العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ١

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ١

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-2553-2
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٣٠

الباب الأربعون

فى ذكر الأصنام التى كانت بمكة وحولها ، وشىء من خبرها ، وذكر شىء من خبر أسواق مكة فى الجاهلية والإسلام ، وذكر شىء مما قيل من الشعر فى الشوق إلى مكة الشريفة ، وذكر معالمها المنيفة (١).

أما الأصنام المشار إليها : فإن منها الصنم المعروف : بهبل ، وكان من أعظم أصنام قريش.

ومنها : أساف ونائلة ، وهما رجل وأمرأة من جرهم مسخا حجرين ؛ لأن الرجل فجر بالمرأة فى الكعبة. وقيل : بل قبلها.

ثم كسرهما النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة مع ما كسر من الأصنام فى هذا اليوم.

ومنها : الخلصة بأسفل مكة ونهيك. ويقال له : محاذر الريح على الصفا ، ومطعم الطير على المروة.

وكان الذى نصب هذه الأصنام الثلاثة : عمرو بن لحى.

وكان جملة ما بمكة من الأصنام حول الكعبة فى يوم الفتح ثلاثمائة وستون صنما ، على ما رويناه عن ابن عباس رضى الله عنهما.

ونص حديثه ، قال : «دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة ، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما ، منها ما قد شد بالرصاص ، وطاف على راحلته ، وهو يقول : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) [الإسراء : ٨١] ويشير إليها. فما من صنم أشار إلى وجهه إلا وقع على دبره ، ولا أشار إلى دبره إلا وقع على وجهه ، حتى وقعت كلها». هذا نص حديثه فى تاريخ الأزرقى ، ومنه : لخصنا باختصار ما ذكرناه من خبر الأصنام.

وفيه : عن ابن إسحاق «لما صلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الظهر يوم الفتح ، أمر بالأصنام التى حول الكعبة كلها فجمعت ، ثم حرقت».

ومنها : العزى ، وكانت ثلاث شجرات بنخلة ، وكان أهل الجاهلية إذا فرغوا من

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢٧٨ ـ ٢٨٥).

٣٦١

حجهم وطوافهم بالكعبة ، لم يحلوا حتى يأتوا العزى ، فيطوفون بها ويحلون عندها ، ويعكفون عندها يوما.

ثم أزال خالد بن الوليد رضى الله عنه العزى ، بأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد فتح مكة. وذلك : لخمس ليال بقين من رمضان سنة ثمان.

وخبر العزى ، وما ذكرناه من الأصنام : أبسط من هذا فى أصله ، مع كون ذلك مختصرا من تاريخ الأزرقى وغيره.

* * *

وأما أسواق مكة فى الجاهلية

فذكر الأزرقى فيها خبرا طويلا. ذكرنا طرفا منه فى أصله. ونشير هنا إلى ما نبين به المقصود منه بلفظه فى البعض ، وبمعناه فى البعض.

وذلك : أن أهل الجاهلية كانوا يصبحون بعكاظ يوم هلال ذى القعدة ، ثم يذهبون منه إلى مجنة بعد مضى عشرين يوما من ذى القعدة ، فإذا رأوا هلال ذى الحجة : ذهبوا من مجنة ، إلى ذى المجاز ، فلبثوا به ثمان ليال ، ثم يذهبون إلى عرفة.

وكانوا لا يتبايعون فى عرفة ولا أيام منى ، فلما أن جاء الله بالإسلام : أحل الله عزوجل ذلك لهم بقوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة : ١٨٩] وفى قراءة أبى بن كعب «فى مواسم الحج» يعنى : منى وعرفة ، وعكاظ ، ومجنة ، وذى المجاز ، فهذه مواسم الحج. ثم قال : وكانت هذه الأسواق بعكاظ ومجنة وذى المجاز : قائمة فى الإسلام حتى كان حديثا من الدهر.

فأما عكاظ : فإنها تركت عام حج الحرورى بمكة مع أبى حمزة المختار بن عوف الأزدى الأباطى فى سنة تسع وعشرين ومائة ، وخاف الناس أن ينتهبوا ، وخافوا الفتنة ، فتركت حتى الآن.

ثم تركت مجنة وذو المجاز بعد ذلك ، واستغنوا بالأسواق بمكة ومنى وعرفة.

قال أبو الوليد الأزرقى : وعكاظ وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء فى عمل الطائف على بريد منها ، وهى سوق لقيس غيلان ، وثقيف ، وأرضها : لنضر.

ومجنة : سوق بأسفل مكة على بريد منها ، وهى سوق لكنانة ، وأرضها من أرض كنانة ، وهى التى يقول فيها بلال رضى الله عنه :

٣٦٢

ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة

بواد وحولى إذ خر وجليل

وهل أردن يوما مياه مجنة

وهل يبدون لى شامة وطفيل

وشامة وطفيل : جبلان مشرفان على مجنة.

وذو المجاز : سوق لهذيل عن يمين الموقف من عرفة ، قريب من كبكب على فرسخ من عرفة. انتهى.

وقد خولف الأزرقى فيما ذكره فى مجنة وشامة ، وطفيل من أوجه.

منها : أن فى كتاب الفاكهى عن ابن إسحاق : وكانت مجنة بمر الظهران إلى جبل يقال له : الأصغر. ومر الظهران : لا يقال له : أسفل مكة. انتهى.

ومنها : أن القاضى عياض ـ رحمه‌الله ـ قال فى المشارق : طفيل وشامة ، جبلان على نحو من ثلاثين ميلا. انتهى.

وكلام الأزرقى يقتضى : أن مجنة على بريد من مكة ، فيكون الجبلان كذلك من مكة على مقتضى قوله. وذلك يخالف ما قاله القاضى. والعيان يشهد لما قاله القاضى. والله أعلم.

ومنها : أن الخطابى قال فى شامة وطفيل : كنت أحسبهما جبلين حتى أثبت لى أنهما عينان. انتهى.

وكلام الأزرقى : يقتضى أنهما جبلان.

ومنها : أن الأزرقى قال : شامة ـ بالميم ـ وقيل فيها شابة ـ بالباء ـ ذكره ابن الأثير ، ورجحه الرضى الصنعانى اللغوى.

ومجنة ـ بفتح الميم وكسرها ، والفتح أكثر ـ على ما ذكر المحب الطبرى. وألفيت فى القرى ما صورته : ومجنة : موضع بأعلى مكة ـ إلى آخر كلامه ـ وقوله : بأعلى مكة : مشكل لمخالفته ما ذكره الناس. والله تعالى أعلم.

* * *

وأما ما قيل من الشعر فى التشوق إلى مكة الشريفة

وذكر معالمها المنيفة ، فكثير جدا ، وقد ذكرنا منه طرفا فى أصله. ونشير هنا لشىء من ذلك.

فمنه ما أنشدناه المسندان : محمد بن محمد بن داود الصالحى فى كتابه ، وأم الحسن

٣٦٣

بنت المفتى أبى العباس أحمد بن قاسم مشافهة : أن الإمام فخر الدين عثمان بن محمد ابن عثمان الأفريقى. أنشدهما إذنا ، قال : أنشدنا أبو بكر بن محمد بن عبد الله بن رشيد البغدادى من قصيدة طويلة لنفسه ، قال فيها :

على عرفات قد وقفنا بموقف

به الذنب مغفور وفيه محوناه

ومنها :

فظل حجيج الله لليل واقفا فقي

 ـل انفروا فالكل منكم قبلناه

أفيضوا وأنتم حامدون إلهكم

إلى مشعر جاء الكتاب بذكراه

وسيروا إليه واذكروا الله عنده

فسرنا ومن بعد العشا نزلناه

وفيه جمعنا مغربا بعشائنا

ترى عابد جمع بجمع جمعناه

وبتنا به منه التقطنا جمارنا

وربا ذكرناه على ما هداناه

ومنه أفضنا حيث ما الناس قبلنا

أفاضوا وغفران الإله طلبناه

ونحو منى ملنا بها كان عيدنا

ونلنا بها ما القلب كان تمناه

فمن منكم بالله عيد عيدنا

فعيد منى رب البرية أعلاه

وفيها رمينا للعقاب جمارنا

ولا جرم إلا مع جمار رميناه

ومنها :

وبالخيف أعطانا الإله أماننا

وأذهب عنا كل ما نحن خفناه

وردت إلى البيت الحرام وفودنا

رجعنا لها كالطير حنّ لمأواه

وطفنا طوافا للإفاضة حوله

ولذنا به بعد الجمار وزرناه

ومن بعد ما زرنا دخلناه دخلة

كأنا دخلنا الخلد حين دخلناه

ونلنا أمان الله عند دخوله

كذا أخبر القرآن فيما قرأناه

ومنها :

وبالحجر الميمون لذنا فإنه

لرب السما فى الأرض للخلق يمناه

نقبله من حبنا لإلهنا

فكم لثمة حال الطواف لثمناه

على لثمة للشعث والغبر رحمة

فكم أشعث كم أغبر قد رحمناه

وذاك لنا يوم القيامة شاهد

وفيه لنا عهد قديم عهدناه

ونستلم الركن اليمانى طاعة

ونستغفر المولى إذا ما لمسناه

وملتزم فيه التزمنا لذنبنا

عهودا وعفو الله فيه لزمناه

وكم موقف فيه يجاب لنا الدعا

دعونا به والقصد فيه نويناه

٣٦٤

وصلى بأركان المقام حجيجنا

وفى زمزم ماء طهور وردناه

وفيه الشفا فيه بلوغ مرادنا

لما نحن ننويه إذا ما شربناه

وبين الصفا والمروة الحاج قد سعى

فإن تمام الحج تكميل مسعاه

وأنشدنى محمد وفاطمة المذكوران أولا إذنا ، قالا : أنشدنا الإمام فخر الدين المالكى إجازة ، قال : أنشدنا الإمام أبو اليمن بن عساكر الدمشقى ، نزيل مكة لنفسه بقراءتى عليه بمسجد الخيف من منى :

يا حيرتى بين الحجون إلى الصفا

شوقى إليكم مجمل ومفضل

أهوى دياركم ولى بربوعها

وجد يثبطنى وعهد أول

ويزيدنى فيها العدول صبابة

فيظل يغرينى إذا ما يعدل

ويقول لى لو قد تبدلت الهوى

فأقول قد عز العزاة تبدل

بالله قل لى كيف يحسن سلوتى

عنها وحسن تصبرى هل يحمل

هل فى البلاد محلة معروفة

مثل المعرف أو محل تحلل

أم فى الزمان كليلة النفر التى

فيها من الله العوارف تجزل

أم مثل أيام تقضت فى منى

عمر الزمان بها أغر محجل

فى جنب مجتمع الرفاق ومنزع

الأشواق حياها السحاب المسبل

وأنشدنى الإمام الأديب بدر الدين أحمد بن محمد بن الصاحب المصرى الأثارى إذنا لنفسه :

بمكة قد طابت مجاورتى فيا

إلهى فاجعلها مدى العمر سرمدا

فأنت الذى أحللتنى ساحة الهوى

وعودت قلبى عادة فتعودا

والأشعار فى التشوق إلى هذه المشاعر الشريفة كثيرة. ونسأل الله أن يجعل أعيننا بدوام مشاهدتها قريرة.

وقد انتهى العرض الذى أردنا جمعه فى هذا الكتاب. ونسأل الله أن يجزل لنا فيه الثواب ، بمحمد سيد المرسلين ، وآله وصحبه الأكرمين.

* * *

٣٦٥

[السيرة النبوية](١)

ولنذكر فيه ما أشرنا إليه من السيرة النبوية :

فنقول : بعد حمد الله الذى لا يخيب من سأله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير نبى أرسله.

فهذا ما وعدت بذكره فى كتابى «العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين» من سيرة نبينا محمد المصطفى ، زاده الله شرفا.

وذلك : فيما لخصته واختصرته من السيرة الصغرى للحافظ علاء الدين مغلطاى المصرى رحمه‌الله وأكده بلفظه.

وقد أخبرنى بكتابه المذكور : شيخنا القاضى الإمام زين الدين أبو بكر بن الحسين الشافعى سماعا وأجازه عن الحافظ علاء الدين مغلطاى سماعا كذلك ، وإنما عولت على كتابه دون غيره من الكتب المصنفة فى هذا المعنى على كثرتها : لأن كتابه أكثرها فوائد ، وفيه من الفوائد النفيسة ما لا يوجد فى كثير من الكتب المبسوطة فى هذا المعنى ، وأضفت إلى ما ذكرته من كتابه فوائد لم يذكرها ، وأكثر ذلك مما ذكره شيخنا الحافظ زين الدين العراقى ـ سقى الله ثراه ـ فى كتابه الذى نظمه فى السيرة النبوية. وهو ألف بيت بدا فى كتاب مغلطاى فى كثرة الفوائد.

وقد رويت ذلك عن شيخنا العراقى إجازة. وكل ما أوردته من كتابه وغيره أجيزه بقولى: قلت فى ابتدائه ، وأجيز آخره بقولى : انتهى. وسميت تأليفى هذا «الجواهر السنية فى السيرة النبوية».

* * *

__________________

(١) ما بين المعقوفتين إضافة ليست فى الأصل.

٣٦٦

ذكر أسمائه ونسبه وشىء من حاله من حين ولادته

وإلى وفاته وغير ذلك من حال عمله

للمصطفى : صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسماء كثيرة تقرب من الثلاثمائة على ما قال ابن دحية ، وانتهى بها بعض المتصوفة إلى ألف (١).

وأشهرها : محمد ، وأحمد ، وبهما سماه الله فى القرآن العظيم ، الماحى ، الحاشر ، العاقب ، يكنى : أبا القاسم ، وأبا إبراهيم.

ابن : عبد الله بن عبد المطلب ، واسمه : شيبة الحمد ، وقيل : عامر بن هاشم ، واسمه عمرو بن عبد مناف ، واسمه المغيرة بن قصى ، واسمه : زيد ، وقال الشافعى : يزيد ـ فيما حكاه الحاكم أبو أحمد بن كلاب ـ واسمه حكيم ، وقيل : عروة بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر. وهو جماع قريش فى قول الكلبى ، وغيره.

ابن : مالك بن النضر ، واسمه قيس ، وهو : قريش فى قول ابن إسحاق.

ابن : كنانة بن خزيمة بن مدركة ، واسمه : عمرو. وقال ابن إسحاق : عامر بن إلياس ، واسمه : حبيب بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، إلى هنا مجمع عليه ، وما فوق ذلك:مختلف فيه (٢).

وأشهره : ابن أدد ويقال : أد بن أدد بن مقوم ، بن ناجور ، بن تيرح ، بن يعرب ، بن يشجب ، وقيل : يشجب بن يعرب ، بن يشجب ، بن نابت ، بن إسماعيل ، وتفسيره: مطيع

__________________

(١) راجع أسماؤه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى : (الوفا ٩٩ ، وصحيح البخارى ، كتاب المناقب باب ١٧ ما جاء من أسماء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، صحيح مسلم ، كتاب الفضائل باب أسماء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنن الترمذى كتاب الأدب باب ما جاء فى أسماء الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ٥ / ١٣٥ ، سنن الدارمى ، كتاب الرقاق باب فى أسماء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ٢ ، ٣١٧ ، مسند أحمد ٤ / ٨٠ ، ٨١ ، ٨٤ ، دلائل النبوة للبيهقى ١ ، ١٥٢ ، ١٥٣ ، ، دلائل النبوة لأبى نعيم ٢٦ ، تفسير ابن كثير ٥ / ٣٨٢ ، ٦ / ٤٢٥ ، ٨ / ١٣٥ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٠ ، تلقيح فهوم أهل الأثر لابن الجوزى ٩ ، طبقات ابن سعد ١ / ٥٥ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٠٦).

(٢) صح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه انتسب إلى عدنان ولم يتجاوزه ، بل روى من طريق ابن عباس أنه لما بلغ عدنان ، قال : «كذب النسابون». مرتين أو ثلاثا. انظر : (سيرة ابن هشام ١ / ١ ، ٢ ، دلائل النبوة للبيهقى ١ / ١٧٩ ، ١٨٠ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٢٧٢ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٧٢ ، الروض الأنف ١ / ٨ ، الوفا لابن الجوزى ٧٠).

٣٦٧

الله الذبيح ، ويلقب : أعراق الثرى ، بن إبراهيم خليل الرحمن ، ويكنى : أبا الضيفان ، وتفسيره : أب راحم ، بن تارح ، وهو : آزر ، بن ناحور بن ساروح ، بن راعوا ، ويقال : أرغوا ، ومعناه : قاسم بن فالح ، ويقال : فالع بن عيبر ، ويقال عابر ، وهو : هود عليه‌السلام ، بن شالح ، ومعناه : الرسول ، ويقال : الوكيل ، بن إرفخشد ، ويقال : الفخشيد ، ويقال : الفخشد ، ومعناه : مصباح مضىء ، بن سام ، بن نوح ، واسمه : عبد الغفار بن لامك ، ويقال : لمكان بن متوشلخ بن خنوخ ، ويقال : أخنخ ، ويقال : أخنوخ ، ويقال : أهنخ ، وهو : إدريس عليه‌السلام بن يرد ، ويقال : يارد ، ويقال : الزايد ، ومعناه : الضابط ، ابن مهليل ، ويقال : مهلابيل ، ومعناه : الممدح ، بن قينن ، ويقال : قينان. ومعناه : المستولى ، ابن يانش ، ومعناه : الصادق ، بن شيث ، ويقال : شاث ، ومعناه : هبة الله ، ويقال : عطية الله ، بن آدم أبى البشر ، ويقال : أبو محمد لمحمد ابنه عليهما‌السلام.

أمه عليه‌السلام : آمنة ابنة وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ، ويقال : عبد مناف بن كلاب وزهرة : أمه. فيما قاله ابن قتيبة. والجوهرى. وفى ذلك نظر (١).

ولد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة فى الدار التى كانت لمحمد بن يوسف أخى الحجاج بن يوسف ، ويقال: بالشعب ، ويقال بالروم ، ويقال : بعسفان.

قلت : قال السهيلى : ولد بالشعب ، وقيل : بالدار التى عند الصفا ، وكانت بعد لمحمد ابن يوسف أخى الحجاج ، ثم بنتها زبيدة مسجدا حين حجت. انتهى.

والدار التى عند الصفا : هى دار الخيزران ، ودار ابن يوسف بسوق الليل ، وهى الموضع المعروف بمولده عليه الصلاة والسلام. وهذا الذى قاله السهيلى فى ولادته بالدار التى عند باب الصفا غريب. والله أعلم. انتهى (٢).

يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول ، وقيل : لثمان ، وقيل : لعشر ، وقيل : لثنتى عشر. وحكى فيه ابن الجزار الإجماع. وفيه نظر. وقيل : لثمان عشرة. وقيل : لسبع عشرة. وقيل : لثمان بقين منه. وقيل : فى أوله حين طلع الفجر يوم أرسل الله الأبابيل ـ وهى : الجماعات. واحدها : أبول. وقيل : لا واحد لها ـ على أهل الفيل. وقيل : عام الفيل.

وحكى ابن الجزار فيه الإجماع. وفيه نظر. وقيل بعد الفيل بشهر ، وقيل : بأربعين

__________________

(١) انظر : (سيرة ابن هشام ١ / ١٤٤ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٠).

(٢) انظر : (تاريخ الخميس ١ / ١٩٨ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣١ ، الوفا ٨٦ ، دلائل النبوة للبيهقى ١ / ٧٢ ، سيرة ابن هشام ١ / ١٧١).

٣٦٨

يوما ، وقيل : بشهرين وستة أيام ، وقيل : بخمسين يوما ، وقيل : بخمسة وخمسين يوما ، وقيل : بعشر سنين ، وقيل : بثلاثين عاما ، وقيل : بأربعين عاما ، وقيل بسبعين ، وقيل : لثنتى عشرة خلت من شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين ، من غزوة أصحاب الفيل ، وقيل : ولد يوم عاشوراء ، وقيل : فى صفر ، وقيل : فى ربيع الآخر (١).

لم تجد لحمله ثقلا ولاحما. وفى حديث شداد عكسه.

وجمع بأن : الثقل فى ابتداء العلوق ، والخفة عند استمرار الحمل ، ليكون فى ذلك خارجا عن المعتاد ، مختونا ، مسرورا ، مقبوضة أصابع يده ، مشيرا بالسبابة كالمسبح بها (٢).

وقيل : إن جده ختنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم سابعه. وقيل : جبريل ، وختم حين وضعه بالخاتم. ذكره ابن عابد. وسماه الله محمدا ، قالته أمه. وقيل : إن جده سماه فى سابعه (٣).

واختلف فى مدة الحمل به صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقيل : تسعة أشهر ، وقيل : عشرة ، وقيل : ثمانية.

وقيل : سبعة ، وقيل : ستة (٤).

وتوفى أبوه وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم حمل. وقيل : بعد ولادته بشهرين ، وقيل : بأكثر من ذلك (٥).

__________________

(١) اتفق أن ولادته صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الاثنين لحديث أبى قتادة أن رجلا سأل رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن صوم يوم الاثنين ، فقال : «ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علىّ فيه». أخرجه مسلم فى صحيحه كتاب الصيام باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، حديث ١٩٧. انظر : (تاريخ الخميس ١ / ١٩٦ ، ١٩٧ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣ ، الوفا ٨٦ ، ٨٧ ، دلائل النبوة ١ / ٧٤ ، سيرة ابن هشام ١ / ١٧١).

(٢) اختلف فيه على ثلاثة أقوال : أحدها : أنه ولد مختونا مسرورا ، وروى فى ذلك حديث لا يصح ، ذكره ابن الجوزى فى الموضوعات ، وليس فيه حديث ثابت ، وليس هذا من خواصه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإن كثيرا من الناس يولد مختونا. القول الثانى : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم شق قلبه الملائكة عند ظئره حليمة.

القول الثالث : أن جده عبد المطلب ختنه يوم سابعه وصنع له مأدبة وسماه محمدا. ومعنى مختونا : أى مقطوع الختان ، ومسرورا أى مقطوع السّرّة من بطن أمه.

انظر : البداية والنهاية ٢ / ٢٦٥ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٢ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٠٤ ، ٢٠٥ ، دلائل النبوة للبيهقى ١ / ١١٤ ، تاريخ ابن عساكر ١ / ٢٨٢ (تهذيبه) ، طبقات ابن سعد ١ / ١٠٣ ، مجمع الزوائد ٨٢٢٤ ، ميزان الاعتدال ٢ / ١٧٢ ، الخصائص الكبرى للسيوطى ١ / ١٣٢ ، الوفا ٩٤).

(٣) انظر : (طبقات ابن سعد ١ / ١٠٣ ، صفة الصفوة ١ / ٥٣ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٦٥ ، الروض الأنف ١ / ١٨٤ ، سيرة ابن هشام ١ / ١٤٧ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٢).

(٤) كذا فى تاريخ الخميس ١ / ١٨٦ نقلا عن المواهب اللدنية. راجع أيضا : (إمتاع الأسماع ١ / ٣٢).

(٥) فى تاريخ الخميس ١ / ١٨٦ : «فى أسد الغابة لابن الأثير : توفى أبوه عبد الله وأمه حامل به. ـ

٣٦٩

وأرضعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ثويبة عتيقة عمه أبى لهب بلبن ابنها مسروح (١) وأرضعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيضا : حليمة بنت أبى ذؤيب السعدية (٢). وصحح ابن حبان وغيره : حديثا دل على إسلامها بلبان ابنها عبد الله أخى أنيسة ، وجذامة (٣). وهى الشيماء القادمة عليه عليه‌السلام بحنين.

وقيل : بل كانت أمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم حليمة أولا عند الحارث بن عبد العزى.

واختلف فى إسلامه : روى خالد بن معدان «أن نفرا من الصحابة رضى الله عنهم ، قالوا : يا رسول الله ، أخبرنا عن نفسك؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نعم. أنا دعوة أبى إبراهيم ، بشر بى عيسى ابن مريم ، ورأت أمى حين وضعتنى خرج منها نور أضاءت له قصور الشام ـ وذكر ابن حبان : أن ذلك كان فى المنام. وفيه نظر ـ واسترضعت فى بنى سعد بن بكر ، فبينا أنا مع أخ لى خلف بيوتنا نرعى بهما لنا : أتانى رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوء ثلجا ، فأخذانى فشقا بطنى ، فاستخرجا قلبى ، فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا بطنى وقلبى بذلك الثلج ، ثم قال : زنه بمائة من أمته ، فوزنانى بهم ، فوزنتهم ، ثم قال : زنه بألف من أمته فوزنتهم ، ثم قال : دعه ، فلو وزنته بأمته لوزنها».

__________________

ـ وفى المواهب اللدنية : ولها من حملها شهران ، وقيل : قبل ولادته بشهرين. كذا فى سيرة مغلطاى. وقيل : توفى وهو فى المهد. قاله الدولابى. وعن أبى ، وعن خيثمة : وهو ابن شهرين ، وقيل ابن سبعة أشهر ، وقيل : وهو ابن ثمانية وعشرين شهرا. وكذا فى سيرة اليعمرى. والراجح المشهور هو الأول». انظر أيضا : (إمتاع الأسماع ١ / ٣٢ ، ٣٣ ، الوفا ٨٥ ، ٨٦ ، وقال ابن الجوزى : وقد قيل إن عبد الله توفى بعد ولادة رسول الله ، ولا يصح.

(١) قال أهل السير : أرضعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمه آمنة ثلاثة أيام ، وقيل سبعة ، ثم أرضعته ثويبة الأسلمية جارية أبى لهب أياما قبل قدوم حليمة من قبيلتها ، ثم أرضعته حليمة. وروى أنها أرضعت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثمان نسوة غير آمنة ثويبة ، وحليمة وخولة بنت المنذر ـ ذكرها أبو الفتح اليعمرى ـ وأم أيمن ـ ذكرها أبو الفتح عن بعضهم والمعروف أنها من الخواص ـ وامرأة سعدية غير حليمة ـ ذكرها ابن القيم فى الهدى ـ وثلاثة نسوة اسم كل واحدة منهن عاتكة : إحداهن : عاتكة بنت هلال بن فالح ، وهى أم هاشم بن عبد مناف بن قصى ، والثانية : عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالح ، وهى أم هاشم بن عبد مناف. والثالثة : عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال.

(٢) انظر : (تاريخ الخميس ١ / ٢٢ ، الوفا ١٠٤ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٣ ، سيرة ابن هشام ١ / ١٧٣ ، دلائل النبوة ١ / ١٣١).

(٣) هكذا فى الأصل. وفى سيرة ابن هشام «خذامة بكسر الخاء». وفى إمتاع الأسماع : «حذافة».

انظر : (سيرة ابن هشام ١ / ١٤٩ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٣).

٣٧٠

وذكر أبو نعيم : أن ذلك كان وعمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر سنين. وختم بخاتم النبوة بين كتفيه.

وكان ينم مسكا ، مثل زر الحجلة (١). ذكره البخارى.

وفى مسلم : جمع عليه خيلان (٢) ، كأنها الثآليل السود عند بعض طرفيه. ويروى غضروف : وفى كتفه الأيسر. وفى كتاب أبى نعيم : الأيمن. وفى مسلم أيضا : كبيضة حمامة. وفى صفة الخاتم : اختلاف كبير. ذكره مغلطاى.

وماتت أمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو ابن أربع. وقيل : ست. وقيل : سبع وقيل : غير ذلك. قلت:جزم شيخنا العراقى : بأن أمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم توفيت وله ست سنين ومائة يوم. وهذا القول لم يذكره مغلطاى. وحكى شيخنا القول بوفاتها : وله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربع سنين. ولم يحك غير ذلك.

وذكر شيخنا أيضا : ما يقتضى : أن أباه توفى ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم حمل على الصحيح. والله اعلم. وهذا لا يفهم مما ذكره مغلطاى. انتهى. وكانت وفاتها : بالأبواء (٣). وقيل : بشعب أبى دب بالحجون (٤). وكانت أم أيمن بركة : دايته وحاضنته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد موت أمه.

ومات جده عبد المطلب كافله ، وله ثمان سنين. وقيل : غير ذلك. فكفله أبو طالب ، واسمه : عبد مناف. وقيل : اسمه كنيته ، فيما ذكره الحاكم. وفيه نظر. بوصية أبيه عبد المطلب ، ولكونه شقيق عبد الله (٥).

فلما بلغ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، اثنتى عشرة سنة. وقيل : تسعا. وقيل اثنتى عشرة سنة وشهرا وعشرة أيام. وقيل : لعشر خلون من ربيع الأول سنة ثلاث عشرة من الفيل : خرج مع عمه أبى طالب إلى الشام حتى بلغ بصرى ، فرآه بحيرا ، واسمه : جرجيس. فعرفه بصفته. فقال : وهو آخذ بيده : هذا سيد العالمين ، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين (٦).

__________________

(١) زر الحجلة : بالحاء المهملة والجيم. قال النووى : هو واحد الحجال ، وهو بيت كالقبة لها أزرار كبار وعرى ، هذا هو الصواب. قيل : المراد بالحجلة الطائر المعروف ، وزرها بيضها. وأشار إليه الترمذى وأنكره عليه العلماء.

(٢) الخيلان : جمع خال ، وهو الشامة على الجسد.

(٣) الأبواء بالفتح ثم السكون وواو وألف ممدودة ، قرية من أعمال الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلى المدينة ثلاثة وعشرون ميلا. انظر : معجم البلدان (أبواء).

(٤) قال ابن سعد : «هنا غلط ليس قبرها بمكة ، إنما قبرها بالأبواء. انظر : (طبقات ابن سعد ١ / ٧٤ ، دلائل النبوة ١ / ١٨٩ ، الوفا ١١٣ ، ١١٤ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٢٩ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٤ ، سيرة ابن هشام ١ / ١٥٥ ، تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٢٤ ، تلقيح فهوم أهل الأثر ١٣).

(٥) انظر : (طبقات ابن سعد ١ / ١٨٨ ، سيرة ابن هشام ١ / ١٥٦ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٨٢ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٤ ، دلائل النبوة ٢ / ٢٠ ـ ٢٢ ، الوفا ١١٦ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٣٩).

(٦) انظر : (تاريخ الخميس ١ / ٢٣٩ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٥ ، الوفا ١١٦ ، ١١٧).

٣٧١

فقيل له : وما علمك بذلك؟ فقال : إنكم حين أشرفتم به من العقبة ، لم يبق شجر ولا حجر إلا خرّ ساجدا ، ولا يسجدان إلا لنبى. وإنا نجده فى كتبنا. وسأل أبا طالب أن يرده خوفا عليه من اليهود (١).

وخرج الترمذى وحسنه ، والحاكم وصححه : أن فى هذه السفرة : أقبل سبعة من الروم يقصدون قتله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فاستقبلهم بحيرا. فقال : ما جاء بكم؟ فقالوا : إن هذا النبى خارج فى هذا الشهر. فلم يبق طريق إلا بعث إليه ناس. فقال : أرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه. هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا : لا. قال : فبايعوه وأقاموا معه.

ورده أبو طالب ، وبعث معه أبو بكر بلالا. وفيه : وهمان. الأول : بايعوه على أى شىء. والثانى : أبو بكر رضى الله عنه لم يكن حاضرا ، ولا كان فى حال من يملك ، ولا ملك بلالا إلا بعد ذلك بنحو ثلاثين عاما.

ولما بلغ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشرين سنة. وقيل : أربع عشرة. حضر مع عمومته حرب الفجار (٢). ورمى فيه بأسهم.

وحضر حلف الفضول. وهو حلف عقدته قريش على نصر كل مظلوم بمكة (٣).

وكان يرعى غنم أهله بأجياد على قراريط (٤).

ثم خرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثانيا مع ميسرة ـ غلام خديجة ابنة خويلد بن أسد ـ فى تجارة لها. وكانت رضى الله عنها استأجرته على أربع بكرات. ويقال استأجرت معه رجلا آخر من قريش حتى بلغ سوق بصرى. وقيل : سوق حباشة بتهامة. وله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ ذاك خمس وعشرون سنة لأربع عشرة ليلة بقيت من ذى الحجة ، فنزل صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت ظل شجرة ، فقال

__________________

(١) انظر خبر بحيرا فى : (صفة الصفوة ١ / ٦٧ ، سيرة ابن هشام ١ / ١٦٥ ، تاريخ الطبرى ٢ / ٢٧٧ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٨٢ ، عيون الأثر لابن سيد الناس ١ / ٤٠ ، دلائل النبوة لأبى نعيم ٥٢ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٤٠).

(٢) انظر : (البداية والنهاية لابن كثير ٢ / ٢٩٠ ، الوفا ١٣٢ ، الروض الأنف ١ / ٢٠٩ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٥٥).

(٣) انظر : (سيرة ابن هشام ١ / ١٢٢ ، الوفا ١٣٣ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٩١ ، تاريخ الخميس ٢٦١).

(٤) روى البخارى فى كتاب الإجارة (١ / ٣٢) : عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ما بعث نبيا إلا رعى الغنم.

فقال أصحابه : وأنت؟ قال : نعم ، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة». وأخرجه ابن ماجة فى سننه ٢١٤٩ ، وابن سعد فى الطبقات ١ / ٨٠ ، وابن كثير فى البداية ٢ / ٢٩٥ ، وأبو نعيم فى الدلائل ١ / ٥٥ ، والبيهقى فى الدلائل ٢ / ٦٥).

٣٧٢

نسطور الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبى ، واستشكل. وفى رواية : بعد عيسى(١).

وكان ميسرة رضى الله عنه يرى فى الهاجرة ملكين يظلانه من الشمس.

وتزوجها بعد ذلك بشهرين وخمسة وعشرين يوما فى عقب صفر وكان سنه ست وعشرين. وقيل : كان سنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إحدى وعشرين سنة. وقيل : ثلاثين.

وقال ابن جريج : وله سبع وثلاثون سنة. وقال البرقى : تسع وعشرون ، قد راهق الثلاثين.

وخديجة رضى الله عنها يومئذ ابنة أربعين سنة. وقيل : خمس وأربعين. وقيل : ثلاثين.

وقيل : ثمان وعشرين. وأصدقها صلى‌الله‌عليه‌وسلم اثنى عشر أوقية ونشا. وقيل : عشرين بكرة (٢).

ولما بلغ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسا وثلاثين سنة بنت قريش الكعبة (٣).

وفى تاريخ يعقوب : كان بناؤه فى سنة خمس وعشرين من الفيل. ووضع عليه الصلاة والسلام : الركن اليمانى بيده يوم الاثنين.

فلما بلغ عليه‌السلام أربعين سنة. وقيل : وأربعين يوما. وقيل : وعشرة أيام. وقيل : وشهرين ، يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من شهر رمضان. وقيل : لسبع. وقيل : لأربع وعشرين ليلة.

وقال ابن عبد البر : يوم الاثنين لثمان من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من الفيل.

وقيل : فى أول ربيع. وفى تاريخ النسائى : على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة وضعفه.

وعن مكحول : بعد ثنتين وأربعين : جاءه جبريل بغار حراء. قالت عائشة رضى الله عنها : «أول ما بدئ به عليه‌السلام من الوحى : الرؤيا الصادقة.

وقال الواقدى ، وابن أبى عاصم ، والدولابى فى تاريخه : نزل عليه القرآن ، وهو ابن ثلاث وأربعين.

__________________

(١) انظر : (طبقات ابن سعد ١ / ٨٣ ، ١٠١ ، دلائل النبوة ١ / ٥٤ ، تاريخ ابن عساكر ١ / ٢٧٤ ، الوفا ١٤٠ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٦).

(٢) انظر : (سيرة ابن هشام ١ / ١٧١ ، عيون الأثر ١ / ٤٧ ، طبقات ابن سعد ١ / ١٣٣ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٩٦ ، الروض الأنف ١ / ٢١٣ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٧ ، الوفا ١٤٢ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٦٣).

(٣) انظر : (سيرة ابن هشام ١ / ١٨٢ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٨ ، الوفا ١٤٣).

٣٧٣

وفى كتاب العتيقى : ابن خمس وأربعين ، لتسع وعشرين من رجب. قاله الحسين ، وجمع : بأن ذلك حين حمى الوحى وتتابع. وقيل : إسرافيل عليه‌السلام وكل به صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث سنين قبل جبريل عليه‌السلام (١).

وأنكر ذلك الواقدى ، وصححه الحاكم. فقال : «أبشر يا محمد ، وأنا جبريل أرسلت إليك ، وأنت رسول هذه الأمة. ثم أخرج لى قطعة نمط ، فقال : اقرأ. قلت : والله ما قرأت شيئا قط. فقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [العلق : ١ ـ ٥] ثم قال : انزل عن الجبل. فنزلت معه إلى قرار الأرض ، فأجلسنى على درنوك وعليه ثوبان أخضران ، ثم ضرب برجله الأرض فنبعت عين ماء ، فتوضأ منها جبريل عليه‌السلام ، ثم أمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فتوضأ كذلك. ثم قام وصلى بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ثم انصرف جبريل. وجاء عليه‌السلام إلى خديجة رضى الله عنها. فأمرها فتوضأت وصلى بها كما صلى به جبريل عليه‌السلام».

وكان ذلك أول فرض الصلاة ركعتين ، ثم إن الله تعالى أقرها فى السفر ركعتين كذلك وأتمها فى الحضر.

وقال مقاتل : كانت الصلاة أول فرضها ركعتين بالغداة ، وركعتين بالعشى.

وذكر أبو نعيم «أن جبريل وميكائيل عليهما‌السلام : شقا صدره وغسلاه ، ثم قالا : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ)».

وعن ابن عباس رضى الله عنهما «أول شىء رأى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من النبوة أنه قيل : له استتر ـ وهو غلام ـ فما رؤيت عورته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد».

وكان أول من آمن بالله وصدق : خديجة رضى الله عنها.

ثم فتر الوحى فترة حتى شق عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأحزنه ، فجاءه جبريل بسورة الضحى (٢).

وكان أول ذكر آمن بعدها : أبو بكر رضى الله عنه ، وقيل : على رضى الله عنه ، ثم زيد بن حارثة رضى الله عنه ، ثم أسلم عثمان بن عفان رضى الله عنه.

__________________

(١) انظر : (سيرة ابن هشام ١ / ٢١٦ ، البداية والنهاية ٣ / ٤ ، إمتاع الأسماع ١ / ٣٩ ، الوفا ١٤٧ ، دلائل النبوة للبيهقى ٢ / ٢٤٨).

(٢) انظر : (صفة الصفوة ١ / ٨٠ ، البداية والنهاية ٣ / ١٧ ، تفسير الطبرى ٣ / ٢٣٢ ، إمتاع الأسماع ١ / ٤٠ ، الوفا ١٥٧).

٣٧٤

وذكر مغلطاى : إسلام جماعة من جلة الصحابة رضى الله عنهم. ثم قال : ودخل الناس فى الإسلام أرسالا من الرجال والنساء.

ثم إن الله أمر رسوله بأن يصدع بما جاء به ، وكان ذلك بعد ثلاث سنين من النبوة.

فبينا سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه فى نفر يصلون فى شعب من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون ، فعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم ، فضرب سعد يومئذ بلحى بعير ، فشجه فكان أول دم هريق فى الإسلام.

فلما نادى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قومه بالإسلام لم تبعد منه قومه ولم يردوا عليه حتى ذكر آلهتهم وعابها.

قال العتيقى : وكان ذلك فى سنة أربع ، فلما فعل أجمعوا على صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلافه وعداوته إلا من عصم الله.

وحدب عليه أبو طالب فخف الأمر وتنابذ القوم ، ونادى بعضهم بعضا ، وتآمرت قريش على من أسلم منهم يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم. ومنع الله رسوله بعمه أبى طالب ، وبنى هاشم ، غير أبى لهب وبنى المطلب. فرماه الوليد بن المغيرة : بالسحر ، وتبعه قومه على ذلك. فنزل فيه : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) الآيات [المدثر : ١]. وفى النفر الذين تابعوه على قوله : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) [الحجر : ٩١].

ثم إن قريشا اشتد عليهم الأمر ، فكذبوه وآذوه ، ورموه بالسحر والشعر والكهانة والجنون ، وأغروا به سفهاؤهم ، حتى أخذ رجل منهم يوما بمجمع ردائه فقام أبو بكر دونه ، وهو يبكى ويقول : أتقتلون رجلا أن يقول : ربى الله؟ (١).

ثم أسلم حمزة بن عبد المطلب عمه رضى الله عنه ، وكان أعز فتى فى قريش ، وأشد شكيمة ، فعزّ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكف عنه قريش قليلا.

قال العتيقى : وكان إسلامه رضى الله عنه سنة ست ، وسألوه إن كنت تطلب مالا جمعنا لك ما لا تكون به أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد الشرف فينا فنحن نسوّدك علينا ، وإن كنت تريد ملكا ملّكناك علينا ، وإن كان هذا الذى يأتيك رئيا قد غلب عليك بذلنا أموالنا فى طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك.

فقال لهم عليه‌السلام : ما بى ما تقولون ، ولكن الله بعثنى رسولا ، وأنزل علىّ كتابه ، وأمرنى أن أكون لكم بشيرا ونذيرا ، فبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم ، فإن تقلبوا

__________________

(١) انظر : (تاريخ الخميس ١ / ٢٩ ، إمتاع الأسماع ١ / ٤٣ ، الروض الأنف ١ / ٨٤).

٣٧٥

منى ما جئتكم به فهو حظكم فى الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علىّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بينى وبينكم.

واشترى أبو بكر رضى الله عنه بلالا رضى الله عنه فأعتقه ، وكان يعذب فى الله.

وقتلت أم عمار بن ياسر : سمية رضى الله عنها فى الله ، فهى أول قتيل فى الإسلام.

وقيل : أول قتيل الحارث بن أبى هالة بن خديجة فيما ذكر العسكرى.

ثم أذن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه فى الهجرة إلى الحبشة فى رجب سنة خمس من النبوة ، وعدتهم : اثنى عشر رجلا وأربع نسوة. وقيل : أحد عشر وامرأتان.

وقال الحاكم : بعد موت أبى طالب.

وفى كتاب الاقتصار على صحيح الأخبار : كانوا عشرة رجال وأربع نسوة ، وأميرهم : عثمان بن مظعون رضى الله عنه ، وأنكر ذلك الزهرى فقال : لم يكن لهم أمير غير ملكها النجاشى ، واسمه : أصحمة بن بحرى. وقيل : مكحول بن صصة ، فخرج المسلمون وهى أول هجرة فى الإسلام.

فلما رأت قريش استقرارهم فى الحبشة وأمرهم أرسلوا فيهم إلى النجاشى عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبى ربيعة ليردهم إلى قومهم ، فأبى ذلك وردهما خائبين وكان حين ذلك مشركا ، ثم أسلم سنة سبع ، وتوفى فى رجب سنة تسع ، وصلى عليه النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورفع إليه سريره حتى رآه. وقيل : لأنه كان عند الكفار الذين لا يصلون عليه ، فلذلك صلى عليه.

وأسلم عمر بن الخطاب بعد حمزة رضى الله عنهما بثلاثة أيام ، فيما قاله أبو نعيم بدعوة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم أيد الإسلام بأبى جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب».

وفى كتاب الحاكم : «اللهم أيد الإسلام بعمر الخطاب» لم يذكر أبا جهل وكان رجلا لا يرام ماوراء ظهره ، فامتنع به وبحمزة الصحابة رضى الله عنهم.

وكان ابن مسعود رضى الله عنه يقول : ما كنا نقدر على أن نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر رضى الله عنه.

فلما رأت قريش عزة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعزة أصحابه فى الحبشة وفشو الإسلام فى القبائل : اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابا يتعاقدوا فيه على بنى هاشم وبنى المطلب : أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم ، ولا يبيعوا منهم شيئا ، ولا يبتاعوا منهم. وكتبوه فى

٣٧٦

صحيفة بخط منصور بن عكرمة. وقيل : بغيض بن عامر ، فشلت يده. وعلقوا الصحيفة فى جوف الكعبة هلال المحرم سنة سبع ، فانحاز الهاشميون غير أبى لهب ، والمطلبيون إلى أبى طالب ، فدخلوا معه فى شعبه ، فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا.

وقال ابن سعد : سنتين حتى جهدوا ، وكانوا لا يصل إليهم شىء إلا سرّا.

ثم هاجر المسلمون الثانية إلى أرض الحبشة ، وعدتهم : ثلاثة وثمانون رجلا إن كان عمار بن ياسر فيهم ، وثمانى عشرة امرأة.

ثم قام رجال فى نقض الصحيفة فأطلع الله عزوجل نبيه على : أن الأرضة أكلت ما فيها من القطيعة والظلم ، فلم يدع إلا اسم الله فقط. فلما أنزلت لتمزق ، وجدت كما قالصلى‌الله‌عليه‌وسلم. وذلك فى السنة العاشرة.

ولما أتت عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما ، مات عمه أبو طالب. وقيل : فى النصف من شوال من السنة العاشرة. وقال ابن الجزار : قبل هجرته بثلاث سنين.

وماتت خديجة رضى الله عنها بعد ذلك بثلاثة أيام. وقيل : بخمسة فى رمضان. وقيل: ماتت قبل الهجرة بخمس ، وقيل : بأربع سنين. وقيل : بعد الإسراء. فكان عليه‌السلام يسمى ذلك العام : عام الحزن ، فيما ذكره صاعد.

وبعد أيام تزوج صلى‌الله‌عليه‌وسلم سودة بنت زمعة سنة عشر. وقيل : بعد موت خديجة رضى الله عنها بسنة. وقال ابن عقيل : تزوجها بعد عائشة رضى الله عنها.

ثم خرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الطائف بعد موت خديجة رضى الله عنها بثلاثة أشهر ، فى ليال بقين من شوال سنة عشر ، ومعه زيد بن حارثة رضى الله عنه ، فأقام به شهرا يدعوهم إلى الله تعالى فلم يجيبوه ، وأغروا به سفهاءهم ، فجعلوا يرمونه بالحجارة ، حتى إن رجليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لتدميان وزيد رضى الله عنه يقيه بنفسه ، حتى لقد شج فى رأسه ، ثم رجع فى جوار المطعم بن عدى ، ولم يستجب له إنسان.

فلما نزل صلى‌الله‌عليه‌وسلم نخلة ، وهو موضع على ليلة من مكة صرف إليه سبعة من جنّ نصيبين ، فاستمعوا له ، وهو يقرأ سورة الجن.

وقيل : كان قدوم الجن بعد خمسين سنة وثلاثة أشهر من مولده صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فلما كانت ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا ، وهو نائم فى بيته ، أتاه جبريل وميكائيل عليهما‌السلام ، فقالا : انطلق إلى ما

٣٧٧

كنت تسأل. وذلك أنه كان يسأل : أن يرى الجنة والنار. فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم ، فأتى بالمعراج ، فعرجا به إلى السماء السابعة وفرضت عليه الصلوات.

وقيل : كان المعراج قبل الهجرة بثلاث سنين. وقيل : ستة. وكان بعد النبوة بخمسة أعوام. وقيل بعام ونصف عام.

وقال عياض : بعد مبعثه بخمسة عشر شهرا.

وقال الحربى : ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة.

وقيل : لسبع عشرة خلت من ربيع الأول.

وقال ابن قتيبة : بعد سنة ونصف من رجوعه من الطائف.

وقال الواقدى : ليلة سبع عشرة من ربيع الأول قبل الهجرة بستة أشهر.

وقال ابن فارس : فلما أتت عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر : أسرى به من زمزم إلى القدس.

وفى البخارى «بينا أنا نائم فى الحطيم ـ وربما قال : فى الحجر. ومنهم من قال : بين النائم واليقظان ـ إذا أتانى آت فشق ما بين هذه إلى هذه ـ يعنى : من ثغرة نحره إلى مراقه ـ فاستخرج قلبى ، ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا ، فغسل قلبى ، ثم حشى ، ثم أعيد. ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض ، وهو البراق ، يضع خطوه عند أقصى طرفه ، فحملت عليه. فانطلق بى جبريل إلى السماء ـ وذكر الأنبياء الذين رآهم فى بيت المقدس والسماء. وذكر الجنة والنار وسدرة المنتهى والأنهار الأربعة ، والآنية الثلاثة : الماء ، والخمر ، واللبن ، وفرض الصلوات (١)».

واختلف فى المعراج والإسراء : هل كانا فى ليلة واحدة ، أم لا؟ وهل كانا أو أحدهما : يقظة أو مناما؟ وهل كان المعراج قبل الإسراء؟ وهل كان المعراج مرة أو مرات؟.

والصحيح : أن االإسراء ، كان فى اليقظة بجسده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنه مرات متعددة ، وأنه رأى ربه عزوجل بعين رأسه صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولما أصبح أخبر قريشا بالإسراء فكذبوه.

__________________

(١) أخرجه : البخارى فى صحيحه كتاب المناقب ، باب المعراج حديث ٣٨٨٧ ، وكتاب بدء الخلق ، باب ذكر الملائكة. وأخرجه مسلم فى صحيحه ، كتاب الإعيان حديث ٢٦٥ ، والبيهقى فى الدلائل ٢ / ٣٧٣ ـ ٣٧٧.

٣٧٨

وارتد جماعة ممن كان أسلم وسألوه أمارة. فأخبرهم بقدوم العير يوم الأربعاء.

فلما كان ذلك اليوم لم يقدموا حتى كادت الشمس أن تغرب ، فدعا الله ، فحبس الشمس حتى قدموا ، كما وصف.

قال ابن إسحاق : ولم تحبس الشمس إلا له ذلك اليوم ، وليوشع بن النون.

قال الواقدى : مكث صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث سنين من أول نبوته مستخفيا ، ثم أعلن فى الرابعة ، فدعى الناس إلى الإسلام عشر سنين ، يوافى الموسم كل عام يتبع الحاج إلى منازلهم بعكاظ ، ومجنة ، وذى المجاز ، يدعوهم إلى أن يمنعوه ، حتى يبلغ رسالات ربه ، فلم يجد أحدا ينصره ولا يجيبه ، إلى أن أراد الله عزوجل إظهار دينه ، ساقه الله عزوجل إلى هذا الحى من الأنصار ـ وهو لقب إسلامى لنصرتهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنما كانوا يسمون : أولاد قيلة ، والأوس ، والخزرج ـ فأسلم اثنان ، أسعد بن زرارة ، وذكوان بن عبد قيس.

فلما كان من العام المقبل فى رجب : أسلم منهم ستة. وقيل : ثمانية. فقال لهم النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم : تمنعون ظهرى حتى أبلغ رسالة ربى. فقالوا : يا رسول الله : إنما كانت بعاث عام الأول يوم من أيامنا ، اقتتلنا به ، فإن تقدم ، ونحن كذا لا يكون لنا عليك اجتماع ، فدعنا حتى نرجع إلى عشائرنا لعل الله أن يصلح ذات بيننا ، وموعدك الموسم العام المقبل.

فكان أول مسجد قرئ فيه القرآن بالمدينة : مسجد بنى زريق.

فلما كان العام المقبل لقيه اثنى عشر رجلا ، وفى الإكليل : أحد عشر. وهى العقبة الأولى ، فأسلموا وبايعوا على بيعة النساء وغير ذلك. ولم يفرض يومئذ القتال ، ثم انصرفوا إلى المدينة. فأظهر الله الإسلام. وكان أسعد بن زرارة رضى الله عنه يجتمع بالمدينة بمن أسلم.

وكتبت الأوس والخزرج إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ابعث إلينا من يقرئنا القرآن ، فبعث صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهم مصعب بن عمير.

وقال ابن إسحاق : أرسله معهم ، وكان يسمى المقرئ. وهو أول من سمى به.

ثم قدم عليهم عبد الله ، ويقال : عامر بن أم مكتوم.

ثم قدم على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى العام المقبل فى ذى الحجة أوسط أيام التشريق منهم سبعون رجلا. وقال ابن سعد : يزيدون رجلا أو رجلين وامرأتان. وقال ابن إسحاق : ثلاثة وسبعون وامرأتان.

٣٧٩

وقال الحاكم : خمسة وسبعون نفسا فى نفر من قومهم وهم خمسمائة. فكان أول من ضرب على يده عليه‌السلام البراء بن معرور رضى الله عنه ويقال : أبو الهيثم رضى الله عنه ، ويقال: أسعد بن زرارة ، على : أنهم يمنعوه ما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم ، وعلى حرب الأحمر والأسود.

فكانت أول آية نزلت فى الإذن بالقتال : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج : ٣٩].

وفى الإكليل : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ) [التوبة : ١١١]. ونقب عليهم اثنى عشر منهم.

ثم إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أذن لأصحابه فى الهجرة إلى المدينة عند إخوانهم الأنصار. وأقام بمكة ينتظر أن يؤذن له فى الخروج.

ثم ذكر مغلطاى هجرة جماعة من جلة الصحابة رضى الله عنهم إلى المدينة ، ثم قال : حتى لم يبق معه ، عليه‌السلام ، بمكة إلا على بن أبى طالب ، والصديق رضى الله عنهما.

كذا قاله ابن إسحاق وغيره. وفيه نظر لما يأتى بعد.

فلما رأت ذلك قريش اجتمعوا ومعهم إبليس فى صورة شيخ نجدى فى دار الندوة ، يتشاورون فيما يصنعون فى أمره ، عليه‌السلام ، حين خافوه ، فأجمعوا على قتله. فأتاه جبريل. فقال : لا تبت هذه الليلة على فراشك. فأمر عليا رضى الله عنه فنام مكانه ، وغطى ببرد أخضر. فكان أول من شرى نفسه ، ثم خرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهم وقد أخذ الله أبصارهم عنه فلم يره منهم أحد ، ونثر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على رءوسهم كلهم ترابا كان فى يده.

وأذن الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الهجرة ، وأمره جبريل ، عليه‌السلام ، أن يستصحب أبا بكر رضى الله عنه واستأجر عبد الله بن الأريقط دليلا وهو على شركه ، وعامر بن فهيرة خادما ، وذلك بعد العقبة بشهرين وليال.

وقال الحاكم : بثلاثة أشهر أو قريبا منها. وكان مدة مقامه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة من حين النبوة إلى ذلك الوقت بضع عشرة سنة. وفى ذلك يقول صرمة :

ثوى فى قريش بضع عشرة حجة

يذكر لو يلقى صديقا مواتيا

وقال عروة : عشرا. وقال ابن عباس خمسة عشر سنة. وفى رواية عنه : ثلاث عشرة سنة. قال الخوارزمى : ينقص يوما واحدا.

٣٨٠