رسالة في الاحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة

السيّد علي الحسيني الميلاني

رسالة في الاحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

وبعد .. فهذه رسالة موضوعها « الأحاديث المقلوبة في فضائل الصحابة » كتبتها حول هذا الجانب من تراثنا وقد كتب لها أن تنشر في « تراثنا » ... كشفت فيها عن جانب من التلاعب الواقع في الأحاديث المروية عن سيّد البريّة لأغراضٍ سياسية ...

وقد تعرضنا هنا إلى أربعة من تلك الأحاديث ... وعلى هذه فقس ما سواها ... والله الهادي إلى سواء السبيل.

* * *

٥

الحديث الاوّل

حديث المنزلة

لقد اتفق المسلمون على رواية حديث المنزلة في حق أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ... وأخرجه من علماء أهل السنة : البخاري ومسلم وغيرهما من أرباب الصحاح ، وكذا رواه أصحاب المسانيد والمعاجم ... وغيرهم من كبار المحدّثين ... القدماء والمتأخرين ... وإليك نص الحديث كما في الصحاح.

حديث المنزلة بشأن أمير المؤمنين :

أخرج البخاري قائلاً :

« حدثنا محمد بن بشار ، ثنا غندر ثنا شعبة ، عن سعد ، قال : سمعت إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، قال : قال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لعلي : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى » (١).

قال : « حدثنا مسدّد ، قال : حدثنا يحيى ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم خرج إلى تبوك فاستخاف علياً فقال : أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال : ألا ترض أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه ليس نبي بعدي » (٢).

وأخرج مسلم ، قال : « حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وأبو جعفر محمد بن الصباح وعبيد الله القواريري وسريح بن يونس ، كلّهم عن يوسف بن الماجشون

__________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب من كتاب المناقب.

(٢) باب غزوة تبوك من كتاب المغازي.

٦

ـ واللفظ لابن الصباح ـ قال : نا يوسف أبو سلمة الماجشون ، قال : ثنا محمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيّب ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لعي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلآ أنه لا نبي بعدي.

قال سعيد : فأحببت أن أشافه بها سعداًً ، فلقيت سعداً فحدّثته بما حدّثني به عامر ، فقال : أنا سمعته. قلت : أنت سمعته؟! قال : فوضع إصبعيه على أذنيه فقال : نعم وإلأ فاستُكّتا.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : نا غندر ، عن شعبة.

ح وحدثنا محمد بن مثنى وابن بشار ، قالا : نا محمد بن جعفر ، قال : نا شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : خلّف رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك ، فقال : يا رسول الله تخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي.

حدثناه عبيدالله بن معاذ ، قال : نا أبي ، قال : نا شعبة ، في هذا الإسناد.

حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عبّاد ـ وتقاربا في اللفظ ـ قالا : نا حاتم ـ وهو ابن إسماعيل ـ عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب؟! فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهّن له رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فلن أسبه ، لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم : سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم يقول له ـ وخلّفه في بعض مغازيه ، فقال له عليّ : يا رسول الله! خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبوّة بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. قال : فتطاولنا لها ، فقال : أدعوا لي علياً ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينيه ودفع

٧

الراية إليه ، ففتح الله عليه.

ولما نزلت هذه الآية : ( ندع أبناءنا وأبناءكم ) دعا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا غندر عن شعبة.

ح وحدّثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا : ثنا محمد بن جعفر. ثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، قال : سمعت إبراهيم بن سعد ، عن سعد ، عن النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلم أنه قال لعليّ : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى » (١).

المحاولات السقيمة في ردّ حديث المنزلة :

ثم إن القوم لمّا رأوا صحّة هذا الحديث سنداً ، بل تواتره من طرقهم المعتبرة عندهم التجأوا إلى التشكيك في دلالته على أفضلية أمير المؤمنين وخلافته عن رسول رب العالمين ... فراجع كتب الحديث والكلام.

فجاء آخرون وانتبهوا إلى سقوط تلك التشكيكات فاضطروا إلى القدح في سنده ، وإن كان متفقاً عليه بين أرباب الصحاح وغيرهم من أئمة الحديث ... كما لا يخفى على من راجع كتاب « الصواعق المحرقة ».

وهناك من رأى أن لا جدوى في الطعن بالسند والدلالة ، فعمد إلى لفظ الحديث وحرفه بما لا يتفوّه به مسلم ... فقال بأن لفظه : عليّ مني بمنزلة قارون من موسى ...!!! كما لا يخفى على من راجع كتب الرجال بترجمة « حريز بن عثمان ».

قلب حديث المنزلة :

وقلب آخرون الحديث إلى الشيخين :

قال الخطيب : « أخبرنا الطاهري ، أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن عليّ

__________________

(١) باب فضائل عليّ بن أبي طالب من كتاب المناقب.

٨

ابن زكريا الشاعر ، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، حدثنا بشر بن دحية ، حدثنا قزعة بن سويد ، عن ابن أبر ، مليكة ، عن ابن عباس :

أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال : أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى » (١)

وقال المتقي :

« أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

خط ، وابن الجوزي في الواهيات ، عن ابن عبّاس » (٢).

وكذا قال المناوي (٣).

نظرات في سنده :

أقول :

وهذا السند في غاية السقوط ، ففيه :

١ ـ ابن أبي مليكة ،

وقد عرفته في بحثنا حول حديث « خطبة عليّ ابنة أبي جهل » الموضوع الباطل (٤).

٢ ـ قزعة بن سويد ،

روى ابن أبي حاتم عن أحمد : « مضطرب الحديث » وعن ابن معين « ضعيف » وعن أبيه أبي حاتم الرازي : « لا يحتج به » (٥).

وذكر ابن حجر عن البخاري : « ليس بذاك القوي » وعن أبي دواد والعنبري

__________________

(١) تاريخ بغداد ١١ / ٣٨٤.

(٢) كنز العمال ١١ / ٥٦٧.

(٣) كنوز الحقائق ـ حرف الألف.

(٤) وهو موضوع الرسالة السادسة من هذه الرسائل.

(٥) الجرح والتعديل ٧ / ١٣٩.

٩

والنسائي : « ضعيف » وعن ابي حبان : « كثير الخطأ ، فاحش الوهم ، فلما كثر ذلك في روايته سقط الاحتجاج بأخباره » (١).

وذكره الذهبي في « الميزان » وقال : « له حديث منكر عن ابن أبي مليكة ...» (٢).

وستأتي كلمة ابن الجوزي.

٣ ـ بشر بن دحية ،

قال ابن حجر : « بشر بن دحية ، عن قزعة بن سويد ، وعنه محمد بن جرير الطبري ، ضعفه المؤلف في ترجمة عمار بن هارون المستملي في أصل الميزان ...».

أقول : وستقف على نص العبارة وفيها عن الذهبي : « هذا كذب ، وهو من بشر ».

وفيها قول ابن حجر : « وشيخ الطبري [يعني بشراً] ما عرفته ، فيجوز أن يكون هو المفتري ».

٤ـ عليّ بن الحسن الشاعر ،

وهذا الرجل كذبه غير واحد ، بل هو المتهم بوضع هذا الحديث عند بعضهم كما ستعرف.

تصريحات حوله :

ولقد نصّ جماعة من نقاد الحديث على أنه حديث كذب موضوع ، ومنهم : ابن عدي وابن الجوزي والذهبي وابن حجر العسقلاني ، ونحن في هذا المقام ننقل عبارة ابن الجوزي ثم عبارات ابن حجر ، وفيها الكفاية :

قال ابن الجوزي :

« أخبرنا أبو منصور القزّاز قال : أنا أبو بكر ابن ثابت ، قال : أخبرنا عليّ بن

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٨ / ٣٣٦.

(٢)ميزان الاعتدال ٣ / ٣٩٠.

(٣)لسان الميزان ٢ / ٢٣.

١٠

عبد العزيز الطاهري ، قال : نا أبو القاسم عليّ بن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر ، قال : نا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، قال : نا بشر بن دحية ، قال : نا قزعة بن سويد ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس : أن النبي قال : أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

قال المؤلف : هذا حديث لا يصحّ ، والمتّهم به الشاعر ، وقد قال أبو حاتم الرازي : لا يحتج بقزعة بن سويدة : وقال أحمد : هو مضطرب الحديث » (١).

وقال ابن حجر بترجمة بشر بن دحية :

« بشر بن دحية ، عن قزعة بن سويد ، وعنه محمد بن جرير الطبري. ضعفه المؤلّف في ترجمة عمّار بن هارون المستملي في أصل الميزان ، فذكر عن ابن عديّ أنه قال : محمد بن نوح ، ثنا جعفر بن محمد الناقد ، ثنا عمار بن هارون المستملي ، أنا قزعة ابن سويد ، عن ابن أبي مليكة ، عن أبن عبّاس رفعه : ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر. الحديث ، وفيه : وأبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

قال ابن عدي : وحدثناه ابن جرير الطبري ، ثنا بشر بن دحية ، ثنا قزعة بنحوه.

قال الذهبي : هذا كذب ، وهو من بشر.

قال : ثم قال ابن عديّ : ورواه مسلم بن إبراهيم عن قزعة.

قال الذهبي : وقزعة ليس بشيء.

قلت : فبريء بشر من عهدته ، وسيأتي في ترجمة عليّ بن الحسن بن عليّ بن زكريّا الشاعر أن المؤلف اتهمه به وأنه بريء من عهدته » (٢).

وقال ابن حجر بترجمة الشاعر :

« علي بن الحسن بن عليّ بن زكريا الشاعر ، عن محمد بن جرير الطبري ،

__________________

(١) العلل المتناهية ١ / ١٩٩.

(٢)لسان الميزان ٢ / ٢٣.

١١

بخبر كذب هو المتهم به ، متنه : أبو بكر (١) مني بمنزلة هارون من موسى. إنتهى. ولا ذنب لهذا الرجل فيه كما سأبينه.

قال الخطيب في تاريخه : أنا عليّ بن عبد العزيز الطاهري ، أنا أبو القاسم عليّ ابن الحسن بن عليّ بن زكريا الشاعر ، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، حدثنا بشر بن دحية ، حدثنا قزعة بن سويد ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ بهذا الحديث.

فشيخ الطبري ما عرفته ، فيجوز أن يكون هو المفتري ، وقد قدّمت كلام المؤلف فيه في ترجمته ، وأنّ ابن عديّ أخرج الحديث المذكور بأتمّ من سياقه عن ابن جرير الطبري بسنده. فبريء ابن الحسن من عهدته » (٢).

* * *

__________________

(١) كذا.

(٢) لسان الميزان ٤ / ٢١٩.

١٢

الحديث الثاني

حديث المباهلة

ومن فضائل أهل البيت « حديث المباهلة » ... فإنه لمّا نزلت الآية المباركة : ( فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) (١) خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعلي وفاطمة والحسنين عليهم‌السلام إلى المباهلة ...

حديث المباهلة بأهل البيت :

وقال السيوطي : « أخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم عن الشعبي قال : كان أهل نجران أعظم قوم من النصارى قولاً في عيسى بن مريم ، فكانوا يجادلون النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فيه. فأنزل الله هذه الآيات في سورة آل عمران : ( إن مثل عيسى عند الله ) إلى قوله : ( فنجعل لعنة الله على الكاذبين ). فأمر بملاعنتهم ، فواعدوه لغدٍ ، فغدا النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة ، فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية. فقال النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر لو تّموا على الملاعنة » (٢).

قال : « وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن سعد

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٦١.

(٢) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٣٩.

١٣

ابن أبي وقاص قال : لمّا نزلت هذه الآية : ( قل تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم ) دعا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم عليّاً وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي » (١).

قال : « وأخرج الحاكم وصحّحه ، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال : قدم على النبي السيد والعاقب ... فغدا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلم وأخذ بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسين ، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه وأقرا له. فقال : والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمر الوادي عليهما ناراً.

قال جابر : فيهم نزلت : ( تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) الآية. قال جابر : أنفسنا وأنفسكم : رسول الله وعلي. وأبناءنا : الحسن والحسين. ونساءنا : فاطمة » (٢).

قال : « وأخرج ابن جرير عن علباء بن أحمر اليشكري : نزلت هذه الآية : ( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) الايه. أرسل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم إلى عليّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ، ودعا اليهود ليلاعنهم. فقال شاب من اليهود : ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير! لا تلاعنوا!فانتهوا » (٣).

فمن رواة الحديث :

١ ـ أبو بكر ابن أبي شيبة.

٢ ـ سعيد بن منصور.

٣ ـ عبد بن حميد.

٤ ـ مسلم بن الحجّاج.

٥ ـ أبو عيسى الترمذي.

__________________

(١) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٣٩.

(٢) الدر المنثور ٢ / ٣٩.

(٣) الدر المنثور ٢ / ٤٠.

١٤

٦ ـ أبو عبدالله الحاكم.

٧ ـ ابن المنذر

٨ ـ محمد بن جرير الطبري.

٩ ـ أبو بكر البيهقي.

١٠ ـ أبو نعيم الأصفهاني.

١١ ـ جلال الدين السيوطي.

وأخرجه أحمد ، قال :

« ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول له وخلفه في بعض مغازيه ، فقال عليّ رضي الله عنه : أتخلفني مع النساء والصبيان؟ قال : يا عليّ ، أما ترض أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلآ أنه لا نبي بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، فتطاولنا لها. فقال : ادعوا لي علياً ـ رضي الله عنه ـ فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ففتح الله عليه.

ولما نزلت هذه الآية : ( ندع أبناءنا وأبناءكم ) دعا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم علياً وفاطمة وحسنا وحسينا ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فقال : اللهم هؤلاء أهلي » (١).

أقول : لا يخفى أن هذا الحديث هو نفس الحديث الذي أخرجه مسلم ، وقد تقدّم نصّه في الحديث الأول ، فقارن بين هذا اللفظ واللفظ المتقدّم لتعرف ما في لفظ أحمد من التحريف والتصرف :

وقد ذكر المفسرون خبر المباهلة بذيل الآية المباركة فلاحظ تفاسير : الزمخشري ، الفخر الرازي ، البيضاوي ، الخازن ، الجلالين ، الآلوسي ... وغيرهم.

__________________

(١) المسند ١ / ١٨٥.

١٥

قلب حديث المباهلة :

فلّما رأى بعض المتعصّبين اختصاص هذه الفضيلة بأهل البيت عليهم‌السلام ، لاسيّما وأنها تدلّ على عصمة أمير المؤمنين عليه‌السلام وإمامته ، وعلى أن الحسنين عليهما‌السلام ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما نصّ عليه الفخر الرازي وغيره في تفسير الآية ... عمد إلى وضع حديث ليقلب تلك المنقبة إلى غير أهل البيت وليقابل به حديث المباهلة :

قال ابن عساكر : « أخبرنا أبو عبدالله محمد بن إبراهيم ، أنبأ أبو الفضل ابن الكريدي ، أنبأ أبو الحسن العتيقي ، أنا أبو الحسن الدارقطني ، نا أبو الحسين أحمد بن قاج ، نا محمد بن جرير الطبري إملاء علينا ، نا سعيد بن عنبسة الرازي ، نا الهيثم بن عدي ، قال : سمعت جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الاية : (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) قال : فجاء بأبي بكر وولده وبعمر وولده وبعثمان وولده وبعلي وولده » (١).

وعنه السيوطي بتفسير الآية كذلك (٢).

نظرات في سنده :

وهذا الحديث كذب محض ، باطل سنداً ومتناً ... ونحن نكتفي بالنظر في سنده ... ففيه :

١ ـ سعيد بن عنبسة الرازي ،

وهذا الرجل ذكره ابن أبي حاتم الرازي فقال :

« سعيد بن عنبسة أبو عثمان الخزّاز الرازي ... سمع منه أبي ولم يحدّث عنه وقال :

__________________

(١) تاريخ دمشق ـ ترجمة عثمان بن عفان : ١٦٨ ـ ١٦٩.

(٢) الدر المنثور ٢ / ٤٠.

١٦

فيه نظر.

حدثنا عبد الرحمن ، قال : سمعت عليّ بن الحسين ، قال : سمعت يحيى بن معين ـ وسئل عن سعيد بن عنبسة الرازي ـ فقال : لا أعرفه.

فقيل : إنه حدّث عن أبي عبيدة الحدّاد حديث والان؟ فقال : هذا كذاب.

حدثنا عبد الرحمن ، قال : سمعت علي بن الحسين يقول : سعيد بن عنبسة كذاب.

سمعت أبي يقول : كان لا يصدق » (١).

٢ ـ الهيثم بن عدي ،

وقد اتفقوا على أنه كذاب ... قال ابن أبي حاتم : « سئل يحيى بن معين الهيثم بن عديّ فقال : كوفي ليس بثقة ، كذاب.

سألت أبي عنه فقال : متروك الحديث » (٢).

وذكره ابن حجر فذكر الكلمات فيه :

البخاري : « ليس بثقة ، كان يكذب ».

يحيى بن معين : « ليس بثقة ، كان يكذب ».

أبو داود : « كذاب ».

النسائي وغيره : « متروك الحديث ».

ابن المديني : « لا أرضاه في شيء ».

أبو زرعة : « ليس بشيء ».

العجلي : « كذّاب ».

الساجي : « كان يكذب ».

أحمد : « كان صاحب أخبار وتدليس ».

__________________

(١) الجرح والتعديل ٤ / ٥٢.

(٢) الجرح والتعديل ٩ / ٨٥.

١٧

الحاكم والنقاش : « حدّث عن الثقات بأحاديث منكرة ».

محمود بن غيلان : « أسقطه أحمد ويحيى بن معين وأبو خيثمة ».

ذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني في الضعفاء ».

« وكذب الحديث ، لكون الهيثم فيه ، جماعة منهم : الطحاوي في مشكل الحديث ، والبيهقي في السنن ، والنقّاش والجوزجاني في ما صنّفا من الموضوعات وغيرهم » (١).

* * *

__________________

(١) لسان الميزان ٦ / ٢٠٩.

١٨

الحديث الثالث

حديث سيادة أهل الجنة

ومن الأحاديث المرويّة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والثابتة عنه لدى المسلمين .. في فضل الإمامين السبطين الطاهرين ، الحسن والحسين ... هو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة » :

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة :

وقد رواه من أهل السنة علماء ومحدّثون لا يحصى عددهم كثرةً :

فقد أخرج الترمذي بسنده عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلم : « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة » (١).

وأخرج ابن ماجة بسنده عن عبدالله بن عمر ، قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما » (٢).

وأخرج أحمد بإسناده عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : « ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قبل هذه الليلة ، فاستأذن ربّه أن يسلّم علي ويبشّرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة » (٣).

وأخرج الحاكم بسنده عن حذيفة عنه صلى الله عليه [وآله] وسلّم قال : « أتاني جبرئيل فقال : إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. ثم قال لي رسول الله : غفر

__________________

(١) صحيح الترمذي ٢ / ٣٠٦.

(٢) سنن ابن ماجة ١ / ٤٤.

(٣) مسند أحمد ٥ / ٣٩١.

١٩

الله لك ولامّك يا حذيفة » (١).

وصحّحه الذهبي في تلخيصه.

ومن رواته أيضاً :

ابن حبّان في صحيحه كما في موارد الظمان : ٥٥١.

والنساني في خصائص أمير المؤمنين : ٣٦.

والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٩ / ٢٣١.

وأبو نعيم في حلية الأولياء ٤ / ١٩٠.

وابن حجر العسقلاني في الإصابة ١ / ٢٦٦.

وابن الأثير في أُسد الغابة ٥ / ٥٧٤.

وذكره الزركشي في « التذكرة في الأحاديث المشتهرة » والسيوطي في « الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة » والسخاوي في « المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة » بل أورده الزبيدي في كتابه« لقط اللآلي المتناثرة في الأحاديث المتواترة ».

قلب الحديث :

هذا هو الحديث كما في كتب القوم مصرحين بصحته ... فقلبه بعض الكذابين إلى لفظ : « أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة » :

قال الترمذي : « حدثنا الحسن بن الصباح البزار ، حدثنا محمد بن كثير العبدي ، عن الأوزاعي ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم لأبي بكر وعمر : هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين إلأ النبيين والمرسلين.

قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٣٨١.

٢٠