المماثلة ، وما يؤدى هذا المعنى كالمضاهاة والمحاكاة ونحو ذلك كقولك : زيد يضاهى ، أو يشبه ، أو يحاكى ، أو يماثل ، أو مضاه ، أو مشبه ، أو محاك عمرا فكل ذلك يفيد التشبيه ، والمتبادر أن هذه المشتقات إنما تفيد الإخبار بمعناها.

فقولك : زيد يشبه عمرا إخبار بالمشابهة كقولك : زيد يقوم ، فإنه إخبار بالقيام ، وليس هنا أداة داخلة على المشبه به ، ومثل هذا يلزم فى لفظ مثل فعدها من الأداة لا يخلو من تسامح ، (والأصل) ، أى : الكثير الشائع (فى نحو الكاف) أى : الأصل فيما هو مثل : الكاف مما يدخل على المفرد كلفظ مثل ، ونحو ، وشبه ، ومشابه ، ومماثل ، ونحو ذلك

١٦١

بخلاف ما يدخل على الجملة مثل : كأن ، أو يكون جملة بنفسه مثل يشابه ويماثل ويضاهى ، ونحو ذلك ، (أن يليها المشبه به) ، أى : الأصل فى نحو الكاف أن يليها المشبه به بخلاف كأن فتدخل على الجملة ، وكذا نحو : يشابه زيد عمرا ؛ وإذا اعتبر الضمير المرفوع وليه أبدا لكن يلزم مثله فى المشتق ، وإذ كان ذلك هو الأصل فى مثل الكاف كان هو الأصل فى الكاف أيضا ؛ لأن الحكم إذا ثبت لمماثل الشيء ولما هو على أخص وصفه كان ثابتا له ، فثبوت ما ذكر لنحو الكاف يدل بطريق الكناية على ثبوته للكاف كما تقدم فى قولهم : مثلك لا يبخل وموالاة المشبه به للكاف ونحوها إما لفظا كقولك : زيد كالأسد ، وإما تقديرا كقوله تعالى"(مَثَلُهُمْ) ـ أى : صفتهم وقصتهم ـ (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ* صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ* أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ)(١) فالكاف فى كصيب لم تدخل على المشبه به لفظا ، بل تقديرا ؛ إذ المراد : أو كمثل ذوى صيب من السماء ، وإنما قدر المشبه به ولم يكتف عنه بجعل المشبه به القصة المأخوذة من مجموع الكلام بحيث لا يحتاج إلى تقدير كما فى الخارج عن الأصل على ما سيأتى فى قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ)(٢) وإن أمكن ذلك بحسب المعنى فى هذا أيضا ؛ لأن الضمائر فى قوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) أحوجت إلى تقدير المعاد ، وهو ذوى ، فلما فتح باب التقدير قدر المثل قبله المعبر به عما يستفاد من مجموع الكلام ليناسب قوله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ،) وبهذا فارق هذا الكلام ما يأتى فكانت فيه الكاف مما وليها المشبه به تقديرا بخلاف ما يأتى مما لا يحتاج إلى تقدير فتدخل فيه على غير المشبه به فلا يليها لفظا ولا تقديرا ، وإليه أشار بقوله : (وقد يليه) ، أى : وقد يلى نحو الكاف (غيره) ، أى : غير المشبه به بحيث لا يكون ثمة لفظ مفرد هو المشبه به أصلا ، وذلك حيث يكون المشبه به حالة تركيبية ولم يعبر عنها بمفرد لعدم اقتضاء المقام لذلك

__________________

(١) البقرة : ١٧ ، ١٨.

(٢) الكهف : ٤٥.

١٦٢

التعبير فيستغنى عن ذلك المفرد بأخذ الحالة التركيبية من مجموع ما فى اللفظ المركب فلا يكون ثم لفظ هو المشبه به محقق ولا مقدر ، واحترزنا بقولنا ولم يعبر عنه بمفرد عن مثل قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً)(١) فإن المشبه به فيه مركب عبر عنه بلفظ المثل فولى المشبه به الكاف بخلاف ما لم يعبر عنه بالمفرد ، ولا اقتضى الحال تقديره ، بل استغنى عنه بما فى ضمن مجموع اللفظ فلا يلى الكاف فيه المشبه به (نحو) قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ) مِنَ السَّماءِ)(٢) الآية ، أى : بين لهم صفة الحياة الدنيا أو صير لهم صفة الحياة الدنيا ، فعلى التقدير الأول يكون كماء فى موضع الخبر لمبتدأ محذوف ، أى : هى كماء ؛ لأن اضرب لم تتعد إليه ، وعلى الثانى يكون فى موضع المفعول وعلى كل تقدير فليس المراد تشبيه حال الحياة بماء موصوف بما ذكر ولا بمفرد آخر يتمحل تقديره ؛ لأن تكلف التقدير إنما يرتكب لموجب ، وحيث وجد فى الكلام ما يغنى عنه ألغى ، وههنا الحالة المفهومة من مجموع اللفظ أغنت عن التقدير وهى كون النبات بعد نزول الماء من السماء شديد الاخضرار والنضارة ، ثم بإثر ذلك الاخضرار ييبس فتطيره الرياح فيصير المكان خاليا منه ، ويكون منعدما كأن لم يكن ، وهذه الحالة المفهومة من مجموع اللفظ من غير حاجة لتقدير ، أعنى حال النبات المضمحل بعد النضارة والاخضرار هى التى شبهت بها حالة الدنيا فى بهجتها ، وإمالة القلوب لها ، ثم يعقبها الهلاك ، ووجه الشبه وجود التلف ، والهلاك بإثر الإعجاب والاستحسان والانتفاع ، والعاقل من لا يغتر بما كان بتلك الصفة ، وإذا كانت هذه الحالة هى المشبه بها ، وقد استفيدت من مجموع اللفظ صح التشبيه باعتبارها من غير مبالاة بأى لفظ يلى الكاف من مجموع اللفظ المفيد مجموعه لها ، ومن زعم أن هناك تقدير المثل أيضا ، أى : كمثل ماء أنزلناه الآية ، وأن الكاف مع ذلك التقدير مما لم يلها المشبه به فقد سها ؛ لأن المصنف فى الإيضاح صرح بأن الموالاة ، أعنى موالاة المشبه به للكاف ، أعم من أن تكون لفظا أو تقديرا ،

__________________

(١) الجمعة : ٥.

(٢) الكهف : ٤٥.

١٦٣

ويؤيد ذلك ما تقرر فى عرف الناس من أن المقدر كالمذكور ، وإنما القسم الذى لا يوالى فيه الكاف مشبه به ما لم يقدر فيه ولا لفظ به نعم إن ذهب الزاعم إلى تخصيص الموالاة باللفظية صح كلامه ؛ إذ لا حجر فى الاصطلاح ، ولا يقال تقدير المثل هنا لا بد منه كما فى قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ)(١) أى : كمثل ذوى صيب ، فإنهم قدروه به لأنا نقول : قد تقدم أن إعادة الضمائر هنالك أحوجت لتقدير لفظ ذوى ، ولما فتح باب التقدير قدر المثل أيضا ليطابق قوله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً)(٢) ولو لا ذلك استغنى عن التقدير الذى عدمه هو الأصل فيرتكب ما أمكن ، وههنا لم يفتح باب التقدير المرجوع عن عدمه فأبقى اللفظ على ظاهره لاستفادة المشبه به منه بلا تقدير ، كما قررنا ، فليفهم.

(وقد يذكر فعل) غير الأفعال الموضوعة من أصلها للدلالة على التشبيه لاشتقاقها مما يدل عليه كالمشابهة والمماثلة كما تقدم (ينبئ) ذاك الفعل (عنه) ، أى : عن التشبيه بأن يستعمل فيما يفيد فيه (كما) ، أى : كالفعل (فى) قولك : (علمت زيدا أسدا) ؛ وإنما يستعمل علمت لإفادة التشبيه (إن قرب) ذلك التشبيه بأن يكون وجه الشبه قريب الإدراك فيتحقق بأدنى التفات إليه ؛ وذلك لأن العلم معناه التحقق ، وذلك يناسب الأمور الظاهرة البعيدة عن الخفاء ؛ فلذلك أفاد علمت حال تشبيه زيد بالأسد ، وأنه على وجه قرب المشابهة ، (و) كذا الفعل فى قولك : (حسبت) زيدا أسدا فإنه يستعمل لإفادة التشبيه بين زيد والأسد (أن بعد) ذلك التشبيه لبعد الوجه عن التحقق وخفائه عن الإدراك العلمى ؛ وذلك لأن الحسبان ليس فيه إلا الرجحان والإدراك على وجه الاحتمال ، ومن شأن البعيد عن الإدراك أن يكون إدراكه كذلك دون التحقق المشعر بالظهور وقرب الإدراك فأفاد حسبت حال التشبيه وأن فيه بعدا ، والتشبيه الموجود فى نحو هذين التركيبين لم يظهر كونه من الفعلين كما هو ظاهر عبارة المصنف ؛ لأن مدلول العلم والحسبان لا يشعر بالتشبيه أصلا فلو لا حمل الأسد على زيد

__________________

(١) البقرة : ١٩.

(٢) البقرة : ١٧.

١٦٤

بعدهما ما فهم التشبيه منهما. نعم بعد تحقق التشبيه بحمل الأسد على زيد يفيد تعلق العلم به كونه أمرا واضحا ومن لازم ذلك غالبا قوة الشبه بحيث يدرك إدراكا علميا ، ويفيد تعلق الحسبان به العكس على ما قررنا ، فلو جعل الفعلان منبئين عن حال التشبيه فى قربه وظهوره وفى بعده وخفائه كما أشرنا إليه بتقدير لفظ الحال قبل التشبيه فيهما كان أظهر من جعلهما ينبئان عن أصل التشبيه الذى هو ظاهر عبارة المصنف ، بل نقول : لا يصح إنباؤهما عن أصل التشبيه أصلا ، ولكن المنبئ عن حال الشيء كالمنبئ عنه فيمكن حمله على معنى إنبائهما عن حاله كما قدمنا ، وفى التعبير عن هذا المعنى بما ذكر خفاء لا يخفى ، ولا يقال يتعلق العلم والحسبان بالشبه الضعيف والقوى فمن أين يختص الأول بالقرب والثانى بالبعد ؛ لأنا نقول : قد بنينا على ما هو شأن المدرك وعلى الغالب فيه وإن أمكن فيه ما ذكر ، فليفهم.

١٦٥

غرض التشبيه بعوده إلى المشبه والمشبه به

أولا : غرض التشبيه بعوده إلى المشبه

ولما فرغ من أركان التشبه شرع فى الغرض منه وهو الأمر الحامل على الإتيان به فقال : (والغرض منه) ، أى : من التشبيه (فى) استعماله (الأغلب يعود إلى المشبه) ؛ لأنه هو المحكوم عليه وهو المقيس الذى يطلب فى التركيب ما يتعلق به ، فإنك إذا قلت هذا كذلك فعرف الاستعمال فى الغالب يقتضى أن الذى أريد بيان حكمه وما يتعلق به هو المشار إليه بهذا وهو المحكوم عليه بخلاف المشار إليه بذلك وأشار بقوله فى الأغلب إلى أنه قد يعود للمشبه به فى غير الأغلب كما يأتى (وهو) ، أى : وذلك الغرض الذى يعود إلى المشبه أقسام ؛ لأنه إما :

بيان إمكان المشبه

(بيان إمكانه) ، أى : إمكان المشبه كما إذا كان حالة غريبة ربما تدعى الاستحالة فيها فتلحق بحالة مسلمة الإمكان لوقوعها فى وجه جامع لهما ، وهو منشأ تلك الغرابة فيسلم إمكان المدعى ، إذ لو استحال انتفى معناه الكلى عن كل فرد فيلزم انتفاء ذلك الواقع وهو محال فيثبت المدعى ، وذلك (كما) أى : كالبيان الكائن (فى قوله) أى : فى قول أبى الطيب : (فإن تفق الأنام) (١) جميعا ، وهم الإنس والجن يعنى أهل زمانه ومن تعميم الأنام يستفاد أنه صار بكونه فائقا لهم جنسا آخر بواسطة أن الداخل فى الجنس لا بد أن يساويه فرد منه غالبا ، (و) الحالة أنك (أنت منهم) ؛ لأنك آدمى بالأصالة ، وجواب أن محذوف أقيم مقامه علته وهو ما أشار إليه بقوله : (فإن المسك) فى أصله (بعض دم الغزال) ، وقد صار بأوصافه الذاتية له خارجا عن جنسه مثلك ، والجواب الذى قلنا إنه أقيمت العلة مقامه قولنا فلا بعد ، أى : إن خرجت عن جنسك بكمال أوصافك فلا يستغرب ذلك ؛ لأن المسك بعض دم الغزال ، وقد خرج عن جنسه بكمال أوصافه فأنت مثله ، فالشاعر لما ادعى أن الممدوح فاق الناس فوقانا صار به جنسا آخر بنفسه وأصلا مستقلا برأسه كما حققناه ، وكان فوقانه الأنام على الوجه

__________________

(١) البيت للمتنبى من قصيدة يرثى فيها والدة سيف الدولة ، وهى فى ديوانه (٣ / ١٥١) ، والإشارات ص (١٨٧).

١٦٦

المذكور مما يمكن أن تدعى استحالته ، احتج لمدعاه بأن ألحق حالته بحالة مسلمة الإمكان لوقوعها فشبه حالة الممدوح بتلك الحالة فتبين أن حالته ممكنة وهو المشبه ، والحالة التى هى المشبه هى ما أشار إليها بقوله : " فإن تفق الأنام إلخ" فهى كون الممدوح من أصل هو الأنام مع خروجه عنهم فصار جنسا آخر كما قدمنا والمشبه بها وهى الحالة المسلمة هى كون المسك من أصل هو الدم مع كونه صار شيئا آخر خارجا عن جنسه ، والوجه الجامع اللازم للحالتين وهو منشأ الغرابة فى الحالة الأولى قبل التفطن للثانية كون الشيء من أصل وكونه مباينا له بذاته لكماله ، فهذا تشبيه من باب تشبيه مركب بمركب كما رأيت ، ولما كان هذا الوجه مستفادا مما أشير إليه من الطرفين كان فى ذلك إشعار بالوجه المشعر بالتشبيه بين الحالتين المربوطة إحداهما بالأخرى ، وإنما قال المصنف بيان إمكانه ولم يقل بيان وقوعه مع أن الملحق به واقع للإشارة إلى أن الحالة المدعاة أمر غريب أعظم فى النفوس من أن يدعى عدم وقوعه ، بل الأليق به أن ينفى إمكانه فبين بالوقوع المستلزم للإمكان ، وأشار بذكر إثبات كون المسك من دم الغزال دون أن يقول وقد فاق أصله الذى يتم به الاستدلال بذكر مجموع المشبه به إلى أن الذى ينبغى أن يقع النزاع فيه بالنسبة للمستدل عليه هو كونه من الأنام بأن ينظر هل هو منهم أم لا ؛ وأنه هو الذى ينبغى أن يشك فيه ، وأما كونه خارجا عن جنس الأنام فأمر معلوم لا ينبغى التعرض لما يناسبه فى المستدل به ، وفى هذا الاعتبار من المبالغة والدقة ما لا يخفى ، وقد علم بما بسطناه أن الذى بين إمكانه هو وجه الشبه ليتوصل به إلى إمكان المشبه ، فليفهم.

بيان حال المشبه

(أو) بيان (حاله) فهو معطوف على إمكانه لا على بيان ؛ ولذلك قدرنا قبله بيان ومعنى بيان حال المشبه أن يبين الوصف الذى هو عليه للجهل به عند السامع من لون أو غيره بأن يقرر بذلك التشبيه أى حالة وصفة كان عليها المشبه عند سؤال المخاطب ذلك بلفظه أو بحاله ، وذلك (كما) أى : كالبيان الكائن (فى تشبيه ثوب) مجهول اللون (بآخر فى السواد) ، فإذا علم السامع لون الثوب الحاضر مثلا وهو المشبه به

١٦٧

وجهل حال المشبه وهو الثوب الغائب مثلا فقال ما لونه فإنك تقول لبيان الحالة المسئول عنها ذلك الثوب الذى تسأل عن لونه كهذا فى لونه الذى هو السواد مثلا ، فالسواد فى هذا التشبيه من حيث إنه حصل العلم بوجوده فى المشبه الذى أفاده إلحاقه بهذا المعلوم يصح أن يكون غرضا ، ويسمى حينئذ حال المشبه ولا منافاة بين كون الشيء وجها باعتبار وغرضا حينئذ بعد التشبيه باعتبار آخر ، وإن شئت قلت بذاته وجه شبه ، وبيانه للسامع وعلمه به غرض ، فلا تداخل بين الغرض والوجه ، فحينئذ لا يرد أن يقال حاصله أن الغرض بيان وجه الشبه وقد تقدم ذكر وجه الشبه فافهم.

بيان مقدار حال المشبه فى القوة والضعف

(أو) بيان (مقدارها) ، أى : مقدار حال المشبه ، أى : صفته كما إذا عرفت صفته ولكن جهلت مرتبة تلك الصفة من قوة وضعف وزيد ونقص ، والزيد والنقص أعم من القوة والضعف ، فإذا عرف الإنسان لون ثوب مثلا وأنه سواد ولكن جهل مرتبة ذلك السواد فلم يدر هل هو شديد أم لا ؛ لأنه مما يقبل الشدة والضعف ، إذ هو من قبيل المشكك فقال : كيف لون ذلك الثوب المشترى مثلا ، فإنك تبين له ذلك بإلحاقه بذى سواد هو فى مرتبة معلوم له ، وذلك (كما) أى : كالبيان الكائن (فى تشبيهه) أى : تشبيه الثوب المجهول مرتبة سواده (بالغراب فى شدته) ، أى : فى شدة السواد حيث تقول هو ، أى : ذاك الثوب المسئول عن حال سواده ومقدارها فى الشدة أو الضعف ، كالغراب فى سواده ، فالسواد الشديد من حيث وجوده فى الطرفين أيضا جامعا مصححا للتشبيه يسمى وجها ، ومن حيث إنه بعد وجود التشبيه فيه تحقق به مقدار ما فى المشبه من جنسه يسمى غرضا أو تقول هو نفسه وجه وبيانه بخصوصيته المجهولة هو المسمى غرضا حاصلا عن التشبيه لوجود العلم بتلك الخصوصية بعده فلا تداخل هنا أيضا بين الوجه والغرض كما تقدم.

تقرير حال المشبه فى نفس السامع

(أو تقريرها) هو بالرفع معطوفا على قوله بيان ، أى : الغرض إما بيان ما ذكر وإما تقرير حال المشبه فى ذهن السامع وتقوية شأنها عنده بتحقيق تمكينها فى نفسه

١٦٨

بسبب إظهارها فيما هى فيه أظهر وأقوى ، وإنما لم يعطف بالجر على مدخول البيان فيكون التقدير أو بيان تقريرها ؛ لأن التقرير أخص من مطلق البيان ، إذ هو بيان على وجه التمكن فلو كان التقدير كذلك كان المعنى أو بيان البيان الخاص وتلزم فيه عجزفة ؛ لأن مدخول البيان أولا مفعول به ، وهذا لا يكون مفعولا به إلا بتمحل والرفع يغنى عن ذلك فارتكب ، وذلك (كما) أى : كالتقرير الكائن (فى تشبيه من لا يحصل من سعيه على طائل) أى : على فائدة وفضل وهو من طال طولا فهو طائل ، أى : صار له فضل وامتنان وفائدة ثم أطلق على مطلق الفائدة والفضل (بمن يرقم) ، أى : يخطط كتبا أو تزويقا (على الماء) ، فإن حال الساعى من غير حصول فائدة واضح ، ولكن إذا أردت تقريرها فى نفسه والتأثير الموجب لتصبيره أو تنفيره عما هو فيه شبهتها بالراقم على الماء فى عدم حصول فائدة فإن عدم الحصول على شيء فى الراقم أمر حسى متحقق بالشهود ، ويقوى ذلك كونك تريه الرقم حسا بأن ترقم بيدك على الماء بحضرته ثم نقول له أنت فى عدم حصولك على طائل مثلى فى هذا الرقم ؛ لأن النفس بالحسى أكثر إلفا منها بغيره ، ومن هذا المعنى أعنى ظهور المعقول فى المحسوس فيتمكن فى النفس لإلفها المحسوس قول الله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم خليل الرحمن ـ على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسّلام ـ : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى)(١) فقد طلب شهود أثر الإحياء ؛ لأن النفس فى الاطمئنان إلى المحسوس أقوى منها فى الاطمئنان لغيره قيل : إنما طلب ذلك لحق من يتبعه لا لنفسه ، وهذا فيما بين المحسوس والمعقول ظاهر فإنك لو قلت هذا اليوم مثلا أطول من كل ما يقدر لم يكن فى تأثيره فى النفس طول ذلك اليوم مثل قوله حيث شبهه فى المحسوس :

ويوم كظل الرمح قصر طوله

دم الزق عنا واصطكاك المزاهر (٢)

__________________

(١) البقرة : ٢٦٠.

(٢) البيت لابن الطثرية فى ديوانه ص (٨١) ، ولسان العرب (صفق) وأساس البلاغة (رمح) وورد (واصطفاق) مكان (واصطكاك).

١٦٩

وقد يوجد هذا التقرير فيما بين محسوسين إذا كان أحدهما أقوى فى ظهور الوجه كما لو قلت لكاتب بمداد أحمر فى قرطاس أحمر : " أنت فى كتابتك كالراقم على الماء" ؛ لأن عدم ظهور الفائدة فى الراقم على الماء أقوى ظهورا منه فى الكاتب المذكور ، ويحتمل أن يكون هذا المثال ، أعنى تشبيه من لا يحصل على طائل بالراقم على الماء ، من باب بيان المقدار ؛ لأن عدم الفائدة مما يقبل الشدة والضعف والتوسط باعتبار المتعلق فبين مقدار عدم حصوله ، وأنه بلغ إلى حيث لا يحصل منه ما يتوهم فيه أن فيه نفعا أصلا ، وبه يعرف أن ما فيه بيان المقدار إن قصد من حيث التقرير لما فيه من قوة الظهور والتمام كان من التقرير ، وإن قصد من حيث مجرد فهم الكيفية كان من بيان المقدار ، تأمل.

والوجه هنا أيضا الذى هو عدم حصول الفائدة من العمل من حيث تقريره فى ذهن السامع بالإتيان بما هو فيه فى غاية القوة يكون غرضا حاصلا عن التشبيه ومن حيث إنه موجود فى الطرفين جامع لهما يكون وجها أو نفسه جامع وتقريره فى النفس غرض ، فلا تداخل أيضا على ما تقدم ، ولما كانت هذه الأغراض متعلقة بالجامع كما أن جميع الأغراض كذلك أشار إلى ما يحق أن يكون عليه الجامع لتحصل تلك الأغراض معه حيث كان له دخل فيها بالتعلق المذكور ولو كان التعلق لا من حيث إنه وجه جامع على ما تقدم فقال : (وهذه) الأغراض (الأربعة) ، وهى بيان الإمكان وبيان الحال وبيان مقدار الحال والتقرير للحال (تقتضى أن يكون وجه الشبه فى المشبه به أتم) ، أى : أكمل وأقوى منه فى المشبه (وهو به أشهر) يعنى : وتقتضى أيضا أن يكون المشبه به أشهر وأعرف بوجه الشبه من المشبه ؛ لأن حاصل تلك الأغراض كما تقدم تعريف حال المشبه الذى هو وجه الشبه وتعريف مقداره وتعريف إمكانه وتقرير ثبوته فى الذهن بواسطة إلحاقه بالمشبه به ، فلو لم يكن المشبه به أعرف بالوجه لزم أن يكون فى التشبيه تعريف مجهول بمجهول ، وكون هذه الأغراض تقتضى الأعرفية جميعا ظاهر لما ذكر ، وأما كونها تقتضى أن يكون الوجه فى المشبه به أتم فليس بظاهر فى الجميع وإنما يظهر فى التقرير فقط ؛ وذلك لأن بيان الإمكان إنما المطلوب فيه مجرد وقوع وجه الشبه

١٧٠

فى الخارج فى ضمن المشبه به ليفيد عدم الاستحالة ، وغاية ما يقتضيه ذلك مجرد العلم بالوجود الخارجى ليسلم الإمكان ، إذ لا يتوقف الإمكان على الأتمية بل مطلق وقوع الحقيقة فى فرد ما يكفى فى إمكانها فإذا قلت أنت فى خروجك عن أهل جنسك كالمسك فالمراد يكفى فيه العلم بخروج المسك من جنسه ولا يطلب كونه أتم منك فى الخروج ، بل ربما يوجب ذلك تقصيرا فى المدح فيصح التشبيه ، ولو كنت أتم فى الخروج ، وأما بيان الحال فالفرض كما تقدم أن المخاطب جاهل به طالب لمجرد تصوره وذلك يكفى فيه كونه معروفا فى المشبه به ليفيد معرفته فى المشبه كما تقدم ، فإذا قيل : " ما لون ثوبك المشترى" قلت : " كهذا" ، فيحصل الغرض بمجرد العلم يكون هذا له سواد ؛ لأن ذلك هو المطلوب ولا يتوقف على كون هذا أتم فى السواد ؛ لأنه زائد على مطلق التصور والزائد على مطلق التصور لم يطلب بعد وهو ظاهر ، وأما بيان المقدار فالمخاطب قد عرف الحال فى المشبه وهو طالب أو كالطالب لمقدار تلك الحال ، فلا بد أن يكون الوجه الذى هو الحال المطلوب مقداره فى المشبه به على قدره فى المشبه من غير زيادة ولا نقصان ، وإلا لزم الكذب والخلل فى الكلام فإنه إذا قيل : كيف كان بياض الثوب الذى اشتريت وهو فى مرتبة التوسط فى البياض أو مرتبة التسفل ، وقلت : " هو كالثلج" ليكون وجه الشبه فى المشبه به أتم كان الكلام كذبا ، ولا يخفى ما فى ذكر المقدار فى الحال من التسامح ؛ لأنه فى الأصل صفة الجسم ، والمراد مرتبته من القوة أو الضعف كما أشرنا إليه فيما تقدم ، وأما التقرير فيقتضى الأتمية والأشهرية معا ، لأن المراد تمكين ذلك الوجه فى النفس وتقريره عندها جتى تطمئن إليه ، ولا يمكن لها مدافعة فيه بالوهم لغرض من الأغراض كالتنفير عن السعى بلا فائدة فإن صاحبه ربما يدافع بوهمه عدم حصول الفائدة بتوهم الحصول ، فإذا ألحق له بالرقم على الماء الذى لا يمكن مدافعة عدم الحصول فيه لقوته فيه وظهوره تحقق عند النفس فى الأول كما تحقق فى الثانى فتقع نفرته عن ذلك السعى ، وقد تقرر أن تحقق الشيء بالأقوى الأظهر مع قصد ذلك التحقق واجب ؛ لأنه بالأضعف بسبيل التساهل فيه والتغافل عن مقتضاه ودفاعه عن النفس بإثبات ضده وهما ، وبالأخفى كذلك وكالترغيب فى الموعظة كما فى

١٧١

قولك : عظنا فإن موعظتك فى غسل أدران القلوب كغسل هذا الوسخ بالماء ، مشيرا إلى وسخ هشيش فى زاج أو حجر أملس فتقع الرغبة فى تلك الموعظة لتمام فائدتها حيث ألحقت بذلك الأتم المشاهد الأظهر ، فالأتم الأشهر هو أمكن فى النفس من غيره لإلفها له وميلها له وعدم إمكان دفاعه بالوهم والتساهل والغفلة ، فالتشبيه بالوجه الذى لا يكون كذلك أجدر وأحق وأوجب بالزيادة التى هى التقرير للمقصود لغرض من الأغراض ، ولا يخفى أن المراد بالأشهرية هنا مطلق المعرفة والشهرة ، وإلا فلو أريد معنى اسم التفضيل لزم أن يكون الحال والإمكان والمقدار مشهورة فى المشبه ، لكن هى فى المشبه به أشهر وهو فاسد ، وأن المراد بقولنا : أجدر مطلق الوجوب ، ليفيد توقف التقرير على الأتمية والأشهرية به لا كونهما أولى به معا من أحدهما فقط مثلا ، وإلا أفاد صحته مع كل واحد منهما ؛ وذلك فاسد لأنه لو كان فى المشبه به أتم فى نفس الأمر فلا ظهور ، ولم يتقرر قطعا ولو كان أظهر مع ضعفه لم يحصل الغرض الذى هو التقرر على وجه لزومه للنفس بلا دفاع له وهما للرغبة أو النفرة اللتين هما المقصودان مثلا ، وقد تبين أن فى عبارة المصنف فسادا إن حملت على ظاهرها من اشتراك الوجوه فى الأتمية والأشهرية ويمكن تصحيحها بجعل الكلام على التوزيع فتعود الأشهرية لما يقتضيها وهو الجميع والأتمية لما يقتضيها وهو التقرير ، فافهم.

تزيين المشبه فى عين السامع

(أو تزيينه) ، أى : تحسينه بمعنى إيقاع زينته وحسنه فى ذهن السامع فيتخيل أنه كذلك ترغيبا فيه ، ولو لم يكن فى نفس الأمر كذلك ، وذلك بسبب قرانه مع صورة حسن فيها وجه الشبه لعارض فيتخيل حسن المشبه فقوله : " تزيينه" هو بالرفع معطوف على بيان لا على مدخوله حتى يكون مخفوضا ؛ لأن المراد إيقاع زينته بالتخيل لا بيان الزين الكائن فيه ، وذلك (كما) ، أى : كالتزيين الكائن (فى تشبيه وجه أسود بمقلة الظبى) ، فإن السواد الكائن فى مقلة الظبى أوجب لها حسنا ؛ لأن السواد فى العين حسن بالجبلة ، وذلك لما يلازمه من الصفاء العجيب والاستدارة مع إحاطة لون مخالف له غالبا من نفس العين أو من خارجها ، فإذا قصد التشبيه فى مجرد السواد لتخييل الحسن على

١٧٢

ما قررنا لم يلزم كون المشبه به ، وهو المقلة ، أشهر بالوجه وهو السواد ، ولا أقوى ، فإن وجه الحبشى أشهر منه وأقوى ، وإذا قصد الإلحاق فى السواد الخاص وهو المقارن للصفاء والاستدارة ليكون الزين حقيقيا كان المشبه به أعرف من المشبه ، فالمصنف راعى الاعتبار الأول ، ولذلك لم يدخله فى الأغراض التى تقتضى أن يكون الوجه أعرف ، ومن راعى الاعتبار الثانى أمكنه إدخاله فيه ، تأمل.

تشيين المشبه فى نفس السامع

(أو تشيينه) هو معطوف على ما عطف عليه تزيينه وهو بيان ، والمراد بالتشيين : إيقاع شين المشبه ، أى : قبحه فى ذهن السامع لتنفيره عنه بإلحاقه بذى صورة اقترنت بقبح فيه فيتخيل شين المشبه ، حيث ألحق بما تحقق فيه الشين ، وذلك (كما) ، أى : كتشيين المشبه الكائن (فى تشبيه وجه مجدور) ، أى : مصاب بالجدرى ، وهو حب يخرج فى الإنسان أو فى غيره يمرضه ويبرأ غالبا على حفر يتركها فى الوجه أو فى البدن (بسلحة) أى : عذرة (جامدة) أى يابسة (قد نقرتها الديكة) فى حال رطوبتها ، والديكة بكسر الدال جمع ديك بكسرها أيضا ، كقرد وقردة ، وإنما وصفها بالجمود لتحقق الشبه بلزوم تلك الحفر وتقررها كما فى الوجه المجدور ، فالمشبه به هنا وهو السلحة قام به وجه الشبه وهو الهيئة من شكل الحفر وما أحاط بها ، فإن قصد ههنا أيضا مجرد الهيئة المقترنة فى المشبه به بغاية الاستقذار وقبح الرائحة ليتخيل قبح الوجه المجدور ولو كان معه حسن باستقامة رسومه وأعضائه حيث ألحق بالمستقبح لم يقتض كون المشبه به أعرف ، فإن تلك الهيئة فى الوجه أكثر دورانا وأكثر شهودا ، وإن روعيت تلك الهيئة مع ما أوجب القبح من اللون القبيح وفوات استقامة السطح فى الطرفين الموجب للقبح وغيره من موجبات القبح كالحروشة فهى فى المشبه به أعرف ، فالمصنف راعى أيضا هنا الاعتبار الأول ، فلم يعد التشيين مما يقتضى الأعرفية فى الوجه ، ومن راعى الثانى أمكنه خرطه فى سلك ما يقتضى الأعرفية ، وقد تبين بهذا البسط أن التزيين والتشيين منشؤهما أيضا إما وجه الشبه أو هو وما يلازمه فنفس الوصف من حيث إنه موجود فى الطرفين وجه شبه والتزيين أو التشيين به غرض فلا تداخل أيضا هنا كما تقدم.

١٧٣

استطراف المشبه

(أو استطرافه) هو بالرفع أيضا معطوف على ما عطف عليه تزيينه وهو بيان أى الغرض ، إما بيان ما تقدم وإما التقرير وإما التزيين وإما التشيين وإما استطراف المشبه ، وهو بالطاء المهملة من استطرفت الشيء اتخذته طريفا أى جديدا ، والمال الطريف هو المقابل للقديم ، وذلك أن لكل جديد لذة ، فالمراد جعل المشبه مستحسنا لكونه أظهر فى وصف أمر غريب مستحدث لا يعهد على ما يأتى فى المثال ، ويحتمل أن يكون بالظاء المشالة ، فالمراد باستظرافه جعله ظريفا أى : جميلا حسنا بالوجه المذكور ، وذلك (كما) أى : كالاستطراف الكائن فى المشبه (فى تشبيه فحم فيه جمر موقد) أى : سرت النار فيه سريانا يتوهم فيه الاضطراب كاضطراب الموج (ببحر من مسك موجه الذهب) وإنما استطرف المشبه فى هذا التشبيه (لإبرازه) ، أى : لإظهار المشبه (فى صورة الممتنع) ، وذلك أن المشبه به وهو البحر من المسك الذائب وأمواجه الذهب الذائب ممتنع عادة ، وإن أمكن عقلا ، وقد أبرز المشبه فى صورته أى : فى وصفه حيث ألحقه به ، ولا شك أن إبراز الشيء المبتذل فى صورة الممنوع بتخييل أنه كهو يوجب غاية الاستطراف ، وإنما كان كذلك ؛ لأن الفحم تتخيل فيه صورة المسك ولو لم يكن ذائبا ، والجمر ولو لم يكن ذائبا تتخيل فيه صورة الذهب الذائب المتموج فصار مجموع صورة الفحم والجمر باعتبار مقدار كل منهما وتلونه يتخيل فيه مجموع صورة البحر من المسك وصورة ذهب هو موجه ، وإنما قلنا : المسك الذائب والذهب الذائب ؛ لأن البحر لا يتصور فى صورة الجامد ، ووجه الشبه هو الهيئة الحاصلة ، من وجود شيء مضطرب مائل للحمرة فى وسط شيء أسود ، ومما ازداد به استطراف المشبه هنا كونه شيئا تافها محتقرا أظهر فى صورة أى : فى وصف شيء رفيع لا تصل إليه الأثمان ، وهذا الاستطراف لما كان وجه الشبه فيه هيئة اعتبرت فى الممتنع عادة لم يقتض كون الوجه أظهر وأعرف ؛ لأن هذه الهيئة فى المشبه أعرف ؛ إذ هو بنفسه أظهر وأقرب إدراكا من المشبه به ، ولكن لما كان المشبه به أخفى ومعلوم أنه يلزم من خفائه خفاء وصفه كان التشبيه

١٧٤

أشد استطرافا على ما تقرر فى جميع الغرائب وليس وجه الشبه هنا هو منشأ المنع عادة كما كان منشأ الاستغراب فى بيان الإمكان ، بل منشأ المنع ذات المشبه به ، فتأمل.

ثم إن كون الشيء قد أظهر فى صورة الممتنع وكونه نادر الحضور فى الذهن مفهومان مختلفان ، والثانى أعم من الأول ، وكلما خطر أحدهما للسامع من حيث هو حصل الاستطراف أشار إلى أن الاستطراف قد يكون بحضور الوجه الثانى عند السامع وقصده عند المتكلم أيضا ، وإن كان الامتناع العادى يستلزم ندرة الحضور خارجا لا تصور فقال :

وجه آخر للاستطراف

(وللاستطراف وجه آخر) يوجبه فى المشبه غير الوجه السابق وهو الإبراز فى صورة الممتنع عادة (وهو) أى : وذلك الوجه الآخر (أن يكون المشبه به نادر الحضور فى الذهن) ، فإن ندرة الحضور مما يستطرف لغرابته ؛ لأن لكل غريب لذة ، فإذا كان المشبه به كذلك فإبراز المشبه فى صورة أى : فى وصف الغريب المستطرف يجر الاستطراف إليه ، ثم ندرة الحضور الذى تقدم أن مفهومهما مخالف لمفهوم الامتناع العادى ، وأن حضور كل منهما يوجب الاستطراف ، (إما) أن تكون تلك الندرة حاصلة فى المشبه به (مطلقا) أى : من غير تقييد بحالة حضور المشبه ، بل يندر ، سواء حضر المشبه أو لا ، (كما مر) فى تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب ، فإن البحر الموصوف لما امتنع عادة صار حضوره نادرا لا يكاد يحصل إلا لنادر ممن له اتساع فى تقدير المفروضات فيحصل الاستطراف فيه للسامع من جهة الامتناع العادى ، وتكفى تلك الجهة فى الاستطراف إن خطرت وحدها ، ومن جهة الندور إن خطرت وحدها أيضا ومن جهة الندور منفكة عن الأخرى ، وإن استلزمت الثانية الأولى خارجا كما تقدم (وإما) أن تكون تلك الندرة حاصلة فى المشبه به (عند حضور المشبه) لا مطلقا لكون المشبه به مشاهدا معتادا لا ممتنعا ، ولكن مواطنه غير مواطن المشبه لكون كل منهما من واد غير وادى الآخر ، ويبعد حضور أحدهما عند حضور الآخر ، وذلك (كما) أى كندرة المشبه به عند ذكر المشبه الكائن (فى قوله : ولا

١٧٥

زوردية) (١) بكسر الزاى المعجمة وفتح الواو وسكون الراء المهملة معرب لا زوردية بكسر الراء المهملة والموجود بكتابة القلم مد اللام ، وكأن اللفظ كذلك معرب ، ولم يتعرض له فى القاموس ، والمراد به البنفسج وهو منون مجرور بتقدير رب أى ورب بنفسجة (تزهو) بصيغة المبنى للفاعل أخذا من زها كمنع إذا تكبر ، وفيه لغة أخرى وهو أن يكون بصيغة المبنى للمفعول والمضارع منه يزهى فهو مزهو ، ولا يخفى أن نسبة التكبر للبنفسج تجوز ، والمراد أن لها علوا وارتفاعا فى نفسها (ببهجتها بين الرياض) جمع روض وهو البستان كثوب وثياب (على حمر اليواقيت) متعلق بتزهو أى : تتكبر على اليواقيت الحمر ، واليواقيت يحتمل أن يراد بها اليواقيت المعلومة ، ويحتمل أن يراد بها الأزهار المخصوصة وهى شقائق النعمان وسماها يواقيت لتشبيهه لها فى الحمرة بالياقوت المعلوم وهو المناسب للبنفسج ، لكن لا يناسبه قوله بين الرياض ؛ لأن الشقائق إنما يكون غالبا فى الجبال ، كذا أشير إليه وفيه ضعف لكثرة وجوده فى غير الجبال أيضا وفى رياض الجبال والخطب سهل (كأنها) أى : كأن البنفسجية ، وعنى بها رأسها من الأوراق وما أحاطت به لامع الساق ، بدليل قوله : (فوق قامات) أى : فوق ساقاتها ، وجمعها باعتبار الأفراد (ضعفن بها) أى : ضعفن عن تحملها ؛ لأن ساقها فى غاية الضعف واللين (أوائل النار فى أطراف كبريت) ، فقد شبه نور البنفسج بأوائل النار عند أخذها بأطراف الكبريت فى الهيئة الحاصلة من تعلق أجرام صغيرة لطيفة على شكل مخصوص ولون الزرقة بجرم أصغر ، وتعلق أوائل النار بأطراف الكبريت موجود كثيرا عند الناس وقت الحاجة إلى ذلك والهيئة المذكورة واضحة فى ذلك ؛ لأن نار الكبريت زرقاء ، وإنما قال : " أوائل" لتحقيق إحاطتها بالصفرة ؛ لأنها عند تمكنها واستعمالها بمجموع الكبريت لا تبقى صفرة لكن أغرب فى إلحاق البنفسج بها ؛ لأن البنفسج جسم ندى ونور رياضى ، وإنما ينتقل منه عند إرادة ما يضاهيه للتشبيه لما هو من جنس الأزهار الرياضية دون النار ، لا سيما فى أطراف الكبريت فإنها جرم حار يابس ديارى متعلق بوقود

__________________

(١) البيتان لابن المعتز ، أوردهما الطيبى فى التبيان (١ / ٢٧٣) بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى والعلوى فى الطراز (١ / ٢٦٧) ، واللازوردية : البنفسجة نسبة إلى اللازورد وهو حجر نفيس.

١٧٦

الاشتعال فيه نادر باعتبار وقود آخر ، فبينهما غاية البعد ، فعند حضور البنفسج يبعد حضور النار المذكورة ، فإحضارها معها غاية فى الندور ، ولو لم يمتنع وجودها كما فى بحر المسك موجه الذهب ، فثبت الاستطراف فى التشبيه حيث حقق فيه العناق بين صورتين بينهما غاية المباعدة مع تشابههما هيئة ، والعناق بكسر العين من عانق عناقا ومعانقة كقاتل قتالا ومقاتلة ، وسبب الاستطراف فى المشبه إظهاره فى صورة أى : فى وصف النادر وإن كان ندوره مقيدا بوجود المشبه ، والنادر يستغرب ويستطرف كما تقدم ، ولك أن تقول : المستطرف حينئذ فى الحقيقة هو القران بين صورتين متباعدتين لا المشبه ، اللهم إلا أن يقال لما تعلق بالمشبه كالمشبه به نسب إليه ، تأمل.

غرض التشبيه بعوده إلى المشبه به

ثم لما ذكر أن الغرض يعود إلى المشبه فى الأغلب أشار إلى أن الغرض قد يعود إلى المشبه به ، ونعنى به مدخول الكاف ونحوها ، سواء كان مشبها فى نفس الأمر أو مشبها به فقال : (وقد يعود) الغرض من التشبيه (إلى المشبه) لفظا ، وإن كان مشبها معنى كما فى الضرب الأول من الضربين المشار إليهما بقوله : (وهو) أى : الغرض العائد إلى المشبه به (ضربان : أحدهما) أى : أحد الضربين.

إيهام أن المشبه به أتم من المشبه فى وجه الشبه

(إيهام) أى : أن يوقع المتكلم فى وهم السامع (أنه) أى : أن المشبه به لفظا (أتم) فى وجه الشبه (من المشبه) لفظا ، وإن كان مشبها به معنى ، (وذلك) الإيهام الذى هو الغرض إنما يوجد (فى التشبيه المقلوب) ، وهو الذى يجعل فيه المشبه الذى هو الناقص بالأصالة مشبها به ، ويجعل فيه المشبه به الذى هو الكامل بالأصالة مشبها ، وإذا جعل كذلك صار بمقتضى أصل تركيب التشبيه الناقص كاملا وهو المشبه به لفظا والكامل ناقصا وهو المشبه لفظا وذلك (كقوله) أى : محمد بن وهيب (وبدا) (١) أى : ظهر (الصباح) يحتمل أن يراد به الضياء التام عند الإسفار ، ويحتمل أن يراد به ما كان قبل

__________________

(١) البيت لمحمد بن وهب الحميرى فى مدح الخليفة المأمون الإشارات ص (١٩١) ، والطيبى فى شرح المشكاة (١ / ١٠٨) بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى.

١٧٧

ذلك من الضياء والظلمة المخلوطة به ، وذلك قبل الإسفار ، فعلى الأول تكون الإضافة فى قوله : (كأن غرته) إضافة البيان ، أى : كأن الغرة التى هى الصباح ، وذلك أن الغرة فى الأصل هى بياض فى وجه الفرس فوق الدرهم ، واستعيرت للإشراق فى ذلك الوقت ، فإذا أريد بالصباح الإسفار فهو كله بياض فيكون المراد بالغرة نفس الصباح ، وعلى الثانى تكون الإضافة على أصلها لإحاطة الظلمة فى ذلك الوقت بإشراق هو كالغرة بالنسبة لذلك الإظلام ، والخطب فى مثل هذا سهل ، وإنما تنزلنا له على عادتنا فى قصد بيان ما قد يتعلق ببيانه غرض الناظر فيه (وجه الخليفة حين يمتدح) هذا هو المشبه بالأصالة ضرورة أن إشراق الصباح أقوى ضياء وأظهر من إشراق وجه الخليفة ، لكن عكس التشبيه فجعله مشبها به ليوهم أن هذا المشبه به لفظا وهو وجه الخليفة أقوى من المشبه لفظا وهو الصباح ، أو غرته على قاعدة ما يفيده التشبيه بالأصالة من أن المشبه به أقوى من المشبه فى الوجه ؛ إذ قد اشتهر أن المشبه لا يقوى قوة المشبه به ، وقد عرفت أن هذه القوة أن حملت على كون الوجه أتم فى المشبه به على ما قررنا لم تطرد ، وإنما تلزم فى غرض التقرير كما تقدم ، وإن حملت على كونه أقوى فى المعلومية اطردت فى غالب الأغراض أو فى كلها على ما نبينه بعد ، وإذا أريد كما قررنا بالمشبه به ما كان كذلك لفظا ، وإن كان مشبها فى المعنى صح قوله قد يعود الغرض إلى المشبه به فلا يقال الغرض هنا عائد إلى المشبه فى المعنى فى التشبيه المقلوب ، وذلك لما قلنا من أنا نريد بالمشبه به ما كان كذلك لفظا ، والغرض هنا تقرير إشراق وجه الممدوح فى الذهن حتى لا يتوهم فيه نقصان زيادة فى مدحه ، فناسب هذا القلب الذى هو آكد تقريرا لإيهامه أنه أقوى من الصباح ، ولو شبه وجهه بالصباح أفاد الغرض ، لكن العكس أقوى ، وقيد إشراق وجه الممدوح على وجه يقتضى أكمليته على الصباح بحين الامتداح ليدل على معرفة حق المادح وعلى كرم الممدوح ؛ وذلك لأن من المعلوم أن إشراق الوجه حال الامتداح يدل على شيئين أحدهما قبول المدح ، وذلك يستلزم معرفة حق صاحبه لمقابلته بالسرور التام الواضح ، وإلا كان مقتضى الحال مقابلته بالعبوس والإعضاء ، ولو بأن يستر حملا إن كان الممدوح كريما ، والآخر كون الممدوح طبعه الكرم ؛ لأن الكريم هو

١٧٨

الذى تهزه الأريحية ، أى : الانبساط حال المدح حتى يظهر أثرها على وجهه ، وإلا كان المناسب لحاله حيث كان لئيما العبوس الذى هو مقتضى طبعه ، فأفاد الشاعر بذلك معرفة الممدوح حق المادح وتعظيمه بين يدى الحاضرين بالإصغاء إليه والارتياح ، أى : الاطمئنان إليه وإلى مدحه ، وأفاد كمال كرم الممدوح حيث يتصف بالبشر والطلاقة حالة المدح وإلا فاللآمة تقتضى العبوس والكلح ولو مع إظهار القبول للمدح والانبساط له ، وليس من التشبيه المقلوب كما فى هذا المثال قوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ)(١) وإن كان النور لا مناسبة بينه وبين المشكاة فى قوته ؛ لأن المشكاة هى المعلومة عند المخاطبين بإحساسها فالتشبيه فى ذلك من باب الإلحاق بما تقرر علمه عند المخاطبين لا من باب القلب وهو ظاهر.

بيان الاهتمام بالمشبه به

(و) الضرب (الثانى) من الغرض العائد إلى المشبه به (بيان الاهتمام به) ، أى : إظهار المتكلم للسامع أنه مهتم بالمشبه به ، ولا بد فى نحو هذا من وجود قرينة تدل على القصد (ك) أمارة العدول عما يناسب إلى غيره مع قرينة الحال فى (تشبيه) الإنسان (الجائع وجها) مفعول تشبيه ، أى : كأن يشبه الجائع وجها ، وهو (كالبدر فى الإشراق) أى : فى التلون (والاستدارة) أى : فى الشكل (بالرغيف) متعلق بتشبيه ، أى : كأن يشبه الوجه المذكور بالرغيف فإن المشبه لما عدل عن تشبيهه بالبدر الذى هو المناسب دل كلامه مع مصاحبة بعض القرائن الحالية أيضا على أنه جائع جوعا أوجب له كونه بحيث إذا التفت إلى ما يشبه به هذا الوجه لم يجد أقرب من الرغيف لشدة الرغبة الموجبة لعدم زواله عن الخاطر ، (ويسمى) هذا التشبيه الذى فيه هذا الغرض الخاص وهو بيان الاهتمام بالمشبه به (إظهار المطلوب) ، وذلك لإتيان صاحبه بما يدل على أنه جائع ، وأن الرغيف مطلوب عنده حتى لا يجد فى خاطره عند قصد التشبيه غيره كما بينا ؛ وإنما يحسن المصير إلى هذا وشبهه مما فيه إظهار المطلوب فى مقام الطمع فى حصول المطلوب كما روى أن بعض الملوك قال لبعض ندمائه كمثل قولنا وعالم يعرف

__________________

(١) النور : ٣٥.

١٧٩

بالسجزى فقال ذلك النديم أشهى إلى النفس من الخبز ففهم مراده فقدم إليه مائدة وقد تبين من قولنا بحيث إذا التفت إلى ما يشبه به هذا الوجه لم يجد أقرب من الرغيف أن ذلك الرغيف فى ادعاء الجائع أظهر فى وجه الشبه من المشبه فاندفع ما قيل من أن إظهار المطلوب لا أعرفية فيه للوجه ، بل لا وجود له حقيقة أصلا ، وذلك لأن الجائع زعم أنه أشرق وأجمل شكلا للحاجة إليه من الوجه المشبه ، فعلى هذا قوله : (هذا إذا أريد إلحاق الناقص بالزائد حقيقة أو ادعاء) يتناول ما فيه غرض إظهار المقصود كما يتناول غيره مما تقدم ، فإلحاق الناقص بالزائد حقيقة يتناول ما فيه غرض التقرير لما تقدم أن الوجه يجب أن يكون فيه أتم ، ويتناول ما فيه بيان الحال أو مقدارها وما فيه غرض التزيين أو التشيين بناء على ما قدمناه فيهما ، وإن كان الظاهر من كلام المصنف عدم اعتباره كما أشرنا إليه ووجه الزيادة فى الجميع أن الوجه فى الكل أعرف من المشبه به منه فى المشبه فقد زاد المشبه به على المشبه بالأعرفية فى الوجه وإلحاقه بالزائد الدعاء يتناول التشبيه المقلوب كما تقدم أن المشبه به لفظا جعل على سبيل الادعاء أقوى ، ويتناول إظهار المقصود بالوجه الذى قررنا ، وأما ما فيه غرض الاستطراف فقد قدمنا أن الوجه فيه أخفى لندرة حضوره ، وعليه فلا يتناوله هذا الكلام ، ويكون هذا الحكم للأغلب باعتبار ما يتبادر من التشبيه ، يعنى وما لم يكن كذلك فملحق به لضرب من التأويل والتسامح ، ويحتمل أن يتناوله باعتبار الغرض ؛ لأن منشأ الاستطراف ندرة حضوره وامتناعه عادة ، وتلك الندرة إنما كانت فى المشبه به فيكون الاستطراف الناشئ عنها بالمشبه به ألزم وأولى ، وعلى هذا يكون المراد بالأكملية والزيادة الأكملية فيما يتعلق بالتشبيه من غرض أو وجه ، ولما كان فى تناول هذا الكلام لجميع ما تقدم خفاء كما أشرنا إليه ورد البحث عليه بأن التشبيه ليس من مقتضيات إلحاق الناقص بالكامل دائما حتى إنه إذا لم يرد لزم العدول إلى التشابه كما اقتضاه كلام المصنف على ما يذكره بعد ، والجواب ما تقدم فتأمل هنا ، وإلى ما ذكر وهو أنه إذا لم يرد إلحاق الناقص بالكامل عدل عن التشبيه إلى التشابه ، أشار بقوله : (فإن) لم يرد إلحاق الناقص بالزائد كما هو أصل التشبيه والمتبادر منه ، بل (أريد الجمع بين شيئين فى أمر) ما من

١٨٠