العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ١

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ١

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-2553-2
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٣٠

ومنها : أنه خطب فى الحرمين لأخيه السلطان سنجر بن السلطان ملكشاه السلجوقى.

ومنها : أن فى سنة تسع وثلاثين وخمسمائة : نهب الحجاج العراقيون ، وهم يطوفون ويصلون فى المسجد الحرام ، لوحشة كانت بين أمير الحاج العراقى فى نظر الخادم وأمير مكة هاشم بن فليتة.

ومنها : أن السلطان نور الدين محمد بن زنكى صاحب دمشق وغيرها حج فى سنة ست وخمسين وخمسمائة. ثم خطب له بمكة بعد استيلاء المعظم توران شاه بن أيوب ، أخى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على اليمن. واستيلاؤه عليه ، كان فى سنة ثمان وستين وخمسمائة.

وقيل : فى سنة تسع وستين وخمسمائة.

ومنها : أن فى سنة سبع وخمسين وخمسمائة : نهب أهل مكة للحجاج العراقيين نحو ألف جمل ؛ لفتنة كانت بين الفريقين ، قتل فيها جماعة منهما. وعاد جماعة من الحجاج قبل تمام حجهم.

ومنها : أن فى سنة إحدى وستين وخمسمائة : أعفى الحجاج من تسليم المكس كرامة لعمران بن محمد بن الذريع اليامى الهمدانى صاحب عدن لوصول تابوته إلى مكة من عدن ، وإنما حمل إلى مكة لشغفه فى حياته بالحج ، فأحضر فى مشاعره وصلى عليه خلف المقام ، ودفن بالمعلاة.

ومنها : أن الحجاج مكثوا بعرفة إلى الصباح ، خوفا من فتنة كانت بين عيسى بن فليتة ـ أمير مكة ـ وأخيه مالك بن فليتة ، وذلك فى سنة خمس وستين وخمسمائة. وبات الحجاج العراقيون بعرفة أيضا فى سنة سبعين وخمسمائة. وهذا لأنهم إنما وصلوا إلى عرفة فى يومها.

ومنها : أن فى سنة إحدى وسبعين وخمسمائة : لم يوف أكثر الحجاج العراقى المناسك ؛ لأنهم ما باتوا بمزدلفة وما نزلوا بمنى ، ونزلوا الأبطح فى يوم النحر. وسبب ذلك فتنة عظيمة كانت بين طاشتكين أمير الحاج العراقى وبين مكثر بن عيسى بن فليتة أمير مكة ، ظفر فيه طاشتكين ، وأمر بهدم القلعة التى كانت بمكة ، لمكثر على أبى قبيس ونهبت أموال كثيرة.

ومنها : أن فى سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة : أبطل السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب المكس المأخوذ من الحجاج فى البحر إلى مكة على طريق عبدان.

٣٤١

وكان ذلك معلوما لأمير مكة ، فعوضه السلطان صلاح الدين عن ذلك ألفى دينار ، وألف أردب قمح وإقطاعات بصعيد مصر وجهة اليمن. وقيل : إنه عوضه عن ذلك مبلغ ثمانية آلاف أردب قمح يحمل إليه كل عام إلى ساحل جدة. والله أعلم. انتهى.

وكان يخطب بمكة للسلطان صلاح الدين المذكور بعد مكثر بن عيسى بن فليتة أمير مكة ، وما علمت ابتداء وقت الخطبة له بمكة. والله أعلم.

ومنها : أن جماعة من الحجاج. وهم أربعة وثلاثون نفر ماتوا فى الكعبة المعظمة من الزحام فى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.

ومنها : أن فى يوم عرفة من سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ، تحارب بعض الحجاج الشاميين والعراقيين فى عرفة ، فغلب العراقيون الشاميين ، وقتلوا منهم جماعة ونهبوهم.

ومنها : أن فى سنة ثمان وستمائة حصل فى الحجاج العراقيين قتل ونهب فاحش ، حتى قيل : إنه أخذ من المال والمتاع وغيره ما قيمته ألفا ألف دينار.

حكى ذلك أبو شامة ، وكانت هذه البلية بمكة ومنى. وهى بمنى أعظم.

وذكر ابن محفوظ : أنه كان بين العراقيين وأهل مكة فتنة بمنى فى سنة سبع وستمائة.

ولم أر ما يدل لذلك. والله أعلم.

ومنها : أن صاحب دمشق المعظم عيسى بن العادل أبى بكر بن أيوب : حج فى سنة إحدى عشرة وستمائة وتصدق فيها بالحرمين صدقة كبيرة.

ومنها : أنه كان يخطب بمكة لوالده الملك السلطان العادل أبى بكر بن أيوب أخى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب مصر والشام.

ومنها : أن فى سنة سبع عشرة وستمائة : منع صاحب مكة حسن بن قتادة الحجاج العراقيين من دخول مكة ، ثم أذن لهم فى ذلك بعد قتل أصحابه لأمير الحاج العراقى أقباش الناصرى مملوك الخليفة الناصر لدين الله لاتهامه بأنه يريد أن يولى راجح بن قتادة أخا حسن مكة عوضه.

وكان حسن متوليا لها بعد أبيهما قتادة. وفيها مات قتادة ونصب رأس أقباش بالمسعى عند دار العباس ، ثم دفن مع جسده بالمعلاة.

ومنها : أن جماعة من الحجاج ماتوا بالمسعى من الزحام فى سنة سبع عشرة وستمائة.

ومنها : أن المسعود صاحب اليمن : حج من اليمن فى سنة تسع عشرة وستمائة وبدا

٣٤٢

منه ما لا يحمد ، من رميه حمام مكة بالبندق فوق زمزم ، ومن منعه اطلاع علم الخليفة الناصر العباسى جبل الرحمة بعرفة. وقيل : إنه أذن فى ذلك اليوم قبيل الغروب وغير ذلك من الأمور المنسوبة إليه.

وذكر ابن الأثير ما يقتضى : أنه حج سنة ثمان عشرة. والله أعلم.

وسبق فى الباب قبله أنه ولى مكة ، وكان حال الناس بها حسنا فى ولايته لهيبته ، وإليه ينسب الدرهم المسعودى المتعامل به بمكة.

ومنها : أنه كان يخطب بها لوالده الملك الكامل ناصر الدين أبى المعالى محمد بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب صاحب مصر. ولعل ذلك بعد ملك ولده المسعود لمكة. والله أعلم.

ومنها : أن الملك المنصور نور الدين عمر بن على بن رسول صاحب اليمن : خطب له بمكة فى سنة تسع وعشرين وستمائة.

وفيها : ولى مكة بعد مبايعته بالسلطنة فى بلاد اليمن فى هذه السنة.

وحج الملك المنصور المذكور فى سنة إحدى وثلاثين وستمائة على النجب حجا هينا. وحج أيضا فى سنة تسع وثلاثين وستمائة. وصام رمضان فى هذه السنة بمكة.

ومنها : أن فى سنة سبع وثلاثين وستمائة : خطب بمكة لصاحب مصر الصالح أيوب ابن الكامل.

وممن خطب له بمكة من بنى أيوب : صاحب مصر الأشرف موسى بن الناصر يوسف ابن المسعود أقسيس بن الكامل فى سنة اثنتين وخمسين وستمائة.

وفيها : خطب معه لأتابكه المعز أيبك التركمانى الصالحى.

وفيه : تسلطن المعز المذكور فى شعبان.

وممن خطب له بمكة من ملوك مصر : الظاهر بيبرس الصالحى ، ومن بعده من ملوك مصر ، إلى تاريخه ، إلا المنصور عبد العزيز بن الظاهر برقوق لكونه لم يصل له نجاب وأشك فى الخطبة بمكة لابنى الظاهر بيبرس والعادل كتبغا ، والمنصور لاجين. وأكبر ظنى أنه خطب لهم. والله أعلم.

وكان للناصر محمد بن قلاوون من نفوذ الكلمة بمكة واستبداده بأمر الولاية فيها ما لم يكن لمن قبله من ملوك الترك بمصر. واستبد من بعده من ملوك مصر بالولاية بمكة.

٣٤٣

ومنها : أن فى سنة تسع وثلاثين وستمائة : أسقط السلطان الملك المنصور صاحب اليمن عن مكة سائر المكوسات والجنايات والمظالم. وكتب بذلك مربعة وجعلت قبالة الحجر الأسود ، ودامت هذه المربعة إلى أن قلعها ابن المسيب لما ولى مكة فى سنة ست وأربعين وستمائة ، وأعاد الجنايات والمكوسات بمكة.

ومنها : على ما وجدت بخط الميورقى : لم يحج سنة خمس وخمسين وستمائة من الآفاق ركب ، سوى حجاج الحجاز. انتهى.

ومنها : أن الملك المظفر يوسف بن المنصور صاحب اليمن : حج فى سنة تسع وخمسين وستمائة ، وغسل الكعبة بنفسه وطيبها ، وما كساها بعد انقضاء الخلافة من بغداد ملك قبله. وقام أيضا بمصالح الحرم وأهله ، وأوسع فى الصدقة حين حج.

ومن أفعاله الجميلة بمكة : أنه نثر على الكعبة الذهب والفضة. وكان يخطب له بمكة فى غالب سلطنته. وخطب من بعده لملوك اليمن من ذريته بعد الخطبة لصاحب مصر.

ومنها : على ما قال الميورقى : لم ترفع راية لملك من الملوك سنة ستين وستمائة. كسنة خمس وخمسين وستمائة. انتهى منقولا من خطه. وأراد بذلك : وقت الوقوف بعرفة.

ومنها : أن الحجاج العراقيين توجهوا إلى مكة فى سنة ست وستين وستمائة. وما علمت لهم بتوجه لهم قبل ذلك من بغداد بعد غلبة التتار عليها.

ومنها : أن الملك الظاهر بيبرس الصالحى ، صاحب مصر : حج سنة سبع وستين وستمائة ، وغسل الكعبة وأمر بتسبيلها فى كل سنة وأحسن كثيرا إلى أميرى مكة بسبب ذلك وعظمت صدقته فى الحرمين.

ومنها : أن العراقيين حجوا من بغداد فى سنة تسع وستين وستمائة ، ولم يحج فيها من مصر أحد وحج من العراق ركب كبير فى سنة ثمان وثمانين وستمائة.

ومنها : أن الحجاج ازدحموا فى خروجهم إلى العمرة من باب المسجد الحرام المعروف بباب العمرة. فمات فى الزحمة منهم جمع كبير يبلغون ثمانين نفرا على ما قيل. وذلك بعد الحج من سنة سبع وسبعين وسبعمائة.

ومنها : أن فى سنة ثلاث وثمانين وستمائة : صد الحجاج عن دخول مكة ، ثم دخلوها هجما فى يوم التروية ، بعد ثقبهم السور وإحراقهم لباب المعلاة ، وفرار أبى نمى أمير مكة منها ، وهو : الصاد لهم ، لوحشة كانت بينه وبين أمير الحاج المصرى ، ثم اصطلحا. وقيل : فى سبب هذه الفتنة غير ذلك. والله أعلم.

٣٤٤

ومنها : أن الحاج وأهل مكة تقاتلوا فى المسجد الحرام ، فقتل من الفريقين على ما قيل: فوق أربعين نفرا ، وشهر فيها فى المسجد الحرام من السيوف : نحو عشرة آلاف ، وانتهبت الأموال ، وتثبت أبو نمى فى الأخذ ، ولو قصد الجميع لتم له ذلك. ذكر هذه الحادثة بمعنى ما ذكرناه الشيخ تاج الدين بن الفركاح. وذلك فى سنة تسع وثمانين وستمائة.

ومنها : أن الخليفة بمصر ، الملقب : بالحاكم أحمد العباسى : حج فى سنة سبع وتسعين وستمائة. وهو أول خليفة عباسى حج من مصر ، وثانى خليفة عباسى بعد المستعصم ، ونسبته تتصل بالمسترشد ، فإنه : أحمد بن أبى على بن على بن أبى بكر المسترشد ، وأعطاه لاجين المنصورى صاحب مصر سبعمائة ألف درهم لأجل حجه.

ومنها : أن صاحبى مكة حميضة ورميثة ابنى أبى نمى : أسقطا بعض المكوس فى سنة أربع وسبعمائة ، وفى التى قبلها.

ومنها : أن الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر : حج فى سنة اثنتى عشرة وسبعمائة ، ومعه نحو أربعين أميرا ، وستة آلاف مملوك على الهجن ، ومائة فرس. وحج أيضا فى سنة تسع عشرة وسبعمائة ، وفى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.

وكان معه لما حج فى سنة تسع عشرة وسبعمائة : نحو خمسين أميرا ، وأكثر فيها من فعل المعروف فى الحرمين.

وفيها : غسل الكعبة بيده.

وكان معه لما حج فى سنة اثنتين وثلاثين : نحو سبعين أميرا وتصدق فيها بعد حجه.

ويقال : إن خطبته قطعت من مكة ، وخطب عوضه بها لأبى سعيد بن خربندا ملك العراقيين ، بأمر حميضة بن أبى نمى ، بعد أن رجع من العراق فى آخر سنة ست عشرة وسبعمائة ، أو فى التى بعدها. والله أعلم.

ومنها : أن الحجاج فى سنة عشرين وسبعمائة : صلوا خمس صلوات بمنى ، أولها : الظهر من يوم التروية ، وآخرها : الصبح من يوم عرفة. وساروا إليها بعد طلوع الشمس ، وأحيوا هذه السنة بعد تركها. وفعل مثل ذلك : الشاميون فى سنة سبع وعشرين وسبعمائة.

ومنها : أن فى سنة عشرين وسبعمائة : شهد الموقف بعرفة عالم عظيم من جميع البلاد. وكان مع العراقيين محمل عليه حلى من الجوهر واللؤلؤ والذهب ، ما قوم بمائتى ألف دينار وخمسين ألف دينار من الذهب المصرى.

٣٤٥

ذكر ذلك : الحافظ علم الدين البرزالى.

ومنها : أن الناصر محمد بن قلاوون ، صاحب مصر : أسقط المكس المتعلق بالمأكول بمكة ، وعوض أميرها عطيفة بن أبى نمى عن ذلك : ثلثى دماميل من صعيد مصر وذلك : سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة.

ومنها : أن ملك التكرور موسى : حج فى سنة أربع وعشرين وسبعمائة فى أزيد من خمسة عشر ألف تكروريا.

ومنها : أن العراقيين : حجوا فى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ، ومعهم تابوت جوبان نائب السلطنة بالعراقيين ـ الذى أجرى عين بازان إلى مكة ـ وأحضر تابوته : الموقف بعرفة وطيف به حول الكعبة ليلا.

ومنها : أن فى يوم الجمعة الرابع عشر من ذى الحج سنة ثلاثين وسبعمائة : قتل أمير الحاج المصريين : ألدمر وابنه خليل وغيرهما ، ونهبت للناس أموالا كثيرة.

وذكر النويرى فى تاريخه : أن الخبر بهذه الحادثة وقع بمصر فى يوم وقوعها بمكة.

ومنها : أن فى سنة ثلاثين وسبعمائة : حج العراقيون بفيل بعث به ملكهم أبو سعيد ابن خربندا. فحضروا به المواقف كلها ومضوا به إلى المدينة. فمات بالفرش الصغير بقرب المدينة بعد أن لم يستطع التقدم إليها خطوة.

ومنها : أن صاحب اليمن ، الملك المجاهد على بن الملك المؤيد داود بن الملك المظفر:حج فى سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ، فأطلع علمه جبل عرفات. وكان بنو حسن فى خدمته حتى انقضى الحج.

وحج الملك المجاهد أيضا : فى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ، وقبض عليه المصريون بمنى فى النفر الأول بعد حرب كان بينهم وبين بعض عسكره ، وتوقف هو عن الحرب رعاية لحرمة الزمان والمكان ، وسلم إليهم نفسه بأمان. فساروا به إلى مصر ، فأكرمه متوليها الناصر حسن بن محمد بن قلاوون ، ورده إلى بلاده. ثم رد من الدهنا من وادى ينبع ، واعتقل بالكرك ببلاد الشام ، ثم أطلق وتوجه إلى مصر ، وتوجه منها على طريق عيذاب إلى اليمن. فوصل فى آخر سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة.

ومنها : أن الحجاج وأهل مكة تحاربوا كثيرا بعرفة فى يومها من سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ، فقتل من الترك نحو ستة عشر ، ومن بنى حسن ناس قليل ، ولم يتعرض للحاج بنهب ، وسافر الحاج أجمع فى النفر الأول ، وسلك أهل مكة فى نفرهم بعد عرفة طريق البئر المعروفة بالمظلمة. فعرفت هذه الوقعة عندهم : بسنة المظلمة.

٣٤٦

ومنها : أن الحجاج العراقيين كانوا كثيرا فى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ، وكان لهم أحد عشر سنة لم يحجوا من العراق ، ولم يحجوا أيضا سنة خمس وخمسين وسبعمائة. وحجوا بعد ذلك خمس سنين متوالية. وكانوا كثيرين جدّا فى سنة سبع وخمسين.

وتصدق فيها بعض الحجاج من العجم على أهل الحرمين بذهب كثير.

وفى سنة ثمان وخمسين : كان مع الحجاج العراقيين محملان ، واحد من بغداد وواحد من شيراز.

ومنها : أن فى آخر جمادى الآخرة ، أو فى رجب من سنة ستين وسبعمائة : أسقط المكس المأخوذ من المأكولات بمكة بعد وصول العسكر المجهز من مصر إلى مكة لتأييد أميرها مسند بن رميثة ، ومحمد بن عطيفة. ودام هذا الحال إلى رحيل الحاج من سنة إحدى وستين وسبعمائة.

ومنها : أن فى سنة ست وستين وسبعمائة : أسقط المكس المأخوذ بمكة فى المأكولات جميعا ، وعوض صاحب مكة عن ذلك ، بمائة وستين ألف درهم من بيت المال ، وألف أردب قمح.

ومنها : أن فى أثناء عشر السبعين ـ بتقديم السين ـ وسبعمائة : خطب بمكة للسلطان شيخ أويس بن الشيخ حسن الكبير صاحب بغداد وغيرها ، بعد أن وصلت منه قناديل حسنة للكعبة وهدية طائلة إلى أمير مكة عجلان ، وهو الآمر لخطيب مكة بالخطبة له.

ثم تركت الخطبة لصاحب العراق. وما عرفت وقت ابتداء تركها.

ومنها : أن الحجاج المصريين : قلوا كثيرا جدّا فى ثمان وسبعين وسبعمائة لرجوع جزيلهم من عقبة أيلة إلى مصر ، بسبب قيام الترك بها على صاحب مصر الملك الأشرف شعبان بن حسين. وكان قد توجه فيها للحج فى أبهة عظيمة.

وكان من خبره : أنه رجع إلى مصر واختفى بها ؛ لأن الذين تركهم بها قاموا عليه بمصر وسلطنوا ولده عليّا ولقبوه بالمنصور. وظفر به بعد ذلك فأذهبت روحه ، وفاز بالشهادة فى ثامن ذى القعدة منها.

ومنها : أن فى سنة إحدى وثمانين وسبعمائة : حج بالناس من اليمن فى البر ـ مع محمل جهزه صاحب اليمن ـ الملك الأشرف إسماعيل بن الملك الأفضل العباس بن المجاهد. وجهز الملك الأشرف أيضا محملا إلى مكة فى سنة ثمانمائة ، وحج الناس معه

٣٤٧

أيضا ، وأصاب بعضهم شدة من العطش بقرب مكة ، ومات بها جماعة ولم يصل بعدها إلى مكة محمل من اليمن.

وكان محمل اليمن منقطعا عن مكة فيما علمت نحو ثمانين سنة قبل سنة إحدى وثمانين وسبعمائة.

ومنها : أن فى يوم التروية من سنة سبع وتسعين وسبعمائة : حصل فى المسجد الحرام جفلة ، بسبب منافرة حصلت من بعض أهل مكة والحجاج ، فثارت الفتنة فنهبت أموال كثيرة للحجاج وقتل بعضهم ، وتعرض الحرامية للحجاج ، فنهبوهم فى طريق عرفة عند مأزميها وغير ذلك ، ونفر الحاج أجمع فى النفر الأول.

وفيها : وصل مع الحجاج الحلبيين : محمل على صفة المحامل ، ولم يعهد ذلك إلا فى سنة سبع وثمانين وسبعمائة ، ولم يعهد ذلك قبلها.

وفيها : حج العراقيون فى غاية القلة بمحمل على العادة بعد انقطاعهم مدة يسيرة.

ومنها : أن فى سنة ثلاث وثمانمائة : لم يحج أحد من الشام على طريقتهم المعتادة لما أصاب أهل دمشق من القتل والعذاب ، والأسر ، وإحراق دمشق. والفاعل لذلك : أصحاب تيمور لنك صاحب الشرق.

ودام انقطاع الحجاج الشاميين من هذه الطريق سنتين ، ثم حجوا منها بمحمل على العادة فى سنة ست وثمانمائة وفى سنة سبع.

وانقطعوا عن الحج منها فى سنة ثمان وثمانمائة. ثم حجوا منها بمحمل على العادة فى سنة تسع وثمانمائة ، واستمر ذلك إلى تاريخه.

ومنها : أن الحجاج العراقيين : حجوا من بغداد بمحمل على العادة فى سنة سبع وثمانمائة بعد انقطاعهم عن الحج منها تسع سنين ـ بتقديم التاء ـ متوالية.

والذى جهزهم فى هذه السنة متوليها من قبل تيمور لنك.

وفى شعبان منها : مات تيمور لنك.

وحج العراقيون من هذه الطريق بعد هذه السنة خمس سنين متوالية بمحمل على العادة ، ثم انقطعوا منها ثلاث سنين متوالية.

أولها : سنة ثلاث عشرة وثمانمائة بموت سلطان بغداد : أحمد بن أويس ، فى هذه السنة مقتولا ، وهو الذى جهز الحجاج من بغداد فى بعض السنين السابقة بعد سنة سبع

٣٤٨

وثمانمائة ، ثم حج الناس من بغداد بمحمل على العادة سنة ست عشرة وثمانمائة. وفى أربع سنين متوالية بعدها ، ولم يحجوا من بغداد فى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ، ولا فيما بعدها.

والذى جهزهم فى هذه السنين : متولى بغداد من قبل قرا يوسف التركمانى. وهو المنتزع الملك من أحمد بن أويس.

ومنها : أن الحجاج المصريين غير قليل منهم : تخلفوا عن زيارة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لمبادرة أميرهم بيسق بالمسير إلى مصر ، متخوفا من أن يلحقه أحد من أمراء الشام بين عقبة أيلة ومصر ، فإنه كان قبض بمكة على أمير الركب الشامى فى موسم هذه السنة ، وهى سنة عشر وثمانمائة.

وفيه : نفر الحاج أجمع فى النفر الأول.

ومنها : أن فى سنة اثنتى عشرة وثمانمائة : حصل فى الحجاج المصريين قتل ونهب ، وتعدى النهب إلى غيرهم ، ومعظم النهب وقع فى حال توجه الناس إلى عرفة. وفى ليلة النحر بمنى : عقرت جمال كثيرة وعند مأزمى عرفة ، والفاعل لذلك : جماعة من غوغاء العرب.

والذى جرأهم على ذلك : أن صاحب مكة السيد حسن بن عجلان رحمه‌الله تعالى ، لم يحج فى هذه السنة. وإنما لم يحج فيها : لوحشة كانت بينه وبين أمير الركب المصرى بيسق ، فإنه أعلن للناس فى الينبوع : أن صاحب مكة معزول ، وأنه يريد محاربته.

ثم إن صاحب مصر : الناصر فرج ، منعه من حرب صاحب مكة. وأعاده وأعاد بنيه إلى ولايتهم. ولو لا أمر صاحب مكة بالكف عن إذاء الحاج لكان أكثرهم رفاتا ، وأموالهم أشتاتا.

وهذه الحادثة أبسط من هذا بكثير فى أصله.

ومنها : أن هذه السنة : أقام الحاج بعرفة يومين لاختلاف وقع فى أول ذى الحجة وأوقفت المحامل بعرفة على العادة. ونفروا بها وقت النفر المعتاد إلى قرب العلمين ، ثم ردت إلى مواضعها.

وهذا الوقوف فى اليوم الأول ، وفيه وصلوا عرفة ، وهو يوم التروية على مقتضى رؤية أهل مكة لذى الحجة.

ومنها : أن الحجاج لم ينفروا من منى فى سنة ثلاث عشرة : إلا وقت الزوال من اليوم

٣٤٩

الرابع عشر من ذى الحجة لرغبة التجار فى ذلك ، فازدادوا فى الإقامة بمنى يوما ملفقا.

وفى هذه السنة : حج صاحب كلوه ، وأحسن إلى أعيان الحرم وغيرهم ، وزار المدينة النبوية.

ومنها : أن فى يوم الجمعة الثانى والعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وثمانمائة: خطب بمكة للإمام المستعين بالله أبى الفضل العباس بن المتوكل محمد بن المعتضد أبى بكر بن المستكفى سليمان بن الحاكم أحمد ـ المقدم ذكر جده ـ لما أقيم فى مقام السلطنة بالديار المصرية والشامية ، بعد قتل الملك الناصر فرج بن الملك الظاهر برقوق صاحب مصر ، ودعى له على زمزم فى ليلة الخميس الحادى والعشرين من الشهر المذكور ، عوض صاحب مصر.

ودام الدعاء له عوض السلطان بمصر إلى أن وصل الخبر بأن الملك المؤيد أبا النصر شيخ : بويع بالسلطنة بالديار المصرية فى مستهل شعبان من سنة خمس عشرة وثمانمائة ، فدعى للملك المؤيد فى الخطبة وعلى زمزم فى شوال من السنة المذكورة.

ودعى قبله للمستعين : دعاء مختصر بالصلاح. ثم قطع الدعاء للمستعين بعد سنة ، ثم أعيد بعد أربعين يوما ، ثم قطع بعد نحو خمسة أشهر.

ومنها : أن فى يوم الجمعة خامس ذى الحجة سنة سبع عشرة وثمانمائة : حصل بين أمير الحاج المصريين جقمق المؤيدى ومن انضم إليه ، وبين القواد العمرة : قتال فى المسجد الحرام ، وخارجه بالمسفلة ، واستظهر الترك على القواد ، وأدخل أمير الحاج خيله إلى المسجد الحرام ، وجعلها بالجانب الشرقى قريبا من منزله ، وأوقدت فيه مشاعله ، وأوقدت أيضا مشاعل المقامات ، ودام الحال على ذلك إلى الصباح.

وفى ضحوة يوم السبت : سكنت الفتنة واطمأن الناس.

وسبب هذه الفتنة : أن أمير الحاج المصرى ، أدّب غلاما للقواد على حمله السلاح بمكة ، لنهى الأمير عن ذلك. فطلب مواليه أن يطلقه من السجن فأبى. فكان من الفتنة ما ذكرناه. فلما أطلقه : سكنت الفتنة.

ومات بسببها جماعة من الفريقين. وكثر بسببها انتهاك حرمة المسجد الحرام لما حصل فيه من القتال والدم ، وروث الخيل ، وسمرت أبوابه إلا باب بنى شيبة والدريبة ، والمجاهدية.

ومنها : أن فى هذه السنة أيضا حصل خلاف فى هلال ذى الحجة ، هل أوله الاثنين

٣٥٠

أو الثلاثاء؟ فحصل الاتفاق على أن الناس يخرجون إلى عرفة فى بكرة يوم الثلاثاء تاسع ذى الحجة ، على مقتضى قول من قال : إنه رئى بالاثنين ، وأن يقيموا بها ليلة الأربعاء ، ويوم الأربعاء ، ففعل معظم الناس ذلك ، ودفعوا من عرفة بعد الغروب ليلة الخميس إلى المزدلفة ، وباتوا بها إلى قرب الفجر ، ثم رحلوا إلى منى بعد رحيل المحامل.

والمعهود أنها لا ترحل إلا بعد الفجر ، وكذا غالب الناس ، ففاتهم الفضيلة. وما تعرض لهم فى سيرهم من عرفة إلى منى أحد بسوء مما علمناه لعناية أمير الحاج لحراستهم ، وتعرض الحرامية للحجاج المكيين وغيرهم عند مأزمى عرفة فى توجههم إليها. وحصل للحجاج هؤلاء قتل ونهب وعقر فى جمالهم ، وحصل بمنى نهب كثير فى ليلة الأربعاء وليلة الخميس.

ومنها : أن فى سنة ثمان عشرة وثمانمائة : أقام الحجاج بمنى غالب يوم التروية وليلة التاسع ، ثم مضوا من منى بعد طلوع الشمس إلى عرفة ، وأحيوا هذه السنة بعد إماتتها دهرا طويلا.

ومنها : أن فى سنة أربع وعشرين وثمانمائة : مات كثير من الحجاج بمنى فى ليلة التاسع ، ومضوا منها إلى عرفات بعد طلوع الشمس صحبة محمل مصر والشام. والفاعل لذلك : أكثرهم من حجاج مصر والشام ، وأحيوا هذه السنة ، أثابهم الله.

ومما ينبغى إحياؤه من السنن بمنى : الخطبة بها فى أيام الحج ، فالله يثيب الساعى فى ذلك.

ومنها : أنه لم يخطب بمكة ولا فى غيرها لملك أصغر سنا من الملك المظفر أحمد بن الملك المؤيد شيخ ؛ لأنه بويع له بالسلطنة بمصر والشام ، وله من العمر سنة وثمانية أشهر وسبعة أيام ـ بتقديم السين ـ على ما وجدت فى تاريخ بعض أصحابنا.

وكانت البيعة له : فى ثامن المحرم ، سنة أربع وعشرين وثمانمائة ، بعد موت أبيه.

واستمر حتى خلع فى السابع والعشرين من شعبان ، من السنة المذكورة بدمشق.

ومنها : أن الملك الظاهر أبا الفتح ططر ، لم يخطب له بمكة وهو حى ، إلا جمعة واحدة ؛ لأنه خطب له بمكة فى يوم الجمعة ثانى ذى الحجة أو ثالثه ، سنة أربع وعشرين وثمانمائة. ومات فى الرابع من ذى الحجة ، من السنة المذكورة.

واستمرت الخطبة له بمكة حتى وصل الخبر بموته فى أثناء شهر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وثمانمائة ، ولم يتفق ذلك لغيره.

٣٥١

وخطب بعد ذلك بمكة لولده الملك الصالح محمد.

وفى موسم سنة أربع وعشرين وثمانمائة ، أبطل الملك الظاهر ططر بعض المكوسات المأخوذة بمكة فى الخضر وغير ذلك من المأكولات وغيرها.

وألزم به أمير مكة الشريف حسن بن عجلان ، فوافق على ذلك ، وكتب ذلك فى أساطين المسجد الحرام ، قبالة باب بنى شيبة وغيره.

ومنها : أن مولانا السلطان الملك الأشرف برسباى ـ نصره الله وأيده ـ انفرد بالخطبة بمكة أشهرا ، ولم يخطب معه لصاحب اليمن ولا لغيره من الملوك ، وكانت العادة جارية بالخطبة بعده لصاحب اليمن ، فترك ذكر صاحب اليمن فى الخطبة بمكة فى أيام الموسم ، فى سنة ست وعشرين وثمانمائة إلى جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة.

وفى سابعه : أعيدت الخطبة بمكة لصاحب اليمن المشار إليه ، وهو الملك الناصر أحمد ابن الملك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن.

وأول ما خطب لمولانا السلطان الملك الأشرف برسباى بمكة فى الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وثمانمائة.

وكانت مبايعته بالسلطنة فى ثامن ربيع الآخر من السنة المذكورة بعد خلع الصالح محمد بن الظاهر ططر.

وكان الصالح ولى بعد أبيه ، وله من العمر عشر سنين فيما قيل ، وهو والمظفر حيان ، وابتدأ مولانا السلطان الملك الأشرف ـ نصر الله دولته الشريفة ـ بشىء حسن ، وهو : أنه منع من تقبيل الناس له الأرض بين يديه ، تدينا وتعظيما لله سبحانه وتعالى ، ولم يتفق ذلك لغيره من ملوك مصر.

وامتاز أيضا ـ نصره الله ـ بغزوه الفرنج فى بلادها بنواحى قبرص وغيرها ، وأظفره الله بهم ؛ لأن عسكر المنصور أسروا كثيرا من الفرنج ، وغنموا من أموالهم طائلا ، ووصلوا بذلك إلى مصر فى شوال سنة ثمان وعشرين وثمانمائة. وهابه الفرنج كثيرا ، ورغبوا أن يكون لهم من السوء مجيرا ، وبعثوا إليه بالهدية ليسعفهم بالأمنية.

ومن مزاياه على ملوك مصر ـ بعد الناصر حسن بن محمد بن قلاوون ـ : أنه أرسل إلى مكة المشرفة عدة عساكر برا وبحرا ، واستولوا عليها ، ولم يقاومهم أحد من بنى حسن ولا غيرهم. وساروا من مكة حتى قاربوا بلاد حلى ، فلم يتعرض لقتالهم أحد من الناس هيبة له. وعادوا إلى مكة المشرفة سالمين. وذلك سنة ثمان وعشرين وثمانمائة.

٣٥٢

وفى ربيع الآخر منها : وصل طائفة من عسكره المنصور من مصر إلى مكة.

وفى سادس جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة : كان وصول طائفة من عسكره المنصور إلى مكة. فاستولوا عليها كما سبق ذكره فى آخر الباب قبله.

وفى شوال سنة ثمان وعشرين وثمانمائة : وصل طائفة من عسكره المنصور فى موكبين عظيمين إلى مرسى زبيد باليمن ، على ليلة منها وفى أحدهما هدية لصاحب اليمن ، فقوبل الرسول بالكرامة.

ومنها : أن فى سنة تسع وعشرين وثمانمائة : تخوف الناس فى أيام الموسم حصول فتنة بمكة ، وفى أيام الحج. وسلم الله وله الحمد.

وسبب ذلك : أنه قدم إلى مكة جماعة من الأمراء المقدمين وغيرهم من المماليك السلطانية الأشرفية فى أوائل العشر الأخير من ذى القعدة.

وكان الشريف حسن بن عجلان غائبا عن مكة بناحية الخريفين فى جهة اليمن ، واستدعوه إلى مكة فلم يحضر لتخوفه ، وحضر إليهم ولده الشريف بركات وأكرموه.

ولما أيسوا من حضور الشريف حسن استدعوا سرّا إلى مكة الشريف رميثة بن محمد ابن عجلان ، وأطمعوه ولاية مكة. وذلك فى يوم عرفة أو يوم التروية ، فلم يستطع الوصول إليهم ؛ لأنه كان مقيما عند عمه ، ولعظم هيبة الأمراء جماعتهم لم يتظاهر الحرامية بنهب فى طرقات الحج بمكة.

وخرج الأمراء والترك والحجاج من مكة إلى منى فى يوم التروية ، وباتوا بها إلى الفجر من اليوم التاسع أو قربه وساروا إلى عرفة فأقاموا بها إلى الغروب ، ودفعوا إلى مزدلفة ، فلم يستطع أحد من الحرامية التعرض للحاج بسوء فى مأزمى عرفة ولا غيره لعناية الأمراء وجماعتهم بحراسة الحاج ، وانقضت أيام الحج وأحوال الناس من الحجاج وغيرهم مستقيم.

وكان الأمراء يرجعون فى مصالح الحاج والرعية بمكة إلى رأى مولانا المقر الأشرف الكريم الزينى عبد الباسط ناظر الجيوش المنصورة بالمماليك الشريفة ـ أعلى الله قدره وبلغه وطره ـ لحسن تدبيره وجودة رأيه.

وكان مولانا السلطان الملك الأشرف برسباى صاحب مصر والشام ـ نصره الله : قد فوض إليه أمر مكة ، وعمل المصلحة فيها ، لكفايته وعظم رتبته ، فمشت الأحوال

٣٥٣

بمكة على السداد ـ بلغه الله المراد ـ وبدت منه على عادته بمكة صدقات مبرورة وأفعال مشكورة. وهذه حجته الثانية.

وحج قبلها فى سنة سبع عشرة وثمانمائة ـ تقبل الله منه العمل ، وبلغه الأمل وفسح له فى الأجل.

وهذا آخر ما قصدنا ذكره من الحوادث فى هذا الباب.

ونسأل الله تعالى أن يجزل لنا على ذلك الثواب. ولو لا مراعتنا للاختصار فى ذكرها ، لطال شرح أمرها.

* * *

٣٥٤

الباب التاسع والثلاثون

فى ذكر شىء من أمطار مكة وسيولها ، فى الجاهلية والإسلام ، وشىء من أخبار الصواعق بمكة ، وذكر شىء من أخبار الرخص والغلاء والوباء بمكة (١).

أما : أمطار مكة ، وسيولها ، فى الجاهلية ، والإسلام. فذكر الأزرقى شيئا من ذلك:

منها : فى الجاهلية : سيلان.

أحدهما : كان عظيما ، ويعرف بسيل فارة ، على عهد خزاعة.

والآخر : كسى ما بين الجبلين ، ولم يبين زمنه.

ومنها : سيول فى الإسلام ، وهى السيل المعروف : بأم نهشل ، وهو الذى ذهب بالمقام من موضعه إلى أسفل مكة.

وكان فى زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، بعده عمل الردم الذى بأعلى مكة صونا للمسجد الحرام.

والسيل المعروف : بسيل الحجاف فى يوم التروية سنة ثمانين من الهجرة ، ذهب بناس من الحجاج وبمتاعهم ، وخرب دورا كبيرة شارعة على الوادى ، فهلك فيها أناس كثيرة.

وسيلان عظيمان :

أحدهما : يعرف بالمخبل ؛ لأنه أصاب الناس بعده شبه الخبل ، وكانا فى سنة أربع وثمانين ومائة.

وسيلان عظيمان كانا فى خلافة المأمون :

أحدهما : يعرف : بسيل ابن حنظلة ، فى سنة اثنين ومائتين.

والآخر : فى شوال سنة ثمان ومائتين.

وكل هذه السيول دخلت المسجد الحرام ، وحالها أبسط من هذا فى أصله.

وفى تاريخ الأزرقى من سيول مكة فى الجاهلية والإسلام سوى ما ذكرناه.

__________________

(١) انظر : (شفاء الغرام ٢ / ٢٦٠ ـ ٢٧٧).

٣٥٥

ومن سيولها فى الإسلام مما كان قبل الأزرقى ، ولم يذكره : سيل عظيم كان فى سنة ثمان وثمانين من الهجرة.

ذكره ابن جرير الطبرى.

وسيل يعرف : بأبى شاكر مسلمة بن هشام بن عبد الملك ؛ لأنه جاء فى سنة عشرين ومائة ، عقيب حجه بالناس. وحج أبو شاكر فى التى قبلها.

وسيل اللبيرى فى آخر المحرم سنة ستين ومائة.

ذكر هذين السيلين : الفاكهى.

وذكر سيولا أخر ثلاثة ، تحتمل أن تكون فى زمن الأزرقى ، وأن يكون بعده واحد فى سنة ثلاث وخمسين ومائتين. وواحد فى سنة اثنتين وستين ومائتين. وواحد فى سنة ثلاث وستين ومائتين.

وكلها دخلت المسجد الحرام وأثرت فيه. وأوضحنا من خبرها فى أصله أكثر من هذا.

ومن أمطار مكة وسيولها بعد الأزرقى : أمطار كثيرة. سال بها وادى مكة أسيالا عظيمة ، وكثر فى بعضها ماء زمزم ، حتى لم يبق بينه وبين شفتها العليا إلا سبعة أذرع أو نحوها ، وعذبت جدّا ، حتى كانت أعذب مياه مكة إذ ذاك. وذلك فى سنة تسع وسبعين ومائتين ، وسنة ثمانين ومائتين.

ذكر ذلك : إسحاق الخزاعى راوى تاريخ الأزرقى ، وأدخله فيه.

ومنها : ما ذكره المسعودى ؛ لأنه قال فى أخبار سنة سبع وتسعين ومائتين : ورد الخبر إلى مدينة السلام : بأن أركان البيت الحرام الأربع غرقت حتى جرى الغرق فى الطوّاف ، وفاض بئر زمزم. وذلك لم يعهد فيما سلف من الزمان. انتهى.

ومنها : مطر فى جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وخمسمائة ، أقام سبعة أيام. فسقطت الدور وتضرر الناس به كثيرا.

ومنها : مطر فى سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، سال منه وادى إبراهيم ، ونزل برد بقدر البيض وزن مائة درهم.

ومنها : مطر فى سنة تسع وستين وخمسمائة ، جاء سيل كثير ، ودخل السيل من باب بنى شيبة ، ودخل دار الإمارة عنده. ولم ير مثله فى دخوله من هذه الجهة.

٣٥٦

ومنها : فى سنة تسعين وخمسمائة : أمطار كثيرة وسيول ، سال منها وادى إبراهيم خمس مرات.

ومنها : فى ثامن صفر سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة : سيل دخل الكعبة ، وأخذ أحد فرضتى باب إبراهيم ، وحمل المنبر ودرجة الكعبة.

ورأيت بخط بعضهم : ما يقتضى أن هذا السيل دخل الكعبة ، فبلغ قريبا من الذراع ، وحمل فرضتى باب إبراهيم وسار بهما ، وهذا لا يفهم مما ذكرناه أولا.

ومنها : فى منتصف ذى القعدة سنة عشرين وستمائة : سيل عظيم قارب دخول الكعبة ولم يدخلها.

ومنها : سيل كبير فى سنة إحدى وخمسين وستمائة.

ومنها : سيل دخل الكعبة ، ومات منه عالم عظيم ، بعضهم حملهم وبعضهم طاحت الدور عليهم. ذكره الميورقى بمعنى هذا.

وذكر : أنه كان سنة تسع وستين وستمائة ، فى ليلة منتصف شعبان.

ومنها : سيل عظيم بلا مطر فى سنة ثلاثين وسبعمائة بعد الحج.

ومنها : فى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة : أمطار وصواعق.

منها : صاعقة على أبى قبيس فقتلت رجلا ، وصاعقة بالخيف فقتلت رجلا ، وأخرى بالجعرانة ، فقتلت رجلا.

ومنها : فى ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة : مطر عظيم ، وسيل هائل دخل الكعبة ، وعلا الماء فوق عتبتها شبرين ، وعبر فى ببعض قناديل المطاف منه فوقها ، فأطفأها ، وقلع من أبواب الحرم أماكن ، وطاف بها الماء ، وطاف بالمنابر كل واحد إلى جهة. وفعل أمورا أخر عجيبة. وخبره : أبسط من هذا فى أصله ، ويعرف : بسيل القناديل.

ولم يأت بعده سيل يشبهه فيما علمت ، إلا سيل اتفق فى ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانمائة ؛ لأنه دخل الكعبة وعلا فوق عتبتها ذراعا أو أكثر على ما قيل. ورمى بدرجة الكعبة إلى باب إبراهيم ، وهدم عمودين فى المسجد ، ودور للناس كثيرة. ومات تحت الهدم وفى الغرف منه نحو ستين نفرا على ما قيل. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

٣٥٧

وكان بعد مطر هائل كأفواه القرب.

ومن العجيب : اتفاق هذين السيلين باعتبار الليلة والشهر بأن كليهما فى ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى. فسبحان الفعال لما يريد.

ومنها : فى آخر ذى الحجة سنة خمس وعشرين وثمانمائة سحرا : سيل هائل دخل المسجد الحرام من عدة أبواب ، وقارب باب الكعبة المعظمة ، وعام فيه بعض المنابر. وألقى فى المسجد الحرام من الأوساخ شيئا عظيما ، جمع : فصار أكواما كبيرة ، وأخرب فى سور باب المعلاة ، جانبا كبيرا بين البابين اللذين فى هذا السور.

ومنها : سيل كان فى ليلة ثالث جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة : دخل المسجد الحرام ، وقارب الحجر الأسود ، وأخرب جانبا من سور باب الماجن ، وموضع الباب فى هذا السور.

وقد خفى علينا أشياء فى هذا المعنى لعدم ظفرنا بتأليف فى ذلك.

وأما أخبار الرخص والغلاء والوباء بمكة : فقد ذكرنا فى أصله أشياء كثيرة من ذلك لا يوجد مثلها مجموعا فى كتاب. ونشير هنا لشىء من ذلك.

فمن أخبار الرخاء : أن القمح المصرى بيع الأردب منه بثمانية عشر درهما كاملية وذلك فى سنة خمس وعشرين وسبعمائة بساحل جدة ، على ما ذكر ابن العديسة فيما نقله عنه المؤرخ شمس الدين الجزرى الدمشقى.

ومن ذلك : أن الغرارة المكية من الحنطة ـ المعروفة : باللقيمية ـ بيعت بأربعين درهما كاملية. وهذا أرخص شىء سمعناه فى سعر اللقيمية. وما عرفت متى كان ذلك.

وأرخص ما بيعت به الذرة : الغرارة ثلاثة وثلاثين درهما كاملية وثلث درهم. وربما بيعت بثلاثين درهم كاملية فيما بلغنى. والأول شاهدناه. وبيع المن السمن : باثنى عشر درهما كاملية ، وهو اثنى عشر أوقية ، كل أوقية رطلان مصريان ، ونصف رطل.

والعسل : كل منّ بدرهمين كاملين وهو ثلاثة أرطال مصرية.

واللحم : كل منّ بأربعة مسعودية ، وهو سبعة أرطال مصرية ، إلا ثلث. ومن أخبار الغلاء بمكة : أن الخبر بمكة بيع ثلاث أواق بدرهم ، واللحم بأربعة دراهم الرطل ، وكل شربة ماء بثلاثة دراهم. وذلك فى سنة إحدى وخمسين ومائتين.

ومن ذلك : أن الخبر بلغ عشرة أرطال بدينار مغربى. ثم تعذر وجوده وأشرف الحجاج والناس على الهلاك. وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة.

٣٥٨

ومن ذلك : أن الناس أكلوا الدم والجلود بمكة لغلاء شديد كان بها فى سنة تسع وستين وخمسمائة. ومات كثير من الناس بسببه.

ومنها : أن بعض الناس بمكة أكلوا لحم بعض الحمير الميتة على ما قيل ، لغلاء شديد جدا بمكة. وذلك فى سنة ست وستين وسبعمائة. وتعرف هذه السنة عند المكيين بسنة أم جرب ؛ لأن المواشى عمها الجرب فيها. وأدخلت المسجد الحرام وقت الاستسقاء فيه. وجعلت فى صوب مقام المالكية ، وما يسر الله لهم سقيا ، ولكن وفق مدير المملكة بمصر الأمير يلبغا الخاصكى ، فجهز إلى مكة من القمح الطيب برا وبحرا ما أنعشهم به. فالله تعالى يثيبه ويثيب من نبه على ذلك.

ومن ذلك : غلاء فى سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة : بلغت الغرارة الحنطة خمسمائة درهم كاملية ، واختبز الناس القطانى وحب الثمام وأكلوهما.

وهذا أعظم غلاء شاهدناه بمكة.

ومن ذلك : أن الغرارة الحنطة بيعت بعشرين أفرنتيا ذهبا قبيل الموسم من سنة خمس عشرة وثمانمائة وبإثره.

ومن ذلك : غلاء فى النصف الثانى من سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة ، بلغت الغرارة عشرين أفلوريا وأزيد ، والذرة قريبا من ذلك.

وعم الغلاء سائر المأكولات وفحش فى السمن كثيرا ؛ لأن المن منه بلغ سبعة أفرنتية ونصف ، فى آخر ذى القعدة.

وفى ذى القعدة من سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة : عظم الغلاء جدّا فى السمن بلغ المن أحد عشر أفلوريا وأزيد. ولم يعلم مثل ذلك.

ومن أخبار الوباء : أنه وقع الوباء على رأس سنة ستمائة من الهجرة.

ومن ذلك : أن فى سنة إحدى وسبعين وستمائة : كان الفناء عظيما بمكة بلغت الموتى فى بعض الأيام اثنتين وعشرين جنازة ، وفى بعض خمسين. وعد أهل مكة ما بين العمرتين من أول رجب إلى السابع والعشرين منه : ألف جنازة.

ذكر هذه الحادثة بهذا اللفظ غير قليل. فبالمعنى الميورقى. وكذا الأولى.

ومن ذلك : وباء فى سنة تسع وأربعين وستمائة. وكان عاما فى الغلاء ، وأعظم ما كان بديار مصر.

٣٥٩

ومن ذلك : أن فى بعض الأيام على ما قيل : فى سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة : بلغ الموتى بمكة أربعين نفرا.

ومنها : فى سنة سبع وعشرين وثمانمائة وباء عظيم عام ، لعل الموتى فيه ممن يعرف باسمه أو مكانه يزيدون على ألفين أو يقاربون ذلك. وكان كثيرا ما يجتمع من الجنائز عقيب صلاة الصبح أو العصر سبع أو أكثر. وكان يموت فى كثير من الأيام بضع وعشرين فى كل يوم أو أكثر غير الموتى الذى يؤتى به من بادية مكة إليها.

وقد اتضح بما ذكرناه من أخبار الرخص والغلاء والوباء أمور كثيرة.

* * *

٣٦٠